2743 – فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه:
(100) – ((2743)) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ المُسَيِّبِيُّ، حَدَّثَنِي أنَسٌ يَعْنِي ابْنَ عِياضٍ أبا ضَمْرَةَ، عَنْ مُوسى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – أنَّهُ قالَ: “بَيْنَما ثَلاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أخَذَهُمُ المَطَرُ، فَأوَوْا إلى غارٍ فِي جَبَلٍ، فانْحَطَّتْ عَلى فَمِ غارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أعْمالًا عَمِلْتُمُوها صالِحَةً لِلَّهِ، فادْعُوا اللهَ تَعالى بِها، لَعَلَّ اللهَ يَفْرُجُها عَنْكُمْ، فَقالَ أحَدُهُمْ: اللهُمَّ إنَّهُ كانَ لِي والِدانِ شَيْخانِ كَبِيرانِ، وامْرَأتِي، ولِي صِبْيَةٌ صِغارٌ أرْعى عَلَيْهِمْ، فَإذا أرَحْتُ عَلَيْهِمْ، حَلَبْتُ، فَبَدَاتُ بِوالِدَيَّ، فَسَقَيْتُهُما قَبْلَ بَنِيَّ، وأنَّهُ نَأى بِي ذاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ، فَلَمْ آتِ حَتّى أمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُما قَدْ ناما، فَحَلَبْتُ كَما كُنْتُ أحْلُبُ، فَجِئْتُ بِالحِلابِ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِما أكْرَهُ أنْ أُوقِظَهُما مِن نَوْمِهِما، وأكْرَهُ أنْ أسْقِيَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُما، والصِّبْيَةُ يَتَضاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَابِي ودَابَهُمْ حَتّى طَلَعَ الفَجْرُ، فَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغاءَ وجْهِكَ، فافْرُجْ لَنا مِنها فُرْجَةً، نَرى مِنها السَّماءَ، فَفَرَجَ اللهُ مِنها فُرْجَةً، فَرَأوْا مِنها السَّماءَ، وقالَ الآخَرُ: اللهُمَّ إنَّهُ كانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ أحْبَبْتُها كَأشَدِّ ما يُحِبُّ الرِّجالُ النِّساءَ، وطَلَبْتُ إلَيْها نَفْسَها، فَأبَتْ حَتّى آتِيَها بِمِائَةِ دِينارٍ، فَتَعِبْتُ حَتّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينارٍ، فَجِئْتُها بِها، فَلَمّا وقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْها، قالَتْ: يا عَبْدَ اللهِ اتَّقِ اللهَ،
ولا تَفْتَحِ الخاتَمَ إلّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ عَنْها، فَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغاءَ وجْهِكَ، فافْرُجْ لَنا مِنها فُرْجَةً، فَفَرَجَ لَهُمْ، وقالَ الآخَرُ: اللهُمَّ إنِّي كُنْتُ اسْتَاجَرْتُ أجِيرًا بِفَرَقِ أرُزٍّ، فَلَمّا قَضى عَمَلَهُ قالَ: أعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ فَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أزَلْ أزْرَعُهُ حَتّى جَمَعْتُ مِنهُ بَقَرًا ورِعاءَها، فَجاءَنِي فَقالَ: اتَّقِ اللهَ ولا تَظْلِمْنِي حَقِّي، قُلْتُ: اذْهَبْ إلى تِلْكَ البَقَرِ ورِعائِها، فَخُذْها فَقالَ: اتَّقِ اللهَ ولا تَسْتَهْزِئْ بِي فَقُلْتُ: إنِّي لا أسْتَهْزِئُ بِكَ، خُذْ ذَلِكَ البَقَرَ ورِعاءَها، فَأخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ، فَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغاءَ وجْهِكَ، فافْرُجْ لَنا ما بَقِيَ، فَفَرَجَ اللهُ ما بَقِيَ،
(100) – وحَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قالا: أخْبَرَنا أبُو عاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أخْبَرَنِي مُوسى بْنُ عُقْبَةَ، ح وحَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، ح وحَدَّثَنِي أبُو كُرَيْبٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ البَجَلِيُّ، قالا: حَدَّثَنا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنا أبِي، ورَقَبَةُ بْنُ مَسْقَلَةَ، ح وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وحَسَنٌ الحُلْوانِيُّ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قالُوا: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ يَعْنُونَ ابْنَ إبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنا أبِي، عَنْ صالِحِ بْنِ كَيْسانَ، كُلُّهُمْ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – بِمَعْنى حَدِيثِ أبِي ضَمْرَةَ، عَنْ مُوسى بْنِ عُقْبَةَ وزادُوا فِي حَدِيثِهِمْ: «وخَرَجُوا يَمْشُونَ»، وفِي حَدِيثِ صالِحٍ «يَتَماشَوْنَ» إلّا عُبَيْدَ اللهِ فَإنَّ فِي حَدِيثِهِ: “وخَرَجُوا ولَمْ يَذْكُرْ بَعْدَها شَيْئًا،
(100) – حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِهْرامَ وأبُو بَكْرِ بْنُ إسْحاقَ – قالَ ابْنُ سَهْلٍ: حَدَّثَنا، وقالَ الآخَرانِ: أخْبَرَنا – أبُو اليَمانِ، أخْبَرَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أخْبَرَنِي سالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، يَقُولُ: «انْطَلَقَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ – مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ، حَتّى آواهُمُ المَبِيتُ إلى غارٍ» واقْتَصَّ الحَدِيثَ بِمَعْنى حَدِيثِ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ غَيْرَ أنَّهُ قالَ: قالَ رَجُلٌ مِنهُمْ: «اللهُمَّ كانَ لِي أبَوانِ شَيْخانِ كَبِيرانِ، فَكُنْتُ لا أغْبِقُ قَبْلَهُما أهْلًا ولا مالًا» وقالَ: «فامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتّى ألَمَّتْ بِها سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجاءَتْنِي فَأعْطَيْتُها عِشْرِينَ ومِائَةَ دِينارٍ» وقالَ: «فَثَمَّرْتُ أجْرَهُ حَتّى كَثُرَتْ مِنهُ الأمْوالُ، فارْتَعَجَتْ» وقالَ: «فَخَرَجُوا مِنَ الغارِ يَمْشُونَ»
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
– (عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – أنَّهُ قالَ:
«بَيْنَما ثَلاثَةُ نَفَرٍ) الإضافة فيه بيانيّة [» المرقاة «(14) / (216)]، و» النفر «: بفتحتين: جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة، وقيل: إلى سبعة، ولا يقال: نفر فيما زاد على العشرة، قاله الفيّوميّ – رَحِمَهُ اللهُ -[» المصباح المنير” (2) / (617)].
