2702 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي ، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
١٢ – بابُ اسْتِحْباب الِاسْتِغْفارِ، والِاسْتِكْثارِ مِنهُ، والحَثِّ عَلى التَّوْبَةِ
٤١ – (٢٧٠٢) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، وقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وأبُو الرَّبِيعِ العَتَكِيُّ جَمِيعًا، عَنْ حَمّادٍ – قالَ يَحْيى: أخْبَرَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ – عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أبِي بُرْدَةَ، عَنِ الأغَرِّ المُزَنِيِّ، وكانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قالَ: «إنَّهُ لَيُغانُ عَلى قَلْبِي، وإنِّي لَأسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ».
٤٢ – (٢٧٠٢) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أبِي بُرْدَةَ، قالَ: سَمِعْتُ الأغَرَّ، وكانَ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ، يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يا أيُّها النّاسُ تُوبُوا إلى اللهِ، فَإنِّي أتُوبُ، فِي اليَوْمِ إلَيْهِ مِائَةَ، مَرَّةٍ»،
٤٢ – حَدَّثَناهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أبِي، ح وحَدَّثَنا ابْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنا أبُو داوُدَ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، فِي هَذا الإسْنادِ
٤٣ – (٢٧٠٣) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أبُو خالِدٍ يَعْنِي سُلَيْمانَ بْنَ حَيّانَ، ح وحَدَّثَنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا أبُو مُعاوِيَةَ، ح وحَدَّثَنِي أبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، حَدَّثَنا حَفْصٌ يَعْنِي ابْنَ غِياثٍ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشامٍ، ح وحَدَّثَنِي أبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ – واللَّفْظُ لَهُ – حَدَّثَنا إسْماعِيلُ بْنُ إبْراهِيمَ، عَنْ هِشامِ بْنِ حَسّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَن تابَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها، تابَ اللهُ عَلَيْهِ»
==========
التمهيد:
“التوبة والاستغفار رجوع إلى الله وإنابة وطلب عفو وتسامح من ذنب ومعصية نشأت من مخالفة أمر أو ارتكاب نهي فيكون قبولها محوا لآثاره ورفعا لعقوبته وأضراره؛ قال تعالى ﴿وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى﴾ [طه ١٢١، ١٢٢]، وإذا لم تجد التوبة والاستغفار ذنبا ومعصية رفعت درجات صاحبها فهي ذكر ودعاء له أجر وثواب، وعلى هذا كان رسول الله ﷺ يستغفر الله تعالى في اليوم مائة مرة ويتوب إليه في اليوم مائة مرة، يعلمنا وهو عزيز عليه عنتنا، حريص علينا بنا رءوف رحيم، يعلمنا واجبنا وكلنا خطاء، يعلمنا أن خير الخطائين التوابون، وأن علينا أن نستغفر الله في اليوم مئات المرات، ونتوب إلى الله قدر ما يمكننا من التوبات، وباب قبول التوبة مفتوح إلى قيام الساعة، وإن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل، لتتلقى مسيء النهار بالقبول حتى تطلع الشمس من مغربها”.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
” (الأغرُّ المُزَنِيُّ) هو: الأغرّ بن يسار المزَنيّ، ويقال: الجُهنيّ، رَوى عن النبيّ ﷺ هذا الحديث فقط، ورَوى عن أبي بكر، وعنه أبو بردة بن أبي موسى الأشعريّ، ومعاوية بن قُرّة. قال الحافظ: أنكر ابن قانع على من جعله مُزَنِيًّا، وإنكاره هو المنكر، وأما ابن منده، فجعلهما اثنين، فلم يُصِب، وقال أبو عليّ بن السَّكَن: حدّثنا محمد بن الحسن، عن البخاريّ، قال: مسعر يقول في روايته: عن الأغر الجُهَنيّ، والمُزَني أصح. انتهى.
أخرج له البخاريّ في «الأدب المفرد»، والمصنّف، وأبو داود، والنسائيّ، وليس له عندهم إلا هذا الحديث، والحديث التالي، أفرده مسلم، وجعلهما النسائيّ حديثًا واحدًا.
و«أبو الربيع» هو سليمان بن داود الزهرانيّ، و«ثابت» هو ابن أسلم البنانيّ، و«أبو بُردة» هو: ابن أبي موسى الأشعريّ.
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد: أن صحابيّه من المقلّين في الرواية، فليس له إلا هذا الحديث، والحديث التالي، كما أسلفته آنفًا [راجع: «تحفة الأشراف» ١/ ٧٨ – ٧٩].
شرح الحديث:
(عَنْ أبِي بُرْدَةَ) بن أبي موسى الأشعريّ (عَنِ الأغَرِّ) – بفتح الهمزة، والغين المعجمة- (المُزَنِيِّ) – بضمّ الميم، وفتح الزاي-: نسبة لِوَلَدِ عثمان وأوس ابني عمرو بن أُدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر، نُسبوا إلى مزينة بنت كلب بن وبرة، أم عثمان وأوس، وهم قبيلة كبيرة، قاله في «اللباب» [«اللباب في تهذيب الأنساب» ٣/ ٢٠٥].
(وكانَتْ لَهُ)؛ أي: الأغرّ المزنيّ، (صُحْبَةٌ)؛ يعني: أنه كان من أصحاب النبيّ ﷺ، (أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: (إنَّهُ لَيُغانُ) بغين معجمة، من الغين، وهو الغطاء، قال الفيّوميّ رحمه الله: الغَيْنُ: لغة في الغيم، وغِينَتِ السماءُ بالبناء للمفعول: غُظيت بِالغَيْن، وفي الحديث: «وإنَهُ لَيُغانُ عَلى قَلْبِي»: كناية عن الاشتغال عن المراقبة بالمصالح الدنيوية، فإنها وإن كانت مهمّة في مقابلة الأمور الأخروية؛ كاللهو عند أهل المراقبة. انتهى [«المصباح المنير»٢/ ٤٦٠].
وقال المرتضى رحمه الله: وغِين على قلبه غَينًا: تغشّته الشهوة، أو غُطِّيَ عليه، وأُلبِس، أو غُشي عليه، أو أحاط به الرينُ، وفي الحديث: «إنه ليُغان على قلبي …»، أراد: ما يغشاه من السهو الذي لا يخلو عنه البشر؛ لأن قلبه أبدًا كان مشغولًا بالله تعالى، فإن عَرَض له وقتًا مّا عارضٌ بشريٌّ يَشغَله من أمور الأمة والملة، ومصالحها، عَدَّ ذلك ذنبًا وتقصيرًا، فيَفْزَعُ إلى الاستغفار. انتهى [«تاج العروس» ص ٨١٢٨، و«النهاية في غريب الأثر» ٣/ ٧٥٩].
وقال الطيبيّ رحمه الله: «في اليوم» الواحد من الأيام، ولم يُرِد يومًا معينًا، «مائة مرة». انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» ببعض تصرّف ٦/ ١٨٣٥].
(وإنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ)؛ أي: أطلب منه الستر، وفي حديث أبي هريرة عند
البخاريّ: «والله إني لأستغفر الله، وأتوب إليه»، قال في «الفتح»: قوله: «والله إني لأستغفر الله»: فيه القَسَم على الشيء تأكيدًا له، وإن لم يكن عند السامع فيه شك، قوله: «لأستغفر الله، وأتوب إليه» ظاهره أنه يطلب المغفرة، ويعزم على التوبة، ويَحْتَمِل أن يكون المراد: يقول هذا اللفظ بعينه، ويرجّح الثاني ما أخرجه النسائيّ بسند جيد، من طريق مجاهد، عن ابن عمر؛ أنه سمع النبيّ ﷺ يقول: »أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه« في المجلس
قبل أن يقوم مائة مرة، وله من رواية محمد بن سُوقة، عن نافع، عن ابن عمر
بلفظ:»إنا كنا لنَعُدّ لرسول الله ﷺ في المجلس: رب اغفر لي، وتب عليّ،
إنك أنت التواب الغفور، مائة مرة«[«الفتح» ٤ ١/ ٢٨٥ – ٢٨٦].
(فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ») وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: «لأستغفر الله، وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة»، وفي حديث أنس -رضي الله عنه-: «إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرةً»، قال الحافظ: فيَحْتَمِل أن يريد المبالغة، ويَحْتَمِل أن يريد العدد بعينه، وقوله: «أكثر» مبهم، فيَحتمل أن يفسَّر بأنه يبلغ المائة. انتهى [«الفتح» ٤ ١/ ٢٨٥ – ٢٨٦].
وقال المناويّ رحمه الله: أراد بالمائة: التكثير، فلا تعارض بينه وبين رواية السبعين.
وقال النوويّ رحمه الله: قال أهل اللغة: الغين بِالغين المعجمة، والغيم بمعنى، والمراد هنا: ما يتغشى القلب.
قال القاضي: قيل: المراد: الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه، فاذا فَتَر عنه، أو غفل عَدّ ذلك ذنبًا، واستغفر منه.
قال: وقيل: هو همّه (يعني ما يهمه ويقلقه ) بسبب أمته، وما اطَّلَع عليه من أحوالها بعده، فيستغفر لهم.
وقيل: سببه اشتغاله بالنظر في مصالح أمته، وأمورهم، ومحاربة العدوّ، ومداراته، وتأليف المؤلَّفة، ونحو ذلك، فيشتغل بذلك من عظيم مقامه، فيراه ذنباً بالنسبة إلى عظيم منزلته، وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات، وأفضل الأعمال، فهي نزول عن عالي درجته، ورفيع مقامه، من حضوره مع الله تعالى، ومشاهدته، ومراقبته، وفراغه مما سواه، فيستغفر لذلك.
وقيل: يَحْتَمِل أن هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه؛ لقوله تعالى: ﴿فَأنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفتح ١٨]، ويكون استغفاره إظهارًا للعبودية والافتقار، وملازمة الخشوع، وشكرًا لِما أولاه.
وقد قال المحاسبيّ: خوف الأنبياء والملائكة خوف إعظام، وإن كانوا آمنين عذاب الله تعالى.
وقيل: يَحْتَمِل أن هذا الغين حال خشية وإعظام يغشى القلب، ويكون استغفاره شكرًا كما سبق.
وقيل: هو شيء يعتري القلوب الصافية مما تتحدث به النفس، فهَوّشها، والله أعلم. انتهى [«شرح النوويّ» ١٧/ ٢٣ – ٢٤].
وقال في «الفتح»: قال الشيخ شهاب الدين السُّهْرَوَرديّ: لا يُعتقَد أن الغين في حالة نقص، بل هو كمال، أو تتمة كمال، ثم مثل ذلك بجفن العين حين يُسْبَل ليدفع القذى عن العين مثلًا، فإنه يمنع العين من الرؤية، فهو من هذه الحيثية نقص، وفي الحقيقة هو كمال، هذا مُحَصَّل كلامه بعبارة طويلة، قال: فهكذا بصيرة النبيّ ﷺ متعرضة للأغيرة الثائرة من أنفاس الأغيار، فدعت الحاجة إلى الستر على حدقة بصيرته؛ صيانة لها، ووقاية عن ذلك. انتهى.
قال الخطابي:
قوله يغان معناه يغطي ويلبس على قلبي، وأصله من الغين وهو الغطاء وكل حائل بينك وبين شيء فهو غين ولذلك قيل للغيم غين
«معالم السنن» (1/ 295)
قال ابن فارس:
و (يقال) غين على كذا، أي: غطي عليه.
ومنه الحديث: إنه ليغان على قلبي
«مجمل اللغة لابن فارس» (ص690)
قال ابن الجوزي:
قلت: ويحتمل معنيين: أحدهما أن معرفة الله عز وجل عند العارف كل لحظة تزيد لما يستفيده من العلم به سبحانه، فهو في صعود دائم، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم كان كلما ارتقى عن مقام بما يستفيده من العلم بالله عز وجل حين قال له: {وقل رب زدني علما} [طه: 114] يرى ذلك الذي كان فيه نقصا وغطاء، فيستغفر من الحالة الأولى، ومن هذا المعنى قيل: حسنات الأبرار ذنوب المقربين. هذا واقع وقع لي.
ثم رأيت ابن عقيل قد ذكر مثل ذلك فقال: كان يترقى من حال إلى حال، فتصير الحالة الأولى بالإضافة إلى الثانية من التقصير كالذنب فيقع الاستغفار لما يبدو له من عظمة الرب، وتتلاشى الحال الأولى بما يتجدد من الحال الثانية.
والمعنى الثاني: أن التغطية على قلبه كانت لتقوية الطبع على ما يلاقي، فيصير بمثابة النوم الذي تستريح فيه الأعضاء من تعب اليقظة، وذلك أن الطاعة على الحقائق ومواصلة الوحي تضعف قلبه وتوهن بدنه، وقد أشار عز وجل إلى هذا في قوله: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: 5] ، وقوله: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} [الحشر: 21] ، فلولا أنه كان يتعاهد بالغفلة لما عاش بدنه لثقل ما يعرض له. وشاهد هذا ما يلحقه من البرحاء والعرق عند الوحي، وقد كان عليه السلام يتعرض لهذه التغطية بأسباب يلطف فيها طبعه كالمزاح ومسابقة عائشة، وتخير المستحسنات، وكل ذلك ليعادل عنده من قوة اليقظة.
فإن قيل: على هذا فكيف يتعرض بشيء ثم يستغفر منه؟ قلنا: لأنه يرى تلك الحالة بالإضافة إلى الجد تقصيرا، إلا أن الحاجة تدعو إليها، فتكون بمثابة زمن الأكل والنوم والغائط
«كشف المشكل من حديث الصحيحين» (4/ 231)
قال الأثيوبي عفا الله عنه: عندي أن هذه الأقوال كلّها تخرّصات، وظنونات لا تنبني على دليل صحيح، فالحقّ أن نقول: إن الغين المذكور من المتشابه الذي لا يعلم حقيقته إلا الله عزوجل، وقد أخبرنا النبيّ ﷺ أنه يُغان على قلبه، فنصدّق بذلك، وأما حقيقة ذلك الغين الذي يغطي قلبه ﷺ فلم يبيّنه لنا، فلا ينبغي أن نتخرّص بتعيينه، وما أحسن ما قال الأصمعيّ لَما سُئل عنه: لو كان قلب غير النبيّ ﷺ لتكلمت عليه، ولكن العرب تزعم أن الغين: الغيم الرقيق [راجع شرحي على: «ألفية الأثر» للسيوطيّ رحمه الله ٢/ ١٩٧]، قال الطيبيّ رحمه الله [«الكاشف عن حقائق السنن» ٦/ ١٨٣٦]: ولله درّه في انتهاجه منهج الأدب، وإجلال القلب الذي جعله الله موضع وحيه، ومنزل رحماته.
