2716 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي ، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
١٨ – بابُ: التَّعَوُّذِ مِن شَرِّ ما عُمِلَ ومِن شَرِّ ما لَمْ يُعْمَلْ
٦٥ – (٢٧١٦) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ – واللَّفْظُ لِيَحْيى – قالا: أخْبَرَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنصُورٍ، عَنْ هِلالٍ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الأشْجَعِيِّ، قالَ: سَألْتُ عائِشَةَ عَمّا كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدْعُو بِهِ اللهَ، قالَتْ: كانَ يَقُولُ: «اللهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما عَمِلْتُ ومِن شَرِّ ما لَمْ أعْمَلْ».
٦٥ – حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو كُرَيْبٍ، قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ هِلالٍ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، قالَ: سَألْتُ عائِشَةَ عَنْ دُعاءٍ كانَ يَدْعُو بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقالَتْ: كانَ يَقُولُ: «اللهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما عَمِلْتُ، وشَرِّ ما لَمْ أعْمَلْ»،
٦٥ – حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، وابْنُ بَشّارٍ، قالا: حَدَّثَنا ابْنُ أبِي عَدِيٍّ، ح وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ، كِلاهُما عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، بِهَذا الإسْنادِ مِثْلَهُ، غَيْرَ أنَّ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ «ومِن شَرِّ ما لَمْ أعْمَلْ»
٦٦ – (٢٧١٦) وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ هاشِمٍ، حَدَّثَنا وكِيعٌ، عَنِ الأوْزاعِيِّ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أبِي لُبابَةَ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسافٍ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عائِشَةَ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ، كانَ يَقُولُ فِي دُعائِهِ: «اللهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما عَمِلْتُ، وشَرِّ ما لَمْ أعْمَلْ»
٦٧ – (٢٧١٧) حَدَّثَنِي حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو أبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، حَدَّثَنا الحُسَيْنُ، حَدَّثَنِي ابْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيى بْنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، كانَ يَقُولُ: «اللهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أنَبْتُ، وبِكَ خاصَمْتُ، اللهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لا إلَهَ إلّا أنْتَ، أنْ تُضِلَّنِي، أنْتَ الحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ، والجِنُّ والإنْسُ يَمُوتُونَ»٦٨ – (٢٧١٨) حَدَّثَنِي أبُو الطّاهِرِ، أخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي سُلَيْمانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ إذا كانَ فِي سَفَرٍ وأسْحَرَ يَقُولُ: «سَمِعَ سامِعٌ بِحَمْدِ اللهِ وحُسْنِ بَلائِهِ عَلَيْنا، رَبَّنا صاحِبْنا وأفْضِلْ عَلَيْنا، عائِذًا بِاللهِ مِنَ النّارِ»
٦٨ – (٢٧١٨) حَدَّثَنِي أبُو الطّاهِرِ، أخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي سُلَيْمانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ إذا كانَ فِي سَفَرٍ وأسْحَرَ يَقُولُ: «سَمِعَ سامِعٌ بِحَمْدِ اللهِ وحُسْنِ بَلائِهِ عَلَيْنا، رَبَّنا صاحِبْنا وأفْضِلْ عَلَيْنا، عائِذًا بِاللهِ مِنَ النّارِ»
٧٠ – (٢٧١٩) حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنا أبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أبِي إسْحاقَ، عَنْ أبِي بُرْدَةَ بْنِ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أنَّهُ كانَ يَدْعُو بِهَذا الدُّعاءِ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وجَهْلِي، وإسْرافِي فِي أمْرِي، وما أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وهَزْلِي، وخَطَئِي وعَمْدِي، وكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، وما أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخِّرُ، وأنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
٧٠ – وحَدَّثَناهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ الصَّبّاحِ المِسْمَعِيُّ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، فِي هَذا الإسْنادِ
٧١ – (٢٧٢٠) حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ دِينارٍ، حَدَّثَنا أبُو قَطَنٍ عَمْرُو بْنُ الهَيْثَمِ القُطَعِيُّ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي سَلَمَةَ الماجِشُونِ، عَنْ قُدامَةَ بْنِ مُوسى، عَنْ أبِي صالِحٍ السَّمّانِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: «اللهُمَّ أصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أمْرِي، وأصْلِحْ لِي دُنْيايَ الَّتِي فِيها مَعاشِي، وأصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيها مَعادِي، واجْعَلِ الحَياةَ زِيادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، واجْعَلِ المَوْتَ راحَةً لِي مِن كُلِّ شَرٍّ»
٧٢ – (٢٧٢١) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، ومُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أبِي إسْحاقَ، عَنْ أبِي الأحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أنَّهُ كانَ يَقُولُ: «اللهُمَّ إنِّي أسْألُكَ الهُدى والتُّقى، والعَفافَ والغِنى»،
٧٢ – وحَدَّثَنا ابْنُ المُثَنّى، وابْنُ بَشّارٍ، قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ أبِي إسْحاقَ، بِهَذا الإسْنادِ مِثْلَهُ غَيْرَ أنَّ ابْنَ المُثَنّى قالَ فِي رِوايَتِهِ: «والعِفَّةَ»
٧٣ – (٢٧٢٢) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ – واللَّفْظُ لِابْنِ نُمَيْرٍ، قالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا وقالَ الآخَرانِ: حَدَّثَنا – أبُو مُعاوِيَةَ، عَنْ عاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ، وعَنْ أبِي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أرْقَمَ، قالَ: لا أقُولُ لَكُمْ إلّا كَما كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقُولُ: كانَ يَقُولُ: «اللهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ، والكَسَلِ، والجُبْنِ، والبُخْلِ، والهَرَمِ، وعَذابِ، القَبْرِ اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْواها، وزَكِّها أنْتَ خَيْرُ مَن زَكّاها، أنْتَ ولِيُّها ومَوْلاها، اللهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، ومِن قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، ومِن نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، ومِن دَعْوَةٍ لا يُسْتَجابُ لَها»
٧٤ – (٢٧٢٣) حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ النَّخَعِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، إذا أمْسى قالَ: «أمْسَيْنا وأمْسى المُلْكُ لِلَّهِ والحَمْدُ لِلَّهِ، لا إلَهَ إلّا اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ» قالَ الحَسَنُ: فَحَدَّثَنِي الزُّبَيْدُ أنَّهُ حَفِظَ عَنْ إبْراهِيمَ فِي هَذا: «لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللهُمَّ أسْألُكَ خَيْرَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وأعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وشَرِّ ما بَعْدَها اللهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وسُوءِ الكِبَرِ، اللهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِن عَذابٍ فِي النّارِ وعَذابٍ فِي القَبْرِ»
٧٥ – (٢٧٢٣) حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إبْراهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قالَ: كانَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ، إذا أمْسى قالَ: «أمْسَيْنا وأمْسى المُلْكُ لِلَّهِ، والحَمْدُ لِلَّهِ لا إلَهَ إلّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ» قالَ: أُراهُ قالَ فِيهِنَّ: «لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، رَبِّ أسْألُكَ خَيْرَ ما فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وخَيْرَ ما بَعْدَها، وأعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وشَرِّ ما بَعْدَها، رَبِّ أعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وسُوءِ الكِبَرِ، رَبِّ أعُوذُ بِكَ مِن عَذابٍ فِي النّارِ وعَذابٍ فِي القَبْرِ» وإذا أصْبَحَ قالَ ذَلِكَ أيْضًا: «أصْبَحْنا وأصْبَحَ المُلْكُ لِلَّهِ»
٧٦ – (٢٧٢٣) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زائِدَةَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إبْراهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، إذا أمْسى قالَ: «أمْسَيْنا وأمْسى المُلْكُ لِلَّهِ، والحَمْدُ لِلَّهِ لا إلَهَ إلّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، اللهُمَّ إنِّي أسْألُكَ مِن خَيْرِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وخَيْرِ ما فِيها، وأعُوذُ بِكَ مِن شَرِّها، وشَرِّ ما فِيها، اللهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ، والهَرَمِ، وسُوءِ الكِبَرِ، وفِتْنَةِ الدُّنْيا وعَذابِ القَبْرِ»، قالَ الحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: وزادَنِي فِيهِ زُبَيْدٌ، عَنْ إبْراهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، رَفَعَهُ، أنَّهُ قالَ: «لا إلَهَ إلّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
٧٧ – (٢٧٢٤) حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، كانَ يَقُولُ: «لا إلَهَ إلّا اللهُ وحْدَهُ، أعَزَّ جُنْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَهُ، وغَلَبَ الأحْزابَ وحْدَهُ، فَلا شَيْءَ بَعْدَهُ»
٧٨ – (٢٧٢٥) حَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا ابْنُ إدْرِيسَ، قالَ: سَمِعْتُ عاصِمَ بْنَ كُلَيْبٍ، عَنْ أبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قُلِ اللهُمَّ اهْدِنِي وسَدِّدْنِي، واذْكُرْ، بِالهُدى هِدايَتَكَ الطَّرِيقَ، والسَّدادِ، سَدادَ السَّهْمِ»، وحَدَّثَنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ يَعْنِي ابْنَ إدْرِيسَ، أخْبَرَنا عاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، بِهَذا الإسْنادِ قالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قُلِ اللهُمَّ إنِّي أسْألُكَ الهُدى والسَّدادَ» ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
==========
سبق الحديث عن الأدعية الجامعة في الأبواب السابقة.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
[(١٨) – (بابُ: التَّعَوُّذِ مِن شَرِّ ما عَمِلَ، ومِن شَرِّ ما لَمْ يَعْمَلْ)]
[٦٨٧١] (٢٧١٦) قوله (كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدْعُو بِهِ اللهَ) وفي رواية النسائيّ: «قال: قلت لعائشة: حدثيني بشيء كان رسول الله ﷺ يدعو به في صلاته»، وفي رواية هلال بن يساف: «أنه سأل عائشة – رضي الله عنها -: ما كان أكثر ما يدعو به رسول الله ﷺ قبل موته …» الحديث.