قال الحافظ – رَحِمَهُ اللهُ -: لَمْ أقف على اسم واحد منهم، وفي حديث عقبة بن عامر عند الطبرانيّ في «الدعاء»: «أن ثلاثة نفر من بني إسرائيل» وفي
حديث عقبة، وكذا في حديث أبي هريرة، عند ابن حبان، والبزار: «أنهم
خرجوا يرتادون لأهليهم». (أخَذَهُمُ المَطَرُ)؛ أي: نزل عليهم بكثرة، مما
ألجأهم إلى البحث عما يُكنّهم، (فَأوَوْا) يجوز قصر ألف «أووا»، ومدّها؛ أي:
انضمّوا إلى الغار، وجعلوه لهم مأوى. (إلى غارٍ) الغار: النَّقْب في الجبل،
زاد الطبرانيّ في حديث النعمان بن بشير من وجه آخر:
«إذ وقع حجر من الجبل، مما يهبط من خشية الله، حتى سَدَّ فم الغار». (فَقالَ
بَعْضُهُمْ)؛ أي: بعض «النفر، (لِبَعْضٍ: انْظُرُوا)؛ أي: تفكَّروا، وتذكّروا (أعْمالًا
عَمِلْتُمُوها صالِحَةً) وفي رواية:» خالصة «، (للهِ، فادْعُوا اللهَ تَعالى بِها)؛ أي:
بتلك الأعمال الصالحة، وبجعلها شفيعة، ووسيلة إلى إجابة الدعوة، وفي رواية
للبخاريّ:» فلْيَدْع كلّ رجل منكم بما يَعلم أنه قد صدق فيه «، وفي رواية له:
(ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه)، وفي رواية: «إنه لا ينجيكم إلّا أن تدعوا الله
بصالح أعمالكم»، وفي حديث أبي هريرة وأنس جميعًا: «فقال بعضهم لبعض:
عفا الأثر، ووقع الحجر، ولا يَعلم بمكانكم إلّا الله، ادعوا الله بأوثق أعمالكم».
وفي حديث عليّ عند البزار: «تفكروا في أحسن أعمالكم، فادعوا الله
بها، لعل الله يفرّج عنكم».
وفي حديث النعمان بن بشير: «إنكم لن تجدوا شيئًا خيرًا من أن يدعو كلّ امرئ منكم بخير عمل عمله قط».
(لَعَلَّ اللهَ) وفي نسخة: «لعله»؛ أي: على رجاء أنه تعالي، أو لكي
(يَفْرُجُها عَنْكُمْ) بضمّ حرف المضارعة، وتشديد الراء المكسورة، من التفريج، ويَحْتَمل أن يكون بفتح أوله، وكسر ثالثه
(كانَ لِي والِدانِ) وفي رواية: «أبوان»، وهو من باب التغليب؛ لأنّ
المقصود الأب والأمّ. (شَيْخانِ كَبِيرانِ) وفي حديث عليّ: «أبوان ضعيفان،
فقيران، ليس لهما خادم، ولا راع، ولا وليّ غيري، فكنت أرعى لهما بالنهار، وأوي إليهما بالليل»، (وامْرَأتِي)؛ أي: زوجتي، (وليَ صِبْيَةٌ) بكسر الصاد،
وسكون الموحّدة: جمع صبيّ؛
(فَإذا أرَحْتُ عَلَيْهِمْ) من الإراحة، وفي رواية: «فإذا رُحت»، يُقال: أراح
فلان الإبلَ: ردَّها إلى المُراح بالضمّ، وهو المأوى [» القاموس «ص (545)]، وقال النوويّ – رَحِمَهُ اللهُ -:
معناه: إذا رددت الماشية من المرعى إليهم، وإلى موضع مبيتها، وهو مُراحها
بضم الميم، يقال: أرحت الماشيةَ، ورَوّحتها بمعنى. انتهى [» شرح النوويّ” (17) / (56)].
وقال في «العمدة»: قوله: «نأى بي الشجر» بالشين المعجمة، والجيم، عند أكثر الرواة، ومعناه: تباعد عن مكان الشجر التي ترعاها مواشينا. انتهى [«عمدة القاري» (22) / (86)].
(فَوَجَدْتُهُما)؛ أي: الوالدين، (قَدْ ناما)؛ أي: من
الضعف، أو من غلبة الانتظار، وكثرة الإبطاء،
وقال النوويّ: الحلاب بكسر الحاء: هو الإناء الذي يُحلب فيه، يسع حَلْبة ناقة، ويقال له: المحلب بكسر الميم، قال القاضي: وقد يريد بالحلاب هنا: اللبن المحلوب. انتهى [«شرح النوويّ» (17) / (56)].، وقوله: (والصِّبْيَةُ يَتَضاغَوْنَ) جملة في محلّ نصب على الحال، و «يتضاغون» بفتح الغين المعجمة؛ أي: يَضِجّون، ويصيحون [» مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح «(14) / (218)]، زاد في رواية البخاريّ: «من الجوع»؛ أي: بسبب الجوع
(فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ)؛ أي: ما ذُكر من الوقوف وغيره، (دَابِي ودَابَهُمْ) بالنصب،
قال القاري: وفي نسخة بالرفع؛ أي: عادتي، وعادتهم، والضمير للوالدين، والصبية [» مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح «(14) / (218)].
وقال القرطبيّ – رَحِمَهُ اللهُ -: الدأب: الحال اللازمة، والعادة المتكررة. انتهى [» المفهم” (7) / (64)].
