2773،2774 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله المشجري … وعبدالله كديم وطارق أبي تيسير وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
تتمة2: كتاب: صفات المنافقين.
فيما ورد في الصلاة على المنافقين، وتكفينهم.
(2) – ((2773)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وأحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ – واللَّفْظُ لِابْنِ أبِي شَيْبَةَ، قالَ ابْنُ عَبْدَةَ: أخْبَرَنا، وقالَ الآخَرانِ: حَدَّثَنا – سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، أنَّهُ سَمِعَ جابِرًا، يَقُولُ: «أتى النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – قَبْرَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَأخْرَجَهُ مِن قَبْرِهِ فَوَضَعَهُ عَلى رُكْبَتَيْهِ، ونَفَثَ عَلَيْهِ مِن رِيقِهِ، وألْبَسَهُ قَمِيصَهُ» فاللهُ أعْلَمُ،
(2) – حَدَّثَنِي أحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأزْدِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أخْبَرَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، أخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينارٍ، قالَ: سَمِعْتُ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: جاءَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – إلى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، بَعْدَ ما أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سُفْيانَ.
(3) – ((2774)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قالَ: لَمّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ جاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ إلى رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَسَألَهُ أنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أباهُ، فَأعْطاهُ ثُمَّ سَألَهُ أنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقامَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقامَ عُمَرُ فَأخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ أتُصَلِّي عَلَيْهِ وقَدْ نَهاكَ اللهُ أنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «إنَّما خَيَّرَنِي اللهُ، فَقالَ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً، وسَأزِيدُهُ عَلى سَبْعِينَ». قالَ: إنَّهُ مُنافِقٌ، فَصَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {ولا تُصَلِّ عَلى أحَدٍ مِنهُمْ ماتَ أبَدًا ولا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ} [التوبة (84)]،
(4) – ((2774)) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى وعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قالا: حَدَّثَنا يَحْيى وهُوَ القَطّانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بِهَذا الإسْنادِ نَحْوَهُ، وزادَ قالَ: فَتَرَكَ الصَّلاةَ عَلَيْهِمْ.
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(عَنْ عَمْرٍو) الأثرم المكيّ؛ (أنَّهُ سَمِعَ جابِرًا) – رضي الله عنه – (يَقُولُ: أتى النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – قَبْرَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ) زاد في رواية النسائيّ: «وقد وُضع في قبره، فوقف عليه»،
(فَأخْرَجَهُ)؛ أي: أمر بإخراجه (مِن قَبْرِهِ)؛ أي: فأُخرج له منه، (فَوَضَعَهُ عَلى ركْبَتَيْهِ) الشريفتين،
(ونَفَثَ عَلَيْهِ) قال في «المصباح»: نَفَثَ: إذا بَزَق، ومنهم من يقول: إذا بَزَقَ، ولا ريق معه. انتهى [«المصباح المنير» (2) / (615) – (616)].
وقال وليّ الدين – رَحِمَهُ اللهُ -: … قال في «الصحاح»: أولُه البَزْقُ، ثم التَّفْلُ، ثم النَّفْثُ، ثم النَّفْخُ …. انتهى [«طرح التثريب في شرح التقريب» (3) / (281)].
قال الإتيوبي عفا الله تعالى عنه: قول من قال: إن النفث يكون معه ريق، هو الأشبه؛ لأنه يؤيّده قوله بعده: (مِن رِيقِهِ)، و «من» تبعيضية؛ أي: نفث – صلى الله عليه وسلم – عليه بعض ريقه المبارك.
(مِن رِيقِهِ) – صلى الله عليه وسلم -، وهو بكسر الراء: هو ماء الفم، ويؤنّث، فيقال: رِيقة، وقيل: التأنيث بالهاء للوحدة، قاله الفيّوميّ – رَحِمَهُ اللهُ -. [«المصباح المنير» (1) / (248)]. (وألْبَسَهُ قَمِيصَهُ)؛ أي: ألبس النبيّ – صلى الله عليه وسلم – عبد الله بن أُبيّ قميصه الذي كان يلبسه – صلى الله عليه وسلم – تبريكًا له.
وظاهر هذا الحديث: يقتضي أنه – صلى الله عليه وسلم – إنما ألبسه قميصه بعد إدخاله حفرته، وهو مخالف لِما سيأتي من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – …..
وقيل: ليس في حديث جابر دلالة على أنه ألبسه قميصه بعد إخراجه من القبر؛ لأنّ لفظه: «فوضعه على ركبتيه، وألبسه قميصه»، والواو لا ترتّب، فلعلّه أراد أن يذكر ما وقع في الجملة من إكرامه له من غير إرادة ترتيب. [راجع: «الفتح» (4) / (9)، «كتاب الجنائز» رقم ((1270)].
قال الإتيوبي عفا الله تعالى عنه: هذا التأويل الأخير عندي هو الأقرب، والأشبه، والله تعالى أعلم.
وقوله: (فاللهُ أعْلَمُ)؛ أي: بحال عبد الله بن أُبَيّ، هل هو ممن يستحق قبول شفاعته – صلى الله عليه وسلم – فيه، أم لا؟ وهذا من كلام جابر – رضي الله عنه -، كما صرّح به عند النسائيّ، ولفظه: قال جابر: «وصلى عليه، والله أعلم»،
وقد وقع مثله في حديث ابن عباس، عن عمر – رضي الله عنه -، والله تعالى أعلم.
وحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – هذا مُتَّفَقٌ عليه.
