: (2736) إلى (2742) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام مسلم رحمه الله في صحيح مسلم، كِتابُ الرِّقاقِ، (26) – بابُ أكْثَرُ أهْلِ الجَنَّةِ الفُقَراءُ وأكْثَرُ أهْلِ النّارِ النِّساءُ وبَيانِ الفِتْنَةِ بِالنِّساءِ.
(93) – ((2736)) حَدَّثَنا هَدّابُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ح وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ مُعاذٍ العَنْبَرِيُّ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأعْلى، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ، ح وحَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، أخْبَرَنا جَرِيرٌ، كُلُّهُمْ عَنْ سُلَيْمانَ التَّيْمِيِّ، ح وحَدَّثَنا أبُو كامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ – واللَّفْظُ لَهُ – حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا التَّيْمِيُّ، عَنْ أبِي عُثْمانَ، عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «قُمْتُ عَلى بابِ الجَنَّةِ، فَإذا عامَّةُ مَن دَخَلَها المَساكِينُ، وإذا أصْحابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ، إلّا أصْحابَ النّارِ، فَقَدْ أُمِرَ بِهِمْ إلى النّارِ، وقُمْتُ عَلى بابِ النّارِ، فَإذا عامَّةُ مَن دَخَلَها النِّساءُ».
(94) – ((2737)) حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا إسْماعِيلُ بْنُ إبْراهِيمَ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أبِي رَجاءٍ العُطارِدِيِّ، قالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ، يَقُولُ: قالَ مُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم -: «اطَّلَعْتُ فِي الجَنَّةِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِها الفُقَراءَ، واطَّلَعْتُ فِي النّارِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِها النِّساءَ»،
(94) – وحَدَّثَناهُ إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، أخْبَرَنا الثَّقَفِيُّ، أخْبَرَنا أيُّوبُ بِهَذا الإسْنادِ،
(94) – وحَدَّثَنا شَيْبانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنا أبُو الأشْهَبِ، حَدَّثَنا أبُو رَجاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم -، اطَّلَعَ فِي النّارِ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أيُّوبَ،
(94) – حَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي عَرُوبَةَ، سَمِعَ أبا رَجاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: فَذَكَرَ مِثْلَهُ
(95) – ((2738)) حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أبِي التَّيّاحِ، قالَ: كانَ لِمُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ امْرَأتانِ، فَجاءَ مِن عِنْدِ إحْداهُما، فَقالَتِ الأُخْرى: جِئْتَ مِن عِنْدِ فُلانَةَ؟ فَقالَ: جِئْتُ مِن عِنْدِ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَحَدَّثَنا أنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، قالَ: «إنَّ أقَلَّ ساكِنِي الجَنَّةِ النِّساءُ»،
(95) – وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الحَمِيدِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أبِي التَّيّاحِ، قالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا يُحَدِّثُ أنَّهُ كانَتْ لَهُ امْرَأتانِ، بِمَعْنى حَدِيثِ مُعاذٍ
(96) – ((2739)) حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الكَرِيمِ أبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُوسى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قالَ: كانَ مِن دُعاءِ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «اللهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِن زَوالِ نِعْمَتِكَ، وتَحَوُّلِ عافِيَتِكَ، وفُجاءَةِ نِقْمَتِكَ، وجَمِيعِ سَخَطِكَ»
(97) – ((2740)) حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، ومُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنْ سُلَيْمانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أبِي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أضَرُّ عَلى الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ»
(98) – ((2741)) حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ العَنْبَرِيُّ، وسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأعْلى، جَمِيعًا عَنِ المُعْتَمِرِ – قالَ: ابْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمانَ – قالَ: قالَ أبِي، حَدَّثَنا أبُو عُثْمانَ، عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حارِثَةَ، وسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، أنَّهُما حَدَّثا عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – أنَّهُ قالَ: «ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِي النّاسِ فِتْنَةً أضَرَّ عَلى الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ»
(98) – وحَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ نُمَيْرٍ، قالا: حَدَّثَنا أبُو خالِدٍ الأحْمَرُ، ح وحَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنا هُشَيْمٌ، ح وحَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، أخْبَرَنا جَرِيرٌ، كُلُّهُمْ عَنْ سُلَيْمانَ التَّيْمِيِّ، بِهَذا الإسْنادِ مِثْلَهُ
(99) – ((2742)) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، ومُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أبِي مَسْلَمَةَ، قالَ: سَمِعْتُ أبا نَضْرَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -، قالَ: «إنَّ الدُّنْيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيها، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فاتَّقُوا الدُّنْيا واتَّقُوا النِّساءَ، فَإنَّ أوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إسْرائِيلَ كانَتْ فِي النِّساءِ» وفِي حَدِيثِ ابْنِ بَشّارٍ: «لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ».
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
أولاً: تمهيد
((51)) – (كِتابً الرّقاقِ)
قال الإتيوبي عفا الله عنه: هذه الترجمة توجد في النسخة التركيّة، وفي نسخة شرح النوويّ، ولا توجد في بعض النسخ، كالهنديّة، ولذا جعلوا الأحاديث الآتية تابعة للكتاب الماضي: «كتاب الذكر، والدعاء»، وأعطوها الأرقام المسلسلة فيه، والصواب عندي النسخة الأُولى؛ لأن الأحاديث الآتية لا تشبه أحاديث الكتاب الماضي، بل هي مستقلّة بنفسها، فينبغي لها كتاب مستقلّ، فليُتنبّه، والله تعالى وليّ التوفيق.
