2748 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله في صحيح مسلم،
(2) – بابُ: سُقُوطِ الذُّنُوبِ بِالِاسْتِغْفارِ تَوْبَةً
(9) – ((2748)) حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا لَيْثٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قاصِّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ أبِي صِرْمَةَ، عَنْ أبِي أيُّوبَ، أنَّهُ قالَ حِينَ حَضَرَتْهُ الوَفاةُ: كُنْتُ كَتَمْتُ عَنْكُمْ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِن رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، يَقُولُ: «لَوْلا أنَّكُمْ تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ اللهُ خَلْقًا يُذْنِبُونَ يَغْفِرُ لَهُمْ»
(10) – ((2748)) حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيْلِيُّ، حَدَّثَنا ابْنُ وهْبٍ، حَدَّثَنِي عِياضٌ وهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ الفِهْرِيُّ، حَدَّثَنِي إبْراهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنْ أبِي صِرْمَةَ، عَنْ أبِي أيُّوبَ الأنْصارِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – أنَّهُ، قالَ: «لَوْ أنَّكُمْ لَمْ تَكُنْ لَكُمْ ذُنُوبٌ، يَغْفِرُها اللهُ لَكُمْ، لَجاءَ اللهُ بِقَوْمٍ لَهُمْ ذُنُوبٌ، يَغْفِرُها لَهُمْ»
(10) – ((2748)) حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيْلِيُّ، حَدَّثَنا ابْنُ وهْبٍ، حَدَّثَنِي عِياضٌ وهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ الفِهْرِيُّ، حَدَّثَنِي إبْراهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنْ أبِي صِرْمَةَ، عَنْ أبِي أيُّوبَ الأنْصارِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – أنَّهُ، قالَ: «لَوْ أنَّكُمْ لَمْ تَكُنْ لَكُمْ ذُنُوبٌ، يَغْفِرُها اللهُ لَكُمْ، لَجاءَ اللهُ بِقَوْمٍ لَهُمْ ذُنُوبٌ، يَغْفِرُها لَهُمْ»
(11) – ((2749)) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ جَعْفَرٍ الجَزَرِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأصَمِّ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، ولَجاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ»
==========
التمهيد:
“مضى الكلام عن التوبة وشروطها وقبولها ووقت صلاحيتها قبل أبواب”.
من ذا الذي ما ساء قط *** ومن له الحسنى فقط
وقال الله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: 45]
“ولا عِصمَةَ لأحَدٍ إلَّا الأنبياءُ -عليهم الصلاة والسلام-؛ ولذلك كان على الإنسانِ إذا وَقَعَ في خَطَأٍ أو مَعصيةٍ أنْ يُبادِرَ بالعَودَةِ والتَّوبةِ إلى الله عزَّ وجلَّ.
وكلّ ابنِ آدَم خَطَّاء، فكلُّ إنسانٍ على وَجْهِ الأرضِ يُذنِبُ ويُكثِرُ من الخَطَأِ، وأفضَلُ بَني آدَمَ الَّذين يُخطِئون ويَعصُون هم التَّوَّابون، الذين إذا أذنَبوا رَجَعوا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ وتابوا، واستَغفَروا في كلِّ وَقتٍ وحينٍ؛ فمِن سَعةِ رَحمةِ اللهِ تَعالى بعِبادِه، وعَفْوِه عنهم أنْ شَرَعَ لهم التَّوبةَ؛ لِيَغفِرَ لهم الذُّنوبَ، ويَمحُوَ عنهُم السَّيِّئاتِ، وجعَلَ بابَ التوبةِ مَفتوحًا في كلِّ وقتٍ إلى أن تَطلُعَ الشَّمسُ مِن مَغرِبِها، أو أنْ تَبلُغَ الرُّوحُ الغَرغَرَةَ”.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
((2)) – (بابُ: سُقُوطِ الذُّنُوبِ بِالِاسْتِغْفارِ تَوْبَةً).
وفي نسخة: ((2)) – (بابُ التَّرْغِيبِ فِي الاسْتِغْفارِ، والرَّجاءِ: فِي سَعَةِ مَغْفِرَةِ اللهِ عز وجل)
وقَدْ رَوى التِّرْمِذِيُّ وقالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ أنَسٍ مَرْفُوعًا: «قالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ يا ابْنَ آدَمَ إنّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلى ما كانَ مِنكَ ولا أُبالِي يا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتنِي غَفَرْتُ لَكَ ولا أُبالِي … ». الحديث.
“فَقَوْلُهُ: «ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ»، عَلَّقَ الغُفْرانَ عَلى الِاسْتِغْفارِ دَلَّ عَلى اعْتِبارِهِ، والمُرادُ: أنَّهُ اسْتَغْفَرَ مِن ذُنُوبِهِ تَوْبَةً، وإلّا فالِاسْتِغْفارُ بِلا تَوْبَةٍ لا يُوجِبُ الغُفْرانَ، ولِهَذا قالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: (بابُ سُقُوطِ الذُّنُوبِ بِالِاسْتِغْفارِ تَوْبَةً)، يُرِيدُ ما فِي مُسْلِمٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «واَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ولَجاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ فَيَغْفِرُ لَهُمْ»، لَكِنَّ الِاسْتِغْفارَ بِلا تَوْبَةٍ فِيهِ أجْرٌ كَغَيْرِهِ مِن ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ واَللَّهُ أعْلَمُ، وقَدْ قالَ اللَّهُ تَعالى: {ومَن يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء (110)] “. [لآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح رحمه الله تعالى].
لكن الظاهر من الآية أنه استغفار مصحوب بتوبة
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(6938)] ((2748)) – شرح الحديث:
(عَنْ أبِي أيُّوبَ) خالد بن زيد الأنصاريّ – رضي الله عنه -، (أنَّهُ قالَ حِينَ حَضَرَتْهُ الوَفاةُ)؛ أي: الموت، (كُنْتُ كَتَمْتُ عَنْكُمْ شَيْئًا) قال النوويّ رحمه الله: إنما كتمه أوّلًا مخافة اتّكالهم على سعة رحمة الله تعالى، وانهماكهم في المعاصي، وإنما حدّث به عند وفاته؛ لئلا يكون كاتمًا للعلم، وربما لم يكن أحد يحفظه غيره، فتعيَّن عليه أداؤه، وهو نحو قوله في الحديث الآخر:» فأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا «؛ أي: خشية الإثم بكتمان العلم، وقد سبق شرحه في» كتاب الإيمان «، والله أعلم. انتهى [» شرح النوويّ” (17) / (64)].
