2785، 2786،2787،2788 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك: عبدالله المشجري وطارق أبي تيسير وعبدالحميد البلوشي وعبدالله كديم ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله في كتاب صِفَةِ القِيامَةِ والجَنَّةِ والنّارِ
(18) – ((2785)) حَدَّثَنِي أبُو بَكْرِ بْنُ إسْحاقَ، حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي المُغِيرَةُ يَعْنِي الحِزامِيَّ، عَنْ أبِي الزِّنادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قالَ: «إنَّهُ لَيَاتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيامَةِ، لا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ، اقْرَءُوا فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ وزْنًا».
(19) – ((2786)) حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنا فُضَيْلٌ يَعْنِي ابْنَ عِياضٍ، عَنْ مَنصُورٍ، عَنْ إبْراهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قالَ: جاءَ حَبْرٌ إلى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ أوْ يا أبا القاسِمِ إنَّ اللهَ تَعالى يُمْسِكُ السَّماواتِ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى إصْبَعٍ، والأرَضِينَ عَلى إصْبَعٍ، والجِبالَ والشَّجَرَ عَلى إصْبَعٍ، والماءَ والثَّرى عَلى إصْبَعٍ، وسائِرَ الخَلْقِ عَلى إصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، فَيَقُولُ: أنا المَلِكُ، أنا المَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – تَعَجُّبًا مِمّا قالَ الحَبْرُ، تَصْدِيقًا لَهُ، ثُمَّ قَرَأ: {وما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيامَةِ والسَّمَواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ}،
(20) – ((2786)) حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ كِلاهُما، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنصُورٍ بِهَذا الإسْنادِ، قالَ: جاءَ حَبْرٌ مِنَ اليَهُودِ إلى رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، بِمِثْلِ حَدِيثِ فُضَيْلٍ ولَمْ يَذْكُرْ: ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، وقالَ: فَلَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – ضَحِكَ حَتّى بَدَتْ نَواجِذُهُ تَعَجُّبًا لِما قالَ تَصْدِيقًا لَهُ، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: {وما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام (91)] وتَلا الآيَةَ
(21) – ((2786)) حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِياثٍ، حَدَّثَنا أبِي، حَدَّثَنا الأعْمَشُ، قالَ: سَمِعْتُ إبْراهِيمَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ، يَقُولُ: قالَ عَبْدُ اللهِ جاءَ رَجُلٌ مِن أهْلِ الكِتابِ إلى رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقالَ: يا أبا القاسِمِ إنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَواتِ عَلى إصْبَعٍ، والأرْضِينَ عَلى إصْبَعٍ، والشَّجَرَ والثَّرى عَلى إصْبَعٍ، والخَلائِقَ عَلى إصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أنا المَلِكُ، أنا المَلِكُ، قالَ «فَرَأيْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – ضَحِكَ حَتّى بَدَتْ نَواجِذُهُ، ثُمَّ قَرَأ: {وما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام (91)]»،
(22) – ((2786)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو كُرَيْبٍ، قالا: حَدَّثَنا أبُو مُعاوِيَةَ، ح وحَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، وعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قالا: أخْبَرَنا عِيسى بْنُ يُونُسَ، ح وحَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الأعْمَشِ بِهَذا الإسْنادِ، غَيْرَ أنَّ فِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا: والشَّجَرَ عَلى إصْبَعٍ، والثَّرى عَلى إصْبَعٍ، ولَيْسَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: والخَلائِقَ عَلى إصْبَعٍ، ولَكِنْ فِي حَدِيثِهِ: والجِبالَ عَلى إصْبَعٍ، وزادَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: تَصْدِيقًا لَهُ تَعَجُّبًا لِما قالَ
(23) – ((2787)) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنا ابْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ المُسَيِّبِ، أنَّ أبا هُرَيْرَةَ، كانَ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «يَقْبِضُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى الأرْضَ يَوْمَ القِيامَةِ، ويَطْوِي السَّماءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أنا المَلِكُ أيْنَ مُلُوكُ الأرْضِ؟»
(24) – ((2788)) وحَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «يَطْوِي اللهُ عَزَّ وجَلَّ السَّماواتِ يَوْمَ القِيامَةِ، ثُمَّ يَاخُذُهُنَّ بِيَدِهِ اليُمْنى، ثُمَّ يَقُولُ: أنا المَلِكُ، أيْنَ الجَبّارُونَ؟ أيْنَ المُتَكَبِّرُونَ. ثُمَّ يَطْوِي الأرَضِينَ بِشِمالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أنا المَلِكُ أيْنَ الجَبّارُونَ؟ أيْنَ المُتَكَبِّرُونَ؟»
(25) – ((2788)) حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي أبُو حازِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، أنَّهُ نَظَرَ إلى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ كَيْفَ يَحْكِي رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قالَ: «يَاخُذُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ سَماواتِهِ وأرَضِيهِ بِيَدَيْهِ، فَيَقُولُ: أنا اللهُ – ويَقْبِضُ أصابِعَهُ ويَبْسُطُها – أنا المَلِكُ» حَتّى نَظَرْتُ إلى المِنبَرِ يَتَحَرَّكُ مِن أسْفَلِ شَيْءٍ مِنهُ، حَتّى إنِّي لَأقُولُ: أساقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -؟
(26) – ((2788)) حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أبِي حازِمٍ، حَدَّثَنِي أبِي، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قالَ: رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، عَلى المِنبَرِ وهُوَ يَقُولُ: «يَاخُذُ الجَبّارُ، عَزَّ وجَلَّ، سَماواتِهِ وأرَضِيهِ بِيَدَيْهِ» ثُمَّ ذَكَرَ نَحْحَدِيثِ يَعْقُوبَ
==========
التمهيد:
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله: (” [(2)] – كتاب: صِفَةِ القِيامَةِ، والجَنَّةِ، والنّارِ”).
قال الإتيوبي عفا الله عنه: هكذا وقع بلفظ «باب» في النسخة الهنديّة، وهو الظاهر، ولذا قلّدته، ووقع في معظم النسخ بلفظ «كتاب»، ولا يخفى بعده، فتنبّه.
وفي قوله عفا الله عنه (” [(2)] – كتاب: صِفَةِ القِيامَةِ، والجَنَّةِ، والنّارِ”)، عدة مسائل:
المسألة الأولى: أسماءُ القيامةِ
سَمَّى الله اليَومَ الآخِرَ بعِدَّةِ أسماءٍ تَنويهًا بشَأنِه وتَنبيهًا للعِبادِ ليَخافوا منه، وكُلُّها أسماءٌ تَدُلُّ على عِظَمِ شَأنِه وشِدَّةِ هولِه وما يَلقاه النَّاسُ فيه من الشَّدائِدِ والأهوالِ. [يُنظر: ((بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز)) للفيروزآبادي (1/ 88)، ((الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد)) لصالح الفوزان (ص: 254)]
قال القُرطُبيُّ: (كُلُّ ما عَظُمَ شَأنُه تَعَدَّدَت صِفاتُه، وكَثُرَت أسماؤُه، وهذا في جَميعِ كلامِ العَرَبِ، ألا تَرى أنَّ السَّيفَ لَمَّا عَظُمَ عِندَهم مَوضِعُه، وتَأكَّد نَفعُه لَدَيهم ومَوقِعُه، جَمَعوا له خَمسَمِائةِ اسمٍ، وله نَظائِرُ؟ فالقيامةُ لَما عَظُمَ أمرُها، وكَثُرَت أهوالُها، سَمَّاها الله تعالى في كِتابِه بأسماءٍ عَديدةٍ، ووَصفَها بأوصافٍ كثيرةٍ). [يُنظر: ((التذكرة)) (1/ 247)]
ومن تلك الأسماءِ:
1 – يومُ القيامةِ:
قال اللهُ تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: 185].
قال ابنُ عُثَيمين: (سُمِّيَ يَومَ القيامةِ لقيامِ أمورٍ ثَلاثةٍ فيه:
الأوَّلُ: قيامُ النَّاسِ من قُبورِهم لرَبِّ العالَمينَ، كما قال تعالى: لِيَومٍ عظيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين: 5 – 6].
الثَّاني: قيامُ الأشهادِ الذينَ يَشهَدونَ للرُّسلِ وعلى الأمَمِ؛ لقَولِه تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر: 51].
الثَّالِثُ: قيامُ العَدْلِ؛ لقَولِه تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [الأنبياء: 47]). [يُنظر: ((القول المفيد)) (2/ 118)].
2 – اليومُ الآخِرُ:
قال اللهُ تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة: 177].
قال عياضٌ: (الإيمانُ باليَومِ الآخِرِ: … وسُمِّي آخِرًا لأنَّه آخِرُ أيَّامِ الدُّنيا، ولِأنَّه آخِرُ الأزمِنةِ المُحْدَثةِ). [يُنظر: ((إكمال المعلم)) (1/ 175)]
3 – يومُ الآزفةِ:
قال اللهُ تعالى: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر: 18].
قال ابنُ كثيرٍ: (يَومُ الآزِفةِ هو: اسمٌ من أسماءِ يَومِ القيامةِ، سُمِّيَت بذلك لاقتِرابِها، كما قال تعالى: أَزِفَتِ الآزِفةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ [النجم: 57، 58].
وقال: اقتَرَبَتِ السَّاعةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ [القمر: 1].
وقال: اقتَرَبَ للنَّاسِ حِسَابُهُمْ [الأنبياء: 1].
