280 جامع الأجوبة الفقهية ص 320
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام
حديث 113 – و 114
مسألة: متى يغسل قدميه؟
?- إذا اغتسل المسلم من الجنابة، وبدأ بالوضوء، فهل يغسل رجليه مع الوضوء، أم يؤخر غسلهما إلى تمام الغسل؟
?- جاءت عدة أقوال للفقهاء في هذه المسألة، ولعل أشهرها قولين إثنين:
الأول: لا يغسلهما مع الوضوء بل يؤخر غسلهما إلى تمام الغسل. وهو مذهب الجمهور من الحنفية، وقول في مذهب المالكية، وقول في مذهب الشافعية، ورواية عن أحمد.
الثاني: يقدمهما بحيث يغسلهما مع الوضوء. وهو مذهب المالكية، والمشهور عند الشافعية.
انظر: شرح فتح القدير (1/ 58)، روضة الطالبين (1/ 89)، المغني (1/ 288)، الشرح الصغير (2/ 172).
?- استدل الجمهور على قولهم بحديث ميمونة المتفق عليه، قالت: سترت النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو يغتسل من الجنابة، فغسل يديه، ثم صب بيمينه على شماله، فغسل فرجه وما أصابه، ثم مسح بيده على الحائط أو الأرض، ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه، ثم أفاض على جسده الماء، ثم تنحى فغسل قدميه. ورواه مسلم أيضاً بنحوه. انتهى
?- واستدل من قال بعدم تأخير غسل القدمين إلى تمام الغسل بحديث عائشة أيضاً المتفق عليه، قالت: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله. ورواه مسلم بنحوه.
?- قال الصاوري في حاشيته على الشرح الصغير (1/ 172): “لهم – يعني أهل المذهب طريقتان في الوضوء: التثليث، وعدمه، وتقديم الرجلين قبل غسل الرأس، وتأخيرهما بعد تمام الغسل. ورجح تأخير غسل الرجلين محمد عليش في منح الجليل (1/ 128).
?- قال النووي في روضة الطالبين (1/ 89): “تحصل سنة الوضوء سواء أخر غسل القدمين إلى الفراغ، أو فعله بعد مسح الرأس والأذن. وأيهما أفضل؟ قولان، المشهور أنه لا يؤخر. (1/ 588).
?- وقال فى جواهر الإكليل (1/ 23): “ثم أعضاء وضوءه كاملة – أي يغسلهما – فلا يؤخر غسل رجليه إلى آخر غسله” اهـ.
?- قال الحافظ في الفتح (1/ 477) ح 248: استدل لهذا الحديث – يعني حديث عائشة – على استحباب إكمال الوضوء قبل الغسل، ولا يؤخر غسل رجليه إلى فراغه، وهو ظاهر من قوله: “كما يتوضأ للصلاة” وهذا هو المحفوظ في حديث عائشة من هذا الوجه، لكن رواه مسلم من رواية أبي معاوية، عن هشام، فقال في آخره: “ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه “وهذه الزيادة تفرد بها أبو معاوية دون أصحاب هشام، قال البيهقي: وهي غريبة صحيحة، قلت – القائل الحافظ -: لكن في رواية أبي معاوية عن هشام مقال. نعم له شاهد من رواية أبي سلمة، عن عائشة، أخرجه أبو داود الطيالسي، فذكر حديث الغسل كما تقدم عند النسائي، وزاد في آخره، فإذا فرغ غسل رجليه. فإما أن تحمل الروايات عن عائشة على أن المراد بقولها: وضوءه للصلاة: أي أكثره، وهو ما سوى الرجلين. أو يحمل على ظاهره، ويستدل برواية أبي معاوية على جواز تفريق الوضوء. ويحتمل أن يكون قوله في رواية أبي معاوية: “ثم غسل رجليه” أي أعاد غسلهما لاستيعاب الغسل بعد أن كان غسلهما في الوضوء” اهـ.