والحاصل: أن الأدب في هذا تفويض علم حقيقة الغين إلى العالم الخبير، ثم إلى من أمدّه الله تعالى بتنزيل وحيه المبين، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل. انتهى كلام الاتيوبي
والعذر للعلماء بأنهم يذكرون ذلك احتمالا ثم هم تأولوه بمعاني التعظيم تقريبا لفهم من لا بد أن يطالبك بجواب من الجهال وغيرهم .
وحديث الأغرّ المزنيّ -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
[تنبيه]: قال الإمام الدراقطنيّ رحمه الله في «التتبّع»: أخرج مسلم حديث الأغرّ من حديث عمرو بن مرّة، وثابت، عن أبي بُردة، وهما صحيحان، وإن كان أبو إسحاق قال: عن أبي بردة، عن أبيه، وتابعه مغيرة بن أبي الحرّ، عن سعيد، عن أبي بردة، فأبو إسحاق ربّما دلّس، ومغيرة بن أبي الحرّ شيخ، وثابت، وعمرو مرّة حافظان، وقد تابعهما رجلان آخران: زياد بن المنذر، وابن إسحاق، ومغيرة بن أبي الحرّ، وأبو إسحاق سلكا به الطريق السهل. انتهى.
فوائد وفقه الحديث:
١ – (منها): بيان ما كان عليه النبيّ ﷺ من ملازمة الاستغفار، مع أن الله سبحانه وتعالى غفر له ما تقدّم من ذنبه، وما تأخّر، قال الله عزوجل: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ﴾ [الفتح ٢].
٢ – (ومنها): ما كان يعتريه ﷺ مما يدفعه إلى التوبة والاستغفار، وسيأتي ما قاله العلماء في ذلك- إن شاء الله تعالى-.
٣ – (ومنها): أنه ينبغي للعبد ملازمة التوبة والاستغفار في سائر أحواله، ولا يستلزم ذلك وجود الذنب، كما هو حال النبيّ ﷺ الذي غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، بل هو في حقّه من باب الشكر، ودوام المراقبة خ
٤ – (ومنها): ما قاله في «الفتح»: وقد استُشكل وقوع الاستغفار من النبيّ ﷺ، وهو معصوم، والاستغفار يستدعي وقوع معصية.
وأجيب بعدّة أجوبة:
منها: ما تقدم في تفسير الغين، ومنها: قول ابن الجوزي: هفوات الطباع البشرية، لا يسلم منها أحد، والأنبياء وإن عُصموا من الكبائر، فلم يُعْصَموا من الصغائر، كذا قال، وهو مُفَرَّع على خلاف المختار، والراجح عِصْمتهم من الصغائر أيضًا.
قال الأتيوبي عفا الله عنه: هكذا قال الحافظ: إن الراجح عصمتهم من الصغائر، لكن الذي عليه المحقّقون أنهم تقع منهم الصغائر التي لا تخلّ بصدق نبوّتهم، لكنهم ليسوا كغيرهم، فلا يُقَرّون عليها، بل ينبّهون فورًا، وهذا هو الفرق بينهم وبين غيرهم، وأما ما يخلّ بصدق نبوتهم، وينفّر الناس عنهم فلا يقع منهم ولو كان من الصغائر، ككَذْبة، وسرقة لقمة، لا قصدًا، ولا غلطًا، ولا سهوًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: إن القول بأن الانبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الاسلام، وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمديّ: أن هذا قول أكثر الأشعرية، وهو أيضًا قول أكثر أهل التفسير، والحديث، والفقه، بل هو الذي لم يُنقل عن السلف، والأئمة، والصحابة، والتابعين، وتابعيهم، إلا ما يوافق هذا القول.
وذَكَر في موضع آخر: أن القول بعصمة الأنبياء مطلقًا مذهب الرافضة، وأنهم أول من قال بذلك، ثم تبعهم بعض المعتزلة، ثم وافقهم عليه طائفة من المتأخرين. انتهى [«مجموع الفتاوى» ٤/ ٣١٩].
قال الأتيوبي: وقلت في «التحفة المرضيّة»:
فَكُلُّ مُرْسَلِ بُعَيْدَ البِعْثَةِ … لا يَفْعَلُ المُزْرِيَ بِالنُّبُوَّةِ
أوْ مُوجِبَ الخِسَّةِ أوْ ما يُسْقِطُ … مُرُوءَةً صمْدًا وسَهْوًا يَهْبِطُ
وأجْمَعُوا عَلى انْتِفا الكَبائِرِ … ورَجَّحُوا الجَوازَ لِلصغائِرِ
لَكِنَّهُمْ يُنَبَّهُونَ فَوْرا … فَنِعَمَةُ المَوْلى عَلَيْهِمْ تَتْرى
وبالله تعالى التوفيق.
قال: ومنها قول ابن بطال: الأنبياء عليه السلام أشدّ الناس اجتهادًا في العبادة لِما أعطاهم الله تعالى من المعرفة، فهم دائبون في شكره، معترفون له بالتقصير. انتهى،
ومُحَصل جوابه: أن الاستغفار من التقصير في أداء الحقّ الذي يجب لله تعالى، ويَحْتَمِل أن يكون لاشتغاله بالأمور المباحة من أكل، أو شرب، والقيام بمصالحهم فيرى ذلك ذنبا
ومنها: أن استغفاره تشريع لأمته، أو من ذنوب الأمة، فهو كالشفاعة لهم إلى آخر ما ذكره في «الفتح».
قال الأتيوبي عفا الله عنه: أحسن الأجوبة عندي: أن استغفار النبيّ ﷺ من باب أداء الشكر؛ لأن الله تعالى غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فإن هذا هو الذي أجاب به النبىّ ﷺ لَمّا سئل عن قيامه حتى تفطّرت قدماه، كما سبق في حديث المغيرة، وعائشة -رضي الله عنهما-، فقال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»، والله تعالى أعلم.
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٨٣٥] (…) -شرح الحديث:
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: »توبوا« إلى الله» أمرٌ على جهة الوجوب، كما
قال تعالى: ﴿وتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا﴾ [النور ٣١]، وكما قال تعالى: ﴿تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ [الحريم ٨]، وقال: ﴿ومَن لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ [الحجرات ١١] ولا خلاف أنها واجبة على كل من أذنب، وهي في اللغة: الرجوع، يقال: تاب، وثاب، وأثاب، وأناب واب: بمعنى: رجع، وهي في الشرع: الرجوع عما هو مذموم في الشرع إلى ما هو محمود فيه…[«المفهم» ٧/ ٢٧].
(فَإنِّي أتُوبُ فِي اليَوْمِ إلَيْهِ) وفي بعض النسخ باسقاط «إليه»، (مِائَةَ مَرَّةٍ)
قال المناويّ: ذِكر المائة هنا، والسبعين في رواية أخرى عبارة عن الكثرة، لا
للتحديد، ولا للغاية، كما يدل عليه: ﴿إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ [التوبة ٨٠]؛
إذ لو استغفر لهم مدة حياته لم يغفر لهم؛ لأنهم كفار به، فالمراد هنا: أتوب
إليه دائمًا، وتوبته ليست عن ذنب كما تقرر، بل لكونه دائمًا في الترقي، فكل
مرتبة ارتقى إليها، فما دونها ذنب يستغفر منه. انتهى [«فيض القدير» ٣/ ٢٧٤].