(إنِّي أعُوذُ)؛ أي: أعتصم، وأتحصّن (بِكَ مِن شَرِّ ما عَمِلْتُ) قال الطيبيّ – رَحِمَهُ اللهُ -: أي: من شر عَمَل يُحتاج فيه إلى العفو، والغفران
(ومِن شَرِّ ما لَمْ أعْمَلْ»)
وقال الأشرف: استعاذ من شرّ أن يعمل في مستقبل الزمان ما لا يرضاه الله تعالى، بأن يحفظه منه، فإنه لا يأمن لأحد من مكر الله، ﴿فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إلّا القَوْمُ الخاسِرُونَ﴾ [الأعراف ٩٩].
وقيل: من شرّ أن يصير مُعْجَبًا بنفسه في ترك القبائح، فإنه يجب أن يَرى ذلك من فضل ربه، أو المراد: شرّ عمل غيره، كما قال تعالى: ﴿واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خاصَّةً﴾ [الأنفال ٢٥].
ويحْتَمِل: أنه استعاذ من أن يكون ممن يُحِبّ أن يُحمَد بما لم يفعل. انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» ٦/ ١٩١٤، و«مرقاة المفاتيح» ٥/ ٣٧١].
وقال السنديّ: قوله: من شر ما عملت، إلخ؛ أي: من شر ما فعلت من السيئات، وما تركت من الحسنات، أو من شر كل شيء مما تعلق به كسبي أولًا، والله تعالى أعلم. انتهى [«مرعاة المفاتيح» ٨/ ٤٨٠].
وقال الطيبيّ – رَحِمَهُ اللهُ -: استعاذ مما عُصم منه ليلتزم خوف الله تعالى، وإعظامه، والافتقارَ إليه، وليُقتدى به، وليبيّن صفة الدعاء.
وقال القرطبيّ – رَحِمَهُ اللهُ -: قوله:» اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من شرّ ما عملت … إلخ»، هذا كقوله الحديث الآخر: «اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من كل شر»، غير أنه نبّه في هذا على معنى زائد، وهو أنه قد يعمل الإنسان العمل لا يقصد به إلا الخير، ويكون في باطن أمره شرّ لا يعلمه، فاستعاذ منه، ويؤيد هذا أنه قد روي في غير كتاب مسلم: «من شر ما علمت، وما لم أعلم»، ويحْتَمِل أن يريد به: ما عَمِل غيره، فيما يظن أنه يقتدي به فيه. [«المفهم» ٧/ ٤٥ – ٤٦]، والله تعالى أعلم.
وفي معناه كما في :
صحيح الأدب المفرد 554/716 ﻋﻦ ﻣﻌﻘﻞ ﺑﻦ ﻳﺴﺎﺭ ﻗﺎﻝ: اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻊ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ. ﻓﻘﺎﻝ: “ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺑﻜﺮ! ﻟﻠﺸﺮﻙ ﻓﻴﻜﻢ ﺃﺧﻔﻰ ﻣﻦ ﺩﺑﻴﺐ اﻟﻨﻤﻞ”. ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ: ﻭﻫﻞ اﻟﺸﺮﻙ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺟﻌﻞ ﻣﻊ اﻟﻠﻪ ﺇﻟﻬﺎ ﺁﺧﺮ؟ ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: “ﻭاﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ، ﻟﻠﺸﺮﻙ ﺃﺧﻔﻰ ﻣﻦ ﺩﺑﻴﺐ اﻟﻨﻤﻞ، ﺃﻻ ﺃﺩﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﺇﺫا ﻗﻠﺘﻪ ﺫﻫﺐ ﻋﻨﻚ ﻗﻠﻴﻠﻪ ﻭﻛﺜﻴﺮﻩ؟ “. ﻗﺎﻝ: “ﻗﻞ: اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﺃﻥ ﺃﺷﺮﻙ ﺑﻚ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻋﻠﻢ، ﻭﺃﺳﺘﻐﻔﺮﻙ ﻟﻤﺎ ﻻ ﺃﻋﻠﻢ”.
وحديث عائشة – رضي الله عنها – هذا من أفراد المصنّف – رَحِمَهُ اللهُ -.
وقال الإمام مسلم رحمه الله: [٦٨٧٤] (…) – (وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ هاشِمٍ، حَدَّثَنا وكِيعٌ، عَنِ الأوْزاعِيِّ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أبِي لُبابَةَ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسافٍ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عائِشَةَ؛ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ يَقُولُ فِي دُعائِهِ: «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذ بِكَ مِن شَرِّ ما عَمِلْتُ، وشَرِّ ما لَمْ أعْمَلْ»).
[تنبيه]: انتقد الدارقطنيّ – رَحِمَهُ اللهُ – هذا الإسناد، راجع – [«الإلزامات والتتبع» ص ٣٧٦].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: غرض الدارقطنيّ – رَحِمَهُ اللهُ – بهذا إعلال هذا الإسناد بالانقطاع بين هلال وعائشة – رضي الله عنها -، لكن الذي يظهر أن مسلمًا يرى أن وكيعًا إمام ثبت لا يضرّ تفرّده بالوصل، فرجّح روايته؛ لأنها زيادة ثقة، والله تعالى أعلم.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٨٧٥] (٢٧١٧) – و(ابْنُ بُرَيْدَةَ) عبد الله بن بُريدة بن الحُصيب الأسلميّ، أبو سهل المروزيّ، قاضيها، ثقةٌ [٣] (ت ١٠٥) وقيل: بل (١١٥)، (ع)
شرح الحديث:
(عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ) – رضي الله عنهما – (أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ يَقُولُ:( اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنتُ)؛ أي: لك انقدت وبك صدّقت، قال النوويّ – رَحِمَهُ اللهُ -: فيه إشارة إلى الفرق بين الإسلام والإيمان.
(وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ)؛ أي: عليك، لا على غيرك اعتمدت في تفويض أموري،
(وإلَيْكَ أنَبْتُ)؛ أي: رجعت، وأقبلت بهمتي،
(وبِكَ خاصَمْتُ)؛ أي: بك أحتج وأدفع وأخاصم، وقال القرطبي: أي: بإعانتك، وتعليمك، وبكلامك جادلت المخالفين فيك حتى خصمتهم [»المفهم«٧/ ٤٦].
(اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِعِزَّتِكَ)؛ أي: بقوة سلطانك، (لا إلَهَ إلّا أنْتَ) وفي رواية البخاريّ: «أعوذ بعزّتك الذي لا إله إلا أنت»،
(أنْ تُضِلَّنِي)؛ أي: تُهلكني بعدم التوفيق للرشاد، والتوفيق على طرق الهداية والسداد .
(أنْتَ الحَيُّ) وفي رواية: «أنت الحيّ القيّوم»؛ أي: الدائم القائم على الخلق،
(الَّذِي لا يَمُوتُ) بلفظ الغائب للأكثر، وفي بعض الروايات بلفظ الخطاب؛ أي: الحي الحياة الحقيقية التي لا يجامعها الموت بحال.
(والجِنُّ والإنْسُ يَمُوتُونَ) عندما تنقضي آجالهم، قال القرطبيّ – رَحِمَهُ اللهُ -: إنما خصّ هذين النوعين بالموت، وإن كان جميع الخلائق يموتون؛ لأن هذين النوعين هما المكلفان المقصودان بالتبليغ، والله تعالى أعلم [»المفهم” ٧/ ٤٦].
قال في »الفتح«: قوله: »والجن والإنس يموتون«: استُدِلّ به على أن الملائكة لا تموت، ولا حجة فيه؛ لأنه مفهوم لَقَب.
وقال القاري – رَحِمَهُ اللهُ -: «اللَّهُمَّ لك»؛ أي: لا لغيرك، «أسلمت»؛ أي: انقدت انقيادًا ظاهرًا، «وبك آمنت»؛ أي: صدّقت تصديقًا باطنًا … «وإليك أنبت»؛ أي: رجعت من المعصية إلى الطاعة، أو من الغفلة إلى الذكر، أو من الغيبة إلى الحضور،
«لا إله إلا أنت»؛ أي: فلا معبود بحقّ إلا أنت، ولا سؤال إلا منك، ولا استعاذة إلا بك، «أن تُضلني» وفيه إيماء إلى قوله تعالى: ﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنا﴾ [آل عمران: ٨] انتهى [«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» ٨/ ٣٦٢]، والله تعالى أعلم.
قال الراجحي:
وقوله: ((اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني)): فيه: الاستعاذة بعزة الله، والتوسل بأسماء الله وصفاته.
والعزة صفة من صفات الله تعالى، وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك))، والاستعاذة بصفات الله جائزة، كأن تقول: أعوذ بعزتك أن تضلني، وأعوذ برضاك من سخطك.
قوله: ((أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون)): الحي من أسماء الله العظيمة، وقيل: اسم الله الأعظم: الحي القيوم، وجاء الجمع بينهما في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع.
قال الله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم}.
وقال تعالى: {الم (1) الله لا إله إلا هو الحي القيوم (2) نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل (3)}.
وقال عز وجل: {وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما}
وفي هذا الحديث: تفويض الأمر إلى الله عز وجل؛ لهذا قال: ((اللهم لك أسلمت))، يعني: انقدت لشرعك ودينك، ((وبك آمنت))، أي: صدقت.
وفيه: فرق بين الإسلام والإيمان، وأنهما إذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة، وإذا افترقا دخل كل منهما في الآخر.
وفيه: الرد على المعتزلة، والقدرية الذي يقولون: إن الإنسان هو الذي يضل نفسه، ويهدي نفسه، وأن نسبة الإضلال والهداية إنما هي من جهة التسمية فحسب، وهذا باطل؛ لأن الهداية والإضلال بيد الله تعالى، كما قال تعالى: {ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا}
وفي هذا الحديث: إثبات اسمين من أسماء الله سبحانه وتعالى، وهما: المقدم، والمؤخر، فهو يقدم من يشاء من عباده برحمته، وفضله، وإحسانه، ويؤخر من يشاء بفضله وعدله.
