278 و 279 و 280 و 281 و 282 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
34 – باب الوصية بالنساء
قَالَ الله تَعَالَى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] وَقالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:129]
قوله (باب الوصية بالنساء) قال ابن علان:” بكسر النون وبالمد، جمع لامرأة من غير لفظها، وتجمع على نسوة بكسر النون، والمراد بالوصية الرفق بهن والإحسان إليهن لضعفهن واحتياجهن لمن يقوم بأمرهن.” (دليل الفالحين 1/ 474)
قال ابن عثيمين:” قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ: باب الوصية بالنساء، يعني الوصية على أن يرفق بهن الإنسان وأن يتقي الله فيهن؛ لأنهن قاصرات يحتجن إلى من يجبرهن ويكملهن، كما قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) [النساء: 34].” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 114)
قال ابن باز في بداية شرحه لهذا الباب:” هذه الآيات والأحاديث في الحث على الوصية بالنساء خيرا والإحسان إليهن وعدم تتبع عثراتهن؛ لأنهن لا بد من عثرة وعوج، فالمشروع للزوج الصبر وعدم التسرع في الطلاق” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 542)
وقال أيضا:” كثير من الأزواج أسد على الزوجة نعامة عند غيرها” (1/ 542)
قَالَ الله تَعَالَى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]، قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:”وعاشروهن بالمعروف”، وخالقوا، أيها الرجال، نساءكم وصاحبوهن بالمعروف، يعني بما أمرتكم به من المصاحبة وذلك: إمساكهن بأداء حقوقهن التي فرض الله جل ثناؤه لهنّ عليكم إليهن، أو تسريح منكم لهنّ بإحسان. (تفسير الطبري 8/ 121)
قال البغوي:” المعاشرة بالمعروف: هي الإجمال في القول والمبيت والنفقة، وقيل: هو أن يتصنع لها كما تتصنع له” (تفسير البغوي)
قال القرطبي:” قوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة. والخطاب للجميع، إذ لكل أحد عشرة، زوجا كان أو وليا، ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج، وهو مثل قوله تعالى: (فإمساك بمعروف) وذلك توفية حقها من المهر والنفقة، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقا في القول لا فظا ولا غليظا ولا مظهرا ميلا إلى غيرها. والعشرة: المخالطة والممازجة” (تفسير القرطبي 5/ 97)
قال ابن كثير” وقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، يتودد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني، فقال “هذه بتلك” ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم. وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وأحكام عشرة النساء وما يتعلق بتفصيل ذلك موضعه كتب الأحكام، ولله الحمد.” (تفسير ابن كثير 1/ 576)
قال السعدي:” قال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال.” (تفسير السعدي)
قال ابن عثيمين:” والمعاشرة: معناها المصاحبة والمعاملة؛ فيعاملها الإنسان بالمعروف ويصاحبها كذلك، والمعروف: ما عرفه الشرع وأقره واطرد به العرف، والعبرة بما أقره الشرع، فإذا أقر الشرع شيئاً فهو المعروف، وإذا أنكر شيئاً فهو المنكر ولو عرفه الناس.” (شرح رياض الصالحين 3/ 114)
وَقالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:129]
هذا الخطاب لمن كان عنده زوجتان فأكثر (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 114)
قال البغوي:” قوله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) أي: لن تقدروا أن تسووا بين النساء في الحب وميل القلب، (ولو حرصتم) على العدل، (فلا تميلوا) أي: إلى التي تحبونها، (كل الميل) في القسم والنفقة، أي: لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم، (فتذروها كالمعلقة) أي فتدعوا الأخرى كالمنوطة لا أيما ولا ذات بعل.” (تفسير البغوي)
قال ابن جزي:” معناه: العدل التام الكامل في الأقوال، والأفعال، والمحبة، وغير ذلك، فرفع الله ذلك عن عباده؛ فإنهم لا يستطيعون” (تفسير ابن جزي 1/ 213)
قال ابن كثيرا:” وقوله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) أي: لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه، فإنه وإن حصل القسم الصوري: ليلة وليلة، فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع” (تفسير ابن كثير)
قال القرطبي:” (فلا تميلوا كل الميل) أخبر تعالى بنفي الاستطاعة في العدل بين النساء، وذلك في ميل الطبع بالمحبة والجماع والحظ من القلب. فوصف الله تعالى حالة البشر وأنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض دون بعض؛ ولهذا كان عليه السلام يقول: اللهم إن هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك”
وقال أيضا:” قوله تعالى: فتذروها كالمعلقة أي لا هي مطلقة ولا ذات زوج؛ قاله الحسن. وهذا تشبيه بالشيء المعلق من شيء؛ لأنه لا على الأرض استقر ولا على ما عُلق عليه انحمل” (تفسير القرطبي)
قال الألوسي:” لا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور؛ فتمنعوها حقها من غير رضا منها، واعدلوا ما استطعتم؛ فان عجزكم عن حقيقة العدل لا يمنع عن تكليفكم بما دونها من المراتب التى تستطيعونها. (تفسير الألوسي (5) / (162))
قال السعدي:” الزوجة إذا ترك زوجها ما يجب لها، صارت كالمعلقة التي لا زوج لها فتستريح وتستعد للتزوج، ولا ذات زوج يقوم بحقوقها.” (تفسير السعدي)
قوله (وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما) أي: وإن أصلحتم في أموركم، وقسمتم بالعدل فيما تملكون، واتقيتم الله في جميع الأحوال، غفر الله لكم ما كان من ميل إلى بعض النساء دون بعض. (تفسير ابن كثير)
قال ابن عثيمين:” وهاتان الآيتان وغيرهما من نصوص الكتاب والسنة كلها تدل على الرفق بالمرأة وملاحظتها ومعاشرتها بالتي هي أحسن، وأن الإنسان لا يطلب منها حقه كاملاً؛ لأنها لا يمكن أن تأتي به على وجه الكمال فليعف وليصفح.” (شرح رياض الصالحين 3/ 115)
278 – وعن أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رسول ُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “اسْتوْصُوا بِالنِّساءِ خيْراً، فإِنَّ المرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوجَ مَا في الضِّلعِ أَعْلاهُ، فَإِنْ ذَهبتَ تُقِيمُهُ كَسرْتَهُ، وإِنْ تركتَهُ، لمْ يزلْ أَعوجَ، فاستوْصُوا بِالنِّسَاءِ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية في الصحيحين: “المرْأَةُ كالضلعِ إِنْ أَقَمْتَهاكسرْتَهَا، وإِنِ استَمتعْت بِهَا، اسْتَمتعْت وفِيها عَوجٌ “.
وفي رواية لمسلمٍ: “إِنَّ المرْأَةَ خُلِقتْ مِن ضِلَعٍ، لَنْ تَسْتقِيمَ لكَ علَى طريقةٍ، فَإِنْ استمتعْت بِهَا، اسْتَمتَعْتَ بِهَا وفِيها عَوجٌ، وإِنْ ذَهَبْتَ تُقيمُها كسرتَهَا، وَكَسْرُهَا طلاقُها “.
قولُهُ:”عوجٌ”هُوَ بفتح العينِ والواوِ.
