28 – بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
132 – (2473) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ، وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا، فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا، فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ، فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا عَلَيْنَا الَّذِي قِيلَ لَهُ، فَقُلْتُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، وَلَا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ، فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا، فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا، وَتَغَطَّى خَالُنَا ثَوْبَهُ فَجَعَلَ يَبْكِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الْكَاهِنَ، فَخَيَّرَ أُنَيْسًا، فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا [ص:1920]. قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ، يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثِ سِنِينَ، قُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، قُلْتُ: فَأَيْنَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي، أُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ، حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ. فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي، فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ عَلَيَّ، ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ، يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ، قُلْتُ: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ، وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ. قَالَ أُنَيْسٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ، فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي، أَنَّهُ شِعْرٌ، وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. قَالَ: قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ، قَالَ فَأَتَيْتُ مَكَّةَ فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟ فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: الصَّابِئَ، فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلٍّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، قَالَ: فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ، كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ: وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا، وَلَقَدْ لَبِثْتُ، يَا ابْنَ أَخِي ثَلَاثِينَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ [ص:1921]. قَالَ فَبَيْنَا أَهْلِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانٍ، إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ، فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ. وَامْرَأَتَانِ مِنْهُمْ تَدْعُوَانِ إِسَافًا، وَنَائِلَةَ، قَالَ: فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الْأُخْرَى، قَالَ: فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا قَالَ: فَأَتَتَا عَلَيَّ فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَكْنِي فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلَانِ، وَتَقُولَانِ: لَوْ كَانَ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا قَالَ فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَهُمَا هَابِطَانِ، قَالَ: «مَا لَكُمَا؟» قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا، قَالَ: «مَا قَالَ لَكُمَا؟» قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلَأُ الْفَمَ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ، ثُمَّ صَلَّى فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ – قَالَ أَبُو ذَرٍّ – فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ» ثُمَّ قَالَ «مَنْ أَنْتَ؟» قَالَ قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ، قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِ انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ، فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ، فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: «مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟» قَالَ قُلْتُ [ص:1922]: قَدْ كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، قَالَ: «فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟» قَالَ قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ، قَالَ: «إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا، ثُمَّ غَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ، لَا أُرَاهَا إِلَّا يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ؟ عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ» فَأَتَيْتُ أُنَيْسًا فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، فَأَتَيْنَا أُمَّنَا، فَقَالَتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ أَيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ وَكَانَ سَيِّدَهُمْ. وَقَالَ نِصْفُهُمْ: إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَسْلَمْنَا، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ الْبَاقِي وَجَاءَتْ أَسْلَمُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِخْوَتُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، فَأَسْلَمُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ»،
132 – حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ – قُلْتُ فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ – قَالَ: نَعَمْ، وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ شَنِفُوا لَهُ وَتَجَهَّمُوا.
132 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: يَا ابْنَ أَخِي صَلَّيْتُ سَنَتَيْنِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ كُنْتَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: حَيْثُ وَجَّهَنِيَ اللهُ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَتَنَافَرَا إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْكُهَّانِ، قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ أَخِي، أُنَيْسٌ يَمْدَحُهُ حَتَّى غَلَبَهُ، قَالَ: فَأَخَذْنَا صِرْمَتَهُ فَضَمَمْنَاهَا إِلَى صِرْمَتِنَا، وَقَالَ أَيْضًا فِي حَدِيثِهِ: قَالَ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ، قَالَ فَأَتَيْتُهُ، فَإِنِّي لَأَوَّلُ النَّاسِ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ قُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ «وَعَلَيْكَ السَّلَامُ. مَنْ أَنْتَ» وَفِي حَدِيثِهِ أَيْضًا: فَقَالَ: «مُنْذُ كَمْ أَنْتَ هَاهُنَا؟» قَالَ قُلْتُ: مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَفِيهِ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتْحِفْنِي بِضِيَافَتِهِ اللَّيْلَةَ
133 – (2474) وحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ – وَتَقَارَبَا فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ، وَاللَّفْظُ لِابْنِ حَاتِمٍ – قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَالَ لِأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي، فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي، فَانْطَلَقَ الْآخَرُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ [ص:1924]، وَكَلَامًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ، فَقَالَ: مَا شَفَيْتَنِي فِيمَا أَرَدْتُ فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ شَنَّةً لَهُ، فِيهَا مَاءٌ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَالْتَمَسَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَعْرِفُهُ، وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ، حَتَّى أَدْرَكَهُ – يَعْنِي اللَّيْلَ – فَاضْطَجَعَ، فَرَآهُ عَلِيٌّ فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ، فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ، فَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ، حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ احْتَمَلَ قِرْبَتَهُ وَزَادَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَظَلَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَلَا يَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَمْسَى، فَعَادَ إِلَى مَضْجَعِهِ، فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ، فَقَالَ: مَا آنَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ؟ فَأَقَامَهُ، فَذَهَبَ بِهِ مَعَهُ، وَلَا يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَقَامَهُ عَلِيٌّ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَلَا تُحَدِّثُنِي؟ مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ هَذَا الْبَلَدَ؟ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي عَهْدًا وَمِيثَاقًا لَتُرْشِدَنِّي، فَعَلْتُ، فَفَعَلَ. فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: فَإِنَّهُ حَقٌّ وَهُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاتَّبِعْنِي، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ شَيْئًا أَخَافُ عَلَيْكَ، قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ الْمَاءَ، فَإِنْ مَضَيْتُ فَاتَّبِعْنِي حَتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِي، فَفَعَلَ، فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي» فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَثَارَ الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَضْجَعُوهُ، فَأَتَى الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ، وَأَنَّ طَرِيقَ تُجَّارِكُمْ إِلَى الشَّامِ عَلَيْهِمْ، فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَدِ بِمِثْلِهَا، وَثَارُوا إِلَيْهِ فَضَرَبُوهُ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ الْعَبَّاسُ فَأَنْقَذَهُ
======
سيكون الحديث في عدة أمور:
أولاً: شرح الحديث:
(وكانوا يحلون الشهر الحرام) جملة معترضة ولعلها لبيان الدافع على خروجهم من قومهم، إذ كان أبو ذر وأخوه من المحافظين على الأمور الدينية.
(فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا فنزلنا على خال لنا) أنيس بضم الهمزة مصغرا، كان أكبر من أبي ذر، وأمهما رملة بنت الوقيعة غفارية أيضا والظاهر أن هذا الخروج كان هجرة ولم يكن زيارة ويحتمل أن خالهما قد تزوج من قوم آخرين فأقام عندهم، واعتبروا قومه، لأننا قلنا: إن أمه غفارية، فخاله كذلك.
