2789 – فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك أبو هزاع أحمد البلوشي، وعبدالله المشجري، وعبدالله كديم، وطارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، محمد البلوشي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله في كتاب صِفَةِ القِيامَةِ والجَنَّةِ والنّارِ، (1) – بابُ: ابْتِداءِ الخَلْقِ وخَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ
(27) – ((2789)) حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، وهارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قالا: حَدَّثَنا حَجّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قالَ: قالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أخْبَرَنِي إسْماعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ أيُّوبَ بْنِ خالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رافِعٍ، مَوْلى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: أخَذَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بِيَدِي فَقالَ: «خَلَقَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وخَلَقَ فِيها الجِبالَ يَوْمَ الأحَدِ، وخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وخَلَقَ المَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاثاءِ، وخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأرْبِعاءِ، وبَثَّ فِيها الدَّوابَّ يَوْمَ الخَمِيسِ، وخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ العَصْرِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ، فِي آخِرِ الخَلْقِ، فِي آخِرِ ساعَةٍ مِن ساعاتِ الجُمُعَةِ، فِيما بَيْنَ العَصْرِ إلى اللَّيْلِ»، قالَ إبْراهِيمُ: حَدَّثَنا البِسْطامِيُّ وهُوَ الحُسَيْنُ بْنُ عِيسى، وسَهْلُ بْنُ عَمّارٍ، وإبْراهِيمُ ابْنُ بِنْتِ حَفْصٍ وغَيْرُهُمْ، عَنْ حَجّاجٍ بِهَذا الحَدِيثِ.
==========
التمهيد:
بعد أن ذكر مشهد من مشاهد يوم القيامة من تحويل الأرض والسموات، ذكر باب: ابْتِداءِ الخَلْقِ وخَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله: ((3)) – (بابُ: ابْتِداءِ الخَلْقِ، وخَلْقِ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلامُ-).
قال الإتيوبي عفا الله عنه: هذه الترجمة لا توجد في النسخة الهنديّة.
شرح الحديث:
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه -، أنه (قالَ: أخَذَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بِيَدِي) قال القاري -رَحِمَهُ اللهُ-: أخْذه – صلى الله عليه وسلم – بيده إشارةٌ إلى كمال قربه، ودلالة على تمام حفظه. انتهى [«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (16) / (394)].
(فًقالَ) – صلى الله عليه وسلم -: (» خَلَقَ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- التُّرْبَةَ)؛ يعني: الأرض والتُّرْب، والتراب، والتُّرْبة واحد، لكنهم يُطلقون التربة على التأنيث، ذكره ابن الأثير.
[تنبيه]: قد وردت للتراب لغات، قد نظمتها أي الإتيوبي.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- ما حاصله: هذا الحديث مفصّل لِما أجمله قوله تعالى: {الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ} [الأنعام (1)]
والتربة: التراب؛ أي: الأرض، وكأنه خلق التراب يوم السبت غير مُنعَقِد، ولا متجمّد، ثم يوم الأحد جمّده، وجعل منه الجبال أرسى بها الأرض، وكمل خلق الأرض بجبالها في يومين. انتهى [أي: كسر همزته ولامه، وفتحهما].
(يَؤمَ السَّبْتِ) قال القاريّ -رَحِمَهُ اللهُ-: كأن المراد بيوم السبت آخر يومه المسمى بعشية الأحد، فلها حكمه، فلا ينافي قوله تعالى: {ولَقَدْ خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أيّامٍ وما مَسَّنا مِن لُغُوبٍ ((38))} [ق (38)]. انتهى. [«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (16) / (394)].
وقال الحراليّ: أصل السبت القطع للعمل، ونحوه. انتهى،
وفيه ردّ زعم اليهود أنه ابتدأ في خلق العالم يوم الأحد، وفرغ يوم الجمعة، واستراح السبت، قالوا: ونحن نستريح فيه، كما استراح الرب – تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا-، وهذا من جملة غباوتهم، وجهلهم؛ إذ التعب لا يتصور إلا على حادث، {إنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إذا أرَدْناهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ((40))} [النحل (40)]. [«فيض القدير» (3) / (447)]
(وخَلَقَ فِيها الجِبالَ يَوْمَ الأحَدِ) قال القاري: وهذا معنى قوله تعالى: {قُلْ أئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وتَجْعَلُونَ لَهُ أنْدادًا ذَلِكَ رَبُّ العالَمِينَ ((9)) وجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِن فَوْقِها} [فصلت (9) – (10)].
(وخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وخَلَقَ المَكْرُوهَ)؛ أي: جنسه، (يَوْمَ الثُّلاثاءِ) بالمدّ، قال -عَزَّ وجَلَّ-: {وبارَكَ فِيها وقَدَّرَ فِيها أقْواتَها فِي أرْبَعَةِ أيّامٍ} [فصلت (10)]؛ أي: في بقية الأربعة، قاله القاري. [«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (16) / (394)].
قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللهُ-: كذا جاء في كتاب مسلم، وكذا رواه الحاكم، ورويناه في كتاب ثابت: «التِّقْن» مكان «المكروه»، وفسَّره بالأشياء التي يقوم بها المعاش، ويقوم به صلاح الأشياء، كجواهر الأرض، وغير ذلك، وقال غيره: التقن: المتقن، والأول الصواب. انتهى [«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (16) / (394)].
وعن القرطبي نحوه [«المفهم» (7) / (342) – (343)].
وقال المناويّ: وخَلْق المكروه يوم الثلاثاء لا ينافيه رواية مسلم: «وخلق التقن»؛ أي: ما يقوم به المعاش يوم الثلاثاء؛ لأن كلًّا منهما خُلق فيه [«فيض القدير» (3) / (447)].
وقال ابن الأثير -رَحِمَهُ اللهُ-: أراد بالمكروه ها هنا: الشرّ؛ لقوله: «وخلق النور يوم الأربعاء»، والنور خير، وإنما سُمّي الشر مكروهًا؛ لأنه ضد المحبوب. انتهى [«النهابة في غريب الأثر» (4) / (169)].
(وخَلَقَ النُّورَ) النور بالراء، ولا ينافيه رواية «النون»؛ أي: الحوت؛ لأن كلاهما خُلق فيه، (يَوْمَ الأرْبِعاءِ) يوم الأربعاء مثلث الباء، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ويوم الأربعاء ممدود، وهو بكسر الباء، ولا نظير له في المفردات، وإنما يأتي وزنه في الجمع، وبعض بني أسد يفتح الباء، والضمّ لغة قليلة فيه. انتهى [«المصباح المنير» (1) / (217)].
وقال النوويّ: الأربعاء بفتح الهمزة، وكسر الباء، وفتحها، وضمّها، ثلاث لغات، حكاهنّ صاحب «المحكم» وجمعه أربعاوات، وحكي أيضًا أرابيع. انتهى [«شرح النوويّ» (17) / (134)].
وقال القاري اغطقُ: «وخلق النور» بالراء، وفي نسخة بالنون في آخره، قال الأكمل: هو بالراء كما لمسلم، ولغيره بالنون، وهو الحوت، ويجوز خلقهما في الأربعاء، والنور هو الظاهر بنفسه، المظهر لغيره. انتهى، والظاهر أن المراد بالنور: هو نفسه، وما فيه ظهوره، فيناسب قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوى إلى السَّماءِ وهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها ولِلْأرْضِ ائْتِيا طَوْعًا أوْ كَرْهًا قالَتا أتَيْنا طائِعِينَ ((11)) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وأوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أمْرَها وزَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ ((12))} [فصلت (11)، (12)] [«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (16) / (394)].
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: «والنور يوم الأربعاء» كذا الرواية الصحيحة المشهورة، وقد وقع في بعض نسخ مسلم: «النون» -بالنون- يعني به: الحوت، وكذا جاء في كتاب ثابت، وفي رواية أخرى: «البحور» مكان «النور»، قال القرطبيّ: وهذه الرواية ليست بشيء؛ لأنّ الأرض خُلقت بعد الماء، وعلى الماء، كما قال تعالى: {وهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ فِي سِتَّةِ أيّامٍ وكانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ} [هود (7)]؛ أي: قبل خلق السماوات والأرض، إلا إن أراد بالبحور: الأنهار التي خَلق الله تعالى في الأرض، فله وجه، والصحيح رواية «النور»، ويعني به: الأجسام النيرة؛ كالشمس، والقمر، والكواكب، ويتضمّن هذا أنه تعالى خلق السموات يوم الأربعاء؛ لأنّ هذه الكواكب في السماوات، ونورها ضوؤها الذي بين السماء والأرض، والله تعالى أعلم.