قال صاحب الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة:
والسبب الرئيس في تأخير تبليغ الحديث هو إما اكتفاءً بغيره من الصحابة ممن روى الحديث أو ربما اجتهاداً من الصحابي أنّ الحديث قد يتخذه بعض الناس ذريعة في تقصيرهم في العبادة، ومن ذلك انّ معاذ بن جبل – رضي الله عنه – حين حضرته الوفاة قال: اكشفوا عني سجف القبة، أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. وقال مرة: أخبركم بشيء سمعته من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -،لم يمنعني ان أحدثكموه إلاّ أنْ تتكلوا سمعته يقول: “من شهد أنْ لا إله إلاّ الله مخلصاً من قلبه أو يقيناً من قلبه لم يدخل النار أو دخل الجنة”. وقال مرة:”دخل الجنة ولم تمسه النار ” (4).فالاحتياط والتثبت لا يتعارض مع التبليغ، والصحابة الكرام – رضي الله عنهم – بلّغوا ما سمعوا وأدوا ما يجب عليهم تأديته، ولم يكتموا شيئاً من الدين
الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة (ص14 بترقيم الشاملة آليا)
وقوله: (أنَّكُمْ)؛ أي: أيها المكلفون، أو أيها المؤمنون، (تُذْنِبُونَ).
والمعنى: لولا إذنابكم، فوجود استغفاركم، لخلق الله تعالى خلقًا يُذنبون، فيستغفرون لذنوبهم، فيغفر لهم.
فـ (يَغْفِرُ لَهُمْ) ذنوبهم؛
والمعنى: لو كنتم معصومين كالملائكة لذهب بكم، وجاء بمن يأتي منهم الذنوب؛ لئلا تتعطل صفات الغفران والعفو، فلا تجرئة فيه على الانهماك في الذنوب.
وقال بعضهم: فيه جَعْلُ العُجْب أكبر من الذنوب؛ إذ لو لم يُذنب العبد لاستكثر فِعله، واستحسن عَمَله، فلحظ أفعاله المدخولة، وطاعاته التي هي بالمعاصي أشبه، وإلى النقص أقرب، فيرجع من كنف الله وحِفظه إلى استحسان فعله، فيعجب بنفسه، فيهلك [» فيض القدير «(5) / (342) بتصرّف وزيادة].
[تنبيه]: ذُكر سبب لهذا الحديث، فقد أخرج ابن عساكر عن أنس – رضي الله عنه -؛ أن أصحاب النبيّ – صلى الله عليه وسلم – شَكَوا إليه أنّا نُصيب من الذنوب، فقال لهم: «لولا أنكم تُذنبون لجاء الله بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم».
لكن هو في ذخيرة الحفاظ وقال المقدسي:
رَواهُ مبارك بن سحيم: عَن عبد العَزِيز بن صُهَيْب، عَن أنس، إن أصْحابه (شكوا إلَيْهِ أنا نصيب من الذُّنُوب فَقالَ. ومبارك مَتْرُوك الحَدِيث.
وأخرج البيهقيّ في «شعب الإيمان» عن عبد الله بن عمرو قال: أنزلت {إذا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزالَها ((1))} [الزلزلة (1)]، وأبو بكر قاعد، فبكى أبو بكر، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ما يبكيك يا أبا بكر؟» قال: أبكاني هذه السورة، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لو أنكم لا تخطئون، ولا تذنبون، فيغفر لكم، لَخَلَق الله أمة من بعدكم يخطئون، ويذنبون، فيغفر لهم» [» اللمع في أسباب ورود الحديث” ص (78)]، والله تعالى أعلم.
في إسناده: حُيي بن عبد اللَّه المعافري: مختلف في توثيقه وتضعيفه.
وحديث أبي أيوب الأنصاريّ – رضي الله عنه – هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
“في هذا الحديث: أنه لا يجوز كتمان العلم”.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(6939)] ( … ) – (حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيْلِيُّ، حَدَّثَنا ابْنُ وهْبٍ، حَدَّثَنِي عِياضٌ- وهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ الفِهْرِيُّ- حَدَّثَنِي إبْراهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنْ أبِي صِرْمَةَ، عَنْ أبِي أيُّوبَ الأنْصارِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّهُ قالَ: «لَوْ أنَّكُمْ لَمْ تَكُنْ لَكُمْ ذُنُوبٌ يَغْفِرُها اللهُ لَكُمْ، لَجاءَ اللهُ بِقَوْمٍ لَهُمْ ذُنُوبٌ، يَغْفِرُها لَهُمْ»).
(عِياضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الفِهْرِيُّ) هو: عياض بن عبد الله بن عبد الرحمن المدنيّ، نزيل مصر، فيه لين وإنما أخرج له مسلم في المتابعة
و [(6940)] ((2749)) –
شرح الحديث:
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه -؛ أنه (قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «والَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ) فيه: مشروعيّة الحلف من غير استحلاف؛ إذا اقتضى المقام ذلك، وفيه: إثبات اليد لله – سُبْحانَهُ وتَعالى – على ما يليق بجلاله، من غير تمثيل، ولا تأويل، ولا تعطيل. (فَيَغْفِرُ لَهُمْ) على مقتضى وعده السابق: {إلّا مَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلًا صالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ((70))} [الفرقان:
(70)]، وقوله: {قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ((53))} [الزمر (53)]، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
و “في هذا الحديث: أقسم النبي صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق وإن لم يقسم-، ولكن أقسم لتحقيق هذا الأمر، وكان كثيرًا ما يقسم عليه الصلاة والسلام بقوله: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ)).
وفيه: إثبات اليد لله عز وجل.
وفيه: أن نفوس العباد بيد الله عز وجل، والنفس تطلق على الروح، وتطلق على الروح مع الجسد، وأكثر ما تطلق النفس إذا كانت في الجسد، وإذا كانت وحدها تسمى روحًا.
وفي حديث أبي أيوب رضي الله عنه نصح العلماء وتعلميهم وتربيتهم للناس، مع عدم كتمان العلم، فأبو أيوب رضي الله عنه أنه كتم شيئًا، ثم أخبر به عند موته، كتم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لَوْلَا أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ اللهُ خَلْقًا يُذْنِبُونَ يَغْفِرُ لَهُمْ))، وكتم ذلك لئلَّا يتكل العباد على سعة رحمة الله، وينهمكون في المعاصي، ثم أخبر به عند موته خروجًا من إثم الكتمان، كما فعل معاذ رضي الله عنه لما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بحق الله على عباده، وحق العباد على الله قال: أفلا أبشر الناس؟ قال: ((لا تُبَشِّرْهُمْ، فَيَتَّكِلُوا))، ثم أخبر به معاذ رضي الله عنه عند موته تأثمًا.
والذي ينبغي في مثل هذا: أن يخبر العباد بذلك، ويبين لهم الحكمة، وأن الله سبحانه وتعالى قد قدَّر على العباد الذنوب لما لله في ذلك من الحكمة من رجوع العبد إلى الله، وتوبته من الذنوب، وإقراره بربوبية الله، واعترافه بذنبه إلى آخر العبوديات … “. [توفيق الرب المنعم (8/ (2) 7)].
فوائد الباب:
1 – (منها): بيان سعة رحمة الله ومغفرته.