[(7001)] ((2774)) شرح الحديث:
(عَن) عبد الله (بْنِ عُمَرَ) – رضي الله عنهما -، أنه (قالَ: لَمّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ) ذكر الواقديّ، ثم الحاكم في «الإكليل» أنه مات بعد منصرفهم من تبوك، وذلك في ذي القعدة سنة تسع …. وكان قد تخلّف هو، ومن تبعه عن غزوة تبوك، وفيهم نزلت: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إلّا خَبالًا} [التوبة (47)].
قال الحافظ: وهذا يدفع قولَ ابن التين: إن القصة كانت في أول الإسلام، قبل تقرير الإحكام. انتهى
[» الفتح «(15) / (190)،» كتاب التفسير” رقم ((4670))].
(جاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ)
وكان عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ هذا من فضلاء الصحابة، وشهد بدرًا، وما بعدها، واستُشهد يوم اليمامة، في خلافة أبي بكر الصدّيق.
ومن مناقبه أنه بلغه بعض مقالات أبيه، فجاء إلى النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، يستأذنه في قتله، قال: «بل أحْسِنْ صحبته»، أخرجه ابن منده، من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – بإسناد حسن.
وفي الطبرانيّ من طريق عروة بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ أنه استأذن، نحوه، وهذا منقطع؛ لأنّ عروة لَمْ يدركه.
وكأنه كان يَحْمِل أمر أبيه على ظاهر الإسلام، فلذلك التمس من النبيّ – صلى الله عليه وسلم – أن يحضر عنده، ويصلي عليه، ولا سيِّما، وقد ورد ما يدلّ على أنّه فعل ذلك بعهد من أبيه، ويؤيد ذلك ما أخرجه عبد الرزّاق، عن معمر، والطبريُّ من طريق سعيد، كلاهما عن قتادة: قال: أرسل عبد الله بن أُبَيّ إلى النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، فلما دخل عليه، قال: «أهلكك حبّ يهود»، فقال: «يا رسول الله، إنما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتوبّخني، ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفَّن فيه، فأجابه»، وهذا مرسل، مع ثقةٌ رجاله، ويعضده ما أخرجه الطبرانيّ، من طريق الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: «لمّا مَرِضَ عبد الله بن أُبيّ، جاءه النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، فكلّمه، فقال: قد فَهِصْتُ ما تقول، فامنن عليّ»، فكفّنّي في قميصك، وصلّ عليّ، ففعل «.
وكأن عبد الله بن أُبيّ أراد بذلك دفع العار عن ولده، وعشيرته، بعد موته، فأظهر الرغبة في صلاة النبيّ – صلى الله عليه وسلم – عليه، ووقعت إجابته إلى سؤاله بحسب ما ظهر من حاله، إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك.
قال الحافظ – رَحِمَهُ اللهُ -: وهذا من أحسن الأجوبة فيما يتعلّق بهذه القصّة. انتهى [» الفتح” (10) / (190) – (191)].
وقوله: (إلى رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -) متعلّق بـ» جاء «، (فَسَألَهُ)، أي: سأل عبد الله النبيّ – صلى الله عليه وسلم – (أنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ، يُكَفِّنُ فِيهِ)؛ وهذا يدلّ على أنّ النبيّ – صلى الله عليه وسلم – أعطى قميصه لعبد الله بن أُبيّ بسبب طلب ولده له، لكن ثبت في حديث جابر – رضي الله عنه – ما يدلّ على أنّه إنما أعطاه مكافأة على إعطائه قميصه لعمّ النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، عباس بن عبد المطلب لجبه، وُيجاب: بأنه لا تنافي بين السببين، إذ يمكن أن يعطيه لهما جميعًا، والله تعالى أعلم.
(ثُمَّ سَألَهُ)، أي: سأل عبد الله النبي – صلى الله عليه وسلم -» (أنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ)، أي: على أبيه، (فَقامَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -) من مجلسه (لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ).
(فَقامَ عُمَرُ) بن الخطّاب – رضي الله عنه – (فَأخَذَ بِثَوْب رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -)، وفي رواية:
«فجذبه عمر»، وفي رواية ابن عباس، عن عمر – رضي الله عنه -: «قال: لما مات عبد الله بن أبيّ ابن سَلُولَ، دُعي له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليصلي عليه، فلما قام رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
وثَبْتُ إليه، فقلتُ: يا رسول الله أتصلي على ابن أبيّ، وقد قال يوم كذا كذا وكذا؟!، قال: أُعدّد عليه قوله … . الحديث، يشير عمر – رضي الله عنه – بذلك إلى مثل قوله: {لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون (7)]، وإلى
مثل قوله: {لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنها الأذَلَّ} [المنافقون (8)]، قاله في «الفتح» [» الفتح” (10) / (191)].
(فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ أتُصَلِّي عَلَيْهِ، وقَدْ نَهاكَ اللهُ أنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟!) وفي رواية البخاريّ: «وقد نهاك ربك أن تصلي عليه»، قال في «الفتح»: كذا في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة، وقد استُشكل جدًّا، حتى أقدم بعضهم، فقال: هذا وهَمٌ من بعض رواته، وعاكسه غيره، فزعم أن عمر اطَّلع على نهي خاصّ في ذلك، وقال القرطبيّ: لعلّ ذلك وقع في خاطر عمر، فيكون من قبيل الإلهام، ويَحْتَمِل أن يكون فَهِم ذلك من قوله تعالى: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة (113)].
