280 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي.
————-‘————‘————
مسند أحمد:
14205 – حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: صُرِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَرَسٍ عَلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ، فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي، فَصَلَّيْنَا بِصَلَاتِهِ، وَنَحْنُ قِيَامٌ، فَلَمَّا صَلَّى، قَالَ: ” إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا، وَإِنْ صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا، وَلَا تَقُومُوا وَهُوَ جَالِسٌ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ فَارِسٍ بِعُظَمَائِهَا ”
قال محققو المسند: إسناده قوي على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي سفيان- وهو طلحة بن نافع- فمن رجال مسلم، وهو صدوق لا بأس به.
وأخرجه ابن أبي شيبة 2/ 325 – 326، وأبو داود (602)، وابن ماجه (3485)، وابن خزيمة (1615)، وابن حبان (2114) من طريق وكيع، بهذا الإسناد. وليس في رواية أبي داود وابن خزيمة أول الحديث وهو قوله: “إنما جعل الإمام ليؤتم به”، ورواية ابن ماجه مختصرة بقصة سقوط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الفرس.
ورواية ابن أبي شيبة وأبي داود وابن حبان مطولة بلفظ: ركب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرساً بالمدينة فصَرَعه على جِذْم نخلة فانفكت قدمه، فأتيناه نعوده فوجدناه في مَشربةٍِ لعائشة يسبح جالساً، قال: فقمنا خلفه، فسكت عنا، ثم أتيناه مرة أخرى نعوده، فصلى المكتوبة جالساً، فقمنا خلفه، فأشار إلينا، فقعدنا، قال: فلما قضى الصلاة، قال: “إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى جالساً فصلوا
جلوساً، وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً، ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها”.
وأخرجه البخاري في “الأدب المفرد” (960) من طريق أبي عوانة الوضاح، وأبو داود (602)، وأبو يعلى (1896)، وابن خزيمة (1615)، وابن حبان (2112) من طريق جرير بن عبد الحميد، والبيهقي 3/ 79 – 80 من طريق جعفر بن عون، ثلاثتهم عن الأعمش، به مطولاً دون قوله في أوله: “إنما جعل الإمام ليؤتم به”.
وسيأتي من طريق أبي الزبير برقم (14590)، ومن طريق سالم بن أبي الجعد برقم (15251) كلاهما عن جابر.
وأخرج عبد بن حميد (1152) من طريق إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، عن جابر رفعه: “الإمام جُنة، فإن صلى قائماً فصلوا قياماً، وإن صلى جالساً فصلوا جلوساً”.
وفي الباب عن ابن عمر، سلف برقم (5679).
وعن أبي هريرة، سلف برقم (7144)، وذكرنا شرحه وشواهده هناك.
قلت (سيف) على شرط
(قسم الزيادات على الصحيحين)
الحديث في صحيح مسلم 413. من طريق أبي الزبير عن جابر. وفيها (اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره فالتفت إلينا … ) وهي في مسند أحمد 14590 من طريق أبي الزبير به بلفظ مسلم
وحديث جابر من رواية أبي سفيان عن جابر عزاها ابن حجر لأبي داود وابن خزيمة بإسناد صحيح. وجعلها مبينة لرواية أبي الزبير عن جابر بأن ذلك لم يكن في مرضه الذي مات فيه؛ لأن ذلك في قصة أخرى.
والحديث ذكره الشيخ مقبل في نشر الصحيفة مستدلا به. فهو صحيح عنده.
———-“———“—–
كَيْفيَّة صَلَاة المقتدى إِذا صلى الإِمَام جَالِسا
واختلف القائلون بجواز اقتداء القادر عَلَى القيام بالجالس: هَلْ يصلي وراءه جالساً، أو قائماً؟
فَقَالَتْ طائفة: يصلي وراءه قائماً، هَذَا قَوْلِ المغيرة وحماد وأبي حنيفة والثوري وابن المبارك ومالك والشافعي وأبي ثور.
واعتمدوا عَلَى أقيسة أو عمومات، مثل قوله: ((صل قائماً، فإن لَمْ تستطع فقاعداً)).
