273 جامع الأجوبة الفقهية ص 315
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام
113 – وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله، فيغسل فرجه، ثم يتوضأ، ثم يأخذ الماء، فيدخل أصابعه في أصول الشعر، ثم حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
114 – ولهما في حديث ميمونة: ثم أفرغ على فرجه، فغسله بشماله، ثم ضرب بها الأرض. وفي رواية: فمسحها بالتراب، وفي آخره: ثم أتيته بالمنديل فرده، وفيه: وجعل ينفض الماء بيده.
——–
مسألة: هل يجزئ الغسل عن الوضوء لصاحب الحدثين إذا نوى رفع الحدثين جميعاً؟
من كان متلبس بحدثين أصغر وأكبر فهل يلزمه أن يتوضئ للحدث الأصغر ويغتسل للحدث الأكبر؟ أم أنه يجزئه الغسل عن الحدثين أذا نواهما؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
الأول: يجزئ الغسل عن الوضوء مطلقاً، سواء كان محدثاً حدثاً أصغر قبل الجنابة، أم لا، وسواء نوى رفع الحدثين معاً، أو نوى رفع الجنابة، وهذا هو مذهب الحنفية، والمالكية، وأصح الأقوال في مذهب الشافعية، واختاره ابن تيمية ورجحه ابن عثيمين.
القول الثاني: لا يرتفع الحدث الأصغر حتى يتوضأ، سواء توضأ قبل الغسل، أو توضأ بعده، وهو أحد قولي الشافعي، وقول في مذهب الحنابلة.
القول الثالث: لا تتداخل الطهارتان الكبرى والصغرى إلا بنية، فعلى هذا، إما أن يتوضأ قبل الغسل، أو ينوي بغسله الطهارة من الحدثين، وهذا نص أحمد رحمه الله، ووجه في مذهب الشافعية.
– انظر: البناية (1/ 173) تبيين الحقائق (1/ 5)، المبسوط (1/ 44)، حاشية العدوي (1/ 270)، الشرح الصغير (1/ 173)، مجموع الفتاوى (21/ 396)، المجموع (2/ 223)، كشاف القناع (1/ 89)، الروضة (1/ 54).
– دليل الجمهور على أنه يكفي الغسل وحده في رفع الحدثين.
الدليل الأول:
قوله تعالى في سورة النساء: 43 {ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا}.
وجه الاستدلال:
أن الله سبحانه وتعالى أباح الصلاة بالاغتسال من غير وضوء، فمن شرط في صحة الغسل وجود الوضوء، أو شرط نية رفع الحدث، فقد زاد في الآية ما ليس فيها، وذلك غير جائز.
الدليل الثاني:
عن أبي ذر أنه أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد أجنب، فدعا النبي – صلى الله عليه وسلم – بماء، فاستتر واغتسل، ثم قال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: إن الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك هو خير. رواه عبدالرزاق في مصنفه (913).
وجه الاستدلال:
لم يطلب النبي – صلى الله عليه وسلم – للمجنب إذا وجد الماء إلا أن يمسه بشرته، فلو كان الوضوء، أو نيته واجبة لذكره الرسول – صلى الله عليه وسلم –
الدليل الثالث:
أن الطهارة الكبرى متضمنة للطهارة الصغرى، فالأكبر متضمن لغسل الأعضاء الأربعة، فيتداخلان، كما أن الوضوء إذا تعددت أسبابه، أو تكرر السبب الواحد تداخلا، ولم يجب لكل سبب وضوء، والغسل إذا اختلفت أسبابه، أو تكرر السبب الواحد كذلك، فالطهارة الصغرى تدخل في الطهارة الكبرى وتغني عنها.
الدليل الرابع:
اجماع أهل العلم على أن الغسل يجزء عن الوضوء، ومنهم:
ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 260) حيث يقول: “فإن لم يتوضأ المغتسل للجنابة قبل الغسل، ولكنه عم جسده ورأسه ويديه وجميع بدنه بالغسل بالماء، وأسبغ ذلك؛ فقد أدى ما عليه، إذا قصد الغسل ونواه. . .، وهذا إجماع من العلماء لا خلاف بينهم فيه، والحمد للَّه”.
ابن العربي حيث يقول: “لم يختلف أحد من العلماء في أن الوضوء داخل في الغسل، وأن نية طهارة الجنابة. . . يأتي على طهارة الحدث ويقضي عليها” نقله الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 308)، وصديق خان عنه في الروضة الندية (1/ 165).
العدوي في حاشيته على شرح الخرشي (1/ 167) حيث يقول: “ويجزئ -الغسل- عن الوضوء اتفاقًا”.
– دليل القول الثاني: إذا لم ينو رفع الحدث الأصغر بالغسل لم يرتفع.
عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه. متفق عليه، صحيح البخاري (6689)، ومسلم (1907).
وجه الاستدلال:
لفظة: (إنما) للحصر، وليس المراد صورة العمل، فإنها توجد بلا نية، وإنما المراد أن حكم العمل لا يثبت إلا بالنية، ودليل آخر، وهو قوله – صلى الله عليه وسلم -: «وإنما لكل امرئ ما نوى» وهذا لم يتوضأ، ولم ينو رفع الحدث الأصغر، فلا يكون له.