وفي هذه المقدمة عدة مسائل:
(المسألة الأولى): تعريف الرقائق
و «الرِّقاقُ»، و «الرَّقائق»: جمع رقيقة، وسمّيت الأحاديث بذلك؛ لأن في كل منها ما يُحدث في القلب رِقَة، قال أهل اللغة: الرقة: الرحمة، وضدّ الغِلَظ، ويقال للكثير الحياء: رَقَّ وجهه استحياءً، وقال الراغب: متى كانت الرقة في جسم، فضدّها الصفاقة، كثوب رقيق، وثوب صَفِيق، ومتى كانت في نفس، فضدّها القسوة، كرقيق القلب، وقاسي القلب، وقال الجوهريّ: وترقيق الكلام تحسينه، ذكره في «الفتح». [«الفتح» (14) / (491)، «كتاب الرقاق» رقم ((6412))].
قال الملا على القاري رحمه الله: قال السيوط المراد بها: الكلمات التي ترق بها القلوب إذا سمعت، وترغب عن الدنيا بسببها، وتزهد فيها.
سميت هذه الأحاديث بذلك؛ لأنها تحدث رقة ورحمة. [مرقاة المفاتيح (8/ 225].
(المسألة الثانية): تتضح أهمية الرقائق أو حاجتنا إلى الرقائق في النقاط التالية:
((1)) أن من كان قبلنا كانوا يعيشون في محيط إسلامي والمنكرات تستتر، أما الآن فالمنكرات كثرة مما يزيد من احتمال تأثر المؤمن بها من حيث لا يريد، فتكون الرقائق بمثابة الوقود التي تعطي المسلم طاقة في مواجهة هذه المنكرات.
((2)) أن الرقائق تعطي قوة دفع للمسلم لامتثال ما يؤمر به والانتهاء عما ينهى عنه، فمثلا كان أول ما أنزل ذكر الجنة والنار وما فيهما وما أعد لأهلهما، ثم نزلت الأحكام بعد أن تهيأت النفوس للقبول. تقول عائشة: «أول ما نزل من القرآن سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول ما نزل لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمرة أبدا».
((3)) الرقائق تقوي الإيمان الذي يعين المسلم على الثبات في مواجهة الشهوات، ومن المعلوم أن الشهوات سببت ضعف إيمان كثير من المسلمين.
((4)) أن مخاطبة العقل وحده قد لا تكفي ما لم تكن ممزوجة بإثارة العاطفة، إذ إن مخاطبة العقل وحده قد لا تنتج إلا معلومات نظرية جافة لا حياة فيها، أما مخاطبة العقل والعاطفة فتؤدي إلى الإقناع والتطبيق العملي.
((5)) الرقائق تجدد الإيمان في القلب.
((6)) طلبة العلم والدعاة بحاجة إلى الرقائق، وذلك لما يلي:
أ- العناية بالرقائق تجنب طالب العلم بإذن الله الإصابة فإنه تصيبه في مقتل، كآفة العجب أو الحسد أو الهوى أو غيرها.
ب- طالب العلم والدعية يدعو الآخرين إلى طاعة الله والإنابة إلى الله والإخبات إليه والخشوع والخضوع، مما يجعل هذه الأمور لابد من توفرها في هذا الداعية؛ إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه، والذي يوفر هذه الأشياء في نفس الداعية الرقائق.
ج- طالب العلم والداعية قدوة للآخرين، فيستفيدون منه، والاستفادة من فعله أبلغ من الاستفادة من قوله، لذا لابد أن يكون رقيق القلب، وقد كان السلف يعنون عند طلبهم للعلم بانتقاء الشيخ الذي يتعلمون منه ويأخذون عنه فينظرون إلى عبادته وهديه وسمته فإن أحسن هذه الأشياء أخذوا عنه وإلا تركوه.
د- الداعية يتعرض للامتحان والابتلاء والذي يعينه على الثبات بإذن الله الرقائق.
(المسألة الثالثة): العناية بالرقائق:
لقد اعتنى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بما يُرَقِّقُ قلوبَ أصحابه ويدفعهم للامتثال، بل وجدوا منه – صلى الله عليه وسلم – قدوة عملية في ذلك، إذ كان أرقهم قلبًا وأشدهم خشيةً لله وخوفًا منه، وأحرصهم على ما يُرَقِّقُ قلبه، وكان – صلى الله عليه وسلم – يستعيذ من قلب لا يخشع، وتأمل في .. (حديث حنظلة بن الربيع الأُسيدي الثابت في صحيح مسلم) قال لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قال قلت نافق حنظلة …. قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا.
فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات.
والشاهد من هذا قوله: نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين.
والتذكير بالجنة والنار من الرقائق.
وقد قال الله تعالى: «ألَمْ يَانِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وما نَزَلَ مِنَ الحَقِّ ولا يَكُونُوا كالَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فاسِقُونَ» (الحديد: (16)).
قال ابن مسعود: «ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين».
ولذا رَقَّتْ قلوب الصحابة واعتنوا بما يُرَقِّق قلوبهم وابتعدوا عما يسبب قسوتها، وتأمل في (حديثُ جندب ابن عبد الله صحيح ابن ماجة) قال كنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – ونحن فتيانٌ حزاوِرَة، فتعلمنا الإيمانَ قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآنَ فازددنا به إيمانا.
كانت السورة تَنْزِلُ فيتعلَّمون حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها. (كما في: بيان مشكل الآثار للطحاوي (4) / (44) عن ابن عمر رضي الله عنهما.) حتّى لقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه تعلَّم سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة. (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1) / (76)، ط: دار الكتاب العربي بيروت).
يقول ابن مسعود: «إنما العلم خشية الله».
لقد أكثروا من عبادة ربهم العبادة المشروعة، فقد كان يسمع لهم في الليل دوي كدوي النحل من قراءة القرآن والتهجد به، لقد كانوا يبكون من خشية الله ولهم في ذلك القصص، وكذلك من بعدهم.
** وصنف العلماء في الرقائق كتبا مستقلة واعتنوا بها، بل إنك لا تكاد تجد كتابا صنف في الحديث إلا وأفرد للرقائق والزهد كتابا أو بابا، وأشهر من عرف في هذا الباب من العلماء ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وابن رجب وغيرهم رحمهم الله.