استوصوا بالنساء خيرا قال هذا في خطبته في حجة الوداع على رؤوس الأشهاد يوم عرفة يوصيهم بأزواجهم خيرا. (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 543)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ اللهَ يُوصِيكُمْ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، إِنَّ اللهَ يُوصِيكُمْ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ، إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَمَا تُعَلِّقُ يَدَاهَا الْخَيْطَ، فَمَا يَرْغَبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ ” وفي رواية “حتى يموتا هرما “. (الصحيحة 2871)
وروى الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” إن أعظم الذنوب عند الله رجل تزوج امرأة فلما قضى حاجته منها طلقها وذهب بمهرها … ” (الصحيحة 999)
قوله: (استوصوا) يتضمن معنيين
1 – تواصوا بهن
2 – اقبلوا وصيتي فيهن، وكلا المعنيين صحيح
قال ابن حجر:” قيل معناه تواصوا بهن، والباء للتعدية والاستفعال بمعنى الإفعال كالاستجابة بمعنى الإجابة، وقال الطيبي: السين للطلب وهو للمبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن، أو اطلبوا الوصية من غيركم بهن كمن يعود مريضا فيستحب له أن يحثه على الوصية، والوصية بالنساء آكد لضعفهن واحتياجهن إلى من يقوم بأمرهن، وقيل معناه اقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها وارفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن. قلت: وهذا أوجه الأوجه في نظري، وليس مخالفا لما قال الطيبي. (فتح الباري)
قال ابن عثيمين:” قال: ((استوصوا بالنساء خيراً)) يعني: اقبلوا هذه الوصية التي أوصيكم بها، وذلك أن تفعلوا خيراً مع النساء؛ لأن النساء قاصرات في العقول، وقاصرات في الدين، وقاصرات في التفكير، وقاصرات في جميع شئونهن، فإنهن خلقن من ضلع.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 117)
قوله (عوج) قال النووي:” العوج ضبطه بعضهم بفتح العين وضبطه بعضهم بكسرها ولعل الفتح أكثر، وضبطه الحافظ أبو القاسم بن عساكر وآخرون بالكسر وهو الأرجح على مقتضى ما سننقله عن أهل اللغة إن شاء الله تعالى. قال أهل اللغة: العوج بالفتح في كل منتصب كالحائط والعود وشبهه، وبالكسر ما كان في بساط أو أرض أو معاش أو دين، ويقال: فلان في دينه عوج بالكسر، هذا كلام أهل اللغة. قال صاحب المطالع: قال أهل اللغة: العوج بالفتح في كل شخص، وبالكسر فيما ليس بمرئي كالرأي والكلام. قال: وانفرد عنهم أبو عمرو الشيباني فقال: كلاهما بالكسر ومصدرهما بالفتح. (شرح مسلم) قال ابن حجر:” قال القرطبي: بالفتح في الأجسام وبالكسر في المعاني ” (فتح الباري)
قوله (الضلع) قال النووي:” (والضلع) بكسر الضاد وفتح اللام. وفيه دليل لما يقوله الفقهاء أو بعضهم أن حواء خلقت من ضلع آدم، قال الله تعالى: {خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} وبين النبي صلى الله عليه وسلم أنها خلقت من ضلع (شرح مسلم) قال ابن حجر:” قوله: (خلقت من ضلع) بكسر المعجمة وفتح اللام ويجوز تسكينها، قيل فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر وقيل من ضلعه القصير. (فتح الباري) وقال أيضا:” ويستفاد من حديث الباب أن الضلع مذكر خلافا لمن جزم بأنه مؤنث واحتج برواية مسلم ولا حجة فيه لأن التأنيث في روايته للمرأة، وقيل إن الضلع يذكر ويؤنث وعلى هذا فاللفظان صحيحان” (فتح الباري)
وقال أيضا:” قوله: (فإنهن خلقن من ضلع) بكسر الضاد والمعجمة وفتح اللام وقد تسكن، وكأن فيه إشارة إلى ما أخرجه ابن إسحاق في ” المبتدأ ” عن ابن عباس: ” إن حواء خلقت من ضلع آدم الأقصر الأيسر وهو نائم “، وكذا أخرجه ابن أبي حازم وغيره من حديث مجاهد، وأغرب النووي فعزاه للفقهاء أو بعضهم، فكان المعنى: أن النساء خلقن من أصل خلق من شيء معوج، وهذا لا يخالف الحديث الماضي من تشبيه المرأة بالضلع، بل يستفاد من هذا نكتة التشبيه، وأنها عوجاء مثله؛ لكون أصلها منه” (فتح الباري)
قال ابن حجر:” قوله: (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) قيل فيه إشارة إلى أن أعوج ما في المرأة لسانها، وفي استعمال أعوج استعمال لأفعل في العيوب وهو شاذ، وفائدة هذه المقدمة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج فلا ينكر اعوجاجها، أو الإشارة إلى أنها لا تقبل التقويم كما أن الضلع لا يقبله. (فتح الباري) وقال في موضع آخر: قوله: (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) ذكر ذلك تأكيدا لمعنى الكسر؛ لأن الإقامة أمرها أظهر في الجهة العليا، أو إشارة إلى أنها خلقت من أعوج أجزاء الضلع مبالغة في إثبات هذه الصفة لهن، ويحتمل أن يكون ضرب ذلك مثلا لأعلى المرأة؛ لأن أعلاها رأسها، وفيه لسانها وهو الذي يحصل منه الأذى، واستعمل: ” أعوج ” وإن كان من العيوب؛ لأنه أفعل للصفة وأنه شاذ، وإنما يمتنع عند الالتباس بالصفة، فإذا تميز عنه بالقرينة جاز البناء. (فتح الباري)
قوله: (فإن ذهبت تقيمه كسرته) قيل هو ضرب مثل للطلاق أي إن أردت منها أن تترك اعوجاجها أفضى الأمر إلى فراقها. (فتح الباري) وقال أيضا:” لا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها أو ترك الواجب وإنما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة” (فتح الباري 9/ 254)
قال ابن عثيمين:” ذلك أن آدم عليه الصلاة والسلام خلقه الله من غير أب ولا أم، بل خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون، ولما أراد الله تعالى أن يبث من هذه الخليقة، خلق منه زوجه، فخلقها من ضلعه الأعوج، فخلقت من الضلع الأعوج، والضلع الأعوج إن استمتعت به استمتعت به وفيه العوج، وإن ذهبت تقيمه انكسر.
فهذه المرأة أيضاً إن استمتع بها الإنسان استمتع بها على عوج، فيرضى بما تيسر، وإن أراد أن تستقيم فإنها لن تستقيم، ولن يتمكن من ذلك، فهي وإن استقامت في دينها فلن تستقيم فيما تقتضيه طبيعتها، ولا تكون لزوجها على ما يريد في كل شيء، بل لابد من مخالفة، ولابد من تقصير، مع القصور الذي فيها. فهي قاصرة بمقتضى جبلتها وطبيعتها، ومقصرة أيضاً، فإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها، يعني معناه أنك إن حاولت أن تستقيم لك على ما تريد فلا يمكن ذلك، وحينئذ تسأم منها وتطلقها، فكسرها طلاقها.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 117)
قال النووي:” وفي هذا الحديث ملاطفة النساء والإحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن، وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا يطمع باستقامتها والله أعلم. ” (شرح مسلم)
قال ابن حجر:” في الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب، وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن، وأن من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه، فكأنه قال: الاستمتاع بها لا يتم إلا بالصبر عليها.” (فتح الباري)
قال ابن باز:” لابد أن يلاحظ الأخلاق الطيبة وأعمالها الطيبة معه ومع أولاده ويتحمل بعض النقص الذي قد يقع عند الغضب، عند سوء المعاملة يقع كثير من الناس لا يتحمل عند أقل خطأ، يطلق أو يضرب هذا لا ينبغي … ومتى تأمل في حق المؤمنة رضي منها أخلاقا كثيرة وإن ساءه خلق يجد منها أخلاقا طيبة تسره، فينبغي أن يتحمل بعض أخلاقها التي فيها نقص من أجل أخلاقها الطيبة، ولن يجد امرأة معصومة، لن يجد امرأة معصومة لابد من نقص كما قال صلى الله عليه وسلم ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط)) نسيت كل شيء نسيت إحسانه الكثير عند وجود زلة منه. (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 543)
قال ابن عثيمين:” في هذا توجيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاشرة الإنسان لأهله، وأنه ينبغي أن يأخذ منهم العفو ما تيسر، كما قال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ) يعني ما عفى وسهل من أخلاق الناس (وَامُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199].