وقال: أتى أمرُ اللهِ فَلَا تَستَعْجِلُوه [النحل: 1].
وقال: فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ [الملك: 27]). [يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 137)].
4 – يومُ البَعثِ:
قال اللهُ تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الروم: 56].
قال ابنُ جَريرٍ: (فهذا يَومُ البَعثِ يَقولُ: فهذا يَومُ يُبعَثُ النَّاسُ من قُبورِهم ولَكِنَّكم كُنتُم لا تَعلَمونَ يَقولُ: ولَكِنَّكم كُنتُم لا تَعلَمونَ في الدُّنيا أنَّه يَكونُ، وأنَّكم مَبعوثونَ من بَعدِ المَوتِ؛ فلِذلك كُنتُم تُكذِّبونَ). [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/ 528)]
5 – يومُ التَّغابُنِ:
قال اللهُ تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن: 9].
قال ابنُ الجَوزيِّ: (قَولُه: ذَلِكَ يَومُ التَّغابُنِ تَفاعُلٌ من الغَبنِ، وهو فوتُ الحَظِّ. والمُرادُ في تَسميَتِه يَومَ القيامةِ بيَومِ التَّغابُنِ فيه أربَعةُ أقوالٍ:
أحَدُها: أنَّه ليس من كافِرٍ إلَّا وله مَنزِلٌ وأهلٌ في الجَنةِ، فيَرِثُ ذلك المُؤمِنُ، فيُغبَنُ حينَئِذٍ الكافِرُ … والثَّاني: غَبنُ أهلِ الجَنَّةِ أهلَ النَّارِ … والثَّالِثُ: أنَّه يَومُ غَبنِ المَظلومِ الظَّالِمَ؛ لأنَّ المَظلومَ كان في الدُّنيا مَغبونًا، فصارَ في الآخِرةِ غابِنًا … والرَّابِعُ: أنَّه يَومٌ يَظهَرُ فيه غَبنُ الكافِرِ بتَركِه للإيمانِ، وغَبنُ المُؤمِنِ بتَقصيرِه في الإحسانِ). [يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (4/ 293)]
وقال القُرطُبيُّ: (سُمِّيَ يَومُ القيامةِ يَومَ التَّغابُنِ؛ لأنَّه غَبَن فيه أهلُ الجَنةِ أهلَ النَّارِ، أي: أنَّ أهلَ الجَنةِ أخَذوا الجَنةَ، وأخذَ أهلُ النَّارِ النَّارَ على طَريقِ المُبادَلةِ، فوَقَعَ الغَبنُ لأجلِ مُبادَلَتِهمُ الخَيرَ بالشَّرِّ، والجَيِّدَ بالرَّديءِ، والنَّعيمَ بالعَذابِ). [يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (18/ 136)]
6 – يومُ التَّلاقِي:
قال اللهُ عَزَّ وجلَّ: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: 15 – 16].
قال ابنُ عَبَّاسٍ وقتادةُ: (يَومُ يَلتَقي أهلُ السَّماءِ وأهلُ الأرضِ). [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/ 438) (20/ 296)، ((تفسير القرطبي)) (15/ 300)]
وقال قتادةُ أيضًا، وأبو العاليةِ، ومُقاتِلٌ: (يَلتَقي فيه الخَلقُ والخالِقُ)، وقيل: (العابدون والمعبودون)، وقيل: (الظَّالم والمظلوم)، وقيل: (يلقى كُلُّ إنسانٍ جزاءَ عَمَلِه)، وقيل: (يلتقي الأوَّلون والآخِرون على صعيدٍ واحدٍ). قال القرطبي: وكُلُّه صحيحٌ. [يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (15/ 300)].
7 – يومُ الجَمعِ:
قال اللهُ سُبحانَه: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ [الشورى: 7].
قال القُرطُبيُّ: (يَومُ الجَمعِ: يَومُ يَجمَعُ اللهُ الأوَّلينَ والآخِرينَ والإنسَ والجِنَّ وأهلَ السَّماءِ وأهلَ الأرضِ. وقيلَ: هو يَومُ يَجمَعُ اللهُ بينَ كُلِّ عَبدٍ وعَمَلِه. وقيلَ: لأنَّه يُجمَعُ فيه بينَ الظَّالِمِ والمَظلومِ. وقيلَ: لأنَّه يُجمَعُ فيه بينَ كُلِّ نَبيٍّ وأمَّتِه. وقيلَ: لأنَّه يُجمَعُ فيه بينَ ثَوابِ أهلِ الطَّاعاتِ وعِقابِ أهلِ المَعاصي). [يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (18/ 136)].
8 – يومُ التَّنادي:
قال اللهُ تعالى: وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ [غافر: 32].
قال القُرطُبيُّ: (سُمِّي بذلك لِمُناداةِ النَّاسِ بَعضِهم بَعضًا، فيُنادي أصحابُ الأعرافِ رِجالًا يَعرِفونَهم بسِيماهم، ويُنادي أصحابُ الجَنةِ أصحابَ النَّارِ: أن قد وجَدنا ما وعَدَنا رَبُّنا حَقًّا، ويُنادي أصحابُ النَّارِ أصحابَ الجَنةِ: أن أفيضُوا علينا من الماءِ … وتُنادي المَلائِكةُ أصحابَ الجَنةِ: أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أورِثْتُموها بما كُنتُم تَعمَلونَ، ويُنادى حينَ يُذبَحُ المَوتُ: ((يا أهلَ الجَنَّةِ، خُلودٌ لا مَوتَ، ويا أهلَ النَّارِ، خُلودٌ لا مَوتَ))، ويُنادى كُلُّ قَومٍ بإمامِهم، إلى غَيرِ ذلك من النِّداءِ). [يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (15/ 310)]
9 – يومُ الحِسابِ:
قال اللهُ عَزَّ وجلَّ: وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ [غافر: 27].
قال القُرطُبيُّ: (مَعناه: أنَّ الباريَ سُبحانَه يُعَدِّدُ على الخَلقِ أعمالَهم من إحسانٍ وإساءةٍ، يُعَدِّدُ عليهم نِعَمَه، ثُمَّ يُقابِلُ البَعضَ بالبَعضِ). [يُنظر: ((التذكرة)) (1/ 259)].
10– الحاقَّةُ:
قال اللهُ تعالى: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة: 1 – 3].
قال ابنُ جَريرٍ: (الحاقةُ التي تَحِقُّ فيها الأمورُ، ويَجِبُ فيها الجَزاءُ على الأعمالِ … قد حَقَّ عليه الشَّيءُ: إذا وَجَبَ، فهو يَحِقُّ حُقوقًا). [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/ 205)]
وقال القُرطُبيُّ: (سُمِّيَت بذلك لأنَّ الأمورَ تَحِقُّ فيها. قاله الطَّبَريُّ … وقيلَ: سُمِّيَت حاقةً لأنَّها كانت من غَيرِ شَكٍّ، وقيلَ: سُمِّيَت بذلك لأنَّها أحَقَّت لأقوامٍ الجَنةَ، وأحَقَّت لأقوامٍ النَّارَ). [يُنظر: ((التذكرة)) (1/ 262)].
11 – يومُ الحَسرةِ:
قال اللهُ عَزَّ وجلَّ: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [مريم: 39].
قال السَّمعانيُّ: (قَولُه تعالى: وَأَنْذِرْهُمْ يَومَ الحَسْرَةِ مَعناه: يَومُ النَّدامةِ، ويُقالُ: كُلُّ النَّاسِ يَندَمونَ يَومَ القيامةِ؛ أمَّا المُسيءُ فيَندَمُ هَلَّا أحسَنَ، وأمَّا المُحْسِنُ فيَندَمُ هَلَّا ازدادَ حُسْنًا، وأمَّا قَولُ أكثَرِ المُفَسِّرينَ في الآيةِ: هذه الحَسْرةُ حَيثُ يُذبَحُ المَوتُ على الصِّراطِ). [يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (3/ 293)]
قال ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما في قَولِ الله تعالى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ [مريم: 39]: (يُصَوِّرُ اللهُ المَوتَ في صورةِ كَبشٍ أملَحَ، فيُذبَحُ، قال: فيَيأسُ أهلُ النَّارِ من المَوتِ، فلا يَرجونَه، فتَأخُذُهمُ الحَسْرةُ من أجلِ الخُلودِ في النَّارِ). [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/ 546)]
12 – يومُ الخُلودِ:
قال اللهُ تعالى: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ [ق: 34].
قال الشَّوكانيُّ: (سَمَّاه يَومَ الخُلودِ لأنَّه لا انتِهاءَ له، بَل هو دائِمٌ أبَدًا). [يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (5/ 93)].
13 – يومُ الخروجِ:
قال اللهُ سُبحانَه: يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق: 42].
قال ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ تعالى ذِكرُه: يَومَ خُروجِ أهلِ القُبورِ من قُبورِهم). [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/ 476)]
14 – يومُ الدِّينِ:
قال اللهُ تعالى: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4].
عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما قال: (يَومُ الدِّينِ: يَومُ حِسابِ الخَلائِقِ هو يَومُ القيامةِ، يَدِينُهم بأعمالِهم؛ إنْ خَيرًا فخيرٌ وإن شَرًّا فشَرٌّ، إلَّا من عَفَا عنه، فالأمرُ أَمْرُه). [أخرجه ابن جرير في تفسيره (1/ 158)].
