28 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-”——”——-”
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان من صحيحه:
(20) بَابٌ: إِفْشَاءُ السَّلاَمِ مِنَ الإِسْلاَمِ
وقَالَ عَمَّارٌ: “ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ”
28 – حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»
——–‘———-‘———‘
فوائد الباب:
1 – قوله (إِفْشَاءُ السَّلاَمِ مِنَ الإِسْلاَمِ) والمراد بإفشائه نشره سرا وجهرا، على من عرفت ومن لم تعرف. فعَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (أفشوا السلام تسلموا) أخرجه البخاري في الأدب المفرد979 وحسن إسناده الألباني. وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -:
((لا تدخلونَ الجنَّةَ حتى تُؤمنوا, ولا تُؤمِنُوا حتى تحابوا, أفلا أدُلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشُوا السَّلامَ بينَكم)) رواه مسلم
2 – علق الشيخ ابن العثيمين على قول ابن حجر ” والمراد بإفشائه نشره سرا أو جهرا” قائلا:
ليس فيه شيء يسمى إفشاءً، ويسمى سرا، والصواب أن إفشائه أي إظهاره جهرا. اهـ
قال العلامة الإثيوبي رحمه الله في شرح المجتبى: *واستدلّ بالأمر بإفشاء السلام أنه لا يكفي السلام سرّا، بل يُشترط الجهر، وأقلّه أن يُسمَع في الابتداء، وفي الجواب.
قال النووي -رحمه الله-: وأقلّه أن يرفع صوته بحيث يُسمِع المسلَّمَ عليه، فإن لم يُسمعه لم يكن آتيًا بالسنة، ويستحبّ أن يرفع صوته بقدر ما يتحقّق أنه سمعه، فإن شكّ استظهر، ويُستثنى من رفع الصوت بالسلام ما إذا دخل على مكان، فيه أيقاظ، ونيام، فالستة فيه ما ثبت في «صحيح مسلم» عن المقداد – رضي الله عنه -، قال: «كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يجيء من الليل، فيسلّم تسليمًا، لا يُوقظ نائمًا، وُيسمِع اليقظان». انتهى
ويمكن أن قوله سرا على الكتابة وجهرا بالقول أو هو في معنى قوله تعالى:
(ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جهارا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارا) [سورة نوح 8 – 9]
2 – الظاهر من صنيع البخاري أنه يقصد تعديد شعب الإيمان. قاله الحافظ في الفتح.
3 – أثر عمار أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 30440 وفي كتاب الإيمان له أيضا 131 حدثنا وكيع عن سفيان هو الثوري عن أبي إسحق عن صلة عن عمار به، تابعه شعبة عن أبي إسحق به ولفظ أوله (ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ فَذَكَرَه) أخرجه الطبري في تهذيب الآثار 194 من طريق محمد بن جعفر عن شعبة به، تابعه زهير بن معاوية عن أبي إسحق وزاد (تنفق وأنت تعلم أن الله عز وجل سيخلف لك) أخرجه ابن ناصر الدين الدمشقي في الإتحاف بحديث فضل الإنصاف 6
قال الحافظ ابن حجر”وهذا موقوف صحيح وقد روي مرفوعا” ورجح ابن حجر رفعه ودلل على ذلك. فبعد أن ذكر بلاغة معناه قال: وهذا التقرير يقوي أن يكون الحديث مرفوعا، لأنه يشبه أن يكون كلام من أوتي جوامع الكلم. انتهى
قال أبو حاتم وأبو زرعة: هَذَا خطأٌ؛ رَوَاهُ الثَّوريُّ، وشُعبةُ، وإسرائيلُ، وجماعةٌ، يَقُولُونَ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ عمَّار، قولَهُ، لا يرفعُه أحدٌ مِنْهُمْ، والصَّحيحُ: موقوفٌ عَنْ عمَّار. كما في العلل لابن أبي حاتم 1931
قال الألباني: صحيح موقوف. تخريج الكلم الطيب 197
4 – قال أبو عبيد القاسم بن سلام – كما في كتاب الإيمان له- حين سئل عن تعداد شعب الإيمان قال “لم تُسَمَّ لنا مجموعة فنسميها، غير أن العلم يحيط أنها من طاعة الله وتقواه، وإن لم تذكر لنا في حديث واحد، ولو تفقدت الآثار لوجِدت متفرقة فيها” ثم ذكر بعضها ثم قال “فكلّ هذا من فُروع الإيمان. ومنه حديث عمّار فذكره”.
5 – قوله (قال عمار) هو ابن ياسر رضي الله عنهما قال الكرماني كما في الكواكب الدراري له ” روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان وستون حديثاً ذكر البخاري منها خمسة”.
ذ6 – قوله (ثلاث) أي ثلاث خصال.
7 – قوله (ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ) ومن طريق شعبة عن أبي إسحق ” ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان -أو قال: من كمال الإيمان-“.
8 – قوله (الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ) وزاد من طريق زهير بن معاوية عن أبي إسحق ” وإنصاف الناس منك ولا تلجئهم إلى قاض” أخرجه ابن ناصر الدين في الإتحاف بحديث فضل الإنصاف6.
9 – قوله (وبذل السلام للعالم) “بفتح اللام أي لكل الناس من عرفت ومن لم تعرف.” قاله الكرماني في شرحه. قلت وخص ابتداء المسلم بالسلام.