وتحقيق هذا: أنه لم يذكر في هذا الحديث نصًّا على خلق السموات، مع أنه ذكر فيه أيام الأسبوع كلها، وذكر ما خلق الله تعالى فيها، فلو خلق السموات في يوم زائد على أيام الأسبوع، لكان خلق السماوات والأرض في ثمانية أيام، وذلك خلاف المنصوص عليه في القرآن، ولا صائر إليه.
وقد رُوي هذا الحديث في غير كتاب مسلم بروايات مختلفة مضطربة، وفي بعضها: أنه خلق الأرض يوم الأحد والاثنين، والجبال يوم الثلاثاء، والشجر والأنهار والعمران يوم الأربعاء، والسموات والشمس والقمر والنجوم والملائكة يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة.
فهذه أخبار آحاد مضطربة فيما لا يقتضي عملًا، فلا يُعتمد على ما تضمّنته من ترتيب المخلوقات في تلك الأيام، والذي يُعتمد عليه في ذلك قوله تعالى: {قُلْ أئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت (9)]، فلينظر فيها من أراد تحقيق ذلك، وفيها أبحاث طويلة، ليس هذا موضع ذكرها. انتهى [«المفهم» (7) / (343) – (344)].
(وبَثَّ) قال الحراليّ: من البثّ، وهو تفرقة آحادٍ متكثرة، في جهات مختلفة. انتهى، وقال القاري؛ أي: فرّقها في الأرض بعد خلق أصولها. انتهى. (فِيها الدَّوابَّ) من الدبيب، وهو الحركة بالنفسى،
(يَوْمَ الخَمِيسِ، وخَلَقَ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلامُ-)
«آدم»: اسم سريانيّ، وهو عند أهل الكتاب آدام بإشباع فتحة الدال، بوزن خاتام، فوزنه فاعال، وامتنع صرفه؛ للعجمة، والعلمية، وقال الثعلبيّ: التراب بالعبرانية آدام، فسمّي آدم به، وحذفت الألف الثانية، وقيل: هو عربيّ، جزم به الجوهريّ، والجواليقيّ، وقيل: هو بوزن أفعل، من الأُدمة، وقيل: من الأديم؛ لأنه خُلق من أديم الأرض، وهذا عن ابن عباس، ووجّهوه بأنه يكون كَعْيَن، ومُنع الصرف؛ للوزن والعَلَمية، وقيل: هو من أدَمت بين الشيئين: إذا خلطت بينهما؛ لأنه كان ماءً وطينًا، فخُلطا جميعًا، ذكره في» الفتح «. [«الفتح» (7) / (605) – (606)، «كتاب أحاديث الأنبياء -عَلَيْهِمُ السَّلامُ-» رقم ((3326))].
(بَعْدَ العَصْرِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ، فِي آخِرِ الخَلْقِ)؛ أي: لكونه الفَذْلكة الإيمائية، وبمنزلة العلة الغائية، قاله القاري: (وفِي آخِرِ ساعَةٍ مِن ساعاتِ الجُمُعَةِ، فِيما بَيْنَ العَصْرِ إلى اللَّيْلِ») وهي الساعة المرجوّة للإجابة في يوم الجمعة عند جماعة من الأئمة، كما سبق بيانه في محلّه.
قال المناويّ: استَدَلّ بهذا الحديث في «المجموع» للمذهب الصحيح أن أول الأسبوع السبت، وعليه أكثر أصحاب الشافعيّ، بل في «الروض الأنف»:
لم يقل بأن أوله الأحد إلا ابن جرير، وإنما خلقها في هذه الأيام ولم يخلقها في لحظة وهو قادر عليه؛ تعليما لخلقه الرفق والتثبيت. انتهى. [«فيض القدير» (3) / (447)].
