(2732) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(23) – بابُ: فَضْلِ الدُّعاءِ لِلْمُسْلِمِينَ بِظَهْرِ الغَيْبِ
(86) – ((2732)) حَدَّثَنِي أحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الوَكِيعِيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنا أبِي، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَرِيزٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْداءِ، عَنْ أبِي الدَّرْداءِ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ?: «ما مِن عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ، إلّا قالَ المَلَكُ: ولَكَ بِمِثْلٍ».
(87) – ((2732)) حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، أخْبَرَنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنا مُوسى بْنُ سَرْوانَ المُعَلِّمُ، حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَرِيزٍ، قالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ الدَّرْداءِ، قالَتْ: حَدَّثَنِي سَيِّدِي أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ? يَقُولُ: «مَن دَعا لِأخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، ولَكَ بِمِثْلٍ».
(88) – ((2733)) حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، أخْبَرَنا عِيسى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ أبِي سُلَيْمانَ، عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ صَفْوانَ وهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوانَ، وكانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْداءُ، قالَ: قَدِمْتُ الشّامَ، فَأتَيْتُ أبا الدَّرْداءِ فِي مَنزِلِهِ، فَلَمْ أجِدْهُ ووَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْداءِ، فَقالَتْ: أتُرِيدُ الحَجَّ العامَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قالَتْ: فادْعُ اللهَ لَنا بِخَيْرٍ، فَإنَّ النَّبِيَّ ? كانَ يَقُولُ: «دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لِأخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجابَةٌ، عِنْدَ رَاسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّما دَعا لِأخِيهِ بِخَيْرٍ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ ولَكَ بِمِثْلٍ».
((2732)) قالَ: فَخَرَجْتُ إلى السُّوقِ فَلَقِيتُ أبا الدَّرْداءِ، فَقالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ يَرْوِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ?
(88) – وحَدَّثَناهُ أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أبِي سُلَيْمانَ، بِهَذا الإسْنادِ مِثْلَهُ، وقالَ: عَنْ صَفْوانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوانَ.
==========
التمهيد:
قال الحافظ النووي في رياض الصالحين، ص (413 – 414): “باب فضل الدعاء بظهر الغيب
قالَ تَعالى: {والَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولإخْوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا بالإيمانِ} [الحشر: (10)]، وقال تَعالى: {واسْتَغْفِرْ لِذنْبِكَ ولِلْمُؤمِنِينَ والمؤْمِناتِ} [محمد: (19)]، وقال تَعالى إخْبارًا عَن إبْراهِيمَ ?: {رَبَّنا اغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِلْمُؤمِنِينَ يَومَ يَقُومُ الحِسابُ} [إبراهيم (41)]
… وذكر حديث أبي الدرداء انتهى.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله معلقًا: “ففي هذه الآيات والحديثين دلالة على شرعية الدعاء للمؤمنين بظهر الغيب، وأن المؤمن يدعو لأخيه في غيبته سواء حيا أو ميتا لأن المؤمن أخو المؤمن يحب له الخير ويكره له الشر، فيستحب للمؤمن أن يدعو لإخوانه المؤمنين بالمغفرة والرحمة والصلاح والاستقامة والتوفيق والهداية، فالمؤمن أخو المؤمن، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) والله يقول سبحانه في كتابه العظيم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71]، ويقول جل وعلا: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]- يعني من بعد الصحابة- فدعوا لأنفسهم ولمن سبقهم من إخوانهم، والله يقول جل علا: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19]، ونوح عليه الصلاة والسلام يقول: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح:28] فهذا من نصح الرسل عليهم الصلاة والسلام يدعون الله لمن آمن من أمتهم ويسألون الله الهداية لمن (لم) يؤمن، والنبي ? قيل له: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19] فالمؤمن يستغفر لإخوانه لوالديه لأقاربه لجيرانه لأحبابه، يدعو لهم بالمغفرة ربما صادف دعوة مستجابة.”. انتهى
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
((23)) –”بابُ فَضْلِ الدُّعاءِ لِلْمُسْلِمِينَ بِظَهْرِ الغَيْبِ”، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “يعني: الدعاء لأخيك بظهر الغيب، يعني في حال غيبته؛ وذلك أن الدعاء بظهر الغيب يدل دلالة واضحة على صدق الإيمان؛ لأن النبي ? قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، فإذا دعوت لأخيك بظهر الغيب بدون وصية منه، كان هذا دليلا على محبتك إياه، وأنك تحب له من الخير ما تحب لنفسك، ثم استدل المؤلف رحمه الله بثلاث آيات من كتاب الله،
ومنها قوله تعالى إلى النبي ? {واستغفر لذنبك والمؤمنين والمؤمنات}، فأمر الله نبيه ? أن يستغفر لذنبه وأن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، وما أكثر الأحاديث التي فيها أن النبي ? يستغفر لذنبه، ونحن نعلم أنه يستغفر للمؤمنين أيضا؛ لأنه أمر بذلك، ومعنى {استغفر لذنبك} يعني: اطلب المغفرة من الله عز وجل أن يغفر ذنبك، والمغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه؛ لأن هذا هو الذي يدل عليه الاشتقاق، فإنه مشتق من المغفر وهو وقاية الرأس بالبيرة المعروفة الخوذة، توضع على الرأس عند القتال، فتقيه من السهام وتستره.
