2710 -2715 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي ، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح مسلم في (٤٨ – كتاب الذِّكْرِ والدُّعاءِ والتَّوْبَةِ والِاسْتِغْفارِ):
١٧ – بابُ: ما يَقُولُ عِنْدَ النَّوْمِ وأخْذِ المَضْجَعِ
٥٦ – (٢٧١٠) حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ – واللَّفْظُ لِعُثْمانَ، قالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا، وقالَ عُثْمانُ: حَدَّثَنا – جَرِيرٌ، عَنْ مَنصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنِي البَراءُ بْنُ عازِبٍ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قالَ: «إذا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلى شِقِّكَ الأيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللهُمَّ إنِّي أسْلَمْتُ وجْهِي إلَيْكَ، وفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وألْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ رَغْبَةً ورَهْبَةً إلَيْكَ، لا مَلْجَأ ولا مَنجا مِنكَ إلّا إلَيْكَ، آمَنتُ بِكِتابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ، وبِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ، واجْعَلْهُنَّ مِن آخِرِ كَلامِكَ، فَإنْ مُتَّ مِن لَيْلَتِكَ، مُتَّ وأنْتَ عَلى الفِطْرَةِ قالَ: فَرَدَّدْتُهُنَّ لِأسْتَذْكِرَهُنَّ فَقُلْتُ: آمَنتُ بِرَسُولِكَ الَّذِي أرْسَلْتَ، قالَ: »قُلْ: آمَنتُ بِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ “.
٥٦ – وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ يَعْنِي ابْنَ إدْرِيسَ، قالَ: سَمِعْتُ حُصَيْنًا، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِهَذا الحَدِيثِ، غَيْرَ أنَّ مَنصُورًا أتَمُّ حَدِيثًا، وزادَ فِي حَدِيثِ حُصَيْنٍ: وإنْ أصْبَحَ أصابَ خَيْرًا.
٥٧ – (٢٧١٠) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنا أبُو داوُدَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، ح وحَدَّثَنا ابْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وأبُو داوُدَ، قالا: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، يُحَدِّثُ عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، أمَرَ رَجُلًا إذا أخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ أنْ يَقُولَ: «اللهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ، ووَجَّهْتُ وجْهِي إلَيْكَ، وألْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، وفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، رَغْبَةً ورَهْبَةً إلَيْكَ، لا مَلْجَأ ولا مَنجا مِنكَ إلّا إلَيْكَ، آمَنتُ بِكِتابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ، وبِرَسُولِكَ الَّذِي أرْسَلْتَ، فَإنْ ماتَ ماتَ عَلى الفِطْرَةِ» ولَمْ يَذْكُرِ ابْنُ بَشّارٍ فِي حَدِيثِهِ: مِنَ اللَّيْلِ،
٥٨ – (٢٧١٠) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنا أبُو الأحْوَصِ، عَنْ أبِي إسْحاقَ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِرَجُلٍ: «يا فُلانُ إذا أوَيْتَ إلى فِراشِكَ» بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، غَيْرَ أنَّهُ قالَ: «وبِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ، فَإنْ مُتَّ مِن لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلى الفِطْرَةِ، وإنْ أصْبَحْتَ، أصَبْتَ خَيْرًا»،
٥٨ – حَدَّثَنا ابْنُ المُثَنّى وابْنُ بَشّارٍ، قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أبِي إسْحاقَ، أنَّهُ سَمِعَ البَراءَ بْنَ عازِبٍ، يَقُولُ: أمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَجُلًا بِمِثْلِهِ، ولَمْ يَذْكُرْ: «وإنْ أصْبَحْتَ أصَبْتَ خَيْرًا»
٥٩ – (٢٧١١) حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي السَّفَرِ، عَنْ أبِي بَكْرِ بْنِ أبِي مُوسى، عَنِ البَراءِ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ، كانَ إذا أخَذَ مَضْجَعَهُ، قالَ: «اللهُمَّ بِاسْمِكَ أحْيا، وبِاسْمِكَ أمُوتُ» وإذا اسْتَيْقَظَ قالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أحْيانا بَعْدَما أماتَنا، وإلَيْهِ النُّشُورُ»
٦٠ – (٢٧١٢) حَدَّثَنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ العَمِّيُّ، وأبُو بَكْرِ بْنُ نافِعٍ، قالا: حَدَّثَنا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ خالِدٍ، قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الحارِثِ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أنَّهُ أمَرَ رَجُلًا، إذا أخَذَ مَضْجَعَهُ قالَ: «اللهُمَّ خَلَقْتَ نَفْسِي وأنْتَ تَوَفّاها، لَكَ مَماتُها ومَحْياها، إنْ أحْيَيْتَها فاحْفَظْها، وإنْ أمَتَّها فاغْفِرْ لَها، اللهُمَّ إنِّي أسْألُكَ العافِيَةَ» فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: أسَمِعْتَ هَذا مِن عُمَرَ؟ فَقالَ: مِن خَيْرٍ مِن عُمَرَ، مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ. قالَ ابْنُ نافِعٍ فِي رِوايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ ولَمْ يَذْكُرْ: سَمِعْتُ.
٦١ – (٢٧١٣) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، قالَ: كانَ أبُو صالِحٍ يَأْمُرُنا، إذا أرادَ أحَدُنا أنْ يَنامَ، أنْ يَضْطَجِعَ عَلى شِقِّهِ الأيْمَنِ، ثُمَّ يَقُولُ: «اللهُمَّ رَبَّ السَّماواتِ ورَبَّ الأرْضِ ورَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنا ورَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فالِقَ الحَبِّ والنَّوى، ومُنْزِلَ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ والفُرْقانِ، أعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ، اللهُمَّ أنْتَ الأوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وأنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وأنْتَ الظّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وأنْتَ الباطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنّا الدَّيْنَ، وأغْنِنا مِنَ الفَقْرِ» وكانَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ،
٦٢ – (٢٧١٣) وحَدَّثَنِي عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ بَيانٍ الواسِطِيُّ، حَدَّثَنا خالِدٌ يَعْنِي الطَّحّانَ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، يَأْمُرُنا إذا أخَذْنا مَضْجَعَنا، أنْ نَقُولَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وقالَ: «مِن شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ أنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِها»،
٦٣ – (٢٧١٣) وحَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ، ح وحَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو كُرَيْبٍ، قالا: حَدَّثَنا ابْنُ أبِي عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنا أبِي، كِلاهُما عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: أتَتْ فاطِمَةُ النَّبِيَّ ﷺ تَسْألُهُ خادِمًا، فَقالَ لَها: «قُولِي: اللهُمَّ رَبَّ السَّماواتِ السَّبْعِ» بِمِثْلِ حَدِيثِ سُهَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ.
٦٤ – (٢٧١٤) وحَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ مُوسى الأنْصارِيُّ، حَدَّثَنا أنَسُ بْنُ عِياضٍ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قالَ: «إذا أوى أحَدُكُمْ إلى فِراشِهِ، فَلْيَأْخُذْ داخِلَةَ إزارِهِ، فَلْيَنْفُضْ بِها فِراشَهُ، ولْيُسَمِّ اللهَ، فَإنَّهُ لا يَعْلَمُ ما خَلَفَهُ بَعْدَهُ عَلى فِراشِهِ، فَإذا أرادَ أنْ يَضْطَجِعَ، فَلْيَضْطَجِعْ عَلى شِقِّهِ الأيْمَنِ، ولْيَقُلْ: سُبْحانَكَ اللهُمَّ رَبِّي بِكَ وضَعْتُ جَنْبِي، وبِكَ أرْفَعُهُ، إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي، فاغْفِرْ لَها، وإنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بِما تَحْفَظُ بِهِ عِبادَكَ الصّالِحِينَ»،
٦٤ – وحَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، بِهَذا الإسْنادِ، وقالَ: «ثُمَّ لْيَقُلْ: بِاسْمِكَ رَبِّي وضَعْتُ جَنْبِي، فَإنْ أحْيَيْتَ نَفْسِي، فارْحَمْها»
٦٤ – (٢٧١٥) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أنَسٍ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، كانَ إذا أوى إلى فِراشِهِ، قالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أطْعَمَنا وسَقانا، وكَفانا وآوانا، فَكَمْ مِمَّنْ لا كافِيَ لَهُ ولا مُؤْوِيَ».
