277 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———–‘———–‘———–
مسند أحمد:
18825 – حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، أَوْ تَرَوْا الْهِلَالَ، وَصُومُوا وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، أَوْ تَرَوْا الْهِلَالَ ”
قال محققو المسند:
إسناده صحيح كسابقه، رجاله ثقات رجال الشيخين. عبد الرحمن: هو ابن مهدي.
وأخرجه النسائي في “المجتبى” 4/ 135 – 136، وفي “الكبرى” (2437)، والبزار في “البحر الزخار” (2856) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق (7337)، والدارقطني 2/ 161 من طريق إسحاق الأزرق، و2/ 162 من طريق ابن عُلية ثلاثتهم عن سفيان، به.
وأخرجه ابن أبي شيبة 3/ 20 – 21 من طريق أبي الأحوص، والطحاوي في “شرح معاني الآثار” 1/ 438 من طريق زهير- وهو ابن معاوية- والدارقطني 2/ 161 من طريق عبيدة بن حميد، ثلاثتهم عن منصور، به.
وأخرجه أبو داود (2326)، والنسائي في “المجتبى” 4/ 135، وفي “الكبرى” (2436)، والبزار في “البحر الزخار” (2855)، وابن خزيمة (1911)، وابن حبان (3458)، والبيهقي 4/ 208 من طريق جرير، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة.
قال النسائي- كما في “التحفة” 3/ 28 – : لا أعلم أحداً من أصحاب منصور قال في هذا الحديث: “عن حذيفة” غير جرير. وبمثل قوله قال البزار.
وقال البيهقي: وصله جرير عن منصور بذكر حذيفة فيه، وهو ثقة حجة.
قال الزيلعي في “نصب الراية” 2/ 439: قال ابن الجوزي: وحديث حذيفة هذا ضعَّفه أحمد … قال في “التنقيح”: وهذا وهم منه، فإن أحمد إنما أراد أن الصحيح قول من قال: عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام، وإن تسمية حذيفة وهم من جرير، فظن ابن الجوزي أن هذا تضعيف من أحمد للحديث، وأنه مرسل، وليس هو بمرسل، بل متصل، إما عن حذيفة، وإما عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام، وجهالة الصحابة غير قادحة في صحة الحديث، قال: وبالجملة، فالحديث صحيح، ورواته ثقات محتج بهم في الصحيح. انتهى.
وأخرجه النسائي في “المجتبى” 4/ 136، وفي “الكبرى” (2438)، والدارقطني في “السنن” 2/ 160 – 161 من طريق حجاج بن أرطاة، عن منصور، عن ربعي بن حراش عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، وزاد: “فإن غَمَّ عليكم فأتموا شعبان ثلاثين إلا أن تروا الهلال قبل ذلك، ثم صوموا رمضان ثلاثين، إلا أن تروا الهلال قبل ذلك”. قال النسائي- كما في “التحفة” 3/ 28: وحجاج
ضعيف لا تقوم به حُجة.
وفي الباب عن أبي هريرة، سلف برقم (9654).
وعن ابن عباس عند أبي داود (2327)، والنسائي 4/ 136.
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند
والحديث ذكره في الصحيح المسند 302، لكن عن حذيفة، ونقل عن أبي داود انه قال: ورواه سفيان وغيره عن منصور عن ربعي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انتهى
وهو الراجح، رجح ذلك النسائي كما سبق نقله محققو المسند
—”’———”’———
مسألة: بم يثت دخول رمضان؟
يثبت بامرين:
1 – رؤية الهلال
2 – إكمال عدة شعبان.