2 – (ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله: هذا الحديث خبرٌ من الله تعالى عن ممكن مقدور الوقوع، مع عِلم الله تعالى بأنه لا يقع، فحصل منه أن الله تعالى يعلم حال المقدّر الوقوع، كما يعلم حال المحقّق الوقوع، ونحو من هذا قول الله تعالى: {ولَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام (28)]، وقد عبَّر بعض العلماء عن هذا بأن قال: “إن الله تعالى يعلم ما كان، وما يكون، وما لو كان كيف كان يكون”، وحاصل هذا الحديث: أن الله تعالى سبق في علمه أنه يخلق من يعصيه، فيتوب، فيغفر له، فلو قُدِّر أن لا عاصي يظهر في الوجود لذهب الله تعالى بالطائعين إلى جنته، ولخلق من يعصيه، فيغفر له، حتى يوجد ما سبق في علمه، ويظهر من مغفرته ما تضمّنه اسمه الغفّار، ففيه من الفوائد رجاء مغفرته، والطماعية في سعة رحمته. انتهى [«المفهم» (7) / (81)].
3 – (ومنها): ما قاله التوربشتيّ رحمه الله: لم يَرِد هذا الحديث مورد تسلية المنهمكين في الذنوب، وتوهين أمرها على النفوس، وقلة الاحتفال منهم بمواقعتها على ما يتوهمه أهل الغِزة بالله، فإن الأنبياء- صلوات الله عليهم- إنما بُعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب، واسترسال نفوسهم فيها، بل ورد مورد البيان لعفو الله تعالى عن المذنبين، وحُسن التجاوز عنهم؛ ليعظموا الرغبة في التوبة والاستغفار.
فالمعنى المراد من الحديث: هو أن الله تعالى كما أحب أن يُحسن إلى المحسن أحب أن يتجاوز عن المسيء، وقد دلّ على ذلك غير واحد من أسمائه؛ كالغفار، والحليم، والتواب، والعفوّ، فلم يكن ليجعل العِباد شأنًا واحدًا؛ كالملائكة مجبولين على التنزه من الذنوب، بل يخلق فيهم من يكون بطبعه ميالًا إلى الهوى، مفتتنًا ومتلبسًا بما يقتضيه، ثم يكلفه التوقي عنه، ويحذره عن مداناته، ويعرّفه التوبة بعد الابتلاء، فإن وفّى فأجره على الله، وإن أخطأ الطريق فالتوبة بين يديه، فأراد النبيّ – صلى الله عليه وسلم -: إنكم لو كنتم مجبولين على ما جُبلت عليه الملائكة لجاء الله بقوم يتأتى منهم الذنب، فيتجلى عليهم بتلك الصفات على مقتضى الحكمة، فإن الغفار يستدعي مغفورًا، كما أن الرزاق يستدعي مرزوقًا. انتهى [«مرعاة المفاتيح» (8) / (53)].
وقال الشيخ الراجحي: “وفيه: بيان فضل الله تعالى وإحسانه وأنه سبحانه يغفر لعباده، والله سبحانه وتعالى علم أن العباد يذنبون وقدَّر ذلك عليهم؛ لما لله في ذلك من الحكمة، التي منها ظهور آثار أسمائه الحسنى؛ كاسم التواب والرحيم والغفور، فلو لم يكن للعباد ذنوب لما ظهرت للناس آثار هذه الأسماء من أسماء الله الحسنى، ولما وجدت العبوديات المتنوعة كعبودية التوبة-وهي من أحب العبوديات إلى الله- وعبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعبودية الولاء والبراء، وعبودية الحب والبغض في الله، وعبودية الجهاد في سبيل الله، إلى غير ذلك من العبوديات المتنوعة”. [توفيق الرب المنعم (8/ (26))].
والحديث من أحاديث الرجاء، وليس معنى ذلك: التشجيع، تشجيع الناس من أجل أن يقدموا على معصية الله، ويجترئوا عليها، فإنه توجد نصوص أخرى زاجرة، وهي مخوفة.
-فليس في هذا الحديث دليل للمرجئة؛
فهذا الحديث والنصوص التي تدل على أن من اجتنب الشرك دخل الجنة-سواء كانت تلك النصوص من القرآن الكريم أو من السنة النبوية فإن الجواب على ذلك:
“إن هذه النصوص تفيد أن من لم يقع في الشرك مع التوبة والقيام بأمر الله والانتهاء عن نهيه-أن الله يغفر له الذنوب التي هي دون الشرك، فإذا مات على بعض الذنوب يرجى له المغفرة ابتداء، أو يعاقبه الله بذنبه ثم يدخله الجنة، كما هو مذهب السلف في أهل الذنوب حسب ما تفيده النصوص من الكتاب والسنة.
صالح آل الشيخ: العموم في حديث «يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» فَهِمْ من العموم أنَّ هذا يعارض كون صاحب الكبيرة تحت المشيئة إذا مات غير تائب.
وهذا غير وارد لأنَّ النصوص يُصَدِّقُ بعضها بعضاً، والآيات يفسر بعضها بعضاً، والأحاديث يفسر بعضها بعضاً، وكذلك الوعد لا ينافي الوعيد، فقوله «أتيتك بقرابها مغفرة» هذا وعدٌ من الله – عز وجل – لمن حقَّقَ التوحيد لا يُشْرِكُ بالله شيئا، وكون صاحب الكبيرة تحت المشيئة لا يُعَارِضُ هذا الأصل؛ لأنَّ هذا والوعد والوعيد يُطلقان ويكونان على إطلاقهما، وكذلك يجتمعان في حق المعين، فيجتمع في حق المعين الوعد والوعيد، وهذا في حق مرتكب الكبيرة، ويدخُلُ في عموم أهل الإيمان الذين وعدهم الله – عز وجل – بالجنة، كل مؤمن وعَدَهُ الله – عز وجل – بالجنة، يدخل في المسلمين الذين جعل الله – عز وجل – لهم مغفرة وأجرا عظيما كما في آية الأحزاب {الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} إلى قوله {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35] ونحو ذلك.
فأهل السنة والجماعة في مثل هذه الأدلة التي فيها الوعد وفيها الوعيد، يُعمِلُونَ الوعد ويُعمِلُونَ الوعيد والوعد بشرطه والوعيد أيضا بشرطه، فلا مُنافاةَ ما بين الأدلة بل الأدلة يُصدِّق بعضها بعضا.
قال يحيى بن معاذ: ” من أعظم الاغترار عند التمادى فى الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة، وتوقع القرب من الله تعالى بغير طاعة، وانتظار زرع الجنة ببذر النار، وطلب دار المطيعين بالمعاصى، وانتظار الجزاء بغير عمل، والتمنى على الله عز وجل مع الإفراط “.
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها … إن السفينة لا تجرى على اليبس
قال ابن تيمية:
والله – سبحانه – لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب بل يغفر الشرك وغيره للتائبين كما قال – تعالى -: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم}، وهذه الآية عامَّة مطلقة لأنَّها للتائبين!، وأما قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فإنها مقيَّدة خاصَّة لأنَّها في حق غير التائبين! لا يغفر لهم الشرك، وما دون الشرك معلَّق بمشيئة الله – تعالى -. [مجموع الفتاوى (2/ 358)].