ومن ذلك أيضا قول الله تعالى {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} وهؤلاء هم الصنف الثالث وهذه دعوة لإخوانهم بظهر الغيب.
وأما الآية الثالثة فقال إبراهيم ?: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب}، فقوله: {وللمؤمنين}، هذا دعاء للمؤمنين بظهر الغيب، إذن الدعاء للمؤمنين بظهر الغيب من طرق الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن سبيل الرسل عليهم الصلاة والسلام،
ومن ذلك أننا نحن كلنا ندعو لإخواننا في صلاتنا بظهر الغيب كلنا يقول: “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين”، وهذا دعاء، وقد قال النبي إنكم إذا قلتم ذلك فإنكم قد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض، إذن إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فهذا دعاء لإخوانك بظهر الغيب”. انتهى. [شرح رياض الصالحين (6/ 45) -تراث].
شرح حديث رقم [(6903)] ((2732)) –
(أبُو الدَّرْداءِ) عُويمر بن زيد بن قيس الصحابيّ الجليل، مختلف في اسم أبيه، وأما هو فمشهور بكنيته، وقيل: اسمه عامر، وعويمر لقب، أول مشاهده أُحُد، وكان عابدًا، مات في أواخر خلافة عثمان – رضي الله عنهما -، وقيل: عاش بعد ذلك (ع).
شرح الحديث:
((بِظَهْرِ الغَيْبِ)) الظهر مُقْحَم للتأكيد؛ أي: في غَيبة المدعوّ له عنه، وإن كان حاضرًا معه، بأن دعا له بقلبه حينئذ، أو بلسانه، ولم يُسمعه. (إلا قالَ المَلَكُ)، وفي الرواية التالية: “قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل”، وفي الرواية الثالثة: “دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملَك مُوَكَّل، كما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل”، وفي رواية أبي داود: “إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب، قالت الملائكة: آمين، ولك بمثل”.
(ولَكَ) فيه التفات، (بِمِثْلٍ) بكسر الميم، وسكون المثلثة، وتنوين اللام؛ أي: أعطى الله لك بمثل ما سألت لأخيك، قال الطيبيّ -رَحِمَهُ الله-: كان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة؛ ليدعو له الملك بمثلها، فيكون أعون للاستجابة، ذكره في «العون» [«عون المعبود» (4) / (276)].
وقال المناويّ -رَحِمَهُ الله-: «ولك بمثل» بكسر الميم، وسكون المثلثة، على الأشهر، قال القاضي عياض: ورويناه بفتحها أيضًا، يقال: هو مثله، ومَثِيله بزيادة الياء؛ أي: عديله سواءً. انتهى.
وقال المناويّ: وتنوينه عوضٌ من المضاف إليه؛ يعني: بمثل ما دعوته، وهذا بالحقيقة دعاء من الملَك بمثل ما دعاه لأخيه، وما قيل: إن معناه: ولك بمثل ما دعوته؛ أي: بثوابه فركيك. انتهى.
وقال في موضع آخر: «ولك أيها الداعي بمثل ذلك»؛ أي: مثل ما دعوت به لأخيك، وهذا يَحْتَمِل كونه إخبارًا من الملَك بأن الله -عَزَّ وجَلَّ- يجعل له مثل ثواب ما دعا به؛ لكونه عَلِم ذلك بالاطلاع على اللوح المحفوظ، أو غير ذلك من طُرُق العلم، ويحْتَمِل أنه دعا له به، والأول أقرب. انتهى
[«فيض القدير» (3) / (525) و (5) / (48)]، والله تعالى أعلم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “يعني: لك بمثل ذلك، فالملك يؤمن على دعائك إذا دعوت لأخيك بظهر الغيب، ويقول لك مثله، وهذا يدل على فضيلة هذا، لكن هذا فيمن لم يطلب منك أن تدعو له، أما من طلب منك أن تدعو له فدعوت له فهذا كأنه شاهد؛ لأنه يسمع كلامك، لأنه هو الذي طلب منك، لكن إذا دعوت له بظهر الغيب بدون أن يخبرك، بدون أن يطلب منك، فهذا هو الذي فيه الأجر وفيه الفضل، والله الموفق”. [شرح رياض الصالحين، (6/ 48)].