ولا يمكن أن تجد امرأة مهما كان الأمر سالمة من العيب مائة بالمائة، أو مواتية للزوج مائة بالمائة، ولكن كما أرشد النبي عليه الصلاة والسلام استمتع بها على ما فيها من العوج.
وأيضاً إن كرهت منها خلقاً رضيت منها خلقاً آخر، فقابل هذا بهذا مع الصبر، وقد قال الله تعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء: 19].” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 118)
279 – وعن عبد اللَّه بن زَمْعَةَ رضي اللَّهُ عنه، أَنه سمعَ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يخْطُبُ، وذكَر النَّاقَةَ والَّذِى عقَرهَا، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: {إِذِ انْبعث أَشْقَاهَا} انْبعثَ لَها رَجُلٌ عزِيزٌ، عارِمٌ منِيعٌ في رهْطِهِ” ثُمَّ ذكَرَ النِّساءَ، فَوعظَ فِيهنَّ، فَقالَ:”يعْمِدُ أَحَدكُمْ فيجْلِدُ امْرأَتَهُ جلْد الْعَبْدِ فلَعلَّهُ يُضاجعُهَا مِنْ آخِر يومِهِ” ثُمَّ وَعَظهُمْ في ضحكهِمْ مِن الضَّرْطَةِ وَقالَ: “لِمَ يضحكُ أَحَدَكُمْ مِمَّا يفعلُ؟ ” متفق عليه.
“وَالْعارِمُ”بالعين المهملة والراءِ: هُو الشِّرِّيرُ المُفْسِد، وقولُه:”انبعثَ”، أَيْ: قَامَ بسرعة.
(يخطب) قيل في حجة الوداع.
(وذكر الناقة) أي ناقة صالح، والواو عاطفة على شيء محذوف تقديره: فخطب فذكر كذا وذكر الناقة. (فتح الباري)
(عقرها) أي: جرحها، يقال: عقره عقرا، من باب ضرب: جرحه، وعقر البعير بالسيف عقرا: ضرب قوائمه به، لا يطلق العقر في غير القوائم، وربما قيل: عقره: إذا نحره (المصباح المنير” 2/ 421)
قال العيني:” الذي عقرها هو قدار بن سالف، وأمه قديرة، وهو أحيمر ثمود الذي يضرب المثل في الشؤم، وقال ابن قتيبة: وكان أحمر، أشقر، أزرق، قصيرا، وذكر أنه ولد زنى، ولد على فراش سالف ” (عمد القاري 19/ 294)
قال قال في “الفتح”: وعاقر الناقة اسمه: قدار بن سالف، قيل: كان أحمر، أزرق، أصهب، وذكر ابن إسحاق في “المبتدأ” وغير واحد أن سبب عقرهم الناقة أنهم كانوا اقترحوها على صالح عليه السلام، فأجابهم إلى ذلك بعد أن تعنتوا في وصفها، فأخرج الله له ناقة من صخرة بالصفة المطلوبة، فآمن بعض، وكفر بعض، واتفقوا على أن يتركوا الناقة ترعى حيث شاءت، وترد الماء يوما بعد يوم، وكانت إذا وردت تشرب ماء البئر كله، وكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم للغد، ثم ضاق بهم الأمر في ذلك، فانتدب تسعة رهط منهم قدار المذكور، فباشر عقرها، فلما بلغ ذلك صالحا عليه السلام أعلمهم بأن العذاب سيقع بهم بعد ثلاثة أيام، فوقع كذلك، كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه. وأخرج أحمد، وابن أبي حاتم، من حديث جابر – رضي الله عنه -، رفعه: “إن الناقة كانت ترد يومها، فتشرب جميع الماء، ويحتلبون منها مثل الذي كانت تشرب”، وفي سنده إسماعيل بن عياش، وفي روايته عن غير الشاميين ضعف، وهذا منها. (“الفتح” 7/ 629)
قوله: {إِذِ انْبعث أَشْقَاهَا} قال البغوي:” إذ انبعث أشقاها أي قام، والانبعاث: هو الإسراع في الطاعة للباعث، أي: كذبوا بالعذاب، وكذبوا صالحا لما انبعث أشقاها وهو: قدار بن سالف، وكان أشقر أزرق [العينين] قصيرا قام لعقر الناقة.” (تفسير البغوي) قال ابن كثير:” (إذ انبعث أشقاها) أي: أشقى القبيلة، هو قدار بن سالف عاقر الناقة، وهو أحيمر ثمود، وهو الذي قال تعالى: (فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر).وكان هذا الرجل عزيزا فيهم، شريفا في قومه، نسيبا رئيسا مطاعا. (تفسير ابن كثير)
قال ابن علان:” أشقى قبيلة ثمود، وهو أشقى الأولين” دليل الفالحين 1/ 477
قوله صلى الله عليه وسلم في الذي عقر الناقة: (عزيز عارم) قال النووي:” العارم – بالعين المهملة والراء – قال أهل اللغة: هو الشرير المفسد الخبيث، وقيل: القوي الشرس، وقد عرم – بضم الراء وفتحها وكسرها – عرامة – بفتح العين – وعراما – بضمها – فهو عارم وعرم. ” (شرح النووي) قوله: (عارم) بمهملتين أي صعب على من يرومه كثير الشهامة والشر. (فتح الباري)
قوله: (عزيز) أي قليل المثل. قوله: (منيع) أي: قوي ذو منعة؛ أي: رهط يمنعونه من الضيم (فتح الباري)
قوله (عارِمٌ منِيعٌ في رهْطِهِ) قال ابن علان:” زاد البخاري في رواية «مثل أبي زمعة» وفي أخرى «مثل أبي زمعة عم الزبير بن العوام» وهو عمه مجازاً لأنه ابن عم أبيه فكأنه أخر أبيه فأطلق عليه عم بهذا الاعتبار قال القرطبي في «المفهم»: يحتمل أن المراد بأبي زمعة الصحابي الذي بايع تحت الشجرة، يعني وهو عبيد البلوى، قال: ووجه تشبيهه به أنه كان في عز ومنعة في قومه كما كان ذلك الكافر، قال: ويحتمل أن يريد غيره من الكفار ممن يكنى بأبي زمعة. قال الحافظ في «الفتح»: وهذاالثاني هو المعتمد والغير المذكور هو الأسود، وهو جد عبد الله بن زمعة راوي الخبر لقوله في نفس الخبر عم الزبير، وليس بين البلوى والزبير نسب. (انظر فتح الباري ودليل الفالحين 1/ 477)
قوله: (وذكر النساء) أي وذكر في خطبته النساء استطرادا إلى ما يقع من أزواجهن. (فتح الباري)
قوله (فوعظ فيهن)؛ أي: في شأن معاشرتهن، وأوصاهم بهن، كما قال في خطبة حجة الوادع في حديث جابر الطويل، عند مسلم، وأحمد، وغيرهما: “فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك، فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف”، هذا لفظ مسلم، ولفظ أحمد: “فاتقوا الله عز وجل في النساء، فإنهن عندكم عوان، لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإن لهن عليكم، ولكم عليهن حقا، أن لا يوطئن فرشكم أحدا غيركم، ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه، فإن خفتم نشوزهن، فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح … ” الحديث. (البحر المحيط الثجاج 43/ 761)
قوله: (يعْمِدُ أَحَدكُمْ فيجْلِدُ امْرأَتَهُ جلْد الْعَبْدِ) قال القرطبي:” هذا إنكار على من يجلد زوجته، ويكثر من ذلك حتى يعاملها معاملة الأمة، ثم إنه بعد ذلك باليسير يرجع إلى مضاجعتها، وإلى قضاء شهوته منها، فلا تطاوعه، ولا تتحسن له، وقد تبغضه، وقد يكون هو يحبها، فيفسد حاله، ويتفاقم أمرهما، وتزول الرحمة والمودة التي جعلها الله تعالى بين الأزواج، ويحصل نقيضها، فنبه صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ الوجيز على ما يطرأ من ذلك من المفاسد.” (المفهم)
قال النووي:” في هذا الحديث النهي عن ضرب النساء لغير ضرورة التأديب” (شرح مسلم للنووي)