قال ابنُ كثيرٍ: (وكَذلك قال غَيرُه من الصَّحابةِ والتَّابِعينَ والسَّلَفِ، وهو ظاهرٌ). [يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/ 134)].
15 – السَّاعةُ:
قال اللهُ عَزَّ وجلَّ: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه: 15].
قال البَيضاويُّ في تَفسيرِ قَولِه تعالى: وَيَوْمَ تَقومُ السَّاعةُ يُقْسِمُ المُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ: (السَّاعةُ: القيامةُ؛ سُمِّيَت بها لأنَّها تَقومُ في آخِرِ ساعةٍ من ساعاتِ الدُّنيا، أو لأنَّها تَقَعُ بَغتةً وصارَت عَلَمًا لها بالغَلَبةِ). [يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/ 210)].
16 – الصَّاخَّةُ:
قال اللهُ تعالى: فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَانٌ يُغْنِيهِ [عبس: 33 – 37].
مَعنى الصَّاخَّةِ: (صيحةُ القيامةِ؛ لأنَّها تَصخُّ الآذانَ، أي: تُصِمُّها).
17– الطَّامَّةُ:
قال اللهُ تعالى: فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى [النازعات: 34 – 35].
قال القُرطُبيُّ: (مَعناها الغالِبةُ، من قَولِك: طَمَّ الشَّيءِ: إذا عَلَا وغَلبَ، ولَما كانت تَغلِبُ كُلَّ شَيءٍ كان لها هذا الِاسمُ حَقيقةً دونَ كُلِّ شَيءٍ). [يُنظر: ((التذكرة)) (1/ 262)]
18– الغاشِيةُ:
قال اللهُ تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية: 1].
(حدِيثُ الْغاشِيَةِ يَعني: القيامةَ، سُمِّيَت غاشيةً؛ لأنَّها تَغشى كُلَّ شَيءٍ بأهوالِها).
19 – يومُ الفَصلِ:
قال اللهُ سُبحانَه: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [النبأ: 17].
قال ابنُ جَريرٍ: (يَفصِلُ الله فيه بينَ خَلقِه، فيَأخُذُ فيه من بَعضِهم لبَعضٍ … عن قتادةَ: … هو يَومٌ عَظَّمَه اللهُ، يَفصِلُ اللهُ فيه بينَ الأوَّلينَ والآخِرينَ بأعمالِهم). [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/ 18)]
20 – يومُ الفتحِ:
قال اللهُ عَزَّ وجلَّ: قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ [السجدة: 29].
قال الألوسيُّ: (تَفسيرُ يَومِ الفَتحِ بيَومِ القيامةِ ظاهِرٌ على القَولِ بأنَّ المُرادَ بالفَتحِ الفَصْلُ للخُصومةِ، فقد قال سُبحانَه: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ). [يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (11/ 138)].
21 – القارِعةُ:
قال اللهُ تعالى: الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ [القارعة: 1 – 3].
قال السَّعديُّ: (القَارِعَةُ من أسماءِ يَومِ القيامةِ، سُمِّيَت بذلك لأنَّها تَقرَعُ النَّاسَ وتُزعِجُهم بأهوالِها؛ ولِهذا عَظَّمَ أمْرَها وفَخَّمَه بقَولِه: الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ). [يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 933)].
22 – الواقِعةُ:
قال اللهُ سُبحانَه: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ [الواقعة: 1 – 2].
قال الألوسيُّ: (الواقِعةُ عَلَمٌ بالغَلَبةِ أو مَنقولٌ للقيامةِ، وصَرَّحَ ابنُ عَبَّاسٍ بأنَّها من أسمائِها، وسُمِّيَت بذلك للإيذانِ بتَحقيقِ وُقوعِها لا مَحالةَ، كأنَّها واقِعةٌ في نَفسِها). [يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (14/ 129)]
23 – يومُ الوعيدِ:
قال اللهُ عَزَّ وجلَّ: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق: 20].
قال الشَّوكانيُّ: (ذَلِكَ يَوْمُ الوَعِيدِ أي: ذلك الوَقتُ الذي يَكونُ فيه النَّفخُ في الصُّورِ يَومُ الوَعيدِ الذي أوعَدَ اللهُ به الكُفَّارَ. قال مُقاتِلٌ: يَعني بالوَعيدِ: العَذابَ في الآخِرةِ، وخَصَّصَ الوَعيدَ مَعَ كونِ اليَومِ هو يَومُ الوَعدِ والوَعيدِ جَميعًا؛ لتَهويلِه). [يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (5/ 90)].
قال ابنُ حَجَرٍ عن أسماءِ القيامةِ: (جَمَعَها الغَزاليُّ ثُمَّ القُرطُبيُّ، فبَلَغَت نَحوَ الثَّمانينَ اسمًا؛ فمنها يَومُ الجَمعِ ويَومُ الفَزعِ الأكبَرِ، ويَومُ التَّنادِ، ويَومُ الوَعيدِ، ويَومُ الحَسْرةِ، ويَومُ التَّلاقِ، ويَومُ المَآبِ، ويَومُ الفَصلِ، ويَومُ العَرضِ على اللهِ، ويَومُ الخُروجِ، ويَومُ الخُلودِ، ومنها يَومٌ عَظيمٌ، ويَومٌ عَسيرٌ، ويَومٌ مَشهودٌ، ويَومٌ عَبُوسٌ قَمطَريرٌ، ومنها يَومُ تُبلى السَّرائِرُ، ومنها يَومُ لا تَملِكُ نَفسٌ لنَفسٍ شَيئًا، ويَومُ يُدْعَونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ، ويَومٌ تَشْخَصُ فيه الأبصارُ، ويَومُ لا يَنفَعُ الظَّالِمينَ مَعذِرَتُهم، ويَومُ لا يَنطِقونَ، ويَومُ لا يَنفَعُ مالٌ ولا بنونَ، ويَومُ لا يَكتُمونَ اللهَ حَديثًا، ويَومٌ لا مَرَدَّ له من اللهِ، ويَومٌ لا بَيعٌ فيه ولا خِلالٌ، ويَومٌ لا ريبَ فيه، فإذا ضُمَّتْ هذه إلى ما ذُكِرَ في الأصلِ كانت أكثَرَ من ثَلاثينَ اسمًا مُعظَمُها ورَدَ في القُرآنِ بلَفظِه، وسائِرُ الأسماءِ المُشارِ إليها أُخِذَت بطَريقِ الِاشتِقاقِ بما ورَدَ مَنصوصًا؛ كيَومِ الصَّدرِ من قَولِه: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أشتاتًا، ويَومُ الجِدالِ مِن قَولِه: يَوْمَ تَاتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا، ولَو تُتُبِّعَ مِثلُ هذا من القُرآنِ زادَ على ما ذُكِرَ. واللهُ أعلَمُ). [يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (5/ 90)]. [الموسوعة العقدية].
المسألة الثانية: مَعنَى الإيمانِ باليَومِ الآخِرِ
قالَ مُحَمَّدُ بنُ نَصرٍ المَروزيُّ في شَرحِ حَديثِ جَبريلَ عَلَيه السَّلامُ: (أمَّا قَولُه: ((واليَومِ الآخِرِ)) فأن تُؤمِنَ بالبَعثِ بَعدَ المَوتِ، والحِسابِ والميزانِ، والثَّوابِ والعِقابِ، والجَنَّةِ والنَّارِ، وبكُلِّ ما وصَف اللَّهُ به يَومَ القيامةِ). [يُنظر: ((تعظيم قدر الصلاة)) (1/ 393)]
وقال الحَلِيميُّ: (السَّادِسُ من شُعَبِ الإيمانِ: وهو بابُ الإيمانِ باللَّهِ، وباليَومِ الآخِرِ، ومَعناه: التَّصديقُ بأنَّ لِأيَّامِ الدُّنيا أٌخرَى، أي: أنَّ الدُّنيا مُنتَهيةٌ، وهَذا العالَمُ يَومًا يُنقَضُ صُنعُه، ويَنحَلُّ تَركيبُه … وقَد أخبَرَ عَزَّ وجَلَّ على لِسانِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه مُفني مَن على وجهِ الأرضِ، ومُبَدِّلُ الأرضِ غَيرَ الأرضِ، وأنَّ الشَّمسَ تُكَوَّرُ، وأنَّ البحارَ تُسَجَّرُ، والكَواكِبَ تُنثَرُ، فيَذَرُها قاعًا صَفصفًا، لا تَرَى فيها عِوَجًا ولا أمْتًا، وكُلُّ ذَلِكَ كائِنٌ على ما جاءَ به الخَبَرُ، وَعْدُ اللهِ صِدْقٌ، وقَولُه حَقٌّ). [يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/ 336)]
وقالَ البَيْهَقيُّ: (بابُ الإيمانِ بما أخبَرَ عَنه رُسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مَلائِكةِ اللَّهِ، وكُتُبِه، ورُسُلِه، والبَعثِ بَعدَ المَوتِ، والحِسابِ والميزانِ، والجَنَّةِ والنَّارِ، وأنَّهما مَخلوقَتانِ مُعَدَّتانِ لِأهلِهما، وبما أخبَرَ عَنه من حَوضِه، ومن أشراطِ السَّاعةِ قَبلَ قيامِها، قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [البقرة: 285]). [يُنظر: ((الاعتقاد)) (ص: 239)].
