275 عون الصمد شرح الذيل والمتمم على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———-‘———-‘———
مسند أحمد:
15417 – حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن عبد الله بن سفيان، عن أبيه، قال: يا رسول الله، أخبرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك، قال: ” قل: آمنت بالله، ثم استقم ” قال: يا رسول الله فأي شيء أتقي؟ قال: ” فأشار بيده إلى لسانه ”
قلت (سيف): على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند (قسم الزيادات على الصحيحين)
سبق تحت حديث19431 قلنا أن هشيم لم يسمع يعلى والحديث في مسلم إلى قوله (ثم استقم) وأخرجه أحمد 15417 بسند صحيح فهو على الشرط وكذلك أشار ابن منده في الإيمان أن ابن نمير زادها عن هشام بن عروة عن أبيه عن سفيان بن عبدالله الثقفي مع أن مسلم خرجه عن هشام بن عروة بدونها.
—–‘——–‘——–
والإستقامة: هي سلوكُ الصِّراط المستقيم، وهو الدِّينُ القيِّم من غير تعريج عنه يَمنةً ولا يَسرةً، ويشمل ذلك فعلَ الطَّاعات كلّها، الظاهرة والباطنة، وتركَ المنهيات كُلِّها كذلك، فصارت هذه الوصيةُ جامعةً لخصال الدِّين كُلِّها. ” جامع العلوم والحكم”
و قال أيضا ابن رجب: فأصلُ الاستقامةِ استقامةُ القلب على التوحيد، كما فسر أبو بكر الصِّديق وغيرُه.
فمتى استقام القلبُ على معرفةِ الله، وعلى خشيته، وإجلاله، ومهابته، ومحبته، وإرادته، ورجائه، ودعائه، والتوكُّلِ عليه، والإعراض عما سواه، استقامت الجوارحُ كلُّها على طاعته، فإنَّ القلبَ هو ملكُ الأعضاء، وهي جنودهُ، فإذا استقامَ الملك، استقامت جنودُه ورعاياه، وكذلك فسَّر قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} بإخلاص القصد لله وإرادته وحدَه لا شريكَ له. بتصرف يسير.
قال ابن دقيق العيد: هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم فإنه جمع لهذا السائل في هاتين الكلمتين معاني الإسلام والإيمان كلها فإنه أمره أن يجدد إيمانه بلسانه متذكراً بقلبه وأمره أن يستقيم على أعمال الطاعات والإنتهاء عن جميع المخالفات: إذ لا تأتي الاستقامة مع شيء من الإعوجاج فإنها ضده وهذا كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}. الآية. أي آمنوا بالله وحده، ثم استقاموا على ذلك، وعلى الطاعة إلى أن توفاهم الله عليها. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “استقاموا والله على طاعته ولم يروغوا روغان الثعلب” ومعناه: اعتدلوا على أكثر طاعة الله عقداً وقولاً وفعلاً. وداموا على ذلك، وهذا معنى قوله أكثر المفسرين، وهي معنى الحديث إن شاء الله تعالى. ” شرح الأربعين النووية” ((80) – (81)).
—-
قال النووي: قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثم استقاموا أَيْ وَحَّدُوا اللَّهَ وَآمَنُوا بِهِ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَمْ يَحِيدُوا عَنِ التَّوْحِيدِ وَالْتَزَمُوا طَاعَتَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى أَنْ تُوُفُّوا عَلَى ذَلِكَ. شرح مسلم للنووي).
قال ابن عثيمين: فقوله عليه الصلاة والسلام: ((قل: آمنت)) ليس المراد بذلك مجرد القول باللسان، فان من الناس من يقول: آمنت بالله واليوم الآخر، وما هم بمؤمنين. ولكن المراد بذلك قول القلب واللسان أيضا. أي: أن يقول الإنسان بلسانه، بعد أن يقر ذلك في قلبه، ويعتقده اعتقادا جازما لا شك فيه، لأنه لا يكفي الإيمان بالقلب، ولا الإيمان باللسان، لا بد من الإيمان بالقلب واللسان، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام_ يقول وهو يدعو الناس إلي الإسلام _ يقول: ((يا أيها الناس قولوا لا اله إلا الله تفلحوا)) فقال: ((قولوا)) أي: بألسنتكم. كما انه لا بد من القول بالقلب.
وقوله: ((قل آمنت بالله ثم)) دليل على أن الإستقامة لا تكون إلا بعد الإيمان، وأن من شرط الأعمال الصالحة، أي: من شرط صحتها وقبولها أن تكون مبنية على الإيمان، فلو أن الإنسان عمل بظاهره على ما ينبغي، ولكن باطنه خراب، وفي شك، أو في اضطراب، أو في إنكار وتكذيب، فإن ذلك لا ينفعه، ولهذا اتفق العلماء_ رحمهم الله_ على أن من شروط صحة العبادة وقبولها، أن يكون الإنسان مؤمنا بالله، أي: معترفا به، وبجميع ما جاء من قبله تبارك وتعالى.
ويستفاد من هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان_ إذا قام بعمل_ أن يشعر بأنه قام به لله، وأنه يقوم به بالله، وأنه يقوم به في الله، لأنه لا يستقيم على دين الله إلا بعد الإيمان بالله عز وجل. فيشعر بأنه يقوم به لله، أي مخلصا، وبالله، أي مستعينا، وفي الله، أي متبعا لشرعه، وهذه مستفادة من قوله تبارك وتعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فالأول: قيام لله، والثاني: قيام به، والثالث: قيام فيه، أي: في شرعه، ولهذا نقول: أن المراد بالسراط المستقيم_ في الآية الكريمة_ هو شرع الله عز وجل. ” شرح رياض الصالحين” (ج (2) / (571) – (572)) بتصرف يسير
——
قال ابن السعدي: فهذا الرجل طلب من النبي صلى الله عليه وسلم كلاما جامعا للخير نافعا، موصلا صاحبه إلى الفلاح. فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان بالله الذي يشمل ما يجب اعتقاده: من عقائد الإيمان، وأصوله، وما يتبع ذلك، من أعمال القلوب، والانقياد والاستسلام لله، باطنا وظاهرا، ثم الدوام على ذلك، والإستقامة عليه إلى الممات. وهو نظير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30] فرتب على الإيمان والإستقامة: السلامة من جميع الشرور، وحصول الجنة وجميع المحاب. ” بهجة قلوب الأبرار” (ص (13)).