وقال ابن حبّان في صحيحه»: كان المصطفى ﷺ يستغفر ربه جلّ وعلا في الأحوال، على حسب ما وصفناه، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تاخر، ولاستغفاره ﷺ معنيان:
أحدهما: أن الله جلَّ وعلا بعثه مُعَلِّمًا لِخَلْقه قولًا وفعلًا، فكان يعلّم أمته الاستغفار، والدوام عليه؛ لِما علم من مقارفتها المآثم في الأحايين.
والمعنى الثاني: أنه ﷺ كان يستغفر لنفسه عن تقصير الطاعات، لا الذنوب؛ لأن الله جلَّ وعلا عصمه من بين خلقه، واستجاب له دعاءه على شيطانه، حتى أسلم، وذاك أن من خُلُق المصطفى ﷺ كان إذا أتى بطاعة لله عزوجل داوم عليها، ولم يقطعها، فربما شُغل بطاعة عن طاعة، حتى فاتته إحداهما، كما شُغل ﷺ عن الركعتين اللتين بعد الظهر بوفد تميم، حيث كان يَقسم فيهم، ويحملهم، حتى فاتته الركعتان اللتان بعد الظهر، فصلّاهما بعد العصر، ثم داوم عليهما في ذلك الوقت فيما بعدُ، فكان استغفاره ﷺ لتقصير طاعة أن أخَّرها عن وقتها من النوافل؛ لاشتغاله بمثلها من الطاعات التي كان في ذلك الوقت أولى من تلك التي كان يواظب عليها، لا أنه ﷺ كان يستغفر من ذنوب يرتكبها. انتهى. [«صحيح ابن حبّان» ٢٠٨/ ٣ – ٢١٠]. والله تعالى أعلم.
وحديث الأغرّ المزنيّ -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
في فوائده:
١ – (منها): الأمر بالتوبة، والحثّ عليها.
٢ – (ومنها): ما قاله النوويّ رحمه الله: نحن إلى الاستغفار والتوبة أحوج، قال أصحابنا وغيرهم
من العلماء: للتوبة ثلاثة شروط: أن يُقلع عن المعصية، وأن يندم على فعلها،
وأن يَعْزِم عزمًا جازمًا أن لا يعود إلى مثلها أبدًا، فإن كانت المعصية تتعلق
بآدميّ، فلها شرط رابع، وهو ردّ الظُّلامة إلى صاحبها، أو تحصيل البراءة منه،
والتوبة أهم قواعد الإسلام، وهي أول مقامات سالكي طريق الآخرة. انتهى [«شرح النوويّ» ١٧/ ٢٤ – ٢٥].
٣ – (ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله: هذا الحديث يدلّ على استدامة التوبة، وأن الإنسان مهما ذكر ذنبه جدَّد التوبة؛ لأنّه من حصول الذنب على يقين، ومن الخروج عن عقوبته على شكّ، فحقّ التائب أن يجعل ذنبه نصب عينيه، وينوح دائمًا عليه، حتى يتحقّق أنه قد غُفر له ذنبه، ولا يتحقّق أمثالنا ذلك إلا بلقاء الله تعالى، فواجب عليه ملازمة الخوف من الله تعالى، والرجوع إلى الله بالندم على ما فعل، وبالعزم على ألّا يعود إليه، والإقلاع عنه.
ثم لو قدّرنا أنه تحقق أنه غفر له ذلك الذنب تعيَّنت عليه وظيفة الشكر، كما قال ﷺ: «أفلا أكون عبدًا شكورًا».
وإنَّما أخبر النبيّ ﷺ بأنه يكرر توبته كل يوم مع كونه مغفورًا له، ليَلْحَق به غيره بطريق أولى، فتوبة العوامّ من السيئات، وتوبة الخواصّ من الغفلات، وتوبة خواصّ الخواصّ من الالتفات إلى الحسنات، هكذا قاله بعض أرباب القلوب، وهو كلام حسن في نفسه، بالغ في فنّه. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله باختصار [«المفهم» ٧/ ٢٨]، والله تعالى أعلم.
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٨٣٦] (…) -شرح الحديث:
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه-؛ أنه (قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “مَن تابَ)؛ أي:
رجع عن ذنبه بشروطه قَبْلَ أنْ
تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها) هذا هو المراد من قوله: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا
يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أوْ كَسَبَتْ فِي إيمانِها خَيْرًا﴾ الآية [الأنعام:
١٥٨]، فقد دلّت الآية على أنه لا ينفع الكافر إيمانه بعد ظهور بعض الايات،
والمراد به: طلوع الشمس من مغربها، وكذا لا تنفع التوبة المنافق ولا الفاسق
إذا لم يتوبا قبل ذلك، والله تعالى أعلم.
(تابَ اللهُ عَلَيْهِ)؛
بالعفو والتجاوز، وفيه تطييب لنفوس العباد، وتنشيط للتوبة، وبَعْثٌ عليها، ورَدْع عن اليأس والقنوط، وأن الذنوب وإن جَلَّت فإن عفوه أجلّ، وكرمه أعظم [«فيض القدير» ٦/ ٩٨].
وقال النوويّ رحمه الله: قال العلماء: هذا- أي: طلوع الشمس من مغربها-
حدّ لقبول التوبة،
وللتوبة حدّ آخر، وهو أن يتوب قبل الغرغرة، كما جاء في الحديث الصحيح، وأما في حالة الغرغرة، وهي حالة النزع، فلا تُقبل توبته، ولا غيرها؛ لقول الله تعالى: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمانُهُمْ لَمّا رَأوْا بَأْسَنا﴾ الآية [غافر ٨٥]؛ لأن المعتبَر هو الإيمان بالغيب، ولا تنفّذ وصيّته، ولا غيرها. انتهى [«شرح النوويّ» ١٧/ ٢٥]، والله تعالى أعلم.
قال ابن حجر:
ففي صحيح مسلم من رواية محمد بن سيرين عن أبي هريرة رفعه من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه فمفهومه أن من تاب بعد ذلك لم تقبل ….. ومن طريق بن مسعود قال الآية التي يختم بها الأعمال طلوع الشمس من مغربها فهذه آثار يشد بعضها بعضا متفقة على أن الشمس إذا طلعت من المغرب أغلق باب التوبة ولم يفتح بعد ذلك وأن ذلك لا يختص بيوم الطلوع بل يمتد إلى يوم القيامة ويؤخذ منها أن طلوع الشمس من مغربها أول الإنذار بقيام الساعة وفي ذلك رد على أصحاب الهيئة ومن وافقهم أن الشمس وغيرها من الفلكيات بسيطة لا يختلف مقتضياتها ولا يتطرق إليها تغيير ما هي عليه قال الكرماني وقواعدهم منقوضة ومقدماتهم ممنوعة وعلى تقدير تسليمها فلا امتناع من انطباق منطقة البروج التي هي معدل النهار بحيث يصير المشرق مغربا وبالعكس واستدل صاحب الكشاف بهذه الآية للمعتزلة فقال قوله لم تكن آمنت من قبل صفة لقوله نفسا وقوله أو كسبت في ايمانها خيرا عطف على آمنت والمعنى أن أشراط الساعة إذا جاءت وهي آيات ملجئة للإيمان ذهب أوان التكليف عندها فلم ينفع الإيمان حينئذ من غير مقدمة إيمانها قبل ظهور الآيات أو مقدمة إيمانها من غير تقديم عمل صالح فلم يفرق كما ترى بين النفس الكافرة وبين النفس التي آمنت في وقته ولم تكتسب خيرا ليعلم ان قوله الذين آمنوا وعملوا الصالحات جمع بين قرينتين لا ينبغي أن تنفك إحداهما عن الأخرى حتى يفوز صاحبها ويسعد وإلا فالشقوة والهلاك
«فتح الباري لابن حجر» (11/ 354)
وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
في فوائده:
١ – (منها): الحثّ على المبادرة بالتوبة قبل فوات الأوان.