==========
التمهيد:
قال ابن العثيمين:
والنوم من آيات الله عز وجل الدالة على كمال قدرته وحكمته قال تعالى: (ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله) وهو نعمة من الله تعالى على العبد لأنه يستريح فيه من تعب سابق وينشط فيه لعمل لاحق فهو ينفع الإنسان فيما مضى وفيما يستقبل وهو من كمال الحياة الدنيا وذلك لأن الدنيا ناقصة فتكمل بالنوم لأجل الراحة لكنه نقص من وجه آخر بالنسبة للقيوم عز وجل وهو الله فإن الله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم} لكمال حياته فهو لا يحتاج إلى النوم ولا يحتاج إلى شيء وهو الغني الحميد عز وجل لكن الإنسان في هذه الحياة الدنيا بشر ناقص يحتاج إلى تكميل والنوم عبارة عن أن الله سبحانه وتعالى يقبض النفس حين النوم لكنه ليس القبض التام الذي تحصل به المفارقة التامة ولذلك تجد الإنسان حيا ميتا في الحقيقة لا يحس بما عنده لا يسمع قولا ولا يبصر شخصا ولا يشم رائحة ولكن لم تخرج نفسه من بدنه الخروج الكامل قال الله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} وهذه الوفاة الكبرى: {والتي لم تمت في منامها} يتوفاها في منامها {فيمسك التي قضى عليها الموت} وهي الأولى {ويرسل الآخرى} وهي النائمة يعني يطلقها {إلى أجل مسمى} لأن كل شيء عند الله تعالى وبمقدار وكل شيء عنده بأجل مسمى كل فعله جل وعلا حكمة في غاية الإتقان فهذا النوم من آيات الله عز وجل تأتي القوم مثلا في حجرة أو في سطح أو في بر وهم نيام كأنهم جثث موتى لا يشعرون بشيء ثم هؤلاء القوم يبعثهم الله عز وجل قال الله تعالى: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم} ثم إن الإنسان يعتبر بالنوم اعتبارا آخر وهو إحياء الأموات بعد الموت فإن القادر على رد الروح حتى يصحو الإنسان ويستيقظ ويعمل عمله في الدنيا قادر على أن يبعث الأموات من قبورهم وهو على كل شيء قدير
«شرح رياض الصالحين لابن عثيمين» (4/ 333)
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
(١٧) – (بابُ: ما يَقُولُ عِنْدَ النَّوْمِ، وأخْذِ المَضْجَعِ)
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٨٥٨] (٢٧١٠) – شرح الحديث:
في رواية للبخاريّ: «إذا أتيت مضجعك»، قال في «الفتح»: أي: إذا أردت أن تضطجع، ووقع صريحًا كذلك في رواية أبي إسحاق المذكورة، ووقع في رواية فِطْر بن خليفة، عن سعد بن عبيدة، عند أبي داود، والنسائيّ: «إذا أويت إلى فراشك، وأنت طاهر، فتوسَّد يمينك …» الحديث، نحو حديث الباب، وسنده جيّد، وللنسائيّ من طريق الربيع بن البراء بن عازب، قال: قال البراء، فذكر الحديث، بلفظ: «من تكلم بهؤلاء الكلمات، حين يأخذ جنبه من مضجعه، بعد صلاة العشاء …»، فذكر نحو حديث الباب [«الفتح» ١٤/ ١٩٩].
(فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ) والأمْر فيه للندب، وقد روى الشيخان هذا الحديث من طرُق عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-، وليس فيها ذِكر الوضوء إلا في هذه الرواية، وكذا قال الترمذيّ [«عمدة القاري» ٣/ ١٨٨].
(الأيْمَنِ) وإنما خُصّ الأيمن لفوائد، منها: أن القلب متعلق إلى جهة اليمين، فلا يثقل بالنوم، ومنها: قال ابن الجوزيّ هذه الهيئة نَصّ الأطباء على أنها أصلح للبدن، قالوا: يبدأ بالاضطجاع على الجانب الأيمن ساعة، ثم ينقلب إلى الأيسر؛ لأن الأول سبب لانحدار الطعام، والنوم على اليسار يَهضم؛ لاشتمال الكبد على المعدة.
[تنبيه]: هكذا وقع في رواية سعد بن عبيدة، وأبي إسحاق عن البراء، ووقع في رواية العلاء بن المسيَّب، عن أبيه، عن البراء، من فعل النبيّ ﷺ، ولفظه: «كان النبيّ ﷺ إذا أوى إلى فراشه، نام على شقه الأيمن، ثم قال …» الحديث، فيستفاد مشروعية هذا الذكر من قوله ﷺ، ومِن فِعله.
ووقع عند النسائيّ من رواية حصين بن عبد الرحمن، عن سعد بن عبيدة، عن البراء، وزاد في أوله: «ثم قال: بسم الله، اللَّهُمَّ أسلمت نفسي إليك».
ووقع عند الخرائطيّ في «مكارم الأخلاق» من وجه آخر عن البراء، بلفظ: «كان إذا أوى إلى فراشه، قال: اللَّهُم أنت ربي، ومليكي، وإلهي، لا إله إلا أنت، إليك وجهت وجهي …» الحديث [«الفتح» ١٤/ ١٩٩ – ٣٠٠].
(ثُمَّ قُل: اللَّهُمَّ إنِّي أسْلَمْتُ وجْهِي إلَيْكَ) قال في «الفتح»: كذا لأبي ذرّ، وأبي زيد، ولغيرهما: «أسلمت نفسي»، قيل: الوجه والنفس هنا بمعنى الذات، والشخص؛ لكن وقع في رواية عمرو بن مرّة، عن سعد بن عبيدة، عن البراء الآتية، وزاد خصلة رابعة، ولفظه: «اللَّهُمَّ أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك، وفوضت أمري إليك»، فعلى هذا فالمراد بالنفس هنا: الذات، وبالوجه: القصد، وأبدى القرطبيّ هذا احتمالًا بعد جزمه بالأول، أفاده في «الفتح».
فقوله: «أسلمت»؛ أي: استسلمت، وانقدت، والمعنى: جعلت نفسي منقادةً لك، تابعةً لحكمك؛ إذ لا قدرة لي على تدبيرها، ولا على جلب ما ينفعها إليها، ولا دفع ما يضرها عنها.
(وفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ)؛ أي: توكلت عليك في أمري كله، (وألْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ)؛ أي: اعتمدت في أموري عليك؛ لتعينني على ما ينفعني؛ لأن مَن استند إلى شيء تَقَوّى به، واستعان به، وخصّه بالظَّهر؛ لأن العادة جرت أن الإنسان يَعتمد بظهره إلى ما يستند إليه.
(رَغْبَةً ورَهْبَةً إلَيْكَ)؛ أي: رغبةً في رِفْدك، وثوابك، ورهبةً؛ أي: خوفًا من غضبك، ومن عقابك، قال ابن الجوزيّ رحمهُ اللهُ: أسقط «مِن» مع ذكر الرهبة، وأعمل «إلى» مع ذكر الرغبة، وهو على طريق الاكتفاء، وكذا قال الطيبي
قال الحافظ: ولكن ورد في بعض طرقه بإثبات «من»، ولفظه: «رهبةً منك، ورغبةً إليك»، أخرجه النسائيّ، وأحمد، من طريق حُصين بن عبد الرحمن، عن سعد بن عبيدة. انتهى.
(لا مَلْجَأ، ولا مَنجا مِنكَ إلّا إلَيْكَ) أصل «ملجأ» بالهمز، و«منجا» بغير همز، ولكن لمّا جُمعا جاز أن يهمزا للازدواج، وأن يُترك الهمز فيهما، وأن يُهمز المهموز، ويترك الآخر، فهذه ثلاثة أوجه، ويجوز التنوين مع القصر، فتصير خمسة.
قال الكرمانيّ: هذان اللفظان إن كانا مصدرين يتنازعان في «منك»، وإن
كانا ظرفين فلا؛ إذ اسم المكان لا يعمل، وتقديره: لا ملجأ منك إلى أحد إلا
إليك، ولا منجا منك إلا إليك. انتهى
[تنبيه]: قال الطيبيّ رحمهُ اللهُ: في نَظْم هذا الذكر عجائب، لا يعرفها إلا المتقن من أهل البيان، فأشار بقوله: «أسلمت نفسي» إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره، ونواهيه، وبقوله: «وجهت وجهي» إلى أن ذاته مخلصة له، بريئة من النفاق، وبقوله: «فوضت أمري» إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوّضة إليه، لا مدبِّر لها غيره، وبقوله: «ألجأت ظهري» إلى أنه بعد التفويض يلتجئ إليه مما يضره، ويؤذيه من الأسباب كلها، قال: وقوله: «رغبةً، ورهبةً» منصوبان على المفعول له، على طريق اللفّ والنشر؛ أي: فوضت أموري إليك رغبةً، وألجأت ظهري إليك رهبةً، انتهى.
(آمَنتُ بِكِتابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ) يَحْتَمِل أن يريد به القرآن، ويَحْتَمِل أن يريد اسم الجنس، فيشمل كل كتاب أُنزل، قاله في «الفتح» [»الفتح«١٤/ ٣٠٢].
(وبِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ) وقع في رواية أبي زيد المروزيّ: «أرسلته»، و«أنزلته» في الأول بزيادة الضمير فيهما، والرسول نبيّ له كتاب، فهو أخصّ من النبيّ، وقال النوويّ: يلزم من الرسالة النبوة، لا العكس. انتهى [»عمدة القاري” ٢٢/ ٢٨٣].