[الصوم و الفطر برؤية الهلال]
قال ابن دقيق العيد: الكلام عليه من وجوه:
أحدها: أنه يدل على تعليق الحكم بالرؤية. ولا يراد بذلك: رؤية كل فرد، بل مطلق الرؤية. ويستدل به على عدم تعليق الحكم بالحساب الذي يراه المنجمون. وعن بعض المتقدمين: أنه رأى العمل به. وركن إليه بعض البغداديين من المالكية. وقال به بعض أكابر الشافعية بالنسبة إلى صاحب الحساب. وقد استشنع هذا، لما حكي عن مطرف بن عبد الله من المتقدمين قال بعضهم: ليته لم يقله. والذي أقول به: إن الحساب لا يجوز أن يعتمد عليه في الصوم، لمفارقة القمر للشمس، على ما يراه المنجمون، من تقدم الشهر بالحساب على الشهر بالرؤية بيوم أو يومين. فإن ذلك إحداث لسبب لم يشرعه الله تعالى. ” إحكام الاحكام ” (2/ 8).
قال العلامة الألباني: حديث ابن عمر مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا … ) إلى آخر الحديث.
هذا الحديث صريح الدلالة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربط الأمر في الدخول في شهر رمضان وصيامه برؤية هلاله، فيقول: (إذا رأيتموه فصوموا) ولا شك أن هذه الرؤية هي الرؤية البصرية وليست الرؤية العلمية، ولا يحتاج هذا إلى تدليل؛ لا سيما وقد قال في آخر الحديث: (فإن غم عليكم فاقدروا له) وفي رواية أخرى: (فأتموا شعبان ثلاثين) فإن غم، أي: كان هناك في السماء غيم أو سحاب أو ضباب أو قتار، أو نحو ذلك من الموانع الطبيعية الكونية التي تمنع الناس عادة من رؤية الهلال بأبصارهم، إذا كان الأمر كذلك فالواجب عليهم أن يتموا شعبان ثلاثين يوماً، سواءً أفطروه أو صاموه.
قال العباد: يعني: لا تصوموا رمضان حتى تروا هلال رمضان، ولا تفطروا حتى تروا هلال شوال، وهذا معناه أن الأمر منوط برؤية الهلال لا بالحساب، فينظر ليلة الثلاثين من شعبان فإن رئي الهلال صام الناس وإن لم يروه أكملوا عدة شعبان، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً)، وهذا يبين أنه إن رؤي ليلة الثلاثين صار الشهر ناقصاً، وإن لم يُرَ أُكمل الشهر، كاملاً ثم يصبح الناس صائمين بعد الثلاثين؛ لإكمال العدة، فالشهر لا يزيد عن ثلاثين كما أنه لا ينقص عن تسع وعشرين. شرح سنن ابي داود.
قال ابن بطال: ونحن نرى الشهر يكون مرة ثلاثين ومرة تسعة وعشرين فعلم أن قوله: (الشهر تسع وعشرون)، أن ذلك قد يكون فى بعض الأحوال، وقد جاء هذا عن ابن عمر، عن النبى، عليه السلام، بينا فى قوله: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا يعنى: مرة تسعا وعشرين، ومرة ثلاثين). وروى عن عروة، عن عائشة نها أنكرت قول من قال أن النبى، عليه السلام، قال: (الشهر تسع وعشرون)، وقالت لا والله ما قال كذلك، إنما قال حين هجرنا: لأهجرنكم شهرا، وأقسم على ذلك، فجاءنا حين ذهب تسع وعشرون ليلة، فقلت: يا رسول الله إنك أقسمت شهرا فقال: (إن الشهر كان تسعا وعشرين ليلة). شرح صحيح البخاري
[كيفية إثبات هلال رمضان]
يثبت بشهادة الواحد على رؤية هلال رمضان كما جاء عن ابن عمر قال: تراءى الناسُ الهلالَ، فَأخْبَرْتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه. صحيح أبو داود
قال الترمذي والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم قالوا تقبل شهادة رجل واحد في الصيام وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد انتهى.