وقال ابن تيمية:
وقد قال – تعالى -في كتابه: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فجعل ما دون ذلك الشرك معلَّقا بمشيئته، ولا يجوز أن يُحمل هذا على التائب؛ فإن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره! كما قال – سبحانه – في الآية الأخرى {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً} فهنا عمَّم وأطلق؛ لأن المراد به التائب! وهناك خصَّ وعلَّق. (7/ 484، 485).
وقال ابن القيم:
الوجه الرابع: أن الذنوب تُغفر بالتوبة النصوح، فلو بلغت ذنوب العبد عنان السماء وعدد الرمل والحصا ثم تاب منها: تاب الله عليه قال – تعالى -: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم} فهذا في حق التائب! فإن التوبة تجبُّ ما قبلها، والتائب مِن الذنب كمن لا ذنب له، والتوحيد يكفِّر الذنوب كما في الحديث الصحيح الإلهي ” ابن آدم لو لقيتَني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لقيتُك بقرابِها مغفرة “. ” هداية الحيارى ” (130).
وقال ابن القيم:
وكاتكال بعضهم على قوله – تعالى -: {إن الله يغفر الذنوب جميعاً} وهذا أيضاً مِن أقبح الجهل! فإن الشرك داخل في هذه الآية، فإنه رأس الذنوب وأساسها، ولا خلاف! أن هذه الآية في حق التائبين فإنه يغفر ذنب كلِّ تائبٍ أي ذنب كان.
ولو كانت الآية في حق غير التائبين لبطلت نصوص الوعيد كلها وأحاديث إخراج قوم من الموحدين من النار بالشفاعة، وهذا إنما أوتي صاحبه من قلة علمه وفهمه! فإنه – سبحانه – ها هنا عمَّم وأطلق، فعلم أنه أراد التائبين، وفي سورة ” النساء ” خصَّص وقيَّد فقال {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فأخبر الله – سبحانه – أنَّه لا يَغفر الشرك، وأخبر أنه يغفر ما دونه، ولو كان هذا في حق التائب لم يفرق بين الشرك وغيره. ” الجواب الكافي ” (ص 12).
وقال ابن كثير:
وهذه الآية التي في سورة تنزيل أي: الزمر – مشروطة بالتوبة، فمن تاب من أيِّ ذنب! وقد تكرر منه: تاب الله عليه، ولهذا قال {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} أي: بشرط التوبة، ولو لم يكن كذلك: لدخل الشرك فيه، ولا يصح ذلك!! لأنه – تعالى -قد حكم هاهنا بأنه ” لا يغفر الشرك “! وحكم بأنه يغفر ما عداه لمن يشاء! أي: وإن لم يتب صاحبه، فهذه أرجى من تلك من هذا الوجه، والله أعلم. [” التفسير ” (1/ 512)].
وقال الشنقيطي:
قوله – تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء / 48] ذكر في هذه الآية الكريمة أنه – تعالى -لا يغفر الإشراك به، وأنه يغفر غير ذلك لمن يشاء، وأن من أشرك به فقد افترى إثماً عظيماً.
وذكر في مواضع أخر: أن محل كونه لا يغفر الإشراك به إذا لم يتب المشرك من ذلك، فإن تاب: غفر له، كقواه {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحاً} الآية، فإن الاستثناء راجع لقوله: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} وما عطف عليه؛ لأن معنى الكل جمع في قوله: {ومن يفعل ذلك يلق أثاماً} الآية، وقوله: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغفر لهم ما قد سلف} … [” أضواء البيان ” (1/ 290، 291)].
قال النووي رحمه الله: ” وأما قوله صلى الله عليه – وإن زنى وإن سرق فهو حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار، وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها وختم لهم بالخلود بالجنة) شرح النووي على مسلم (2/ 97).
– كذلك أحاديث الوعيد ليس فيها حجة للخوارج:
قال النووي رحمه الله: في قوله صلى الله عليه وسلم ” تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا … ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه ” رواه مسلم. المراد به ما سوى الشرك وإلا فالشرك لا يغفر له ” شرح مسلم (11/ 223)، ثم ذكر من فوائد الحديث (الدلالة لمذهب أهل الحق أن المعاصي غير الكفر لا يقطع لصاحبها بالنار إذا مات ولم يتب منها، بل هو بمشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه) شرح مسلم (11/ 224)
وراجع أيضا نقولات في شرح الطحاوية في العقيدة السلفية (2/ 255).
قال القاضي عياض:
فأنبأ به ليزول عنه الحرج، مع ما فيه لنفسه من الرجاء عند حضور موته.
وهكذا يجب لمذكر الناس وواعظهم ألا يكثر عليهم من أحاديث الرجاء لئلا ينهمكوا فى المعاصى والتعطيل للأعمال والاتكال، ويكون وعظه أغلب عليه التخويف والتحذير، ولكن على حد لا يؤيس ولا يقنط، والإمام فى ذلك كتاب الله تعالى ووعظه.
واستحبوا لمن حضر حضور ميت وتلقينه أو من اشتد عليه المرض أن يكون الغالب على ذكر من يكون حينئذ عنده آيات الوعد والغفران وأحاديث الرجاء؛ لتطيب نفس الميت بلقاء ربه وبلقائه على ما مات عليه من حسن ظنه برحمته.
وذكر حديث قطن بن نسير، بضم النون وفتح السين مصغراً، ولم يختلف فيه
إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 247)
قال الطبري:
حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الجَوْهَرِيُّ، قالَ: ثنا يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ، عَنِ ابْنِ إسْحاقَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قالَ: قالَ يَعْنِي عُمَرَ: «كُنّا نَقُولُ: ما لِمَنِ افْتُتِنَ مِن تَوْبَةٍ؛ وكانُوا يَقُولُونَ: ما اللَّهُ بِقابِلٍ مِنّا شَيْئًا، تَرَكْنا الإسْلامَ بِبَلاءٍ أصابَنا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – المَدِينَةَ أنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر (53)] الآيَةَ، قالَ عُمَرُ: فَكَتَبْتُها بِيَدِي، ثُمَّ بَعَثْتُ بِها إلى هِشامِ بْنِ العاصِ، قالَ هِشامٌ: فَلَمّا جاءَتْنِي جَعَلْتُ أقْرَؤُها ولا أفْهَمُها، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أنَّها أُنْزِلَتْ فِينا لِما كُنّا نَقُولُ، فَجَلَسْتُ عَلى بَعِيرِي، ثُمَّ لَحِقْتُ بِالمَدِينَةِ»
تفسير الطبري
قال ابن باز:
أهل السنة والجماعة يقولون: يجب الرجاء والخوف، والعبد يسير إلى الله بين الرجاء والخوف، كجناحي الطائر، يخاف الله، ويرجوه، يصلي ويصوم ويتصدق ويحج ويجاهد، وهو مع ذلك يخاف الله ويرجوه، كما قال تعالى عن الرسل وأتباعهم، يقول سبحانه: إِِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا [الأنبياء:90] رغبًا يعني: رجاء، ورهبًا يعني: خوفًا، وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90] وقال سبحانه: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57].