(واجْعَلْهُنَّ مِن آخِرِ كَلامِكَ) وفي رواية للبخاريّ: «واجعلهنّ آخر ما تكلّم به«، (فَإنْ متَّ) بضمّ الميم، وكسرها في الموضعين
(مِن لَيْلَتِكَ)؛ أي: في ليلتك، فـ»مِن«بمعنى»في«، (مُتَّ، وأنْتَ عَلى الفِطْرَةِ»)؛ أي: على الدِّين القويم، ملة إبراهيم عليه السَّلام
وقال ابن بطال، وجماعة: المراد بالفطرة هنا: دين الإسلام، وهو بمعنى الحديث الآخر: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة»، قال القرطبيّ في «المفهم»: كذا قال الشيوخ، وفيه نظر؛ فأين فائدة هذه الكلمات العظيمة، وتلك المقامات الشريفة؟
ويمكن أن يكون الجواب: أن كلًّا منهما، وإن مات على الفطرة، فبين الفطرتين ما بين الحالتين، ففطرة الأول فطرة المقربين، وفطرة الثاني فطرة أصحاب اليمين.
ووقع في رواية حصين بن عبد الرحمن، عن سعد بن عبيدة، في آخره، عند أحمد، بدل قوله: «مات على الفطرة»: «بُني له بيت في الجنة»، قال الحافظ: وهو يؤيد ما ذكره القرطبيّ.
يقصد تخصيص فضل زائد لمن قال هذه الكلمات وهو بيت في الجنة
ووقع في آخر الحديث من طريق أبي إسحاق، عن البراء: «وإن أصبحت أصبت خيرًا»، وفي لفظ: «فإن أصبحت أصبحت، وقد أصبت خيرًا»؛ أي: صلاحًا في المال، وزيادة في الأعمال.
(«قُلْ: آمَنتُ بِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ»)، قالوا: سبب الردّ إرادة الجمع بين المنصبين، وتعداد النعمتين،
وقيل: هو تخليص الكلام من اللَّبس؛ إذ الرسول يدخل فيه جبريل؛ ونحوه،
وقيل: هذا ذكر، ودعاء، فيُقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه؛ لاحتمال أن لها خاصيّة ليست لغيرها، قاله في «العمدة» [«عمدة القاري» ٢٢/ ٢٨٣].
وقال أيضًا: وذكروا في هذا أوجهًا:
ليختلف اللفظان، ويجمع البناءين، معنى الارتفاع والإرسال، ويكون تعديدًا للنعمة في الحالتين، وتعظيمًا للمنَّة على الوجهين. انتهى [«عمدة القاري» ٢٢/ ٢٨٨ – ٢٨٩]، والله تعالى أعلم.
وحديث البراء بن عازب -رضي الله عنهما- هذا متّفقٌ عليه.
فوائد الحديث:
١ – (منها): بيان استحباب الوضوء عند النوم، ثم إنه لم يُذكر في روايات هذا الحديث الصلاة إثر الوضوء، لكن لو صلّى بعده كان حسنًا؛ لحديث قصّة بلال -رضي الله عنه-، إني أسمع دَفّ نعليك: يعني: تحريك [«صحيح البخاريّ» ١/ ٣٨٦].
وقد ترجم البخاريّ على هذا الحديث، فقال: «باب فضل الطهور بالليل والنهار، وفضل الصلاة بعد الوضوء بالليل والنهار».
٢ – (ومنها): ما قاله ابن بطال رحمهُ اللهُ: فيه أن الوضوء عند النوم مندوب إليه، مرغَّب فيه، وكذلك الدعاء؛ لأنه قد تُقبض روحه في نومه، وإن كان متوضئًا كفاه ذلك الوضوء؛ ويكون أصدق لرؤياه، وأبعد من تلعّب الشيطان به في منامه.
٣ – (ومنها): استحباب النوم على الشقّ الأيمن .
٤ – (ومنها): استحباب النوم على ذكر الله سبحانه وتعالى؛ ليكون خاتمة عمله ذلك، اللَّهُمَّ اختم لنا بالخير.
٥ – (ومنها): ما قاله الخطابيّ: فيه حجة لمن منع رواية الحديث بالمعنى، وهو قول ابن سيرين، وغيره، قال العيني: ولكن لا حجة في هذا للمانعين؛ لأنه يَحْتَمِل الأوجه التي ذكرناها بخلاف غيره. انتهى [«عمدة القاري» ٣/ ١٨٩].
وقال في «الفتح»: قال القرطبيّ [«المفهم» ٧/ ٣٩] تبعًا لغيره: هذا حجة لمن لم يُجز نقل الحديث بالمعنى، وهو الصحيح من مذهب مالك …. وفيه نظر
وأولى ما قيل في الحكمة في ردّه ﷺ على من قال «الرسول» بدل «النبيّ»: أن ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص، وأسرار، لا يدخلها القياس، وهذا اختيار المازريّ [«المعلم» ٣/ ١٨٧]، قال:
قال الإتيوبي عفا الله عنه: عندي أن أحسن ما قيل في حكمة كون ألفاظ الأذكار توقيفيّة، كما قال المازريّ
٦ – (ومنها): ما قال النوويّ – رَحِمَهُ اللهُ-: في الحديث ثلاث سنن:
إحداها: الوضوء عند النوم، وإن كان متوضًا كفاه، لأن المقصود النوم على طهارة.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: لكن ظاهر إطلاق الحديث يعمّ من كان متوضّئًا، وهو الأولى، والله تعالى أعلم.
ثانيها: النوم على اليمين.
ثالثه: الختم بذكر الله تعالى [«شرح النوويّ» ١٧/ ٣١ – ٣٢].
وقال الكرمانيّ – رَحِمَهُ اللهُ-: هذا الحديث يشتمل على الإيمان بكل ما يجب
الإيمان به إجمالًا، من الكتب، والرسل، من الإلهيات، والنبويات، وعلى إسناد الكل إلى الله تعالى، من الذوات، والصفات، والأفعال؛ لِذِكر الوجه، والنفس، والأمر، وإسناد الظَّهر مع ما فيه من التوكل على الله تعالى، والرضا بقضائه، وهذا كله بحسب المعاش، وعلى الاعتراف بالثواب، والعقاب، خيرًا، وشرًّا، وهذا بحسب المعاد. انتهى [«شرح صحيح البخاريّ» للكرمانيّ ٢٢/ ١٢٨].
[تنبيه]: أخرج الترمذيّ من
حديث رافع بن خَديج؛ أن النبيّ ﷺ قال: «إذا اضطجع أحدكم على يمينه، ثم
قال …» فذكر نحو الحديث، وفي آخره: «أومن بكتابك الذي أنزلت،
((((وبرُسُلك)))) الذي أرسلت»، هكذا فيه بصيغة الجمع، وقال: حسن غريب، فإن
كان محفوظًا فالسرّ فيه حصول التعميم الذي دلّت عليه صيغة الجمع صريحًا،
فدخل فيه جميع الرسل من الملائكة، والبشر، فأُمن اللَّبس، ومنه قوله تعالى:
﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ﴾ [البقرة ٢٨٥]، والله أعلم. انتهى ما في
«الفتح» [«الفتح» ١٤/ ٣٠٤ – ٣٠٥]، وهو بحثٌ مفيدٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٨٦٣] (٢٧١١) -شرح الحديث:
(بِاسْمِكَ) متعلّق بـ (أحْيا)، ومثله قوله: (وبِاسْمِكَ أمُوتُ») قال النوويّ – رَحِمَهُ اللهُ -: قيل: معناه: بذكر اسمك أحيا ما حَيِيت، وعليه أموت، وقيل: معناه: بك أحيا؛ أي: أنت تحييني، وأنت تميتني، والاسم هنا هو المسمى. انتهى [»شرح النوويّ«١٧/ ٣٥].
وقال في «الفتح»: قوله: «باسمك أموت وأحيا»؛ أي: بذكر اسمك أحيا ما حييت، وعليه أموت، وقال القرطبيّ: قوله: «باسمك أموت» يدلّ على أن الاسم هو المسمى، وهو كقوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى (١)﴾ [الأعلى ١]؛ أي: سبِّح ربك، هكذا قال جُلّ الشارحين، قال: واستفدت من بعض المشايخ معنى آخر، وهو أن الله تعالى سَمّى نفسه بالأسماء الحسنى، ومعانيها ثابتة له، فكل ما صدر في الوجود فهو صادر عن تلك المقتضيات، فكأنه قال: باسمك
المحيي أحيا، وباسمك المميت أموت. انتهى ملخصًا.
قال الحافظ: والمعنى الذي صَدّرت به ألْيق، وعليه فلا يدلّ ذلك على أن الاسم غير المسمى، ولا عينه، ويَحْتَمِل أن يكون لفظ الاسم هنا زائدًا، كما في قول الشاعر:
إلى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُما
انتهى [»الفتح«١٤/ ٣٠٦،»كتاب الدعوات«رقم (٦٣١٢)].