اختلاف أهل العلم على قولين:
قال ابن قدامة: المشهور عن أحمد أنه يقبل في هلال رمضان قول واحد عدل ويلزم الناس الصيام بقوله وهو قول عمر وعلي وابن عمر و ابن مبارك و الشافعي في الصحيح عنه وروي عن أحمد أنه قال: اثنين اعجب إلي قال أبو بكر: إن رآه وحده ثم قدم المصر صام الناس بقوله على ما روى في الحديث وإن كان الواحد في جماعة الناس فذكر أنه رآه دونهم لم يقبل إلا قول اثنين لأنهم يعاينون ما عاين وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه لا يقبل إلا شهادة اثنين وهو قول مالك و الليث و الأوزاعي و إسحق لما روى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب الناس في اليوم الذي يشك فيه فقال إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وسألتهم وانهم حدثوني [أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين وإن شهد شاهدان ذوا عدل فصوموا وأفطروا] رواه النسائي ولأن هذه شهادة على رؤية الهلال فأشبهت الشهادة على هلال شوال وقال أبو حنيفة في الغيم كقولنا وفي الصحو لا يقبل إلا الاستفاضة لأنه لا يجوز أن تنظر الجماعة إلى مطلع الهلال وأبصارهم صحيحة والموانع مرتفعة فيراه واحد دون الباقين ولنا ما روى ابن عباس قال [جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال رأيت الهلال قال أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله؟ قال: نعم قال: يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا] رواه أبو داود و النسائي و الترمذي و [روى ابن عمر قال: تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه و سلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه] رواه أبو داود ولأنه خبر عن وقت الفريضة فيما طريقه المشاهدة فقبل من واحد كالخبر بدخول وقت الصلاة ولأنه خبر ديني يشترك فيه المخبر والمخبر فقبل من واحد عدل كالرواية وخبرهم إنما يدل بمفهومه وخبرنا اشهر منه وهو يدل بمنطوقه فيجب تقديمه ويفارق الخبر عن هلال شوال فإنه خروج من العبادة وهذا دخول فيها
وحديثهم في هلال شوال يخالف مسألتنا. ” المغني” (3/ 96).
قال العلامة ابن عثيمين: والصيام بشهادة واحد مقتضى القياس؛ لأن الناس يفطرون بأذان الواحد ويمسكون بأذان الواحد، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم».
والعدل في اللغة: هو المستقيم، وضده المعوج.
وفي الشرع: من قام بالواجبات، ولم يفعل كبيرة، ولم يصر على صغيرة.
والمراد بالقيام بالواجبات أداء الفرائض كالصلوات الخمس.
والمراد بالكبيرة كل ذنب رتب عليه عقوبة خاصة، كالحد والوعيد واللعن ونحو ذلك مثاله النميمة، فإذا نم الإنسان مرة واحدة ولم يتب فليس بعدل. …
ولكن ينبغي أن يقال: إن الشهادة في الأموال ليست كالشهادة في الأخبار الدينية، ففي الأموال يجب أن نشدد، لا سيما في هذا العصر لكثرة من يشهدون زوراً، لكن في الشهادة الدينية يبعد أن يكذب الإنسان فيها، إلا أن يكون هناك مغريات توجب أن يكذب. الشرح الممتع (6/ 313 – 314). باختصار
قال الإثيوبي في شرح النسائي
-: الذي يترجح عندي قول من قال: يثبت هلال رمضان بشهادة رجل واحد؛ لصحة حديث عكرمة عن ابن عباس – رضي اللَّه تعالى عنهما -، الذي تقدّم للمصنّف، وحديث ابن عمر – رضي اللَّه تعالى عنهما – عند أبي داود وغيره، فهذا القول فيه الجمع بين الأدلّة، كما تقدّم، وأما الإفطار فلا بدّ من شاهدين؛ لصحة حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وحديث أمير مكة من غير معارض لهما، كما تقدّم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. شرح المجتبى (20/ 292 – 293).
و هو قول ابن باز في المجموع (15/ 61)، وقول العلامة العباد في شرح سنن أبي داود.
[حكم صيام يوم الشك]
قال صلى الله عليه و سلم: ” لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه” (رواه مسلم في (الصيام) برقم (1082)).
قال الألباني: هذا الحديث الذي ينهى المسلم أن يتقدم بين يدي رمضان بصوم يوم أو يومين، في الوقت ذاته يوضح أنه لا مانع من صيام ما كان معتاداً له قبل رمضان، إذا كان له عادة أن يصوم -مثلاً- ثلاثة أيام من كل شهر، وجاء رمضان فله أن يصوم هذه الثلاثة الأيام، له أن يصوم يومين، له أن يصوم يوماً واحداً ما دام أنه لم يقصد الصيام من أجل رمضان؛ لأن رمضان أيامه محدودة، وإنما صام تنفيذاً لتلك العادة المشروعة التي كان عليها.