قال الحافظ: قلت: الثاني – يعني: ما قاله القرطبيّ – أقرب من الأول؛ لأنه لَمْ يتقدّم النهي عن الصلاة على المنافقين، بدليل أنه قال في آخر هذا الحديث: «قال: فأنزل الله: {ولا تُصَلِّ عَلى أحَدٍ مِنهُمْ} [التوبة (84)]، والذي يظهر أن في هذه الرواية تجوّزًا، بيّنَتْهُ الرواية الأخرى بلفظ:» فقال: تصلي عليه، وقد نهاك الله أن تستغفر لهم؟! «.
وروى عبد بن حميد، والطبريّ، من طريق الشعبيّ، عن ابن عمر، عن عمر:» قال: لمّا أراد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يصلي على عبد الله بن أُبيّ، فأخذتُ بثوبه، فقلت: والله ما أمر الله بهذا، لقد قال: {إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة (80)] «، ووقع عند ابن مردويه، من طريق سعيد بن جُبير، عن ابن عباس: فقال عمر: أتصلي عليه، وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ قال:» أين؟ «قال: {إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} الآية.
فكأن عمر – رضي الله عنه – قد فَهِم من الآية المذكورة ما هو الأكثر الأغلب من لسان العرب، من أن (أو) ليست للتخيير، بل للتسوية في عدم الوصف المذكور؛ أي: إن الاستغفار لهم، وعدم الاستغفار سواء، وهو كقوله تعالى: {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [المنافقون (6)]، لكن الثانية أصرح، ولهذا ورد أنّها نزلت بعد هذه القصّة.
وفَهِم عمر أيضًا من قوله: {سَبْعِينَ مَرَّةً} أنّها للمبالغة، وأن العدد المعيّن لا مفهوم له، بل المراد: نفي المغفرة لهم، ولو كثر الاستغفار، فيحصل من ذلك النهي عن الاستغفار، فأطلقه.
وفَهِم أيضًا: أن المقصود من الصلاة على الميت طلب المغفرة للميت، والشفاعة له، فلذلك استلزم عنده النهيُ عن الاستغفار تركَ الصلاة، فلذلك جاء عنه في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة، ولهذه الأمور استنكر إرادة الصلاة على عبد الله بن أُبيّ [«الفتح» (10) / (191) – (192)].
وقال الحافظ – رَحِمَهُ اللهُ – في موضع آخر من «الفتح»: وقد وقفت لأبي نعيم
الحافظ، صاحب «حِلْية الأولياء» على جزء جمع فيه طرق هذا الحديث، وتكلم على معانيه، فلخصته: فمن ذلك أنه قال: وقع في رواية أبي أسامة وغيره، عن عبيد الله الغمَريّ في قول عمر: «أتصلي عليه، وقد نهاك الله عن الصلاة على المنافقين؟»، ولم يُبيّن محلّ النهي، فوقع بيانه في رواية أبىِ ضَمْرة، عن العُمَريّ، وهو أن مراده بالصلاة عليهم: الاستغفار لهم، ولفظه: «وقد نهاك الله أن تستغفر لهم»، قال: وفي قول ابن عمر: «فصلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وصلّينا عليه» أن عمر ترك رأي نفسه، وتابع النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، ونبّه على أنّ ابن عمر حمل هذه القصّة عن النبيّ – صلى الله عليه وسلم – بغير واسطة، بخلاف ابن عباس، فإنه إنما حملها عن عمر؛ إذ لَمْ يشهدها، إلى آخر ما سيأتي عند ذكر فوائد الحديث – إن شاء الله تعالى -.
قال: هذا تقرير ما صدر عن عمر – رضي الله عنه -، مع ما عُرف من شدة صلابته في الدين، وكثرة بُغضه للكفّار والمنافقين، وهو القائل في حقّ حاطب بن أبي بَلْتَعَة، مع ما كان له من الفضل، كشهوده بدرًا، وغير ذلك، لكونه كاتب قريشًا قبل الفتح: دعني يا رسول الله، أضرب عنقه، فقد نافق، فلذلك أقدم على كلامه للنبيّ – صلى الله عليه وسلم – بما قال، ولم يلتفت إلى احتمال إجراء الكلام على ظاهره، لِما غلب عليه من الصلابة المذكورة.
وقال الزين ابن المنيّر – رَحِمَهُ اللهُ -: وإنما قال ذلك عمر – رضي الله عنه – حرصًا على النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، ومشورةً، لا إلزامًا، وله عوائد بذلك، ولا يبعد أن يكون النبيّ – صلى الله عليه وسلم – كان أذن له في مثل ذلك، فلا يستلزم ما وقع من عمر أنه اجتهد مع وجود النصّ، كما تمسّك به قوم في جواز ذلك، وإنما أشار بالذي ظهر له فقط، ولهذا احْتَمَل منه النبيّ – صلى الله عليه وسلم – أخْذه بثوبه، ومخاطبته له في مثل ذلك المقام، حتى التفت إليه، متبسمًا، كما في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – بذلك. انتهى [«الفتح» (10) / (199)].
(فَقالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -:» إنَّما خَيَّرَنِي اللهُ) وفي رواية: «أنا بين خِيرتين» بكسر الخاء، وفتح الياء، أو سكونها؛ أي: بين اختيارين وهذه خَيْرَتي – بالفتح، والسكون -؛ أي: ما أخذته. انتهى [«المصباح المنير» (1) / (185)].
وقوله: («إنَّما خَيَّرَنِي الله)؛ أي: إن الله تعالى خيّرني، بين الاستغفار، وعدمه، فاخترت الاستغفار، (فَقالَ) الله – عَزَّوَجَلَّ – في تخييره: ({اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً}، وسَأزِيدُهُ عَلى سَبْعِينَ») ….