قال ابن تيمية رحمه الله:
وَفِي أَوَّلِ الْأَيَّامِ يُقَالُ: يَوْمُ الْأَحَدِ؛ فَإِنَّ فِيهِ – عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ – ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَمَا بَيْنَهُمَا؛ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ أَخْبَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ: أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ: أَنَّ آخِرَ الْمَخْلُوقَاتِ كَانَ آدَمَ خُلِقَ يَوْم الْجُمُعَةِ.
وَإِذَا كَانَ آخِرُ الْخَلْقِ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُ كَانَ يَوْمَ الْأَحَدِ؛ لِأَنَّهَا سِتَّةٌ. [مجموع الفتاوى (17/ 235)].
[إسناد الحديث]:
(6) / (73). (حَدَّثَنا البِسْطامِيُّ -وهُوَ الحُسَيْنُ بْنُ عِيسى) بن حُمران الطائيّ، أبو عليّ القُومسيّ، نزيل نيسابور، ثقةٌ صاحب حديث [(10)] (ت (247)) تقدّمت ترجمته في، «البيوع» (15) / (3889)، وهو ليس من رجال مسلم، وإنما يروي عنه تلميذه، كما هنا.
(وسَهْلُ بْنُ عَمّارٍ) القاضي، العلامة، أبو يحيى العتكيّ النيسابوريّ الحنفيّ، شيخ أهل الرأي بخراسان، وقاضي هراة، ارتحل في الحديث، وسمع من: يزيد بن هارون، وشبابة بن سوار، وجعفر بن عون، وعبد الرحمن بن قيس، والواقدي، وعبيد الله بن موسى، وعدة.
حددث عنه: العباس بن حمزة، وأبو يحيى البزاز، وإبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه، ومحمد بن سليمان بن فارس، وأحمد بن شعيب الفقيه، ومحمد بن علي بن عمر المذكر، وآخرون.
قال الحاكم: قلت لمحمد بن صالح بن هانئ: لِمَ لَمْ تكتب عن سهل؟
قال: كانوا يمنعون من السماع منه، وسمعت ابن الأخرم يقول: كنا نختلف إلى إبراهيم بن عبد الله السعدي، وسهلُ بن عمار مطروح في سكته، فلا نتقدم إليه، وعن إبراهيم السعدي، أنه اتَّهَمَ سهلًا، وقالى الحاكم: مختلف في عدالته، توفي سنة سبع وستين ومئتين، ذكر هذا كلّه الذهبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- في «سير أعلام النبلاء» [«سير أعلام النبلاء» (13) / (32) – (33)].
وأما (وإبْراهِيمُ ابْنُ بِنْتِ حَفْصٍ) فلم أجد ترجمته، والله تعالى أعلم.
وقوله: (وغَيْرُهُمْ)؛ أي: غير هؤلاء الثلاثة من العلماء حدّثوني (عَنْ حَجّاجٍ) بن محمد الأعور، عن ابن جريج بسنده الماضي، (بِهَذا الحَدِيثِ)؛ أي: بحديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: «أخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بيدي».
وغرض إبراهيم بهذا بيان العلوّ في إسناد هذا الحديث على إسناد مسلم، فإنه وصل إلى حجاج الأعور بواسطة واحدة، وهم شيوخه المذكورون عن حجاج، وقد وصل إليه في طريق مسلم بواسطتين، وهما مسلم، وشيخاه: سريج، وهارون، كلاهما عن حجّاج، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللهُ-.
(مسألة): في كلام أهل العلم في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا:
(اعلم): أنه قد تكلّم العلماء في هذا الحديث، قال الحافظ ابن كثير -رَحِمَهُ اللهُ-
في «تفسيره»: وهذا الحديث من غرائب «صحيح مسلم»، وقد تكلم عليه عليّ
ابن المدينيّ، والبخاريّ، وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة، فجعلوه مرفوعًا، وقد حرّر ذلك البيهقيّ. [«تفسير ابن كثير» (1) / (70)].
وقال في موضع آخر: فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد في «مسنده»، ومسلم في «صحيحه»، والنسائيّ من غير وجه، وفيه استيعاب الأيام السبعة، والله تعالى قد قال: {فِي سِتَّةِ أيّامٍ} [ق (38)]، ولهذا تكلم البخاريّ، وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث، وجعلوه من رواية أبي هريرة، عن كعب الأحبار، ليس مرفوعًا، والله أعلم [«تفسير ابن كثير» (2) / (221)].