(حَتّى طَلَعَ الفَجْرُ) انشق الصبح، وظهر نوره.
وفي رواية للبخاريّ: «وكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهت أن
أوقظهما، وكرهت أن أدعهما، فيستَكِنا لِشَرْبتهما»: أما كراهته لإيقاظهما
فظاهر؛ لأنّ الإنسان يَكره أن يُوقَظ من نومه، ووقع في حديث عليّ: «ثم
جلست عند رؤوسهما بإنائي كراهية أن أزرقهما، أو أوذيهما»، وفي حديث
أنس: «كراهية أن أردّ وسَنَهما»، وفي حديث ابن أبي أوفى: «وكرهت أن أوقظهما من نومهما، فيشقّ ذلك عليهما»، وأما كراهته أن يدَعَهما فقد فسره
بقوله: «فيستكنا لشربتهما»؛ أي: يضعفا؛ لأنه عشاؤهما، وتَرْك العشاء يُهْرِم.
وقوله: «يستكنا» من الاستكانة، وقوله: «لِشُربتهما»؛ أي: لعدم شربتهما،
فيصيران ضعيفين، مسكينين، والمسكين الذي لا شيء له. انتهى [«الفتح» (8) / (116)].
(فَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ) قال في «الفتح»: فيه إشكال؛ لأنّ المؤمن يَعلم قطعًا أن الله يعلم ذلك.
وأجيب بأنه تردد في عمله ذلك، هل له اعتبار عند الله أم لا؟ وكأنه قال: إن كان عملي ذلك مقبولًا، فأجب دعائي، وبهذا التقرير يظهر أن قوله: «اللَّهُمَّ» على بابها في النداء، وقد تَرِد بمعنى تحقق الجواب، كمن يسأل آخر عن شيء، كأن يقول: رأيت زيدًا، فيقول: اللَّهُمَّ نعم، وقد تَرِد أيضًا لندرة المستثني، كأن يقول شيئًا، ثم يستثني منه، فيقول: اللَّهُمَّ إلّا إن كان كذا. انتهى [«عمدة القاري» (22) / (86)].
(اللهُ مِنها فُرْجَةً، فَرَأوْا مِنها السَّماءَ) ووقع في رواية للبخاريّ
بلفظ: «فانساخت عنهم الصخرة»؛ أي: انشقت، وأنكره الخطابيّ؛ لأنّ معنى
انساخ بالمعجمة: غاب في الأرض، ويقال: انصاخ بالصاد المهملة، بدل
السين؛ أي: انشق من قِبَل نفسه، قال: والصواب: انساحت، بالحاء المهملة؛
أي: اتسعت، ومنه ساحة الدار، قال: وانصاح بالصاد المهملة بدل السين؛
أي: تصدع، يقال ذلك للبرق.
وتعقّبه الحافظ، فقال: الرواية بالخاء المعجمة صحيحة، وهي بمعنى
انشقّت، وإن كان أصله بالصاد، فالصاد قد تُقلب سينًا، ولا سيما مع الخاء
المعجمة، كالصخر والسخر، ووقع في حديث سالم: «فانفرجت شيئًا، لا
يستطيعون الخروج»، وفي حديث النعمان بن بشير: «فانصدع الجبل، حتى رأوا
الضوء» وفي حديث عليّ: «فانصدع الجبل، حتى طمعوا في الخروج، ولم
يستطيعوا»، وفي حديث أبي هريرة وأنس: «فزال ثلث الحجر» [«الفتح» (8) / (115) – (116)].
(كانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ، أحْبَبْتُها) وفي رواية البخاريّ: «من أحبّ الناس
إليّ».
وفي رواية للبخاريّ: «إلّا أن آتيها بمائة دينار»، وفي رواية سالم الآتية:
«فأعطيتها عشرين ومائة دينار»، ويُحْمَل على أنّها طلبت منه المائة، فزادها هو
من قِبَل نفسه عشرين، أو الغى غير سالم الكسر،
وبيَّن في رواية سالم سبب إجابتها
بعد امتناعها، فقال: «فامتنعت مني حتى ألمّت بها سَنَة – أي: سنة قحط –
فجاءتني، فأعطيتها»، وُيجمع بينه وبين رواية نافع بأنها امتنعت أوّلًا عِفّةً،
ودافعت بطلب المال، فلما احتاجت أجابت [«الفتح» (8) / (115) – (117)].
(قالَتْ: يا عَبْدَ اللهِ) يحتمل الاسمية، والوصفية، (اتَّقِ اللهَ)؛ أي: عذابه،
أو مخالفته، (ولا تَفْتَحِ الخاتَمَ) بفتح التاء، وهو كناية عن البكارة، (إلّا بِحَقِّهِ)؛
أي: بالنِّكاح الحلال، لا بالزنا، وفي رواية البخاريّ: «ولا تفضّ الخاتم إلّا
بحقّه». قال القرطبيّ – رَحِمَهُ اللهُ -: الفضّ: الكسر، والفتح، والخاتم: كناية عن الفرج، وعُذرة البكارة، وحقّه: التزويج المشروع.
انتهى [«المفهم» (7) / (65)].
ووقع في حديث عليّ: «فقالت: أُذَكِّرك الله أن تركب مني ما حَرَّم الله عليك، قال: فقلت: أنا أحقّ أن أخاف ربي».
وفي حديث النعمان بن بشير: «فلما أمكنتني من نفسها بكت، فقلت: ما
يبكيك؟ قالت: فعلتُ هذا من الحاجة، فقلت: انطلقي».
وفي رواية أخرى عن النعمان: «أنّها ترددت إليه ثلاث مرات، تطلب منه شيئًا من معروفه، ويأبى عليها إلّا أن تُمَكِّنه من نفسها، فأجابت في الثالثة، بعد
أن استأذنت زوجها، فأذِن لها، وقال لها: أغني عيالك، قال: فرجعت
فناشدتني بالله، فأبيت عليها، فأسلمت إليّ نفسها، فلما كشفتها ارتعدت من
تحتي، فقلت: ما لك؟ قالت: أخاف الله رب العالمين، فقلت: خِفْتيه في
الشدّة، ولم أخَفْه في الرخاء، فتركتها».