٢ – (ومنها): بيان وقت قبول التوبة، وهو ما قبل طلوع الشمس من مغربها.
٣ – (ومنها): بيان الوقت الذي لا تُقبل فيه التوبة، وهو ما بعد طلوعها.
٤ – (ومنها): بيان أن طلوع الشمس من مغربها إحدى علامات الساعة الكبرى انتهى، والله تعالى أعلم.
[البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
ثانيًا: ملحقات :
تنبيه:بعض الكلام مكرر ، لكن تركناه لأن بعض نقولات أهل العلم يرتبط أولها بآخرها .
(المسألة الأولى): مسائل الاستغفار (غير ما تقدم)
” الاستغفار مأمور به ومشروع، والإنسان في حاجة إليه شديدة، يقول الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:199]، ويقول جل وعلا: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران:135]،
فالمؤمن مأمور بالاستغفار في جميع الأوقات، قد كان النبي ﷺ يكثر من الاستغفار وهو سيد ولد آدم ، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع هذا يكثر من الاستغفار، ويقول: ((والله إني لأستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة))، ويقول: ((يا أيها الناس! توبوا إلى ربكم فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة)) عليه الصلاة والسلام، فالاستغفار أمر مطلوب فينبغي للمؤمن والمؤمنة الإكثار من الاستغفار.
وصيغة ذلك أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، بعد كل صلاة ثلاث مرات، إذا سلم بعد الفريضة، كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وإذا قال في جميع الأوقات: اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي ذنوبي، (أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه) كله طيب.
المقصود يطلب المغفرة بأي صيغة، رب اغفر لي، أو اللهم اغفر لي، أو اللهم اغفر لي ذنوبي، أو اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك، أو أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه كل هذا طيب،
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : “اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير”.
ومن استغفاره: “اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني،، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت”.
وسيد الاستغفار حث عليه النبي ﷺ وهو: “اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت،، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”، إذا قالها صباحًا موقنًا بذلك دخل الجنة وإذا قالها مساءً ومات عليها دخل الجنة، فضل عظيم، يقال له: سيد الاستغفار، يعني: رئيس الاستغفار وأفضله، اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت نعم”. [الاستغفار .. وكيفيته وعدده، نور على الدرب للإمام ابن باز رحمه الله].
وقد سُئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله عن هل الزيادة في الاستغفار في اليوم عن سبعين أو مائة مرة جائز؟ وهل الزيادة في ذكر سبحان الله وبحمده عن مائة مرة جائز، حيث إني ما زلت أذكر الله وأستغفره أي وقت في ذلك؟ لعل الله أن يقبل توبتي.
فأجاب رحمه الله: “هذا مستحب ولو سبَّحت ألف مرة أو ألفين أو عشرة آلاف، لكن النبي ﷺ بيَّن للأمة، قال: من قال حين يمسي وحين يصبح “سبحان الله وبحمده”، مائة مرة غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر.[أخرجه البخاري، ومسلم]، يعني: إذا لم يصر على الكبائر فهذه من أسباب المغفرة، ويسبح الله مائة مرة في المساء ومائة مرة في الصباح، هذه من أسباب المغفرة لمن وفقه الله لترك الكبائر، وهكذا قال ﷺ: من قال في يوم “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير”، مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب الله له مائة حسنة ومحي عنه مائة سيئة وكان في حرز من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من عمله أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين.
وهذا يدل على أن من زاد فلا بأس، أو يذكر الله مائتين أو ألف مرة كله خير له مزيد من الأجر والخير.
المقصود أن التسبيح لا حد له، والذكر لا حد له، يكثر من ذكر الله وتسبيحه في اليوم والليلة ما يسر الله له”.[مسألة في فضل الاستغفار، مجموع الفتاوى].
قال ابن العثيمين:
إنه ليغان على قلبي يعني يحدث له شيء من الكتمة والغم وما أشبه ذلك وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة يقول أستغفر الله في اليوم مائة مرة هذا وهو النبي صلى الله عليه وسلم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكيف بنا ولكن قلوبنا قاسية ميتة لا يغان عليها بكثرة الذنوب ولا يهتم الواحد منا بما فعل ولذلك تجد الإنسان غير مبال بمثل هذا وقليل الاستغفار والذي ينبغي للإنسان أن يكون له أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الاستغفار كما قال ابن عمر إننا نعد للنبي صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة أو أكثر رب اغفر لي وارحمني وكذلك أخبر صلى الله عليه وسلم أن من نعمة الله على العباد أنه إذا ابتلاهم بالذنوب فاستغفروا الله غفر لهم وأنه لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم ثم جاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم وهذا حث على أن يستغفر الإنسان ربه ويكثر من الاستغفار لأنه ينال بذلك درجة المستغفرين الله عز وجل وكذلك أخبر فيما رواه أبو داود أن من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب ومن لزم الاستغفار يعني داوم عليه وأكثر منه فإنه يفرج عنه الكروب وتوسع له الضيقات ويوسع له في رزقه ورزقه من حيث لا يحتسب والأحاديث في فضل الاستغفار والثناء على أهله والحث عليه كثيرة فعليك يا أخي بكثرة الاستغفار أكثر من قول اللهم اغفر لي اللهم ارحمني استغفر الله وأتوب إليه وما أشبه ذلك لعلك تصادف ساعة إجابة من الله عز وجل فيغفر لك فيها …
والله الموفق
«شرح رياض الصالحين لابن عثيمين» (6/ 714)
فصل: في فضل الاستغفار
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ أحْمَد بْنُ تَيْمِيَّة – رَحِمَهُ اللَّهُ -:
“الِاسْتِغْفارُ يُخْرِجُ العَبْدَ مِن الفِعْلِ المَكْرُوهِ، إلى الفِعْلِ المَحْبُوبِ مِن العَمَلِ النّاقِصِ إلى العَمَلِ التّامِّ ويَرْفَعُ العَبْدَ مِن المَقامِ الأدْنى إلى الأعْلى مِنهُ والأكْمَلِ؛ فَإنَّ العابِدَ لِلَّهِ والعارِفَ بِاَللَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ بَلْ فِي كُلِّ ساعَةٍ بَلْ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ يَزْدادُ عِلْمًا بِاَللَّهِ.