يُنظر: ((المعين على تفهم الأربعين)) (ص: 105)]
وقال السَّعديُّ: (كُلُّ ما جاءَ في الكِتاب والسُّنَّةِ مِمَّا يَكونُ بَعدَ المَوتِ فإنَّه داخِلٌ في الإيمانِ باليَومِ الآخِرِ؛ كأحوالِ القَبرِ والبَرزَخِ ونَعيمِه وعَذابِه، وأحوالِ يَومِ القيامةِ وما فيها مِنَ الحِساب والثَّوابِ والعِقابِ والصُّحُفِ والميزانِ والشَّفَاعةِ، وأحوالِ الجَنَّةِ والنَّارِ وصَفاتِهما وصَفاتِ أهلِهما، وما أعَدَّ اللَّهُ لِأهلِها إجمالًا وتَفصيلًا، كُلُّ ذلك مِنَ الإيمانِ باليَومِ الآخِرِ). [يُنظر: ((سؤال وجواب في أهم المهمات)) (ص: 15)]
وقال حافِظٌ الحَكَميُّ في مَعنَى الإيمانِ باليَومِ الآخِرِ: (مَعناه التَّصديقُ الجازِمُ بإتيانِه لا مَحالةَ، والعَمَلُ بموجِبِ ذلك. ويَدخُلُ في ذلك الإيمانُ بأشراطِ السَّاعةِ وأماراتِها الَّتي تَكونُ قَبلَها لا مَحالةَ. وبالمَوتِ وما بَعدَه من فتنةِ القَبرِ وعَذابِه ونَعيمِه، …. ). [يُنظر: ((أعلام السنة المنشورة)) (ص: 55)]
وقال أيضًا: (الإيمانُ باليَومِ الآخِرِ يَتَضَمَّنُ ثَلاثةَ أمورٍ:
الأوَّلُ: الإيمانُ بالبَعثِ: وهو إحياءُ المَوتَى حينَ يُنفَخُ في الصُّورِ النَّفخةَ الثَّانيةَ، فيَقومُ النَّاسُ لِرَبِّ العالَمينَ، حَفَاةً غَيرَ مُنتَعِلينَ، عُراةً غَيرَ مُستَتِرينَ، غَرْلًا غَيرَ مُختَتَنِينَ …
الثَّاني: الإيمانُ بالحِساب والجَزاءِ: يُحاسَبُ العَبدُ على عَمَلِه، ويُجازَى عليه …
الثَّالِثُ: الإيمانُ بالجَنَّةِ والنَّارِ، وأنَّهما المَآلُ الأبَديُّ لِلخَلقِ … ويَلتَحِقُ بالإيمانِ باليَومِ الآخِرِ: الإيمانُ بكُلِّ ما يَكونُ بَعدَ المَوتِ؛ مِثلُ:
(أ) فتنةِ القَبرِ: وهيَ سُؤالُ المَيِّتِ بَعدَ دَفنِه عَن رَبِّه، ودينِه، ونَبيِّه …
(ب) عَذابِ القَبرِ ونَعيمِه: فيَكونُ العَذابُ لِلظَّالِمينَ مِنَ المُنافِقَينَ والكافِرَينِ … وأمَّا نَعيمُ القَبرِ فلِلمُؤمِنينَ الصَّادِقينَ). [يُنظر: ((شرح ثلاثة الأصول)) (ص: 100 – 104)]. و [يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: الحجرات – الحديد)) (ص: 221)]. [الموسوعة العقيدة].
المسألة الثالثة: بيان ما يمر بالإنسان من أحداث يوم القيامة
يوم القيامة يبعث الله الأجساد، ينزل الله مطرًا تنبت منه أجساد الناس، وينشئون تنشئة غير تنشئة الدنيا، والذوات هي نفسها الذوات، فإذا كمل نباتهم أمر الله إسرافيل أن ينفخ في الصور النفخة الثانية، إذ إن النفخة الأولى هي التي يموت فيها الناس، ثم يمكث الناس أربعين، ثم ينزل الله مطرًا تنبت فيه أجساد الناس، ثم يأمر الله إسرافيل فينفخ في الصور نفخة البعث، فتأتي الأرواح إلى أجسادها، ومعلوم أن الأرواح باقية لا تموت في نعيم أو في عذاب، فتدخل كل روح في جسدها، فيقوم كل واحد ينفض التراب عن رأسه، ويقفون بين يدي الله للحساب سراعًا، حفاة لا نعال عليهم، عراةً لا ثياب عليهم، غرلًا -جمع أغرل- غير مختونين، وتدنو الشمس من رءوسهم ويزاد في حرارتها، ويشتد الكرب بالناس، ويسألون الأنبياء الشفاعة، ويذهبون إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم نبينا عليه الصلاة والسلام، ثم يشفع نبينا – صلى الله عليه وسلم -، يشفعه الله فيقضي الله بين الخلائق، يحاسبهم في وقت واحد، لا يلهيه شأن عن شأن سبحانه وتعالى، فنحن نعرف أن ابن آدم الضعيف لا يستطيع التكلم مع اثنين في وقت واحد، لكن الرب سبحانه وتعالى يحاسب الخلائق في وقت واحد، ويفرغ سبحانه وتعالى من حسابهم في قدر منتصف النهار، وفي وقت القيلولة يدخل أهل الجنة الجنة، قال سبحانه: {أصْحابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وأحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: (24)] وبعد الحساب تعطى الصحف وتتطاير بالأيمان وبالشمائل وتوزن الموازين ويرد الناس على الحوض، واختلف العلماء في الترتيب.
فمن العلماء من قال: الميزان قبل الحوض، ومنهم من قال: الحوض قبل الميزان، والأقرب أنه أولًا: الحساب ثم الورود على الحوض ثم الميزان بعد ذلك؛ لأنه لو كان الميزان قبل ذلك لكان من خف ميزانه لا يرد على الحوض، وقد ثبت أنه يرد على الحوض أناس لا يعلمون فيطردون، فالترتيب يكون الحساب ثم الحوض ثم الميزان وتطاير الصحف، ثم بعد ذلك المرور على الصراط، فمن تجاوز الصراط صعد إلى الجنة، ومن سقط سقط في النار نعوذ بالله.
ثم بعد ذلك دخول الجنة، ثم بعد دخول العصاة النار تكون الشفاعة فيهم، ثم بعد ذلك الاستقرار في الجنة أو في النار، نسأل الله السلامة والعافية. [شرح الاقتصاد في الاعتقاد – الراجحي (12) / (8) — عبد العزيز الراجحي].
المسألة الرابعة: ترتيب أحداث يوم القيامة
“فإنّ ما يحصل يوم القيامة وما يكون فيه الذي جاء في الكتاب والسنة أشياء كثيرة، مثل ما ذَكَرْ قيام الناس، الحوض، الميزان، الصحف، الحساب، العرض، القراءة، تطاير الصحف، الكتاب، الصراط، الظلمة، وهذه أشياء متنوعة، فكيف ترتيبها؟
الظاهر والذي قرَّرَهُ المحققون من أهل العلم أنّ ترتيبها كالتالي:
(1) – إذا بُعث الناس وقاموا من قبورهم ذهبوا إلى أرض المحشر، ثم يقومون في أرض المحشر قيامًا طويلا، تشتد معه حالهم وظمؤُهُم، ويخافون في ذلك خوفًا شديدًا؛ لأجل طول المقام ويقينهم بالحساب وما سيُجري الله – عز وجل – عليهم.
(2) – فإذا طال المُقام رَفَعَ الله – عز وجل – لنبيه – صلى الله عليه وسلم – أولًا حوضه المورود، فيكون حوض النبي – صلى الله عليه وسلم – في عرصات القيامة إذا اشتد قيامهم لرب العالمين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
فمن مات على سنّته غير مًغَيِّرٍ ولا مُحْدِثٍ ولا مُبَدِّلْ ورَدَ عليه الحوض وسُقِيَ منه فيكونُ أول الأمان له أن يكون مَسْقِيَا من حوض نبينا – صلى الله عليه وسلم -، ثم بعدها يُرْفَعُ لكل نبي حوضه، فيُسْقى منه صالح أمته.
(3) – ثم يقوم الناس مُقامًا طويلًا ثم تكون الشفاعة العظمى -شفاعة النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن يُعَجِّلَ الله – عز وجل – حساب الخلائق في الحديث الطويل المعروف أنهم يسألونها آدم ثم نوحًا ثم إبراهيم إلى آخره، فيأتون إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ويقولون له: يا محمد، ويصِفُونَ له الحال وأن يقي الناس الشدة بسرعة الحساب، فيقول – صلى الله عليه وسلم – بعد طلبهم اشفع لنا عند ربك، يقول «أنا لها، أنا لها»، فيأتي عند العرش فيخر فيحمد الله – عز وجل – بمحامد يفتحها الله – عز وجل – عليه، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك وسل تُعْطَ واشْفَعْ تُشَفَّعْ. فتكون شفاعته العظمى في تعجيل الحساب.
(4) – بعد ذلك يكون العرض -عرض الأعمال-.
(5) – ثم بعد العرض يكون حساب.
(6) – وبعد الحساب الأول تتطاير الصحف، والحساب الأول من ضمن العرض؛ لأنه فيه جدال ومعاذير، ثُمَّ بعد ذلك تتطاير الصحف ويُؤْتى أهل اليمين كتابهم باليمين وأهل الشمال كتابهم بشمالهم فيكون قراءة الكتاب.
(7) – ثم بعد قراءة الكتاب يكون هناك حساب أيضًا لقطع المعذرة وقيام الحجة بقراءة ما في الكتب.
(8) – ثم بعدها يكون الوزن، الميزان، فتوزن الأشياء التي ذكرنا.