10 – قوله (وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ) زاد من طريق زهير بن معاوية عن أبي إسحق (تنفق وأنت تعلم أن الله عز وجل سيخلف لك) أخرجه ابن ناصر الدين الدمشقي في الإتحاف بحديث فضل الإنصاف 6 وفي لفظ ” أن ينفق وهو يحسن بالله الظن” أخرجه ابن جرير الطبري. كما قال تعالى (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) وقال تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا).
11 – قال ابن رجب في الفتح 1/ 134:
وإنما ذكر البخاري قول عمار في باب ” إفشاء السلام من الإسلام ” لأنه لا يفرق بين الإسلام والإيمان – كما تقدم.
وقد خرجه – فيما مضى – وبوب عليه باب ” إطعام الطعام من الإسلام ” وقول عمار فيه زيادة على هذا الحديث بذكر الإنصاف من النفس، وهو من أعز الخصال، ومعناه: أن يعرف الإنسان الحق على نفسه ويوفيه من غير طلب.
وفيه – أيضا -: زيادة الإنفاق من الإقتار؛ ويشهد لفضله: قوله تعالى {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9] وقوله {الذين ينفقون في السراء والضراء} [آل عمران: 134].
وفي ” المسند ” من حديث علي ابن أبي طالب أن ثلاثة تصدقوا: رجل كان له ألف درهم فتصدق بمائة، وآخر كان له مائة فتصدق بعشرة، وآخر كان له عشرة فتصدق بدرهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” أنتم في الأجر سواء “.
يعني أن كلا منهم تصدق بعشر ماله، فاعتبر الباقي بعد الصدقة؛ فمن تصدق بدرهم وبقي له بعده كثير ليس كمن تصدق بدرهم وبقي له بعده درهم آخر أو درهمان. اهـ
ومنه إنفاق الأنصار حيث كان فيهم إقتار
وبهم خصاصة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “سبق درهم ألف درهم”. والرسول الكريم يقول: “لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه” يعني: ما عادل حفنة من طعام أنفقها أحد الصحابة في صدر الإسلام، بل ما أنفقوا هم قبل فتح مكة وقتالهم قبل فتح مكة أعظم أجرا ودرجة مما أنفقوه بعد الفتح ومما قاتلوه بعد الفتح، مصداقا كما في سورة [النساء: 95] و [الحديد: 10]
12 – وفيه أن نفقة المعسر على عياله أعظم أجراً من نفقة الموسر. قاله أبو الزناد ابن السراج ونقله عنه ابن بطال في شرحه.
13 – قال أبو الزناد – أي ابن السراج في شرحه ونقله ابن بطال – جمع عمار في هذه الألفاظ الثلاث الخير كله لأنك إذا أنصفته من نفسك فقد بلغت الغاية بينك وبين خالقك وبينك وبين الناس ولم تضيع شيئاً، وبذل السلام للعالم هو كقوله: صلى الله عليه وسلم (وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) وهذا حض على مكارم الأخلاق واستئلاف النفوس وأما (الإنفاق من الإقتار) هي الغاية في الكرم. ونقله أيضا ابن حجر بأطول مما ههنا
14 – قال ابن ناصر الدين في الإتحاف: وفي معناه قلت هذه الأبيات اقتداءً في الإملاء بالحفاظ الأثبات وهي:
ثلاث إذا كانت بفعلك سايره … جمعت بها الإيمان تحوي ذخايره
فأولها الإنصاف من نفسك الذي … تقوم به لله دنيا وآخره
وللعالم ابذل للسلام تحيةً تنل … مقةً في الناس بالشكر دايره
وأنفق من الإقتار بالله واثقاً … ييسرك لليسرى وتلقى مفاخره
15 – حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما سبق شرحه في الباب السادس باب إطعام الطعام من الإسلام.
قال القسطلاني في إرشاد الساري 1/ 113:
وهذا الحديث تقدم في باب إطعام الطعام، وأعاده المؤلف هنا كعادته في غيره لما اشتمل عليه وغاير بين شيخيه اللذين حدّثاه عن الليث مراعاة للفائدة الإسنادية وهي تكثير الطرق حيث يحتاج إلى إعادة المتن، فإن عادته أن لا يعيد الحديث في موضعين على صورة واحدة، وقد مرّ أن المؤلف أخرج هذا الحديث في ثلاثة مواضع، وأخرجه مسلم والنسائي. اهـ
16 – دل صرف الجواب – في حديث الباب – عن جملة خصال الإسلام وأعماله إلى ما يجب من حقوق الآدميين على أن المسألة إنما عرضت من السائل عن حقوقهم الواجبة عليهم، فجعل خير أفعالها وأفضلها في الأجر والمثوبة إطعام الطعام الذي به قوام الأبدان والأنفس، ثم جاء إلى بيان ما يكون به قضاء حقوقهم من الأقوال، فجعل خيرها وأوسعها في البر والإكرام إفشاء السلام وجعله عاما لا يخص به من عرف دون من لم يعرف ليكون خالصا لله بريئا من حظ النفس والتصنع؛ لأنه شعار الإسلام، فحق كل مسلم فيه شائع. قاله ابن بطال كما في شرح صحيح البخاري.
17 – موضع الشاهد منه قوله (وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) وهو إفشاء السلام وإشاعته.
——-
—–