وكانوا يعدون خشية الله ورقة القلب هي العلم الحقيقي وأن العلم الحقيقي هو ما يورث الخشية ورقة القلب. يقول الحسن: إن كان الرجل إذا طلب العلم لم يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وبصره ولسانه ويده وزهده.
* “فكتب الرقائق والسلوك عمومًا محورها وغايتها هو تزكية النفس، ومن أبرز تلك الكتب كتب العلامة ابن قيم الجوزية مثل: لداء والدواء (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان- طريق الهجرتين- مدارج السالكين. مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي- تلبيس إبليس لابن الجوزي.
ومما يعين على تزكية النفس مطالعة كتب الترغيب والترهيب، ككتاب الترغيب والترهيب للمنذري، أو صحيح الترغيب والترهيب للألباني، وكذلك الكتب المتعلقة بأحوال الموتى والدار الآخرة، ككتاب حادي الأرواح لابن القيم، وكتاب التخويف من النار لابن رجب، وكتاب التذكرة للقرطبي، فإن هذه من أنفع العلوم لصلاح الباطن وحصول الاستقامة”.
(المسألة الرابعة): التوازن في الرقائق:
مما يجب التنبيه عليه أنه لابد من التوازن بين علم الرقائق وغيره من أبواب العلم، وأن لا نتجاوز به حد الاعتدال الذي شرعه الله عز وجل، وكان هديه – صلى الله عليه وسلم – المثل الأعلى في ذلك، ولا يجوز لأحد من أمته – صلى الله عليه وسلم – أن يزيد عليه أو أن يظن أنه أكمل عبادة من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وتأمل في (حديث أنس الثابت في الصحيحين) وفيه: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.
* ولا يظن ظان أن الكلام في الرقائق يعني ترك العلم، فالرقائق باب من أبواب العلم، والعالم لابد أن يكون قدوة في خشيته لله وهديه وسمته ولو لم يكن فيه ذلك لما قام بواجب العلم، والعلم يؤدي إلى رقة القلب وخشية الله قال تعالى: (إنّما يَخْشى اللّهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ) [فاطر (28)]
والقلب إذا رق ولان لخالقه وتوجه إلى ربه بصفاء روح وجد لذة تتضاءل بجانبها اللذات الدنيوية.
(المسألة الخامسة): ما الأشياء التي يمكن أن نطلق عليها رقائق؟
الأشياء التي يمكن أن نطلق عليها رقائق، هي الأشياء التي تسبب رقة القلب وهي موضوع كتاب الرقائق، وهي كما يلي جملةً وتفصيلا:
(أولًا ذكر أبواب الرقائق جملةً:
باب هتك الحُجُبُ التي تحول بين العبد وربه:
باب شرطي قبول العمل:
باب حقيقة الموت:
باب كل نفس ذائقة الموت:
باب ذِكْرُ الموت:
باب كيف نستعد للموت؟
باب استحضار حسن الخاتمة وسوء الخاتمة:
باب ساعة الاحتضار:
باب وجوب الصبر والاسترجاع لأهل الميت:
باب ما ورد في البكاء على الميت:
باب غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه:
باب أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور:
باب القيامة الكبرى وما يجري فيها:
باب الترغيب في الجنة:
باب التخويف من النار:
باب معرفة حقيقة الدنيا:
باب حال المؤمن في الدنيا:
باب ذم طول الأمل:
باب مجالسة الصالحين:
باب المواظبة على قراءة القرآن الكريم:
باب اغتنام كنوز الحسنات:
باب تزكية النفوس:
ثم فصل جامع الكتاب بقية الابواب [فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب وهو عبارة عن عشرة مجلدات].
ثانيًا: ما ورد في الباب
((1)) – (باب: أكثَرُ أهْلِ الجَئةِ الفُقَراءُ، وأكثَرُ أهْلِ النّارِ النِّساءُ، وبَيانُ الفِتْنَةِ بِالنِّساءِ)
[(6912)] ((2736)) -.شرح الحديث:
(قُمْتُ عَلى بابِ الجَنَّةِ) ظاهره أنه رأى ذلك ليلة الإسراء، أو منامًا، وهو غير رؤيته النار وهو في صلاة الكسوف، ووهم من وحّدهما، وقال الداوديّ: رأى ذلك ليلة الإسراء، أو حين خسفت الشمس،
كذا قال (فَإذا عامَّةُ مَن دَخَلَها) هكذا هو في «صحيح مسلم» بلفظ الماضي، وقال السنديّ -: يَحْتَمِل أن المضي في المواضع كلها بمعنى الاستقبال، والتعبير عن المستقبل بالماضي؛ لإفادة أنه كالذي تحقق، ومضى، ويحْتَمِل أن المضي في «قمت» على ظاهره، وكان القيام ليلة المعراج مثلًا [«حاشية السندي على صحيح البخاريّ» (3) / (98)]،
وقوله: (المَساكِينُ) مرفوع على الفاعليّة.
وقال السنديّ -: وقوله: «فإذا عامة من دخلها» بمعنى أنه ظهر له ببعض علامات، أو عُلِّم به أراد الله تعالى لإعلامه به، ومعنى من دخلها: من سيدخلها، والله تعالى أعلم [«حاشية السندي على صحيح البخاريّ» (3) / (98)].
وأما حديث: «ورأيت أكثر أهلها»، فلعل المراد به أنه ظهر لي بعلامات ونحو ذلك، فلا ينافي أن الدخول يكون في يوم القيامة لا في البرزخ، والله تعالى أعلم.
(واِذا أصْحابُ الجَدِّ) بفتح الجيم؛ أي: الأغنياء، (مَحْبُوسُونَ) في العرَصات، فلم يؤذن لهم في دخول الجنة؛ لطول حسابهم.
وقال في «الفتح»: قوله: «محبوسون»؛ أي: ممنوعون من دخول الجنة مع الفقراء، من أجل المحاسبة على المال، وكان ذلك عند القنطرة التي يتقاصّون فيها بعد الجواز على الصراط. انتهى [«الفتح» (14) / (88)].