(فجاءنا خالنا، فنثا علينا الذي قيل له) نثا نون ثم ثاء مخففة، أي أفشى وأذاع، يقال: نثا الحديث، ينثوه، نثوا، بثه.
(فقربنا صرمتنا، فاحتملنا عليها) الصرمة بكسر الصاد القطعة من الإبل وتطلق أيضا على القطعة من الغنم، والمعنى فجمعنا إبلنا من مرعاها فارتحلنا عليها يقال: احتمل القوم إذا ارتحلوا.
(فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة) أي حتى وصلنا حمى مكة وأرضها وواديها وحيازتها فضربنا منزلنا بعيدا عن مبانيها.
(فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن، فخير أنيسا، فأتانا أنيس بصرمتنا، ومثلها معها) أصل المنافرة: المفاخرة والمحاكمة فيفخر كل واحد من الرجلين على الآخر، ثم يتحاكمان إلى رجل، ليحكم أيهما خير، وكانت هذه المفاخرة بالشعر
(أتوجه حيث يوجهني ربي) أي كيفما تيسر، وفي رواية صليت سنتين فيحتمل أن المدة سنتان وأشهر فجبر الكسر تارة، وألغى الكسر تارة أخرى.
قوله (يابن أخي) جرى على عادة العرب في التراحم.
(أصلي عشاء، حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء، حتى تعلوني الشمس) الخفاء – بكسر الخاء – الكساء، وجمعه أخفية ككساء وأكسية قال القاضي: ورواه بعضهم جفاء بجيم مضمومة، وهو غثاء السيل، قال: والصواب المعروف الأول، والمعنى أنه كان يصلي من أول الليل حتى يقرب آخره، فينام من السهر والإعياء كثوب لا حراك به … . والظاهر أنها كانت مطلق عبادة ودعاء وثناء على الله.
قوله (فإنهم قد شنفوا له، وتجهموا شنفوا) بفتح الشين وكسر النون أي أبغضوه والتجهم المقابلة بغلظة وكراهية.
(فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث علي ثم جاء) أي أبطأ علي
(قال: لقيت رجلا بمكة على دينك) أي على شبه عقيدتك وعبادتك.
(يزعم أن الله أرسله) الظاهر أن أنيس لقيه، وسمع منه ففي الرواية الثانية رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاما ما هو بالشعر.
(ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر، فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر) أقراء الشعر بسكون القاف، طرقه وأنواعه وقوافيه وبحوره، جمع قرء بضم القاف وسكون الراء، فهو مشترك لفظي بين الحيض والطهر والقافية.
(فقال: ما شفيتني فيما أردت)
قال النووي: كذا في جميع نسخ مسلم فيما بالفاء، وفي رواية البخاري مما بالميم، وهو أجود، أي ما بلغتني غرضي وما أزلت عني هم كشف هذا الأمر.
(قال: فأتيت مكة فتضعفت رجلا منهم) أي نظرت إلى أضعف رجل لاقيته، فسألته.
واختار الضعيف لأنه مأمون الغائلة غالبا وفي رواية فتضيفت بالياء وأنكرها القاضي وغيره، قالوا: لا وجه له هنا.
(فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟) يقال: صبأ من شيء إلى شيء إذا انتقل، وصبأ الرجل ترك دينه، ودان بآخر، والظاهر أن الرجل أحس أن أبا ذر يميل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ويرغب في لقائه حبا فيه، لقوله تدعونه لأنهم كانوا يمنعون الغريب أن يلتقي به.
(فأشار إلي فقال: الصابئ) الصابئ منصوب بفعل محذوف، والمعنى، فأغرى بي أصحابه السفهاء والصبية، وأشار إلي، يقول لهم: اضربوا الصابئ.
(فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا علي) المدر الطين المتماسك،
(قال: فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر) النصب بضم الصاد وإسكانها الصنم والحجر الذي كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده، قال تعالى {{وما ذبح على النصب}} [المائدة: 3].
(فسمنت، حتى تكسرت عكن بطني) العكن بضم العين وفتح الكاف جمع عكنة بسكون الكاف وهي طيات البطن من السمن.
(وما وجدت على كبدي سخفة جوع) بفتح السين وضمها مع إسكان الخاء رقة الجوع وضعفه وهزاله.
يقال: سخف الشيء بضم الخاء، يسخف، سخفا بضم السين وسكون الخاء وسخفة وسخافة رق وضعف. لم أحس فيها بضعف ولا بجوع.
(قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب على أسمختهم فما يطوف بالبيت أحد، وامرأتان منهم تدعوان إسافا ونائلة) الليلة القمراء التي ينيرها القمر، والإضحيان بكسر الهمزة والحاء وسكون الضاد هي المضيئة يقال: ليلة إضحيان وإضحيانة وضحياء ويوم ضحيان والإضحيان من الأيام الصحو الذي ليس فيه غيم، والأسمخة جمع سماخ وهو الخرق الذي في الأذن المفضي إلى الرأس ويقال له: صماخ بالصاد، وهو الأفصح والأشهر، والضرب على الآذان كناية عن النوم، قال تعالى {{فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا}} [الكهف: 11] والمعنى: في ليلة مقمرة من الليالي الثلاثين نام أهل مكة، فلم يطف بالبيت منهم أحد
(قال فأتتا علي في طوافهما) كان بجوار الكعبة فجاءتا من دعائهما إسافا ونائلة لتطوفا.
(فقلت: أنكحا أحدهما الأخرى) أي قلت لهما، استهزاء وسخرية بالصنمين، وبدعائهما لهما: زوجا إسافا لنائلة، أو ركبا إسافا على نائلة، يجامعها.
(قال: فما تناهتا عن قولهما، فأتتا علي) أي ما انتهتا عن عملهما وعقيدتهما، ولم تكترثا بقولي، وأتتا بجواري، مستخفتين بقولي.
(فقلت: هن مثل الخشبة- غير أني لا أكنى) الهن والهنة بتخفيف نونهما كناية عن كل شيء، وأكثر ما يستعمل كناية عن الفرج والذكر، وأكنى أي لم أتكلم بلفظ الكناية ولفظ الهن، بل صرحت لهما باللفظ المستقبح، فقال مثلا: ذكر مثل الخشبة، وكان لإساف الصنم ذكر ظاهر بارز، وأراد بذلك سب إساف ونائلة والسخرية منهما، وإغاظة المرأتين.
(فانطلقتا تولولان) الولولة الدعاء بالويل.
(وتقولان: لو كان ها هنا أحد من أنفارنا) الأنفار جمع نفر أو نفير، وهو الذي ينفر عند الاستغاثة قال النووي: ورواه بعضهم أنصارنا وهو بمعناه، ولو شرطية جوابها محذوف أي لانتصر لنا.
(فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما هابطان) الحرم في المنخفض، والمباني على سفح الجبل المحيط بالحرم، فالذاهب إلى الحرم هابط، أي وأبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلان الحرم، والمرأتان خارجتان صاعدتان منه.
(قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها) أي الذي بدل دينه وسفه آلهتنا واقف بين الكعبة وأستارها وهو الذي آذانا.
(قال: ما قال لكما؟ قالتا: إنه قال لنا كلمة تملأ الفم) أي كلمة عظيمة لا شيء أقبح منها، كالشيء الذي يملأ الشيء، ولا يسع غيره، كما نقول: تملأ سمع الدنيا، فالكلام كناية عن عظمها وفظاعتها، وقيل: معناه كلمة لا يمكن ذكرها وحكايتها كأنها تسد فم حاكيها وتملؤه لاستعظامها أي كلمة تجعل الفم مملوءا بغيرها لا يستطيع ذكرها.
(قال أبو ذر: فكنت أول من حياه تحية الإسلام.
فقلت: السلام عليك يا رسول الله) إذ كان أبو ذر خامس أربعة آمنوا.
(ثم قال: من أنت؟ قال: قلت: من غفار.
قال: فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته) أي كالمتعجب. وكيف ومتى أسلم؟ وهو من غفار بينما أهله في مكة لم يسلموا؟ وكيف وصل إليه وحصار المشركين له شديد؟
(فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده، فقدعني صاحبه وكان أعلم به مني) وإنما ظن أنه كره انتماءه إلى غفار، لأنهم قد اشتهر عنهم أنهم يسرقون الحاج، وقد عني صاحبه أي كفني ومنعني أن آخذ بيده، يقال: قدعه وأقدعه إذا كفه ومنعه وقوله (وكان أعلم به مني) إشارة إلى أنه استجاب للمنع.
(ثم رفع رأسه) أي ورفع أصابعه عن جبهته.
(ثم قال: متى كنت ها هنا؟ قلت: قد كنت ها هنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوم) في ملحق الرواية مذ كم أنت ها هنا؟ قلت: منذ خمس عشرة) والجمع بين الروايتين صعب.
(إنها طعام طعم) قال النووي: هو بضم الطاء وإسكان العين، أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام.
(فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر بابا) لعله باب خزن الزبيب والتمر.
(فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف) أي ويعطينا، ونأكل.
(وكان ذلك أول طعام أكلته بها) أي بمكة.
(ثم غبرت ما غبرت) أي ثم بقيت ما بقيت عند أبي بكر، ألتقى برسول الله صلى الله عليه وسلم سرا.
(ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأستأذنه في العودة، وأتزود بنصحه.
(فقال: إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل لا أراها إلا يثرب) وجهت بضم الواو وتشديد الجيم المكسورة أي أريت جهتها، وأراها بضم الهمزة، أي أظنها.
(وكان يؤمهم إيماء بن رحضة الغفاري وكان سيدهم) إيماء بكسر الهمزة في أوله على المشهور وحكى القاضي فتحها أيضا، وأشار إلى ترجيحه، قال النووي: ذكر الزبير بن بكار أن إيماء بن رحضة حضر بدرا مع المشركين، فيكون إسلامه بعد ذلك، وذكر ابن سعد أنه أسلم قريبا من الحديبية، وهذا يعارض رواية مسلم وفي رواية خفاف بن إيماء أو أبوه إيماء بن رحضة فيمكن أن يكون إسلام خفاف تقدم على إسلام أبيه.
(فتزود وحمل شنة له، فيها ماء) الشنة بفتح الشين القربة البالية ومعنى تزود حمل زادا.
(فرآه علي، فعرف أنه غريب)
قال: (فانطلق إلى المنزل) أي فانطلق معي إلى منزلي، قال الحافظ ابن حجر: هذا يدل على أن قصة أبي ذر وقعت بعد المبعث بأكثر من سنتين، بحيث يتهيأ لعلي أن يستقل بمخاطبة الغريب، ويضيفه، فإن الأصح في سن علي حين المبعث كان عشر سنين، وقيل: أقل من ذلك، وهذا الخبر يقوي القول الصحيح في سنه. اهـ.
واعترض صاحب فتح المنعم: قال: لا دلالة فيه على ما استدل به فيمكن للصبي المميز أن يصحب ضيفا وربما كان أبوه أبو طالب في سفر.
(فلما رآه تبعه) أي فلما رأى أبو ذر عليا على هذه الحالة من الاستئلاف والرفق ودعوته إلى منزله سار وراءه، حتى وصل إلى منزله، فاستضافه، وأكرمه، وأعد له مبيتا، فنام.
(فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح) أي عن شيء مما يعنيه السؤال عنه.
(ثم احتمل قربته، وزاده إلى المسجد الحرام) يأكل من زاده ويشرب من قربته، وفي بعض النسخ قريبته بالتصغير وهي الشنة المذكورة من قبل.
(فظل ذلك اليوم، ولا يرى النبي صلى الله عليه وسلم) أي ظل ذلك اليوم يرقب مجيء النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجيء.
(حتى أمسى فعاد إلى مضجعه) أي إلى المكان الذي اضطجع فيه بالأمس فاضطجع.
(فمر به علي فقال: ما آن للرجل أن يعلم منزله؟) الكلام على الاستفهام الإنكاري، بمعنى النفي، دخل على نفي فصار إثباتا والمعنى آن للرجل أن يعلم منزله الذي نزله بالأمس، وأن يأتي إليه بدون دعوة فإضافة المنزل إليه مجازية، ويكون ذلك من علي رضي الله عنه دعوة مهذبة إلى بيته ثانيا.
وقيل: المعنى أما آن للرجل أن يصرح بمقصده؟ ويؤيده ما جاء في بعض الروايات قلت: لا. وفي رواية البخاري أما نال للرجل أن يعلم منزله؟ أي أما حان يقال: نال له، بمعنى آن له، ويروى أما أنى بالقصر وهي بنفس المعنى.
(ثم قال له: ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟) أسلوب عرض وطلب برفق أي حدثني، وهكذا يستبين علي ويسأل ضيفه بعد ثلاث كما هي عادة العرب.
(فإني إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء) كأني أتبول على جانب الطريق، وحينئذ عليك بالفرار والبعد عن الخطر وفي رواية كأني أصلح نعلي ويحتمل أنه قالهما جميعا.
[ملخص من فتح المنعم]
ثانياً: فقه الحديث: قال الحافظ ابن حجر: حديث عبد الله بن الصامت أكثره مغاير لما في حديث ابن عباس ويمكن التوفيق بينهما اهـ.