وبَصِيرَةً فِي دِينِهِ وعُبُودِيَّتِهِ بِحَيْثُ يَجِدُ ذَلِكَ فِي طَعامِهِ وشَرابِهِ ونَوْمِهِ ويَقَظَتِهِ وقَوْلِهِ وفِعْلِهِ، ويَرى تَقْصِيرَهُ فِي حُضُورِ قَلْبِهِ فِي المَقاماتِ العالِيَةِ وإعْطائِها حَقَّها، فَهُوَ يَحْتاجُ إلى الِاسْتِغْفارِ آناءَ اللَّيْلِ وأطْرافَ النَّهارِ؛ بَلْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ دائِمًا فِي الأقْوالِ والأحْوالِ فِي الغوائب والمَشاهِدِ لِما فِيهِ مِن المَصالِحِ وجَلْبِ الخَيْراتِ ودَفْعِ المَضَرّاتِ وطَلَبِ الزِّيادَةِ فِي القُوَّةِ فِي الأعْمالِ القَلْبِيَّةِ والبَدَنِيَّةِ اليَقِينِيَّةِ الإيمانِيَّةِ.
وقَدْ ثَبَتَتْ: دائِرَةُ الِاسْتِغْفارِ بَيْنَ أهْلِ التَّوْحِيدِ واقْتِرانِها بِشَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ مِن أوَّلِهِمْ إلى آخِرِهِمْ ومِن آخِرِهِمْ إلى أوَّلِهِمْ ومِن الأعْلى إلى الأدْنى. وشُمُولِ دائِرَةِ التَّوْحِيدِ والِاسْتِغْفارِ لِلْخَلْقِ كُلِّهِمْ وهُمْ فِيها دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ ولِكُلِّ عامِلٍ مَقامٌ مَعْلُومٌ.
فَشَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ بِصِدْقِ ويَقِينٍ تُذْهِبُ الشِّرْكَ كُلَّهُ دِقَّهُ وجِلَّهُ خَطَأهُ وعَمْدَهُ أوَّلَهُ وآخِرَهُ؛ سِرَّهُ وعَلانِيَتَهُ وتَأْتِي عَلى جَمِيعِ صِفاتِهِ وخَفاياهُ ودَقائِقِهِ.
والِاسْتِغْفارُ يَمْحُو ما بَقِيَ مِن عَثَراتِهِ ويَمْحُو الذَّنْبَ الَّذِي هُوَ مِن شُعَبِ الشِّرْكِ، فَإنَّ الذُّنُوبَ كُلَّها مِن شُعَبِ الشِّرْكِ.
فالتَّوْحِيدُ يُذْهِبُ أصْلَ الشِّرْكِ والِاسْتِغْفارُ يَمْحُو فُرُوعَهُ، فَأبْلَغُ الثَّناءِ قَوْلُ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وأبْلَغُ الدُّعاءِ قَوْلُ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ.
فَأمَرَهُ بِالتَّوْحِيدِ والِاسْتِغْفارِ لِنَفْسِهِ ولِإخْوانِهِ مِن المُؤْمِنِينَ”. [مجموع الفتاوى (11/ 696 – 697)].
مباحث متنوعة عن الاستغفار :
قال ابن رجب:
وقول القائل: أستغفر الله، معناه: أطلب مغفرته، فهو كقوله: اللهم اغفر لي، فالاستغفار التام الموجب للمغفرة: هو ما قارن عدم الإصرار، كما مدح الله أهله، ووعدهم بالمغفرة، قال بعض العارفين: من لم يكن ثمرة استغفاره تصحيح توبته، فهو كاذب في استغفاره، وكان بعضهم يقول: استغفارنا هذا يحتاج إلى استغفار كثير، وفي ذلك يقول بعضهم:
أستغفر الله من أستغفر الله … من لفظة بدرت خالفت معناها
وكيف أرجو إجابات الدعاء وقد … سددت بالذنب عند الله مجراها
فأفضل الاستغفار ما اقترن به ترك الإصرار، وهو حينئذ توبة نصوح، وإن قال بلسانه: أستغفر الله وهو غير مقلع بقلبه، فهو داع لله بالمغفرة، كما يقول: اللهم اغفر لي، وهو حسن وقد يرجى له الإجابة، وأما من قال: ” توبة الكذابين، فمراده أنه ليس بتوبة، كما يعتقده بعض الناس، وهذا حق، فإن التوبة لا تكون مع الإصرار. وإن قال: أستغفر الله وأتوب إليه فله حالتان:
إحداهما: أن يكون مصرا بقلبه على المعصية، فهذا كاذب في قوله: ” وأتوب إليه ” لأنه غير تائب، فلا يجوز له أن يخبر عن نفسه بأنه تائب وهو غير تائب. والثانية: أن يكون مقلعا عن المعصية بقلبه، فاختلف الناس في جواز قوله: وأتوب إليه، فكرهه طائفة من السلف، وهو قول أصحاب أبي حنيفة حكاه عنهم الطحاوي، وقال الربيع بن خثيم: يكون قوله: ” وأتوب إليه ” كذبة وذنبا، ولكن ليقل: اللهم تب علي، أو يقل: اللهم إني أستغفرك فتب علي. وهذا قد يحمل على من لم يقلع بقلبه وهو بحاله أشبه. وكان محمد بن سوقة يقول في استغفاره أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأسأله توبة نصوحا. وروي عن حذيفة أنه قال: بحسب المرء من الكذب أن يقول: أستغفر الله، ثم يعود. وسمع مطرف رجلا يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، فتغيظ عليه، وقال: لعلك لا تفعل. وهذا ظاهره يدل على أنه إنما كره أن يقول: وأتوب إليه، لأن التوبة النصوح أن لا يعود إلى الذنب أبدا، فمتى عاد إليه، كان كاذبا في قوله: ” وأتوب إليه “. وكذلك سئل محمد بن كعب القرظي عمن عاهد الله أن لا يعود إلى معصية أبدا، فقال: من أعظم منه إثما؟ يتألى على الله أن لا ينفذ فيه قضاؤه، ورجح قوله في هذا أبو الفرج بن الجوزي وروي عن سفيان بن عيينة نحو ذلك. وجمهور العلماء على جواز أن يقول التائب: أتوب إلى الله، وأن يعاهد العبد ربه على أن لا يعود إلى المعصية، فإن العزم على ذلك واجب عليه، فهو مخبر بما عزم عليه في الحال، ولهذا قال: ” «ما أصر من استغفر، ولو عاد في اليوم سبعين مرة» “. وقال في المعاود للذنب: «قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء» . وفي حديث كفارة المجلس: «أستغفرك اللهم وأتوب إليك» ، «وقطع النبي صلى الله عليه وسلم سارقا، ثم قال له: استغفر الله وتب إليه فقال: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال: اللهم تب عليه» خرجه أبو داود. واستحب جماعة من السلف الزيادة على قوله أستغفر الله وأتوب إليه فروي عن عمر أنه سمع رجلا يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال له: يا حميق، قل: توبة من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. وسئل الأوزاعي عن الاستغفار: أيقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، فقال: إن هذا لحسن، ولكن يقول: رب اغفر لي حتى يتم الاستغفار. وأفضل أنواع الاستغفار: أن يبدأ العبد بالثناء على ربه، ثم يثني بالاعتراف بذنبه، ثم يسأل الله المغفرة كما في حديث شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» خرجه البخاري. وفي ” الصحيحين ” عن عبد الله بن عمرو «أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله، علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» . ومن أنواع الاستغفار أن يقول العبد ” أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه “. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من قاله، غفر له وإن كان فر من الزحف؛ خرجه أبو داود والترمذي. وفي كتاب ” اليوم والليلة ” للنسائي، «عن خباب بن الأرت، قال: قلت: يا رسول الله، كيف نستغفر؟ قال: قل: اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم» ، وفيه «عن أبي هريرة، قال: ما رأيت أحدا أكثر أن يقول: أستغفر الله وأتوب إليه من رسول الله صلى عليه وسلم.»