قال ابن حجر:” وفي الحديث جواز تأديب الرقيق بالضرب الشديد و الإيماء إلى جواز ضرب النساء دون ذلك وإليه أشار المصنف بقوله غير مبرح وفي سياقه استبعاد وقوع الأمرين من العاقل أن يبالغ في ضرب امرأته ثم يجامعها من بقية يومه أو ليلته والمجامعة أو المضاجعة إنما تستحسن مع ميل النفس والرغبة في العشرة والمجلود غالبا ينفر ممن جلده فوقعت الإشارة إلى ذم ذلك وأنه إن كان ولا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير بحيث لا يحصل منه النفور التام فلا يفرط في الضرب ولا يفرط في التأديب ” (فتح الباري 11/ 641)
قال ابن علان:” بالنصب أي مثل ضربه في كونه مبرّحاً مؤذياً. وعند مسلم في رواية «ضرب الأمة» وللنسائي «كما يضرب العبد أو الأمة». وفي البخاري في الأدب من رواية ابن عيينة «ضرب الفحل» والمراد منه البعير. وفي حديث لقيط بن صبرة عند أبي داود «ولا تضرب ظعينتك ضربك أمتك فلعله يضاجعها». وفي رواية البخاري في النكاح «يجامعها» (دليل الفالحين 1/ 477)
قال ابن باز:” لا يسويها بخادمة العبد فيجلدها ويشدد في الضرب وإن كان لا بد، ضربا خفيفا كما قال سبحانه ((وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ))، في خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قال ((ولكم عليهن أن لا يوطِئن فرشكم أحدا تكرهونه. فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن))؛ يعني خفيفا لا يؤثر وهذا تفسير لقوله تعالى: (وَاضْرِبُوهُنَّ) يضرب امرأته ضربا خفيفا لا يترتب عليه شعر ولا كسر، ولكن شيئا يحصل به التأديب والتخفيف))
قال ابن عثيمين:” ((يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد)) يعني يجلدها جلد شخص كأنه لا علاقة بينه وبينها، وكأنها عنده عبد أسير عانٍ، وهذا لا يليق؛ لأن علاقة الرجل مع أهله علاقة خاصة ينبغي أن تكون مبنية على المحبة والألفة والبعد عن الفحشاء: القولية أو الفعلية.
أما أن يجلدها كما يجلد العبد ثم في آخر اليوم يضاجعها. كيف تضاجعها في آخر اليوم وتستمتع بها محبة وتلذذاً وشهوة وأنت قد جلدتها جلد العبد؟! فهذا تناقض، ولهذا عتب النبي عليه الصلاة السلام على هذا العمل، فإنه لا ينبغي أن يقع هذا الشيء من الإنسان، وصدق النبي عليه الصلاة والسلام، فإن هذا لا يليق بالعاقل فضلاً عن المؤمن.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 119)
(ثُمَّ وَعَظهُمْ في ضحكهِمْ مِن الضَّرْطَةِ) وفي رواية عند البخاري (قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَضْحَكَ الرَّجُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الأَنْفُسِ،)
قال القرطبي:” أي: نهاهم وزجرهم عن ذلك؛ لأنَّه فعل عادي يستوي فيه الناس كلهم، وإن كان مِمَّا يُستقبح، فحق الإنسان أن يستتر به، فإن غلبه بحيث يسمعه أحد فلا يضحك منه، فإنَّه يتأذى الفاعل بذلك ويخجل منه، وأذى المسلم حرام، فالضحك من الضرطة حرام.” (المفهم)
قال النووي:” فيه النهي عن الضحك من الضرطة يسمعها من غيره، بل ينبغي أن يتغافل عنها ويستمر على حديثه واشتغاله بما كان فيه من غير التفات ولا غيره، ويظهر أنه لم يسمع “. (شرح النووي)
قال ابن علان:” وذلك لأن الضحك إنما يكون من الأمر العجيب والشأن الغريب يبدو أثره على البشرة فيكون التبسم، فإن قوي وحصل معه الصوت كان الضحك، فإن ارتقى على ذلك كانت القهقهة، وإذا كان هذا الأمر معتاداً من كل إنسان فما وجه الضحك من وقوع ذلك ممن وقع منه” (دليل الفالحين 1/ 478)
قال ابن باز:” ينبغي الستر إذا وجد شيء في الحلقة بين الإخوان ضرطة أو غيرها لا يفضح؛ أي: يضحك منه يفشل، يعرض عن هذا كأنه ما صار شيء؛ لأن هذا يقع من زيد وعمرو، لم تضحك منه؟ قد تقع منك أيضا على غير اختيارك فالستر مطلوب، والغلطة تقع بين الناس، قد يزل بكلمة قد تقع منه ضرطة عند تحركه … ” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 544)
قال ابن عثيمين:” ألست أنت تضرط كما يضرط هذا الرجل؟ بلى، إذا كان كذلك فلماذا تضحك؟ فالإنسان إنما يضحك ويتعجب من شيء لا يقع منه، أما ما يقع منه؛ فإنه لا ينبغي أن يضحك منه، ولهذا عاتب النبي صلى الله عليه وسلم من يضحكون من الضرطة؛ لأن هذا شيء يخرج منهم، وهو عادة عند كثير من الناس.
كثير من الناس في بعض الأعراف لا يبالون إذا ضرط أحدهم وإلى جنبه إخوانه ولا يحتشمون من ذلك أبداً، ويرون أنها من جنس العطاس أو السعال أو ما أشبه ذلك. لكن في بعض الأعراف ينتقدون هذا.
لكن كونك تضحك وتخجل صاحبك، فهذا مما لا ينبغي، وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان لا ينبغي له أن يعيب غيره فيما يفعله هو بنفسه، إذا كنت لا تعيبه بنفسك فكيف تعيبه بإخوانك؟! ” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 120)
ثم ذكر الشيخ مسألة التوضأ من لحوم الإبل ونبه على مسألة يذكرها البعض حيث قال:”يقول بعض الناس: إن السبب أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في وليمة وكان لحمها لحم إبل، وأنه خرجت ريح من بعض الحاضرين ولا يدري من، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من أكل لحم إبل فليتوضأ)) فقام جميعهم يتوضئون.
وجعلوا هذا السبب في أن الإنسان يتوضأ من لحم الإبل، وهذا حديث باطل لا أصل له، وإنما الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من لحم الإبل لحكمة الله يعلمها، قد نعلمها نحن وقد لا نعلمها، المهم نحن علينا أن نقول: سمعنا وأطعنا، أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتوضأ من لحوم الإبل إذا أكلنا منها فسمعاً وطاعة.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 121)
قال الأتيوبي:” فيه الأمر بالإغماض، والتجاهل، والإعراض عن سماع صوت الضراط، وكانوا في الجاهلية إذا وقع من أحدهم ضرطة في المجلس يضحكون، ونهى الشرع عن ذلك إذا وقع، وأمر بالتغافل عن ذلك، والاشتغال بما كان فيه، وكان هذا من جملة أفعال قوم لوط عليه السلام، فإنهم كانوا يتضارطون في المجلس، ويتضاحكون، والله تعالى أعلم. (البحر المحيط الثجاج 43/ 761)
فيه أن الإسلام اهتم برتبية الناس في جميع أحوالهم.
280 – وعن أَبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِه مِنها خُلقاً رضِيَ مِنْها آخَرَ” أَوْ قَالَ:”غيْرَهُ”رواه مسلم.
وقولُهُ:”يفْركْ”هُوَ بفتحِ الياءِ وإِسكانِ الفاءِ وفتح الراءِ معناه: يُبغضُ، يقَالُ: فَركَتِ المرْأَةُ زَوْجَهَا، وفَرِكَهَا زَوْجُها، بكسر الراءِ، يفركُها بفتحهَا: أَيْ: أَبغضهَا، واللَّه أعلم.