(9) – ثم بعد الميزان ينقسم الناس إلى طوائف وأزواج؛ أزواج بمعنى كل شكل إلى شكله، وتُقامْ الألوية -ألوية الأنبياء- لواء محمد – صلى الله عليه وسلم -، ولواء إبراهيم، ولواء موسى إلى آخره، ويتنوع الناس تحت اللواء بحسب أصنافهم، كل شَكْلٍ إلى شكله.
والظالمون والكفرة أيضًا يُحْشَرُونَ أزواجًا يعني متشابهين كما قال {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وأزْواجَهُمْ وما كانُوا يَعْبُدُونَ ((22)) مِن دُونِ اللَّهِ} [الصافات: (22) – (23)]؛ يعني بأزواجهم يعني أشكالهم ونُظَراءَهُمْ، فيُحْشَرْ علماء المشركين مع علماء المشركين، ويُحْشَرْ الظلمة مع الظلمة، ويُحْشَرْ منكري البعث مع منكري البعث، ويُحْشَرْ منكري الرسالة وهكذا في أصناف.
(10) – ثُمَّ بعد هذا يَضْرِبُ الله – عز وجل – الظُّلمة قبل جهنم والعياذ بالله، فيسير الناس بما يُعْطَونَ من الأنوار، فتسير هذه الأمة وفيهم المنافقون، ثُمَّ إذا ساروا على أنوارهم ضُرِبَ السُّور المعروف {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وظاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذابُ ((13)) يُنادُونَهُمْ ألَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى} [الحديد: (13) – (14)] الآيات، فيُعْطِي الله – عز وجل – المؤمنين النور فيُبْصِرُون طريق الصراط، وأما المنافقون فلا يُعْطَون النور فيكونون مع الكافرين يتهافتون في النار، يمشون وأمامهم جهنم والعياذ بالله.
(11) – ثم يأتي النبي – صلى الله عليه وسلم – أولًا ويكون على الصراط، ويسأل الله – عز وجل – له ولأمته فيقول: «اللهم سلّم سلم، اللهم سلّم سلم». فَيَمُرْ – صلى الله عليه وسلم – وتَمُرُّ أمته على الصراط، كُلٌ يمر بقدر عمله ومعه نور أيضًا بقدر عمله، فيمضي مَن غَفَرَ الله – عز وجل – له، ويبقى في النار يسقط في النار في طبقة الموحّدين من شاء الله – عز وجل – أن يُعَذبه.
ثم إذا انتهوا من النار اجتمعوا في عَرَصات الجنة يعني في السّاحات التي أعدها الله – عز وجل -؛ لأن يُقْتَصَّ أهل الإيمان بعضهم من بعض ويُنْفى الغل حتى يدخلوا الجنة وليس في قلوبهم غل.
(12) – فيدخل الجنة أول الأمر بعد النبي – صلى الله عليه وسلم – فقراء المهاجرين، فقراء الأنصار إلى آخره ثم فقراء الأمة، ويُؤَخَرْ الأغنياء لأجل الحساب الذي بينهم وبين الخلق ولأجل محاسبتهم على ذلك.
إلى آخر ما يحصل في ذلك مما جاء في القرآن العظيم. [شرح الطحاوية لصالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل (542)].
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7019)] ((2785)) – (حَدَّثَنِي أبُو بَكْرِ بْنُ إسْحاقَ، حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي المُغِيرَةُ- يَعْنِي: الحِزامِيَّ – عَنْ أبِي الزِّنادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قالَ: «إنَّهُ لَيَاتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيامَةِ، لا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ، اقْرَؤوا: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ وزْنًا} [الكهف (105)]»).
شرح الحديث:
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه- (عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -)؛ «أنه (قالَ:» إنَّهُ) الضمير للشأن، وهو ما تفسّره الجملة بعده، (لَيَاتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ)؛ أي: جُثّةً، أو جاهًا عند الناس، وفي رواية ابن مردويه من وجه آخر، عن أبي هريرة: «الطويل، العظيم، الأكُول، الشَّرُوب». (السَّمِينُ) صفة لـ «الرجل» بعد صفة، (يَوْمَ القِيامَةِ، لا يَزِنُ)؛ أي: لا يَعْدِل في القدر والمنزلة، (عِنْدَ اللهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ) (اقْرَؤُوا)؛ أي: استشهادًا، واعتضادًا، وفي رواية البخاريّ: «وقال: اقرؤوا»، القائل في الظاهر هو الصحابيّ، أو مرفوع من بقية الحديث، قاله في «العمدة» [» عمدة القاري «(19) / (50)]. ({فَلا نُقِيمُ لَهُمْ})؛ أي: للكفّار ({يَوْمَ القِيامَةِ وزْنًا} «) أي: قَدْرًا، وقال الإمام ابن جرير الطبريّ رحمه الله: يقول تعالى ذِكره: فلا نجعل لهم ثقلًا، وإنما عَنى بذلك: أنهم لا تثقّل بهم موازينهم؛ لأن الموازين إنما تثقل بالأعمال الصالحة، وليس لهؤلاء شيء من الأعمال الصالحة، فتثقل به موازينهم. انتهى [» تفسير الطبريّ «(18) / (129)].
وقال الشوكانيّ رحمه الله؛ أي: لا يكون لهم عندنا قدرٌ، ولا نعبأ بهم، وقيل: لا يقام لهم ميزان توزن به أعمالهم؛ لأن ذلك إنما يكون لأهل الحسنات والسيئات من الموحّدين، وهؤلاء لا حسنات لهم، قال ابن الأعرابيّ: العرب تقول: ما لفلان عندنا وزن؛ أي: قدر، لخسّته، ويوصف الرجل بأنه لا وزن له؛ لخفته، وسرعة طيشه، وقلة تثبّته، والمعنى على هذا: أنهم لا يُعتدّ بهم، ولا يكون لهم عند الله قَدْر، ولا منزلة، وقرأ مجاهد:» يقيم «بالياء التحتية؛ أي: فلا يقيم الله، وقرأ الباقون بالنون. [» فتح القدير” للشوكانيّ (4) / (431)].
وقال القاري: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ}؛ أي: للكفار {يَوْمَ القِيامَةِ وزْنًا} قيل: مقدارًا وحسابًا، واعتبارًا، وقيل: ميزانًا، فالتقدير آلة الوزن؛ إذ الكفار الخُلَّص يدخلون النار بغير حساب، وإنما الميزان للمؤمنين الكاملين، والمرائين، والمنافقين. انتهى. [» مرقاة المفاتيح «(10) / (201)].
وقال الطيبيّ رحمه الله:
[فإن قلت]: كيف وجْهُ صحة الاستشهاد بالآية، فإن المراد بالوزن في الحديث: وزن الجُثّة، ومقداره؛ لقوله:» العظيم، السمين «،
وفي الآية: إما وزن الأعمال؛ لقوله تعالى: {فَحَبِطَتْ أعْمالُهُمْ} [الكهف (105)]، وإما مقدارهم، والمعنى: نزدري بهم، ولا يكون لهم عندنا وزن، ومقدار؟
[قلت]: الحديث من الوجه الثاني على سبيل الكناية، وذكرُ الجثّة والعِظَم لا ينافي إرادة مقداره، وتفخيمه، قال تعالى: {وإذا رَأيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجْسامُهُمْ وإنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}. [المنافقون (4)]. انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» (11) / (3503)]، والله تعالى أعلم.
و”في هذا الحديث: أن المعيار عند الله تعالى ومحلَّ نظره عز وجل ليس الأجسامَ، وإنما هو القلوب والأعمال، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)) [أخرجه مسلم ((2564))].
وقال عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه-: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ)) [أخرجه أحمد ((3991))، وأبو يعلى ((5310))].
وفيه: دليلٌ على أن الأشخاص يوزنون، وأن الأعمال توزن. [كتاب توفيق الرب المنعم (8/ 114)].
قال الشنقيطي:
وقد دلت السنة الصحيحة على أن معنى الآية يدخل فيه الكافر السمين العظيم البدن؛ لا يزن عند الله يوم القيامة جناح بعوضة. قال البخاري في صحيحه في تفسير هذه الآية: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن، حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة وقال: اقرءوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)} ” وعن يحيى بن بكير، عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد مثله اهـ. من البخاري.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا مسلم في صحيحه، وهو يدل على أن نفس الكافر العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة. وفيه دلالة على وزن الأشخاص.
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (4/ 248 ط عطاءات العلم)
وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(مسألة):.
“الذي يوزن في الميزان ثلاثة أشياء:
(1) – يوزن الإنسان نفسه؛ لحديث والذي نفسي بيده لهما في الميزان يوم القيامة أثقل من أحد».
(2) – ويوزن أيضًا العمل، فالعمل الصالح يُوضَع في كفة، والعمل السيئ يوضع في كفة.
وقد وردت الأحاديث أيضًا بوزن الأعمال أنفسها، كما في «صحيح مسلم»، عن أبي مالك الأشعريّ، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «الطُّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان».
وفي «الصحيح»، وهو خاتمة كتاب البخاريّ، قوله – صلى الله عليه وسلم -: «كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم».
(3) – ويوزن أيضًا صحائف العمل، الصحائف التي تُكْتَبُ فيها الأعمال توزن.
وهذا من عِظَمِ عدل الله – عز وجل – وعِظَمِ إرادته أن يقطع عن العبد العذر، وأن يكون حجة العبد عليه من نفسه وعمله وصحائف عمله. [شرح الطحاوية لصالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل (541)].