قال أبو هريرة: إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم ألف مرة، وذلك على قدر ديتي. وقالت عائشة: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا. قال أبو المنهال: ما جاور عبد في قبره من جار أحب إليه من استغفار كثير. وبالجملة، فدواء الذنوب الاستغفار، وروينا من حديث أبي ذر مرفوعا: «إن لكل داء دواء، وإن دواء الذنوب الاستغفار» . قال قتادة: إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم: فالذنوب، وأما دواؤكم: فالاستغفار. وقال بعضهم: إنما معول المذنبين البكاء والاستغفار، فمن أهمته ذنوبه، أكثر لها من الاستغفار. قال رباح القيسي: لي نيف وأربعون ذنبا، قد استغفرت الله لكل ذنب مائة ألف مرة. وحاسب بعضهم نفسه من وقت بلوغه، فإذا زلاته لا تجاوز ستا وثلاثين زلة، فاستغفر الله لكل زلة مائة ألف مرة، وصلى لكل زلة ألف ركعة، وختم في كل ركعة منها ختمة، قال: ومع ذلك، فإني غير آمن سطوة ربي أن يأخذني بها، وأنا على خطر من قبول التوبة. ومن زاد اهتمامه بذنوبه، فربما تعلق بأذيال من قلت ذنوبه، فالتمس منه الاستغفار. وكان عمر يطلب من الصبيان الاستغفار، ويقول إنكم لم تذنبوا، وكان أبو هريرة يقول لغلمان الكتاب: قولوا: اللهم اغفر لأبي هريرة، فيؤمن على دعائهم. قال بكر المزني: لو كان رجل يطوف على الأبواب كما يطوف المسكين يقول: استغفروا لي، لكان نوله أن يفعل. ومن كثرت ذنوبه وسيئاته حتى فاتت العدد والإحصاء، فليستغفر الله مما علم الله، فإن الله قد علم كل شيء وأحصاه، كما قال تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه} [المجادلة: 6] [المجادلة: 6] ، وفي حديث شداد بن أوس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أسألك من خير ما تعلم. وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب» . وفي مثل هذا يقول بعضهم: أستغفر الله مما يعلم الله إن الشقي لمن لا يرحم الله ما أحلم الله عمن لا يراقبه كل مسيء ولكن يحلم الله فاستغفر الله مما كان من زلل طوبى لمن كف عما يكره الله طوبى لمن حسنت منه سريرته طوبى لمن ينتهي عما نهى الله
«جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط» (2/ 410)
وقال ابن رجب أيضا:
لكن الدعاء سبب مقتض للإجابة مع استكمال شرائطه، وانتفاء موانعه، وقد تتخلف إجابته، لانتفاء بعض شروطه، أو وجود بعض موانعه، وقد سبق ذكر بعض شرائطه وموانعه وآدابه في شرح الحديث العاشر.
ومن أعظم شرائطه: حضور القلب، ورجاء الإجابة من الله تعالى… ونهي أن يستعجل، ويترك الدعاء لاستبطاء الإجابة، وجعل ذلك من موانع الإجابة
ومن أهم ما يسأل العبد ربه مغفرة ذنوبه، أو ما يستلزم ذلك كالنجاة من النار، ودخول الجنة… فمن أعظم أسباب المغفرة أن العبد إذا أذنب ذنبا لم يرج مغفرته من غير ربه، ويعلم أنه لا يغفر الذنوب ويأخذ بها غيره
السبب الثاني للمغفرة: الاستغفار، ولو عظمت الذنوب، وبلغت الكثرة عنان السماء، وهو السحاب..
السبب الثالث من أسباب المغفرة: التوحيد، وهو السبب الأعظم، فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة، قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] [النساء: 48] فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض – وهو ملؤها أو ما يقارب ملأها – خطايا، لقيه الله بقرابها مغفرة، لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل، فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه، ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار، بل يخرج منها، ثم يدخل الجنة
«جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط» (2/ 402)
(المسألة الثانية): مسائل في التوبة:
1) [تعريف التوبة]:
“التوبة في اللغة:
قال ابن منظور: التوبة: الرجوع عن الذنب، وتاب إلى الله يتوب توبا، وتوبة ومتابا: أناب ورجع عن المعصية إلى الطاعة، وتاب الله عليه: وفقه لها، ورجل تواب: تائب إلى الله، والله تواب: يتوب على عبده وفي الحديث: «الندم توبة» ويكاد يكون المعنى الذي تناوله علماء اللغة عن التوبة متقاربا لفظا ومعنى، فهي الرجوع والإنابة إلى الله تعالى.
التوبة في الاصطلاح:
قال ابن قدامة: «إن التوبة عبارة عن ندم يورث عزما وقصدا، وذلك الندم يورث العلم بأن تكون المعاصي حائلا بين الإنسان وبين محبوبه» [المغني / ١٤/ ١٩٢].
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (١١/ ١٠٣): والتوبة ترك الذنب على أحد الأوجه وفي الشرع ترك الذنب لقبحه والندم على فعله والعزم على عدم العود ورد المظلمة ان كانت أو طلب البراءة من صاحبها وهي ابلغ ضروب الاعتذار.
[سيأتي الفرق بين التوبة والاستغفار]
2) حكم التوبة:
قال ابن بطال: والتوبة فرض من الله تعالى على كل من علم من نفسه ذنبا صغيرا أو كبيرا؛ لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) [التحريم ٨]. وقال: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) [النور ٣١]، وقال تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) [النساء ١٧].
فكل مذنب فهو عند مواقعة الذنب جاهل وإن كان عالما، ومن تاب قبل الموت تاب من قريب.» شرح صحيح البخاري (١٠/ ٧٩). أنظر المزيد «التمهيد» (٤/ ٤٥)، اكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض.
3) التوبة النصوح
قال ابن تيمية كما مجموع الفتاوى (١٦/ ٥٨): فالتوبة النصوح هي الخالصة من كل غش وإذا كانت كذلك كائنة فإن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه فمن خرج من قلبه الشبهة والشهوة لم يعد إلى الذنب فهذه التوبة النصوح وهي واجبة بما أمر الله تعالى.
قال ابن كثير في التفسير [٨/ ١٦٩]: ولهذا قال العلماء: التوبة النصوح هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر، ويندم على ما سلف منه في الماضي، ويعزم على ألا يفعل في المستقبل. ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقه.
4) مسألة: هل يسمى تائبا اذا كان غير مخلصا لله في توبته؟
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (١١/ ١٠٣): ولا تصح التوبة الشرعية الا بالإخلاص ومن ترك الذنب لغير الله لا يكون تائبا اتفاقا.
قال السندي: قوله: (الندم) أي: على المعصية، أي: لكونها معصية، وإلا فإذا ندم عليها من جهة أخرى كما إذا ندم على شرب الخمر من جهة صرف المال عليه فليس من التوبة في شيء. حاشية السندي على سنن ابن ماجة (٢/ ٥٦٣).