وإذا سهل الجمع في بعض هذه المغايرات، بشيء من التأويل فإنه لا يسهل في بعض آخر، وأحسن طريق نجمع به بين الحديثين أن نحملهما على سفرين ولقاءين فقد قلنا: إن منزل أبي ذر وأخيه وأمه كان قريبا من مكة في واد من وديانها، فمن المحتمل أن يصل مكة فيسأل السفيه فيضرب فيلتقي بالمرأتين ثم بالرسول صلى الله عليه وسلم في الحرم، ويستضيفه أبو بكر، بعد أن أمضى أياما على ماء زمزم حيث لم يأخذ في رحلته هذه زادا ولا ماء.
وبعد فترة قد تكون شهرا أو أقل من شهر يذهب إلى مكة ويحمل معه زاده وماءه لئلا يقع فيما وقع فيه في المرة الأولى، ويتحرز من سؤال أحد حيث لم يتحرز في المرة الأولى ويدخل المسجد، مترقبا وصول النبي صلى الله عليه وسلم ويكون معنى ولا يعرفه أي ولا يعرف وصوله متى يكون؟ فيمر به اليوم حتى يمسي فيراه علي فيستضيفه فيكاشفه فيدخله على النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج من عنده فيشهد الشهادتين في الحرم فيضرب فيحميه العباس والإشكال الخفيف في هذا في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم له: من أنت؟ في المرة الثانية والمفروض أنه عرفه في المرة الأولى ويمكن أن يجاب عنه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد نسي الاسم، فسأله عن اسمه مرة أخرى وكثيرا ما يحصل مثل هذا مع تعدد اللقاء ويؤيده ما جاء في رواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: أنت أبو نملة؟ قال: أبو ذر.
والنملة والذرة يلتقيان وتفسر الذرة بالنملة مما يرشح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سبق له ذكر اسمه.
أما المغايرة بين الرواية الأولى وملحقها، فيحتمل أن المدة في الحقيقة خمسة عشر يوما بلياليها ومجموعها ثلاثون، بين يوم وليلة كما نقول: عندي ثلاثون بين ذكر وأنثى فهذه الثلاثون فيها خمس عشرة ليلة وخمسة عشر يوما.
والله أعلم. [فتح المنعم].
ثالثاً: ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم:
1 – من قوله في الرواية الأولى: لا أراها إلا يثرب. وجاء النهي عن ذلك في حديث فيكره أو أنه صلى الله عليه وسلم سماها باسمها المعروف عند الناس حينئذ.
2 – من قوله في الرواية الأولى: وعليك ورحمة الله.
قال النووي: فيه دلالة لأحد الوجهين لأصحابنا أنه إذا قال في رد السلام: وعليك من غير ذكر السلام يجزئه، والمشهور من أحواله صلى الله عليه وسلم وأحوال السلف رد السلام بكماله فيقول: وعليكم السلام ورحمة الله. خاصة أنه ورد في رواية وعليك السلام.
3 – في صلاة أبي ذر رضي الله عنه قبل المبعث فضيلة له، وأن الله هداه إلى الحق.
4 – وفي سبقه إلى الإسلام فضيلة أيضا.
5 – وفي تحمله الأذى في سبيل الجهر بالدعوة قوة إيمان، وقوة عقيدة ويؤخذ منه جواز قول الحق، لمن يخشى منه الأذية لمن قاله، وإن كان السكوت جائزا.
قال الحافظ ابن حجر: والتحقيق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والمقاصد، وبحسب ذلك يترتب الجزاء.
6 – من أمره صلى الله عليه وسلم أبا ذر بالكتمان وقول أبي ذر: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم، وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أن المأمور إذا أحس أن الأمر شفقة عليه، وأن به قوة جاز له أن لا يعمل بالأمر.
[فتح المنعم باختصار]
====
مشاركة عبدالله البلوشي أبي عيسى:
بوب البخاري رحمه الله في كتاب المناقب من صحيحه:
باب ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع
وأورد تحته أحاديث منها:
# عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: قريش، والأنصار، وجهينة، ومزينة، وأسلم، وغفار، وأشجع موالي ليس لهم مولى دون الله ورسوله.
# عبد الله، أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال على المنبر: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعصية عصت الله ورسوله.
# أن الأقرع بن حابس، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنما بايعك سراق الحجيج، من أسلم وغفار ومزينة، – وأحسبه – وجهينة – ابن أبي يعقوب شك – قال النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن كان أسلم، وغفار، ومزينة، – وأحسبه – وجهينة، خيرا من بني تميم، وبني عامر، وأسد، وغطفان خابوا وخسروا قال: نعم، قال: والذي نفسي بيده إنهم لخير منهم.
________
*قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (باختصار):*
هذه خمس قبائل كانت في الجاهلية في القوة والمكانة دون بني عامر بن صعصعة وبني تميم بن مر وغيرهما من القبائل فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولا فيه من أولئك فانقلب الشرف إليهم بسبب ذلك فأما أسلم فقد تقدم ذكر نسبهم في الباب الماضي.
وأما غفار فبكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وهم بنو غفار بن مليل بميم ولامين مصغر بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وسبق منهم إلى الإسلام أبو ذر الغفاري وأخوه أنيس كما سيأتي شرح ذلك قريبا ورجع أبو ذر إلى قومه فأسلم الكثير منهم ……
قوله غفار غفر الله لها هو لفظ خبر يراد به الدعاء ويحتمل أن يكون خبرا على بابه ويؤيده قوله في آخره وعصية عصت الله ورسوله ……..
_________
كما بوب البخاري رحمه الله في كتاب المناقب كذلك:
باب قصة زمزم وجهل العرب
وأورد تحته حديث ابن عباس رضي الله عنهما
وبوب أيضا في مناقب الأنصار، باب إسلام أبي ذر الغفاري
وكرر تحته حديث ابن عباس رضي الله عنهما
*قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (باختصار):*
(قوله باب إسلام أبي ذر الغفاري)
هو جندب وقيل بريد بن جنادة بضم الجيم والنون الخفيفة بن سفيان وقيل سفير بن عبيد بن حرام بالمهملتين بن غفار وغفار من بني كنانة ….
وقد أخرج مسلم قصة إسلام أبي ذر من طريق عبد الله بن الصامت عنه وفيها مغايرة كثيرة لسياق ابن عباس ولكن الجمع بينهما ممكن …..
قوله وكره أن يسأل عنه لأنه عرف أن قومه يؤذون من يقصده أو يؤذونه بسبب قصد من يقصده أو لكراهتهم في ظهور أمره لا يدلون من يسأل عنه عليه أو يمنعونه من الاجتماع به أو يخدعونه حتى يرجع عنه.
قوله فرآه علي بن أبي طالب وهذا يدل على أن قصة أبي ذر وقعت بعد المبعث بأكثر من سنتين بحيث يتهيأ لعلي أن يستقل بمخاطبة الغريب ويضيفه فإن الأصح في سن علي حين المبعث كان عشر سنين وقيل أقل من ذلك وهذا الخبر يقوي القول الصحيح في سنه ……
قوله: وأسلم مكانه كأنه كان يعرف علامات النبي فلما تحققها لم يتردد في الإسلام هكذا في هذه الرواية ومقتضاها أن التقاء أبي ذر بالنبي صلى الله عليه وسلم كان بدلالة علي
وفي رواية عبد الله بن الصامت أن أبا ذر لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر في الطواف بالليل قال فلما قضى صلاته.
قلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته قال: فكنت أول من حياه بالسلام قال من أين أنت.
قلت: من بني غفار، قال: فوضع يده على جبهته فقلت كره أن انتميت إلى غفار فذكر الحديث في شأن زمزم وأنه استغنى بها عن الطعام والشراب ثلاثين من بين يوم وليلة وفيه فقال أبو بكر ائذن لي يا رسول الله في طعامه الليلة وأنه أطعمه من زبيب الطائف الحديث وأكثره مغاير لما في حديث بن عباس هذا عن أبي ذر
ويمكن التوفيق بينهما بأنه لقيه أولا مع علي ثم لقيه في الطواف أو بالعكس وحفظ كل منهما عنه ما لم يحفظ الآخر كما في رواية عبد الله بن الصامت من الزيادة ما ذكرناه ففي رواية بن عباس أيضا من الزيادة قصته مع علي وقصته مع العباس وغير ذلك ……
——–‘——‘——
ترجمة أبي ذر وفضائله:
أبو ذر الغفاري، رضي الله عنه: المشهور أن اسمه: جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام بن عفان.
قال الذهبي رحمه الله:
” أحد السابقين الأولين، من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
قيل: كان خامس خمسة في الإسلام.
ثم إنه رد إلى بلاد قومه فأقام بها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك، فلما أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إليه أبو ذر رضي الله عنه ولازمه وجاهد معه. وكان يفتي في خلافة أبي بكر عمر وعثمان.
قيل: كان آدمَ [يعني: أسمر اللون]، ضخما، جسيما، كث اللحية.
وكان رأسا في الزهد والصدق والعلم والعمل، قوالا بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم.
وقد شهد فتح بيت المقدس مع عمر “.
“سير أعلام النبلاء” (3/ 367368).
وقال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله:
” كان أبو ذر زاهدا، وكان يقرّع عمال عثمان، ويتلو عليهم: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، ويراهم يتسعون في المراكب والملابس حين وجدوا، فينكر ذلك عليهم ” انتهى “العواصم من القواصم” (ص 73)
تنبيه: الأموال في عهد عثمان زادت ولله الحمد لكثرة الفتوح.
وقال ابن كثير رحمه الله:
” هُوَ أَوَّلُ مَنْ حَيَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ وَقَوْمِهِ، فَكَانَ هُنَاكَ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَهَاجَرَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ، ثُمَّ لَزِمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضَرًا وَسَفَرًا، وَرَوَى عَنْهُ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً ” انتهى من “البداية والنهاية” (10/ 256).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه، ويعتني بأمره، ويرشده إلى ما يصلحه:
روى مسلم (1826) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ).
وبلغ رضي الله عنه في الصدق نهايته، فكان أصدق الناس لسانا:
روى الترمذي (3801) وابن ماجة (156) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ، وَلَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ، مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ). وصححه الألباني في “صحيح الترمذي”.
قلت سيف بن دورة: ورد عن أبي الدرداء وهي تصلح على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند. ولعلها عي التي يقصدها العقيلي بالتصحيح.
أخرجه أحمد 22067 من حديث عبدالحميد بن بهرام ثنا شهر بن حوشب حدثنا عبد الرحمن بن غنم عن أبي الدرداء
الصحيحة 2343
ونقل عن العقيلي تضعيفه لحديث: ارحم هذه الأمة بها أبوبكر. …. وما اظلت الخضراء ولا أقلت البطحاء أو قال الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر. وقال في ترجمة سلام: لا يتابع عليه والغالب على حديثه الوهم، والكلام كله معروف بغير هذه الأسانيد، بأسانيد ثابتة جياد. (ضعفاء العقيلي ترجمة سلام بن سليمان الطويل)
وقال في ترجمة عمر بن صبيح: حديثه ليس بالقائم. عن أبي هريرة أنه قال: سيف دورة:
أما إني أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وإن أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى ابن مريم زهدا وبرا ونسكا فعليكم به» وقد روي هذا الكلام بإسناد أصلح من هذا من غير وجه «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر رضي الله عنه» انتهى
وأفضل إسناد رأيته هو عن أبي الدرداء: عند أحمد 22067 من حديث عبدالحميد بن بهرام ثنا شهر بن حوشب حدثنا عبد الرحمن بن غنم فذكره
قال البزار لطريق شمر عن شهر به: لا نعلم يروى عن أبي الدرداء من وجه احسن من هذا. ولا نعلم له طريقا أعز منه
وورد عند أحمد 28041 من طريق علي بن زيد بن جدعان عن بلال بن أبي الدرداء عن أبي الدرداء
وقال محقق مختصر الذهبي على المستدرك: حسنا لغيره
وذكره الطبري من حديث علي ثم ذكر اوجه العلل وقال: وافق عليا في رواية الخبر غيره من الصحابة.
ثم ذكر المحقق مرسل ابن سيرين ومالك ابن دينار … وقال: فيرتقي للصحيح لغيره.
وعزاه السخاوي في المقاصد: لأحمد والترمذي وابن ماجه والطبراني عن عبد الله بن عمرو مرفوعا … وهو من طريق أبي اليقظان عثمان بن عمير عن عبدالله بن عمرو وعثمان بن عمير ضعيف واختلط
قال السندي رحمه الله:
” الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ بَلَغَ فِي الصِّدْقِ نِهَايَتَهُ وَالْمَرْتَبَةُ الْأَعْلَى ” انتهى من “حاشية السندي على سنن ابن ماجه” (1/ 68).
قلت سيف بن دورة: وليس معنى هذا أنه أصدق من الصديق. فهذه الصيغة لا تدفع أن غيره يساويه
وكان رضي الله عنه من أصدق الناس متابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
روى البخاري (6050) ومسلم (1661) عَنِ المَعْرُورِ بن سُوَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ على أَبِي ذَرٍّ بُرْدًا، وَعَلَى غُلاَمِهِ بُرْدًا، فَقُلْتُ: لَوْ أَخَذْتَ هَذَا فَلَبِسْتَهُ كَانَتْ حُلَّةً، وَأَعْطَيْتَهُ ثَوْبًا آخَرَ، فَقَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ مِنْهَا، فَذَكَرَنِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: أَسَابَبْتَ فُلاَنًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ. قُلْتُ عَلَى حِينِ سَاعَتِي هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ؟ قَالَ: (نَعَمْ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَاكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ يُكَلِّفُهُ مِنَ العَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ).