وفي حديث ابن أبي أوفى: «فلما جلست منها مجلس الرجل من المرأة أُذكرت النار، فقمت عنها».
والجمع بين هذه الروايات ممكن والحديث يُفَسِّر بعضُه بعضًا. انتهى [«الفتح» (8) / (115) – (118)].
(وقالَ الآخَرُ) قال القاري: بفتح الخاء، وفي نسخة بكسرها، ومالهما واحد، والثاني أدلّ على المقصود؛ أي: قال الرجل الثالث: (اللَّهُمَّ إنِّي كُنْتُ اسْتَاجَرْتُ أجِيرًا بِفَرَقِ أرُزٍّ) قال الطيبيّ – رَحِمَهُ اللهُ -: الفرق بفتح الراء: مكيال يسع ستة عشر رطلًا، وهي اثنا عشر مُدًّا، وثلاثة آصع عند أهل الحجاز [«الكاشف عن حقائق السنن» (10) / (3170)].
قال في «الفتح» ما حاصله: ووقع في رواية: أنه فرق ذُرَة، ويَحْتَمِل أنه
استأجر أكثر من واحد، وكان بعضهم بفرق ذرة، وبعضهم بفرق أرز، ويؤيد
ذلك أنه وقع في رواية سالم: «استأجرت أجراء، فأعطيتهم أجرهم، غير رجل
واحد، ترك الذي له وذهب»، وفي حديث النعمان بن بشير نحوه، ووقع في
حديث عبد الله بن أبي أوفى عند الطبرانيّ في «الدعاء»: «استأجرت قومًا كلّ
واحد منهم بنصف درهم، فلما فرغوا أعطيتهم أجورهم، فقال أحدهم: والله
لقد عملت عمل اثنين، والله لا آخذ إلّا درهمًا، فذهب، وتركه، فبذرت من
ذلك النصف درهم … الخ»، ويُجمع بينهما بأن الفرق المذكور كانت قيمته نصف درهم إذ ذاك. انتهى [» الفتح” (8) / (113) – (114)].
ووقع في حديث
النعمان بن بشير بيان السبب في تَرْك الرجل أجرته، ولفظه: «كان لي أجراء
يعملون فجاءني عُمّال، فاستأجرت كلّ رجل منهم بأجر معلوم، فجاء رجل
ذات يوم نصف النهار، فاستأجرته بشرط أصحابه، فعمل في نصف نهاره، كما
عمل رجل منهم في نهاره كله، فرأيت عليّ في الذمام أن لا أنقصه مما
استأجرت به أصحابه لِما جهد في عمله، فقال رجل منهم: تعطي هذا مثل ما أعطيتني؟ فقلت: يا عبد الله لَمْ أبخسك شيئًا من شرطك، وإنما هو مالي أحكم
فيه بما شئت، قال: فغضب، وذهب، وترك أجره».
وأما ما وقع في حديث أنس: «فأتاني يطلب أجره، وأنا غضبان، فزبرته،
فانطلق، وترك أجره»، فلا ينافي ذلك، وطريق الجمع أن الأجير لمّا حَسَد
الذي عمل نصف النهار، وعاتب المستأجِر غضب منه، وقال له: لَمْ أبخسك
شيئًا … إلخ، وزبره، فغضب الأجير، وذهب.
ووقع في حديث عليّ: «وترك واحد منهم أجره، وزعم أن أجره أكثر [هكذا النسخة، ولعله أقلّ، فليُحزر] من أجور أصحابه». انتهى.
أكثر: تستقيم … يعني أكثر مما أعطاه
(فَلَمْ أزَلْ أزْرَعُهُ)؛ أي: أزرع ذلك الأرز، (حَتَّى جَمَعْتُ مِنهُ)؛ أي: من
ذلك الأرز، أو من زَرْعه، (بَقَرًا ورِعاءَها)؛ أي: جمعت قيمتهما، فاشتريتهما.
و «الرعاء» بكسر الراء، والمدّ: جَمْع راع،
وفي رواية للبخاريّ: «وإني عمدت إلى ذلك الفرق، فزرعته، فصار من
أمره أن اشتريت منه بقرًا، وأنه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعمِد إلى تلك
البقر، فسُقْها»، قال في «الفتح»: وفي رواية سالم: «فثمّرت أجره حتى كثرت
منه الأموال – وفيه – فقلت له: كلّ ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق من
أجرك»، قال الحافظ: ودلت هذه الرواية على أنّ قوله في رواية نافع:
«اشتريت بقرا» أنه لَمْ يُرِد أنه لَمْ يَشْتر غيرها، وإنما كان الأكثر الأغلب البقر،
فلذلك اقتصر عليها.
وفي حديث أنس، وأبي هريرة جميعًا: «فجمعته، وثَمّرته، حتى كان منه
كلّ المال – وقال فيه -: فأعطيته ذلك كله، ولو شئت لَمْ أعطه إلّا الأجر الأول».
ووقع في حديث عبد الله بن أبي أوفى: «أنه دفع إليه عشرة آلاف درهم»،
وهو محمول على أنّها كانت قيمة الأشياء المذكورة انتهى
من الفتح باختصار [«الفتح» (8) / (113) – (115)].
والحديث يدلّ على جواز تصرف الفضولي في مال الغير على وجه النصيحة، وطريق الأمانة، وإرادة الشفقة، حيث استحسن – صلى الله عليه وسلم – ذلك منه، فهو في حكم التقرير، لا يقال: لعلَّ هذا شَرْع من قبلنا، فإنه قد ورد نظيره في زمانه – صلى الله عليه وسلم – حيث دفع قيمة كبش لبعض أصحابه، فاشتراه بها، فباعه بضعف ثمنه، واشترى كبشًا آخر، وأتى به مع قيمته، فدعا له بالبركة، قاله القاري – رَحِمَهُ اللهُ -[«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (14) / (221)].