(وإذا استَيْقَظَ قالَ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أحْيانا بَعْدَما أماتَنا) قال النوويّ – رَحِمَهُ اللهُ -:
المراد بأماتنا: النوم، وأما النشور: الإحياء للبعث يوم القيامة، فنبّه ﷺ بإعادة اليقظة بعد النوم الذي هو كالموت على إثبات البعث بعد الموت، قال العلماء: وحكمة الدعاء عند إرادة النوم: أن تكون خاتمة أعماله كما سبق، وحكمته إذا أصبح: أن يكون أول عمله بذكر التوحيد، والكلم الطيب. انتهى [»شرح النوويّ” ١٧/ ٣٥].
وقال المناويّ – رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: «أحيانا بعدما أماتنا»؛ أي: أيقظنا بعدما أنامنا، أطلق الموت على النوم؛ لأنه يزول معه العقل والحركة، ومن ثم قالوا: النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل، وقالوا: النوم أخو الموت.
وقيل: معنى قوله: «أحيانا بعدما أماتنا»؛ أي: رَدّ أنفسنا بعد قَبْضها
عن التصرف بالنوم؛ يعني: الحمد لله شكرًا لنيل نعمة التصرف في الطاعات
بالانتباه من النوم الذي هو أخو الموت، وزوال المانع عن التقرب بالعبادات.
(وإلَيْهِ النُّشُورُ»)؛ أي: البعث يوم القيامة، والإحياء بعد الإماتة، يقال: نشر الله الموتى، فنشَرُوا؛ أي: أحياهم، فَحَيُوا، قاله في «الفتح» [«الفتح» ١٤/ ٣٠٧].
وقال المناويّ – رَحِمَهُ اللهُ -: «وإليه النشور»؛ أي: الإحياء للبعث، أو المرجع في نيل الثواب مما نكسب في حياتنا هذه، وفيه إشارة بإعادة اليقظة بعد النوم إلى البعث بعد الموت، وحكمة الدعاء عند النوم: أن يكون خاتمة عمله العبادة، فالدعاء هو العبادة، ﴿وقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر ٦٠]، وحكمة الدعاء عند الانتباه: أن يكون أول ما يستيقظ يعبد الله بدعائه، وذكره، وتوحيده.
[تنبيه]: تقدّم أنه ﷺ كان إذا قام من نومه بالليل نظر إلى السماء، فقرأ:
﴿إنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ العشر آيات [آل عمران ١٩٠] ثم قام، فتوضأ،
فقال بعضهم: قد دلّ بهذا على أن المتهجد إذا استيقظ ينبغي أن يَشْغَل كل عضو منه بما هو المطلوب منه، والموظف له من الطاعات، فيطالع بعينه عجائب الملك والملكوت، ثم يتفكر بقلبه فيما انتهى إليه حاسة بصره، يعرج بمراقي فكره إلى عالم الجبروت، حتى ينتهي إلى سرادقات الكبرياء، فيفتح لسانه بالذكر، ثم يُتْبع بدنه نفسه بالتأهب للصلاة، وللوقوف في مقامات التناجي، والدعاء. انتهى [راجع: «فيض القدير شرح الجامع الصغير» للمناويّ – رَحِمَهُ اللهُ – ٥/ ٩١، نقلته بالتصرّف]، والله تعالى أعلم.
وحديث البراء بن عازب – رضي الله عنهما – هذا من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللهُ-.
_____
وقال الإمام مسلم رحمه الله:[٦٨٦٤] (٢ ٢٧١) –
شرح الحديث:
(عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ) بن الخطّاب – رضي الله عنهما -؛ (أنَّهُ أمَرَ رَجُلًا) لم يُسَمَّ [راجع:»تنبيه المعلم«ص ٤٤٤].
(لَكَ مَماتُها ومَحْياها)، أي: موتها، وحياتها؛ أي: أنت المالك لإحيائها، ولإماتتها وفيه إشارة إلى قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِها والَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْها المَوْتَ﴾ [الزمر ٤٢]. (فاحْفَظْها)؛ أي: صُنْها عن التورط فيما لا يرضيك، (العافِيَةَ)؛ أي: السلامة في الدين من الافتتان، وكيد الشيطان، والدنيا من الآلام، والأسقام.
[٦٨٦٥] (٢٧١٣) -شرح الحديث:
(عَنْ سُهَيْلِ) بن أبي صالح؛ أنه (قالَ: كانَ أبُو صالِحٍ)؛ يعني: أباه ذكوان السمّان الزيّات المدنيّ، قال القرطبيّ: وأصل ربّ: اسم فاعل من رَبَّ الشيءَ يرُبّه: إذا أصلحه، وقام عليه، ثم إنه يقال على السيّد والمالك. انتهى.
(ورَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ) بجرّ «العظيم» صفةً للعرش، والنصب نعتًا للرب،
(رَبَّنا)؛ أي: يا ربّنا (ورَبَّ كُلِّ شَيء) تعميم بعد تخصيص، (فالِقَ الحَبِّ
والنَّوى) بإخراج الزرع، والنخيل منهما.
(ومُنْزِلَ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ) من الإنزال، وقيل: من التنزيل. (والإنجيل، والفُرْقانِ)؛ أي: الفارق بين الحقّ والباطل، ولعل تَرْك الزبور لأنه مندرج في التوراة، أو لكونه مواعظ، ليس فيه أحكام.
قال الطيبيّ – رَحِمَهُ اللهُ -: [فإن قلت]: ما وجه النظم بين هذه القرائن؟
[قلت]: وجهه أنه ﷺ لمّا ذكر أنه تعالى «رب السماوات والأرض»)؛ أي: مالكهما، ومدبِّر أهلهما، عقّبه بقوله: «فالق الحب والنوى»؛ لينتظم معنى الخالقية، والمالكية؛ ثم عقّب ذلك بقوله: «منزل التوراة»؛ لِيُؤْذِن بأنه لم يكن إخراج الأشياء إلا ليُعلَم، وُيعبَد، ولا يحصل ذلك إلا بكتاب ينزله، ورسول يبعثه، كأنه قيل: يا مالك، يا مدبر، يا هادي.
(أعُوذُ)؛ أي: أعتصم، وألوذ (بِكَ مِن شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ)؛ أي: من شر كل شيء من المخلوقات؛ لأنها كلها في سلطانه، وهو آخذ بنواصيها، وفي رواية: «أعوذ من شر كل ذي شر»، وفي رواية: «من شر كل دابة أنت آخذ بنواصيها»
وقال القرطبيّ – رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: «أنت الأوّل فليس قبلك شيء …» الحديث
إلى آخره، تضمّن هذا الدعاء من أسماء الله تعالى ما تضمّنه قوله تعالى: ﴿هُوَ
الأوَّلُ والآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ﴾ [الحديد ٣]، وقد اختَلَفت عبارات العلماء في
ذلك، وأرشق عباراتهم في ذلك قول من قال: الأول بلا ابتداء، والآخر بلا
انتهاء، والظاهر بلا اقتراب، والباطن بلا احتجاب، وقيل: الأول بالإبداء،
والآخر بالإفناء، والظاهر بالآيات، والباطن عن الإدراكات، وقيل: الأول:
القديم، والآخر: الباقي، والظاهر: الغالب، والباطن: الخفي اللطيف، الرفيق
بالخلق، وهذا القول يناسب الحديث، وهو بمعناه.
وقوله: «فليس فوقك شيء»؛ أي: لا يقهرك شيء. وقوله: «فليس دونك
شيء»؛ أي: لا شيء ألطف منك، ولا أرفق. انتهى [»المفهم” ٧/ ٤٢].
(اقْضِ عَنّا الدَّيْنَ) قال النوويّ – رَحِمَهُ اللهُ -: يَحْتَمِل أن المراد بالدِّين هنا:
حقوق الله تعالى، وحقوق العباد كلها، من جميع الأنواع.
(وأغْنِنا) بقطع الهمزة، من الإغناء، (مِنَ الفَقْرِ«) الظاهر أن»من«هنا بمعنى البدل، كما قوله تعالى: ﴿أرَضِيتُمْ بِالحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الآخِرَةِ﴾ الآية
[التوبة ٣٨]؛ أي: أبْدِل فقرنا بالغنى.
قال سُهيلٌ: (وكانَ) أبوه أبو صالح (يَرْوِي ذَلِكَ)؛ أي: الذِّكر المذكور، (عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه – (عَنِ النَّبِيِّ ﷺ)؛ أي: فهو متّصلٌ مرفوع، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا من أفراد المصنّف – رَحِمَهُ اللهُ -.
_____
وقال الإمام مسلم رحمه الله:الحديث رقم [٦٨٦٨] (٢٧١٤)
شرح الحديث :
(أحَدُكُمْ إلى فِراشِهِ)؛ أي: لينام عليه، وفي رواية البخاري في «التوحيد»: «إذا جاء أحدكم إلى فراشه»، ولابن ماجه: «إذا أراد أحدكم أن يضطجع على فراشه»، وللترمذيّ: «إذا قام أحدكم عن فراشه، ثم رجع إليه»، ولأحمد: «إذا قام أحدكم من الليل، ثم رجع إلى فراشه».