فالمؤمن يرجو رحمة ربه، ويخاف عذابه، فيتقيه دائمًا، فلا يقنط، ولا يأمن، قال تعالى: إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87] قال: لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53] وقال -عز وجل-: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَامَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99] فالواجب الخوف والرجاء لا أمن ولا قنوط، يرجو ربه ولا ييئس، ولا يقنط، ولكن يخاف لا يأمن أيضًا، يخاف عقوبته، يخاف الذنوب وشرها، هكذا المؤمن، وهذا قول أهل السنة والجماعة قاطبة.
فيجب على المؤمن أن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء حتى يلقى ربه.
قال بعض أهل العلم: ينبغي له أن يغلب الرجاء في حال المرض، والخوف في حال الصحة، حتى ينشط في العمل الصالح، وحتى يحذر محارم الله، ولكن المعتمد في هذا أن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء دائمًا دائمًا
فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (4) / (33) — ابن باز
قال الألباني:
1963 – ” لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون فيغفر لهم “.
أخرجه مسلم (8/ 94) والترمذي (2/ 270) وأحمد (5/ 414)
وفيه انقطاعا بين أبي صرمة وهو صحابي اسمه مالك بن قيس – وبين محمد بن قيس ولم
يسمع منه. قال الحافظ في ترجمته من ” التقريب “: ” ثقة من السادسة، وحديثه
عن الصحابة مرسل “. لكن قد تابعه عند مسلم محمد بن كعب القرظي، وقد روي عن
جمع من الصحابة وقد سبق بلفظ: ” لو أنكم لم تكن لكم ذنوب ” (رقم 968).
وذكرنا له هناك بعض الشواهد (969 – 970)، وأشرت إلى هذا الحديث.
وتقدم له شاهدان من حديث أبي هريرة (1950). وحديث أنس بن مالك (1951).
وفي كل منهما زيادة هامة بلفظ ” فيستغفرون الله، فيغفر لهم “. وذلك لأنه
ليس المقصود من هذه الأحاديث – بداهة – الحض على الإكثار من الذنوب والمعاصي،
ولا الإخبار فقط بأن الله غفور رحيم، وإنما الحض على الإكثار من الاستغفار،
ليغفر الله له ذنوبه، فهذا هو المقصود بالذات من هذه الأحاديث، وإن اختصر
ذلك منه بعض الرواة. والله أعلم
سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (4/ 604)
قال ابن العثيمين:
هذه الأحاديث في باب الرجاء، ذكرها المؤلف رحمه الله وهي كثيرة جداً منها: أن الله سبحانه وتعالى أرحم بعباده من الوالدة بولدها، ودليل ذلك قصة المرأة التي كانت في السبي فرأت صبياً، فأخذته وألصقته على صدرها وأرضعته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار)). قالوا لا. قال: ((فالله أرحم بعباده من هذه بولدها)).
وهذا من تمام رحمته سبحانه وتعالى.
وآيات ذلك كثيرة، منها النعم التي تترى علينا، وأعظمها نعمة الإسلام، فإن الله تعالى أضل عن الإسلام أمماً، وهدى عباده المؤمنين لذلك وهي أكبر النعم.
ومنها: أن الله أرسل الرسل إلى الخلق مبشرين ومنذرين؛ لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل.
وكذلك ذكر المؤلف الأحاديث التي فيها أن رحمة الله سبقت غضبه، ولهذا يعرض الله عز وجل المذنبين أن يستغفروا ربهم، حتى يغفر لهم، ولو شاء لأهلكهم ولم يرغبهم في التوبة.
(وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً) [فاطر: 45]، ولهذا قال في الحديث الذي رواه مسلم، قال: ((لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم)).
وهذا ترغيب في أن الإنسان إذا أذنب، فليستغفر الله، فإنه إذا استغفر الله عز وجل بنية صادقة، وقلب موقن فإن الله تعالى يغفر له، (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].
ومنها: أن النبي صلى اله عليه وسلم لما تلا قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الأصنام: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [إبراهيم: 36]، وقول عيسى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة: 118]؛ رفع صلى الله عليه وسلم يديه وبكى، وقال: ((يا رب؛ أمتي أمتي)) فقال الله سبحانه وتعالى لجبريل ((اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولانسوؤك)).
وقد أرضاه الله عز وجل في لأمته، بأن جعل لهذه الأمة أجرها.
مضاعفاً، كما جاء في الحديث الصحيح: أن مثل الأمة مع من سبقها، كمثل رجل استأجر أجراء، من أول النهار إلى الظهر، فأعطاهم على دينار ديناراً، واستأجر أجراء من الظهر إلى العصر وأعطاهم على دينار دينارً، واستأجر أجراء من العصر إلى الغروب وأعطاهم على دينارين دينارين، فاحتج الأولون وقالوا: كيف تعطينا على دينار دينار ونحن أكثر منهم عملاً وتعطي هؤلاء على دينارين دينارين.
فقال لهم الذي استأجرهم: هل ظلمتكم شيئاً؟ قالوا: لا.
وقد أرضاه الله في أمته ولله الحمد من عدة وجوه، منها كثرة الأجر، وأنهم الآخرون السابقون يوم القيامة، وأنها فضلت بفضائل كثيرة،
فالحاصل أن هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف رحمه الله، كلها أحاديث رجاء، تحمل الإنسان على أن يعمل العمل الصالح، يرجو بذلك ثواب الله ومغفرته.
شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (3/ 318)
4 – (ومنها): ما قال الطيبيّ رحمه الله: تصدير الكلام بالقَسَم- يعني: قوله في حديث أبي هريرة الآتي: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا … إلخ» – ردّ لمن يُنكر صدور الذنب عن العباد، ويعدّه نقصًا فيهم مطلقًا، وأن الله تعالى لم يُرِد من العباد صدوره؛ كالمعتزلة، ومن سلك مسلكهم، فنظروا إلى ظاهره، وأنه مفسدة صِرْفة، ولم يقِفوا على سرّه أنه مستجلب للتوبة والاستغفار الذي هو موقع محبّة الله تعالى: {إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ ويُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ} [البقرة (222)]، و «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار … »، و «الله أشد فرحًا بتوبة عبده … » الحديث.
ولعلّ السرّ في هذا إظهار صفة الكرم، والحلم، والغفران، ولو لم يوجد لانثلم طرف من صفات الإلهيّة، والإنسان إنما خليفة الله في أرضه، يتجلّى له بصفات الجلال والإكرام، والقهر واللطف، والملائكة لمّا نظروا إلى الجلال والقهر قالوا: {أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ} [البقرة (30)]، والله تعالى حين نظر إلى صفة الإكرام واللطف قال: {إنِّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ} [البقرة (30)]، وإلى هذا المعنى يلمح قوله – صلى الله عليه وسلم -: «لذهب الله بكم»، ولم يكتف بقوله: «لولم تذنبوا لجاء الله بقوم يُذنبون» [«مرعاة المفاتيح» (8) / (53)]، والله تعالى أعلم”. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف].
5 – (ومنها): “من شأن ابن آدم الخطأ والوقوع في الذنب.
6 – (ومنها): الواجب على المؤمن إذا تلبس بمعصية أن يبادر بالتوبة”.