قال ابن باز: لا يجوز صيام يوم الشك ولو كانت السماء مغيمة هذا الصواب. نور على الدرب
وعن عمار بن ياسر – رضي الله عنه – قال: «من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم – صلى الله عليه وسلم -». ذكره البخاري تعليقا، ووصله الخمسة، وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
قال الصنعاني: ومعناه مستفاد من أحاديث النهي عن استقبال رمضان بصوم وأحاديث الأمر بالصوم لرؤيته.
واعلم أن يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال في ليله بغيم ساتر أو نحوه فيجوز كونه من رمضان وكونه من شعبان والحديث وما في معناه يدل على تحريم صومه وإليه ذهب الشافعي واختلف الصحابة في ذلك منهم من قال بجواز صومه ومنهم من منع منه وعده عصيانا؛ لأبي القاسم والأدلة مع المحرمين وأما ما أخرجه الشافعي عن فاطمة بنت الحسين أن عليا – عليه السلام – قال “: لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان ” فهو أثر منقطع على أنه ليس في يوم شك مجرد بل بعد أن شهد عنده رجل على رؤية الهلال فصام وأمر الناس بالصيام وقال: لأن أصوم إلخ ومما هو نص في الباب حديث ابن عباس «فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالا» أخرجه أحمد وأصحاب السنن وابن خزيمة وأبو يعلى وأخرجه الطيالسي بلفظ «ولا تستقبلوا رمضان بيوم من شعبان» وأخرجه الدارقطني وصححه ابن خزيمة في صحيحه ولأبي داود من حديث عائشة «كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره يصوم لرؤية الهلال أي هلال رمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام» وأخرج أبو داود من حديث حذيفة مرفوعا «لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة» وفي الباب أحاديث واسعة دالة على تحريم صوم يوم الشك. ” سبل السلام ” (ج 1/ 558).
قال ابن عبدالبر: واستحب بن عباس وجماعة من السلف – رحمهم الله – أن يفصلوا بين شعبان ورمضان بفطر يوم أو أيام كما كانوا يستحبون أن يفصلوا بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو قيام أو مشي أو تقدم أو تأخر من المكان. الإستذكار (3/ 371).
وقال الشوكانيّ في “السيل الجرّار”: الواردُ في هذه الشريعة المطهرة الصوم للرؤية، أو لكمال العدّة، ثم زاد الشارع هذا إيضاحًا وبيانًا، فقال: “فإن غمّ عليكم، فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين يومًا، فهذا بمجرّده يدلّ على المنع من صوم يوم الشكّ، فكيف، وقد انضمّ إلى ذلك ما هو ثابت في “الصحيحين” وغيرهما من نهيه – صلى اللَّه عليه وسلم – لأمته عن أن يتقدّموا رمضان بيوم أو يومين، فإذا لم يكن هذا نهيًا عن صوم يوم الشكّ، فلسنا ممن يَفهَم كلامَ العرب، ولا ممن يَدري بواضحه، فضلاً عن غامضه، ثم انضمّ إلى ذلك حديث عمار -يعني حديث الباب- فذكره، وذكر تصحيحه عن الترمذيّ، وابن خزيمة، وابن حبّان. انتهى.
قال الجامع (محمد بن أدم) – عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر أن المذهب الراجح أنه لا يجوز صوم يوم الشكّ مطلقًا، لا نفلاً، ولا غيره، إلا من كان له عادة بصومه، كما استثناه النصّ الصريح، وما عدا هذا مما سمعت من الأقوال المنتشرة المتخالفة غير صحيح؛ لمخالفته لما صحّ عن رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم -، فتبصّر بالإنصاف، ولا تَتَهَوَّر بتقليد ذوي الاعتساف. واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا، ونعم الوكيل. شرح المجتبى (21/ 37).