“وهذه البشارة الجليلة من النعم العظيمة للداعي والمدعو له، فإن الداعي ينال الإجابة المتحققة له، وللمدعو له، والأجر والثواب العظيم لاتّباعه أمر الشارع، فاحرص على الدعاء لإخوانك المسلمين كي تنال هذه الفضائل الزكية في الدنيا والآخرة، ولا تنسَ أن يكون لك نصيبٌ من الدعاء للمستضعفين من المؤمنين كما كان من دعاء المصطفى ?: «اللَّهُمَّ نَجِّ المُسْتَضْعَفِينَ مِن المُؤْمِنِينَ». [متفق عليه: البخاري، (4598)، مسلم، برقم (675)،]. [شرح الدعاء من الكتاب والسنة للقحطاني رحمه الله، ص (85)]
وقال الإمام مسلم رحمه الله: [(6904)].
وقولها: (سَيِّدِي) تريد زوجها أبا الدرداء، كما في وفيه: توقير المرأة زوجها.
وقوله: (قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ … إلخ) فيه: إثبات ملَك مُوَكَّل لمن يدعو لأخيه لظهر الغيب يدعو له بالمثل.
وسئل فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله: “س: الملائكة تؤمن على الخير فقط؟ الشيخ: على كل حال نعم.
س: لو دعا بإثم؟ الشيخ: لا؛ لأنها ما تعين على الإثم، الملائكة (تعين) على الخير”. [شرح رياض الصالحين، 469 (باب فضل الدُّعاء بظهر الغيب)].
والحديث من أفراد المصنّف -رحمه الله- وقد مضى شرحه، وبيان مسائله في الحديث الماضي، ولله الحمد والمنّة.
وقال الإمام مسلم رحمه الله: [(6905)] ((2733)) –
شرح الحديث:
(عَنْ صَفْوانَ- وهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوانَ- وكانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْداءُ)؛ أي: كانت زوجته الدرداء بنت أبي الدرداء. (قالَ) صفوان: (قَدِمْتُ) بكسر الدال،
(الشّامَ) بالهمزة ودونها: البلد المعروف، (فَأتَيْتُ أبا الدَّرْداءِ) -رضي الله عنه- (فِي مَنزِلِهِ)؛ أي: لأزوره في بيته (فَلَمْ أجِدْهُ) في البيت، (ووَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْداءِ) تقدّم أنها هجيمة، أو جهيمة. (فَقالَتْ) أم الدرداء: (أترِيدُ الحَجَّ العامَ؟)؛ أي: في هذه السنة، قال صفوان: (فَقُلْتُ: نَعَمْ) أريده، (قالَتْ: فادْعُ اللهَ لَنا بِخَيْرٍ) لأن الحج مظنَّة إجابة الدعاء …. (قالَ) صفوان: (فَخَرَجْتُ) من منزل أبي الدرداء بعدما سمعت الحديث من أم الدرداء مرسَلًا، (إلى السُّوقِ، فَلَقِيتُ أبا الدَّرْداءِ) -رضي الله عنه- (فَقالَ لِي) أبو الدرداء (مِثْلَ ذَلِكَ)؛ أي: مثل ما قالت أمّ الدرداء من سؤاله عن حجه العام، وطلب الدعاء منه، وإخباره بالحديث، حال كون أبي الدرداء -رضي الله عنه- (يَرْوِيهِ)؛ أي: ينقله مباشرة (عَنِ النَّبِيِّ ?) لا كما روته أم الدرداء بالإرسال.
والحديث من أفراد المصنّف، وقد سبق تخريجه، ولله الحمد والمنّة.
وقال الإمام مسلم رحمه الله: [(6906)] ( … ) – (وحَدَّثناهُ أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أبِي سُلَيْمانَ، بِهَذا الإسْنادِ مِثْلَهُ، وقالَ: عَنْ صَفْوانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوانَ).
وقوله: (وقالَ: عَنْ صَفْوانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوانَ) فاعل «قال» ضمير
يزيد بن هارون؛ يعني: أن يزيد قال في روايته: «عَنْ صَفْوانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوانَ» ذَكَره بنَسَبه، بخلاف عيسى بن يونس، فإنه قال: «عن صفوان» ولم يذكر نَسَبه، وأما قوله: «وهو ابن عبد الله بن صفوان» فإنه ملحَق ممن بعده، فتنبّه.