مات رضي الله عنه، بالربذة سنة اثنتين وثلاثين، وصلى عليه ابن مسعود، ثم مات بعده بيسير، ومناقبه وفضائله كثيرة جدا رضي الله عنه.
انظر: “تهذيب التهذيب” (12/ 90)، “البداية والنهاية” (10/ 256 – 257)، “الإصابة” (7/ 106 – 109).
قال ابن سعد رحمه الله في “الطبقات الكبرى” (4/ 231):
أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْعُودُ بْنُ سَعْدٍ الْجُعْفِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ رِيَاحِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: ” لَمْ يَبْقَ الْيَوْمَ أَحَدٌ لَا يُبَالِي فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ غَيْرَ أَبِي ذَرٍّ، وَلَا نَفْسِي ” ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ.
وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر.
قلت سيف بن دورة: ثعلبة بن الحكم الليثي صحابي. ورباح بن الحارث لم أجد إلا أبو الوليد الموصلي من هذه الطبقة ذكره في الثقات وأثنى عليه قال
كان من خيار الناس.
والذي بلغ بأبي ذر رضي الله عنه هذه المنزلة عدة فضائل فيه، منها:
– حرصه الشديد على متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفته، وقد بايعه على ألا يخاف في الله لومة لائم.
فروى أحمد (21509) عن أبي ذَرٍّ، قَالَ: بَايَعَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا، وَوَاثَقَنِي سَبْعًا، وَأَشْهَدَ عَلَيَّ تِسْعًا، أَنْ لَا أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. قَالَ أَبُو الْمُثَنَّى: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (هَلْ لَكَ إِلَى بَيْعَةٍ، وَلَكَ الْجَنَّةُ؟) قُلْتُ: نَعَمْ. وَبَسَطْتُ يَدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ وَهُوَ يَشْتَرِطُ عَلَيَّ: (أَنْ لَا تَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا) قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (وَلَا سَوْطَكَ إِنْ يَسْقُطْ مِنْكَ، حَتَّى تَنْزِلَ إِلَيْهِ فَتَاخُذَهُ)
وصححه الألباني في “صحيح الترغيب” (810)
قلت سيف بن دورة: أخرجه أحمد 21841
أبو اليمان هو عامر بن عبد الله بن لحي الهوزني في عداد المجهولين. وكذلك أبو المثنى مجهول قاله محققو المسند ثم ذكروا شواهد لقوله (لا تخاف في الله لومة لائم) ولقوله (أَنْ لَا تَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا).
وروى أحمد أيضا (21415) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: أَمَرَنِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ: (أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ، وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي، وَلَا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي، وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ).
وصححه الألباني في “صحيح الترغيب” (811)
قلت سيف بن دورة: رجح الدارقطني رواية من رواه مرسلا. العلل 6/ 260
وهناك لفظ مطول راجع له الضعيفة 5638
– زهده في الدنيا وعبادته، حتى بلغ في ذلك مبلغا عظيما.
روى البخاري (1407) ومسلم (992) – واللفظ له – عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مَلَأٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ، أَخْشَنُ الْجَسَدِ، أَخْشَنُ الْوَجْهِ، فَقَامَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفَيْهِ، وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفَيْهِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيَيْهِ يَتَزَلْزَلُ، قَالَ: فَوَضَعَ الْقَوْمُ رُءُوسَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا، قَالَ: فَأَدْبَرَ، وَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ هَؤُلَاءِ إِلَّا كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ، قَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا، إِنَّ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَانِي فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: أَتَرَى أُحُدًا؟ فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ، فَقُلْتُ: أَرَاهُ، فَقَالَ: (مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إِلَّا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ) ثُمَّ هَؤُلَاءِ يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا، لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا، قَالَ: قُلْتُ: مَا لَكَ وَلِإِخْوَتِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، لَا تَعْتَرِيهِمْ وَتُصِيبُ مِنْهُمْ، قَالَ: ” لَا، وَرَبِّكَ، لَا أَسْأَلُهُمْ عَنْ دُنْيَا، وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ، حَتَّى أَلْحَقَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ “.
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: سَأَلْتُ ابْنَ أُخْتٍ لأَبِي ذَرٍّ: مَا تَرَكَ أَبُو ذَرٍّ؟ قَالَ: تَرَكَ أَتَانَيْنِ وَحِمَاراً وَأَعْنُزاً وَرَكَائِبَ.
“سير أعلام النبلاء” (3/ 374)
وقال ابن عبد البر رحمه الله في “الاستذكار” (4/ 409):
” أَمَّا زُهْدُهُ وَعِبَادَتُهُ: فَقَدْ ذَهَبَ فِيهَا مَثَلًا “.
– بلوغه في العلم الرتبة العالية.
روى الضياء في “المختارة” (2/ 123) عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن أبي ذر فقال: ” وَعَى عِلْمًا، شَحِيحًا حَرِيصًا؛ شَحِيحًا عَلَى دِينِهِ، حَرِيصًا عَلَى الْعِلْمِ، وَكَانَ يُكْثِرُ السُّؤَالَ، فَيُعْطَى وَيُمْنَعُ، أَمَا أَنْ قَدْ مُلِئَ لَهُ فِي وِعَائِهِ حَتَّى امْتَلأَ ” انتهى.
– شدة خوفه من الله تعالى.
روى ابن أبي شيبة في “المصنف” (7/ 123) وأبو نعيم في “الحلية” (1/ 164):
عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: ” وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مَا انْبَسَطْتُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ، وَلَا تَقَارَرْتُمْ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَنِي يَوْمَ خَلَقَنِي شَجَرَةً تُعْضَدُ وَيُؤْكَلُ ثَمَرُهَا “.
قلت سيف بن دورة: أخرجه هناد في الزهد أيضا في موضعين ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبي ذر رصيد الله عنه به
وقال الذهبي رحمه الله في “السير” (3/ 368):
” كَانَ رَاساً فِي الزُّهْدِ وَالصِّدْقِ وَالعِلْمِ وَالعَمَلِ قَوَّالاً بِالحَقِّ لاَ تَاخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ ”
انتهى.