قال العلامة أحمد النجمي: يؤخذ من الحديث أنه لا يجوز صيام يوم الشك بنية الاستقبال لرمضان وهل يحمل ذلك على الكراهة أو على التحريم هذا محل نظر وخلاف بين أهل العلم والقول بأنه محرم هذا هو الأقرب للصواب. تأسيس الأحكام (3/ 165).
مسألة: من رأى الهلال وحده
– كان مالك بن أنس، والليث بن سعد، وأحمد بن حنبل، يقولون: إذا رأى هلال رمضان وحده صام، وإذا رأى هلال الفطر وحده لم يفطر.
وكان الشافعي يقول: يصوم ويفطر.
وقال أصحاب الرأي: يصوم إذا رأى هلال شهر رمضان.
وقال عطاء، وإسحاق: لا يصوم ولا يفطر.
قال أبو بكر: يصوم ويفطر. انظر ” الاشراف على مذاهب العلماء” لابن المنذر
من رأى هلال رمضان وحده، وردت شهادته، لزمه الصوم وجوبا، عند جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية) وهو مشهور مذهب أحمد، وذلك للآية الكريمة، وهي قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} (1). ولحديث: صوموا لرؤيته (2). . . وحديث: الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون (3).
ولأنه تيقن أنه من رمضان، فلزمه صومه، كما لو حكم به الحاكم.
وروي عن أحمد: أنه لا يصوم إلا في جماعة من الناس.
وقيل: يصوم ندبا احتياطا، كما ذكره الكاساني.
وقال المالكية: إن أفطر فعليه القضاء، وإذا اعتقد عدم وجوب الصوم عليه كغيره لجهله فقولان عندهم في وجوب الكفارة، لأنه ليس بعد العيان بيان، أو عدم وجوب الكفارة، بسبب عدم وجوب الصوم على غيره. الموسوعة الفقهية الكويتية.
ورجح ابن تيمية رحمه الله يصوم مع الناس ويفطر مع الناس
وسئل قدس الله روحه، عن رجل رأى الهلال وحده، وتحقق الرؤية: فهل له أن يفطر وحده؟ أو يصوم وحده؟ أو مع جمهور الناس؟
فأجاب: الحمد لله. إذا رأى هلال الصوم وحده، أو هلال الفطر وحده، فهل عليه أن يصوم برؤية نفسه؟ أو يفطر برؤية نفسه؟ أم لا يصوم ولا يفطر إلا مع الناس؟ عليه ثلاثة أقوال، هي ثلاث روايات عن أحمد: أحدها:
أن عليه أن يصوم، وأن يفطر سرا، وهو مذهب الشافعي.
والثاني: يصوم ولا يفطر إلا مع الناس، وهو المشهور من مذهب أحمد، ومالك، وأبي حنيفة.
والثالث: يصوم مع الناس، ويفطر مع الناس، وهذا أظهر الأقوال: لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون». رواه الترمذي، وقال: حسن غريب.
” الفتاوى الكبرى لابن تيمية ” (2/ 458).
وهو قول العلامة ابن باز في المجموع (15/ 63)، وقول العلامة الالباني في تمام المنة، و هو قول العلامة ابن عثيمين من شرح كتاب الصيام من بلوغ المرام.
حكم رؤية هلال شوال:
قال ابن عبد البر: (أما الشهادة على رؤية الهلال فأجمع العلماء على أنه لا تقبل في شهادة شوال في الفطر إلا رجلان عدلان) ((التمهيد)) (14/ 354).
قال ابن قدامة: (وجملة ذلك أنه لا يقبل في هلال شوال إلا شهادة اثنين عدلين في قول الفقهاء جميعهم، إلا أبا ثور، فإنه قال: يقبل قول واحد) ((المغني)) (3/ 48).
قال النووي: (وأما الفطر فلا يجوز بشهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل) ((شرح النووي)) (7/ 190). وانظر ((مجموع الفتاوى لابن تيمية)) (25/ 186).
وقال ابن باز: (لا بد من شاهدين عدلين في جميع الشهور ما عدا دخول رمضان، فيكفي لإثبات دخوله شخص واحد عدل) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 61،62،64).
