: 278 جامع الأجوبة الفقهية ص 319
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
ووضعت علامة * أمام مشاركتي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام
حديث 113 و114
مسألة: هل يستحب غسل الجسد ثلاثاً في غسل الجنابة؟
اختلف العلماء في استحباب غسل الجسد ثلاثاً في غسل الجنابة على ثلاثة أقوال:
الأول: يستحب، وهو مذهب الحنفية، والشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة وهو قول اسحاق.
الثاني: لا يستحب، وهو المشهور من مذهب المالكية، وهو ظاهر كلام أحمد، والخرقي، وصرح به الماوردي من الشافعية واختاره شيخ الاسلام ابن تيمية.
والثالث: يستحب التكرار في غسل الحيض دون الجنابة، وهو رواية عن أحمد
?- أدلة الجمهور في استحباب غسل البدن ثلاثاً:
الدليل الأول:
عن عائشة، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – اغتسل من الجنابة، فبدأ فغسل كفيه ثلاثاً. رواه مسلم في صحيحه (36 – 316).
والوضوء جزء من غسل الجنابة، فإذا ثلث فيه غسل الكفين كان التثليث في سائره مشروعاً.
الدليل الثاني:
عن عائشة قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا أراد أن يغتسل من جنابة يغسل يديه ثلاثاً، ثم يأخذ بيمينه ليصب على شماله، فيغسل فرجه حتى ينقيه، ثم يغسل يده غسلاً حسناً، ثم يمضمض ثلاثاً، ويستنشق ثلاثاً، ويغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً، ثم يصب الماء على رأسه ثلاثاً، ثم يغسل، فإذا خرج غسل قدميه. رواه أحمد في المسند (6/ 96).
وجه الاستدلال:
إذا ثبت التثليث في الوضوء، وهو جزء من غسل الجنابة، كان التثليث في سائر البدن مقيساً عليه.
وأجيب:
أما التثليث في الوضوء من الحدث الأصغر فهذا ثابت في السنة الصحيحة، ولكن لا يسلم القياس لاختلاف الموجب. وما يجب في هذا قد لا يجب في ذاك، كالترتيب والموالاة، وإذا اختلفا فيما يجب اختلفا فيما يستحب. وأما التثليث في وضوء الغسل من الجنابة فالصحيح أنه لا يشرع.
* الحديث صححه محققو المسند (24648) وقالوا هذا اسناد حسن فحماد بن سلمة روى عن عطاء قبل الاختلاط بينما قال صاحب موسوعة تكرار الغسل ثلاثا غير محفوظ
الدليل الثالث:
عن عائشة قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا اغتسل من الجنابة – قال سليمان – يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله، وقال مسدد: غسل يديه يصب الإناء على يده اليمنى، ثم اتفقا: فيغسل فرجه. وقال مسدد: يفرغ الإناء على شماله – وربما كنَّت عن الفرج – ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يدخل يديه في الإناء، فيخلل شعره، حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أنقى البشرة أفرغ على رأسه ثلاثاً، فإذا فضل فضلة صبها عليه. رواه أبو داود (242).
وجه الاستدلال:
قوله: “فإذا فضل فضلة صبها عليه”. لا تسمى فضلة إلا بعد الفراغ من الاغتسال، وكونه صبها على بدنه بعد الفراغ من الاغتسال فيه تكرار الغسل للموضع الذي أصابه الماء، وإذا جاز تكراره أكثر من مرة جاز ثلاثاً.
* قال صاحب موسوعة أحكام الطهارة بأنها زيادة شاذة انفرد بها حماد بن زيد ثم ذكر من خالفه قال:
فهؤلاء اثنا عشر حافظًا رووه عن هشام بدون ذكر زيادة حماد، فلو كانت محفوظة لذكروها أو بعضهم.
الدليل الرابع:
عن أبي سعيد الخدري قال: سأله رجل عن الغسل من الجنابة، فقال: ثلاثاً، فقال: إني كثير الشعر، قال أبو سعيد: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أكثر شعراً منك وأطيب. رواه أحمد في المسند (6/ 54).
قال ابن رجب في شرح البخاري (1/ 266): “عطية هو العوفي، فيه ضعف مشهور، ولعله أراد الثلاث في غسل الرأس ولهذا قال له السائل: إن شعري كثير”.
وقد خرجه أبو نعيم: الفضل بن دكين في كتاب الصلاة له، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية قال: سأل رجل أبا سعيد الخدري، كم يكفي لغسل رأسه؟ قال: ثلاث حفنات، وجمع يديه، وذكر بقية الحديث”. اهـ
وقال ابن رجب أيضا:
وقد فهم الأوزاعي من حديث عمر وعائشة، أن الوضوء يكون ثلاثًا ثلاثًا إلى مسح الرأس، ولا يمسح الرأس، بل يصب عليهِ الماء ثلاث مرات، فيكتفي بغسله للجنابة عن مسحه، ثم يصب الماء على سائر جسده، ويغسل رجليه.
فأما القول باستحباب تثليث الوضوء قبل غسل الجنابة، فقد نص عليهِ سفيان الثوري وإسحاق بن رهوايه وأصحابنا، ولم ينص أحمد إلا على تثليث غسل كفيه ثلاثًا، وعلى تثليث صب الماء على الرأس.