[تنبيه]: رواية يزيد بن هارون عن عبد الملك بن أبي سليمان هذه ساقها الإمام أحمد -رحمه الله- في «مسنده»، فقال:
((27599)) – حدّثنا يزيد بن هارون، أنا عبد الملك، عن أبي الزبير، عن صفوان بن عبد الله، وكانت تحبه أم الدرداء، فأتاهم، فوجد أم الدرداء، فقالت له: أتريد الحج العام؟ فقال: نعم، قالت: فادع لنا بخير، فإن النبيّ -صلي الله عليه وسلم-
كان يقول: “إن دعوة المرء المسلم مستجابة لأخيه بظهر الغيب، عند رأسه ملك موكّل به، كلما دعا لأخيه بخير، قال: آمين، ولك بمثل»، قال: فخرجت إلى السوق، فلقيت أبا الدرداء، فحدّثني عن النبيّ -صلي الله عليه وسلم- بمثل ذلك. انتهى [«مسند الإمام أحمد بن حنبل» (6) / (452)]. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى): “ينبغي أن يُعوِّد المسلم نفسه على أن يدعو لإخوانه المسلمين، والدعاء لأخوانه المسلمين على ضربين:
الضرب الأول: أن يدعو لهم عامَّة.
والضرب الثاني: أن يدعو لأشخاصٍ يسميهم.
أما الضرب الأول وهو الدعاء لهم عامةً: فهذا قد ذكره الله – تعالى – عن بعض أنبيائه؛ … وسبق عن نوح وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام
وأيضاً أمر الله – تعالى – محمداً – صلى الله عليه وسلم – بالإستغفار للمؤمنين والمؤمنات فقال: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19]، وأيضاً أثنى الله – تعالى – على من جاء بعد الصحابة وهم يدعون لأخوانهم وسبق بيان ذلك
وأما الضرب الثاني: وهو الدعاء لأشخاصٍ بأعيانهم: فهذا دل عليه حديث أبي الدرداء السابق، وكان يفعله كثير من السلف، ولهذا الإمام أحمد – رحمه الله – يقول: ستةٌ أدعو لهم عند السَحَر منهم الشافعي، فينبغي أن يختار الإنسان من يتقرب إلى الله -تعالى- بمحبتهم ويخصُّهم بالدعاء، يدعو لهم بالمغفرة، يدعو لهم بالرحمة، يدعو لهم بخيري الدنيا والآخرة؛ لأنه إذا فعل ذلك؛ الملَك يؤمِّن على دعائه ويقول: (آمين ولك بمثله)، فهذا ينبغي أن يكون منهجاً للمسلم، أن يحرص عليه، أن يدعو لأخوانه المسلمين عامة، ويدعو لمن شاء منهم خاصة”.
ومن الدعاء لولاة الأمر بالتوفيق والسداد، وأن يجعل بطانتهم بطانة خير.
قال ابن بطال:
باب قول الله تعالى: (وصل عليهم) [التوبة: 103] ومن خص أخاه بالدعاء دون نفسه
وقال أبو موسى: قال النبى (صلى الله عليه وسلم): (اللهم اغفر لعبيد أبى عامر، اللهم اغفر لعبدالله بن قيس ذنبه).
وفيه: سلمة، خرجنا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى خيبر، فقال رجل من القوم: أيا عامر، لو أسمعتنا من هنياتك، فنزل يحدو لهم: تالله لولا الله ما اهتدينا، قال النبي – عليه السلام -: (من هذا السائق)؟ قالوا: عامر بن الأكوع، قال: (يرحمه الله).
وفيه: ابن أبى أوفى، قال: كان النبى (صلى الله عليه وسلم) إذا أتاه رجل بصدقة، قال: (اللهم صل على آل فلان)، فأتاه أبى، فقال: (اللهم صل على آل أبى أوفى).
وفيه: جرير، قلت: يا رسول الله، إنى لا أثبت على الخيل، فصك فى صدرى، فقال: (اللهم ثبته، واجعله هاديا مهديا).
وفيه: أنس، قالت أم سليم للنبى (صلى الله عليه وسلم): أنس خادمك، قال: (اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته).
وفيه: عائشة، سمع النبى (صلى الله عليه وسلم) رجلا يقرأ فى المسجد، فقال: (رحمه الله، لقد أذكرنى كذا وكذا آية أسقطتهن). / 31 –
وفيه: عبدالله، قسم النبى (صلى الله عليه وسلم) قسما، فقال رجل: ما أريد بها وجه الله، فأخبرت النبي (صلى الله عليه وسلم) فغضب، وقال: (يرحم الله موسى، لقد أوذى بأكثر من هذا، فصبر).