وتبعهم عَلَى ذَلِكَ طائفة من المحديثن كالحميدي والبخاري، وادعوا نسخ أحاديث الأمر بالجلوس لصلاة النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي مرض موته قاعداً والناس خلفه قياماً، ولم يأمرهم بالجلوس كما قرره البخاري، وحكاه عَن الحميدي.
وَقَالَ آخرون: بل يصلي القادر عَلَى القيام خلف الإمام الجالس جالساً، هَذَا هُوَ المروي عَن الصَّحَابَة، ولا يعرف عنهم اختلاف فِي ذَلِكَ.
وممن روي عَنْهُ ذَلِكَ من الصَّحَابَة: أسيد بن حضير وقيس بن فهد وجابر بن عَبْد الله وأبو هُرَيْرَةَ ومحمود بن لبيد.
ولا يعرف عَن صحابي خلاف ذَلِكَ، بل كانوا يفعلون ذَلِكَ فِي مساجدهم ظاهراً، ولم ينكر عليهم عملهم صحابي ولا تابعي. ……
فالجمع بَيْن هَذَا الحَدِيْث وبين الأحاديث المتقدمة الَّتِيْ فيها الأمر بالجلوس فِي الصلاة من وجهين:
أحدهما – وَهُوَ الَّذِي ذكره الإمام أحمد -: أن المؤتمين بأبي بَكْر ائتموا بإمام ابتدأ بهم الصلاة وَهُوَ قائم، ثُمَّ لما انتقلت مِنْهُ الإمامة إلى النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – انتقلوا إلى الائتمام بقاعد، فاتموا خلفه قياماً لابتدائهم الصلاة خلف إمام قائم.
فعلى هَذَا التقرير نقول: إن ابتدأ بهم الإمام الصلاة جالساً صلوا وراءه جلوساً، وإن ابتدأ بهم قائماً ثُمَّ اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً.
هكذا قرره الإمام أحمد وأصحابه.
ومنهم من قَالَ: إنه تصح هنا صلاة المأمومين خلفه قياماً إذا جلس فِي أثناء صلاته لعلة، وسواء كَانَ إمام حي أو لَمْ يكن، بخلاف ابتداء صلاة القائم خلف الجالس، فإنها عِنْدَ الإمام أحمد إلا إذا كَانَ إمام الحي، وجلس لمرض يرجى برؤه خاصة، فإنه يغتفر فِي الاستدامة مَا لا يغتفر فِي الابتداء.
وممن قَالَ ذَلِكَ من أصحابنا: أبو الفتح الحلواني.
والثاني: أن تحمل أحاديث الأمر بالقعود عَلَى الاستحباب، وحديث صلاته فِي مرضه من غير أمر لهم بالجلوس عَلَى جواز أن يأتموا بالقاعد قياماً، فيكون المأمومون مخيرين بَيْن الأمرين، وإن كَانَ الجلوس أفضل.
وهذا يتخرج عَلَى قَوْلِ من قَالَ: إنهم إذا ائتموا بالجلوس قياماً صحت صلاتهم، وقد اختلف أصحابنا فِي ذَلِكَ عَلَى وجهين.
وظهر لِي وجه ثالث فِي الجمع بَيْن هذه الأحاديث، وَهُوَ متجه عَلَى قَوْلِ الإمام أحمد: أن النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَانَ إماماً لأبي بَكْر، وكان أبو بَكْر إماماً للناس، فكانت تلك الصلاة بإمامين.
وحينئذ فيقال: لما اجتمع فِي هذه الصلاة إمامان، أحدهما جالس والآخر قائم صلى المأمومون خلفهما قياماً اتباعاً لإمامهم القائم؛ فإن الأصل القيام، وقد اجتمع موجب للقيام عليهم، وموجب للقعود أو مبيح لَهُ، فغلب جانب القيام؛ لأنه الأصل، كما إذا اجتمع فِي حل الصيد أو الأكل مبيح وحاظر، فإنه يغلب الحظر.