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى): ” كل بني آدم خطاء ..
هذه القاعدة أصلها هذا الحديث العظيم في قول رسول الله ((كل بني آدم خطاء و خير الخطاءين التوابون)) [[أخرجه أحمد فيمسنده (3/ 198) (ح 13072) والترمذي في سننه (4/ 659) (ح2499) عن أنس، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة عن قتادة، وابن ماجه في سننه (2/ 1420) (ح4251)، وأبو يعلى في مسنده (5/ 301) (ح 2922)، والحاكم في المستدرك (4/ 272) (ح 7617) وصححه. قال الشيخ الألباني: حسن، أنظر حديث رقم: (4515) في صحيح الجامع. وقوله: (كل بني آدم خطاء) بشد الطاء والتنوين يقال رجل خطاء إذا كان ملازما للخطأ وهو من أبنية المبالغة]،
فإن المسلم ينظر إلى بني جنسه من منظار نفسه اللوامة الأمارة بالسوء، وأنه لا يسلم بشر من الخطأ، والتقصير، والغفلة، حاشا الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم – فهم معصومون عن الكبائر وفي الصغائر خلاف بين العلماء، والحديث الآتي يبين أنهم غير معصومين من الصغائر بمعنى الهم أو الخطرات من غير قصد أو عزم كما رجحه غير واحد من العلماء.
قال الصنعاني– رحمه الله – سبل السلام (4/ 180): والحديث دال على أنه لا يخلوا من الخطيئة إنسان لما جبل عليه هذا النوع من الضعف وعدم الانقياد لمولاه في فعل ما إليه دعاه وترك ما عنه نهاه، ولكنه تعالى بلطفه فتح باب التوبة لعباده؛ وأخبر أن خير الخطاءين التوابون المكثرون للتوبة على قدر كثرة الخطأ، وفي الأحاديث أدلة على أن العبد إذا عصى الله وتاب تاب الله عليه؛ ولا يزال كذلك ولن يهلك على الله إلا هالك.
وقد خُصّ من هذا العموم يحيى بن زكريا عليه السلام فإنه قد ورد أنه ما هم بخطيئة، فعن ابن عباس – رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أحد من ولد آدم إلا قد أخطأ أو هم بخطيئة ليس يحيى بن زكريا)). [أخرجه أحمد في المسند (1/ 254 – 292 – 295 – 301 – 320) والحاكم (2/ 591) والبيهقي (10/ 186) وغيرهم .. وقد روي عن ابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص أو عن أبيه عمرو، وأبي هريرة، والحسن البصري مرسلا ويحي بن جعدة مرسلا، وقد صححه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني وخرج طرقه كلها في السلسلة الصحيحة تحت (2984)].
وجاء في الحديث القدسي الطويل (( .. يا عبادي! إنَّكم تُخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعاً، فاستغفروني أغفرْ لكم)) [رواه مسلم (2577) والبخاري في الأدب المفرد (490)].
لكن يجب أن لا يتخذ بعض الناس ذلك مبرراً للمعصية؛ ومخالفة أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل المطلوب من المُذنب أن يتوب، ومن المُسيء أن يحسن، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَا تِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (التحريم: (8). وكلمةُ عسى مِن الله واجبةٌ.
وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} (هود: (90). فالمهم أن الرجل مهما بلغ في العلم والحديث والصلاح والاستقامة ليس معصوما، وليس العيب أن يخطئ فكل بني آدم خطاء، ولكن العيب أن ينصح ويُذّكر فلا يتذكر، وأن يرى لآيات الله فلا يعتبر، وأن يذنب فلا يتوب ولا يستغفر، بل يصر ويستكبر، وباب التوبة مفتوح أمامه، ولا يستغفر، والله يقبل استغفاره.
فقد قال: ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم)) [رواه مسلم في صحيحه (ح2749) وهو في مسند أحمد (2/ 309) والطبراني في الدعاء (1/ 508) والبيهقي في الإيمان (9/ 331)].
وقال سبحانه تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (آل عمران: (135 – 136).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – فيشرح رياض الصالحين (1/ 2181): قال المؤلف – رحمه الله تعالى- في كتابه رياض الصالحين باب: (ما يقوله ويفعله من فعل محرما) وذلك أن الإنسان ليس معصوما من الذنب لابد لكل إنسان من ذنوب كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ((كل بني آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون)).
وقال صلى الله عليه وسلم ((لولم تذنبوا لذهب الله بكم ثم جاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم)).
فلابد للإنسان من ذنب ولكن ماذا يصنع يجب عليه إذا أذنب ذنبا أن يرجع إلى الله ويتوب إليه ويندم ويستغفر حتى ينمحي عنه ذلك الذنب قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} يعني: إذا نزغك الشيطان وألقى في قلبك الزيع والمعصية فاستعذ بالله، فإذا هممت بمعصية سواء كانت فيما يتعلق بحق الله أو فيما يتعلق بحق المخلوق: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.
فإذا قلت ذلك بإخلاص فإن الله يعينك ويعيذك من الشيطان الرجيم ويعصمك منه، وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (الأعراف: (201).أي وقع في قلوبهم زيغ وعملوا عملا سيئا تذكروا واعتبروا {فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} فيعرفون أنهم في غي وحينئذ يستغفرون الله تعالى ويتوبون إليه. انتهى كلامه.
وليعلم التقي الخطاء أنه إن طلب منزها عن كل عيب لم يجد، وهذا مستحيل لأن الطالب له نفسه غير منزه ولا معصوم، ومتى غلبت محاسنه على مساويه مع اعتقاد صحيح؛ ومنهج سليم فهو الغاية المنشودة، وكفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه. ولينظر إلى الناس المخطئين من خلال أخطائه، ولينظر إلى نفسه الخطاءة من خلال اجتهاد العلماء وطلاب العلم الصالحين المصلحين الأتقياء في ترك الأخطاء، ولا يتتبع الزلات والهفوات من غير موجب لذلك؛ لأنه يأتي من يتتبع خطأه وزلاته، لأنه غير معصوم، وربما الذي فيه أكبر مما عاير وعاب به غيره.
قال عبد الله ابن المبارك – رحمه الله -: المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب الزلات.
وقال الفضيل بن عياض -رحمه الله -: الفتوة: الصفح عن زلات الإخوان.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذل أو الجذع في عين نفسه)). [ابن حبان في صحيحه (ج 13/ 74) حديث رقم: (5761) وأبو الشيخ في التوبيخ (ص12) (ح96) والبخاري في الأدب المفرد من قول أبي هريرة، وقول عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – والإمام أحمد في الزهد (1/ 178) وأبو نعيم في الحلية (4/ 99) قال الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد (1/ 140) صحيح موقوفاً ـ وهو في السلسلة الصحيحة برقم (33)].
قال أبو عبيد – رحمه الله -: الجذل الخشبة العالية الكبيرة.
قال ابن الأثير – رحمه الله – في النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 715): والجِذل بالكسر والفَتْح: أصلُ الشَّجرة يُقْطع.