قال المؤلف: فى هذه الأحاديث كلها من الفقه دعاء المسلم لأخيه دون نفسه كما ترجم، وقد جاء عن النبي – عليه السلام – أن دعاء المرء لأخيه مجاب. روى الطبرى قال: حدثنا أبو هشام الرفاعى قال: حدثنا ابن فضيل، حدثنا أبى، عن طلحة بن عبد الله بن كريز، عن أم الدرداء عن أبى الدرداء قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال له الملك: ولك مثل ذلك). وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: (خمس دعوات مستجابات: دعوة المظلوم حتى ينتصر، ودعوة الحاج حتى يصدر، ودعوة المجاهد حتى يقفل، ودعوة المريض حتى يبرأ، ودعوة الأخ لأخيه).
روى عن بعض السلف: أنه قال: إذا دعا لأخيه فليبدأ بنفسه. قال سعيد بن يسار: ذكرت رجلا عند ابن عمر فترحمت عليه، فلهز فى صدرى وقال لى: ابدأ بنفسك، وقال إبراهيم: كان يقال: إذا دعوت فابدأ بنفسك، فإنك لا تدرى أى دعاء يستجاب لك
«شرح صحيح البخارى لابن بطال» (10/ 95)
(المسألة الثانية): ماذا يترتب عند دعائك لغيرك من المسلمين
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:
“له من الأجر بمثل ما دعا به؛ لأنه وإن دعا لغيره فقد عمل عملين صالحين:
أحدهما: ذكر الله تعالى مخلصًا له، وفازعا إليه بلسانه وقلبه.
والثانى: محبته الخير لأخيه المسلم ودعاؤه له، وهو عمل خير لمسلم يؤجر عليه، وقد نص فيه أنها مستجابة كما نص فى الحديث ” انتهى من [إكمال المعلم” (8/ 228)].
(المسألة الثالثة): فضل الدعاء للمسلم بظهر الغيب:
1) “دعاء الملائكة للداعي
2) الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف
3) استجابة الدعاء للمسلم، وتوكيل الله سبحانه وتعالى ملكا في من عنده، فيقول للداعي: ولك بالمثل.
4) تقوية أواصر المحبة والود بين الطرفين”.
(المسألة الثالثة): إخبار المدعو له بظهر الغيب بالدعاء له
“ما يطرأ بعد انتهاء العبادة؛ فإنه لا يؤثر عليها شيئا، اللهم إلا أن يكون فيه عدوان؛ كالمن والأذى بالصدقة، فإن هذا العدوان يكون إثمه مقابلا لأجر الصدقة فيبطلها؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} “. قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى انتهى من [القول المفيد (2/ 126)].
قال القاضي عياض:
وقوله: ” بظهر الغيب “: أى فى سر وبغير حضرته، كأنه من وراء معرفته ومعرفة الناس؛ لأنه دليل إخلاص الدعاء، كمثل ما يجعل الإنسان وراء ظهره ويستره عن أعين الناس.
«إكمال المعلم بفوائد مسلم» (8/ 228)
وقال ابن مفلح رحمه الله:
“وورود الرياء بعد الفراغ من العبادة لا يحبطها، لأنه قد تم على نعت الإخلاص، فلا ينعطف ما طرأ عليه بعده، لا سيما إذا لم يتكلف هو إظهاره والتحدث به، فأما إن تحدث به بعد فراغه وأظهره فهذا مخوف، والغالب عليه أنه كان في قلبه وقت مباشرة العمل نوع رياء فإن سلم من الرياء نقص أجره، فإن بين عمل السر والعلانية سبعين درجة ” انتهى من [الآداب الشرعية (1/ 157)].
وقد روى الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” (4/ 325) بإسناده عن خطاب بن بشر: قال: “جعلت أسأل أبا عبد الله أحمد بن حنبل فيجيبني، ويلتفت إلى ابن الشافعي فيقول: هذا مما علمنا أبو عبد الله، يعني الشافعي.
قَالَ خطاب: وسمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يذاكر أبا عثمان أمر أبيه، فقال أحمد: يرحم الله أبا عبد الله، ما أصلي صلاة إلا دعوت فيها لخمسة، هو أحدهم “.
(المسألة الرابعة): “دعاء الغائب للغائب أعظم إجابة من دعاء الحاضر
“دعاء الغائب للغائب أعظم إجابة من دعاء الحاضر؛ لأنه أكمل إخلاصًا وأبعد عن الشرك؛ فكيف يشبه دعاء من يدعو لغيره بلا سؤال منه إلى دعاء من يدعو الله بسؤاله وهو حاضر؟!
وفي «صحيح مسلم» عن النبي ? أنه قال: «ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب بدعوة؛ إلا وكَّل الله به ملكًا كلما دعا لأخيه بدعوة قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثله».