وأما أبو بَكْر فإنه إنما صلى قائماً؛ لأنه وإن ائتم بقاعد إلا أَنَّهُ أم قادرين عَلَى القيام، وَهُوَ قادر عَلِيهِ، فاجتمع فِي حقه – أَيْضاً – سببان: موجب للقيام، ومسقط لَهُ، فغلب إيجاب القيام. والله – سبحانه وتعالى – أعلم. (فتح الباري) (ج (7) / (159) – (161)) بتصرف
[الأصل عدم النسخ]
قال الحافظ ابن حجر: وَجَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِتَنْزِيلِهِمَا عَلَى حَالَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا إِذَا ابْتَدَأَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ الصَّلَاةَ قَاعِدًا لِمَرَضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ فَحِينَئِذٍ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ قُعُودًا ثَانِيَتُهُمَا إِذَا ابْتَدَأَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ قَائِمًا لَزِمَ الْمَامُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا سَوَاءٌ طَرَأَ مَا يَقْتَضِي صَلَاةَ إِمَامِهِمْ قَاعِدًا أَمْ لَا كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي مَرَضِ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ تَقْرِيرَهُ لَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمُ الْجُلُوسُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ بِهِمْ قَائِمًا وَصَلَّوْا مَعَهُ قِيَامًا بِخِلَافِ الْحَالَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ جَالِسًا فَلَمَّا صَلَّوْا خَلْفَهُ قِيَامًا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وَيُقَوِّي هَذَا الْجَمْعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّسْخِ لَا سِيَّمَا وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَسْتَلْزِمُ دَعْوَى النَّسْخِ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي حُكْمِ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَقَدْ نُسِخَ إِلَى الْقُعُودِ فِي حَقِّ مَنْ صَلَّى إِمَامُهُ قَاعِدًا فَدَعْوَى نَسْخِ الْقُعُودِ بَعْدَ ذَلِكَ تَقْتَضِي وُقُوعَ النَّسْخِ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ. فتح الباري ((2) / (176)).
——-
قال أبو داود: قلت لأحمد: إذا صلى الإمام جالسًا يصلون جلوسًا؟
قال: هذا الذي أذهب إليه.
قلت لأحمد: فإن الحميدي كان يقول: يصلون قيامًا؛ لأنه آخر فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال أحمد: إنما ذاك أبو بكر الذي افتتح الصلاة، وهذِه الصلاة هذا يبتدئها، حكم هذا غير حكم ذاك، أليس أشار إليهم أن اجلسوا حيث جُحِشَ شقهُ الأيمن!.
“مسائل أبي داود” (308)
——
وأما حديث صلاة المأمومين خلفه قياماً فقيل: إنه منسوخ. وقيل: بالجمع. فممن جمع أحمد بأنهما مسألتان: صلاتهم جلوساً إذا ابتدأها جالساً، وصلاتهم قياماً فيما إذا ابتدأ الصلاة قياماً ثم اعتل فجلس. والجمع إذا أمكن أولى من النسخ. ” شرح كتاب آداب المشي الى الصلاة ” للعلامة محمد بن ابراهيم ال الشيخ
——-
قال العلامة ابن عثيمين: وهذا القولُ هو الصَّحيحُ، أنَّ الإِمامَ إذا صلَّى قاعداً وَجَبَ على المأمومين أن يصلُّوا قعوداً، فإن صلُّوا قياماً فصلاتُهم باطلةٌ، ولهذا يُلغزُ بها فيقال: رَجُلٌ صَلَّى الفرضَ قائماً فبطلتْ صلاتُه، فمَنْ هو؟!
والجواب: هو الذي صَلَّى قائماً خلفَ إمامٍ يصلِّي قاعداً.
” الشرح الممتع” (ج (4) / (231)).
و قال ايضا: وعلى هذا نقول: لو حَدَثَ لإِمام الحَيِّ عِلَّةٌ في أثناء الصَّلاةِ أعجزته عن القيام؛ فأكملَ صلاتَه جالساً، فإنَّ المأمومين يتمُّونَها قياماً. وهذا لا شَكَّ أنه جَمْعٌ حَسَنٌ واضح.
وعلى هذا؛ إذا صلّى الإِمامُ بالمأمومين قاعداً مِن أولِ الصَّلاةِ فليصلُّوا قعوداً، وإن صَلَّى بهم قائماً ثم أصابته عِلَّةٌ فجَلَسَ فإنَّهم يصلُّون قياماً، وبهذا يحصُلُ الجَمْعُ بين الدليلين، والجَمْعُ بين الدَّليلين إعمالٌ لهما جميعاً. نفس المصدر السابق