—
روى حديث فيه بشارة: جاءني جبريل فبشرني أن من قال
لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسوله الله دخَل الجنَّةَ) فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، وإنْ زنى وإنْ سرَق؟ قال: (وإنْ زنى وإنْ سرَق)
—
براءته من الخوارج:
عن عبد الله بن الصامت قال: لما قدم أبو ذر على عثمان من الشام قال: يا أمير المؤمنين: أتحسب أني من قوم، والله ما أنا منهم، ولا أدركم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يرجعون إليه حتى يرجع السهمُ على فوقه، سيماهم التحلق؛ والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت ما ملكتني رجلاي، ولو وثقتني بعرجون في قدمي ما حللته حتى تكون أنت الذي تحلني)). وهذا إسناد صحيح؛ وهذه الروايات الصحيحة تقطع ألسنة المتخرصين والمتخبطين في قضية أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ، وتقطع دابر تلك الدعاوى الباطلة بأن عثمان الخليفة الراشد ـ رضي الله عنه ـ قد نفى أبا ذر إلى الربذة. ألا ساء ما يظنّون. اه
عن أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذرٍّ كيف تصنَعُ إذا أُخرِجْتَ مِن المدينةِ)؟ قُلْتُ: إلى السَّعةِ والدَّعةِ أكونُ حَمَامًا مِن حَمَامِ مكَّةَ قال: (كيف تصنَعُ إذا أُخرِجْتَ مِن مكَّةَ)؟ قُلْتُ: إلى السَّعةِ والدَّعةِ إلى أرضِ الشَّامِ والأرضِ المُقدَّسةِ قال: (فكيف تصنَعُ إذا أُخرِجْتَ منها)؟ قُلْتُ: إذَنْ والَّذي بعَثك بالحقِّ آخُذَ سَيفي فأضَعَه على عاتقي فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أوَ خيرٌ مِن ذلك تسمَعُ وتُطيعُ لِعبدٍ حبَشيٍّ مُجدَّعٍ) صحيح ابن حبان
قال الألباني: حسن بما بعده.
ففي هذه الطريق قال: إسناده صحيح ان كان عن أبي حرب بن أبي الأسود صحابيا أو تابعيا ثقة فإني لم أعرفه. وسائر رجاله ثقات. ورجح الدارقُطني هذه الطريق بعد أن ذكر الخلاف.
وقال ابن رجب: وعم أبي حرب قال الاثرم: ليس بالمعروف. وقال الدارقطني: والصحيح عم عمه ثم قال وخرج أحمد من رواية عبدالحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب حدثتني أسماء أن أبا ذر … فذكره … فتح الباري 2/ 456
وشهر إنما يروي عن أسماء بنت يزيد بن السكن أم سلمة صحابيه. فلعل هذه الطريق على شرط المتمم على الذيل على الصحيح ان لم يضطرب فيه شهر
وقول الألباني حسن لغيره:
يعني مع طريق ضريب بن نفير حيث لم يدركه أبا ذر قاله المزي.
قال الهيثمي عن حديث ضريب في الصحيح طرف من آخره وفي ابن ماجه طرف من أوله.
رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح إلا أن أبا سليل ضريب بن نفير لم يدرك أبا ذر
وورد عن شهر بن حوشب عن عبدالرحمن بن غنم عن أبي ذر عند أحمد 35/ 217 وفيه إسماعيل بن عياش ضعيف في غير أهل بلده.
وورد في سنن أبي داود 4759 من طريق خالد بن وهبان عن أبي ذر قال الذهبي: خالد بن وهبان مجهول له حديثان. ونقل ابن حجر أن أبا حاتم قال: مجهول. وقد ضعف محققو المسند 21559 الحديث بكل طرقه إنما صححوا السمع والطاعة لأنها في مسلم.
ومجموع الطرق تقوي الحديث.
– وفي تخريجنا لسنن أبي داود:
4263 – حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ عَنِ الْمُشَعَّثِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَا أَبَا ذَرٍّ». قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ فِيهِ «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ يَكُونُ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ». قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ أَوْ قَالَ مَا خَارَ اللَّهُ لِى وَرَسُولُهُ. قَالَ «عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ». أَوْ قَالَ «تَصْبِرُ».
ثُمَّ قَالَ لِى «يَا أَبَا ذَرٍّ». قُلْتُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا رَأَيْتَ أَحْجَارَ الزَّيْتِ قَدْ غَرِقَتْ بِالدَّمِ». قُلْتُ مَا خَارَ اللَّهُ لِى وَرَسُولُهُ. قَالَ «عَلَيْكَ بِمَنْ أَنْتَ مِنْهُ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ آخُذُ سَيْفِى وَأَضَعُهُ عَلَى عَاتِقِى قَالَ «شَارَكْتَ الْقَوْمَ إِذًا». قُلْتُ فَمَا تَامُرُنِى قَالَ «تَلْزَمُ بَيْتَكَ». قُلْتُ فَإِنْ دُخِلَ عَلَىَّ بَيْتِى قَالَ «فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِهِ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَمْ يَذْكُرِ الْمُشَعَّثَ فِى هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ.
* رواه أربع بدون ذكر المشعث، راجع الإرواء ذكر الألباني منهم؛ حماد بن سلمة وجعفر بن سليمان وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي وشعبه كما عند البيهقي.
قلت: وعند البزار مرحوم بن عبد العزيز وقال البزار: رواه جماعة بإسقاط المشعث، وحديث مرحوم ذكره الشيخ مقبل كما في الصحيح المسند 269، وفي أوله (أرأيت إن أصاب الناس جوع شديد لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك كيف تصنع قال: الله ورسوله أعلم، قال: تعفف).
ثم ذكر مثله ثم ذكر متابعة معمر وعبد العزيز بن عبد الصمد.
وذكره الدارقطني بلفظ (أرأيت لو كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها … ) وذكر الخلاف فيه، وبهذا اللفظ أخرجه مسلم 648 عن حماد بن زيد عن أبي عمران عن أبي ذر.