قال القرطبي:” أصل الفرك إنما يقال في النساء، يقال: فركت المرأة زوجها، تفركه، وأبغض الرجل امرأته، وقد استعمل الفرك في الرجل قليلا، وتجوزا، ومنه ما في هذا الحديث” المفهم (4/ 222)
قال ابن هبيرة:” في هذا الحديث من الفقه أن المؤمن لا يخلو من خلق حسن، فإنه إذا كانت المرأة مؤمنة لم يطرد فيها ما يكرهه المؤمن، والمؤمنة يحملها الإيمان على استعمال خصال محمودة يحبها المؤمن فيحمل ما لا يحب لما يحب، وإنما يكره المؤمن من المؤمنة الخلق الذي لا يرضاه، وفيها الخلق الذي يرضاه، وبعد أن يكون إيمانها موجودا فإنه يغتفر لذلك ما يكون منها.” (الإفصاح عن معاني الصحاح 8/ 190)
قال ابن قدامة المقدسي:” اعلم: أنه ليس حسن الخلق مع المرأة كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها، والحلم على طيشها وغضبها، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففى “الصحيحين”، من حديث عمر رضى الله عنه أن أزواج النبى صلى الله عليه وآله وسلم كن يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. والحديث مشهور.” (مختصر منهاج القاصدين ص 79)
قال القرطبي – رحمه الله -: قوله: “لا يفرك. . . إلخ”: أي لا يبغضها بغضا كليا، يحمله على فراقها، أي لا ينبغي له ذلك، بل يغفر سيئتها؛ لحسنها، ويتغاضى عما يكره؛ لما يحب. المفهم (4/ 222)
قال النووي:” قال القاضي عياض: هذا ليس على النهي، قال: هو خبر، أي لا يقع منه بغض تام لها. قال: وبغض الرجال للنساء خلاف بغضهن لهم. قال: ولهذا قال: إن كره منها خلقا رضي منها آخر، هذا كلام القاضي وهو ضعيف أو غلط، بل الصواب أنه نهي أي ينبغي أن لا يبغضها، لأنه إن وجد فيها خلقا يكره وجد فيها خلقا مرضيا بأن تكون شرسة الخلق، لكنها دينة أو جميلة أو عفيفة أو رفيقة به أو نحو ذلك. وهذا الذي ذكرته من أنه نهي يتعين لوجهين: أحدهما أن المعروف في الروايات: (لا يفرك) بإسكان الكاف لا برفعها، وهذا يتعين فيه النهي ولو روي مرفوعا لكان نهيا بلفظ الخبر. والثاني: أنه قد وقع خلافه، فبعض الناس يبغض زوجته بغضا شديدا ولو كان خبرا لم يقع خلافه وهذا واقع، وما أدري ما حمل القاضي على هذا التفسير. (شرح مسلم)
قال السعدي رحمه الله بعد أن ذكر الحديث:” فائدتان عظيمتان: إحداهما: الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب والمعامل، وكل من بينك وبينه علقة واتصال، وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص أو أمر تكرهه؛ فإذا وجدت ذلك، فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك أو ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء على المحبة، بتذكر ما فيه من المحاسن والمقاصد الخاصة والعامة، وبهذا الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن، تدوم الصحبة والاتصال وتتم الراحة وتحصل لك.
الفائدة الثانية: وهي زوال الهم والقلق، وبقاء الصفاء، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، وحصول الراحة بين الطرفين، ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بل عكس القضية فلحظ المساوئ، وعمي عن المحاسن، فلا بد أن يقلق، ولا بد أن يتكدر ما بينه وبين من يتصل به من المحبة، ويتقطع كثير من الحقوق التي على كل منهما المحافظة عليها.
وكثير من الناس ذوي الهمم العالية يوطنون أنفسهم عند وقوع الكوارث والمزعجات على الصبر والطمأنينة، لكن عند الأمور التافهة البسيطة يقلقون، ويتكدر الصفاء، والسبب في هذا أنهم وطنوا نفوسهم عند الأمور الكبار، وتركوها عند الأمور الصغار فضرتهم وأثرت في راحتهم، فالحازم يوطن نفسه على الأمور القليلة والكبيرة ويسأل الله الإعانة عليها، وأن لا يكله إلى نفسه طرفة عين فعند ذلك يسهل عليه الصغير، كما سهل عليه الكبير، ويبقى مطمئن النفس ساكن القلب مستريحا.” (الوسائل المفيدة للحياة السعيدة ص27)
وقال أيضا في كتاب آخر:” هذا الإرشاد من النبي صلّى الله عليه وسلم، للزوج في معاشرة زوجته من أكبر الأسباب والدواعي إلى حسن العشرة بالمعروف، فنهى المؤمن عن سوء عشرته لزوجته. والنهي عن الشيء أمر بضده. وأمره أن يلحظ ما فيها من الأخلاق الجميلة، والأمور التي تناسبه، وأن يجعلها في مقابلة ما كره من أخلاقها؛ فإن الزوج إذا تأمل ما في زوجته من الأخلاق الجميلة، والمحاسن التي يحبها، ونظر إلى السبب الذي دعاه إلى التضجر منها وسوء عشرتها، رآه شيئاً واحداً أو اثنين مثلاً، وما فيها مما يحب أكثر. فإذا كان منصفاً غض عن مساوئها لاضمحلالها في محاسنها.
وبهذا: تدوم الصحبة، وتؤدّى الحقوق الواجبة والمستحبة وربما أن ما كره منها تسعى بتعديله أو تبديله.
وأما من غض عن المحاسن، ولحظ المساوئ ولو كانت قليلة. فهذا من عدم الإنصاف. ولا يكاد يصفو مع زوجته. … وهذا الأدب الذي أرشد إليه صلّى الله عليه وسلم، ينبغي سلوكه واستعماله مع جميع المعاشرين والمعاملين؛ فإن نفعه الديني والدنيوي كثير وصاحبه قد سعى في راحة قلبه. وفي السبب الذي يدرك به القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة؛ لأن الكمال في الناس متعذر. وحسب الفاضل أن تعدَّ معايبه. وتوطين النفس على ما يجيء من المعاشرين مما يخالف رغبة الإنسان يسهل عليه حسن الخلق، وفعل المعروف والإحسان مع الناس.” (بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار 122)
قال ابن عثيمين:” الفرك: يعني البغضاء والعداوة، يعني لا يعادي المؤمن المؤمنة كزوجته مثلاً، لا يعاديها ويبغضها إذا رأى منها ما يكرهه من الأخلاق، وذلك لأن الإنسان يجب عليه القيام بالعدل، وأن يراعي المعامل له بما تقتضيه حاله، والعدل أن يوازن بين السيئات والحسنات، وينظر أيهما أكثر وأيهما أعظم وقعاً، فيغلب ما كان أكثر وما كان أشد تأثيراً؛ هذا هو العدل. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا) [المائدة: 8]، يعني لا يحملكم بغضهم على عدم العدل اعدلوا ولو كنتم تبغضونه … إذا أساءت مثلاً في ردها عليك مرة، لكنها أحسنت إليك مرات، أساءت ليلة لكنها أحسنت ليالي، أساءت في معاملة الأولاد مرة، لكن أحسنت كثيراً. . وهكذا. فأنت إذا أساءت إليك زوجتك لا تنظر إلى الإساءة في الوقت الحاضر، ولكن انظر إلى الماضي وانظر للمستقبل واحكم بالعدل. وهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة يكون في غيرها أيضاً ممن يكون بينك وبينه معاملة أو صداقة أو ما أشبه ذلك، إذا أساء إليك يوماً من الدهر فلا تنس إحسانه إليك مرة أخرى وقارن بين هذا وهذا، وإذا غلب الإحسان على الإساءة؛ فالحكم للإحسان، وإن غلبت الإساءة على الإحسان فأنظر إن كان أهلاً للعفو فاعف عنه، ومن عفا وأصلح فأجره على الله، وإن لم يكن أهلاً للعفو؛ فخذ بحقك وأنت غير ملوم إذا أخذت بحقك، لكن انظر للمصلحة.” (شرح رياض الصالحين 3/ 124)
قال الخلال: سمعت المروذي، سمعت أبا عبد الله ذكر أهله، فترحم عليها، وقال: مكثنا عشرين سنة، ما اختلفنا في كلمة. (سير أعلام النبلاء 11/ 332)
قال ابن الجوزي:” قيل لأبي عثمان النيسابوري: ما أرجى عملك عندك؟ قال: كنت في صبوتي يجتهد أهلي أن أتزوج، فآبى؛ فجائتني امرأة، فقالت: يا أبا عثمان! إني قد هويتك، وأنا أسألك بالله أن تتزوجني، فأحضرت أباها -وكان فقيرًا- فزوجني، وفرح بذلك، فلما دخلت إلي، رأيتها عوراء عرجاء مشوهة، وكانت لمحبتها لي تمنعني من الخروج، فأقعد حفظًا لقلبها، ولا أظهر لها من البغض شيئًا، وكأني على جمر الغضا من بعضها، فبقيت هكذا خمس عشرة سنة حتى ماتت، فما من عملي شيء هو أرجى عندي من حفظي قلبها.” (صيد الخاطر 405) الغضا: شجر يوقد به، فيبقى جمره زمنًا طويلًا.