قال الحافظ – رَحِمَهُ اللهُ -: وهذه طرق، وإن كانت مراسيل، فإن بعضها يعضد
بعض].
وإنما لَمْ يأخذ النبيّ – صلى الله عليه وسلم – بقول عمر – رضي الله عنه -، وصلّى عليه، إجراء له على ظاهر حكم الإسلام، واستصحابًا لظاهر الحكم، ولما فيه من إكرام ولده الذي تحقَّقت صلاحيته، ومصلحة الاستئلاف لقومه، ودفع المفسدة، ولذلك قال: «لا يتحدِّث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه»، فلما حصل الفتح، ودخل المشركون في الإسلام، وقلّ أهل الكفر، وذَلُّوا، أُمر بمجاهرة المنافقين، وحَمْلهم على حكم مُرّ الحقّ، ولا سيما، وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على المنافقين، وغير ذلك، مما أُمر فيه بمجاهرتهم.
وذكر الخطابي وابن بطال نحو هذا الجواب
[تنبيه]: قال الحافظ – رَحِمَهُ اللهُ -: وقد مال بعض أهل الحديث إلى تصحيح إسلام عبد الله بن أُبيّ لكون النبيّ – صلى الله عليه وسلم – صلى عليه، وذَهِلَ عن الوارد من الآياتِ، والأحاديث المصرّحة في حقّه بما ينافي ذلك، ولم يقف على جواب شاف في ذلك، فأقدم على الدعوى المذكورة، وهو محجوج بإجماع من قبله على نقيض ما قال، وإطباقهم على ترك ذِكره في كتب الصحابة، مع شهرته، وذِكر من هو دونه في الشرف والشهرة بأضعاف مضاعفة.
انتهى [«الفتح» (15) / (194)].
(فَأنْزَلَ اللهُ – عَزَّوَجَلَّ -: {ولا تُصَلِّ عَلى أحَدٍ مِنهُمْ}) و كان عمر إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة، فإن مشى مشى معه، وإلا لَمْ يصلّ عليه»، ومن طريق أخري، عن جبير بن مطعم، أنهم اثنا عشر رجلًا، قال الحافظ: ولعل الحكمة في اختصاص المذكورين بذلك أن الله علم أنهم يموتون على الكفر، بخلاف مَن سواهم، فإنهم تابوا. انتهى.
زاد في الرواية التالية: «فَتَرَكَ الصَّلاةَ عَلَيْهِمْ» وفي حديث ابن عباس، عن عمر: «فصلى عليه، ثم انصرف، فلم يمكث إلّا يسيرًا حتى نزلت»، زاد ابن إسحاق في «المغازي»، قال: حدّثني الزهريّ بسنده، قال: «فما صلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على منافق بعده حتى قبضه الله». وزاد في رواية لابن إسحاق: «ولا قام على قبره». ورَوى عبد الرزّاق، عن معمر، عن قتادة، قال: «لما نزلت: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة (80)]، قال النبيّ – صلى الله عليه وسلم -:» لأزيدنّ على السبعين «، فأنزل الله تعالى: {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون (6)]»، ورجاله ثقات، مع إرساله، ويحْتَمِل أن تكون الآيتان نزلتا معًا في ذلك، وزاد في رواية ابن عباس، عن عمر، قال: «فعجبت بعدُ من جُرْأتي على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والله ورسوله أعلم».
وقوله: «والله ورسوله أعلم» ظاهره أنه قول عمر، ويحْتَمِل أن يكون قول ابن عباس، وقد روى الطبريّ من طريق الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس في نحو هذه القصّة: قال ابن عباس: «فالله أعلم أيّ صلاة كانت، وما خادع محمد أحدًا قطّ»، ذكره في «الفتح» [«الفتح» (10) / (190) – (196)]، والله تعالى أعلم.
وحديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – هذا مُتّفقٌ عليه.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7002)] ( … ) – (حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، وعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قالا: حَدَّثَنا يَحْيى -وهُوَ القَطّانُ- عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذا الإسْنادِ نَحْوَهُ، وزادَ: قالَ: فَتَرَكَ الصَّلاةَ عَلَيْهِمْ).
وقوله: (وزادَ: قالَ: فَتَرَكَ الصَّلاةَ عَلَيْهِمْ) فاعل «زاد» ضمير يحيى القطّان، وفاعل «قال إلخ» ضمير ابن عمر -رضي الله عنهما-.
[تنبيه]: رواية يحيى بن سعيد القطّان عن عبيد الله هذه ساقها البخاريّ رحمه الله في «صحيحه» ((5460)) –
فقه وفوائد الحديث:
في فوائده [المراد: الفوائد التي اشتمل عليها الحديث بطرقه، وألفاظه المختلفة المذكورة في الشرح، لا خصوص سياق مسلم، فتنبّه، والله تعالى أعلم]:
(1) – (منها): بيان ما كان عليه النبيّ – صلى الله عليه وسلم – من مكارم الأخلاق، فقد عَلِم ما كان من هذا المنافق، من الإيذاء له، وقابله بالحسنى، وألبسه قميصه كفنًا، وصلى عليه، واستغفر له، فهو كما وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله: {وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ((4))} [القلم (4)].
(2) – (ومنها): أنه قد تمسك بهذه القصّة من جعل مفهوم العدد حجةً، وكذا مفهوم الصفة من باب أولى، ووجه الدلالة أنه – صلى الله عليه وسلم – فَهِم أن ما زاد على السبعين بخلاف السبعين، فقال: «سأزيده على السبعين».