وقال في «العمدة»: قال الداوديّ: أرجو أن يكون المحبوسون أهل التفاخر؛ لأن أفاضل هذه الأمة كان لهم أموال، ووصفهم الله تعالى بأنهم سابقون.
وقال ابن بطال: إنما صار أصحاب الجدّ محبوسين؛ لِمَنعهم حقوق الله تعالى الواجبة للفقراء في أموالهم، فحُبسوا للحساب، كما مَنعوه، فأما من أدّى حقوق الله تعالى في ماله، فإنه لا يُحبس عن الجنة، إلا أنهم قليل، وإذا كثر المال تضيع حقوق الله فيه؛ لأنه محنة، وفتنة. انتهى [«عمدة القاري شرح صحيح البخاريّ» (29) / (457)].
(فَقَدْ أمِرَ بِهِمْ إلى النّارِ)؛ أي: فلا يوقفون في العرَصات، بل يساقون إليها، ويوقف المسيئون في العرصات للحساب، والمساكين هم السابقون إلى الجنة؛ لفقرهم، وخفة ظهورهم.
(وقُمْتُ عَلى باب النارِ، فَإذا عامَّةُ مَن دَخَلَها النِّساءُ»)؛ أي: لأنهن يَكْفُرن العشير، ويُنكرنَ الإحسان، كما جاء في الحديث.
قيل: هذا يدلّ على أن الفقر أفضل من الغنى، وهو مذهب الجمهور، والخلاف فيه مشهور.
قال القرطبيّ: إنما كان النساء أقلّ ساكني الجنة؛ لِما يغلب عليهنّ من الهوى، والميل إلى عاجل زينة الدنيا، والإعراض عن الآخرة؛ لِنَقْص عقلهنّ، وسرعة انخداعهنّ.
وحديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- هذا متّفقٌ عليه.
فقه وفوائد الحديث:
(1) – (منها): أن فيه بيان عَلَمٍ من أعلام النبوّة، حيث أخبر النبيّ -صلي الله عليه وسلم- بما أطلعه الله على بعض مغيباته، فأخبر به أمته تحذيرًا لها.
(2) – (ومنها): ما قاله الإمام ابن حبّان – في «صحيحه» بعد إخراجه الحديث: اطلاعه- صلى الله عليه وسلم – إلى الجنة والنار معًا كان بجسمه، ونظره العيان، تفضلًا من الله جلّ وعلا عليه، وفَرْقًا فرّق به بينه وبين سائر الأنبياء -، فأما الأوصاف التي وصَف أنه رأى أهل الجنة بها، وأهل النار بها، فهي أوصاف صُوِّرت له- صلى الله عليه وسلم – ، ليعلم بها مقاصد نهاية أسباب أمته في الدارين جميعًا؛ ليرغِّب أمته بأخبار تلك الأوصاف لأهل الجنة؛ ليرغبوا، ويرهّبهم بأوصاف أهل النار؛ ليرتدعوا عن سلوك الخصال التي تؤديهم إليها. انتهى [«صحيح ابن حبان» (16) / (495)].
كان في ذهني أنه رأى أرواحهم؛ لكن يشكل عليه أنه رأى كل من يدخلها الى قيام الساعة. فالأقرب أنه في معنى حديث رأيت آدم لأولاده من أهل الجنة عن يمينه وأولاده من أهل النار عن شماله
قال الراجحي:
(فإني رأيتكن أكثر أهل النار) الفاء للتعليل، و”رأى” إن كانت علمية تتعدى إلى مفعولين و”أكثر” مفعولها الثاني، وإن كانت بصرية تتعدى إلى مفعول واحد و”أكثر” منصوب على الحال، ولا يضر إضافته إلى معرفة بناء على أن “أفعل” لا يتعرف بالإضافة
«فتح المنعم شرح صحيح مسلم» (1/ 256)
(3) – (ومنها): بيان أن الفقراء هم أسبق أهل الجنّة دخولًا الجنَّة، وذلك لعدم ما يعوقهم من دخولها؛ حيث لا مال لهم يُحاسبون عليه، وعليه يدلّ حديث أبي هريرة – رضي الله عنه-، مرفوعًا: «يدخل فقراء المسلمين الجنة، قبل الأغنياء بنصف يوم، خمس مائة عام»، ورواه الترمذيّ، والنسائيّ، وقال الترمذيّ: حسنٌ صحيح.
(4) – (ومنها): بيان أن الغنى محلّ خطر لأصحابه؛ حيث يحبسهم من دخول الجنّة بسبب المحاسبة به، وعليه يدل ما أخرجه الترمذيّ من حديث أبي برزة الأسلميّ – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟، وعن علمه فيم فعل؟، وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟»، قال الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح.
(5) – (ومنها): أن فيه دليلًا على أن الجنة والنار مخلوقتان.
(6) – (ومنها): بيان كثرة دخول النساء النار، وقد بيّن النبيّ -صلي الله عليه وسلم- سببه فيما أخرجه الشيخان عن ابن عباس -رضي الله عنه – قال: قال النبيّ- صلى الله عليه وسلم -: «أُريت النار، فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكْفُرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهنّ الدهرَ، ثم رأت منك شيئًا قالت: ما رأيت منك خيرًا قط».
وأخرجا أيضًا من حديث أبي سعيد الخدريّ – رضي الله عنه – قال: خرج رسول الله -صلي الله عليه وسلم- في أضحى، أو فِطر إلى المصلى، فمرّ على النساء، فقال: «يا معشر النساء تصدّقن، فإني أريتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تُكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُبّ الرجل الحازم من إحداكنّ، قلن: وما نقصان ديننا، وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلّ، ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها».