واجيب: بأنه لا يمكن أن ينكر أحد تداخل بعض العبادات مع بعض، فهذه تحية المسجد مع الفرض تدخل تحية المسجد في الفرض، ولا يطالب بتحية المسجد، ومثله لو أفطر في نهار رمضان في اليوم الواحد مراراً لم يجب عليه إلا كفارة واحدة، ومثله طواف الإفاضة إذا أخره دخل فيه طواف الوداع على القول الصحيح، وهكذا، فكيف بالطهارة الصغرى والكبرى فكلاهما عبادتان من جنس واحد، فيتداخلان.
– دليل من قال: لا يرتفع الحدث الأصغر حتى يتوضأ.
أنه يجب عليه الوضوء والغسل؛ لأنهما حقان مختلفان يجبان بسببين مختلفين، فلم يدخل أحدهما في الآخر، كحد الزنا والسرقة.
ولأنه قبل الجنابة قد لزمه الوضوء، فلا يسقط غسل الجنابة الوضوء الواجب عليه.
ورد عليهم بأن هذا التعليل في مقابل النصوص، فلا يقبل.
– قال الجصاص في أحكام القرآن (2/ 515): ” قال تعالى: {ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} فأباح الصلاة بالاغتسال من غير وضوء، فمن شرط في صحته مع وجود الغسل وضوءاً، فقد زاد في الآية ما ليس فيها، وذلك غير جائز “.
– قال في الشرح الصغير (1/ 173): ” الغسل على الصفة المتقدمة أو على غيرها يجزئ عن الوضوء، ولو لم يستحضر نية رفع الحدث الأصغر؛ لأنه يلزم من رفع الأكبر رفع الأصغر “.
– وقال في حاشية الدسوقي (1/ 140): ” وكذا إذا أفاض الماء على جسده ابتداء، وذلك بنية رفع الحدث الأكبر، ولم يستحضر الأصغر، جاز له أن يصلي به “.
– قال النووي في المجموع (2/ 224 – 225): ” الحال الثاني: أن يحدث، ثم يجنب، كما هو الغالب، ففيه الأوجه الأربعة التي ذكرها المصنف، الصحيح عند الأصحاب، وهو المنصوص في الأم أنه يكفيه إفاضة الماء على البدن، ويصلي به بلا وضوء “.
– قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (21/ 396): ” والقرآن يدل على أنه لا يجب على الجنب إلا الاغتسال، وأنه إذا اغتسل جاز له أن يقرب الصلاة، والمغتسل من الجنابة ليس عليه نية رفع الحدث الأصغر، كما قال جمهور العلماء … “. وانظر شرح العمدة لابن تيمية رحمه الله (1/ 377).
– قال ابن تيمية رحمه الله في شرح العمدة (1/ 376): ” وعنه – أي: عن أحمد – أنه لا يرتفع الأصغر إلا بوضوء مع الغسل، بفعله قبل الغسل، أو بعده “.
– وقال في كشاف القناع (1/ 89): ” إن نوى الغسل للجنابة لم يرتفع حدثه الأصغر إلا إن نواه “.
– وقال ابن تيمية في شرح العمدة في تقريره للمذهب (1/ 376):وإذا نوى الأكبر فقط بقي عليه الأصغر “.
-* قال ابن باز: اختلف أهل العلم في ذلك، والأرجح أنه إذا اغتسل للجنابة ناويًا الحدثين، إذا اغتسل عن الجنابة ناويًا الحدثين- الحدث الأصغر والأكبر- أجزأه ذلك؛ لأن الأصغر يدخل في الأكبر، لكن السنة والأفضل والكمال أن يفعل ما فعله النبي – صلى الله عليه وسلم – فيتوضأ أولًا
– قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (1/ 367):
واختار شيخ الإسلام: أنه يرتفع الحدثان جميعا، واستدل بقوله تعالى: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} [المائدة: 6]، فإذا تطهر بنية الحدث الأكبر فإنه يجزئه، لأن الله لم يذكر شيئا سوى ذلك، وهذا هو الصحيح.
– * وفي فتاوى دائرة الشؤون الإسلامية بدبي:
إذا كان الغسل واجباً كالغسل من الجنابة فإنه يجزيء عن الوضوء، لأن نية رفع الحدث الأكبر تكفي عن نية رفع الحدث الأصغر الموجب للوضوء؛ لأن الأصغر يندرج في الأكبر. لكن يستحب الوضوء إما قبل الغسل الواجب أو بعده. وإن أحدثت أثناء الغسل الواجب كأن خرج منك ناقض للوضوء، أو مسست القبل أو الدبر أثناء الغسل، فيجب إعادة الوضوء فقط. أما إذا كان الغسل غير واجب سواء كان مسنوناً كالغسل للجمعة والغسل للعيدين ونحوها من الأغسال المسنونة، أو كان مباحا كالغسل للتبرد والنظافة، فيجب الوضوء، ولا يكفي الغسل المسنون أو المباح لرفع الحدث دون وضوء بفروضه المعروفة ومنها الترتيب؛ لأن الواجب لا يندرج تحت المسنون أو المباح. لكن إذا انغمس – المحدث حدثاً أصغر – في الماء كاملاً بنية الوضوء أو رفع الحدث أجزأه الغسل عن الوضوء في هذه الحالة. قال الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي في فتح الوهاب (1/ 115): (ولو انغمس محدث بنية الجنابة غلطا أو الحدث أو الطهر عنه أو الوضوء بدله أجزأه عن الوضوء وإن لم يمكث زمنا يمكن فيه الترتيب حسا خلافا للرافعي لأن الغسل يكفي للحدث الأكبر فللأصغر أولى ولتقدير الترتيب في لحظات لطيفة) اهـ.
والله أعلم …