فتح الباري شرح البخاري (1) / (238)
?- دليل من قال: لا يستحب التثليث في غسل البدن من الحدث الأكبر:
قالوا: الأحاديث الصحيحة في صفة غسل النبي – صلى الله عليه وسلم – من الجنابة لم يرد فيها أنه غسل بدنه ثلاثاً، وإذا لم يرد، لم يكن مشروعاً، فحديث عائشة، وحديث ميمونة في الصحيحين وحديث أم سلمة في مسلم وغيرها من الأحاديث لا تذكر التثليث.
قال ابن رجب في شرحه للبخاري (1/ 264): “حكت ميمونة غسل النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولم تذكر في غسل شيء من أعضائه عدداً إلا في غسل يديه في ابتداء الغسل، مع شك الراوى هل كان غسلهما مرتين أو ثلاثاً؟ وهذا الشك هو من الأعمش، ثم قال: “وأطلقت الغسل في الباقي، فظاهره أنه لم يكرر غسل شيء من جسده بعد ذلك، لا في الوضوء ولا في الغسل بعد”.
?- دليل التفريق بين غسل الحيض وبين غسل الجنابة:
وفرق بعضهم بين غسل الحيض وبين غسل الجنابة، فقال في التكرار فى غسل الحيض ولم يستحبه في غسل الجنابة.
فقد نقل ابن رجب عن يعقوب بن بهتان في شرحه للبخاري (2/ 98): سألت أحمد عن النفساء والحائض كم مرة يغتسلان؟ قال: كما تغسل الميتة.
وقال ابن رجب أيضاً: “غسل الحيض يستحب تكراره كغسل الميتة، بخلاف غسل الجنابة. هذا ظاهر كلام أحمد”
?- جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (31/ 215):
ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن تثليث غسل الأعضاء في الغسل سنة، لحديث ميمونة رضي الله عنها: ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات، وفي حديث عائشة رضي الله عنها: ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أن قد استبرأ، حفن على رأسه ثلاث حفنات، وأما باقي أعضاء الجسد فقياسا على الوضوء.
قال الشربيني الخطيب: إن كان الماء جاريا كفى في التثليث أن يمر عليه ثلاثا جريات، وإن كان راكدا انغمس فيه ثلاثا، بأن يرفع رأسه منه وينقل قدميه، أو ينتقل فيه من مقامه إلى آخر ثلاثا، ولا يحتاج إلى انفصال جملته ولا رأسه، فإن حركته تحت الماء كجري الماء عليه.
وذهب المالكية إلى ندب تثليث غسل الرأس فقط، وأما بقية الأعضاء فاعتمد الدردير كراهة غسلها أكثر من مرة، واعتمد البناني تكرار غسل الأعضاء. انتهى
?- عمدة القاري شرح صحيح البخاري (3/ 192):
أنه يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه كما هو في الحديث، وعن الشافعية استحباب ذلك في الرأس، وباقي الجسد مثله. وقال الماوردي والقرطبي من الماليكة: لا يستحب التثليث في الغسل، وقال القرطبي: لا يفهم من هذه الثلاث أنه غسل رأسه ثلاث مرات، لأن التكرار في الغسل غير مشروع لما في ذلك من المشقة، وإنما كان ذلك العدد لأنه بدأ بجانب رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم على وسط رأسه، كما جاء في حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها
?- قال النووي المجموع (2/ 213): “المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور أنه يستحب إفاضة الماء على جميع البدن ثلاث مرات”.
?- قال النووي في شرحه على مسلم (4/ 9): لا نعلم فيه خلافا إلا ما انفرد به الماوردي فإنه قال: لا يستحب التكرار في الغسل
?- قال البخاري في صحيحه (257): باب الغسل مرة، ثم ذكر حديث ميمونة وفيه: “ثم أفاض على جسده”. قال الحافظ: “قال ابن بطال، لم يقيده بعدد، فيحمل على أقل ما يسمى وهو المرة الواحدة، لأن الأصل عدم الزيادة عليها”.
?- جاء في نجاح القاري لصحيح البخاري (ص: 1539):
واستفيد منه مشروعية التثليث في الغسل، واستحبابهُ مجمعٌ عليه قياساً على أعضاء الوضوء، وهو أولى بالتثليث من الوضوء، فإن الوضوء مبنيٌّ على التخفيف مع تكراره، فإذا استحب فيه الثلاث فالغسل أولى.
?- وقال السعدي رحمه الله المختارات الجلية (ص 24): “والصحيح أن التثليث لا يشرع في الغسل إلا في غسل الرأس، لأن ذلك هو الوارد في صفة غسله، فلم يثبت عنه سوى هذا، وقياس الوضوء على الغسل غير مسلم لوجود الفارق من وجوه كثيرة” انتهى كلامه رحمه الله.
?- وقال في حاشية العدوي المطبوع بهامش شرح الخرشي (1/ 171): “ليس شيء في الغسل يندب فيه التكرار غير الرأس”
?- قال في الشرح الكبير (1/ 136، 137) “يندب بدؤه بأعضاء وضوءه كاملة مرة بنية رفع الجنابة، فلا يندب التثليث بل يكره”.
?- قال الشيخ البسام في توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 396):
المشهور من المذهب: استحباب غسل البدن ثلاث مرات، ولكن الحديث يدل على أنه لا يشرع غسل البدن إلا مرة واحدة؛ فإن التثليث لم يرد إلا في غسل الرأس، وهذا هو الصحيح، والله أعلم.
* قال صاحب موسوعة أحكام الطهارة:
والراجح مذهب المالكية، وأنه لا يشرع التثليث في غسل الحيض ولا في غسل الجنابة، ولا حاجة إلى استعمال القياس مع ورود صفة الغسل من الجنابة والحيض من الشارع. والله أعلم.
والله أعلم …