وأجاب من أنكر القول بالمفهوم بما وقع في بقية القصّة، وليس ذلك بدافع للحجّة؛ لأنه لو لم يقم الدليل على أن المقصود بالسبعين المبالغة لكان الاستدلال بالمفهوم باقيًا.
(3) – (ومنها): النهي عن الصلاة على الكافر إذا مات على كفره.
(4) – (ومنها): جواز التكفين في القميص [«الفتح» (10) / (199)]، وهو القول الراجح من أقوال العلماء في ذلك.
(5) – (ومنها) [-ما بعد هذا من الفوائد هو تَتِمّة ما نُقل عن أبي نعيم صاحب «الحلية» في كلامه على هذا الحديث، كما تقدّمت الإشارة إليه، فتنبّه-]:
أن فيه جواز الشهادة على المرء بما كان عليه حيًّا وميتًا، لقول عمر -رضي الله عنه-: «إن عبد الله بن أُبيّ منافق»، ولم يُنكر النبيّ – صلى الله عليه وسلم – عليه قولَهُ.
(6) – (ومنها): أنه يؤخذ منه أن المنهيّ عن سبّ الأموات ما قُصد به الشتم، لا التعريف.
(7) – (ومنها): أن المنافق تُجْرى عليه أحكام الإسلام الظاهرة.
(8) – (ومنها): أن الإعلام بوفاة الميت مجرّدًا لا يدخل في النعي المنهيّ عنه.
(9) – (ومنها): جواز سؤال الموسر من المال من تُرجى بركته شيئًا من ماله لضرورة دينية.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: هكذا قالوا، وفيه أن هذا مما لم يثبت فعل السلف به مع غير النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، فلم يفعله الصحابة -رضي الله عنهم-، وهم أفضل القرون مع أبي بكر، ولا مع عمر، ولا مع غيرهما من الخلفاء -رضي الله عنهم-، ومع من بعدهم، فالظاهر أنه خاصّ بالنبيّ – صلى الله عليه وسلم -.
(10) – (ومنها): رعاية الحيّ المطيع بالإحسان إلى الميت العاصي.
(11) – (ومنها): جواز التكفين بالمخيط.
(12) – (ومنها): جواز تأخير البيان عن وقت النزول إلى وقت الحاجة.
(13) – (ومنها): العمل بالظاهر إذا كان النصّ محتملًا.
(14) – (ومنها): تنبيه المفضول للفاضل على ما يظنّ أنه سها فيه.
(15) – (ومنها): تنبيه الفاضل المفضول على ما يُشكل عليه.
(16) – (ومنها): استفسار السائل المسؤول، وعكسه عما يَحْتَمِل مما دار
بينهما.
(17) – (ومنها): جواز التبسّم في حضور الجنازة عند وجود ما يقتضيه، وقد استحبّ أهل العلم عدم التبسّم من أجل تمام الخشوع، فيستثنى منه ما تدعو إليه الحاجة.
هكذا قالوا، وفيه نظر؛ إذ يَحْتَمل أن يكون تبسّمه – صلى الله عليه وسلم – كان قبل أن يأتي إلى الجنازة، هذا هو الظاهر من مراجعة عمر -رضي الله عنه- له، فتأمّل، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج].
ومن فوائد توفيق الرب المنعم:
18 – (ومنها): اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في إيصال الخير لأصحابه، ومحبته لهم.
19 – (ومنها): التصريح بأن قوله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات} لم ينزل إلا بعد هذه الواقعة، وأما قول عمر رضي الله عنه: ((وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ)) فيعني: قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}، والصلاة على الميت دعاء واستغفار، وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليه كانت قبل نزول هذه الآية الكريمة، ومع هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يلتفت لقول عمر رضي الله عنه، واجتهد في الاستغفار له، وقال: ((إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا)). فلم يمكث النبي صلى الله عليه وسلم إلا يسيرًا حتى نزل قولُ الله عز وجل: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}؛ فما صلى بعدها على منافق، ولا قام على قبره، حتى قبضه الله تعالى.
وقد شق على عمر رضي الله عنه اعتراضُه على النبي صلى الله عليه وسلم- مع أن القرآن الكريم نزل بعد ذلك موافقًا له- وقال: ((فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا)).
20 – (ومنها): تأليفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم للأوسِ قومِ عبد الله بن أُبيٍّ.
21 – (ومنها): جبرُ خاطر ابنه عبد الله رضي الله عنه؛ لأنه كان رجلًا صالحًا، ورجاءَ.
22 – (ومنها): جواز تسمية الولد باسم أبيه وإن كان حيًّا، والعامة عندنا يستنكرون ذلك! وهو مردود بنص هذا الحديث؛ لأن اسم هذا الصحابي الجليل: عبد الله بن عبد الله بن أُبَيّ ولو كان مخالفًا لأنكره النبي صلى الله عليه وسلم.
23 – (ومنها): إخراجه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أُبي من قبره محمولٌ على أنه استخرجه بعد ما دُلِّيَ في حفرته، وليس المراد: أنه أخرجه بعد الدفن. [توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (8/ 100،102)]
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى):
“استُشكِلَ فهمُ التخيير من قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة (80)] الآية حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث، مع كثرة طرقه، واتفاق الشيخين، وسائر الذين خرّجوا الصحيح على تصحيحه، وذلك ينادي على منكري صحته بعدم معرفة الحديث، وقلّة الاطلاع على طرقه.
قال ابن المنيّر: مفهوم الآية زلّت فيه الأقدام، حتى أنكر القاضي أبو بكر صحة الحديث، وقال: لا يجوز أن يُقبل هذا، ولا يصحّ أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قاله. انتهى.