وقال المناوي – رحمه الله – في فيض القدير (6/ 591): كأن الإنسان لنقصه وحب نفسه يتوفر على تدقيق النظر في عيب أخيه فيدركه مع خفائه فيعمى به عن عيب في نفسه ظاهر لا خفاء به … .ا هـ.
قال أبو حاتم البستي – رحمه الله -:روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص125): الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس وسوء الظن بهم، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه، وتحسين الظن بإخوانه، فإن من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره، أراح بدنه، ولم يتعب قلبه، فكلما اطّلع على عيب نفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وأن من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه واتعب بدنه، وتعذر عليه ترك عيوب نفسه، وأن من أعجز الناس من عاب الناس بما فيهم، وأعجز منه من عابهم بما فيه، ومن عاب الناس عابوه،
وقال – رحمه الله -: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص126).والعاقل يحسن الظن بالناس وينفرد بغمومه وهمومه، وأحزانه، كما أن الجاهل يسيء الظن بإخوانه ولا يفكر في جناياته وأشجانه، وقد أحسن القائل: ما يستريح المسيء ظنا … من طول غم وما يريح. . [وقفة وتأمل وتذكير لحديث كل بني آدم خطاء].
فضل التوحيد لقبول التوبة:
قال العلامة الشيخ محمد ابن عثيمين في شرح الأربعين النووية:
التوحيد له فضيلة وأنه سبب لمغفرة الذنوب، وقد قال الله عز وجل: ” قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف “، فمهما عظمت الذنوب إذا انتهى الإنسان عنها؛ بالتوحيد غفر الله له
قوله: ” لو أتيتني بقراب الأرض “. قراب الأرض، بضم القاف، وقيل بكسرها، والضم أشهر، وهو ملؤها أو ما يقارب ملءها.
قوله: ” ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا “. شرط ثقيل في الوعد بحصول المغفرة، وهو السلامة من الشرك كثيره وقليله، صغيره وكبيره، ولا يسلم من ذلك إلا من سلمه اللّه، وذلك هو القلب السليم. كما قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} 3.
قال ابن رجب: من جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا لقيه اللّه بقرابها مغفرة، لكن هذا مع مشيئة اللّه عز وجل فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه، ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار، بل يخرج منها ثم يدخل الجنة، فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه للّه تعالى فيه، وقام بشروطه بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية، فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه، أخرجت منه كل ما سوى اللّه محبة وتعظيما وإجلالاً ومهابة وخشية وتوكلاً، وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر، وربما قلبتها حسنات، فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم، فلو وضع منه ذرة على جبال الذنوب والخطايا لقلبها حسنات.
وقال شيخ الإسلام: الشرك نوعان: أكبر، وأصغر، فمن خلص منهما
وجبت له الجنة، ومن مات على الأكبر، وجبت له النار، ومن خلص من الأكبر، وحصل له بعض الأصغر مع حسنات راجحة على ذنوبه، دخل الجنة، فإن تلك الحسنات توحيد كثير مع يسير من الشرك الأصغر، ومن خلص من الأكبر، ولكن كثر الأصغر حتى رجحت به سيئاته دخل النار، فالشرك يؤاخذ به العبد إذا كان أكبر أو كان كثيرًا أصغر، والأصغر القليل في جانب الإخلاص الكثير لا يؤاخذ به.
قال العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى – في معنى الحديث: “ويعفى لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشرك ما لا يعفى لمن ليس كذلك. فلو لقي الموحد الذي لم يشرك بالله شيئا ألبته ربه بقراب الأرض خطايا أتاه بقرابها مغفرة; ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده؛ فإن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب؛ لأنه يتضمن من محبة الله وإجلاله وتعظيمه، وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب ولو كانت قراب الأرض، فالنجاسة عارضة والدافع لها قوي”. اهـ.
و قوله: (لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا أتيتك بقرابها مغفرة) فلا يدل على أن ما عدا الشرك كله صغائر بل يدل على أن من لم يشرك بالله شيئا فذنوبه مغفورة كائنة ما كانت ولكن ينبغي أن يعلم ارتباط إيمان القلوب بأعمال الجوارح وتعلقها بها وإلا لم يفهم مراد الرسول صلى الله عليه وسلم ويقع الخلط والتخبيط فاعلم أن هذا النفي العام للشرك أن لا يشرك بالله شيئا ألبتة لا يصدر من مصر على معصية أبدا ولا يمكن مدمن الكبيرة والمصر على الصغيرة أن يصفو له التوحيد حتى لا يشرك بالله شيئا هذا من أعظم المحال ولا يلتفت إلى جدلي لاحظ له من أعمال القلوب بل قلبه كالحجر أو أقسى يقول: وما المانع وما وجه الإحالة ولو فرض ذلك واقعا لم يلزم منه محال لذاته فدع هذا القلب المفتون بجدله وجهله واعلم أن الإصرار على المعصية يوجب من خوف القلب من غير الله ورجائه لغير الله وحبه لغير الله وذله لغير الله وتوكله على غير الله: ما يصير به منغمسا في بحار الشرك والحاكم في هذا ما يعلمه الإنسان من نفسه إن كان له عقل فإن ذل المعصية لا بد أن يقوم بالقلب فيورثه خوفا من غير الله تعالى وذلك شرك ويورثه محبة لغير الله واستعانة بغيره في الأسباب التي توصله إلى غرضه فيكون عمله لا بالله ولا لله وهذا حقيقة الشرك … والمقصود: أن من لم يشرك بالله شيئا يستحيل أن يلقى الله بقراب الأرض خطايا مصرا عليها غير تائب منها مع كمال توحيده الذي هو غاية الحب والخضوع والذل والخوف والرجاء للرب تعالى
(مدارج السالكين – ابن قيم الجوزية)
ومنه قوله تعالى (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)
{أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} وكأن في الكلام محذوفًا دل عليه السياق، وتقديره: وأوصاكم (1) {أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}؛ ولهذا قال في آخر الآية: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
وفي الصحيحين من حديث أبي ذر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئًا من أمتك، دخل الجنة. قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق. قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق. قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق، وإن شرب الخمر”: وفي بعض (3) الروايات أن القائل ذلك إنما هو أبو ذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه، عليه (4) السلام، قال في الثالثة: “وإن رغم أنفُ أبي ذر” (5) فكان أبو ذر يقول بعد تمام الحديث: وإن رغم أنف أبي ذر.
وفي بعض المسانيد والسنن عن أبي ذر [رضي الله عنه] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يقول الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني فإني أغفر لك على ما كان منك ولا أبالي، ولو أتيتني بقراب الأرض خطيئة أتيتك بقرابها مغفرة ما لم تشرك بي شيئا، وإن أخطأت حتى تبلغ خطاياك عَنَان السماء ثم استغفرتني، غفرت لك”.
ولهذا شاهد في القرآن، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} النساء
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود: “من مات لا يشرك بالله شيئًا، دخل الجنة”
والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جدًا.