قال القاري: فإن قلت: رؤية الأعمال
نقصان عند أهل الكمال، فما بال هذه الأحوال؟
قلت: فكأنهم توسلوا بما وقع له تعالى معهم من توفيق العمل الصالح
المقرون بالإخلاص على أنّه ينجيهم من مضيق الهلاك إلى فضاء الخلاص،
فكأنهم قالوا: كما أنعمت علينا بمعروفك أوَّلًا، فأتمّ علينا فضلك ثانيًا، فإنا لا
نستغني عن كرمك أبدًا. انتهى [» مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح” (14) / (221)].
وحديث عبد الله عمر – رضي الله عنهما – هذا متَّفقٌ عليه
[تنبيه]: قال في «الفتح»: لَمْ يُخرج الشيخان هذا الحديث إلّا من رواية
ابن عمر، وجاء بإسناد صحيح عن أنس، أخرجه الطبرانيّ في «الدعاء»، من
وجه آخر حسن، وبإسناد حسن عن أبي هريرة، وهو في «صحيح ابن حبان»،
وأخرجه الطبرانيّ من وجه آخر، عن أبي هريرة، وعن النعمان بن بشير، من
ثلاثة أوجه حسان، أحدها عند أحمد، والبزار، وكلها عند الطبرانيّ، وعن
عليّ، وعقبة بن عامر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن أبي أوفي، بأسانيد
ضعيفة، وقد استوعب طرقه أبو عوانة في «صحيحه»، والطبرانيّ في «الدعاء».
واتفقت الروايات كلها على أنّ القصص الثلاثة في الأجير، والمرأة،
والأبوين، إلّا حديث عقبة بن عامر، ففيه بدل الأجير أن الثالث: «قال: كنت
في غنم أرعاها، فحضرت الصلاة، فقمت أصلي، فجاء الذئب، فدخل الغنم،
فكرهت أن أقطع صلاتي، فصبرت حتى فرغت»، فلو كان إسناده قويًّا لَحُمل
على تعدد القصة.
ووقع في رواية الباب من طريق عبيد الله العمريّ، عن نافع تقديم
الأجير، ثم الأبوين، ثم المرأة، وخالفه موسى بن عقبة من الوجهين، فقدَّم
الأبوين، ثم المرأة، ثم الأجير، ووافقته رواية سالم، …… قال الحافظ: وأرجحها في نظري رواية موسى بن عقبة؛ لموافقة
سالم لها، فهي أصحّ طرق هذا الحديث، وهذا من حيث الإسناد، وأما من
حيث المعنى فيُنظر أيّ الثلاثة كان أنفع لأصحابه، والذي يظهر أنه الثالث؛
لأنّه هو الذي أمكنهم أن يخرجوا بدعائه، وإلا فالأول أفاد إخراجهم من
الظُّلمة، والثاني أفاد الزيادة في ذلك ….. ثم ذكر أن الذي نمَّا مال الأجير نفعه متعدي لأجنبي» الفتح «، وهو
بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
وقوله: (فَكُنْتُ لا أغْبُقُ … إلخ) قال النوويّ – رَحِمَهُ اللهُ -: بفتح الهمزة، وضم
الباء؛ أي: ما كنت أُقَدِّم عليهما أحدًا في شُرب نصيبهما عِشاء من اللبن،
والغَبُوق شُرب العِشاء، والصَّبُوح شرب أول النهار، يقال منه: غَبَقت الرجلَ
بفتح الباء، أغبُقُه بضمها، مع فتح الهمزة غَبْقًا، فاغتَبَق؛ أي: سقيته عِشاء،
فشَرِب، قال: وهذا الذي ذكرته من ضبطه متَّفقٌ عليه في كتب اللغة، وكُتُب
غريب الحديث، والشروح، وقد يُصحّفه بعض من لا أُنْسَ له، فيقول: أُغبِق،
بضم الهمزة، وكسر الباء، وهذا غلط. انتهى [«شرح النوويّ» (17) / (58)].
فقه وفوائد الحديث:
1 – (منها): بيان فضل الإخلاص في العمل، وفضل برّ الوالدين، وفضل خدمتهما، وإيثارهما عمن سواهما من الأولاد والزوجة، وغيرهم، وتحمّل المشقة لأجلهما.
وقد استُشكل تَرْكه أولاده الصغار يبكون من الجوع طول ليلتهما، مع قدرته على تسكين جوعهم، فقيل: كان في شرعهم تقديم نفقة الأصل على غيرهم، وقيل: يَحْتَمِل أن بكاءهم ليس عن الجوع، وقد تقدم ما يردّه، وقيل: لعلهم كانوا يطلبون زيادة على سدّ الرمق، وهذا أولي، قاله في «الفتح» [«الفتح» (8) / (118) – (119) رقم ((3465))].
2 – (ومنها): بيان إجابة دعاء من برّ والديه، وقد عقد البخاريّ – رَحِمَهُ اللهُ – في
«كتاب الأدب» من «صحيحه»، فقال: «باب إجابة دعاء من برّ والديه»، ثم أورد الحديث.
3 – (ومنها): استحباب التوسّل بالأعمال الصالحة، قال النوويّ – رَحِمَهُ اللهُ -:
استدلّ أصحابنا بهذا على أنّه يستحب للانسان أن يدعو في حال كربه، وفي
دعاء الاستسقاء وغيره بصالح عمله، ويتوسل إلى الله تعالى به؛ لأنّ هؤلاء
فعلوه، فاستجيب لهم، وذكره النبيّ – صلى الله عليه وسلم – في معرض الثناء عليهم، وجميل فضائلهم. انتهى [«شرح النوويّ» (17) / (56)].
وقال في «الفتح»: في هذا الحديث استحباب الدعاء في الكرب، والتقرب إلى الله تعالى بذكر صالح العمل، واستنجاز وعده بسؤاله، واستَنبط منه بعض الفقهاء استحباب ذِكر ذلك في الاستسقاء.
واستشكله المحبّ الطبريّ؛ لِما فيه من رؤية العمل، والاحتقار عند السؤال في الاستسقاء أولى؛ لأنه مقام التضرع.
وأجاب عن قصة أصحاب الغار بأنهم لَمْ يستشفعوا بأعمالهم، وإنما سألوا الله إن كانت أعمالهم خالصة، وقُبلت أن يجعل جزاءها الفرج عنهم.