ولفظ القاضي أبي بكر الباقلّانيّ في «التقريب»: هذا الحديث من أخبار الآحاد التي لا يُعلم ثبوتها.
وقال إمام الحرمين في «مختصره»: هذا الحديث غير مخرّج في «الصحيح»، وقال في «البرهان»: لا يصححه أهل الحديث.
وقال الغزالي في «المستصفى»: الأظهر أن هذا الخبر غير صحيح. وقال الدارديّ الشارح: هذا الحديث غير محفوظ.
والسبب في إنكارهم صحته ما تقرّر عندهم مما قدمناه، وهو الذي فهمه عمر -رضي الله عنه- من حَمْل «أو» على التسوية؛ لِما يقتضيه سياق القصّة، وحَمْل السبعين على المبالغة.
قال ابن المنيّر: ليس عند أهل البيان تردد أن التخصيص بالعدد في هذا السياق غير مراد. انتهى.
وأيضًا فشرط القول بمفهوم الصفة، وكذا العدد عندهم مماثلة المنطوق للمسكوت، وعدم فائدة أخرى، وهنا للمبالغة فائدة واضحة، فأشكل قوله: «سأزيد على السبعين» مع أن حُكم ما زاد عليها حُكمها.
وقد أجاب بعض المتأخرين عن ذلك بأنه إنما قال: «سأزيد على السبعين» استمالةً لقلوب عشيرته، لا أنه إن زاد على السبعين يُغفر له، ويؤيّده تردده في قوله: «لو أعلم أني إن زدت على السبعين يُغفر له لزدت»، لكن ثبتت الرواية بقوله: «سأزيد» ووعْدُهُ صادق، ولا سيما، وقد ثبت قوله: «لأزيدنّ» بصيغة المبالغة في التأكيد.
وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون فَعَلَ ذلك استصحابًا للحال؛ لأن جواز المغفرة بالزيادة كان ثابتًا قبل مجيء الآية، فجاز أن يكون باقيًا على أصله في الجواز، وهذا جواب حسن.
وحاصله: أن العمل بالبقاء على حكم الأصل مع فهم المبالغة لا يتنافيان، فكأنه جوّز أن المغفرة تحصل بالزيادة على السبعين، لا أنه جازم بذلك، ولا يخفى ما فيه.
وقيل: إن الاستغفار يتنزّل منزلة الدعاء … فإذا تعذّرت المغفرة عُوّض الداعي عنها بما يليق به، من الثواب، أو دفع السوء، كما ثبت في الخبر، وقد يحصل بذلك عن المدعوّ لهم تخفيف، كما في قصّة أبي طالب، هذا معنى ما قاله ابن المنيّر.
قال الحافظ: وفيه نظر لأنه يستلزم مشروعية طلب المغفرة لمن تستحيل المغفرة له شرعًا، وقد ورد إنكار ذلك في قوله تعالى: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية [التوبة (113)].
ووقع في أصل القصّة إشكال آخر، وذلك أنه – صلى الله عليه وسلم – أطلق أنه خُيّر بين الاستغفار لهم، وعدمه بقوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: (80)]، وأخذ بمفهوم العدد من السبعين، فقال: «سأزيد عليها»، مع أنه سبق قبل ذلك بمدّة طويلة نزول قوله تعالى: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى} [التوبة (113)]، فإن هذه الآية نزلت في قصّة أبي طالب، حين قال – صلى الله عليه وسلم -: «لأستغفرنّ لك، ما لم أُنْهَ عنك»، فنزلت، وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة اتفاقًا، وقصة عبد الله بن أُبيّ هذه في السنة التاسعة من الهجرة، كما تقدّم، فكيف يجوز مع ذلك الاستغفار للمنافقين مع الجزم بكفرهم في نفس الآية؟
قال الحافظ: وقد وقفت على جواب لبعضهم عن هذا، حاصله أن المنهي عنه استغفارٌ تُرجى إجابته حتى يكون مقصوده تحصيل المغفرة لهم، كما في قصّة أبي طالب، بخلاف الاستغفار لمثل عبد الله بن أُبيّ، فإنه استغفار لقصد تطييب قلوب من بقي منهم.
قال الحافظ: وهذا الجواب ليس بمرضي عندي، ونحوه قول الزمخشريّ، فإنه قال:
فإن قلت: كيف خفي على أفصح الخلق، وأخبَرِهم بأساليب الكلام، وتمثيلاته أن المراد بهذا العدد أن الاستغفار، ولو كثر لا يُجدي، ولا سيما وقد تلاه قوله: {ذَلِكَ بِأنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ} الآية [التوبة (80)]، فبيَّن الصارف عن المغفرة لهم؟
قلت: لم يَخفَ عليه ذلك، ولكنه فعل ما فعل، وقال ما قال، إظهارًا لغاية رحمته، ورأفته على من بُعث إليهم، وهو كقول إبراهيم عليه السلام: {ومَن عَصانِي فَإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم (36)]، وفي إظهار النبيّ – صلى الله عليه وسلم – الرأفة المذكورة لُطف، بأمته، وباعث على رحمة بعضهم بعضًا. انتهى.
وقد تعقّبه ابن المنيّر وغيره، وقالوا: لا يجوز نسبة ما قاله إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله أخبر أنه لا يغفر للكفار، وإذا كان الله لا يغفر لهم، فطلب المغفرة لهم مستحيل، وطلب المستحيل لا يقع من النبيّ – صلى الله عليه وسلم -.