وهذا الدعاء قاله صلى الله عليه وسلم تعبدا لربه عز وجل، وتعليما للأمة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو المشرع
«توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم» (7/ 547)
قلت:
وقد بوب البخاري:
باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته
وقال ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول أعوذ بعزتك
وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يبقى رجل بين الجنة والنار فيقول يا رب اصرف وجهي عن النار لا وعزتك لا أسألك غيرها
وقال أبو سعيد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله
وقال أيوب وعزتك لا غنى بي عن بركتك
6661 – حدثنا آدم، حدثنا شيبان، حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول قط قط وعزتك، ويزوى بعضها إلى بعض». رواه شعبة، عن قتادة
«صحيح البخاري» (8/ 134 ط السلطانية)
وحديث ابن عبّاس – رضي الله عنهما – هذا متّفقٌ عليه.
[٦٨٧٦] (٢٧١٨) – شرح الحديث:
قال القرطبيّ – رَحِمَهُ اللهُ -: »فأسحر«؛ أي: استيقظ في السحر، أو خرج في السحر، والسحر: آخر الليل [«المفهم» ٧/ ٤٧].
(يَقُولُ: سَمَّعَ سامِعٌ بِحَمْدِ اللهِ) رُوي سَمّع بفتح الميم، وتشديدها، من التسميع، بمعنى الإسماع للغير، كذا ضبطه القاضي عياض، وصاحب «المطالع»، وأشار إلى أنه رواية أكثر رواة مسلم، قالا: ومعناه: بَلَّغَ سامعٌ قولي هذا لغيره، وقال مثله تنبيهًا على الذكر في السحر، والدعاء في ذلك، ورُوي بكسر الميم، وتخفيفها، من السمع، وكذا ضبطه الخطابيّ وآخرون، قال الخطابيّ: معناه: شَهِد شاهدٌ، وهو أمْر بلفظ الخبر، يريد به الإشهاد على ما يقوله، وحقيقته ليسمع السامع على حمدنا لله – سُبْحانهُ وتَعالى – على نِعَمه، وحسن بلائه. انتهى [«مرعاة المفاتيح» ٨/ ٣٧٤]، فعند الخطابيّ هو خبر بمعنى الأمر، وقال التوربشتيّ: الذهاب فيه إلى الخبر أقوى؛ لظاهر اللفظ، والمعنى: أن من كان له سمعٌ فقد سَمِع بأنّا نحمد الله تعالى، وإفضاله علينا، وإن كلا الأمرين قد اشتهر، واستفاض، حتى لا يكاد يخفى على ذي سمع، وأنه لا انقطاع لأحد الأمرين. انتهى. [«الكاشف عن حقائق السنن» ٦/ ١٨٩٥].
(وحُسْنِ بَلاِئِهِ عَلَيْنا) قال القرطبيّ – رَحِمَهُ اللهُ -: بمعنى ابتلائه، وقد تقدَّم أن أصل الابتلاء: الاختبار، وقد يكون نعمة، وقد يكون نقمة. انتهى. [«المفهم» ٧/ ٤٧].
وقال القاريّ: البلاء ها هنا بمعنى النعمة، والله – سُبْحانهُ وتعالى – يبلو عباده مرةً بالمحن؛ ليصبروا، وطورًا بالنِّعَم؛ ليشكروا، فالمحنة، والمنحة جميعًا بلاء لمواقع الاختبار، قال تعالى: ﴿ونَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ والخَيْرِ فِتْنَةً وإلَيْنا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء ٣٥] [«مرقاة المفاتيح» ٨/ ٣١١].
(رَبَّنا) أي: يا ربّنا (صاحِبْنا) بصيغة الأمر، من صاحب يُصاحب، أي: بحفظك، وكفايتك، وهدايتك، قاله القرطبيّ، (وأفْضِلْ) بصيغة الأمر أيضًا، من الإفضال؛ أي: مُنّ (عَلَيْنا) بإدامة جزيل تلك النعمة، ومزيدها، والتوفيق للقيام بحقوقها، واصرف عنا كل مكروه، وقوله: (عائِذًا)؛ أي: أقول هذا في حال استعاذتي، واستجارتي (بِاللهِ) – سُبْحانهُ وتعالى – (مِنَ النّارِ)»؛ أي: من عذابها.
قال الطيبيّ: «عائذًا» إذا كان مصدرًا كان من كلام الرسول ﷺ، وإذا كان حالًا كان من كلام الراوي، وجوّز النوويّ أن يكون حالًا، ويكون من كلام الرسول ﷺ حيث قال: إني أقول هذا في حال استعاذتي، واستجارتي من النار.
قال الطيبيّ – رَحِمَهُ اللهُ -: وهذا هو الأرجح؛ ليضمّ الخوف مع الرجاء؛ تعليمًا للأمة. انتهى كلام الطيبيّ – رَحِمَهُ اللهُ – [«الكاشف عن حقائق السنن» ٦/ ١٨٩٥ – ١٨٩٦]، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا من أفراد المصنّف – رَحِمَهُ اللهُ -.
[تنبيه]: قد انتقد الحافظ أبو الفضل بن عمّار – رَحِمَهُ اللهُ – إسناد هذا الحديث، [«علل الحديث في كتاب الصحيح» ١/ ١٢٨ – ١٢٩].
قال الإثيوبي عفا الله عنه: الذي يظهر لي أن مسلمًا إمام ناقد، فتصحيحه الحديث مرجّحًا هذا الإسناد مقدّم على تضعيف أبي الفضل؛ لأنه أوّلًا: لم يذكر المخالِفين لسليمان بن بلال هنا حتى يُنظر فيهم، وثانيًا: أن سليمان ثقة ثبتٌ، فروايته راجحة، كما هو رأي مسلم – رَحِمَهُ اللهُ -، والله تعالى أعلم.
[٦٨٧٧] (٢٧١٩) – شرح الحديث:
(عَنْ أبِي بُرْدَةَ بْنِ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ، عَنْ أبِيهِ) عبد الله بن قيس بن سُليم الأشعريّ – رضي الله عنه – (عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أنَّهُ) ﷺ (كانَ يَدْعُو بِهَذا الدُّعاءِ) قال الحافظ – رَحِمَهُ اللهُ -: لم أر في شيء من طرقه محلّ الدعاء بذلك، وقد وقع معظم آخره في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما -؛ أنه ﷺ كان يقوله في صلاة الليل، ووقع أيضًا في حديث عليّ – رضي الله عنه – عند مسلم؛ أنه كان يقوله في آخر الصلاة، واختَلفت الرواية هل كان يقوله قبل السلام، أو بعده؟
ففي رواية لمسلم: «ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والسلام: اللَّهُمَّ اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت»، وفي رواية له، ولأحمد، وأبي داود،
والترمذيّ: «وإذا سلَّم قال: اللَّهُمَّ اغفر لي ما قدّمت …» إلى آخره. ويُجمع بينهما بحمل الرواية الثانية على إرادة السلام؛ لأن مخرج الطريقين واحد، وأورده ابن حبان في «صحيحه» بلفظ: «كان إذا فرغ من الصلاة، وسلَّم»، وهذا ظاهر في أنه بعد السلام، ويَحْتَمِل أنه كان يقول ذلك قبل السلام وبعده، وقد وقع في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – نحو ذلك. انتهى كلام الحافظ – رَحِمَهُ اللهُ – [»الفتح«١٤/ ٤٤٠،»كتاب الدعوات«رقم (٦٣٩٨)].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: عندي حَمْله على أنه ﷺ كان يقوله قبل السلام، وبعد السلام، أو يكون على اختلاف الأوقات أقرب، وأحوط، والله تعالى أعلم.
(«اللَهمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي)؛ أي: سيئتي، أو ذنبي، قال في »الفتح«: الخطئية: الذنب، يقال: خَطِئَ يَخْطَأُ، ويجوز تسهيل الهمزة، فيقال: خطيّة بتشديد الياء. انتهى [»الفتح«١٤/ ٤٤٠].
(وجَهْلِي)؛ أي: ما صدر مني من أجل جهلي، والجهلُ ضدّ العلم، وقال القاري: »وجهلي«؛ أي: فيما يجب عليّ عِلمه، وعمله، وقيل: أي: ما لم أعلمه،
(وإسْرافِي) الإسراف: الإفراط في كل شيء، ومجاوزة الحدّ فيه؛ أي: تجاوزي عن حدّي،
وقوله: (فِي أمْرِي)؛ أي: في أموري كلها، قال الكرمانيّ – رَحِمَهُ اللهُ -: يَحْتَمِل أن يتعلق بالإسراف فقط، ويحْتَمِل أن يتعلق بجميع ما ذُكر على سبيل التنازع بين العوامل [»شرح البخاري” للكرمانيّ ٢٢/ ١٧٩].
(وما أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي)؛ أي: تعلمه، ولا أعلمه، من المعاصي، والسيئات، والتقصيرات في الطاعة، وقيل: أي: مما علمته، وما لم أعلمه، وهو تعميم بعد تخصيص، وتتميم لِما يُستغفر منه. [«مرعاة المفاتيح» ٨/ ٥٣٣].
(اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي) بكسر الجيم، وهو الاجتهاد في الأمر، والتحقيق، وضدّ الهزل،
(وهَزْلِي) بفتح الهاء، وسكون الزاي، وهو المزاح؛ أي: ما وقع مني في الحالين، أو هو التكلم بالسخرية، والبطلان، والهذيان [«مرعاة المفاتيح» ٨/ ٥٣٣].
(وخَطَئِي، وعَمْدِي) قال في «القاموس»: الخَطْءُ، والخَطَأ، والخَطاءُ: ضدّ الصواب، والخطيئة: الذنب، أو ما تُعُمِّد منه، كالخِطْء بالكسر، والخطأ ما لم يتعمد. انتهى [«القاموس المحيط» ص ٣٧٨].