فمن العيب فيمن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ويدعي اتباعه ويسلك طريق طلب العلم ودراسة السنة أن يكون سيء الخلق مع امرأته.
281 – وعن عَمْرو بنِ الأَحْوَصِ الجُشميِّ رضي اللَّه عنه أَنَّهُ سمِعَ النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في حَجِّةِ الْوَداع يقُولُ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّه تَعَالَى، وَأَثنَى علَيْهِ وذكَّر ووعظَ، ثُمَّ قَالَ: “أَلا واسْتَوْصوا بِالنِّساءِ خَيْراً، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوانٍ عَنْدَكُمْ لَيْس تمْلكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئاً غيْرَ ذلِكَ إِلاَّ أَنْ ياتِينَ بِفَاحشةٍ مُبيِّنةٍ، فإِنْ فَعلْنَ فَاهْجُروهُنَّ في المضَاجعِ، واضْربُوهنَّ ضَرْباً غيْر مُبرِّحٍ، فإِنْ أَطعنَكُمْ فَلا تبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبيلاً، أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسائِكُمْ حَقًّا، ولِنِسائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقّاً، فَحَقُّكُمْ عَلَيْهنَّ أَن لا يُوطِئْنَ فُرُشكمْ منْ تَكْرهونَ، وَلا ياذَنَّ في بُيُوتكمْ لِمن تكْرهونَ، أَلا وحقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَن تُحْسنُوا إِليْهنَّ في كِسْوتِهِنَّ وَطعامهنَّ”.
رواه الترمذي وَقالَ: حديث حسن صحيحٌ.
قوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم”عوانٍ”أَيْ: أَسِيرَاتٌ، جمْعُ عانِيةٍ، بِالْعَيْنِ المُهْمَلَةِ، وَهِيَ الأَسِيرَةُ، والْعانِي: الأَسِيرُ. شَبَّهَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم المرْأَةَ في دُخُولَهَا تحْتَ حُكْم الزَّوْجِ بالأَسيرِ”والضرْبُ المُبرِّحُ”: هُوَ الشَّاقُّ الشديدُ، وقوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً”أَيْ: لاَ تَطلُبوا طرِيقاً تحْتجُّونَ بِهِ عَلَيْهِنَّ وَتُؤذونهنَّ بِهِ، واللَّه أعلم.
قال الألباني:” قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير سليمان بن عمرو فقال ابن القطان: ” مجهول الحال “. وأما ابن حبان فذكره فى ” الثقات ” (1/ 70)! لكن للحديث شاهد من حديث عم أبى حرة الرقاشى. أخرجه أحمد (5/ 72 ـ 73) من طريق حماد بن سلمة عن على بن زيد عن أبى حرة الرقاشى عن عمه به نحوه. وعلى بن زيد هو ابن جدعان وفيه ضعف , لكن لا بأس به فى الشواهد فالحديث بمجموع الطريقين حسن إن شاء الله تعالى.” (الاراوء 2030) روى مسلم بمعناه عن جابر في قصته حجة الوداع
قاا ابن عثيمين:” كان ذلك في عرفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قدم مكة يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، وبقي فيها إلى يوم الخميس الثامن من ذي الحجة.
وخرج ضحى يوم الخميس إلى منى، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، فلما طلعت الشمس، صار إلى عرفة، فنزل بنمرة وهي مكان معروف قبل عرفة وليست من عرفة، ثم زالت الشمس وحلت صلاة الظهر، فأمر أن تُرَحّل له ناقته فرحلت له وركب، حتى أتى بطن الوادي ـ بطن عرنة ـ وهو شعيب عظيم يحد عرفة من الناحية الغربية إلى الناحية الشمالية، فنزل ثم خطب الناس صلى الله عليه وسلم خطبة عظيمة بليغة. (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 125)
قوله (حَمِدَ اللَّه تَعَالَى، وَأَثنَى علَيْهِ) فيه أن الخطب تبدأ بالحمد والثناء على الله عزوجل.
قوله (وذكَّر ووعظَ) فيه أن لب الخطب يكون فيه وعظ.
قوله: (ألا) بالتخفيف للتنبيه (تحفة الاحوذي 8/ 383) قال ابن علان:” (ألا) بتخفيف اللام: أداة استفتاح يؤتى بها أول الكلام إذا كان المقام يهتم به” (دليل الفالحين 1/ 480)
(واستوصوا بالنساء خيرا) قال القاضي: الاستيصاء قبول الوصية والمعنى أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا وصيتي فيهن. (تحفة الاحوذي 4/ 273) وقال أيضا: الاستيصاء: قبول الوصية، أي أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا وصيتي فيهن. وقال الطيبي: الأظهر أن السين للطلب، أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في أنفسهن بخير أو يطلب بعضكم من بعض بالإحسان في حقهن، وقيل الاستيصاء بمعنى الإيصاء (تحفة الاحوذي 8/ 383) ومر معنا أقوال أخر في ذلك في أول حديث.
(فإنما هن عوان) جمع عانية، أي أسراء كالأسراء، شبهن بهن عند الرجال لتحكمهن فيهن. قال في النهاية: العاني الأسير، وكل من ذل واستكان وخضع، فقد عنا يعنو، أو هو عان والمرأة عانية وجمعها عوان. (تحفة الاحوذي 8/ 383) ومر معنا كلام النووي.