وقال ابن عثيمين: (وهلال شوال وغيره من الشهور لا يثبت إلا بشاهدين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا) ((الشرح الممتع)) (6/ 320).
حكم من رأى هلال شوال وحده
من رأى هلال شوال لوحده فإنه لا يفطر حتى يفطر الناس، وهو مذهب الجمهور من الحنفية، والمالكية والحنابلة،، وهو اختيار ابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين
الدليل:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( .. والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)).
فإذا لم يفطر الناس وجب أن لا يفطر
قال ابن تيمية: (فالمنفرد برؤية هلال شوال لا يفطر علانية باتفاق العلماء، إلا أن يكون له عذر يبيح الفطر كمرض وسفر وهل يفطر سرا على قولين للعلماء أصحهما لا يفطر سرًّا) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 204).
قال ابن باز: ( .. يفطر مع الناس، ولا يعمل بشهادة نفسه في أصح أقوال أهل العلم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 63).
قال ابن عثيمين: (وأما في مسألة الفطر فإنه لا يفطر تبعاً للجماعة، وهذا من باب الاحتياط، فنكون قد احتطنا في الصوم والفطر، ففي الصوم قلنا له: صم، وفي الفطر قلنا له: لا تفطر بل صم) ((الشرح الممتع)) (6/ 320).
ويؤخذ من الحديث:
لا يجوز العمل بالحساب الفلكي، ولا الاعتماد عليه في إثبات دخول رمضان.
أجمع أهل العلم على ذلك، وممن نقل الإجماع الجصاص، وابن رشد، والقرطبي، وابن تيمية.
قال ابن تيمية: (نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى لا يجوز، والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 132).
وقال أيضاً: (ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلا ولا خلاف حديث؛ إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غُمَّ الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا. وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصًّا بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه، فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به، فما قاله مسلم) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 132 – 133).
[حكم إثبات هلال رمضان بواسطة المنظار المكبر]
و سئل الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
س: ما هي الطريقة الشرعية التي يثبت بها دخول الشهر؟ وهل يجوز اعتماد حساب المراصد الفلكية في ثبوت الشهر وخروجه؟ وهل يجوز للمسلم أن يستعمل ما يسمى بـ (الدربيل) في رؤية الهلال؟
ج: الطريقة الشرعية لثبوت دخول الشهر أن يتراءى الناس الهلال، وينبغي أن يكون ذلك ممن يوثق به في دينه وفي قوة نظره.
فإذا رأوه وجب العمل بمقتضى هذه الرؤية صوماً إن كان الهلال هلال رمضان، وإفطاراً إن كان الهلال هلال شوال، ولا يجوز اعتماد حساب المراصد الفلكية إذا لم يكن رؤية. فإن كان هناك رؤية ولو عن طريق المراصد الفلكية فإنها معتبرة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا». أما مجرد الحساب فإنه لا يجوز العمل به ولا الاعتماد عليه.
وأما استعمال ما يسمى بـ (الدربيل) وهو المنظار المقرِّب في رؤية الهلال فلا بأس به، ولكن ليس بواجب؛ لأن الظاهر من السنة أن الاعتماد على الرؤية المعتادة لا على غيرها، ولكن لو استعمل فرآه من يوثق به فإنه يعمل بهذه الرؤية، وقد كان الناس قديماً يستعملون ذلك لمَّا كانوا يصعدون (المنائر) في ليلة الثلاثين من شعبان أو ليلة الثلاثين من رمضان فيتراءونه بواسطة هذا المنظار. على كل حال متى ثبتت رؤيته بأي وسيلة فإنه يجب العمل بمقتضى هذه الرؤية لعموم قوله صلى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا»
و أجابت اللجنة الدائمة
ومما جاء فيها: “تجوز الاستعانة بآلات الرصد في رؤية الهلال، ولا يجوز الاعتماد على العلوم الفلكية في إثبات بدء شهر رمضان المبارك أو الفطر”
وانظر: “فتاوى اللجنة الدائمة” (9/ 99).