وقوله: «خطئي» كذا عند مسلم، ووقع عند أكثر رواة البخاريّ بلفظ: «خطاياي». قال الحافظ – رَحِمَهُ اللهُ -: وقع في رواية الكشميهنيّ: «خطئي»، وكذا أخرجه البخاريّ في «الأدب المفرد» بالسند الذي في «الصحيح»، وهو مناسب لذكر العَمْد، ولكن جمهور الرواة على الأول، و«الخطايا» جمع خطيئة، وعَطْف العمد عليها من عَطْف الخاصّ على العامّ، فإن الخطيئة أعمّ من أن تكون عن خطأ، أو عمد، أو هو من عَطْف أحد العامّين على الآخر؛ يعني: أنه اعتبر المغايرة بينهما باختلاف الوصفين. [«الفتح» ١٤/ ٤٤٠، و«مرعاة المفاتيح» ٨/ ٥٣٣].
(وكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي)؛ أي: موجود، أو ممكن؛ أي: أنا متصف بهذه الأمور، فاغفرها لي، قاله تواضعًا، أو أراد: ما وقع سهوًا، أو ما قبل النبوة، أو محضُ مجرَّد تعليم لأمته [»فيض القدير شرح الجامع الصغير«للمناويّ ٢/ ١٥٤].
(اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ما قَدَّمْتُ) قبل هذا الوقت
(وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ)؛ أي: أخفيت،
(وما أعْلَنْتُ)؛ أي: أظهرت، أو ما حدّثت به نفسي، وما تحرك به لساني، قاله تواضعًا، وإجلالًا لله تعالى، أو تعليمًا لأمته، وتَعقب في «الفتح» الأخير بأنه لو كان للتعليم فقط كفى فيه أمْرهم، بأن يقولوا، فالأولى أنه للمجموع، (وما أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي)؛ أي: ما علِمته ولم أعلمه، (أنتَ المُقَدِّمُ)؛
قال القرطبيّ رحمه الله: قوله: «أنت المقدم وأنت المؤخر»؛ أي: المقدّم لمن شئت بالتوبة، والولاية، والطاعة، والمؤخر لمن شئت بضدّ ذلك، والأوْلى أنه تعالى مقدِّم كل مُقَدَّم في الدنيا والآخرة، ومؤخِّر كل مُؤَخَّر في الدنيا والآخرة، وهذان الاسمان من أسماء الله تعالى المزدوجة، كالأول والآخر، والمبدئ والمعيد، والقابض والباسط، والخافض والرافع، والضارّ والنافع، فهذه الأسماء لا تقال إلا مزدوجة، كما جاءت في الكتاب والسُّنَة، هكذا قال بعض العلماء، ولم يُجز أن يقال: يا خافض حتى يضم إليه: يا رافع. انتهى [»المفهم” ٧/ ٤٨].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: قوله: «لا تقال إلا مزدوجة» في إطلاقه نظر لا يخفى، فتأمله بالإمعان، وبالله تعالى التوفيق.
قال ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد (١٦٧/١):
” اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ: ﺃﻥ ﺃﺳﻤﺎءﻩ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻔﺮﺩا ﻭﻣﻘﺘﺮﻧﺎ ﺑﻐﻴﺮﻩ ﻭﻫﻮ ﻏﺎﻟﺐ اﻷﺳﻤﺎء ﻓﺎﻟﻘﺪﻳﺮ ﻭاﻟﺴﻤﻴﻊ ﻭاﻟﺒﺼﻴﺮ ﻭاﻟﻌﺰﻳﺰ ﻭاﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﻫﺬا ﻳﺴﻮﻍ ﺃﻥ ﻳﺪﻋﻰ ﺑﻪ ﻣﻔﺮﺩا ﻭﻣﻘﺘﺮﻧﺎ ﺑﻐﻴﺮﻩ ﻓﺘﻘﻮﻝ: ﻳﺎ ﻋﺰﻳﺰ ﻳﺎ ﺣﻠﻴﻢ ﻳﺎ ﻏﻔﻮﺭ ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ ﻭﺃﻥ ﻳﻔﺮﺩ ﻛﻞ اﺳﻢ ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻴﻪ ﻭاﻟﺨﺒﺮ ﻋﻨﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﺴﻮﻍ ﻟﻚ اﻹﻓﺮاﺩ ﻭاﻟﺠﻤﻊ ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻤﻔﺮﺩﻩ ﺑﻞ ﻣﻘﺮﻭﻧﺎ ﺑﻤﻘﺎﺑﻠﻪ ﻛﺎﻟﻤﺎﻧﻊ ﻭاﻟﻀﺎﺭ ﻭاﻟﻤﻨﺘﻘﻢ ﻓﻼ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻔﺮﺩ ﻫﺬا ﻋﻦ ﻣﻘﺎﺑﻠﻪ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻘﺮﻭﻥ ﺑﺎﻟﻤﻌﻄﻲ ﻭاﻟﻨﺎﻓﻊ ﻭاﻟﻌﻔﻮ ﻓﻬﻮ اﻟﻤﻌﻄﻲ اﻟﻤﺎﻧﻊ اﻟﻀﺎﺭ اﻟﻨﺎﻓﻊ اﻟﻤﻨﺘﻘﻢ اﻟﻌﻔﻮ اﻟﻤﻌﺰ اﻟﻤﺬﻝ ﻷﻥ اﻟﻜﻤﺎﻝ ﻓﻲ اﻗﺘﺮاﻥ ﻛﻞ اﺳﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ ﻷﻧﻪ ﻳﺮاﺩ ﺑﻪ ﺃﻧﻪ اﻟﻤﻨﻔﺮﺩ ﺑﺎﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻭﺗﺪﺑﻴﺮ اﻟﺨﻠﻖ ﻭاﻟﺘﺼﺮﻑ ﻓﻴﻬﻢ ﻋﻄﺎء ﻭﻣﻨﻌﺎ ﻭﻧﻔﻌﺎ ﻭﺿﺮا ﻭﻋﻔﻮا ﻭاﻧﺘﻘﺎﻣﺎ ﻭﺃﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﺜﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻤﺠﺮﺩ اﻟﻤﻨﻊ ﻭاﻻﻧﺘﻘﺎﻡ ﻭاﻹﺿﺮاﺭ ﻓﻼ ﻳﺴﻮﻍ ﻓﻬﺬﻩ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﻤﺰﺩﻭﺟﺔ ﺗﺠﺮﻱ اﻷﺳﻤﺎء ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺠﺮﻯ اﻻﺳﻢ اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﺬﻱ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﻓﺼﻞ ﺑﻌﺾ ﺣﺮﻭﻓﻪ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﻓﻬﻲ ﻭﺇﻥ ﺗﻌﺪﺩﺕ ﺟﺎﺭﻳﺔ ﻣﺠﺮﻯ اﻻﺳﻢ اﻟﻮاﺣﺪ ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﺠﻲء ﻣﻔﺮﺩﺓ ﻭﻟﻢ ﺗﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺇﻻ ﻣﻘﺘﺮﻧﺔ ﻓﺎﻋﻠﻤﻪ ﻓﻠﻮ ﻗﻠﺖ: ﻳﺎ ﻣﺬﻝ ﻳﺎ ﺿﺎﺭ ﻳﺎ ﻣﺎﻧﻊ ﻭﺃﺧﺒﺮﺕ ﺑﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺜﻨﻴﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻻ ﺣﺎﻣﺪا ﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﺬﻛﺮ ﻣﻘﺎﺑﻠﻬﺎ “.
قال ابن عثيمين:
قال ابن عثيمين رحمه الله:
وسأل عن حكم تسمية الله بالنافع الضار ؟ فقال :
ليس من أسماء الله النافع الضار، بل هما من صفات الله عز وجل فهو الذي بيده النفع وبيده الضر، وليس الضار من الصفة التي تقال وحدها، بل يقال: النافع الضار معًا، فإن قيل: النافع فقط فلا بأس، لكن النافع الضار فيه أن الله عز وجل بيده الأمر كله من نفعٍ وضر، وعلى كل حال فهما ليسا من أسماء الله، وإنما مما يوصف الله بهما فقط، والحديث الوارد في عدهما من أسماء الله ضعيف.
لقاء الباب المفتوح
٦ / ١٧
قال ابن عثيمين في تفسير سورة الفاتحة والبقرة ١/ ٥٥ – ٥٦:
القسم الثالث: ما لا يكون كمالًا عند الإطلاق؛ ولكن هو كمال عند التقييد؛ فهذا لا يجوز أن يوصف به إلا مقيدًا، مثل: الخداع، والمكر، والاستهزاء، والكيد. فلا يصح أن تقول: إن الله ماكر على سبيل الإطلاق، ولكن قل: إن الله ماكر بمن يمكر به، وبرسله، ونحو ذلك..
مسألة: –
هل «المنتقم» من جنس الماكر، والمستهزئ؟
الجواب: مسألة «المنتقم» اختلف فيها العلماء؛ منهم من يقول: إن الله لا يوصف به على سبيل الإفراد، وإنما يوصف به إذا اقترن بـ«العفوّ»؛ فيقال: «العفوُّ المنتقم»؛ لأن «المنتقم» على سبيل الإطلاق ليس صفة مدح إلا إذا قُرِن بـ«العفوّ»؛ ومثله أيضًا المُذِل: قالوا: لا يوصف الله سبحانه وتعالى به على سبيل الإفراد إلا إذا قُرِن بـ«المُعِز»؛ فيقال: «المعزُّ المُذل»؛ ومثله أيضًا «الضار»: قالوا: لا يوصف الله سبحانه وتعالى به على سبيل الإفراد إلا إذا قُرِن «بالنافع»؛ فيقال: «النافع الضار»؛ ويسمون هذه: الأسماء المزدوجة..