وذلك أن المخلوق يطلب من المخلوق ما يقدر المخلوق عليه، والمخلوق قادر على دعاء الله ومسألته؛ فلهذا كان طلب الدعاء جائزًا، كما يطلب منه الإعانة بما يقدر عليه والأفعال التي يقدر عليها.
فأما ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى؛ فلا يجوز أن يُطلب إلا من الله سبحانه، لا يُطلب ذلك لا من الملائكة ولا من الأنبياء ولا من غيرهم، ولا يجوز أن يقال لغير الله: اغفر لي، واسقنا الغيث، وانصرنا على القوم الكافرين، أو اهد قلوبنا، ونحو ذلك”. «مجموع الفتاوى» ((1) / (328) – (329)). [المنتخب من كتب شيخ الإسلام].
(المسألة الثانية):
(المسألة): “فائدة: في من تجاب دعوتهم
تقدم فيما سبق قول الحق سبحانه وتعالى: {وقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ}.
وقوله سبحانه: {وإذا سَألَكَ عِبادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ولْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.
ودلالة الآيتين الكريمتين ظاهرة على وعد الله سبحانه عباده إذا دعوه أن يستجيب لهم، وأن يسمع منهم دعاءهم، وأن يعطيهم سؤلهم، فإنه سبحانه حيي كريم، يستحي من عبده المؤمن إذا دعاه مستجيبا لأمره، موقنا بالإجابة، مخبتا متذللا رافعا يديه متضرعا لمولاه أن يردهما صفرا، وقد قال سبحانه: {ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ}، وقوله حق لا شك فيه، لكن الخير يعلمه الله عزوجل. فالله عز وجل يعطيه سؤله من الخير، ويحقق له ما يريد من تلك المنفعة بصرف ذلك عنه، وتعويضه ما هو خير له في الدنيا والآخرة، يقول رسول الله ?: «ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذا نكثر، قال: الله أكثر» [أخرجه الترمذي في الدعوات، باب انتظار الفرج (5) / (566)، وقال: حسن صحيح غريب، والحاكم في المستدرك (1) / (493)].
ومن الدعوات المستجابات ما في الحديث
قال ?: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده [أخرجه أبو داود في الصلاة، باب الدعاء بظهر الغيب (2) / (89)]».
وفي رواية: «ودعوة الوالد لولده [أخرجها ابن ماجه (2) / (1270)]»، ودعوة المظلوم لا ترد، وليس بينها وبين الله حجاب، «ولما بعث رسول الله ? معاذا إلى اليمن نبهه إلى ذلك وقال له فيما أوصاه: واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» أخرجه البخاري في الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء (3) / (455)، ومسلم في الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين (1) / (50).
ودعوة المسافر دعوة مستجابة، وكأنه – والله أعلم – لبعده عن الأهل والعشيرة، وخوفه من أهوال الطريق، وتعرضه لمشاق السفر، وعنائه، أصبح قلبه معلقا بالله سبحانه، قريبا منه، منتظرا لفرجه ولطفه، ومن كان قريبا من الله كان الله قريبا منه، ولا بد أن يكون هذا السفر من الأسفار المشروعة حتى يكون صاحبه مجاب الدعوة، مسموع الدعاء، قريبا من رحمة الله.
وربما تأكد رجاء الإجابة إذا كان السفر طاعة وقربى، كسفر الحج، والجهاد، والدعوة في سبيل الله.
ودعوة الوالد لولده أو عليه مستجابة أيضا، بما للوالدين من الحقوق العظيمة على أبنائهم،
وممن تجاب دعوتهم: المضطر الذي أحوجه الحال من خوف أو مرض أو فقر أو نازلة إلى اللجوء إلى الله سبحانه والتضرع إليه
قال تعالى: {أمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الأرْضِ}.
قال الشوكاني: «واللام في المضطر للجنس لا للاستغراق، فقد لا يجاب بعض المضطرين لمانع يمنع من ذلك، بسبب يحدثه العبد يحول بينه وبن إجابة دعائه» [فتح القدير (4) / (146)].
ونحوه في روح المعاني، فإنه قيد الإجابة للمضطر بالمشيئة، وحمل اللام في الآية على الجنس [(20) / (7)].
ودعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب، مما ترجى إجابته لقوله ? في حديث أبي الدرداء: «ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك الموكل: ولك بمثل». [مجلة البحوث الإسلامية – مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد (65/ 307)].
المسألة الثالثة:
ثالثًا: فوائد الباب:
1 – (منها): بيان استحباب دعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب.
2 – (ومنها): بيان أن دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب سبب لاستجابة دعائه، فلذا كان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه دعا لأخيه بالغيب.
قال فيصل المبارك رحمه الله في تطريز رياض الصالحين: “فضل الدعاء للمسلم بظهر الغيب، وأنه يحصل للداعي مثلها، وأن دعوته لا ترد، وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعوا لنفسه دعا لأخيه المسلم بتلك الدعوة”. انتهى.