(فَلْيَأْخُذْ داخِلَةَ إزارِهِ) وفي رواية البخاريّ: «فلينفض فراشه بداخلة إزاره»، قال في «الفتح»: كذا للأكثر، وفي رواية أبي زيد المروزيّ: «بداخل» بلا هاء، ووقع في رواية مالك عند البخاريّ في «التوحيد»: «بصَنِفة ثوبه»، وكذا للطبرانيّ من وجه آخر، وهي بفتح الصاد المهملة، وكسر النون، بعدها فاء: هي الحاشية التي تلي الجلد، والمراد بالداخلة: طرف الإزار الذي يلي الجسد، قال مالك: داخلة الإزار: ما يلي داخل الجسد منه.
ووقع في رواية عبدة بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر: «فليحلّ داخلة
إزاره، فلينفض بها فراشه»، وفي رواية يحيى القطان: «فلينزع».
وقال عياض: داخلة الإزار في هذا الحديث: طرفه، وداخلة الإزار في حديث الذي أصيب بالعين: ما يليها من الجسد، وقيل: كنى بها عن الذّكَر، وقيل: عن الوَرِك، وحَكى بعضهم أنه على ظاهره، وأنه أمر بغسل طرف ثوبه، والأول هو الصواب.
وقال القرطبيّ: حكمة هذا النفض قد ذُكرت في الحديث، وأما اختصاص النفض بداخلة الإزار، فلم يظهر لنا،
وأشار الكرمانيّ إلى أن الحكمة فيه أن تكون يده حين النفض مستورة؛ لئلا يكون هناك شيء، فيحصل في يده ما يكره. انتهى، قال الحافظ: وهي حكمة النفض بطرف الثوب دون اليد، لا خصوص الداخلة. انتهى [«الفتح» ١٤/ ٣٢٥ – ٣٢٦، «كتاب الدعوات» رقم (٦٣٢٠)].
وقال القاري: قيل: النفض بإزاره؛ لأن الغالب في العرب أنه لم يكن لهم ثوب غير ما هو عليهم، من إزار، ورداء، وقيّد بداخل الأزار؛ ليبقى الخارج نظيفًا، ولأن هذا أيسر، ولكشف العورة أقلّ وأستر، وإنما قال هذا؛ لأن رسم العرب ترك الفراش في موضعه ليلًا ونهارًا، ولذا علّله، وقال: «فإنه لا يدري ما خَلَفه».
وقال النوويّ: معناه: أنه يستحب أن ينفض فراشه قبل أن يدخل فيه؛ لئلا يكون قد دخل فيه حية، أو عقرب، أو غيرهما من المؤذيات، وهو لا يشعر، ولينفض، ويده مستورة بطرف إزاره؛ لئلا يحصل في يده مكروه، إن كان شيء هناك. انتهى [«تحفة الأحوذيّ» ٩/ ٢٤٤].
(فَلْيَنْفُضْ) بضمّ الفاء، من باب نصر، من النفض بالنون، والفاء، والضاد المعجمة، وهو تحريك الشيء ليسقط، ويزول ما عليه من غبار، ونحوه [«مرعاة المفاتيح» ٨/ ٢٤٥].
(بِها فِراشَهُ) قبل أن يدخل إليه، وفي رواية ابن ماجه: «فلينزع داخلة إزاره، ثم لينفض بها فراشه»، وللبخاريّ في «الأدب المفرد»: «فليحل».
(ولْيُسَمِّ اللهَ)؛ أي: ليذكر اسم الله تعالى عند نفض الفراش، (فَإنَّهُ) الفاء للتعليل؛ أي: وإنما أُمر بهذا لأنه (لا يَعْلَمُ) وفي رواية البخاريّ: «فإنه لا يدري ما خَلَفه عليه»، (ما خَلَفَهُ) بتخفيف اللام؛ أي: حدث (بَعْدَهُ)؛ أي: بعد مفارقته له، ….. انتهى [»الكاشف عن حقائق السنن«٦/ ١٨٧٣].
قال القرطبيّ، فقال: قوله:»لك وضعت جنبي، وبك أرفعه«كذا صحّ:»لك
وضعت«باللام، لا بالباء،»وبك أرفعه«رُوي بالباء، وبا للام، فا لباء
للاستعانة؛ أي: بك أستعين على وضع جنبي، ورَفْعه، فاللام يَحْتَمِل أن يكون
معناه: لك تقرّبت بذلك، فمانَّ نومه إنما كان ليستجمّ به لِما عليه من الوظائف،
ولأنه كان يوحى إليه في نومه، ولأنه كان يُقتدى به، فصار نومه عبادة، وأما يقظته فلا تخفى أنها كانت كلها عبادة، ويحْتَمِل أن يكون معناه: لك وضعت
جنبي؛ لتحفظه، ولك رفعته؛ لترحمه. انتهى [ٍ»المفهم«٧/ ٤٤].
(إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي) الإمساك كناية عن الموت، فلذلك قال: (فاغْفِرْ لَها)
وفي رواية البخاريّ: «فارحمها».
وقال في «الفتح»: قوله: «إن أمسكت»، وفي رواية يحيى القطان: «اللَّهُمَّ
إن أمسكت»، وفي رواية ابن عجلان: «اللَّهُمَّ فإن أمسكت»، وفي رواية عبدة:
«فإن احتبست»، وقوله: «فارحمها»، في رواية مالك: «فاغفر لها»، وكذا في
رواية ابن عجلان عند الترمذيّ، قال الكرمانيّ: الإمساك كناية عن الموت،
فالرحمة، أو المغفرة تناسبه، والإرسال كناية عن استمرار البقاء، والحفظُ
يناسبه، انتهى [»الكاشف عن حقائق السنن” ٦/ ١٨٧٣].
وقد وقع التصريح بالموت والحياة في رواية عبد الله بن الحارث، عن ابن
عمر بأن النبيّ ﷺ أمر رجلًا إذا أخذ مضجعه أن يقول: «اللَّهُمَّ أنت خلقت
نفسي، وأنت تتوفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها، فاحفظها، وإن أمتّها
فاغفر لها»، أخرجه النسائيّ، وصححه ابن حبّان.
وزاد ابن عجلان عند الترمذيّ في آخره قوله: «وإذا استيقظ، فليقل:
الحمد لله الذي عافاني في جسدي، ورَدّ اليّ روحي»، والله تعالى أعلم.
مسائل متعلقة بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه.
[تنبيه]: ذكر الدارقطنيّ – رَحِمَهُ اللهُ – الاختلاف في إسناد هذا الحديث، ودونك
نصّ «العلل»:
وسئل عن حديث المقبريّ عن أبي هريرة قال رسول الله ﷺ: «إذا أوى
أحدكم إلى فراشه، فلينفضه …» الحديث.
فذكر الخلاف في فبعضهم قال عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة وبعضهم أسقط (عن أبيه ) . انتهى كلام الدارقطنيّ – رَحِمَهُ اللهُ -.
قال الإتيوبي: وإلى هذه الاختلافات أشار البخاريّ أيضًا في
«صحيحه» [«صحيح البخاريّ» ٥/ ٢٣٢٩]، وكذا ذكر نحو هذا الاختلاف في «كتاب التوحيد» بعد ذكر الحديث
من طريق مالك عن سعيد المقبريّ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – [راجع: «الفتح» في الكلام على هذه الطرق ١٤/ ٣٢٨ – ٣٢٩].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: غرض البخاريّ، والدارقطني بهذا بيان
الاختلاف وكلا الطريقين
صحيحتان، ولذا أخرجه البخاريّ في «صحيحه» بهما، فأخرجه في «الدعوات»
من طريق زهير بن معاوية بزيادة عن أبيه، وفي «الدعوات» من طريق مالك
بدونها.
وأما مسلم فالظاهر أنه ترجّح لديه الزيادة، فأخرجه هنا من طريق أنس بن عياض، عن عبيد الله، عن سعيد، عن أبيه، بزيادة عن أبيه، ثم أورد بعده متابعة عبدة بن سليمان لأنس بن عياض، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في فوائده:
١ – (منها): بيان شدّة عناية النبيّ ﷺ بأمته، وشفقته عليهم حيث يعلّمهم
التجنب من المخاطر التي تلحق الإنسان، وهو غافل.
٢ – (ومنها): بيان بركة اسم الله تعالى، فإذا فعل الإنسان ما ذُكر مع ذِكر
اسم الله تعالى وقاه الله من جميع السوء.
٣ – (ومنها): استحباب النوم على الشقّ الأيمن، ثم القول: «سبحانك
اللَّهُمَّ ربي بك وضعت جنبي …» إلخ.