ويرى بعض العلماء أنه لا يوصف به على وجه الإطلاق. ولو مقرونًا بما يقابله. أي إنك لا تقول: العفوّ المنتقم؛ لأنه لم يرد من أوصاف الله سبحانه وتعالى «المنتقم»؛ وليست صفة كمال بذاتها إلا إذا كانت مقيدة بمن يستحق الانتقام؛ ولهذا يقول عزّ وجلّ: ﴿إنا من المجرمين منتقمون﴾ [السجدة ٢٢]، وقال عزّ وجلّ: ﴿والله عزيز ذو انتقام﴾ [آل عمران ٤]؛ وهذا هو الذي يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية؛ والحديث الذي ورد في سرد أسماء الله الحسنى، وذُكر فيه المنتقم غير صحيح؛ بل هو مدرج؛ لأن هذا الحديث فيه أشياء لم تصح من أسماء الله؛ وحذف منها أشياء هي من أسماء الله. مما يدل على أنه ليس من كلام الرسول ﷺ..
وقوله: (وأنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) جملة مؤكّدة لمعنى ما قبلها، و» على كل شيء «متعلق بـ»قدير«؛ أي: أنت الفعّال لكل ما تشاء
وحديث أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه متّفقٌ عليه.
فوائد الحديث:
١ – (منها): بيان استحباب الدعاء بهذا الدعاء الجامع المستوعب لحوائج
الدنيا والآخرة.
٢ – (ومنها): بيان ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم من المداومة على الاستغفار، والدعاء، مع أن الله تعالى قد غفر له ما تقدّم من ذنبه، وما تأخّر؟ إظهارًا للعبوديّة، وتواضعا، ومن باب: «أفلا أكون عبدًا شكورًا».
٣ – (ومنها): أنه ينبغي للأمة أن تقتدي بالنبيّ صلى الله عليه وسلم في كثرة الاستغفار والتوبة؟ لأنه إذا كان هو محتاجًا إليه مع شَرَف منزلته عند الله تعالى، فغيره أحق به وأولى.
٤ – (ومنها): ما قاله في «الفتح»: قال الطبريّ بعد أن استشكل صدور هذا الدعاء من النبيّ صلى الله عليه وسلم مع قوله تعالى: {وليغفر لك الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبك وما تأخّر} [الفتح: ٢، ما حاصله: أنه صلى الله عليه وسلم امتثل ما أمره الله به من تسبيحه، وسؤاله المغفرة: {إذا جَآءَ نَصرُ اللَّهِ والفتح} الآية،
وقال عياض: يَحْتَمِل أن يكون قوله: «اغفر لي خطيئتي»، وقوله: «اغفر لي ما قدّمت، وما أخرت» على سبيل التواضع، والاستكانة، والخضوع، والشكر لربه؛ لِما عَلِم أنه قد غُفر له، وقيل: هو محمول على ما صدر من غفلة، أو سهو، وقيل: على ما مضى قبل النبوة.
وقال قوم: وقوع الصغيرة جائز منهم، فيكون الاستغفار من ذلك، وقيل:
هو مثل ما قال بعضهم في آية الفتح: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ﴾ [الفتح: ٢]؛ أي: من ذنب أبيك آدم، وما تأخر؛ أي: من ذنوب أمتك. انتهى [«الفتح» ١٤/ ٤٤٠].
وقال القرطبيّ رحمه الله: قد تقدَّم القول في عصمة الأنبياء عليهم السلام من الذنوب، وفي معنى ذنوبهم غير مرة، ونزيد هنا نكتتين:
إحداهما: أنّا وإن قلنا: إن الذنوب تقع منهم، غير أنهم يتوقعون وقوعها، وأن ذلك ممكن، وكانوا يتخوفون من وقوع الممكن المتوقع، ويُقَدِّرونه واقعًا، فيتعوذون منه، وعلى هذا فيكون قوله: «وكل ذلك عندي»؛ أي: ممكن الوقوع عندي، ودليل صحة ذلك أنهم مكلّفون باجتناب المعاصي كلّها، كما كُلِّفه غيرهم، فلولا صحّة إمكان الوقوع لَما صحّ التكليف.
والثانية: أن هذه التعويذات، وهذه الدعوات، والتضرّعات قيام بحقّ وظيفة العبودية، واعتراف بحقّ الربوبية؛ ليقتدي بهم مذنبو أممهم، ويسلكوا مناهج سُبُلهم، فتُستجاب دعوتهم، وتُقبل توبتهم، والله تعالى أعلم، وقد أطنب الناس في ذلك، وما ذكرناه خلاصته. انتهى كلام القرطبي رحمه الله [ «المفهم» ٧/ ٤٧ – ٤٨].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: مسألة وقوع الخطأ من الأنبياء عليهم السلام قد حقّقه شيخ الإسلام رحمه الله في «مجموع الفتاوى»، حيث قال ما نصّه:
والقول الذي عليه جمهور الناس، – وهو الموافق للآثار المنقولة عن السلف – إثبات العصمة من الإقرار على الذنوب مطلقًا،
والردّ على من يقول: إنه يجوز إقرارهم عليها، وحُجج القائلين بالعصمة إذا حُرِّرت إنما تدلّ على هذا القول، وحُجج النفاة لا تدلّ على وقوع ذنب أُقرّ عليه الأنبياء عليهم السلام، فإن القائلين بالعصمة احتجوا بأن التأسي بهم مشروع، وذلك لا يجوز إلا مع تجويز كون الأفعال ذنوبًا، ومعلوم أن التأسي بهم إنما هو مشروع فيما أُقرّوا عليه، دون ما نُهوا عنه، ورجعوا عنه، كما أن الأمر والنهي إنما تجب طاعتهم فيما لم يُنسخ منه، فأما ما نُسخ من الأمر والنهي فلا يجوز جعله مأمورًا به، ولا منهيًّا عنه، فضلًا عن وجوب اتباعه، والطاعة فيه.
وكذلك ما احتجوا به من أن الذنوب تنافي الكمال، أو أنها ممن عَظُمت عليه النعمة أقبح، أو أنها توجب التنفير، أو نحو ذلك من الحجج العقلية،
فهذا إنما يكون مع البقاء على ذلك، وعدم الرجوع، وإلا فالتوبة النصوح التي يقبلها الله يُرفَع بها صاحبها إلى أعظم مما كان عليه، كما قال بعض السلف:
كان داود؛ بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيئة، وقال آخر: لو لم تكن التوبة أحب
الأشياء إليه لَما ابتَلى بالذنب أكرم الخلق عليه. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله
باختصار [«مجموع الفتاوى» ١٠/ ٢٩٣ – ٢٩٤]، وهو تحقيق نفيس.
وخلاصة القول في هذا: أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الكبائر مطلقًا،
وأما الصغائر فما يوجب الخسّة، وينفّر الناس عنهم؛ كسرقة لقمة، وتطفيف الكيل بحبة، أو نحو ذلك، فلا يقع منهم أصلًا،
وأما ما ليس كذلك فقد يقع منهم، إلا أنهم لا يُقَرّون عليه، بل يأتيهم الوحي بالتنبيه، والتقويم، فهذا هو المذهب الصحيح؛ لوضوح حجته، واستنار محجّته، فتأمله بالإمعان، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
[تكميل]: نقل الكرمانيّ تبعًا لمغلطاي عن القرافيّ أن قول القائل في دعائه: اللَّهُمَّ اغفر لجميع المسلمين دعاء بالمحال؛ لأن صاحب الكبيرة قد يدخل النار، ودخول النار ينافي الغفران.
وتُعُقّب: بالمنع، وأن المنافي للغفران الخلود في النار، وأما الإخراج بالشفاعة، أو العفو فهو غفران في الجملة.
وتُعقب أيضًا: بالمعارضة بقول نوح عليه السلام: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا ولِلْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ [نوح ٢٨]، وقول إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبَّنا اغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسابُ (٤١)﴾ [إبراهيم ٤١]، وبأن النبيّ ﷺ أُمر بذلك في قوله تعالى: ﴿واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ولِلْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ [محمد ١٩].
والتحقيق أن السؤال بلفظ التعميم لا يستلزم طلب ذلك لكل فرد بطريق التعيين، قال الحافظ: فلعل مراد القرافيّ مَنع ما يُشعر بذلك، لا منع أصل الدعاء بذلك، ذكره في «الفتح» [«الفتح» ١٤/ ٤٤٠]، والله تعالى أعلم.
[٦٨٧٩] (٢٧٢٠) -شرح الحديث:
قال القرطبيّ رحمه الله: قوله: «عصمة أمري»؛ أي: رباطه، وعماده، والأمر بمعنى الشأن، ومعنى هذا: أن الدين إن فسد لم يصلح للإنسان دنيا، ولا آخرة، وهذا دعاء عظيم جمع خير الدنيا والآخرة، والدين والدنيا، فحقٌّ على كل سامع أن يحفظه، ويدعو به آناء الليل وآناء النهار، لعلّه يوافق ساعة إجابة، فيحصل له خير الدنيا والآخرة. انتهى [«المفهم» ٧/ ٤٨ – ٤٩].
وقال الطيبيّ رحمه الله: قوله: قال: وهذا الدعاء من الجوامع [«الكاشف عن حقائق السنن» ٦/ ١٩٢٤]؛ أي: حيث جمع فيه هذه الثلاثة: صلاح الدنيا، والدين، والمعاد، وهي الجامع لمقاصد العبد كلّها، والله تعالى أعلم.
(وأصْلِحْ لِي دُنْيايَ الَّتِي فِيها مَعاشِي)؛ أي: بإعطاء الكفاف فيما أحتاج إليه، وكونه حلالًا مُعِينًا على الطاعة. وقيل: معناه: احْفَظْ من الفساد ما أحتاج إليه في الدنيا، (وأصْلِحْ لِي آخِرَتِي)؛ أي: بالتوفيق للعبادة، والإخلاص في الطاعة، وحسن الخاتمة. [«مرعاة المفاتيح» ٨/ ٥٣٥].
(واجْعَلِ الحَياةَ زِيادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ): أي: اجعل حياتي سبب زيادة الخيرات من العبادة، والطاعة، والإخلاص، وقيل: أي: اجعل عمري مصروفًا فيما تُحبّ وترضى، وجنّبني ما تَكره.