قال الحافظ: فتضمن جوابه تسليم السؤال، لكن بهذا القيد، وهو حسن،
وقد تعرّض النوويّ لهذا، فقال في «كتاب الأذكار»: «باب دعاء الإنسان،
وتوسله بصالح عمله إلى الله»، وذَكَر هذا الحديث، ونقل عن القاضي حسين
وغيره استحباب ذلك في الاستسقاء، ثم قال: وقد يقال: إن فيه نوعًا من ترك
الافتقار المطلق، ولكن النبيّ – صلى الله عليه وسلم – أثنى عليهم بفعلهم، فدلّ على تصويب
فِعلهم.
وقال السبكي الكبير: ظهر لي أن الضرورة قد تُلجئ إلى تعجيل جزاء بعض الأعمال في الدنيا، وأن هذا منه، ثم ظهر لي أنه ليس في الحديث رؤية عمل بالكلية؛ لقول كلّ منهم: إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فلم يعتقد أحد منهم في عمله الإخلاص، بل أحال أمره إلى الله، فماذا لَمْ
يجزموا بالإخلاص فيه، مع كونه أحسن أعمالهم، فغيره أولي، فيستفاد منه أن
الذي يصلح في مثل هذا أن يعتقد الشخص تقصيره في نفسه، ويسيء الظن
بها، ويبحث عن كلّ واحد من عمله يظن أنه أخلص فيه، فيفوّض أمره إلى الله،
ويعلّق الدعاء على علم الله به، فحينئذ يكون إذا دعا راجيًا للإجابة، خائفًا من
الردّ، فإن لَمْ يغلب على ظنه إخلاصه، ولو في عمل واحد، فليقف عند حدّه،
ويستحي أن يسأل بعمل ليس بخالص، قال: وإنما قالوا: ادعوا الله بصالح
أعمالكم في أول الأمر، ثم عند الدعاء لَمْ يطلقوا ذلك، ولا قال واحد منهم:
أدعوك بعملي، وإنما قال: إن كنت تعلم، ثم ذكر عمله. انتهى ملخصًا.
قال الحافظ: وكأنه لَمْ يقف على كلام المحبّ الطبريّ الذي ذكرته فهو
السابق إلى التنبيه على ما ذكر، والله أعلم. انتهى [«الفتح» (8) / (118) – (119) رقم ((3465))].
4 – (ومنها): بيان فضل العفاف، والانكفاف عن المحرمات، لا سيما بعد القدرة عليها، والهمّ بفعلها، وترْكها لله تعالى خالصًا، وأن ترك المعصية يمحو مقدمات طلبها، وأن التوبة تَجُبّ ما قبلها.
5 – (ومنها): بيان جواز الإجارة، وفضل حسن العهد، وأداء الأمانة، والسماحة في المعاملة.
6 – (ومنها): بيان جواز الإجارة بالطعام المعلوم بين المتآجرين.
7 – (ومنها): بيان فضل أداء الأمانة، وإثبات الكرامة للصالحين بإجابة
دعائهم، وغيره، قال القاري – رَحِمَهُ اللهُ -: لا خلاف في جواز استجابة الدعاء للوليّ وغيره ما عدا الكافر، فإن فيه خلافًا، لكنه ضعيف؛ لاستجابة دعاء إبليس،
والاستدلالُ بقوله تعالى: {وما دُعاءُ الكافِرِينَ إلّا فِي ضَلالٍ} [الرعد (14)] غير
صحيح؛ لأنه ورد في دعاء الكفار في النار، بخلاف الدنيا، فإنه ورد أنه – صلى الله عليه وسلم –
قال: «اتق دعوة المظلوم، وإن كان كافرًا، فإنه ليس دونها حجاب» [حديث حسن، راجع: «السلسلة الصحيحة» للشيخ الألبانيّ – رَحِمَهُ اللهُ – (2) / (395)]، على ما رواه أحمد وغيره عن أنس، فمثل هذا لا يُعَدّ من كرامات الأولياء؛ لأنّ
الكرامة من أنواع خوارق العادة. انتهى كلام القاري – رَحِمَهُ اللهُ -[«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (14) / (224)]، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.
8 – (ومنها): استدل به على جواز بيع الفضوليّ، وهو مذهب الحنفيّة،
وبعض أهل العلم، قال الطيبيّ – رَحِمَهُ اللهَ -: وتمسَّك به أصحاب أبي حنيفة وغيرهم، ممن يجيز بيع الإنسان مال غيره، والتصرف فيه بغير إذنه، إذا أجازه المالك بعد ذلك.
وأجاب أصحابنا بأن هذا إخبار عن شرع من قبلنا، وفي كونه شرعًا لنا خلاف، فإن قلنا: إنا متعبدون به، فهو محمول على أنّه استأجره في الذمّة، ولم يسلم إليه، بل عَرَضه عليه، فلم يقبضه، فلم يتعين، ولم يَصِرْ ملكه، فالمستأجر قد تصرف في ملك نفسه، ثم تبرع بما اجتمع منه من البقر والغنم وغيرهما.
وتعقَّبه القاري، فقال: وفيه أن قوله: استأجره في الذِّمة غير صحيح؛ لِما في الحديث التصريح بخلافه، حيث قال: استأجرت أجيرًا بفرق أرز، ولا بد من تعيينه، وإلا فالإجارة المجهولة غير صحيحة عندهم، وكذا يَرُدّ عليه قوله:
«فعرضت عليه حقه»؛ لأنه لو فُرض أنه في الذِّمة من غير تعيين لا يسمى حقّه،
فالحق أحقّ أن يتبع. انتهى [«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (14) / (224)].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: قد أجاد القاري – رَحِمَهُ اللهُ – في تعقّبه هذا، فما دلّ
عليه ظاهر الحديث من جواز التصرّف في ملك الغير بغير إذنه، إذا كان فيه
نصيحة له هو الحقّ، والله تعالى أعلم.
9 – (ومنها): ما قاله في «العمدة»: وفيه الاستدلال لأبي ثور في قوله:
إن من غصب قَمْحًا، فزرعه، أن كلّ ما أخرجت الأرض من القمح فهو
لصاحب الحنطة.