3 – (ومنها): ما قاله النوويّ -رَحِمَهُ الله-: وفي هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب، ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة، ولو دعا لجملة المسلمين، فالظاهر حصولها أيضًا، وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة؛ لأنها تستجاب، ويحصل له مثلها. انتهى [«شرح النوويّ» (17) / (49)].
4 – (ومنها): ما قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ الله-: قوله: «ما من عبد مسلم يدعو»: المسلم هنا هو الذي سَلِم المسلمون من لسانه ويده، الذي يحبّ للناس ما يحبّ لنفسه؛ لأنّ هذا هو الذي يحمله حاله وشفقته على أخيه المسلم أن يدعو له بظهر الغيب؛ أي: في حال غيبته عنه، وإنما خصّ حالة الغيبة بالذكر؛ لِبُعدها عن الرياء، والأغراض المُفسدة، أو المُنقصة، فإنّه في حال الغيبة يتمحّض الاخلاص، ويصحّ قصد وجه الله تعالى بذلك، فيوافقه الملك في الدعاء، ويبشّره على لسان رسوله ? بأن له مثل ما دعا به لأخيه، والأخوة هنا هي الأخوة الدينية، وقد تكون معها صداقة، ومعرفة، وقد لا يكون، وقد يتعيَّن، وقد لا يتعين، فإنّ الإنسان إذا دعا لإخوانه المسلمين حيث كانوا، وصَدَق الله في دعائه، وأخلص فيه في حال الغَيبة عنهم، أو عن بعضهم، قال الملَك له ذلك القول، بل قد يكون ثوابه أعظم؛ لأنّه دعا بالخير، وقَصَده للإسلام، ولكل المسلمين، والله تعالى أعلم. انتهى [«المفهم» (7) / (61) – (62)]. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
5 – (ومنها): قال ابن الجوزي رحمه الله في كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 163): “وفِي هَذا الحَدِيث ترغيب فِي الدُّعاء للْمُسلمِ بِظهْر الغَيْب، لِأنَّهُ يُثاب عَلَيْهِ بِدُعاء الملك، ودُعاء الملك مستجاب. وفِيه تَنْبِيه على التحذير من غيبَة المُسلم، لِأن الملك كَما يَدْعُو فِي الخَيْر لا يسكت عَن جَواب الشَّرّ”. انتهى
6 – (ومنها): “أنه أقرب للاستجابة لتحقيق الإخلاص فيه لله والمحبة للمؤمنين، ولتأمين الملك عليه”.
7 – (ومنها): “أن الدعاء بظهر الغيب يدل دلالة واضحة على صدق الإيمان.
8 – (ومنها): تقييد الدعوة بالغيب؛ لأن ذلك أبلغ في الإخلاص وحضور القلب.
9 – (ومنها): من أسباب الإجابة أن يدعو المسلم لأخيه في الغيب.
10 – (ومنها): استحباب أن يدعو المسلم لنفسه وأخيه بخيري الدنيا والآخرة.
11 – (ومنها): بيان بعض أعمال الملائكة، وأن منهم من وكله الله لهذا العمل”.
12 – (ومنها): “الحثُّ على إِحسانِ المُؤمنينَ بَعْضِهْم إلى بَعْضٍ”.
13 – (ومنها): “جواز طلب الدعاء من الأخ المسلم”.
14 – (ومنها): “جواز محادثة النساء للرجال والرجال للنساء بشرطين: إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وأمنت الفتنة”.
15 – (ومنها): “التوسل بدعاء الصالحين: “فادع الله لنا بخير” .. ، وقد كان الصحابة يتوسلون بدعاء النبي ? في حياته ومنه قول الأعرابي حين أصابت سَنَة على عهد رسول الله ?”. [أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة، ص (270)].
16 – قال ابن تيمية:
فصل: في ألا يسأل العبد إلا الله
قال الله تعالى: {فإذا فرغت فانصب} {وإلى ربك فارغب} قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: {إذا سألت فاسأل الله. وإذا استعنت فاستعن بالله}. وفي الترمذي: {ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع فإنه إن لم ييسره لم يتيسر} وفي الصحيح أنه قال لعدي بن مالك والرهط الذين بايعهم معه: {لا تسألوا الناس شيئا} فإن سوط أحدهم يسقط من يده: فلا يقول لأحد ناولني إياه وفي الصحيح في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب: {هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون} والاسترقاء طلب الرقية وهو نوع من السؤال. وأحاديث النهي عن مسألة الناس الأموال كثيرة كقوله: {لا تحل المسألة إلا لثلاثة} وقوله: {لأن يأخذ أحدكم حبله} الحديث وقوله {لا تزال المسألة بأحدهم.} وقوله: {من سأل الناس وله ما يغنيه.} وأمثال ذلك. وقوله: {من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس: لم تسد فاقته} الحديث. فأما سؤال ما يسوغ مثله من العلم: فليس من هذا الباب لأن المخبر لا ينقص الجواب من علمه بل يزداد بالجواب والسائل محتاج إلى ذلك قال صلى الله عليه وسلم {هلا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإن شفاء العي السؤال} ولكن من المسائل ما ينهى عنه. كما قال تعالى: {لا تسألوا عن أشياء} الآية. وكنهيه عن أغلوطات المسائل ونحو ذلك.