وقال ابن أبي العزّ رحمه الله عند قول الطحاويّ رحمه الله في «عقيدته»: «والميزان»؛ قال القرطبيّ: قال العلماء: إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال؛ لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقرير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها؛ ليكون الجزاء بحَسَبها.
قال: وقوله تعالى: {ونَضَعُ المَوازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ} يَحْتَمِل أن يكون ثَمّ موازين متعددة توزن فيها الأعمال، ويَحْتَمِل أن يكون المواد: الموزونات، فجُمع باعتبار تنوّع الأعمال الموزونة، والله أعلم.
والذي دلت عليه السُّنَّة: أن ميزان الأعمال له كفّتان حسيّتان مشاهدتان.
روى الإمام أحمد من حديث أبي عبد الرحمن الحُبُليّ، قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله: « …. قال: فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، ولا يثقل شيء مع اسم الله شيء» [صححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبيّ، وحسّنه الترمذيّ، وصححه الألبانيّ الترمذيّ: «وفي سياق آخر: «توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة».
وفي هذا السياق فائدة جليلة، وهي أن العامل يوزن مع عمله، ويشهد له ما روى البخاريّ عن أبي هريرة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، قال: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال: اقرؤوا إن شئتم: فلا نقيم لهم دوم القيامة وزنًا».
وروى الحافظ أبو بكر البيهقيّ، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، عن النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، قال: «يؤتى بابن آدم يوم القيامة، فيوقف بين كفتي الميزان، ويوكل به ملك، فإن ثَقُل ميزانه، نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: سَعِد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدًا، وإن خف ميزانه، نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: شَقِي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدًا».
فلا يُلتفت إلى ملحد معاند يقول: الأعمال أعراض لا تقبل الوزن، وإنما يقبل الوزن الأجسام، فإن الله يقلب الأعراض أجسامًا، كما تقدم، وكما روى الإمام أحمد، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «يؤتى بالموت كبشًا أغرّ، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال، يا أهل الجنة، فيشرئبّون وينظرون، ويقال: يا أهل النار، فيشرئبّون وينظرون، ويرون أن قد جاء الفرج، فيُذبح، ويقال: خلود لا موت» [أخرجه أحمد بسند صحيح (2) / (423)]، ورواه البخاري بمعناه.
ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عَدْله سبحانه لجميع عباده، فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، فكيف ووراء ذلك من الحِكَم ما لا اطلاع لنا عليه. انتهى كلام ابن أبي العزّ رحمه الله [«شرح العقيدة الطحاوية» (1) / (408) – (409)]،
=====
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7020)] ((2786)) – (حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنا فُضَيْلٌ – يَعْنِي: ابْنَ عِياضٍ – عَنْ مَنصُورٍ، عَنْ إبْراهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قالَ: جاءَ حَبْرٌ إلى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، أوْ يا أبا القاسِمِ؛ إنّ اللهَ تَعالى يُمْسِكُ السَّمَواتِ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى إصْبَعِ، والأرَضِينَ عَلى إصْبَعِ، والجِبالَ والشَّجَرَ عَلى إصْبَعِ، والماءَ والثَّرى عَلى إصْبَعِ، وسائِرَ الخَلْقِ عَلىَ إصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، فَيَقُولُ: أنا المَلِكُ، أنا المَلِكُ، فَضَحِكً رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – تَعَجُّبًا مِمّا قالَ الحَبْرُ، تَصْدِيقًا لَهُ، ثُمَّ قَرَأ: {وما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيامَةِ والسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ ((67))} [الزمر (67)]).
شرح الحديث:
قال الفيّوميّ رحمه الله: الحِبْرُ بالكسر: العالم، والجمع أحبار، مثلُ حِمْل وأحمال، والحَبْر بالفتح لغة فيه، وجمعه حُبُورٌ، مثلُ فَلْس وفُلُوس، واقتصر ثعلب على الفتح، وبعضهم أنكر الكسر. انتهى [«المصباح المنير» (1) / (117)].
وفي رواية: «أن يهوديًّا جاء»، وفي رواية: «جاء رجل من أهل الكتاب»، (إلى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، أوْ يا أبا القاسِمِ؛ إنَّ اللهَ تَعالى يُمْسِكُ السَّمَواتِ يَوْمَ القِيامَةِ)، وفي رواية شيبان: «يَجعل» بدل «يمسك»، وفي رواية أبي معاوية عند الإسماعيليّ: «أبَلَغك يا أبا القاسم أن الله يَحمل الخلائق»، (عَلى إصْبَعٍ) بكسر الهمزة، وفتح الموحّدة، هذه هي اللغة الفصحى؛ إذ فيها عشر لغات: تثليث الهمزة، مع تثليث الموحّدة، والعاشرة أُصبُوع، بوزن عصفور، زاد في رواية علقمة: «والثَّرى»، وفي رواية شيبان «الماء، والثرى». (والأرَضِينَ عَلى إصْبَعِ، والجِبالَ والشَّجَرَ عَلى إصْبَعِ، والماءَ والثَّرى عَلى إصْبَعٍ، وسائِرَ الخَلْقِ)؛ أي: ممن لم يتقدّم له ذِكر، (عَلى إصْبَعٍ) زاد ابن خزيمة عن محمد بن خلاد، عن يحيى بن سعيد القطان، عن الأعمش، فذكر الحديث، قال محمد: عَدَّها علينا يحيى بإصبعه، وكذا أخرجه أحمد بن حنبل في «كتاب السُّنَّة» عن يحيى بن سعيد، وقال: وجعل يحيى يشير بإصبعه يضِع إصبعًا على إصبع، حتى أتى على آخرها.
ورواه أبو بكر الخلال في «كتاب السُّنَّة» عن أبي بكر المروزيّ، عن أحمد، وقال: رأيت أبا عبد الله يشير بإصبع إصبع.
ووقع في حديث ابن عباس عند الترمذيّ: «مَرّ يهوديّ بالنبيّ – صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا يهوديّ حدّثنا، فقال: كيف تقول يا أبا القاسم، إذا وضع الله السماوات على ذه، والأرضين على ذه، والماء على ذه، والجبال على ذه، وسائر الخلق على ذه، وأشار أبو جعفر – يعني: أحد رواته- بخنصر أوّلًا، ثم تابع، حتى بلغ الإبهام»، قال الترمذيّ: حديث حسن، غريب، صحيح.
ووقع في مرسل مسروق عند الهرويّ مرفوعًا نحو هذه الزيادة، ذكره في «الفتح» [» الفتح «(17) / (378)،» كتاب التوحيد «رقم ((7414))].
حديث ابن عباس ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي. وقال محققو المسند حسن لغيره وهذا الإسناد ضعيف
(ثُمَّ قَرَأ) – صلى الله عليه وسلم -، وقوله: ({وما قَدَرُوا اللَّهَ والأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ}) القبضة في اللغة: يقولون: هو في يد فلان، وفي قبضته للشيء الذي يهون عليه التصرّف فيه، وإن لم يقبض عليه، قاله الشوكانيّ رحمه الله [«فتح القدير» للشوكانيّ رحمه الله (6) / (302)].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: قوله: «وإن لم يقبض عليه»، هذا من الشوكاني نَقْل لمذهب المؤوّلين، ولعله نقله غفلة، وإلا فالنص صريح في ثبوت القبض على حقيقته.
وقوله: ({والسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ}) فيه أيضًا: إثبات طيّ الله تعالى السماوات بيمينه طيًّا حقيقيًّا لائقًا بجلاله سبحانه وتعالى،
وحديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(مسألة): في أقوال العلماء في تفسير هذا الحديث:
(اعلم): أن هذا الحديث دليل واضح في إثبات الأصابع لله سبحانه وتعالى، وأنه يقبض بها المخلوقات، كما وُصف في هذا الحديث، فنحن نؤمن بذلك، كما نؤمن بسائر صفات الله عز وجل؛ كالسمع، والبصر، واليد، والعين، والتعجّب، والضحك، والرضا، والغضب، والنزول، والاستواء، وغير ذلك مما جاء في نصوص الكتاب، والسُّنَّة الصحيحة، على ظواهرها حقيقةً، لا مجازًا، على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى، فلا نعطّل، ولا نشبّه، ولا نؤوّل، ولنَذْكر هنا ما قاله المؤوّلون، وما ردّ به المحقّقون عليهم، فأذكر أوّلًا ما ساقه الحافظ في «الفتح»، ثم أذكر الردّ عليه، فأقول:
نقل في «الفتح»: وقال ابن بطال: لا يُحمل ذكر الإصبع على الجارحة، بل يُحمل على أنه صفة من صفات الذات، لا تكيّف، ولا تُحدّد، وهذا يُنسب للأشعريّ.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: هذا الكلام من ابن بطال سليم مسلّم، فيا ليته اكتفى به، ولكنه سيأتي له تأويل مرفوض، وسيأتي الردّ عليه -إن شاء الله تعالى-.
وعن ابن فُورك أنه قال: يجوز أن يكون الإصبع خلقًا يخلقه الله، فيُحَمِّله الله ما يحمل الإصبع، ويَحتمل أن يراد به القدرة، والسلطان؛ كقول القائل: ما فلان إلا بين إصبعي، إذا أراد الإخبار عن قدرته عليه، وأيد ابن التين الأول بأنه قال: على إصبع، ولم يقل: على إصبعيه.