وانظر تفسير ابن كثير
وتأمل قوله تعالى: ” إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم “. كيف تجد تحته بألطف دلالة وأدقها وأحسنها أنه من اجتنب الشرك جميعه كفرت عنه كبائره، وأن نسبة الكبائر إلى الشرك كنسبة الصغائر إلى الكبائر فإذا وقعت الصغائر مكفرة باجتناب الكبائر فالكبائر تقع مكفرة باجتناب الشرك،
وتأمل قوله تعالى:” وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون ” كيف: نبههم بالسفر الحسي على السفر إليه؟ وجمع له بين السفرين كما جمع لهم الزادين في قوله: “وتزودوا فإن خير الزاد التقوى” فجمع لهم بين زاد سفرهم وزاد معادهم؟
وكما جمع بين اللباسين في قوله: {يابَنِي آدَمَ قَدْ أنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسًا يُوارِي سَوْآتِكُمْ ورِيشًا ولِباسُ التَّقْوى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِن آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ((26))} (الأعراف)، فذكر سبحانه زينة ظواهرهم وبواطنهم، ونبههم بالحِسِّي على المعنوي، وفَهْم هذا القَدْر زائد على فهم مُجَرّد اللفظ ووضعه في أصل اللسان» اهـ. إعلام الموقعين ((2) / (173) –
– ووجود ما يحبه الله من التوحيد والطاعات أعظم عند الله من فعل ما يكرهه من المعاصي؛
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى
فإن ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي من أكثر من ثلاثين وجها ذكرها شيخنا رحمه الله في بعض تصانيفه ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم- وبما كان عليه هو وأصحابه رأى أن أكثر من يشار إليهم بالدين هم أقل الناس دينا والله المستعان وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضاع ودينه يترك وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم …… الخ
إعلام الموقعين – (2/ 177)
وقال في موضع آخر
فائدة جليلة قال سهل بن عبد الله ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهى لأن آدم نهى عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه وابليس أمر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه قلت هذه مسالة عظيمة لها شان وهى أن ترك الأوامر أعظم عند الله من أرتكاب المناهى وذلك من وجوه عديدة أحدها ما ذكره سهل من شأن آدم وعدو الله ابليس الثاني أن ذنب ارتكاب النهى مصدره فى الغالب الشهوة والحاجة وذنب ترك الأمر مصدره فى الغالب الكبر والعزة ولا يدخل الجنة من فى قلبه مثقال ذرة من كبر …… الخ
الفوائد – (1/ 119)
وقال في موضع آ خر
الوجه الثامن عشر: أن آثار ما يكرهه وهو المنهيات أسرع زوالا بما يحبه من زوال آثار ما يحبه بما يكرهه, فآثار كراهته سريعة الزوال وقد يزيلها سبحانه بالعفو والتجاوز, وتزول بالتوبة والاستغفار والأعمال الصالحة والمصائب المكفرة والشفاعة والحسنات يذهبن السيئات, ولو بلغت ذنوب العبد عنان السماء ثم استغفره غفر له ولو لقيه بقراب الأرض خطايا, ثم لقيه لا يشرك به شيئا لأتاه بقرابها مغفرة وهو سبحانه يغفر الذنوب وإن تعاظمت ولا يبالي, فيبطلها ويبطل آثارها بأدنى سعي من العبد وتوبة نصوح وندم على ما فعل , وما ذاك إلا لوجود ما يحبه من توبة العبد وطاعته وتوحيده, فدلّ على أن وجود ذلك أحب إليه وأرضى له. يوضحه الوجه التاسع عشر: وهو أنه سبحانه قدر ما يبغضه ويكرهه من المنهيات لما يترتب عليها مما يحبه ويفرح به من المأمورات. فإنه سبحانه أفرح بتوبة عبده من الفاقد الواجد, والعقيم الوالد, والظمآن الوارد. وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لفرحه بتوبة العبد مثلا (في صحيح مسلم في كتاب التوبة باب في الحض على التوبة والفرح بها 4\ 2104 رقم (7) عن أنس بن مالك ” لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه … ” وهو في صحيح البخاري بلفظ آخر.)
تكفر الذنوب بأمور منها:
أولاً: التوبة إلى الله عز وجل.
ثانياً: تحقيق التوحيد واجتناب الشرك.
ثالثاً: الأعمال الصالحة.
رابعاً: اجتناب السيئات والذنوب.
خامساً: الإحسان إلى الناس وكف الأذى عنهم.
سادساً: المصائب والبلاء الذي يصيب المسلم في الحياة الدنيا.
سابعاً: دعاء الله عز وجل.
وراجع (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد)
(المسألة الثانية): [- العفو، الغفور، الغفار]
“قال الله تعالى: {إن الله لعفو غفور} [الحج:60] الذي لم يزل، ولا يزال بالعفو معروفا، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفا كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه وقد وعد بالمغفرة والعفو، لمن أتى بأسبابها، قال تعالى {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا} [طه:82]، والعفو هو الذي له العفو الشامل الذي وسع ما يصدر من عباده من الذنوب، ولاسيما إذا أتوا بما يسبب العفو عنهم من الاستغفار، والتوبة، والإيمان، والأعمال الصالحة فهو سبحانه يقبل التوبة، عن عباده ويعفو عن السيئات، وهو عفو يحب العفو ويحب من عباده أن يسعوا في تحصيل الأسباب التي ينالون بها عفوه: من السعي في مرضاته، والإحسان إلى خلقه.
ومن كمال عفوه أنه مهما أسرف العبد على نفسه ثم تاب إليه ورجع غفر له جميع جرمه صغيره وكبيره، وأنه جعل الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها [((شرح القصيدة النونية)) للهراس (2/ 86)، و ((الحق الواضح المبين)) (ص56)]، قال الله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر:53] وفي الحديث: ((إن الله يقول: يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)) [رواه الترمذي (3540). من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال ابن رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (2/ 400): إسناده لا بأس به. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (127): الحديث حسن كما قال الترمذي]، وقال تعالى: {إن ربك واسع المغفرة} [النجم:32] وقد فتح الله عز وجل الأسباب لنيل مغفرته بالتوبة، والاستغفار، والإيمان، والعمل الصالح، والإحسان إلى عباد الله، والعفو عنهم، وقوة الطمع في فضل الله، وحسن الظن بالله وغير ذلك مما جعله الله مقربا لمغفرته [((الحق الواضح المبين)) (ص 73 – 74)]، [شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة لسعيد بن علي بن وهف القحطاني – ص106].
(المسألة الثالثة):
وقد سئل فضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله، ونص السؤال: هل يُؤخذ من هذا أنَّ الإنسان مهما كان صالحًا أو فاجرًا من صفاته أنه يُذْنِب؟
فأجاب رحمه الله: “نعم، كل بني آدم خطَّاء، من صفاته الخطأ، لكن إذا تاب تاب اللهُ عليه.
س: وإذا استمرَّ في الذنب؟
ج: وإذا استمرَّ في الذنب استحقَّ العقوبة، إلا أن يعفو الله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فهو تحت العفو.”. انتهى. [هل حديث “كل بني آدم خطّاء” يفيد العموم؟ – فتاوى الدروس].