قال الراجحي:
والخطاب في “رأيتكن” ليس المقصود به سامعات الحديث، حتى يحكم عليهن بدخول النار، فقد يكن كلهن من أهل الجنة، وإنما المقصود خطاب المنادى “معشر النساء” فكأنه قال: فإني رأيت معشر النساء أكثر أهل النار والمرئي في النار من النساء من اتصف بالصفات الذميمة، يؤيد ذلك ما وقع في حديث جابر، ولفظه “وأكثر من رأيت فيها من النساء اللاتي إن اؤتمن أفشين، وإن سئلن بخلن، وإن سألن ألحفن، وإن أعطين لم يشكرن”
«فتح المنعم شرح صحيح مسلم» (1/ 256)
(7) – (ومنها): ما قاله المهلب -: فيه من الفقه أن أقرب ما يُدخل به الجنة التواضع لله تعالى، وأن أبعد الأشياء من الجنة التكبر بالمال وغيره، وإنما صار أصحاب الجد محبوسين؛ لِمَنعهم حقوق الله الواجبة للفقراء في أموالهم، فحُبسوا للحساب عما منعوه، فأما من أدّى حقوق الله في أمواله، فإنه لا يُحبس عن الجنة، إلا أنهم قليل؛ إذ أكثر شأن المال تضيع حقوق الله فيه؛ لأنه محنة وفتنة، ألا ترى قوله: «فكان عامة من دخلها المساكين»، وهذا يدلّ على أن الذين يؤدون حقوق المال، ويسْلمون من فتنته هم الأقل، وقد احتُج بهذا الحديث في فضل الفقر على الغنى [«شرح ابن بطال على صحيح البخاريّ» (13) / (314)]، والله تعالى أعلم.
قال المناويّ-: وهذا من أقوى حجج مَن فَضّل الفقر على الغنى، والذاهبون لمقابله أجابوا بأن الفقر ليس هو الذي أدخلهم الجنة، بل الصلاح. انتهى [» فيض القدير «(1) / (545)].
(8) – قال ابن تيمية:
وقد تنازع الناس أيما أفضل: الفقير الصابر أو الغني الشاكر؟ والصحيح: أن أفضلهما أتقاهما؛ فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة كما قد بيناه في غير هذا الموضع فإن الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنة لأنه لا حساب عليهم. ثم الأغنياء يحاسبون فمن كانت حسناته أرجح من حسنات فقير كانت درجته في الجنة أعلى وإن تأخر عنه في الدخول. ومن كانت حسناته دون حسناته كانت درجته دونه؛ لكن لما كان جنس الزهد في الفقراء أغلب صار الفقر في اصطلاح كثير من الناس عبارة عن طريق الزهد.
«مجموع الفتاوى» (11/ 21)
[(6913)] ((2737)) شرح الحديث:
(عَنْ أبِي رَجاءٍ العُطارِدِيِّ) عمران بن ملحان، أو ابن تيم؛ أنه (قالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ) – رضي الله عنه – (يَقُولُ: قالَ مُحَمَّدٌ- صلى الله عليه وسلم -:» اطَّلعْتُ) بتشديد الطاء؛ أي: أشرفت، ونظرت (فِي الجَنَّةِ) قال الطيبيّ -: ضمّن «اطلعت» معنى تأملت؛ أي: فعدّاه بـ «في»، وقوله: (فَرَأيْتُ) بمعنى: علمت، ولذا عدّاه إلى مفعولين، ولو كان «رأيت» بمعناه الحقيقيّ لكفاه مفعول واحد. انتهى.
قال الحافظ: ظاهره أنه رأى ذلك ليلة الإسراء، أو منامًا، وهو غير رؤيته النار، وهو في صلاة الكسوف، ووَهِم مَن وحّدهما. انتهى [«تحفة الأحوذيّ» (7) / (276)].
وقال المناويّ -: «اطلعت» بهمزة وصل، فطاء مفتوحة مشدّدة، فلام مفتوحة؛ أي: تأملت ليلة الإسراء، أو في النوم، أو في الوحي، أو بالكشف لعين الرأس، أو لعين القلب، لا في صلاة الكسوف، كما قيل. انتهى [» فيض القدير «(1) / (545)].
(أكثَرَ أهْلِها الفُقَراءَ) قال المهلّب -: ليس هذا يوجب فضل الفقير على الغنيّ، وإنما معناه: أن الفقراء في الدنيا أكثر من الأغنياء، فأخبر عن ذلك، كما تقول: أكثر أهل الدنيا الفقراء إخبارًا عن الحال، وليس الفقر أدخلهم الجنة، وإنما دخلوا بصلاحهم مع الفقر، فإن الفقير إذا لم يكن صالِحًا لا يفضل.
وتعقّبه الحافظ، فقال: ظاهر الحديث التحريض على ترك التوسع من الدنيا، كما أن فيه تحريض النساء على المحافظة على أمر الدين؛ لئلا يدخلن النار، كما تقدم تقرير ذلك في كتاب الإيمان في حديث: «تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، قيل: بم؟ قال: بكفرهنّ، قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن الإحسان». انتهى [» الفتح «(11) / (279)].
[(6917)] ((2738)) – شرح الحديث:
(عَنْ أبِي التَّيّاحِ) يزيد بن حُميد الضُّبَعيّ البصريّ؛ أنه (قالَ: كانَ لِمُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ امْرَأتانِ)؛ أي: زوجتان، (فَجاءَ مِن عِنْدِ إحْداهُما، فَقالَتِ الأُخْرى: جِئْتَ مِن عِنْدِ فُلانَةَ؟) تريد الزوجة الثانية، وإنما قالت ذلك غيرةً عليه.
وفي رواية أحمد الآتية: “كانت له امرأتان، قال: فجاء إلى إحداهما، قال: فجعلت تنزع به عمامته، وقالت: جئت من عند امرأتك؟».
وقال صاحب «التكملة» ما حاصله: وكأن مطرّفًا لقي عمران قبل أن يأتي إلى امرأته الأولى، أو بعد أن يخرج من عندها، وإنما ذكر ذلك تنبيهًا لامرأته الثانية أن لا تُسيء الظنّ به، وبامرأته الأولى، ولا تقع فيهما؛ لأن ذلك قد يُسبّب عذاب النار. انتهى [«تكملة فتح الملهم» (5) / (611)].