ومنهم من قال: إن النهي عن الاستغفار لمن مات مشركًا لا يستلزم النهي عن الاستغفار لمن مات مظهرًا للإسلام؛ لاحتمال أن يكون معتقده صحيحًا.
وهذا جواب جيّد، وقد رجّح الحافظ في تفسير «سورة القصص» أن نزول الآية، كان متراخيًا عن قصة أبي طالب جدًّا، وأن الذي نزل في قصته: {إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ} الآية [القصص (56)].
قال: إلا أن في بقية هذه الآية من التصريح بأنهم كفروا بالله ورسوله ما يدلّ على أن نزول ذلك وقع متراخيًا عن القصّة، ولعلّ الذي نزل أوّلًا، وتمسّك به النبيّ – صلى الله عليه وسلم – قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة (80)] إلى هنا خاصّة، ولذلك اقتصر في جواب عمر على التخيير، وعلى ذِكر السبعين، فلما وقعت القصّة المذكورة كشف الله عنهم الغطاء، وفَضَحهم على رؤوس الملأ، ونادى عليهم بأنهم كفروا بالله، ورسوله.
قال: وإذا تأمل المنصف وجد الحامل لمن ردّ الحديث، أو تعسّف في التأويل ظَنُّهُ بأن قوله: {ذَلِكَ بِأنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ} نزل مع قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} أي: نزلت الآية كاملة؛ لأنه لو فُرض نزولها كاملة لاقترن بالنهي العلة، وهي صريحة في أن قليل الاستغفار، وكثيره لا يُجدي، وإلا فإذا فُرض ما حرّرته أن هذا القَدْر نزل متراخيًا عن صدر الآية ارتفع الإشكال، وإذا كان الأمر كذلك، فحجة المتمسّك من القصّة بمفهوم العدد صحيح، وكون ذلك وقع من النبيّ – صلى الله عليه وسلم – متمسّكًا بالظاهر على ما هو المشروع في الأحكام إلى أن يقوم الدليل الصارف عن ذلك لا إشكال فيه، فللَّه الحمد على ما ألهم، وعلّم. انتهى كلام الحافظ ملخصًا [«الفتح» (197) – (199)، «كتاب التفسير» رقم ((4670))]، وهو بحث جيدٌ، وكلام مفيد، والله
تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (43/ 221)].
وإذا استشكلوا طلب المغفرة من إبراهيم لمن عصاه كما في الآية: {ومَن عَصانِي فَإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
فالجواب:
قال ابن كثير
وَقَالَ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ} يَنْبَغِي لِكُلِّ دَاعٍ أَنْ يَدْعُوَ لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِذُرِّيَّتِهِ.
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ افْتَتَنَ بِالْأَصْنَامِ خَلَائِقُ مِنَ النَّاسِ وَأَنَّهُ بَرِئٌ مِمَّنْ عَبَدَهَا، وَرَدَّ أَمْرَهُمْ ((1)) إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ ((2)) وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ ((3)) كَمَا قَالَ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْمَائِدَةِ: (118)]، *وَلَيْسَ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنَ الرَّدِّ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا تَجْوِيزُ ((4)) وُقُوعِ ذَلِكَ.* تفسير ابن كثير
قال ابن القيم
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَاذَا الْبَلَدَ آمِنا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُور رَّحِيم (36)} [إبراهيم (35) – (36)]
وَلَمْ يَقُلْ: فَإنَّكَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، لِأنَّ المَقامَ مَقامُ اسْتِعْطافٍ وتَعْرِيضٍ بِالدُّعاءِ، أيْ إنْ تَغْفِرْ لَهم وتَرْحَمْهُمْ، بِأنْ تُوَفِّقَهم لِلرُّجُوعِ مِنَ الشِّرْكِ إلى التَّوْحِيدِ، ومِنَ المَعْصِيَةِ إلى الطّاعَةِ، كَما في الحَدِيثِ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإنَّهم لا يَعْلَمُونَ».
وَفِي هَذا أظْهَرُ الدِّلالَةِ عَلى أنَّ أسْماءَ الرَّبِّ تَعالى مُشْتَقَّةٌ مِن أوْصافٍ ومَعانٍ قامَتْ بِهِ، وأنَّ كُلَّ اسْمٍ يُناسِبُ ما ذُكِرَ مَعَهُ، واقْتَرَنَ بِهِ، مِن فِعْلِهِ وأمْرِهِ، واللَّهُ المُوَفِّقُ لِلصَّوابِ. تفسير ابن القيم
قال الطبري
وقوله {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}
يقول: فمن تبعني على ما أنا عليه من الإيمان بك وإخلاص العبادة لك وفراق عبادة الأوثان، فإنه مني: يقول: فإنه مستنّ بسنَّتِي، وعامل بمثل عملي * {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يقول: ومن خالف أمري فلم يقبل مني ما دعوته إليه، وأشرك بك، فإنه غفور لذنوب المذنبين الخَطائين بفضلك، ورحيم بعبادك تعفو عمن تشاء منهم.* تفسير الطبري
قال البغوي
{فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} أَيْ: مِنْ أَهْلِ دِينِي، {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ السُّدِّيُّ: مَعْنَاهُ: وَمَنْ عَصَانِي ثُمَّ تَابَ.
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: وَمَنْ عَصَانِي فِيمَا دُونَ الشِّرْكِ.
وَقِيلَ: قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ ((5)). تفسير البغوي
قال القرطبي
(فَمَنْ تَبِعَنِي) فِي التَّوْحِيدِ.
(فَإِنَّهُ مِنِّي) أَيْ مِنْ أَهْلِ دِينِي.