قال ابن بطال: وحاصل الخبر أنه ذكر المخلوقات، وأخبر عن قدرة الله على جميعها، فضحك النبيّ – صلى الله عليه وسلم – تصديقًا له، وتعجبًا من كونه يستعظم ذلك في قدرة الله تعالى، وأن ذلك ليس في جنب ما يقدر عليه بعظيم، ولذلك قرأ قوله تعالى: {وما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية؛ أي: ليس قَدْره في القدرة على ما يخلق على الحد الذي ينتهي إليه الوهم، ويحيط به الحصر؛ لأنه تعالى يقدر على إمساك مخلوقاته على غير شيء، كما هي اليوم، قال تعالى: {إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ والأرْضَ أنْ تَزُولا} [فاطر (41)]، وقال: {رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها} [الرعد (2)].
وقال الخطابيّ: لم يقع ذكر الإصبع في القرآن، ولا في حديث مقطوع به، وقد تقرر أن اليد ليست بجارحة، حتى يُتوهم من ثبوتها ثبوت الأصابع، بل هو توقيف أطلقه الشارع، فلا يكيَّف، ولا يشبّه، ولعل ذكر الأصابع من تخليط اليهوديّ، فإن اليهود مشبّهة، وفيما يدّعونه من التوراة ألفاظ تدخل في باب التشبيه، ولا تدخل في مذاهب المسلمين.
وأما ضحكه – صلى الله عليه وسلم – من قول الحبر، فيَحْتَمِل الرضا، والإنكار، وأما قول الراوي: «تصديقًا له»، فظنّ منه، وحسبان، وقد جاء الحديث من عدّة طرق ليس فيها هذه الزيادة، وعلى تقدير صحتها، فقد يُستدلّ بحمرة الوجه على الخجل، وبصفرته على الوجل، ويكون الأمر بخلاف ذلك، فقد تكون الحمرة لأمر حدث في البدن؛ كثوران الدم، والصفرة لثوران خُلط من مرار وغيره، وعلى تقدير أن يكون ذلك محفوظًا فهو محمول على تأويل قوله تعالى: {والسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ}، أي: قدرته على طيّها، وسهولة الأمر عليه في جمعها، بمنزلة مَن جمع شيئًا في كفّه، واستقل بحمله من غير أن يجمع كفه عليه، بل يُقِلّه ببعض أصابعه، وقد جرى في أمثالهم: فلان يُقِلّ كذا بإصبعه، ويعمله بخنصره. انتهى ملخصًا.
قال: وقد تعقب بعضهم إنكار ورود الأصابع؛ لوروده في عدّة أحاديث؛ كالحديث الذي أخرجه مسلم: «إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن»، قال الحافظ: ولا يَرِد عليه؛ لأنه إنما نفى القطع.
قال الإتيوبي: وهذا من الحافظ رضًا بتأويل الخطّابيّ، وسيأتي الردّ عليه.
قال: وقال القرطبيّ في «المفهم»: قوله: « … وأما من زاد: «وتصديقًا له» فليست بشيء، فإنها من قول الراوي، وهي باطلة؛ لأن النبيّ – صلى الله عليه وسلم – لا يصدّق المحال، وهذه الأوصاف في حقّ الله محال؛ إذ لو كان ذا يد، وأصابع، وجوارح كان كواحد منا، فكان يجب له من الافتقار والحدوث والنقص والعجز ما يجب لنا، ولو كان كذلك لاستحال أن يكون إلهًا؛ إذ لو جازت الإلهية لمن هذه صفته لصحّت للدجال، وهو محال، فالمفضي إليه كذب، فقول اليهوديّ كذب ومحال، ولذلك أنزل الله في الردّ عليه: {وما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، وإنما تعجب النبيّ – صلى الله عليه وسلم – من جهله، فظنّ الراوي أن ذلك التعجب تصديق، وليس كدلك.
قال: فإن قيل: قد صحّ حديث: «إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن».
فالجواب: أنه إذا جاءنا مثل هذا في الكلام الصادق تأولناه، أو توقفنا فيه إلى أن يتبين وجهه مع القطع باستحالة ظاهره؛ ونقطع بأن ظاهره غير مراد. انتهى كلام القرطبيّ ملخصًا.
قال الإتيوبي: ظنّ ابن مسعود الصحابيّ الجليل الذي هو أعلم بكتاب الله تعالى، وبسُنَّة رسوله – صلى الله عليه وسلم – منك خير لنا في الاتباع
قال الحافظ: وهذا الذي نحا إليه أخيرًا أولى مما ابتدأ به؛ لِما فيه من الطعن على ثقات الرواة، وردّ الأخبار الثابتة، ولو كان الأمر على خلاف ما فهمه الراوي بالظنّ للزم منه تقرير النبيّ – صلى الله عليه وسلم – على الباطل، وسكوته عن الإنكار، وحاشا لله من ذلك.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: وأبلغ ردّ ابن خزيمة رحمه الله كما نقله في «الفتح»، فقال:
وقد اشتدّ إنكار ابن خزيمة على من ادّعى أن الضحك المذكور كان على سبيل الإنكار، فقال بعد أن أورد هذا الحديث في «كتاب التوحيد» من «صحيحه» بطريقه: قد أجلّ الله تعالى نبيه – صلى الله عليه وسلم – عن أن يوصف ربه بحضرته بما ليس هو من صفاته، فيجعل بدل الإنكار والغضب على الواصف ضحكًا، بل لا يصف النبيّ – صلى الله عليه وسلم – بهذا الوصف من يؤمن بنبوته. انتهى.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: ومما ينفّد قولهم: إن ضحكه – صلى الله عليه وسلم – كان للإنكار، لا للتصديق، ما أخرجه الشيخان -ويأتي عند مسلم بعد بابين- عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده، كما يكفأ أحدكم خبزته في السّفّر نُزلًا لأهل الجنة»، فأتى رجل من اليهود، فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بنُزُل أهل الجنة يوم القيامة؛ قال: «بلى»، قال: تكون الأرض خبزة واحدة، كما قال النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، فنظر النبيّ – صلى الله عليه وسلم – إلينا، ثم ضحك حتى بدت نواجذه.
فهذا نصّ صريح في أن ضكحه – صلى الله عليه وسلم – كان تصديقًا، لا إنكارًا؛ لأنه أخبرهم قبل مجيء اليهوديّ، وقبل إخباره، ثم لمّا أخبرهم بما أخبره – صلى الله عليه وسلم – به أعجبه ذلك، فضحك. والله تعالى أعلم.
* ثم أذكر ما كتبه بعض المحقّقين ممن له عناية بمذهب السلف، والردّ على من خالفه، وهو الشيخ البرّاك حفظه الله تعالى حيث كتب في هامش «الفتح» ما خلاصته:
هذا الحديث يستدلّ به أهل السُّنَّة على إثبات الأصابع لله عز وجل، وأنها من صفة يديه فما نقله الحافظ عن ابن بطّال، وابن فُورك، وابن التين دائر بين التفويض، كما هو ظاهر قول ابن بطّال، والتأويل، كما هو ظاهر قول ابن فُورك، وابن التين.
وأما الحمل في ذلك على اليهود، وأنها مشبّهة، فنَعَم اليهود مشبّهة فيما نسبوه إلى الله تعالى من النقائص؛ كالفقر، والإعياء، والبكاء، وأما ما وصفوا الله به مما دلّ عليه القرآن والسُّنَّة، فلا يجوز ردّه؛ لوروده على ألسنتهم، فلو لم يُقرّ النبيّ – صلى الله عليه وسلم – اليهوديّ على ما قال، لَما صحّ الاستدلال بقول اليهوديّ على إثبات الأصابع، بل كان الواجب التوقّف فيه كما هو الواجب في كلّ ما يحدّث به بنو إسرائيل فيما لم يَرِد به دليل على ثبوته، ولا نفيه.
قال: وبعدُ فقد أحسن الحافظ ابن حجر: في تعقّبه على من خطّأ ابن مسعود -رضي الله عنه- في فَهْمه من ضحك النبيّ – صلى الله عليه وسلم – تصديق قول اليهوديّ، وأحسن كذلك في إيراد تعقّب ابن خزيمة لمن منع صفة الأصابع لله تعالى، ونصّ كلام ابن خزيمة كما ورد في «كتاب التوحيد» [«كتاب التوحيد» (1) / (178)] [البحر المحيط الثجاج]. وسيأتي نقل كلام الشيخ الراجحي في محله إن شاء الله تعالى.
وحديث رقم [(7023)] ( … ) – وفيه: إثبات اسم (الْمَلِك) لله عز وجل، وهو من الأسماء المشتركة؛ فالمخلوق يسمى مَلِكًا- أيضًا- قال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي}.
وفيه: إثبات القبض والبسط لله عز وجل.
وفيه: إثباتُ اليمين لله عز وجل، والردُّ على من أنكر اليدَ، أو تأولها بالقدرة والنعمة، وهذا من أبطل الباطل.
قال الراجحي بعد دلل على إثبات الأصابع له ورد على المأولة: لا يقال: إن لله عز وجل ستةَ أصابع في يد، وخمسةً في يد أخرى؛ لأمرين:
الأول: ما جاء في الحديث: ((فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ)): [أخرجه البخاري ((6227))، ومسلم ((2841))]، وآدمُ له في كل يد خمسة أصابع.
والثاني: أن الصفاتِ توقيفيةٌ، والذي ورد أن لله خمسةَ أصابع.