٤ – (ومنها): ما قاله ابن بطال – رَحِمَهُ اللهُ -: في هذا الحديث أدبٌ عظيمٌ، وقد ذَكَر حكمته في الخبر، وهو خشية أن يأوي إلى فراشه بعض الهوامّ الضارّة، فتؤذيه.
وقال ابن العربيّ – رَحِمَهُ اللهُ -: هذا من الحذر، ومن النظر في أسباب دفع سوء
القدر، أو هو من الحديث الآخر: «اعقِلْها، وتوكل».
٥ – (ومنها): ما قاله القرطبيّ – رَحِمَهُ اللهُ -: هذا الحديث يتضمّن الإرشاد إلى
مصلحتين: –
إحداهما: معلومة ظاهرة، وهي: أن الإنسان إذا قام عن فراشه لا يدري
ما دبّ عليه بعده من الحيوانات، ذوات السموم، ثم ذكر النفض بداخلة الازار وأنه لم يظهر له وجهه . وسبق
٦ – (ومنها): أنه ورد فيما يقال عند النوم حديث أنس – رضي الله عنه -؛ أن النبيّ ﷺ
كان إذا أوى إلى فراشه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا، وسقانا، وكفانا،
وآوانا، فكم ممن لا كافي له، ولا مؤوي». أخرجه مسلم، والثلاثة.
ولأبي داود من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – نحوه، وزاد: «والذي مَنّ عليّ،
فأفضل، والذي أعطاني، فأجزل».
ولأبي داود، والنسائيّ من حديث عليّ – رضي الله عنه – أن رسول الله ﷺ كان يقول
عند مضجعه: «اللَّهُمَّ إني أعوذ بوجهك الكريم، وكلماتك التامة من شرّ ما أنت
آخذ بناصيته، اللَّهُمَّ أنت تكشف المأثم، والمغرم، اللَّهُمَّ لا يُهْزَم جندك، ولا
يُخْلَف وعدُك، ولا يَنفع ذا الجَد منك الجدّ، سبحانك وبحمدك».
ولأبي داود من حديث أبي الأزهر الأنماريّ – رضي الله عنه -؛ أن النبيّ ﷺ كان
يقول إذا أخذ مضجعه من الليل: «بسم الله وضعت جنبي، اللهمَّ اغفر لي
ذنبي، وأخسئ شيطاني، وفُكّ رِهاني، واجعلني في النّديّ الأعلى» [في الحاشية: “قال في «النهاية» ٥/ ٩٠: النديّ بالتشديد: النادي؛ أي: اجعلني مع الملأ الأعلى
من الملائكة، وفي رواية: «واجعلني في النداء الأعلى»، أراد: نداء أهل الجنة
أهل النار: ﴿أنْ قَدْ وجَدْنا ما وعَدَنا رَبُّنا حَقًّا﴾. انتهى”.انتهى]،
وصححه الحاكم.
وللترمذيّ، وحسَّنه من حديث أبي سعيد، رفعه: «من قال حين يأوي إلى
فراشه: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات
غُفرت له ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر، وإن كانت عدد رمل عالج، وإن
كانت عدد أيام الدنيا».
ولأبي داود والنسائيّ من حديث حفصة – رضي الله عنها -؛ أن النبيّ ﷺ كان إذا أراد أن يرقُد وضع يده اليمنى تحت خدّه، ثم يقول؛ «اللَّهُمَّ قني عذابك يوم تبعث
عبادك» ثلاثًا، وأخرجه الترمذيّ من حديث البراء، وحسنّه، ومن حديث
حذيفة، وصححه [راجع: «الفتح» ١٤/ ٣٢٧ – ٣٢٨]، والله تعالى أعلم.
[٦٨٦٩] (…) – شرح الحديث:
(قالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أطْعَمَنا، وسَقانا، وكفانا)؛ أي: دفع عنا شرّ
المؤذيات، أو كفى مهماتنا، وقضى حاجاتنا، فهو تعميم بعد تخصيص.
(وآوانا، فَكَمْ مِمَّنْ لا كافِيَ لَهُ، ولا مُؤْوِيَ») بصيغة اسم الفاعل، و«له» مقدّر؛
أي: فكم شخص لا يكفيهم الله شرّ الأشرار، بل تَرَكهم وشرَّهم، حتى غلب
عليهم أعداؤهم، ولا يهيئ لهم مأوى، بل تركهم يهيمون في البوادي، ويتأذون
بالحر والبرد.
وقال القرطبي – رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: «فكم ممن لا كافي له، ولا مؤوي»؛ أي:
كثير من الناس ممن أراد الله إهلاكه، فلم يُطعمه، ولم يُسْقه، ولم يَكْسه، إما
لأنه أعدم هذه الأمور في حقه، وإما لأنه لم يُقدره على الانتفاع بها حتى
هلك، هذا ظاهره.
ويحْتَمِل أن يكون معناه: فكم من أهل الجهل والكفر بالله تعالى لا يعرف
أن له إلَهًا يُطعمه، ويسقيه، ويؤويه، ولا يقرّ بذلك، فصار الإله في حقه، وفي
اعتقاده كأنه معدوم. انتهى [المفهم”، ٤٥/ ٧].
وقال الطيبيّ – رَحِمَهُ اللهُ -: فالمعنى أنا نحمد الله على أن عَرّفنا
نعمه، ووفّقنا لأداء شكرها، فكم من مُنعَم عليه لا يعرفون ذلك، ولا
يَشكرون، وكذلك الله مولى الخلق كلهم بمعنى: أنه ربهم، ومالكهم، لكنه
ناصر للمؤمنين، ومحب لهم، فالفاء في «فكم» لتعليل الحمد. انتهى [»الكاشف عن حقائق السنن«٦/ ١٨٧٥].
وقال عصام الدين – رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: «فكم ممن لا كافي له» من قبيل قوله تعالى: ﴿لا مَوْلى لَهُمْ﴾ مع أن الله تعالى مولى كل أحد؛ أي: لا يعرفون مولى لهم، فـ«كم» لم يتفرع على «كفانا»، بل على معرفة الكافي التي يستفاد من الاعتراف، وإنما محمد الله تعالى على الطعام، والسقي، وكفاية المهمات في وقت الاضطجاع؛
لأن النوم فرع الشِّبَع والريّ، وفراغ الخاطر عن المهمات، والأمن من الشرور.
وقال النوويّ – رَحِمَهُ اللهُ -: معنى «آوانا» هنا: رحمنا، فقوله: «فكم ممن لا
مؤوي له»؛ أي: لا راحم، وعاطف عليه. انتهى [»مرقاة المفاتيح«٥/ ٢٩٨].
وقال المناويّ – رَحِمَهُ اللهُ -: «كان إذا أوى إلى فراشه»؛ أي: دخل فيه، قال
القاضي: أوى جاء لازمًا، ومتعديًا، لكن الأكثر في المتعدي المدّ، قال:
«الحمد لله الذي أطعمنا، وسقانا، وكفانا»؛ أي: دفع عنا شرّ خلقه، وآوانا في
مسكن نسكن فيه، يقينا الحرّ والبرد، ونَحرز فيه متاعنا، ونحجب به عيالنا،
«فكم ممن لا كافي له، ولا مؤوي» له؛ أي: كثير من خلق الله لا يكفيهم الله
شر الأشرار، ولا يجعل لهم مسكنًا، بل تركهم يتأذون في الصحاري بالبرد والحر، وقيل: معناه: كم من مُنعَم عليه لم يَعرف قدر نعمة الله، فكفَر بها. انتهى [»فيض القدير” ٥/ ١١١]، والله تعالى أعلم.
وحديث أنس – رضي الله عنه – هذا من أفراد المصنف. [البحر المحيط الثجاج]، بتصرف يسير.
قال الراجحي:
قال القاضي عياض رحمه الله: ((قوله صلى الله عليه وسلم ((اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت)): معناه: يحتمل أنه يريد: بذكر اسمك أحيا ما حييت، وعليه أموت ويحتمل أن يريد: بك أحيا، أي أنت تحيينى، وأنت تميتني. والاسم هنا هو المسمى، كما قال فى الحديث الآخر.)).
قلت : هذا عند الأشاعرة، أن الاسم هو المسمى.
والصواب: أن الاسم قد يكون هو المسمى، وقد يكون غير المسمى، فيختلف حسب السياق…
وقوله: ((ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان)): فيه: دليل على أنها منزلة، وأنها غير مخلوقة، وفيه: الرد على من قال: إنها مخلوقة. والفرقان من أسماء القرآن؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل، والكتاب الرابع الزبور أنزله الله على داود عليه السلام، وصحف إبراهيم وموسى ذكرت في القرآن.
وقوله: ((اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء)): فيه: إثبات هذه الأسماء الأربعة لله تعالى، وهي: الأول، والآخر، والظاهر، والباطن، كما قال الله تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شي عليم}، وفي هذا الحديث تفسير لهذه الأسماء الأربعة، فقد فسر الأول بأنه من ليس قبله شيء، وفسر الآخر بأنه من ليس بعده شيء، وفسر الظاهر بأنه من ليس فوقه شيء- يعني: العالي- وفسر الباطن بأنه من ليس دونه شيء، أي: لا يحجبه شيء من خلقه.