وقال أيضًا: قد علَّله البخاريّ في «التاريخ»، فقال: رواه بعضهم عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن كعب الأحبار، وهو الأصح. انتهى [«تفسير ابن كثير» (4) / (95)].
وقال البيهقيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قال عليّ ابن المديني: وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا من إبراهيم بن أبي يحيى، قال البيهقيّ: وقد تابعه على ذلك موسى بن عُبيدة الرّبَذِيّ، عن أيوب بن خالد، إلا أن موسى بن عبيدة ضعيف، وروي عن بكر بن الشرود، عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن صفوان بن سُليم، عن أيوب بن خالد، وإسناده ضعيف، والله أعلم. انتهى [«الأسماء والصفات» للبيهقيّ (2) / (352)].
وعلّقه البخاريّ في «تاريخه» من طريق أيوب، وقال: وقال بعضهم: عن أبي هريرة، عن كعب، وهو أصحّ. انتهى [«التاريخ الكبير» للبخاريّ (1) / (413) – (414)].
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة -رَحِمَهُ اللهُ- في «مجموع الفتاوى»: وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة: «خلق الله التربة يوم السبت». قال: وهذا الحديث مخالف لِما تقدم، وهو أصح،
ولكن هذا له نظائر، روى مسلم أحاديث، قد عُرف أنها غلط، مثل قول أبي سفيان لمّا أسلم: أريد أن أزوجك أم حبيبة، ولا خلاف بين الناس أنه تزوجها قبل إسلام أبي سفيان، ولكن هذا قليل جدًا، ومثل ما رُوي في بعض طرق حديث صلاة الكسوف أنه صلاها بثلاث ركوعات وأربع، والصواب أنه لم يصلّها إلا مرة واحدة بركوعين، ولهذا لم يخرج البخاري إلا هذا، وكذلك الشافعيّ، وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، وغيرهما، والبخاريّ سَلِم من مثل هذا؛ فإنه إذا وقع في بعض الروايات غلط ذَكر الروايات المحفوظة التي تبيّن غلط الغالط، فإنه كان أعرف بالحديث وعلله، وأفقه في معانيه من مسلم ونحوه. انتهى. [«مجموع الفتاوى» لابن تيميّة (17) / (236) – (237)]. وانظر أيضًا: [(18/ 16)].
وقال أيضًا فيما نقله عنه القاسميّ في «الفضل المبين»: هذا الحديث طَعَن فيه من هو أعلم من مسلم، مثل يحيى بن معين، ومثل البخاريّ، وغيرهما، وذكر البخاريّ أن هذا من كلام كعب الأحبار، وطائفة اعتبرت صحّته، مثل أبي بكر بن الأنباريّ، وأبي الفرج بن الجوزيّ، وغيرهما، والبيهقيّ وغيره وافقوا الذين ضعّفوه، وهذا هو الصواب؛ لأنه قد ثبت بالتواتر أن الله خلق السماوات والأرض، وما بينهما في ستّة أيام، وثبت أن آخر الخلق كان يوم الجمعة، فيلزم أن يكون أول الخلق يوم الأحد، وهكذا عند أهل الكتاب، وعلى ذلك تدلّ أسماء الايام، وهذا المنقول الثابت في آحاديث وآثار أُخر، ولو كان أول الخلق يوم السبت وآخره يوم الجمعة لكان قد خلق في الأيام السبعة، وهو خلاف ما أخبر به القرآن، مع أن حذّاق علم الحديث يُبتّون علّة هذا الحديث من غير هذه الجهة، وأن راويه فلان غلط فيه، لأمور يذكرونها، وهذا الذي يسمّى معرفة علل الحديث، يكون الحديث إسناده في الظاهر جيّدًا، ولكن عُرف من طريق آخر أن راويه غَلِطَ، فرفعه، وهو موقوف، أو أسنده، وهو مرسل، أو دخل عليه الحديث في حديث، وهذا فنّ شريف، وكان يحيى بن سعيد القطّان، ثم صاحبه عليّ ابن المدينيّ، ثم البخاريّ من أعلم الناس به، وكذلك الإمام أحمد، وأبو حاتم، وكذلك النسائيّ، والدارقطنيّ، وغيرهم، وفيه مصنّفات معروفة. انتهى [«الفضل المبين» ص (432) – (434)].