(واجْعَلِ المَوْتَ راحَةً لِي مِن كُلِّ شَرٍّ )؛ أي: من الفتن، والمحن، والابتلاء بالمعصية، والغفلة. وقال زين العرب: أي: بأن يكون على شهادة، واعتقادٍ حَسَن، وتوبة، حتى يكون موتي سبب خلاصي عن مشقة الدنيا، والتخلُّص من غمومها، وهمومها، وحصول الراحة في العقبى. وقيل: فيه إشارة إلى قوله ﷺ: «وإذا أردت بقوم فتنة، فتوفّني غير مفتون»، وهذا هو النقصان الذي يقابل الزيادة في القرينة السابقة.
قال الشوكانيّ رحمه الله: هذا الحديث من جوامع الكلم؛ لشموله لصلاح الدين والدنيا، ولكنه ينبغي له أن يقول: «اللَّهُمَّ أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي» كما علّمنا رسول الله ﷺ، فإنه يَشمل كل أمره، ومعلوم أن من لم يكن في حياته إلا الوقوع في الشرور، فالموت خير له من الحياة، وراحة له من مِحَنها. انتهى [«تحفة الذاكرين» للشوكانيّ رحمه الله ص ٢٨٤]، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
[٦٨٨٠] (٢٧٢١) – شرح الحديث:
(عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود رضي الله عنه (عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: »اللَّهُمَّ إنِّي
أسْألُكَ الهُدى)؛ أي: الهداية إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت
عليهم، (والتُّقى) بضمّ التاء، والقصر؛ أي: الخوف من الله تعالى، والحذر من
مخالفته، (والعَفافَ) بالفتح؛ أي: الكفّ عن المعاصي، والصيانة عن مطامع الدنيا، وعن كل ما لا ينبغي، (والغِنى) بالكسر، والقصر: اليسار، والمراد: غنى القلب، لا غنى اليد، قال النوويّ: العفاف، والعفّة: هو التنزه عما لا يباح، والكفّ عنه، والغنى ها هنا: غنى النفس، والاستغناء عن الناس، وعما في أيديهم.
قال الطيبي: أطلق الهدى، والتقى؛ ليتناول كل ما ينبغي أن يُهتدى إليه، من أمر المعاش، والمعاد، ومكارم الأخلاق، وكل ما يجب أن يُتَّقى منه، من الشرك، والمعاصي، ورذائل الأخلاق، وطَلَبُ العفافِ، والغنى تخصيص بعد تعميم. انتهى [«مرعاة المفاتيح» ٨/ ٥٣٧]
وقال ابن عبد البرّ رحمه الله في «الاستذكار»: وأما قوله ﷺ: «أغنني من الفقر»، مع قوله ﷺ: «اللَّهُمَّ أحيني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين، ولا تجعلني جبارًا شقيًّا»، فإن هذا الفقر هو الذي لا يدرك معه القوّة، والكفاف، ولا يستقر معه في النفس غنى؛ لأن الغنى عنده ﷺ غنى النفس، فقد ثبت عنه ﷺ من حديث أبي هريرة ﷺ؛ أنه قال: «ليس الغنى عن كثرة العَرَض، إنما الغنى غنى النفس»، وقد جعله الله عز وجل غنيًّا، وعدّده عليه فيما عدّد من نعمه، فقال: ﴿ووَجَدَكَ عائِلًا فَأغْنى (٨)﴾ [الضحى ٨]، ولم يكن غِناه ﷺ أكثر من إيجاد قوت سنة لنفسه وعياله، وكان الغنى كله في قلبه؛ ثقةً بربه، وسكونًا إلى أن الرزق مقسوم يأتيه منه ما قُدِّر له، وكذلك قال ﷺ لعبد الله بن مسعود: «يا عبد الله لا يكثر همّك، ما يقدَّر يكن، وما يقدَّر يأتيك»، وقال: «إن روح القدس نَفَث في رُوعي، فقال: لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، خُذُوا ما حَلّ، ودعوا ما حَرُم».
فغنى النفس يُعِين على هذا كله، وغنى المؤمن الكفاية، وكذلك كان النبيّ ﷺ يقول: «اللَّهُمَّ اجعل رزق آل محمد قوتًا»، ولم يُرِدْ بهم إلا الذي هو أفضل لهم، وقال: «ما قلّ، وكفى، خير مما كثُر، وألهى».
وقال أبو حازم: إذا كان ما يكفيك لا يغنيك، فليس في الدنيا شيء يغنيك.
وكان رسول الله ﷺ يستعيذ بالله من فقر مسرف، وغنى مُطْغ.
قال: وليس في قول الله تعالى ذكرُهُ حاكيًا عن موسى عليه السلام: ﴿رَبِّ إنِّي لِما أنْزَلْتَ إلَيَّ مِن خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص ٢٤] تفضيل الغنى على الفقر؛ لأن جميع خلقه يفتقرون إلى رحمته، ولا غنى لهم عن رزقه، فمن أعطاه الله الكفاية، فقد تمَّت له منه العناية، ومن آتاه الله من رزقه سعة، فواجب شكره عليه، وحَمْده.
كما يجب الصبر على من امتُحِن بالقلّة والفقر؛ لأن الفرائض، وحقوق المال، ونوافل الخير تتوجه إلى ذي الغنى، ومؤنة ذلك ساقطة عن الفقير، والقيام بها فضل عظيم، والصبر على الفقر، والرضا به ثواب جسيم، قال الله عز وجل: ﴿إنَّما يُوَفّى الصّابِرُونَ أجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ [الزمر ١٠].
وقد قال الحكماء: خير الأمور أوساطها، فالزيادة الكثيرة على القوت، والكفاية ذميمة، ولا تؤمَن فِتنتها، والتقصير عن الكفاف محنة وبليّة، لا يأمَن صاحبها فِتنتها أيضًا، ولا سيما صاحب العيال، ورُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن دعاء النبيّ ﷺ: «اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من جَهْد البلاء»، فقال: جهد البلاء: كثرة العيال، وقلة المال. انتهى. [«الاستذكار» لابن عبد البرّ رحمه الله ٢/ ٥٢٢ – ٥٢٣]، والله تعالى أعلم.
وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
[٦٨٨٢] (٢٧٢٢) – شرح الحديث:
قال القرطبيّ رحمه الله: المراد بالعجز المتعوّذ منه: هو عدم القدرة على الطاعات، وعن السعي في تحصيل المصالح الدينيّة، والدنيويّة. انتهى [»المفهم«٧/ ٣٤].
قال القرطبيّ: والكسل المتعوّذ منه: هو التثاقل عن الطاعات، وعن السعي في تحصيل المصالح الدينيّة، والدنيوية. انتهى [»المفهم” ٧/ ٣٤].
(والجُبْنِ) بضم، فسكون، أو بضمّتين؛ أي: البخل في النفس، وعدم الجراءة على الطاعة، وإنما تعوَّذ منه؛ لأنه يؤدّي إلى عذاب الآخرة؛ لأنه يفرّ من الزحف
قال الطيبيّ رحمه الله: الجود إما بالنفس، وهو الشجاعة، ويقابله الجبن، وإما بالمال، وهو السخاء، ويقابله البخل، ولا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلا في نفس كاملة، ولا ينعدمان إلا من مُتناه في النقص. انتهى [راجع: «تحفة الأحوذيّ» ١٠/ ١٢].
وقال في «المرقاة»: البُخْل يشمل عدم النفع بالمال، أو العلم، أو غيرهما، ولو بالنصيحة.
(والهَرَمِ) بفتحتين؛ أي: الخَرَف، وبلوغ أرذل العمر، (وعَذابِ القَبْرِ)؛ أي: من الضيق، والظُّلمة، والوحشة …. أو المراد: ما يوجب عذابه، من الغِيبة، والنميمة، والبول، كما وردت النصوص أن أكثر عذاب القبر بذلك.
(اللَّهُمَّ آتِ) بالمدّ؛ أي: أعط (نَفْسِي تَقْواها)؛ أي: صيانتها عن المحظورات. قال الطيبيّ رحمه الله: ينبغي أن تفسّر التقوى هنا بما يُقابل الفجور في قوله تعالى: ﴿فَألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها (٨)﴾ [الشمس ٨]، وهي الاحتراز عن متابعة الهوى، وارتكاب الفجور، والفواحش؛ لأن الحديث كالتفسير والبيانِ للآية، فدلّ قوله: «آت» على أن الإلهام في الآية هو خَلْق الداعية الباعثة على الاجتناب عن المذكورات.
(وزَكِّها)؛ أي: طهّرها، (أنْتَ خَيْرُ مَن زَكاها) دلّ على أن إسناد التزكية إلى النفس في الآية هو نسبة الكسب إلى العِبد، لا خَلْق الفعل له، كما زعمت المعتزلة؛ لأن الخيريّة تقتضي المشاركة بين كَسْب العبد، وخَلْق القدرة فيه . انتهى [«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» ٥/ ٣١٦].
(أنْتَ ولِيُّها)، أي: ناصِرها، هذا راجع إلى قوله: «آت نفسي تقواها»، كأنه يقول: انصرها على فعل ما يكون سببًا لرضاك عنها؛ لأنك ناصرها،
(ومَوْلاها) هذا راجع إلى قوله: «زكّها»: يعني: طهّرها بتأديبك إياها، كما يؤدّب المولى عبده.
وقال الطيبيّ: «أنت وليها، ومولاها» استئناف على بيان الموجب، وأن إيتاء التقوى، وتحصيل التزكية فيها إنما كان لأنه هو متولي أمورها، ومالكها، فالتزكية إن حُملت على تطهير النفس عن الأفعال، والأقوال، والأخلاق الذميمة، كانت بالنسبة إلى التقوى مظاهر ما كان مكمنًا في الباطن، وإن حُملت على الإنماء، والإعلاء بالتقوى، كانت تحلية بعد التخلية؛ لأن المتّقي شرعًا: مَن اجتنب النواهي، وأتى بالأوامر، ذكره القاري [«المرقاة» ٥/ ٣١٦ – ٣١٧].
(اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِن عِلْم لا يَنْفَعُ) قال الطيبيّ رحمه الله: أي: عِلم لا أعمل به، ولا أعلِّمه الناس، ولا يهذب الأخلاق، والأقوال، والأفعال، أو علم لا يُحتاج إليه في الدين، أو لا يَرِد في تعلمه إذن شرعيّ.
. انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» ٦/ ١٩١٥، و«مرقاة المفاتيح» ٥/ ٣٧٠].
(ومِن قَلْبٍ لا يَخْشَعُ)؛ أي: لا يسكن، ولا يطمئنّ بذكر الله تعالى،
(ومِن نَفْسٍ لا تَشْبَعُ) بما آتاها الله تعالى، ولا تقنع بما رزقها الله، ولا تفتر عن جمع المال [«مرقاة المفاتيح» ٥/ ٣٧٠].
(ومِن دَعْوَةٍ لا يُسْتَجابُ لَها») قال في «النهاية»: أي: لا يستجاب، ولا يُعْتَدّ بها، فكأنها غير مسموعة انتهى [راجع: «عون المعبود» ٤/ ٢٨٥].
وفي رواية: «ومن هؤلاء الأربع»، ودلّ الحديث على أن السجع إذا كان على وِفق الطبع من غير تكلّف فلا مَنع. انتهى [«مرقاة المفاتيح» ٥/ ٣٧٠].
وقال المناويّ رحمه الله: «اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من قلب لا يخشع» لذكر الله عز وجل، ولا لاستماع كلامه، وهو القلب القاسي الذي هو أبعد القلوب من حضرة علام الغيوب، «ومن دعاء لا يسمع»؛ أي: لا يستجاب، ولا يُعتدّ به، فكأنه غير مسموع، «ومن نفس لا تشبع» مِن جَمْع المال أشَرًا، وبطَرًا، أو من كثرة الأكل الجالبة لكثرة الأبخرة الموجبة للنوم، وكثرة الوساوس، والخطرات النفسانية المؤدية إلى مضارّ الدنيا والآخرة، «ومن علم لا ينفع»؛ أي: لا يُعمَل به، أو لا يهذِّب الأخلاق الباطنة، فيسري إلى الأفعال الظاهرة، «أعوذ بك من هؤلاء الأربع»، والله تعالى أعلم.
وحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
فوائد الحديث:
١ – (منها): بيان استحباب التعوذ مما ذُكر في هذا الحديث.
٢ – (ومنها): ما قاله العلاليّ رحمه الله: تضمَّن هذا الحديث الاستعاذة من دنيء أفعال القلوب، وفي قَرْنه بين الاستعاذة من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع إشارة إلى أن العلم النافع ما أورث الخشوع. انتهى[»فيض القدير«٢/ ١٠٨ و١٥٤].
٣ – (ومنها): بيان أن السجع في الدعاء لا يُذمّ، إذا حصل بلا تكلف، بل لكمال فصاحة الداعي، والنهي الوارد في ذلك محمول على ما إذا كان بتكلف.
٤ – (ومنها): ما قاله الطيبيّ رحمه الله: اعلم: أن في كل من القرائن [أي: الأشياء المقترنة في هذا الحديث]
إشعار بأن وجوده مبنيّ على غايته، والغرض الغاية، فإنّ تعلّم العلم إنما هو للنفع به، فإذا لم ينفعه لم يخلص كفافًا، بل يكون وبالًا، ولذلك استعاذ منه، وإن القلب إنما خُلق ليخشع لبارئه، وينشرح لذلك الصدر، ويُقذف النور فيه، فإذا لم يكن كذلك كان قاسيًا، فيجب أن يستعاذ منه قال الله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ الآية [الزمر ٢٢]، وإن النفس إنما يُعتدّ بها إذا تجافت عن دار الغرور، وأنابت إلى دار الخلود، والنفس إذا كانت منهومةً لا تشبع، حريصةً على الدنيا، كانت أعدى عدوّ المرء، فأول شيء يستعاذ منه هي، وعدم استجابة الدعاء دليل على أن الداعي لم ينتفع بعلمه، ولم يخشع قلبه، ولم تشبع نفسه. انتهى [»الكاشف عن حقائق السنن” ٦/ ١١٩١٥ – ١١٩١٦]، والله تعالى أعلم.
[٦٨٨٣] (٢٧٢٣) -شرح الحديث:
(عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ) رضي الله عنه؛ أنه (قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا أمْسى)؛
أي: دخل في وقت المساء، (قالَ) ﷺ: («أمْسَيْنا، وأمْسى المُلْكُ للهِ)؛ أي: دخلنا في المساء، ودخل المُلك فيه كائنًا لله، ومختصًا به،
وقوله: (لا إلَهَ إلّا اللهُ) عطف على «الحمد لله» على تأويل: وأمسى الفردانيّة، والوحدانيّة مختصّتين بالله تعالى.
[فان قلت]: ما معنى «أمسى الملك لله»، والمُلك له أبدًا، وكذا الحمد؟
[قلت]: هو بيان حال القائل؛ أي: عرفنا أن الملك، والحمد لله، لا لغيره، فالتجأنا إليه [»الكاشف عن حقائق السنن«٦/ ١٨٧١ – ١٨٧٢].
(وحْدَهُ) حال مؤكدة؛ أي: منفردًا بالألوهية، (لا شَرِيكَ لَهُ )؛ أي: في ربوبيّته، وألوهيّته، وأسمائه وصفاته، ( وهو على كل شيء)؛ أي شيء، أو على كل شيء شاءه، »قدير«: كامل القدرة، تامّ الإرادة. انتهى [»مرقاة المفاتيح” ٥/ ٢٩٠].
«من خير هذه الليلة، وخير ما فيها»، قال الطيبيّ: أي: من خير ما ينشأ فيها، وخير ما يسكن فيها، قال تعالى: ﴿ولَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ [الأنعام ١٣] [«الكاشف عن حقائق السنن» ٦/ ١٨٧٢].
وقال ابن حجر: أي: مما أردتَ وقوعه في هذه الليلة لخواص خلقك، من الكمالات الظاهرة والباطنة، وخير ما يقع فيها من العبادات التي أُمرنا بها فيها، أو المراد: خير الموجودات التي قارن وجودها هذه الليلة، وخير كل موجود الآن. انتهى.
قال ابن الملك: مسألته خير هذه الأزمنة مَجاز عن قبول طاعات قدّمها فيها، واستعاذته من شرها مجاز عن طلب العفو عن ذنب قارفه فيها. انتهى.
(اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ) بفتحتين؛ أي: التثاقل في الطاعة، مع الاستطاعة
زاد في الرواية الآتية: «والهَرَم» بفتحتين؛ أي: كِبَر السن المؤدي إلى تساقط بعض القوى كما في الحديث.
(وسُوءِ الكِبَرِ) بكسر الكاف، وفتح الباء، وهو الأصحّ روايةً ودرايةً؛
أي: مما يورثه الكبر من ذهاب العقل، واختلال الرأي، وغير ذلك، مما يسوء به الحال، ورُوي بسكون الموحّدة، والمراد به: البَطَر، قال الطيبيّ: والدراية تساعد الرواية الأُولى؛ لأن الجمع بين البطر والهرم بالعطف؛ كالجمع بين الضبّ والنون.
ونازعه ابن حجر، وقال: الأول أصحّ؛ أي: أشهر روايةً، وأما درايةً فالثاني يفيد ما لا يفيده ما قبله، وهو الهرم، فهو تأسيس محض، بخلاف الأول، فإنه إنما يفيد ضربًا من التأكيد، والتأسيسُ خيرٌ من التأكيد. انتهى.
وتعقّبه القاريّ، فقال: وهو عجيب منه، فإن المغايرة بينهما ظاهرة ، وإنما الكلام في المناسبة، والملاءمة بين المتعاطفين، فالتغاير ظاهر، ويدل عليه لفظ »سوء« المناسب للكِبَر بفتح الباء، فإن الكِبْر بسكون الباء يُذَمّ مطلقًا. انتهى [«مرقاة المفاتيح» ٥/ ٢٩١].
وبفتح الباء ذكره الهروى ، وبالوجهين ذكره الخطابى، وصوب الفتح، ويعضده رواية النسائى، ” وسوء العمر”
قوله (اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِن عَذاب فِي النّارِ، وعَذابٍ فِي القَبْرِ»)؛ أي: من نفس عذابهما، أو مما يوجبه، وقًال الطيبيّ رحمه الله: والتنكير في «عذاب» للتهويل، والتفخيم، وقال القاري: التنوين للتقليل [«الكاشف عن حقائق السنن» ٦/ ١٨٧٢، و«مرقاة المفاتيح» ٥/ ٢٩١]،
وفي هذا الدعاء إظهار العبودية، والافتقار إلى تصرفات الربوبية، وأن الأمر كله خيره وشره بيد الله، وأن العبد ليس له من الأمر شيء،
وفيه: تعليم للأمة؛ ليتعلموا آداب الدعوة، والله تعالى أعلم.
وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
(مسألة): اختُلف في الصباح والمساء،
قال الفيّوميّ رحمه الله: الصبح: الفجر، والصباح مثله، وهو أول النهار، والصباح أيضًا خلاف المساء، قال ابن الجَوالقيّ: الصباح عند العرب من نصف الليل الآخر إلى الزوال، ثم المساء إلى آخر نصف الليل الأول، هكذا رُوي عن ثعلب، وأصبحنا: دخلنا في الصباح. انتهى [«المصباح المنير» ١/ ٣٣١].
وقال الراغب الأصبهانيّ رحمه الله: الصبح والصباح أول النهار، وهو وقت ما احمرّ الأفق بحاجب الشمس، قال تعالى: ﴿ألَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود ٨١]،
وقال: ﴿فَساءَ صَباحُ المُنْذَرِينَ﴾ [الصفّات ١٧٧] [«مفردات ألفاظ القرآن» ص ٤٧٣].