?- وفي البدر التمام شرح بلوغ المرام (2/ 124):
وفيه: “فإذا فرغ غسل رجليه” وسائر الرواة لحديث عائشة لم يذكروا غسل الرجلين بعد ذلك، ولكن هذا محتمل أن يكون أعاد غسل الرجلين بعد أن كان غسلهما في الوضوء فيوافق رواية البخاري لحديث عائشة فإن فيه: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم قال: ثم يفيض الماء على جلده كله والشافعي اختار إكمال الوضوء قبل الغسل، وأبو حنيفة اختار تأخير غسل الرجلين وفي كتب مالك له أو لبعض أصحابه فرق بين أن يكون الموضع وسخا فيؤخر غسلهما لئلا يحصل إسراف في الماء بإعادة غسلهما وبين أن يكون طاهرا فيقدم غسلهما، وقد أخذ من هذا جواز التفريق بين أعضاء الطهارة. انتهى
?- وقال صاحب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/ 577):
و (قولهُ هنا: ثم غسل رجليه) وفي حديث ميمونة: ثم تنحى عن مقامِه فغسل رجليه، استحب بعض العلماء أن يؤخر غسل رجليه على ظاهر هذه الأحاديث، وذلك ليكون الافتتاحُ والاختتام بأعضاء الوضوء.
وقد رُوي عن مالك: ليس العمل على تأخير غسل الرجلين، وليتم وضوءه في أول غسله، فإن أخرهما أعاد وضوءه عند الفراغ، وكأنه رأى أن ما وقع هنا كان لما ناله من تلك البقعة، وروي عنه: أنه واسعٌ، والأظهر الاستحباب؛ لدوام النبي – صلى الله عليه وسلم – على فعل ذلك. انتهى
?- قال صاحب عون المعبود (1/ 286):
قلت قال الشارح غسل الرجلين مرتين قبل إتمام الغسل في الوضوء وبعد الفراغ أو اقتصاره على أحدهما كل ذلك ثابت والذي نختاره هو غسلهما مرتين والله أعلم. انتهى
?- قال صاحب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (4/ 502):
فيجمع بين هذه الروايات، بأن روايات عائشة رضي الله عنها تحمل على أن المراد بوضوء الصلاة أكثره، وهو ما سوى الرجلين، فتوافق روايات ميمونة رضي الله عنها، أو تحمل على ظاهرها من إتمام الوضوء قبل الغسل في حالة، ويكون قولها في رواية أبي معاوية “ثم غسل رجليه” أي أعاد غسلهما لاحتمال أن يكون المُغْتَسَل غير نظيف، وتحمل روايات تأخير غسل القدمين على أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يغتسل في مكان يجتمع فيه الماء، أو على أن ذلك كان لإزالة طين ونحوه، ويحتمل أنه أحيانًا كان يتوضأ وضوءًا كاملًا. وأحيانًا يؤخر غسل رجليه.
قال الجامع: أولى الاحتمالات عندي الأول، فيكون معنى قوله: “وضوء للصلاة” ما عدا الرجلين, لأن رواية أبي معاوية صريحة في ذلك، وله شاهد من رواية أبي سلمة عن عائشة عند أبي داود الطيالسي،
وفيه: “فإذا فرغ غسل رجليه” فهذا بعد قوله: “وتوضأ وضوءه للصلاة” صريح في الحمل على أكثر. انتهى
?- قال الشيخ الالباني في إرواء الغليل (1/ 170):
وأما إعادة غسل الرجلين فليس ذلك فى الحديث صراحة , وإنما استنبط ذلك المؤلف تبعا لغيره من قول عائشة فى أول حديثها: ” توضأ وضوءه للصلاة ” فإنه بظاهره يشمل غسل الرجلين أيضا.
ومن قولها فى آخره: ” ثم غسل سائر جسده ” فإنه يشمل غسلهما أيضا.
بل قد جاء هذا صريحا فى صحيح مسلم (1/ 174) بلفظ: ” ثم أفاض على سائر جسده , ثم غسل رجليه “.
وله طريق أخرى عند الطيالسى فى مسنده (رقم 1474) ونحوه فى مسند أحمد (6/ 96).
ثم وجدت ما يشهد للظاهر من أول حديثها , وهو ما أخرجه أحمد (6/ 237) من طريق الشعبى عنها قالت: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ فتوضأ وضوءه للصلاة وغسل فرجه وقدميه … الحديث “. لكن الشعبى لم يسمع من عائشة كما قال ابن معين والحاكم.
وأما حديث ميمونة فتقدم نصه من المؤلف (131) وذكرت من هناك أقرب الألفاظ إلى لفظه , وفيه ” ثم تنحى فغسل رجليه “. وفى رواية للبخارى: قالت: ” توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة غير رجليه “.
قلت (الالباني): وهذا نص على جواز تأخير غسل الرجلين فى الغسل , بخلاف حديث عائشة , ولعله صلى الله عليه وسلم كان يفعل الأمرين: تارة يغسل رجليه مع الوضوء فيه , وتارة يؤخر غسلهما إلى آخر الغسل , والله أعلم.
والله أعلم …