(وَمَنْ عَصانِي) أَيْ أَصَرَّ عَلَى الشِّرْكِ.
(فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قِيلَ: قَالَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُعَرِّفَهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ. وَقِيلَ: غَفُورٌ رَحِيمٌ لِمَنْ تَابَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حيان: “وَمَنْ عَصانِي” فيما دون الشرك.
تفسير القرطبي
(المسألة الثانية): الصلاة والترحم على الفاسق
سئل فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله، ونصه: “عندما يموت شخص مسلم ولكنه فاسق في حياته فهل يجوز الترحم عليه؟
جـ: نعم يجوز الترحم عليه، والدعاء له بالعفو والمغفرة، كما يصلى عليه صلاة الجنازة إذا كان فاسقا لا كافرا، والله المستعان”. [مجموع فتاوى للإبن باز (ت (1420)) (6/ 395)].
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ما رأيكم فيمن يخرج من الصلاة إذا علم أن الميت من أصحاب المعاصي، وقصده في ذلك تعظيم هذه المعاصي وزجر الناس؟
فأجاب فضيلته بقوله: العاصي إذا لم تخرجه معصيته عن الإسلام فهو من أحق الناس بالصلاة عليه، لأنه محتاج للدعاء فينبغي أن يُصلّى على العاصي ليدعو له، ويشفع له، ولا ينبغي الخروج وترك الصلاة،
اللهم إلا إذا كان الرجل له أهمية في البلد، ويكون الميت قد أعلن فسقه، ورأى أن المصلحة أن لا يصلي عليه فلا بأس. [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين – ابن عثيمين (ت (1421))].
(المسألة الثالثة): هل يصلى على المنافق؟
سبق التفريق بين النفاق العملي والنفاق الاعتقادي في التمهيد.
“وأمّا الِاسْتِغْفارُ لِلْمُؤْمِنِينَ عُمُومًا؛ فَقَدْ قالَ تَعالى: {واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ولِلْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: (19)].
وقَدْ أمَرَ اللَّهُ بِالصَّلاةِ عَلى مَن يَمُوتُ، وكانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَسْتَغْفِرُ لِلْمُنافِقِينَ حَتّى نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ.
فَكُلُّ مُسْلِمٍ لَمْ يُعْلَمْ أنَّهُ مُنافِقٌ جازَ الِاسْتِغْفارُ لَهُ والصَّلاةُ عَلَيْهِ، وإنْ كانَ فِيهِ بِدَعَةٌ أوْ فِسْقٌ، لَكِنْ لا يَجِبُ عَلى كُلِّ أحَدٍ أنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ.
وإذا كانَ فِي تَرْكِ الصَّلاةِ عَلى الدّاعِي إلى البِدْعَةِ والمُظْهِرِ لِلْفُجُورِ مَصْلَحَةٌ مِن جِهَةِ انْزِجارِ النّاسِ، فالكَفُّ عَنِ الصَّلاةِ كانَ مَشْرُوعًا لِمَن كانَ يُؤْثِرُ تَرْكَ صَلاتِهِ فِي الزَّجْرِ بِأنْ لا يُصَلّى عَلَيْهِ؛ كَما قالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِيمَن قَتَلَ نَفْسَهُ: ((صَلُّوا عَلى صاحِبِكُمْ))، وكَذَلِكَ قالَ فِي الغالِّ: ((صَلُّوا عَلى صاحِبِكُمْ))، وقَدْ قِيلَ لِسُمْرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ: إنَّ ابْنَكَ لَمْ يَنَمِ البارِحَةَ. فَقالَ: أبَشَمًا؟ قالُوا: بَشَمًا. قالَ: لَوْ ماتَ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ. يَعْنِي: لِأنَّهُ يَكُونُ قَدْ قَتَلَ نَفْسَهُ. [منهاج السنة النبوية — ابن تيمية (ت (728))، (5/ 235 – 236)].
قالَ ابْنُ الأثِيرِ فِي النِّهايَةِ: البَشَمُ: التُّخَمَةُ مِنَ الدَّسَمِ.
وسئل فضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز، ونصه: إذا عرف أن الميت منافق فهل يصلى عليه؟
فأجاب: لا يصلى عليه؛ لقوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة:84]، إذا كان نفاقه ظاهرًا، أما إذا كان ذلك مجرد تهمة فإنه يصلى عليه؛ لأن الأصل وجوب الصلاة على الميت المسلم فلا يترك الواجب بالشك. [مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (13/ 160)].
(المسألة الثانية): حكم سب الكفار؟
قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ” …
أما سبهم: فلا يسبون بعد الموت؛ يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا))، رواه البخاري في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أفضوا إلى الله، الله يجازيهم بأعمالهم فلا حاجة إلى سبهم.
لكن ذكر جماعة من أهل العلم: أنه لا بأس بسب من اشتهر بالضلال والكفر والدعوة إلى الباطل من باب التحذير ولو بعد الموت؛ كما يقال: قاتل الله فضرعون .. لعن الله فرعون .. لعن الله دعاة الضلالة، لعن الله أبا جهل وما أشبه ذلك من دعاة الضلالة؛ من باب التنفير من أعمالهم القبيحة، هذا قاله جماعة من أهل العلم من باب التنفير، وإن ترك سبه عملًا بهذا الحديث: ((لا تسبوا الأموات))، فهذا من باب الاحتياط، وهو أحسن وأولى. نعم”. [حكم الدعاء لتاركي الصلاة والكفرة والاستغفار لهم، نور على الدرب للإمام ابن باز رحمه الله].