(فَحَدَّثَنا) عمران – رضي الله عنه؛ (أن رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: «إنَّ أقَلَّ ساكِنِي الجَنَّةِ النِّساءُ»)؛ أي: في أول الأمر قبل خروج عُصاتهن من النار، فلا دلالة فيه على أن نساء الدنيا أقل من الرجال في الجنة قاله المناويّ [«فيض القدير» (2) / (428)]. [راجع:» عمدة القاري” (15) / (152)]، والله تعالى أعلم.
وحديث عمران بن حصين -رضي الله عنه- بهذا السياق من أفراد المصنّف.
[تنبيه]: أخرج البخاريّ حديث عمران بن حصين – رضي الله عنه- هذا في «صحيحه» من عدّة طُرُق عن أبي رجاء العُطارديّ، عن عمران رضي الله عنه-، ولفظه: عن عمران بن حصين – رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلي الله عليه وسلم- قال: «اطلعت في الجنة، فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار، فرأيت أكثر أهلها النساء». انتهى.
(المسألة الثالثة): ذكر الحافظ وليّ الدين العراقيّ في «شرح التقريب» بحثًّا يتعلّق بحديث الباب، فقال: استَدَلّ به أبو هريرة -رضي الله عنه- على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال، ففي «صحيح مسلم» عن محمد بن سيرين قال: أما تفاخروا، أما تذاكروا، الرجال أكثر في الجنة أم النساء؟ فقال أبو هريرة: لو لم يقل أبو القاسم- صلى الله عليه وسلم -: «إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوء كوكب دُرّيّ في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان، يُرى مُخّ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب»، وفي رواية له: «اختصم الرجال والنساء أيهم في الجنة أكثر؟ فسألوا أبا هريرة، فذكره فإذا خلت الجنة عن العُزّاب، وكان لكل واحد زوجتان كان النساء مثلي الرجال».
ويعارضه الحديث الآخر: «إني رأيتكن أكثر أهل النار». وفي الحديث الآخر: «اطلعت في النار، فرأيت أكثر أهلها النساء»، وكلاهما في «الصحيح».
والجمع بينهما أنهن أكثر أهل الجنة، وأكثر أهل النار؟ لكثرتهنّ،
قال القاضي عياض: يخرج من مجموع هذا أن النساء أكثر ولد آدم، قال: وهذا كله في الآدميات، وإلا فقد جاء أن للواحد من أهل الجنة من الحور العدد الكثير، ففي حديث أبي سعيد – رضي الله عنه-: «إن أدنى أهل الجنة الذي له اثنتان وسبعون زوجة».
[فإن قلت]: كيف اقتصر في هذا الحديث على ذكر زوجتين؟
[قلت]: الزوجتان من نساء الدنيا، والزيادة على ذلك من الحور العين.
وقال أبو العباس القرطبيّ: بهذا يُعلم أن نوع النساء المشتمل على الحور والآدميات في الجنة أكثر من نوع الرجال من بني آدم، ورجال بني آدم أكثر من نسائهم، وعن هذا قال – صلى الله عليه وسلم -: «أقل ساكني الجنة النساء، وأكثر ساكني جهنم النساء»؛ يعني: نساء بني آدم هن أقل في الجنة، وأكثر في النار.
قلت: وإذا قلنا بالأول إن لكل واحد منهم زوجتين من نساء الدنيا فُيشكل على ذلك قوله: «أقل ساكني الجنة النساء»، ولعل راويه رواه بالمعنى في فهمه، فأخطأ فهمه من كونهن أكثر ساكني جهنم أنهن أقل ساكني الجنة.
وقد تقدم أن ذلك لا يلزم، وأنهن أكثر ساكني الجهتين معًا لكثرتهنّ، والله أعلم. انتهى [«طرح التثريب في شرح التقريب» (8) / (258)].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: دعواه خطأ الراوي في فهمه غير مقبول، بل المعنى عليه صحيح؛ إذ هو محمول على أول الأمر، فإنهن أكثر دخولًا النار، ثم يخرجن بالشفاعة، فيدخلن الجنة، فيكنّ أكثر من الرجال، حتى يكون لكل رجل زوجتان من نساء الدنيا، غير الحور العين، فإنهن أكثر، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
قال شيخ ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (6/ 432) ((لِأَنَّ النِّسَاءَ أَكْثَرُ مِنْ الرِّجَالِ إذْ قَدْ صَحَّ أَنَّهُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ وَقَدْ صَحَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ زَوْجَتَانِ مِنْ الْإِنْسِيَّاتِ سِوَى الْحُورِ الْعِينِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ النِّسَاءِ أَكْثَرُ مِنْ الرِّجَالِ وَكَذَلِكَ فِي النَّارِ فَيَكُونُ الْخَلْقُ مِنْهُمْ أَكْثَرَ))
ذكر الشيخ ابن باز رحمه الله في تعليقاته النافعة على صحيح البخاري
(أن أكثر أهل الجنة من نساء الدنيا والحور وأكثر أهل النار النساء من نساء أهل الدنيا، وأقل أهل الجنة من له زوجتان والزيادة على حسب فضل الله) الحلل الإبريزية ج4ص271
قال ابن حجر رحمه الله في شرحه لحديث أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر.: واستدل أبو هريرة بهذا الحديث على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال كما أخرجه مسلم من طريق ابن سيرين عنه , وهو واضح لكن يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف المتقدم ”
قال المناوي في فيض القدير (وفي حديث مسلم الآتي أقل ساكني الجنة النساء. قال ابن القيم: فهذا يدل على أنه إنما يكنّ في الجنة أكثر بالحور وأما نساء أهل الدنيا فأقل أهل الجنة قال السمهودي: وفيه نظر لإمكان الجمع بأن المراد أن منكن في الجنة ليسير بالنسبة لمن يدخل النار منكن لأنهن أكثر أهل النار ويحمل عليه خبر عائشة أقل ساكني الجنة النساء يعني بالنسبة لمن يسكن منهن النار)
وقال في موطن آخر (إن أقل ساكني الجنة النساء) أي في أول الأمر قبل خروج عصاتهن من النار فلا دلالة فيه على أن نساء الدنيا أقل من الرجال في الجنة وقال بعض المحققين: القلة يجوز كونها باعتبار ذواتهن إذا أريد ساكني الجنة المتقدمين في دخولها وكونها باعتبار سكناهن بأن يحبس في النار كثيراً فيكون سكناهن في الجنة قليلاً بالنسبة لمن دخل) انتهى
ورجح ذلك صاحب البحور الزاخرة في علوم الآخرة.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(6919)] ((2739)) -[تنبيه]: قال النوويّ -: هذا الحديث أدخله مسلم بين أحاديث النساء، وكان ينبغي أن يُقَدِّمه عليها كلّها، قال: وهذا الحديث رواه مسلم عن أبي زرعة الرازيّ، أحد حفاظ الإسلام، وأكثرهم حفظًا، ولم يرو مسلم في «صحيحه» عنه غير هذا الحديث، وهو من أقران مسلم، تُوُفّي بعد مسلم بثلاث سنين، سنة أربع وستين ومائتين. انتهى [» شرح النوويّ «(17) / (54)].