قال ابن تيمية:” في الترمذي وغيره عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عندكم عوان».فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق والأسير، فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة.” (مجموع الفتاوى 3/ 147)
وقال أيضا في موضع آخر:” فإنهن عوان عندكم» بمنزلة العبد والأسير، وعليها تمكينه من الاستمتاع بها إذا طلب ذلك، وذلك كله بالمعروف غير المنكر؛ فليس له أن يستمتع استمتاعا يضر بها، ولا يسكنها مسكنا يضر بها، ولا يحبسها حبسا يضر بها.” (مجموع الفتاوى 3/ 232)
قال ابن عثيمين:” الزوجة عند زوجها بمنزلة الأسير عند من أسره؛ لأنه يملكها، وإذا كان يملكها فهي كالأسير عنده،” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 126)
(ليس تملكون منهن شيئا) أي شيئا من الملك أو شيئا من الهجران والضرب. (غير ذلك) أي غير الاستيصاء بهن الخير. (تحفة الاحوذي 8/ 383)
(إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) قال القرطبي في تفسيره:” (بفاحشة مبينة) يريد لا يدخلن من يكرهه أزواجهن ولا يغضبنهم. وليس المراد بذلك الزنى، فإن ذلك محرم ويلزم عليه الحد. ” (تفسير القرطبي 5/ 173)
قال المباركفوري:” كالنشوز وسوء العشرة وعدم التعفف. (تحفة الاحوذي 4/ 273)
وقال أيضا في موضع آخر:”الفاحشة كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، وكثيرا ما ترد بمعنى الزنا، وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال والأفعال.” (تحفة الاحوذي 8/ 383)
قال السندي في حاشية ابن ماجه:”أي لا تملكون غير ذلك في وقت إلا وقت إتيانهن بفاحشة مبينة أي ظاهرة فحشا وقبحا والمراد النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله باللسان واليد لا الزنا إذ لا يناسب” حاشية ابن ماجه للسندي 1/ 569)
قال ابن عثيمين:” والفاحشة هنا عصيان الزوج، بدليل قوله: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) [النساء: 34]، يعني إن قصرت الزوجة في حق زوجها عليها؛ فإنه يعظها أولاً ثم يهجرها في المضجع فلا ينام معها، ثم يضربها ضرباً غير مبرح إن هي استمرت على العصيان.” (شرح رياض الصالحين 3/ 126)
(فإِنْ فَعلْنَ فاهجروهن في المضاجع) قال ابن عباس: هو أن يوليها ظهره في الفراش ولا يكلمها، وقيل هو أن يعتزل عنها إلى فراش آخر. (تحفة الاحوذي 8/ 384)
والمضاجع) المراقد أي فلا تدخلوهن تحت اللحف ولا تباشروهن فيكون كناية عن الجماع. (حاشية ابن ماجه للسندي) 1/ 569)
(واضربوهن ضربا غير مبرح) بضم الميم وفتح الموحدة وتشديد الراء المكسورة، قال النووي: الضرب المبرح هو الضرب الشديد الشاق، ومعناه اضربوهن ضربا ليس بشديد ولا شاق، والبرح: المشقة. (تحفة الاحوذي 8/ 384)
قال ابن كثير:” قال الحسن البصري: يعني غير مؤثر وقال الفقهاء: هو أن لا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا” (تفسير ابن كثير 2/ 258)
قال السندي:” (ضربا غير مبرح) وهذا هو الملائم لقوله تعالى {واللاتي تخافون نشوزهن} الآية فالحديث على هذا كالتفسير للآية فإن المراد بالضرب فيها هو الضرب المتوسط لا الشديد. (حاشية ابن ماجه للسندي.1/ 569)
قال ابن علان:” كسر الراء المشددة، ولا شائن بأن لا يجرحها ولا يكسر لها عظماً ويجتنب الوجه والمهالك فيضربن مع الهجران عند تحقق النشوز والعصيان وهو ضرب تأديب وتعزير” (دليل الفالحين 1/ 480)
قال النووي:” في هذا الحديث إباحة ضرب الرجل امرأته للتأديب فإن ضربها الضرب المأذون فيه فماتت منه وجبت ديتها على عاقلة الضارب ووجبت الكفارة في ماله” شرح مسلم النووي (8/ 183)
(فلا تبغوا عليهن سبيلا) أي فلا تطلبوا عليهن طريقا إلى هجرانهن وضربهن ظلما. (تحفة الاحوذي) قال السندي:” (فلا تبغوا إلخ) بالتوبيخ والأذية أي فأزيلوا عنهن التعرض واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له” (حاشية ابن ماجه 1/ 569)
(فلا يوطئن فرشكم من تكرهون) قال الطيبي أي لا يأذن لأحد أن يدخل منازل الأزواج. والنهي يتناول الرجال والنساء انتهى. (تحفة الاحوذي 4/ 274)
قال النووي:” والمختار أن معناه أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم سواء كان المأذون له رجلا أجنبيا أو امرأة أو أحدا من محارم الزوجة فالنهي يتناول جميع ذلك وهذا حكم المسألة عند الفقهاء أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل أو امرأة ولا محرم ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك منه أو ممن أذن له في الإذن في ذلك أو عرف رضاه باطراد العرف بذلك ونحوه ومتى حصل الشك في الرضا ولم يترجح شيء ولا وجدت قرينة لا يحل الدخول ولا الإذن والله أعلم. شرح مسلم النووي (8/ 183)
قال ابن عثيمين:”بين صلى الله عليه وسلم الحق الذي لهن والذي عليهن، فقال ((لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه)) يعني لا يجعلن يدخل عليهن على فراش النوم أو غيره وأنت تكره أن يجلس على فراش بيتك، وكأن هذا ـ والعلم عند الله ـ ضرب مثل، والمعنى: أن لا يكرمن أحداً تكرهونه؛ هذا من المضادة لكم أن يكرمن من تكرهونه بإجلاسه على الفرش أو تقديم الطعام له، أو ما أشبه ذلك.
وأن لا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، يعني لا يدخلن أحداً البيت وأنت تكره أن يدخل، حتى لو كانت أمها أو أباها، فلا يحل لها أن تدخل أمها أو أباها، أو أختها أو أخاها، أو عمها أو خالها أو عمتها أو خالتها إلى بيت زوجها إذا كان يكره ذلك.
وإنما نبهت على هذا؛ لأن بعض النساء والعياذ بالله شر، شر حتى على بنتها، إذا رأت أن زوجها يحبها أصابتها الغيرة والعياذ بالله ـ وهي الأم ـ ثم حاولت أن تفسد بين البنت وزوجها، فهذه الأم للزوج أن يقول لزوجته لا تدخل بيتي، له أن يمنعها شرعاً، وله أن يمنع زوجته من الذهاب إليها؛ لأنها نمامة تفسد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة قتات)) أي نمام. (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 126 و 127)
(ليس تملكون منهن شيئا) أي شيئا من الملك أو شيئا من الهجران والضرب. (غير ذلك) أي غير الاستيصاء بهن الخير. (تحفة الاحوذي 8/ 383)
قوله (وحقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَن تُحْسنُوا إِليْهنَّ في كِسْوتِهِنَّ وَطعامهنَّ) قال النووي:” قوله صلى الله عليه وسلم (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها وذلك ثابت بالإجماع. ” شرح مسلم للنووي 8/ 183
ففي مسند الإمام أحمد عن وَهْبَ بْنَ جَابِرٍ، يَقُولُ: إِنَّ مَوْلًى لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ لَهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُقِيمَ هَذَا الشَّهْرَ هَاهُنَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَقَالَ لَهُ: تَرَكْتَ لِأَهْلِكَ مَا يَقُوتُهُمْ هَذَا الشَّهْرَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَاتْرُكْ لَهُمْ مَا يَقُوتُهُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضِيعَ مَنْ يَقُوتُ” (صحح محقوق المسند 6842)
وأيضا في مسند أحمد عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَقَى امْرَأَتَهُ مِنَ الْمَاءِ أُجِرَ ” (صحيح الجامع 602/ 1)
وفي الصحيحين عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً، وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً»
قال ابن حجر:” قال المهلب النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيبا لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع” (فتح الباري 9/ 498)
قال ابن عثيمين:” قال صلى الله عليه وسلم: ((ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)). فالزوج هو الذي ينفق على زوجته حتى لو كانت غنية، ولو كانت موظفة، فليس له حق في وظيفتها ولا في راتبها، ليس له قرش واحد. كله لها، وتلزمه بأن ينفق عليها؛ فإذا قال: كيف أنفق عليك وأنت غنية، وأنت لك راتب كراتبي؟ نقول: يلزمك نقول: يلزمك الإنفاق عليها وإن كانت كذلك، فإن أبيت فللحاكم أو القاضي أن يفسخ النكاح غصباً من الزوج، وذلك لأنه ملتزم بنفقتها. (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 127)
282 – وعن مُعَاويَةَ بنِ حَيْدةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: قلتُ: يَا رَسُول اللَّه مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: “أَن تُطْعمَها إِذَا طَعِمْتَ، وتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسيْتَ وَلاَ تَضْربِ الْوَجهَ، وَلا تُقَبِّحْ، وَلا تَهْجُرْ إِلاَّ في الْبَيْتِ” حديثٌ حسنٌ رواه أَبو داود وَقالَ: معنى”لا تُقَبِّحْ”أَى: لا تقُلْ قَبَّحَكِ اللَّه.