وأما سؤاله لغيره أن يدعو له: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: {لا تنسنا من دعائك} وقال: {إذا سمعتم المؤذن: فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة} وقد يقال في هذا: هو طلب من الأمة الدعاء له لأنهم إذا دعوا له حصل لهم من الأجر أكثر مما لو كان الدعاء لأنفسهم كما قال للذي قال: أجعل صلاتي كلها عليك؟ فقال: {إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك} فطلبه منهم الدعاء له لمصلحتهم كسائر أمره إياهم بما أمر به وذلك لما في ذلك من المصلحة لهم فإنه قد صح عنه أنه قال: {ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب بدعوة: إلا وكل الله به ملكا كلما دعا دعوة قال الملك الموكل به: آمين ولك مثله}
«مجموع الفتاوى» (1/ 78)
17 – قال الراجحي:
وفي هذا الحديث: دليل على فضل دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب، وأنه دعاء مستجاب، وأنه ينتفع به الداعي وينتفع به المدعو له؛ لأن الملك يؤمن على دعائه، ويقول: لك بالمثل.
وفيه: أن دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة.
وفيه: أنه يعطى بمثل ما دعى لأخيه بظهر الغيب.
وقيل: إن هذه الأحاديث تدل على ضعف ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (1) من أن سؤال المخلوق لا يستحب إلا في بعض المواضع؛ لأن فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة)).
وقد طلبت أم الدرداء رضي الله عنها من عبد الله بن صفوان أن يدعو لها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سلوا الله لي الوسيلة))، وحديث: ((لا تنسنا يا أخي من دعائك))، وهذا الحديث وإن كان ضعيفا فمجموع الأحاديث الواردة في هذا المعنى يقوي بعضها بعضا، وهي تدل على أنه لا بأس بأن يطلب الإنسان من أخيه الدعاء له، لكن لا ينبغي الإكثار من هذا؛ لما فيه من المشقة.
ولا يخفى أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قيد المنع من طلب الدعاء إذا نظر الطالب إلى مصلحة نفسه، أما إذا نظر إلى مصلحة نفسه ومصلحة أخيه المطلوب منه الدعاء فلا بأس والحالة هذه.
قال رحمه الله: ((ومن قال لغيره من الناس: ادع لي- أو لنا- وقصده أن ينتفع ذلك المأمور بالدعاء وينتفع هو أيضا بأمره وبفعل ذلك المأمور به كما يأمره بسائر فعل الخير فهو مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤتم به، ليس هذا من السؤال المرجوح.
وأما إن لم يكن مقصوده إلا طلب حاجته لم يقصد نفع ذلك والإحسان إليه، فهذا ليس من المقتدين بالرسول المؤتمين به في ذلك، بل هذا هو من السؤال المرجوح الذي تركه إلى الرغبة إلى الله وسؤاله، أفضل من الرغبة إلى المخلوق وسؤاله. وهذا كله من سؤال الأحياء السؤال الجائز المشروع)) (4)
«توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم» (7/ 566)
18 – قال الإتيوبي:
وفي “شرح المنهاج ” لابن النحوي: لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور، والمختار الوصول إذا سأل الله إيصال ثواب قراءته، وينبغي الجزم به؛ لأنه دعاء، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعي، فلأن يجوز بما هو له أولى، ويبقى الأمر فيه موقوفا على استجابة الدعاء، وهذا المعنى لا يختص بالقراءة، بل يجري في سائر الأعمال، والظاهر أن الدعاء متفق عليه أنه ينفع الميت والحي القريب والبعيد، بوصية وغيرها، وعلى ذلك أحاديث كثيرة، بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب. انتهى.
وقد حكى النووي في “شرح مسلم” الإجماع على وصول الدعاء إلى الميت، وكذا حكى أيضا الإجماع على أن الصدقة تقع عن الميت، ويصل ثوابها، ولم يقيد ذلك بالولد، وحكى أيضا الإجماع على لحوق قضاء الدين
«البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج» (19/ 314)