شرح الحديث:
(عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ) بن الخطّاب – رضي الله عنه-؛ أنه (قالَ: كانَ مِن دُعاءِ رَسُولِ اللهِ -صلي الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِن زَوالِ نِعْمَتِكَ)؛ أي: ذهاب نعمة الإسلام، والإيمان، ومنحة الإحسان والعرفان. [» فيض القدير «(2) / (110)]،
وقال الشوكانيّ: استعاذ رسول الله -صلي الله عليه وسلم- من زوال نعمته؛ لأن ذلك لا يكون إلا عند عدم شكرها، وعدم مراعاة ما تستحقه النِّعم، وتقتضيه من تأدية ما يجب على صاحبها من الشكر، والمواساة، وإخراج ما يجب إخراجه.
انتهى [راجع: «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (8) / (361)].
(وتَحَوُّلِ عافِيَتِكَ) بضم الواو المشدّدة؛ أي: تبدّلها بالبلاء. وقال القاري:
فمعنى زوال النعمة: ذهابها من غير بَدَل،
وتحوّل العافية: إبدال الصحة بالمرض، والغنى بالفقر،
فكأنه سأل دوام العافية، وهي السلامة من الآلام، والأسقام.
واستعاذ – صلى الله عليه وسلم – من ذلك؛ لأن من اختصه الله -سبحانه وتعالي- بعافيته فاز بخير الدارين، فإن تحولت عنه، فقد أصيب بشرّ الدارين، فإن العافية يكون بها صلاح أمور الدنيا والآخرة [راجع: «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (8) / (361)].
«وفَجْأة» (نِقْمَتِكَ) قال النوويّ -: الفَجْأة بفتح الفاء، وإسكان الجيم، مقصورة، على وزن ضربة، والفُجاءة بضم الفاء، وفتح الجيم، والمدّ لغتان، وهي البغتة. انتهى.
وقال القاري: هي المكافأة بالعقوبة، والانتقام بالغضب والعذاب، وخَصّ فجاءة النقمة بالذكر؛ لأنها أشدّ من أن تصيب تدريجًا، كما ذكره المظهر، واستعاذ – صلى الله عليه وسلم – من ذلك لئلا تصيبه النقمة من حيث لا يكون له علم بها، ولا تكون له فرصة، ومهلة للتوبة؛ لأنه إذا انتقم الله من العبد، فقد أحل به من البلاء ما لا يقدر على دفعه. انتهى بتصرّف [راجع:» مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح” (8) / (361)].
(وجَمِيعِ سَخَطِكَ) بفتحتين، أو بضمّ، فسكون؛ أي: ما يؤدي إليه؛ يعني: سائر الأسباب الموجبة لذلك، وإذا انتفت أسبابها حصلت أضدادها، وهو إجمال بعد تفصيل، وتعميم بعد تخصيص، أو المراد: جميع آثار غضبك، واستعاذ – صلى الله عليه وسلم – من جميع سخطه؛ لأنه – عز وجل – إذا سَخِط على العبد فقد هلك، وخاب وخسر، ولو كان السخط في أدنى شيء، وبأيسر سبب، والله تعالى أعلم.
وحديث ابن عمر -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنف -.
[(6920)] ((2740)) – شرح الحديث:
فهو عَلَم من أعلام النبوّة حيث أخبر – صلى الله عليه وسلم – عن غيب وقد وقع، والله تعالى أعلم.
(فِتْنَةً)؛ أي: امتحانًا وابتلاء، (هِيَ أضَرُّ عَلى الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ») لأن الطباع كثيرًا تميل إليهنّ، وتقع في الحرام لأجلهنّ، وتسعى للقتال والعداوة بسببهنّ، وأقل ذلك أن ترغّبه في الدنيا ليتهالك فيها، وأيّ فساد أضرّ من هذا، وحبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة، مع ما هنالك من مظنة الميل بالعشق، وغير ذلك من فتن، وبلايا، ومِحَن.
[بعض الآثار الواردة عن السلف]
كان سعيد بن المسيِّب يقول -وقد أتت عليه ثمانون سنة-: ما شيء أخوف عندي عليّ من النساء. [«فيض القدير» (5) / (436)].