وقال المناويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قال الزركشيّ: أخرجه مسلم، وهو من غرائبه، وقد تكلم فيه ابن المدينيّ، والبخاريّ، وغيرهما، من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب الأحبار، وأن أبا هريرة إنما سمعه منه، لكن اشتبه على بعض الرواة، فجعله مرفوعًا، وقد حرّر ذلك البيهقيّ، ذكره ابن كثير في «تفسيره»، وقال بعضهم: هذا الحديث في متنه غرابة شديدة، فمن ذلك أنه ليس فيه ذكر السماوات، وفيه ذِكر خلق الأرض، وما فيها في سبعة أيام، وهذا خلاف القرآن؛ لأن الأربعة خُلقت في أربعة أيام، ثم خلقت السماوات في يومين. انتهى. [» فيض القدير «(3) / (448)].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: قد تحرّر من كلام هؤلاء الأئمة – رحمهم الله تعالى – أن هذا الحديث مما انتُقد على مسلم -رَحِمَهُ اللهُ- وأن رفعه غير صحيح، وإنما هو موقوف على كعب الأحبار، والظاهر أنه هذا من راويه أيوب بن خالد، فإنه ليّن الحديث، كما سبق عن «التقريب»، وقال الأزديّ: أيوب بن خالد ليس حديثه بذاك، تكلّم فيه أهل العلم بالحديث، وكان يحيى بن سعيد، ونظراؤه لا يكتبون حديثه. انتهى [» تهذيب التهذيب” (1) / (202)].
والظاهر أن هذا من أوهامه، ظن الموقوف مرفوعًا، فرفعه، ولكن هذا لا يغُضّ من قَدْر مسلم -رَحِمَهُ اللهُ- فإن هذا قليل، وهو إمام حافظ ناقد للحديث، ولكن الإنسان عرضة للنسيان، ومن الذي ينجو منه؛ إلا من عصم الله تعالى، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
وقال ابن عثيمين رحمه الله: أما الحديث الثالث: خلق الله التربة يوم السبت إلى آخر الحديث ..
فهذا الحديث رواه الإمام مسلم رحمه الله وقد أنكره العلماء عليه فهو حديث ليس بصحيح ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يخالف القرآن الكريم، وكل ما خالف القرآن الكريم فهو باطل؛ لأن الذين رووا نقلة بشر يخطئون ويصيبون، والقرآن ليس فيه خطأ كله، صواب منقول بالتواتر [شرح رياض الصالحين، لابن عثيمين (6/ 674)].
وقال الراجحي: في هذا الحديث: وهمٌ كما بين ذلك العلماء المحققون؛ لأنه مخالف لصريح القرآن الكريم؛ فإن الله تعالى أخبر في كتابه العزيز أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، فقال عز مِن قائل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}.
وهذه الستة أولها الأحد، وآخرها الجمعة، وأما يوم السبت فليس فيه خلقٌ؛ ولهذا قالت اليهود- قبَّحهم الله-: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم تعب فاستراح في يوم السبت – تعالى الله عز وجل عن ذلك علوًا كبيرًا-، فأنزل الله تعالى: {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب} تكذيبًا لهم؛ ولهذا فإن اليهود يَسْبِتُون، أي: يَعْطَلُون عن العمل يومَ السبت، قال العلماء: والوهم في رفع هذا الحديث من أيوب بن خالد، قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: ((فيه لين)).
والصواب: أنه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار، لا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكعب الأحبار كان من يهود اليمن أسلم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان يكثر النقل من كتب بني إسرائيل، وهذا الحديث من جملة ما نقله عن بني إسرائيل مما يخالف ما بأيدينا من صريح القرآن الكريم؛ وعليه فهذا من الحروف التي غلط فيها الإمام مسلم رحمه الله. [توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (8/ 120)].
“وفي الحديثِ: فَضلُ التُّؤَدَةِ في الأُمورِ وَعَدمِ العَجَلَةِ.