وقال الخطابيّ: استَدَلّ به أحمد على أنّ المستودَع إذا اتّجر في مال الوديعة، ورَبِح أن الربح إنما يكون لرب المال، قال: وهذا لا يدلُّ على ما
قال، وذلك أن صاحب الفرق إنما تبرع بفعله، وتقرب به إلى الله – عَزَّوَجَلَّ -، وقد
قال: إنه اشترى بقرأ، وهو تصرف منه في أمر لَمْ يوكله به، فلا يستحقّ عليه
ربحًا، والأشبه بمعناه: أنه قد تصدق بهذا المال على الأجير بعد أن اتّجر فيه،
وأنماه، والذي ذهب إليه أكثر الفقهاء في المستودَع إذا اتجر بمال الوديعة،
والمضارب إذا خالف رب المال، فربحا أنه ليس لصاحب المال من الربح
شيء، وعند أبي حنيفة: المضارب ضامن لرأس المال، والربح له، ويتصدق
به، والوضيعة عليه.
وقال الشافعيّ: إن كان اشترى السلعة بعين المال، فالبيع باطل، وإن
كان بغير عينه فالسلعة ملك المشتري، وهو ضامن للمال.
وقال ابن بطال: وأما من اتجر في مال غيره، فقالت طائفة: يطيب له
الربح إذا ردّ رأس المال إلى صاحبه، سواء كان غاصبًا للمال، أو كان وديعة
عنده متعديًا فيه، هذا قول عطاء، وما لك، والليث، والثوريّ، والأوزاعي،
وأبي يوسف، واستَحَبّ مالك، والثوريّ، والأوزاعيّ تنزهه عنه، ويتصدق به.
وقالت طائفة: يردّ المال، ويتصدق بالربح كله، ولا يطيب له منه شيء،
هذا قول أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، وزفر.
وقالت طائفة: الربح لرب المال، وهو ضامن لِما تعدى فيه، هذا قول
ابن عمر، وأبي قلابة، وبه قال أحمد، وإسحاق.
وقال ابن بطال: وأصح هذه الأقوال قول من قال: إن الربح للغاصب،
والمتعدي، والله أعلم. انتهى.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: عندي أن ما ذهب إليه ابن عمر ومن معه هو
الحقّ؛ لأنّ الربح ثمرة أصل المال، وهو مُلك لصاحبه، فيكون تابعًا له، ولا
ينتقل عنه إلى المودَع إلّا بنص، أو إجماع، ولا يوجدان، فتأمله بالإمعان،
والله تعالى أعلم.
10 – (ومنها): أن فيه الإخبارّ عن الأمم الماضية، وذِكر أعمالهم؛ ليعتبر
السامعون بأعمالهم، فيعملوا بحَسَنها، ويتركوا قبيحها، ولم يكن النبيّ – صلى الله عليه وسلم – يتكلم
بشيء إلّا لفائدة، وإذا كان مزاحه كذلك، فما ظنك بأخباره، والله تعالى أعلم.
[البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
سبق ذكر في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1152) ذكر الروايات، وغير ذلك فيما يتعلق بالباب من الفوائد، ومن ذلك:
11 – (ومنها): فضيلة العفَّة عن الزّنا، وأنَّ الإنسان إذا عفَّ عن الزّنا مع قُدرته عليه، فإنَّ ذلك من أفضل الأعمال، وفي الصَّحيحَين من حديث أبي هُرَيْرة – رضي الله عنه – أنَّ النَّبيَّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم – قال: ((سبعةٌ يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلُّه))، وذكر منهُم: ((ورجل دعتْه امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله)) [ص 277 برقم 1423، وصحيح مسلم ص 397 برقم 1031].
12 – (ومنها): في الحديث دليلٌ على إصلاح العمل للغَير، فإنَّ هذا الرَّجُل كان بإمكانه لمَّا جاءه الأجير أن يُعْطيه أجرَه ويُبقي هذا المال له، ولكن لأمانته وإخلاصه لأخيه ونُصحه له، أعطاه كلَّ ما أثمر أجرة له؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8].
13 – (ومنها): أنَّ مِن أعظم الأسباب التي تُدفع بها المكاره الدُّعاء، فإنَّ الله سمع دعاء هؤلاءِ واستجاب لهم؛ قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
14 – (ومنها): أنَّ الإخلاص من أسباب تفْريج الكربات؛ لأنَّ كلَّ واحد منهم يقول: “اللَّهُمَّ إن كنت فعلتُ ذلك من أجلك، فافرُجْ عنَّا ما نحن فيه”. [شرح حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار]. وهذا تؤكد على أثر الإخلاص وابتغاء وجه الله، في تفريج الكربات، وقبول الأعمال.
15 – (ومنها): تبين ضرورة أن يكون للإنسان رصيد من عمل صالح في وقت الرخاء ينجيه الله به حال الشدة والبلاء، فقد أنجى الله هؤلاء الثلاثة وكشف ما بهم بما سبق لهم من الخير والفضل والإحسان {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} [الطلاق 2].
16 – (ومنها): مدى تأثير الفقر والحاجة في إشاعة الفاحشة ونشر الرذيلة، فتلك المرأة التي تحدث عنها الحديث لم يكن لديها أي رغبة في الانحراف بدليل أنها رفضت في المرة الأولى أن تمكن ابن عمها من نفسها، وخوفته بالله في المرة الثانية، ولكن الحاجة هي التي دفعتها؛ لأن تتنازل عن أعز ما تملك، ومن أجل ذلك حارب الإسلام الفقر بشتى الطرق والوسائل، وجعل للفقراء نصيباً في أموال الأغنياء، وما الزكوات والصدقات والكفارات والنذور في وجه من وجوهها إلا لتحسين وضع الفقراء في الأمة، ودفع غوائل الفاقة عنهم.