وقال الطيبيّ -: قوله: «فتنة أضرّ»، وذلك لأن المرأة إذا لم يكن يمنعها الصلاح الذي من جبلّتها كانت عين المفسدة، فلا تأمر زوجها إلا بشرّ، ولا تحثّه إلا على فساد، وقد قدّمها الله تعالى في آية ذكر الشهوات: {زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ} على سائر الأنواع، وجعلها نفس الشهوات، حيث بيّن الشهوات بقوله: {مِنَ النِّساءِ}، ثم عقّبها بغيرها: {والبَنِينَ والقَناطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والخَيْلِ المُسَوَّمَةِ والأنْعامِ والحَرْثِ} الآية [آل عمران (14)].
دلالة على أنها أصلها ورأسها [«الكاشف عن حقائق السنن» (7) / (2260)]، والله تعالى أعلم.
وحديث أسامة بن زيد – رضي الله عنه- هذا متَّفقٌ عليه.
وقوله: (وسَعِيدِ بْنِ زيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ) قال الترمذيّ – بعد أن أخرج الحديث: هذا حديث حسنٌ صحيحٌ، وقد رَوى هذا الحديث غيرُ واحد.
من الثقات عن سليمان التيميّ، عن أبي عثمان، عن أسامة بن زيد، عن النبيّ -صلي الله عليه وسلم-، ولم يذكروا فيه عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، ولا نعلم أحدًا، قال: عن أسامة بن زيد، وسعيد بن زيد، غير المعتمر. انتهى [«جامع الترمذيّ» (5) / (103)].
والحديث متّفقٌ عليه، وتقدّم شرحه، وبيان مسألتيه في الحديث الماضي، ولله الحمد والمنّة.
[(6923)] ((2742)) – شرح الحديث:
قال النوويّ – رحمه الله -: قوله: «إن الدنيا خضرة حلوة … إلخ» هكذا هو في جميع النسخ: «فاتقوا الدنيا»، ومعناه: تجنبوا الافتتان بها، وبالنساء، وتدخل في النساء: الزوجات وغيرهنّ، وأكثرهن فتنة: الزوجات، لدوام فتنتهن، وابتلاء أكثر الناس بهنّ، ومعنى «الدنيا خضرة حلوة» يَحْتَمِل أن المراد به شيئان:
أحدهما: حُسنها للنفوس، ونضارتها، ولذّتها؛ كالفاكهة الخضراء الحلوة، فإن النفوس تطلبها طلبًا حثيثًا، فكذا الدنيا.
والثاني: سرعة فنائها، كالشيء الأخضر في هذين الوصفين، ومعنى «مستخلفكم فيها» جاعلكم خلفاء من القرون الذين قبلكم، فينظر هل تعملون بطاعته أم بمعصيته، وشهواتكم؟ انتهى [«شرح النوويّ» (17) / (55)].
وقال الطيبيّ -: قوله: «حلوة خضرة» كناية عن كونها غرّارة، تفتن الناس بلونها وطعمها، وليس تحتها طائل. انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» (10) / (3265)].
وقال الطيبيّ -: احذروا أن تميلوا إلى النساء بالحرام، وتَقبلوا أقوالهنّ، فإنهن ناقصات، عقل لا خير في كلامهن غالبًا. انتهي، وهو تخصيص بعد تعميم، إشارة إلى أنّها أضر ما في الدنيا من البلايا [«مرقاة المفاتيح» (6) / (243)].
(فَإنَّ أوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إسْرائِيلَ كانَتْ فِي النِّساءِ) يريد: قَتْل النفس التي أُمر بنو إسرائيل فيها بذبح البقرة، واسم المقتول: عاميل، قتله ابن أخيه، أو عمه ليتزوج ابنته، أو زوجته …… [«فيض القدير» (2) / (180)].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: هذه القصص ليس لها مستند يصحّ، فليُتنبّه، والله تعالى أعلم.
فقه وفوائد الحديث:
(1) – (منها): بيان ما كان عليه النبيّ – صلى الله عليه وسلم – من الشفقة بأمته، حيث كان يُحذّرهم مما يكون سبب هلاكهم في الدنيا والآخرة، فقد حذّرهم في هذا الحديث عن الافتتان بالدنيا، والنساء.
(2) – (ومنها): مشروعيّة ضرب الأمثال؛ لإيضاح المسائل.
(3) – (ومنها): بيان كون الدنيا حسنة المنظر، حلو المذاق؛ لكنها سريعة الزوال، فلا ينبغي لعاقل الاغترار بزخارفها.
(4) – (ومنها): التحذير من الافتتان بالنساء، فإنهنّ أخطر ما يغترّ بهنّ الرجال، ولذا قدّمنهنّ الله – عَزَّوَجَلَّ – في تعداد شهوات النفس، فقال: {زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ} الآية [آل عمران (14)] كما إشارة إلى عِظَم فتنتهنّ،
فالواجب على العاقل أن يأخذ الحذر منهنّ، ومن الدنيا، فيجتنب الميل إليهنّ، فيسلك مسلك التوسّط في ذلك، لا تفريط، ولا إفراط، والله تعالى أعلم.
(5) – (ومنها): ما قاله في «الفتح»: وفي الحديث أن الفتنة بالنساء أشدّ من الفتنة بغيرهنّ، ويشهد له قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ}
فجعلهنّ من حب الشهوات، وبدأ بهنّ قبل بقية الأنواع؛ إشارةً إلى انهنّ الأصل في ذلك، ويقع في المشاهدة حبّ الرجل ولده من امرأته التي هي عنده أكثر من حبه ولده من غيرها، ومن أمثلة ذلك قصة النعمان بن بشير – رضي الله عنه- في الهبة، وقد قال بعض الحكماء: النساء شرّ كلهنّ، وأشرّ ما فيهنّ عدم الاستغناء عنهنّ، ومع أنّها ناقصة العقل والدين تحمل الرجل على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين، كشغله عن طلب أمور الدين، وحمله على التهالك على طلب الدنيا، وذلك أشدّ الفساد. انتهى [«الفتح» (11) / (369) – (370) رقم ((5096))]، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
تنبيه: من مقالات مجموعة السلام:
“البحث عن تزكية النفس وإذلالها لا عن تزكية المشايخ ورفعها”.