وفي هذا الحديث: مشروعية هذا الذكر عند النوم.
وفيه: مشروعية الاضطجاع على الشق الأيمن.
وفيه: مشروعية التوسل بأسماء الله تعالى، كما قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}، يعني: توسلوا بأسمائه
«توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم» (7/ 540)
(المسألة الأولى ):
قال الإتيوبي في فوائده :
1 – (منها): ما قاله ابن بطال رحمه الله: فيه أن الوضوء عند النوم مندوب
إليه، مرغب فيه، وكذلك الدعاء؛ لأنه قد تقبض روحه في نومه، فيكون قد
ختم عمله بالوضوء والدعاء الذي هو أفضل الأعمال، ثم إن هذا الوضوء
مستحب، وإن كان متوضئا كفاه ذلك الوضوء؛ لأن المقصود النوم على طهارة؛
مخافة أن يموت في ليلته، ويكون أصدق لرؤياه، وأبعد من تلعب الشيطان به
في منامه
2 – (ومنها): استحباب النوم على الشق الأيمن؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان
يحب التيامن، ولأنه أسرع إلى الانتباه، وإلى انحدار الطعام كما هو مذكور في
الكتب الطبية، كذا قال الكرماني.
وتعقبه العيني، فقال: الذي ذكره الأطباء خلاف هذا، فإنهم قالوا: النوم
على الأيسر روح للبدن، وأقرب إلى انهضام الطعام، ولكن اتباع السنة أحق وأولى .
بحوث معاصرة:
فوائد النوم على الجهة اليمنى يمنح الجسم الراحة والسكون. تعد الرئة اليسرى ذات حجم أصغر من الرئة اليمنى، لذلك فالنوم على الشق الأيمن يخفف من الحمل على الجسم والرئة.
يقع المخ في الجهة اليمنى من الرأس، والنوم على الجهة اليمنى يخفف من الثقل على الرأس، كما أن عدد الأعضاء المكونة للجسم التي توجد في الجهة اليمنى تعد أكثر وذات حجم أكبر منها في الشق الأيسر، لذلك فالنوم على الجهة يخفف من الضغط على الجسم بشكل كامل.
الكبد في هذه الحالة تكون مستقرة أكثر.
المعدة تكون في الوضع الأكثر راحةً لها، كما أنه يصبح من الأسهل عليها إخراج الطعام المهضوم منها.
يساعد النوم بهذه الطريقة على تحفيز القصبات الرئوية على القيام بعملها في طرح الإفرازات المخاطية. هنالك دراسات وضحت أن اليد اليمنى الموضوعة على الشق الأيمن من الوجه ترسل ذبذبات تفرغ الشحنات الزائدة من الدماغ، وبالتالي الحصول على الاسترخاء والراحة في النوم.
وقال أبوكرم وهو طبيب باطني حول فوائد النوم على الشق الأيمن :
أن الكبد أكبر غده في الجسد ووزنها كيلو وهي في الشق الأيمن لا تضغط على غيرها
والقلب وهو في الشق الأيسر لا يضغط عليه شيء .
واقرب لانسياب الطعام من المعدة إلى الاثنا عشر
أضرار النوم على الظهر :
يؤدي النوم على الظهر إلى التنفس من الفم، وهذه الطريقة في التنفس تسبب المشاكل الوخيمة للشخص، ومن تلك المشاكل كثرة التعرض لنزلات البرد والزكام، وجفاف اللثة ومرض الضخامة اللثوية.
يعيق مجرى التنفس فيسبب الشخير والغطيط. يسبب النوم على الظهر بظهور رائحة مزعجة للفم. هذه النومة تضرّ العمود الفقري.
تسبب هذه النومة تفلطح الرأس لدى الأطفال
أضرار النوم على الشق الأيسر:
في هذه الحالة سيكون الضغط أكبر على أعضاء الجسم في الشق اليسار، وذلك نتيجة لأن عدد وحجم الأعضاء أقلّ في هذا الجزء.
الضغط على المعدة، وبالتالي المعدة سوف تضغط على الكبد والقلب، مما يسبب ضيقاً في النفس وزيادة دقات القلب.
يبقى الكبد معلقاً عندما ينام الشخص على الجهة اليسرى، فيعيق عمل الكبد.
يصعب إخراج الطعام من المعدة في وضعية النوم هذه نتيجة للضغط العالي على المعدة.
3 – (ومنها): استحباب النوم على ذكر الله سبحانه وتعالى؛ ليكون خاتمة عمله
ذلك، اللهم اختم لنا بالخير.
4 – (ومنها): ما قاله الخطابي: فيه حجة لمن منع رواية الحديث
بالمعنى، وهو قول ابن سيرين، وغيره، وكان يذهب هذا المذهب أبو العباس
النحوي، ويقول: ما من لفظة من الألفاظ المتناظرة في كلامهم، إلا وبينها
وبين صاحبتها فرق، وإن دق ولطف، كقوله: بلى، ونعم…
5 – (ومنها): ما قال النووي – رحمه الله-: في الحديث ثلاث سنن:
إحداها: الوضوء عند النوم، وإن كان متوضأ كفاه، لأن المقصود النوم
على طهارة.
قال الإتيوبي رحمه الله: لكن ظاهر إطلاق الحديث يعم من كان
متوضئا، وهو الأولى، والله تعالى أعلم.
ثانيها: النوم على اليمين
ثالثها: الختم بذكر الله تعالى .
وقال الكرماني – رحمه الله-: هذا الحديث يشتمل على الإيمان بكل ما يجب
الإيمان به إجمالا، من الكتب، والرسل، من الإلهيات، والنبويات، وعلى
إسناد الكل إلى الله تعالى، من الذوات، والصفات، والأفعال؛ لذكر الوجه،
والنفس، والأمر، وإسناد الظهر مع ما فيه من التوكل على الله تعالى، والرضا
بقضائه، وهذا كله بحسب المعاش، وعلى الاعتراف بالثواب، والعقاب،
خيرا، وشرا، وهذا بحسب المعاد. انتهى
«البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج» (42/ 291)
قال ابن تيمية:
وسئل شيخ الإسلام – رحمه الله -:
أيما أفضل للجنب أن ينام على وضوء؟ أو يكره له النوم على غير وضوء؟ وهل يجوز له النوم في المسجد إذا توضأ من غير عذر أم لا؟ .
فأجاب:
الجنب يستحب له الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يعاود الوطء لكن يكره له النوم إذا لم يتوضأ فإنه قد ثبت في الصحيح: {أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل هل يرقد أحدنا وهو جنب؟ فقال: نعم؛ إذا توضأ للصلاة} . ويستحب الوضوء عند النوم لكل أحد فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: {إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم قل: اللهم إني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت}
وليس للجنب أن يلبث في المسجد لكن إذا توضأ جاز له اللبث فيه عند أحمد وغيره واستدل بما ذكره بإسناده عن هشام بن سعد: ” أن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كانوا يتوضئون وهم جنب ثم يجلسون في المسجد. ويتحدثون “. وهذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجنب بالوضوء عند النوم وقد جاء في بعض الأحاديث أن ذلك كراهة أن تقبض روحه وهو نائم فلا تشهد الملائكة جنازته فإن في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا تدخل الملائكة بيتا فيه جنب} وهذا مناسب لنهيه عن اللبث في المسجد فإن المساجد بيوت الملائكة كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم والبصل عند دخول المسجد. وقال: {إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنوا آدم} . فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الجنب بالوضوء عند النوم دل ذلك على أن الوضوء يرفع الجنابة الغليظة وتبقى مرتبة بين المحدث وبين الجنب لم يرخص له فيما يرخص فيه للمحدث من القراءة؛ ولم يمنع مما يمنع منه الجنب من اللبث في المسجد فإنه إذا كان وضوءه عند النوم يقتضي شهود الملائكة له دل على أن الملائكة تدخل المكان الذي هو فيه إذا توضأ؛ ولهذا يجوز الشافعي وأحمد للجنب المرور في المسجد بخلاف قراءة القرآن فإن الأئمة الأربعة متفقون على منعه من ذلك؛ فعلم أن منعه من القرآن أعظم من منعه من المسجد
«مجموع الفتاوى» (21/ 343)
تنبيه:
– حديث عَلِىٍّ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلاَ كَلْبٌ وَلاَ جُنُبٌ ». أخرجه أبو داود ٤١٥٢
( ولا جنب ) ضعفها البخاري، قال عبد الله بن نجي عن أبيه عن علي؛ فيه نظر.
وقال ابن حجر في الفتح في باب كينونة الجنب في البيت :أشار المصنف بهذه الترجمة إلى ضعف ما ورد عن علي.
وكذلك حديث( ثلاثة لا تقربهم الملائكة؛ ومنهم الجنب ) وهو كذلك ضعيف.