—
تقول زوجته لمَّا حضَرَتْ أبا ذرٍّ الوفاةُ بكَيْتُ فقال: ما يُبكيكِ؟ فقُلْتُ: وما لي لا أبكي وأنتَ تموتُ بفَلاةٍ مِن الأرضِ وليس عندي ثوبٌ يسَعُك كفَنًا ولا يدانِ لي في تغييبِك قال: أبشِري ولا تَبكي فإنِّي سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: (لا يموتُ بيْنَ امرَأَيْنِ مُسلِمَيْنِ ولدانِ أو ثلاثٌ فيصبِرانِ ويحتِسبانِ فيريانِ النَّارَ أبدًا) وإنِّي سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ لِنفرٍ أنا فيهم: (ليموتَنَّ رجُلٌ منكم بفَلاةٍ مِن الأرضِ يشهَدُه عصابةٌ مِن المؤمِنينَ) وليس مِن أولئك النَّفرِ أحَدٌ إلَّا وقد مات في قريةٍ وجماعةٍ فأنا ذلك الرَّجُلُ واللهِ ما كذَبْتُ ولا كُذِبْتُ فأبصري الطَّريقَ فقُلْتُ: أنَّى وقد ذهَبتِ الحاجُّ وتقطَّعتِ الطُّرقُ فقال: اذهَبي فتبصَّري قالت: فكُنْتُ أشتَدُّ إلى الكَثيبِ فأتبصَّرُ ثمَّ أرجِعُ فأُمرِّضُه فبَيْنما هو وأنا كذلك إذا أنا برِجالٍ على رَحْلِهم كأنَّهم الرَّخَمُ تخُبُّ بهم رَواحِلُهم قالت: فأسرَعوا إليَّ حينَ وقَفوا علَيَّ فقالوا: يا أمَةَ اللهِ ما لكِ؟ قُلْتُ: امرُؤٌ مِن المُسلِمينَ يموتُ فتُكفِّنونَه؟ قالوا: ومَن هو؟ قالت: أبو ذرٍّ قالوا: صاحبُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قُلْتُ: نَعم ففدَّوْهُ بآبائِهم وأمَّهاتِهم وأسرَعوا إليه حتَّى دخَلوا عليه فقال لهم: أبشِروا فإنِّي سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ لِنفرٍ أنا فيهم: (لَيموتَنَّ رجُلٌ منكم بفَلاةٍ مِن الأرضِ يشهَدُه عِصابةٌ مِن المُؤمِنينَ) وليس مِن أولئك النَّفرِ رجُلٌ إلَّا وقد هلَك في جماعةٍ فوالله ما كذَبْتُ ولا كُذِبْتُ إنَّه لو كان عندي ثوبٌ يسَعُني كفَنًا لي أو لِامرأتي لم أُكفَّنْ إلَّا في ثوبٍ هو لي أو لها إنِّي أنشُدُكم اللهَ أنْ يُكفِّنَني رجُلٌ منكم كان أميرًا أو عَرِيفًا أو بريدًا أو نقيبًا فليس مِن أولئك
النَّفرِ أحَدٌ وقد قارَف بعضَ ما قال إلَّا فتًى مِن الأنصارِ قال: أنا أُكفِّنُك يا عمِّ أُكفِّنُك في رِدائي هذا وفي ثوبَيْنِ في عَيْبَتي مِن غَزْلِ أمِّي قال: أنتَ فكفِّنِّي فكفَّنه الأنصاريُّ في النَّفرِ الَّذينَ حضَروا وقاموا عليه ودفَنوه في نفَرٍ كلُّهم يَمانٍ
قال صاحبنا أبوصالح حازم:
فيه عبد الله بن عثمان بن خثيم وهو مختلف فيه وأظن تم استبعاد إدخاله في الذيل لقول علي بن المديني فيه منكر الحديث ثم نحتاج إلى دراسة أحوال بعض الرواة فإن الألباني: ضعف الحديث كما في التعليقات الحسان
قلت سيف بن دورة:
ضعفه الألباني في تعليقه على ابن حبان وحسنه في صحيح الترغيب
قال المنذري: رواه أحمد 21700 و 21701. و 21799 واللفظ له رجاله رجال الصحيح، والبزار بنحوه باختصار.
وكل الطرق تدور على ابن خثيم.
وكذلك يحيى بن سليم مختلف فيه. … بقي قول أحمد في يحيى بن سليم: قد أتقن حديث بن خثيم كانت عنده في كتاب. العلل ومعرفة الرجال
وتابع يحيى بن سليم عليه وهيب أيضا روايته عند أحمد.
وحسن محققو المسند الحديث. وورد عن ابن إسحاق ثنا بريدة بن سفيان عن محمد بن كعب القرظي عن ابن مسعود: وفيه: وصى أبو ذر امرأته وغلامه أن غسلاني وكفناني وضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر بكم قولوا: هذا أبو ذر فأعينونا عليه فوضعاه وأقبل ابن مسعود في رهط من العراق عمارا ….. قال ابن مسعود: صدق رسول الله صلى الله عليه: تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك.
بريدة بن سفيان ضعيف وضعف سنده ابن حجر في الإصابة.
فلو جعلنا طريق ابن خثيم على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند خاصة أن أحمد اعتبر يحيى بن سليم متقن لكتابه.
—
اتهام أبي ذر بالشيوعية لا يصح:
وهذه فتوى لبعض لجان الفتوى حول المال:
(إن من مبادئ الدين الإسلامي احترام الملكية، وأن لكل امرئ أن يتخذ من الوسائل والسبل المشروعة لاكتساب المال وتنميته ما يحبه ويستطيعه، ويتملك بهذه السبل ما يشاء. وقد ذهب جمهور الصحابة وغيرهم من الفقهاء المجتهدين إلى أنه لا يجب في مال الأغنياء إلا ما أوجبه الله من الزكاة والخراج والنفقات الواجبة بسبب الزوجية أو القرابة وما يكون لعوارض مؤقتة وأسباب خاصة كإغاثة ملهوف وإطعام جائع مضطر، وكالكفارات وما يتخذ من العدة للدفاع عن الأوطان وحفظ النظام إذا كان ما في بيت مال المسلمين لا يكفي لهذا ولسائر المصالح العامة المشروعة كما هو مفصل في كتب التفسير وشروح السنة وكتب الفقه الإسلامي).
—–
وهذا كلمات لأبي ذر من المنتقى النفيس من كتاب حلية الأولياء وطبقات الاصفياء:
قال أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه-:
يولدون للموت ويعمرون للخراب ويحرصون على ما يفنى ويتركون ما يبقى ألا حبذا المكروهان الموت والفقر
[1/ 163]
قال أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه-:
ذو الدرهمين أشد حسابا من ذي الدرهم
[1/ 164]
قال أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه-:
والله تعلمون ما أعلم ما انبسطتم إلى نسائكم ولا تقاررتم على فرشكم والله لوددت أن الله عز و جل خلقني يوم خلقني شجرة تعضد ويوكل ثمرها
1/ 164
قال أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه-:
من أراد الجنة فليصمد صمدها
[1/ 164]
قال أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه-:
هل ترى الناس ما أكثرهم ما فيهم خير إلا تقي أو تائب
[1/ 164]
عن سفيان الثوري قال؛ قام أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه-:
عند الكعبة فقال يا أيها الناس أنا جندب الغفاري هلموا إلى الأخ الناصح الشفيق فاكتنفه الناس فقال أرأيتم لو أن أحدكم أراد سفرا أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ويبلغه قالوا بلى قال فسفر طريق القيامة أبعد ما تريدون فخذوا منه ما يصلحكم قالوا ما يصلحنا قال حجوا حجة لعظام الأمور صوموا يوما شديدا حره لطول النشور صلوا ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور كلمة خير تقولها أو كلمة سوء تسكت عنها لوقوف يوم عظيم تصدق بمالك لعلك تنجو من عسيرها اجعل الدنيا مجلسين مجلسا في طلب الآخرة ومجلسا في طلب الحلال والثالث يضرك ولا ينفعك لا تريده اجعل المال درهمين درهما تنفقه على عيالك من حله ودرهما تقدمه لآخرتك والثالث يضرك ولا ينفعك لا تريده ثم نادى بأعلى صوته يا أيها الناس قد قتلكم حرص لا تدركونه أبدا
[1/ 164]