وفيه: بَيانُ تَرتيبِ بَدْءِ الخلْقِ”.
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى): الاختلاف في ابتداء الخلق
قَوْله: {إن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّماوات} الآيَة بَين الله عز وجل أن المُنْفَرد بقدرة الإيجاد هَذا الَّذِي يجب أن يعبد دون غَيره، واخْتلفُوا أي يَوْم بَدَأ بالخلق على ثَلاثَة أقْوال:
أحدها: يَوْم السبت، كَما جاءَ فِي صَحِيح مُسلم.
والثّانِي: يَوْم الأحَد، قالَه عبد الله بن سَلام وكَعب والضَّحّاك ومُجاهد واخْتارَهُ ابْن جرير الطَّبَرِيّ، وبِه يَقُول أهل التَّوْراة.
الثّالِث: يَوْم الِاثْنَيْنِ، قالَه إسْحاق وبِه يَقُول أهل الإنْجِيل. [عمدة القاري شرح صحيح البخاري (25) / (14) 3 – بدر الدين العيني (ت (855))].
وبنحوه عن ابن الجوزي [زاد المسير في علم التفسير (2) / (127) — ابن الجوزي (ت (597))].
وقال أبو جعفر النحاس (ت (338) هـ):
185 – واختلف المسلمون في اليوم الذي ابتدئ فيه الخلق، وفي أول الأيام، فقال قومٌ: أولها الأحد؛ وقال قومٌ: أولها السبت؛ وقال قومٌ: أول الأيام الأحد، وأول الجمعة السبت، وهذا أحسنها؛ والدليل على أن أولها الأحد أن الاثنين بمعنى الثاني.
186 – فأما الاختلاف في ابتداء الخلق، فقال ابن سلام فيه: ابتداؤه يوم الأحد، وكذا قال مجاهدٌ والضحاك، وعليه أكثر الناس، وقال بعض العلماء: يوم السبت؛ وكذا قال محمد بن إسحاق.
187 – وفيهما جميعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثٌ، فمن ذلك ما روي عن أبي هريرة، قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: ((خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه فيها يوم الثلاثاء، وخلق النور فيها يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم صلى الله عليه وسلم بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعةٍ من ساعات الجمعة في ما بين العصر إلى الليل)).
188 – وأما الحديث الآخر فرواه عكرمة عن ابن عباس: أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته عن خلق السموات والأرض، فقال: ((خلق الله جل وعز الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع، وخلق يوم الأربعاء البحر والماء والمدائن والعمارات والخراب وهذه أربعة أيامٍ، قال الله عز وجل: {قل إئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين} إلى آخر الآيات، وقال: {في أربعة أيامٍ سواء للسائلين} قال لمن سأل: وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعاتٍ بقين منه، وخلق في أول ساعةٍ من هذه الثلاث الساعات الآجال يموت من مات، وفي الثانية ألقى الألفة على كل شيءٍ ينتفع به الناس، وفي الثالثة آدم صلى الله عليه وسلم وأسكنه الجنة وأمر بالسجود له، وأخرجه في آخر ساعةٍ)) قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد؟ قال: (({ثم استوى على العرش})) قالوا: أصبت؛ ثم استراح؛ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، فنزلت: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ وما مسنا من لغوب. فاصبر على ما يقولون}.
189 – قال أبو جعفر: زعم محمد بن إسحاق أن الحديث الأول أولى، واستدل بأن الفراغ كان يوم الجمعة؛ وخالفه غيره من العلماء الحذاق النظار، فقال: دليله هو الدليل على خطائه، لأن الخلق في ستة أيام يوم الجمعة منها، كذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم برواية الجماعة، فلو لم يدخل في الأيام كان الخلق في سبعةٍ أيامٍ، وذلك خلاف ما جاء به التنزيل.
190 – قال أبو جعفرٍ: الحديثان ليسا بمتناقضين؛ لأنا إن عملنا على الأول فالخلق في ستة أيام، وليس في التنزيل أنه لا يخلق بعدها شيئاً، فيكون هذا متناقضاً؛ وإن عملنا على الثاني، فليس في التنزيل أنه لم يخلق قبلها شيئاً