وعلى فرض صحتها يحمل على من تعمد ترك تخفيفه بالوضوء . انتهى( من تخريج سنن أبي داود لسيف بن دورة )
قال ابن القيم:
فإذا أخذوا مضاجعهم أتوا بأذكار النوم الواردة في السنة، وهي كثيرة تبلغ نحوا من أربعين، فيأتون منها بما علموه وما يقدرون عليه من قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاثا، ثم يمسحون بها رؤوسهم ووجوههم وأجسادهم ثلاثا، ويقرؤون آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة، ويسبحون ثلاثا وثلاثين، ويحمدون ثلاثا وثلاثين، ويكبرون أربعا وثلاثين. ثم يقول أحدهم: “اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك. آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت”.
وإن شاء قال: “باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فأغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين”.
وإن شاء قال: “اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، ربي ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها. أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين، وأغنني من الفقر”
وبالجملة، فلا يزال يذكر الله على فراشه حتى يغلبه النوم وهو يذكر الله. فهذا منامه عبادة، وزيادة له في قربه من الله. فإذا استيقظ عاد إلى عدانه الأول. [أي إلى عهده الأول]
«طريق الهجرتين وباب السعادتين – ط عطاءات العلم» (1/ 444)
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى): من آداب النوم
للنوم آداب نبوية، وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم، فمن ذلك:
1- إطفاء النار، والمصابيح، وإغلاق الأبواب، وذكر اسم الله: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ جَابِرٍ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ بِاللَّيْلِ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا الْأَبْوَابَ”[“صحيح البخاري” (برقم 6296)، و”صحيح مسلم” (برقم 2012)].
والعلة في إطفاء النار والمصابيح: أن الفأرة ربما جرَّت الفتيلة فأحرقت أهل البيت، كما جاء في الصحيحين مِن حَدِيثِ جَابِرٍ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَأَطْفِئُوا المَصَابِيحَ، فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتِ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ”[“صحيح البخاري” (برقم 6295)، و”صحيح مسلم” (برقم 2012)].
وفي الصحيحين مِن حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رضي اللهُ عنه قَالَ: “احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ”[“صحيح البخاري” (برقم 6294)، و”صحيح مسلم” (برقم 2016)].
وأما إغلاق الأبواب قبل النوم؛ فقد جاء في رواية مسلم مِن حَدِيثِ جَابِرٍ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا”. [“صحيح مسلم” (برقم 2012)].
قال ابن دقيق العيد رحمه الله:
“في الأمر بإغلاق الأبواب من المصالح الدينية والدنيوية، حراسة الأنفس والأموال من أهل العبث والفساد، ولا سيما الشياطين، وأما قوله: “فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا”، فإشارة إلى أن الأمر بالإغلاق لمصلحة إبعاد الشيطان عن الاختلاط بالإنسان، وخصه بالتعليل تنبيهًا على ما يخفى مما لا يُطَّلَعُ عليه إلا من جانب النبوة”[“فتح الباري” (11 /87)].
2- تغطية الآنية: روى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ جَابِرٍ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ، لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ”[“صحيح مسلم” (برقم 2014)].
3- استحباب الوضوء قبل النوم: لما جاء في الصحيحين مِن حَدِيثِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رضي اللهُ عنهما: وسبق
4- نفض الفراش قبل الاضطجاع عليه والتسمية: كما جاء في الصحيحين مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه
5- النوم على الشق الأيمن، ووضع اليد اليمنى تحت الخد: لِحَدِيثِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ
وروى أبو داود في سننه مِن حَدِيثِ حَفصَةَ رضي اللهُ عنها: “أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْقُدَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ”. [“سنن أبي داود” (برقم 5045)، وصححه الألباني في “صحيح سنن أبي داود” (3 /951) (برقم 4218)].
6- قراءة بعض السور والأذكار قبل النوم:
7- استحباب الوضوء عند الجنابة قبل النوم:
8- ومن الآداب أن من استيقظ من النوم استحب له أن يقول هذا الذكر:
روى البخاري في صحيحه مِن حَدِيثِ عُبَادَةَ ابنِ الصَّامِتِ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ”[“صحيح البخاري” (برقم 1154)].
قال ابن بطال رحمه الله:
“وعد الله على لسان نبيه أن من استيقظ من نومه لهج لسانه بتوحيد ربه، والإذعان له بالملك والاعتراف بنعمه يحمده عليها، وينزهه عما لا يليق به بتسبيحه، والخضوع له بالتكبير والتسليم له بالعجز عن القدرة، إلا بعونه، أنه إذا دعاه أجابه، وإذا صلى قبلت صلاته، فينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به ويخلص نيته لربه سبحانه وتعالى”[“فتح الباري” (3 /41)].
9- كراهية النوم على البطن:
روى الترمذي في سننه مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه قَالَ: “رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم رَجُلًا مُضْطَجِعًا عَلَى بَطْنِهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ ضَجْعَةٌ لَا يُحِبُّهَا اللهُ”[“سنن الترمذي” (برقم 2768)، وقال الألباني في “صحيح سنن الترمذي”: حسن صحيح (2 /359) (برقم 2221)].
10- التبكير في النوم:
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي اللهُ عنه: “أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا”[“صحيح البخاري” (برقم 568) ، و”صحيح مسلم” (برقم 647)].
قال ابن حجر رحمه الله:
“لأن النوم قبلها قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقًا أو عن الوقت المختار، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم عن صلاة الصبح، أو عن وقتها المختار، أو عن قيام الليل، وَكَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يَضرِبُ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ وَيَقُولُ: أَسَمَرًا أَوَّلَ اللَّيلِ، وَنَومًا آخِرَهُ؟!”[“فتح الباري” (2 /73)][انظر: “منتقى الآداب الشرعية”، (ص 188 – 191)].
(المسألة الثانية): ما يستحب ذكره عند النوم وما فائدة ذلك، وما الكتب التي ينصح بها في باب أذكار النوم ؟
وننصح أن يرجع إلى الكلم الطيب وتصحيحه؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية، وتصحيحه للشيخ ناصر الدين الألباني، وكذلك كتاب الأذكار للنووي، وإلى الوابل الصيب للإمام القيم.
فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، الشريط رقم (86)].
ثانيًا: بعض فوائد الأذكار
“من الفوائد:
1- أن هذا ذكر لله عز وجل،
2- وأن الإنسان إذا نام على ذكر الله كان ذلك أطيب لنومه وأهدى وأبعد أن يرى في منامه ما يكره مما يعرضه الشيطان عليه.
3- ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن من قرأ آية الكرسي في ليلة نزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح.
4- ومنها أن التسبيح والتحميد والتكبير سبب لنشاط الإنسان وقوته والسيطرة على عمله؛ ولهذا لما سأل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفاطمة النبي صلى الله عليه وسلم خادماً فقال: «ألا أدلكما على خير من ذلك». ثم أمرهما بأن يسبحا ويحمدا ويكبرا ثلاثاً وثلاثين”.
فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، الشريط رقم (86)].
(المسألة الثالثة): هل أذكار النوم تقال في كل نوم أو هي في نوم الليل فقط، وهل تكرر إذا قام لحاجة ؟
فأجاب ابن عثيمين رحمه الله: الذي يظهر لي أن أذكار النوم الواردة إنما هي في نوم الليل الذي ، لكن لا حرج على الإنسان أن يقولها في نوم النهار؛ لأنها أذكار، وليس هناك نص صريح في أن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يقولها إلا في منام الليل أي نعم”. [سلسلة لقاء الباب المفتوح-005a].
وسُئل أيضًا فضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله عن ذلك وعن تكرار الأذكار فصل في الإجابة،
فأجاب رحمه الله: الظاهر يكفيه إذا فعل عند الأول ما ينام يكفي وإن كرر فلا بأس، لكن السنة حصلت بالأذكار الذي قاله أو الدعاء الذي قاله عند النوم أول ما نام.
وما كان مختصًا بالليل وبيَّنه الرسول ﷺ أنه إذا أراد المبيت فهذا يختص بنوم الليل، وما لم يرد فيه تخصيص فهو عام في كل وقت من الأذكار،
أما ما جاء فيه تخصيص أنه يقول إذا أراد أن ينام ليلًا فهذا يكون سنته في الليل (نور على الدرب).
(المسألة الرابعة): هل يأثم المسلم إذا نام على يده اليسرى؟
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: “هل يأثم المسلم إذا نام على يده اليسرى؟
فأجاب: لا حرج في ذلك؛ لكن الأفضل أن يبدأ النوم على اليمنى، كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ باليمنى ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم فراشه فليتوضأ ثم ليضطجع على جنبه الأيمن) ، هذا هو الأفضل، أن يبدأ النوم في الليل على جنبه الأيمن وهو على طهارة، هذا هو الأفضل، وإن نام على يساره فلا حرج، وإذا بدأ النوم ثم انقلب فلا بأس” [فتاوى نور على الدرب].