قال الراجحي:
في هذا الحديث: إثبات الصفات الخبرية، ومنها: إثبات اليمين والشمال لله تعالى، فهو عز وجل يطوي السماوات بيمينه، ويطوي الأَرَضين بشماله، وأما حديث: ((اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ)) فمعناه: كلتاهما يمين في البركةِ والشرفِ، والفضلِ وعدمِ النقص، بخلاف المخلوق؛ فإن يمينه أقوى من شماله.
وقد طعن بعضهم في هذا الحديث الذي فيه إثباتُ الشمال لله عز وجل، وقال: هذا الحديث من رواية عمر بن حمزة وقد تفرد به، وعليه فإنه لا يثبت.
والصواب: أن الشمال ثابتة لله عز وجل، وهناك أدلةٌ أُخَرُ دلت على إثبات الشمال ذكرها الإمام الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مسائل ((كتاب التوحيد)) وكذلك أثبتها الشيخ ابن باز رحمه الله
وفي هذا الحديث: أن قبضَ النبي صلى الله عليه وسلم يدَه وبسطَها، وإشارتَه بيده الشريفة عليه السلام هو لتحقيق الصفة، لا لتشبيه يده عليه السلام بيد الله سبحانه وتعالى، وهذا كما ثبت في حديث ((سُلَيْم بْنُ جُبَيْرٍ- مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58] قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ)) (1) وهذا؛ لإثبات أنها صفة حقيقةً، وليس المراد التشبيه؛ لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء}، وقوله: {هل تعلم له سميًّا}، وقوله: {ولم يكن له كفوًا أحد}
توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (8/ 118)
بوب ابن بطة في الإبانة:
بَابُ التَّصْدِيقِ وَالْإِيمَانِ بِمَا رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ يَضَعُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ
ثم:
بَابُ الْإِيمَانِ بِمَا رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْبِضُ الْأَرْضَ بِيَدِهِ، وَيَطْوِي السَّمَاوَاتِ بِيَمِينِهِ
قال ابن عثيمين:
واختلف العلماء هل هو ميزان واحد أو متعدد؟
فقال بعضهم: متعدد بحسب الأمم، أو الأفراد، أو الأعمال؛ لأنه لم يرد في القرآن إلا مجموعا، وأما إفراده في الحديث فباعتبار الجنس.
وقال بعضهم: هو ميزان واحد؛ لأنه ورد في الحديث مفردا، وأما جمعه في القرآن فباعتبار الموزون، وكلا الأمرين محتمل. والله أعلم.
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين
خاتمة:
قال ابن القيم:
قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهْوَ اَلسَّمِيعُ اُلْبَصِيرُ} [الشورى: 9].
فنفى سبحانه المماثلةَ عن هذا المثل الأعلى، وهو ما في قلوب أهل سماواته وأرضه من معرفته والإقرار بربوبيته وأسمائه وصفاته وذاته. فهذا المثل الأعلى هو الذي آمَنَ (1) به المؤمنون، وأَنِسَ به العارفون، وقامت شواهدُه في قلوبهم بالتعريفات الفطرية المكملة بالكتب الإلهية، المقبولة بالبراهين العقلية، فاتفق على الشهادة بثبوته العقلُ والسمعُ والفطرة. فإذا قال المثبت: يا الله، قام بقلبه ربًّا قيُّومًا قائمًا (2) بنفسه، مستويًا على عرشه، مُكلَّمًا مُتكلِّمًا سامعًا رائيًا (3) قديرًا مريدًا فعَّالًا لما يشاء، يسمع دعاء الداعين، ويقضي حوائجَ السائلين، ويُفرِّج عن (4) المكروبين، تُرضيه الطاعات وتُغضبه المعاصي، تَعرُجُ الملائكةُ بالأمر إليه، وتنزل بالأمر من عنده.
وقد نبَّهنا الله سبحانه على هذا المعنى بقوله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي اِلْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَاَلْبَحْرَ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اُللَّهِ إِنَّ اَللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: 26]. فقدِّرِ البحر المحيط بالعالَم مِدادًا ووراءه سبعة أبحر تحيط به كلها مِدادٌ تُكتب (3) به كلماتُ الله، نفدت البحارُ، وفنيت الأقلامُ ـ التي لو قدرت جميع أشجار الأرض من حين خُلِقت إلى آخِر الدنيا ـ ولم تنفد كلمات الله.
وقد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم -: «أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ فِي الْكُرْسِيِّ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ، وَالْكُرْسِيَّ فِي (1) الْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي أَرْضٍ (2) فَلَاةٍ، وَالْعَرْشُ لَا يُقَدِّرُ قَدْرَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ فَوْقَ عَرْشِهِ يَرَى مَا عِبَادُهُ عَلَيْهِ» (3).
فهذا هو الذي قام بقلوب المؤمنين المصدِّقين العارفين به سبحانه من المثل الأعلى، فعرفوه به، وعبدوه به، وسألوه به (4) فأحبوه وخافوه ورجَوْه، وتوكلوا عليه، وأنابوا إليه، واطمأنوا بذِكره، وأَنِسُوا بحبه بواسطة هذا التعريف. فلم يصعب عليهم بعد ذلك فَهمُ (5) استوائه على عرشه، وسائرِ ما وصف به نفسَه من صفات كماله (6)؛ إذ قد أحاط علمهم بأنه لا نظيرَ لذلك ولا مثلَ له، ولم يخطر بقلوبهم مماثلتُه لشيءٍ من المخلوقات.
وقد أعلمهم سبحانه على لسان رسوله «أَنَّهُ يَقْبِضُ سَمَاوَاتِهِ بِيَدِهِ وَالْأَرْضَ بِالْيَدِ الْأُخْرَى، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ» (1). «وَأَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي كَفِّهِ تَعَالَى كَخَرْدَلَةٍ فِي كَفِّ أَحَدِكُمْ (2)» (3). «وَأَنَّهُ يَضَعُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ» (4). فأيُّ أيدٍ للخلق وأي إصبع تُشبه (5) هذه اليدَ وهذه الإصبعَ حتى يكون إثباتها تشبيهًا وتمثيلًا.
فقاتَلَ اللهُ أصحابَ التحريف والتأويل، وأصحابَ التخييل، وأصحاب التجهيل (6)، وأصحاب التشبيه والتمثيل. ماذا حُرِمُوه من الحقائق الإيمانية والمعارف الإلهية، وماذا تعوضوا به من زُبالة الأذهان ونُخالة الأفكار! فما أشبَهَهم بمن كان غذاؤهم المَنَّ والسَّلْوى بلا تعبٍ ولا كُلْفةٍ، فآثَروا عليه الفُومَ (7) والعدس والبصل، وقد جرت عادةُ الله سبحانه أن يُذِلَّ مَن آثَرَ الأدنى على الأعلى، ويجعله عبرةً للعقلاء.
فأوَّلُ هذا الصنف إبليسُ ترَكَ السجود لآدم كِبرًا؛ فابتلاه الله بالقيادة لفُسَّاق ذريته. وعُبَّادُ الأصنام لم يُقروا بنبيٍّ من البشر، ورَضُوا بآلهةٍ (1) من الحجر. والجهميةُ نزَّهوا الله عن عرشه لئلَّا يحويه مكانٌ، ثم جعلوه في الآبار والأنجاس وفي كل مكانٍ. وهكذا طوائف الباطل لم يَرضَوْا بنصوص الوحي، فابتُلوا بزُبالة أذهان المتحيرين وورثة الصابئين وأفراخ الفلاسفة الملحدين، و {مَن يَهْدِ اِللَّهُ فَهْوَ اَلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا} [الكهف: 17]
الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة – ط عطاءات العلم (1/ 206)
الليث لا تبلغ روايته عن أبي الزبير عن جابر أكثر من ثلاثين حديثاً، ورواية أبي الزبير عن جابر تبلغ المئات
من بحث بعنوان الايضاح والتبيين أن أبا الزبير ليس من المدلسين
طبعا المؤلف اقوى ما استدل به رواية مسلم له (30) حديثا من غير طريق الليث. ولم يتعقبها الدارقطني
ونقل الاحث نقولات تدل على أنه لو كان هناك تدليس فقد علمت الواسطة وهو عمر اليشكري وهو ثقة
ثم ذكر كونه دفع لليث صحيفة لا تدل على تدليسه. إنما أعطاه اياها ولم يقل سمعتها من جابر
فلم رجع له الليث فطلب تحديد ما سمع بين له
ثم نقل عن بعض المتخصصين:
قد تتبعنا حديثه، فأحياناً في روايته عن جابر يذكر شخصاً آخر، فلو كان مُكثراً من التدليس لأسقط هذه الواسطة، كذلك ـ أيضاً ـ عندما تتبعنا حديثه لم نجده ـ أحياناً ـ يذكر واسطة، وكثير من المدلسين عندما تَتَتَبّع حديثه قد يذكر واسطة بينه وبين هذا الشخص الذي يروي عنه مباشرة، فهنا يكون قد دَلس، وأما أبو الزبير فقد تتبعنا أحاديثه في الكتب، في الصِحَاح والسنن والمسانيد والمصنفات، فما وجدناه إلا مُستقيماً، وبحمد الله قد مرّت علينا سنوات ونحن نتتبع حديثه، فهو مُقلٌّ من التدليس، ومن كان مُقلّ من التدليس فالأصل في روايته أنها محمولة على السماع والاتصال ما لم يدل دليل على خلاف ذلك)) أهـ.
المهم ما زالت المناظرات قائمة
ونسأل الله أن يفتح علينا