وقال في «القاموس»: الصبح الفجر، أو أول النهار، وهو الصبيحة، والصباح، والإصباح، والمُصْبَح، كمكرم، والمساء، والإمساء: ضدّ الصباح، والإصباح.
قلت [القائل هو: صاحب «المرعاة»]: الظاهر المتبادَر من بعض الأحاديث الواردة في الباب أن المساء أول الليل، ويمكن حمل كلام صاحب «القاموس» عليه، كما لا يخفى، وقال في هامش «تحفة الذاكرين»: الصباح من طلوع الفجر؛ أي: إلى طلوع
الشمس، والمساء من غروب الشمس كما يدل له ما أخرجه عبد الرزاق، والفريابيّ، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبرانيّ، والحاكم،
وصححه عن أبي رزين، قال: جاء نافع بن الأزرق إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فقال:
هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم، فقرأ: ﴿فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ﴾ [الروم ١٧]، قال: صلاة المغرب والعشاء، ﴿وحِينَ تُصْبِحُونَ﴾
[الروم ١٧]، قال: صلاة الصبح، ﴿وعَشِيًّا﴾ صلاة العصر، ﴿وحِينَ تُظْهِرُونَ﴾
[الروم ١٨] صلاة الظهر.
فهذا تفسير الصحابي اللغوي للصباح والمساء، ومثله عن مجاهد، فالمساء لا يكون إلا من بعد غروب الشمس، فأذكاره من ذلك الوقت نحو: أمسينا وأمسى الملك لله … إلخ. انتهى.
قلت [القائل هو: صاحب «المرعاة»]: فمن قال: إن المساء يدخل وقته بالزوال، والصباح يدخل وقته
بانتصاف الليل، وإنه تدخل أوراد الصباح من نصف الليل الأخير، والمساء من
الزوال، فقد أبعدَ جدًا [«مرعاة المفاتيح» ٨/ ٢٣٨].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: عندي الأولى، أن تقال أذكار الصباح بعد طلوع الفجر، وأذكار المساء بعد غروب الشمس، لكن إن قُدّمت، أو أُخرت لا بأس فيها؛ لأن أهل اللغة وسَّعوا وقتهما، كما تقدّم في عبارة الفيّوميّ، والله تعالى أعلم.
جواب الشيخ ابن باز
السؤال:
هل الأذكار الواردة في الحديث أعني: أذكار الصباح والمساء هي قبل الصلاة أو بعدها؟
أفيدونا، أفادكم الله.
الجواب:
الأمر موسع قبل الصلاة أو بعدها، إن أتى بها قبل غروب الشمس في العصر فحسن، أو بعد الغروب لا بأس، قال الله -جل وعلا-: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ[الروم:17] قوله -جل وعلا-: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ[ق:39].
فالمقصود: أن التسبيح والتهليل والمجيء بالأذكار الشرعية يكون في آخر النهار، ويكون في أول الليل، هذه أذكار المساء.
وأذكار الصباح تكون في أول النهار قبل الصبح، أو بعد صلاة الصبح، أو بعد طلوع الشمس، كله واسع، والحمد لله، نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.[وقت أذكار الصباح والمساء، نور على الدرب للإمام ابن باز رحمه الله]
جواب الشيخ ابن عثيمين:
وسُئل شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: «ما هو وقت أذكار المساء؟ وما هو الوقت الأفضل لها؟ وهل تقضى عند نسيانها؟».
الجواب: الحمد لله، المساء واسع من بعد صلاة العصر إلى صلاة العشاء كلها يُسمَّى: (مساء)، وسواء قال الذِّكْر في الأول، أو في الآخر، إلا ما ورد تخصيصه بالليل، مثل: آية الكرسي من قرأها في ليله، فالذي يكون مقيَّداً بالليل يقال بالليل، والذي يكون مقيَّداً بالنهار يقال بالنهار، وأمَّا قضاؤها إذا نسيت فأرجو أن يكون مأجورا عليه. [فتاوى الشيخ ابن عثيمين لمجلة الدعوة العدد (174) (7 /2 /1421هـ) ص (36)، وانظر: أيضاً شرحه لرياض الصالحين (2 /1533) باب الذكر عند الصباح والمساء].
جواب الشيخ زيد المدخلي:
متى يبدأ وقت أذكار الصباح والمساء ومتى تنتهي وهل في تركها شيء؟
الجواب: أذكار الصباح تبدأ من بعد طلوع الفجر وتستمر إلى الزوال ويدخل وقت أذكار المساء من بعد الزوال بعد صلاة الظهر إلى الليل كامل وقد يكون بعض الأوقات
أفضل من بعض كأن يكون بعد صلاة العصر وبعد صلاة المغرب في المساء حتى لا يفرط ولا يتقدم قبل العصر لكن بالبكور و العشي وهي أوقات معروفة يبدأ البكور من طلوع الفجر و لا ينتهي بالزوال ثم يبدأ العشي ففي أي وقت من هذه الأوقات تقال الأذكار فهي أذكار نافعة وصحيحة من فعلها أتى بالسنة ومن تركها ليس عليه إثم لكن يفوته الفضل بالتقرب بها إلى الله أولاً وفي منافعها وفوائدها من جلب الخير وصرف المكروه ما هو معلوم من النصوص. [الشيخ زيد المدخلي -رحمه الله-:، شبكة الآجري]
(مسألة): قد تكلّم الحافظ أبو بكر الخطيب البغداديّ رحمه الله في
الاختلاف الواقع في هذا الحديث، الذي أشار إليه مسلم هنا [»الفصل للوصل المدرَج” ١/ ٥٥١ – ٥٥٦]،
[٦٨٨٦] (٢٧٢٤) – شرح الحديث:
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) رضي الله عنه؛ (أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كانَ يَقُولُ: «لا إلَهَ إلّا اللهُ
وحْدَهُ) منصوب على الحال
والتقدير: حال كونه منفردًا، …. وقال النوويّ: أي: غلب قبائل الكفار المتحزبين عليهم وحده؛ أي: من غير قتال الآدميين، بل أرسل عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها. انتهى [«شرح النوويّ» ١٧/ ٤٣].
(فَلا شَيْءَ بَعْدَهُ»)؛ أي: جميع الأشياء بالنسبة إلى وجوده كالعدم، أو بمعنى كلّ شيء يفنى، وهو الباقي بعد كل شيء، فلا شيء بعده، قال الله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إلّا وجْهَهُ﴾ [القصص ٨٨].
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: «فلا شيء بعده»؛ أي: لا شيء ينصر، ولا يدفع غيره. انتهى [«المفهم» ٧/ ٥٠].
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا متّفقٌ عليه.
[٦٨٨٧] (٢٧٢٥) – شرح الحديث:
(اللَّهُمَّ اهْدِنِي)؛ أي: ارزقني الهدى إلى
الطريق الحقّ، (وسَدِّدْنِي)؛ أي: ارزقني السَّداد، وهو الاستقامة، (واذْكُرْ)؛ أي:
اقصد بقلبك (بِالهُدى هِدايَتَكَ الطَّرِيقَ) المستقيم،
قال النوويّ رحمه الله: أما السَّداد هنا بفتح السين، وسَداد السهم: تقويمه، ومعنى «سددني»: وفّقني، واجعلني منتصبًا في جميع أموري، مستقيمًا، وأصل السَّداد: الاستقامة، والقصد في الأمور، وأما الهدى هنا فهو الرشاد، ويذكّر، ويؤنث، ومعنى «اذكر بالهدى هدايتك الطريق، وبالسداد سداد السهم»؛ أي: تذكّر ذلك في حال دعائك بهذين اللفظين؛ لأن هادي الطريق لا يزيغ عنه، ومسَدِّد السهم يَحرص على تقويمه، ولا يستقيم رميه حتى يقوِّمه، وكذا الداعي ينبغي أن يحرص على تسديد علمه، وتقويمه، ولزومه السُّنَّة، وقيل: ليتذكر بهذا لفظ السداد والهدى لئلا ينساه. انتهى [«شرح النوويّ» ١٧/ ٤٣ – ٤٤].
وقال الراغب: التسديد أن يقوِّم إرادته، وحركته نحو الغرض المطلوب؛ ليهجم إليه في أسرع مدة يمكن الوصول فيها إليه، وهو المسؤول بقوله: ﴿اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ (٦)﴾ [الفاتحة ٦].
وقال بعضهم: معناه: إذا سألت الهدى فأخطر بقلبك هداية الطريق؛ لأن سالك الفلاة يلزم الجادّة، ولا يفارقها خوفًا من الضلال، وكذا الرامي إذا رمى شيئًا سدّدَ السهم نحوه؛ ليصيبه، فأخْطِرْ ذلك بقلبك؛ ليكون ما تنويه من الدعاء
على شاكلة ما تستعمله في الرمي.
وقال القونويّ: ألا ترى أن النبيّ ﷺ لمّا كان تام الشهود كانت أكثر أدعيته مستجابة، ولم يَستحضر حال الدعاء بضرب ما من ضروب الاستحضارات الصحيحة لم يدع الحقّ، فلم يستجب له. انتهى [«فيض القدير» ٤/ ٥٢٤].
وقال الخطّابيّ رحمه الله: فأخْطر المعنى بقلبك، حين تسأل الله السداد؛ ليكون ما تنويه من
ذلك على شاكلة ما تستعمله في الرمي. انتهى كلام الخطابيّ رحمه الله [«معالم السنن» ٦/ ١١٦].
وقال القرطبيّ رحمه الله: هذا الأمر منه ﷺ يدلّ على أن الذي ينبغي له أن
يُهتمّ بدعائه، فيستحضر معاني دعواته في قلبه، ويُبالغ في ذكرها بلفظه بضرب
من الأمثال، وتأكيد الأقوال، فإذا قال: اهدني الصراط المستقيم، وسدّدني
سَداد السهم الصائب، كان أبلغ، وأهمّ من قوله: اهدني، وسدّدني فقط، وهذا
واضحٌ. انتهى [«المفهم» ٧/ ٥٣ – ٥٤] والله تعالى أعلم.
وحديث عليّ رضي الله عنه هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].