قال الألباني في صحيح أبي داود ((6) / (359)) ” قلت: إسناده حسن صحيح)
قوله (ما حق زوجة أحدنا عليه) أي: ما واجبها عليه. (دليل الفالحين (1) / (482))
قال ابن عثيمين:” الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فإنما يسألونه ليعملوا لا ليعلموا فقط؛ خلافاً لما عليه كثير من الناس اليوم يسألون ليعلموا ثم لا يعمل إلا قليل منهم؛ وذلك أن الإنسان إذا علم من شريعة الله ما علم كان حجة له أو عليه. إن عمل به فهو حجة له يوم القيامة، وإن لم يعمل به؛ كان حجة عليه يؤاخذ به.
وما أكثر ما كان الصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور دينهم، ففي القرآن مسائل كثيرة: (يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ) [البقرة: 215]، (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى) [البقرة: 220]، (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيض) [البقرة: 222]، (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) [البقرة: 189]؛ كلها أسئلة يريد بها الصحابة رضي الله عنهم أن يعلموا فيها حكم الله ثم يطبقوه في أنفسهم وفي أهليهم.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 131)
قوله (أَن تُطْعمَها إِذَا طَعِمْتَ) قال الخطابي:” في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها وليس في ذلك حد معلوم، وإنما هو على المعروف وعلى قدر وسع الزوج وجِدته وإذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقا لها فهولازم للزوج حضر أو غاب وإن لم يجده في وقته كان ديناً عليه إلى أن يؤديه إليها كسائر الحقوق الواجبة، وسواء فرض لها القاضي عليه أيام غيبته أو لم يفرض.” (معالم السنن للخطابي 3/ 221)
قال السندي:” قوله (أن يطعمها إلخ) ليس المقصود التقيد بل المطلوب الحث على المبادرة في إطعامها وكسوتها كما يفعل الإنسان عادة ذلك في شأن نفسه (حاشية السندي على ابن ماجه 1/ 568)
قال صاحب العون: (وتكسوها إذا اكتسيت): قال الطيبي رحمه الله: التفات من الغَيبة إلى الخطاب اهتماما بثبات ما قصد من الإطعام والكسوة، يعني كان القياس أن يقول أن يطعمها إذا طعم فالمراد بالخطاب عام لكل زوج أي يجب عليك إطعام الزوجة وكسوتها عند قدرتك عليهما لنفسك كذا في المرقاة. (. (عون المعبود 6/ 127)
وقال أيضا في موضع آخر، قال العلقمي: وهذا أمر إرشاد يدل على أن من كمال المروءة أن يطعمها كلما أكل ويكسوها إذا اكتسى. وفي الحديث إشارة إلى أن أكله يقدم على أكلها وأنه يبدأ في الأكل قبلها وحقه في الأكل والكسوة مقدم عليها لحديث {ابدأ بنفسك ثم بمن تعول}. (عون المعبود 6/ 127)
قال ابن علان:” ومعنى كونه فرضا عليه إذا كان لا يأكل زائدا على فرض القوت، أما لو كان مترفها في المطعم والملبس، فما زاد على الواجب لها فنفل منه وإحسان إليها (دليل الفالحين (1) / (482))
قال ابن عثيمين:” لا تخص نفسك بالكسوة دونها، ولا بالطعام دونها؛ بل هي شريكة لك يجب عليك أن تنفق عليها كما تنفق على نفسك، حتى إن كثيراً من العلماء يقول: إذا لم ينفق الرجل على زوجته وطالبت بالفسخ عند القاضي؛ فللقاضي أن يفسخ النكاح؛ لأنه قصر بحقها الواجب لها.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 131)
(ولا تضرب الوجه) فإنه أعظم الأعضاء وأظهرها ومشتمل على أجزاء شريفة وأعضاء لطيفة. وفيه دليل على وجوب اجتناب الوجه عند التأديب (. (عون المعبود 6/ 127)) قال السندي:” (ولا يضرب الوجه) أي إن احتاج إلى ضربها للتأديب أو لتركها بعض الفرائض” (حاشية السندي على ابن ماجه 1/ 568)
قال ابن عثيمين:” كذلك غير الزوجة لا يضرب على الوجه، فالابن إذا أخطأ لا يضرب على الوجه؛ لأن الوجه أشرف ما في الإنسان، وهو واجهة البدن كله، فإذا ضُرب كان أذلَّ للإنسان مما لو ضُرب غير وجهه، يعني يُضرب الرجل على كتفه، على عضده، على ظهره؛ فلا يرى بذلك أنه استذل كما لو ضربته على وجهه، ولهذا نهي عن ضرب الوجه وعن تقبيح الوجه.” (شرح رياض الصالحين 3/ 132)
ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ» (صحيح مسلم 2612) وفي مسند أحمد أن ابن عمر رضي الله عنمها – قال: ” نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ” قال محققو المسند:” إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقاتَ رجال الشيخين مسند أحمد 5991)
وفي سنن أبي داود عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه بحمار قد وسم في وجهه فقال:” أما بلغكم أني قد لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها فنهى عن ذلك. (صحيح أبي دواد 2564)
(ولا تقبح): قال صاحب العون:” بتشديد الباء أي لا تقل لها قولا قبيحا ولا تشتمها ولا قبحك الله ونحوه. (عون المعبود 6/ 127) وقال أيضا في موضع آخر: (ولا تقبح الوجه): بتشديد الموحدة أي لا تقل إنه قبيح أو لا تقل قبح الله وجهك أي ذاتك فلا تنسبه ولا شيئا من بدنها إلى القبح الذي هو ضد الحسن لأن الله تعالى صور وجهها وجسمها وأحسن كل شيء خلقه وذم الصنعة يعود إلى مذمة الصانع. كذا قال العزيزي في السراج المنير. (عون المعبود)
قال السندي:” (ولا يقبح) أي صورتها بضرب الوجه ولا ينسب شيئا من أفعالها وأقوالها إلى القبح ولا يقول لها قبح الله وجهك أو قبحك من غير حق. (حاشية السندي على ابن ماجه 1/ 568)
(ولا تهجر إلا في البيت): أي لا تتحول عنها أو لا تحولها إلى دار أخرى لقوله تعالى {واهجروهن في المضاجع}. (عون المعبود)
قوله (ولا يهجر إلا في البيت) أي لا يهجرها إلا في المضجع ولا يتحول عنها ولا يحولها إلى دار أخرى ولعل ذلك فيما يعتاد وقوعه من الهجر بين الزوج والزوجة وإلا فيجوز هجرهن إذا انْحَسَّتِ المعصية في بيت كإيلاء النبي صلى الله عليه وسلم إياهن شهرا واعتزاله في المشربة. (حاشية السندي على ابن ماجه 1/ 568)
نحس: و «نَحْس» ونُحس نَحسًا ضِد سعد و «أنحست» النار كثر نُحاسها أي دخانها. كتاب الأفعال لابن القوطية.
قال ابن عثيمين:” قال: ((ولا تهجرها إلا في البيت)) يعني إذا وجد سبب الهجر فلا تهجرها علناً وتظهر للناس أنك هجرتها.
اهجرها في البيت؛ لأنه ربما تهجرها اليوم وتتصالح معها في الغد فتكون حالكما مستورة، لكن إذا ظهرت حالكما للناس بأن قمت بنشر ذلك والتحدث به كان هذا خطأ، اهجرها في البيت، ولا يطلع على هجرك أحد، حتى إذا اصطلحت معها رجع كل شيء على ما يرام، دون أن يطلع عليه أحد من الناس.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 132)