17 – (ومنها): فإن هذه القصة قد أرست أصول الأخلاق والعلاقات الاجتماعية بين الناس، والتي إن شاعت في مجتمع ما، ارتفعت به إلى أعلى درجات الرقي، وأسمى مراتب الكمال، وهذه الأخلاق هي البر والعفة والأمانة، فالبر والصلة هو الذي ينبغي أن يحوط علاقة المرء مع أقاربه وأرحامه، والعفة والطهارة هي التي ينبغي أن تبنى العلاقات الاجتماعية على أساسها، ثم الأمانة وحفظ الحقوق هي التي يجب أن تقوم عليها التعاملات التجارية والمالية، وبغير هذه الأخلاق تتفكك المجتمعات، ويكون مصيرها الدمار والخراب.
ولذلك لخص أبو سفيان دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم- لأصول الأخلاق، حين سأله هرقل، وقال له: فماذا يأمركم؟ قال: ” ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة ” رواه البخاري. [قصة الثلاثة الذين آواهم الغار].
18 – (ومنها): التيقن بأنه مهما ضاق الأمر فإن الفرج قريب، والبعد عن القنوت.
19 – (ومنها): أهمية التوكل وتعلق القلوب بالله عزوجل.
20 – (ومنها): صنائع المعروف تقي مصارع السوء.
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
أنواع التوسل:
تمهيد:
“التوسل على نوعين:
توسل مشروع وتوسل ممنوع.
توسل المشروع: هو توسل إلى الله بأسمائه وصفاته، توسل بالأعمال الصالحة، التوسل بطلب الدعاء من الأحياء الحاضرين أن يدعوا لك بأمرك هذا جائز كله جائز.
التوسل الممنوع: هو التوسل بجاه المخلوق أو بحقه أو بشخصه أو بصلاحه هذا توسل ممنوع، وإذا صحبه صرف شيء من العبادة لمتوسل به هذا شرك أكبر كما عليه أهل الجاهلية (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)، وكما عليه غالب القبوريين الذين يتقربون إلى الأموات بأنواع من العبادات ويقولون أنهم يشفعون لنا عند الله فهذا شرك أكبر”. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ صالح الفوزان، أنواع التوسل، السؤال: يسأل هذا السائل يا شيخ عن التوسل وعن أنواعه وذلك بدعاء الصالحين؟]
تفصيل:
” التوسل أقسام:
[1] توسل شرعي، وهو “التوسل إلى الله بطاعته واتباع شريعته”، وهذا هو الدين كله، الدين هو التوسل إلى الله بطاعته وتوحيده والإخلاص له في دخول الجنة والنجاة من النار، فتوحيد الله وطاعة أوامره وترك نواهيه والوسيلة إلى جنته وكرامته.
[2] والنوع الثاني: “توسل بأسمائه وصفاته وأعمالك الصالحة في دعواتك”، وهذا جائز أيضًا، اللهم إني أسألك بأسمائك وصفاتك أن تغفر لي، اللهم إني أسألك بإيماني بك وبمحبتي لك ولنبيك، اللهم إني أسألك بأعمالي الصالحة بطاعتي لك واتباعي لشريعتك وأدائي الأمانة وبري الوالدين وعفتي عما حرمت علي يا ربي أسألك أن تغفر لي، هذا توسل بأسماء الله وصفاته وبأعمالك الطيبة، كل هذا توسل شرعي طيب مأمور به.
[3] والتوسل الثالث: “التوسل بدعاء أخيك يدعو لك”، يا فلان ادع الله لي، اللهم إني أسألك أن تقبل دعاءه لي، وما أشبه ذلك، كما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يدعو لأصحابه، وهو توسل بدعائه، وكما دعا للأعمى حتى شفاه الله، هو توسل بدعاء الحي إذا دعا لك واستغفر لك تقول: اللهم تقبل منه.
هذا كله جائز، وكله شرعي.
وهناك توسل باطل وتوسل شركي، وهو نوعان:
[1] نوع معناه الشرك الأكبر، وهو توسل إلى الله بعبادة الأنبياء والأولياء والكواكب ونحو ذلك؛ كما قال الكفار: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:18] هذا شرك أكبر، أن يتوسل بالأنبياء والصالحين يدعوهم مع الله، يستغيث بهم، ينذر لهم، يتقرب إليهم بالسجود بالذبائح بطلب المدد، هذا شرك أكبر، ويسميه بعض المشركين توسل، وهكذا كونه يتوسل بالكواكب بالنجوم بالشمس بالقمر بالأصنام يدعوها، يستغيث بها، يطلبها المدد، يذبح لها، ينذر لها، هذا توسل شركي شرك أكبر.
[2] توسل محرم ممنوع، وهو أن تقول: اللهم إني أسألك بجاه نبيك أو بجاه الأنبياء أو بحق الأنبياء أو بحق والدي أو بحق فلان أو بجاه فلان.
هذا بدعي لا يجوز وليس بشرك، لكنه من وسائل الشرك، والصحيح عند جمهور أهل العلم منعه، وأنه لا يجوز التوسل به لأن الله ما شرع لنا التوسل بحق فلان ولا بجاه فلان ولا بذات فلان، ولكنه يتوسل بأسماء الله وصفاته وبأعمالنا الصالحة كما قال عزوجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، وقال في الحديث الصحيح: من قال: ((اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا الله، الواحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد))، لما سمع النبي رجلا يدعو بهذا الدعاء قال: ((لقد سأل الله باسمه الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى)).
كذلك حديث الثلاثة الذين دخلوا في الغار وانطبقت عليهم الصخرة فتوسلوا إلى الله أحدهم ببر والديه، والثاني توسل إلى الله بعفته عن الزنا، والثالث توسل إلى الله بأدائه الأمانة فرج الله عنهم.
فالتوسل بالإيمان والتقوى والعمل الصالح بأسماء الله وصفاته هذا هو المشروع، أو بدعاء أخيك لك إذا دعا لك هذا هو المشروع، أما التوسل بجاه فلان أو بحياة فلان أو بذات فلان أو بحق فلان هذا غير مشروع، بل هو بدعة ولا يجوز عند أهل العلم، عند عامة أهل العلم وجمهور أهل العلم لا يجوز؛ لأنه توسل غير مشروع، ما شرعه الله لنا”. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد العزيز عبد الله بن باز، فتاوى الجامع الكبير، أنواع التوسل. بتصرف يسير]. انتهى النقل من التعليق على الصحيح المسند.