قال المناوي: الندم توبة والتوبة إذا توفرت شروطها تجب ما قبلها. «فيض القدير».
5) مسألة:
قال الطحاوي في شرح الآثار (٤/ ٢٩٠): فأما قولهم نتوب إلى الله ليس من هذا في شيء. قيل لهم: إن ذلك وإن كان كما ذكرتم، فإنا لم نبح لهم أن يقولوا نتوب إلى الله عز وجل على أنهم معتقدون للرجوع إلى ما تابوا منه. ولكنا أبحنا لهم ذلك، على أنهم يريدون به ترك ما وقعوا فيه من الذنب، ولا يريدون العودة في شيء منه. فإذا قالوا ذلك، واعتقدوا هذا بقلوبهم، كانوا في ذلك مأجورين مثابين. فمن عاد منهم بعد ذلك في شيء من تلك الذنوب، كان ذلك ذنبا أصابه، ولم يحبط ذلك أجره المكتوب له، بقوله الذي تقدم منه، واعتقاده معه، ما اعتقد. فأما من قال أتوب إلى الله عز وجل وهو معتقد أنه يعود إلى ما تاب منه، فهو بذلك القول، فاسق معاقب عليه، لأنه كذب على الله فيما قال: وأما إذا قال، وهو معتقد لترك الذنب، الذي كان وقع فيه، وعازم أن لا يعود إليه أبدا، فهو صادق في قوله، مثاب على صدقه.
و قال بعد صفحة: فدل ذلك على أن من قال أتوب إلى الله من ذنب كذا وكذا وهو نادم على ما أصاب من ذلك الذنب، أنه محسن، مأجور على قوله ذلك.
و قال الحافظ ابن حجر في الفتح (١١/ ١٠٣ – ١٠٤): وقد تمسك من فسر التوبة بالندم بما أخرجه احمد وبن ماجة وغيرهما من حديث بن مسعود رفعه الندم توبة ولا حجة فيه لان المعنى الحض عليه وانه الركن الأعظم في التوبة لا انه التوبة نفسها وما يؤيد اشتراط كونها لله تعالى وجود الندم على الفعل ولا يستلزم الاقلاع عن أصل تلك المعصية كمن قتل ولده مثلا وندم لكونه ولده وكمن بذل مالا في معصية ثم ندم على نقص ذلك المال مما عنده.
6) مسألة: للعبد توبتان:
قال ابن عثيمين: فللعبد توبتان: توبة بمعنى: التوفيق للتوبة.
وتوبة بمعنى: قبول التوبة.
ما هو الدليل على هذا؟ الدليل: قول الله تبارك وتعالى: ﴿وعَلى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتّى إذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِما رَحُبَتْ وضاقَتْ عَلَيْهِمْ أنْفُسُهُمْ وظَنُّوا أنْ لا مَلْجَأ مِنَ اللَّهِ إلّا إلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ [التوبة:١١٨]، كيف تاب ليتوبوا؟ أي: وفقهم للتوبة فتابوا.
أما التوبة الأخرى وهي: قبول توبة العبد: فمثل قوله تعالى: ﴿وهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبادِهِ ويَعْفُو عَنِ السَّيِّئاتِ﴾ [الشورى:٢٥].
توبة العبد تحتاج إلى شروط؛ إذ ليس كل توبة مقبولة، لا بد يا إخواني! من شروط:
الأول: إخلاص النية.
الثاني: الندم على الذنب، وانكسار القلب، وخجله من الله عز وجل، وأن يشعر الإنسان بأنه مذنب، يحتاج إلى توبة ونعمة من الله عز وجل.
الثالث: الإقلاع عن المعصية، إما بفعل الواجب وتداركه إن أمكن، أو بالإقلاع عن المحرم.
والرابع: العزم على ألا يعود إلى الذنب مرة أخرى، فإن أقلع عنه وندم ولكن في نيته أنه متى سنحت له الفرصة عاد إلى الذنب فهذا لا تقبل توبته.
الشرط الخامس: أن تكون في الوقت الذي تُقْبَل فيه التوبة؛ لأن التوبة لها وقت تُرَدُّ فيه مهما تاب العبد وهو -أي: الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة- نوعان: خاص. وعام.
أما الخاص فهو: حلول الأجل: إذا حضر الموت فإنه لا قبول للتوبة مهما كان، دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿ولَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إذا حَضَرَ أحَدَهُمُ المَوْتُ قالَ إنِّي تُبْتُ الآنَ﴾ [النساء:١٨]، هذا ليس له توبة بعد أن شاهد وعاين العذاب يقول: أتوب؟! لا ينفع، الحدود في الدنيا إذا قُدِر على العبد وتاب بعد القدرة عليه هل يرتفع عنه الحد؟ لا.
لقوله: ﴿إلّا الَّذِينَ تابُوا مِن قَبْلِ أنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة:٣٤]، كذلك الإنسان إذا حضره الموت وشاهد وعاين لا تنفعه التوبة للآية الكريمة وهي في سورة النساء، وقد وقع ذلك فعلًا حين تاب فرعون بعد أن أدركه الغرق قال الله تعالى: ﴿حَتّى إذا أدْرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنتُ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرائيلَ وأنا مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ [يونس:٩٠] ماذا قيل له؟ قيل له ﴿آلْآنَ﴾ [يونس:٩١] يعني: آلآن تؤمن بما آمنت به بنو إسرائيل؟! هذا لا ينفع، ﴿وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ المُفْسِدِينَ﴾ [يونس:٩١].
الثاني: العام: الوقت الذي يكون لعموم الناس، إذا حصل أو إذا جاء فإنها لا تقبل التوبة، وذلك إذا طلعت الشمس من مغربها، فالشمس الآن تدور منذ خلقها الله عز وجل، تأتي من ناحية المشرق وتغيب من ناحية المغرب، فإذا أراد الله تعالى انقضاء الدنيا انعكست القضية وصارت الشمس تأتي من المغرب، وإذا رآها الناس آمنوا كلهم؛ لأنهم يعلمون أن لهذا الكون مدبرًا وإلا فمن يستطيع أن يأتي بالشمس من المغرب، هل من أحد يستطيع؟ لا.
ولهذا قال إبراهيم للذي ناظره قال: ﴿فَإنَّ اللَّهَ ياتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فاتِ بِها مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ [البقرة:٢٥٨]؛ لكن إذا رأى الناس كلهم الشمس بعد أن غابت رجعت من المغرب سيؤمنون؛ لكن هذا الإيمان هل هو قهري أم اختياري؟ قهري؛ لأنه شاهد.
ولهذا قال الله عز وجل: ﴿يَوْمَ ياتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أوْ كَسَبَتْ فِي إيمانِها خَيْرًا﴾ [الأنعام:١٥٨] والمراد ببعض الآيات هنا: طلوع الشمس من مغربها. «لقاء الباب المفتوح» من الشاملة.
7) [شروط التوبة]:
قال القاضى: ذهب بعض مشايخنا إلى أن التوبة: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما سلف، والعزم على ألا يعاوده. وقال آخرون: إن التوبة: الندم، قال وفي ضمن ذلك ترك فعله فى الحال والمستأنف لأنه إذا ندم على ذنبه لم يفعله الآن وتركه، وعزم على ألا يفعله، واحتج بقوله – عليه السلام – «الندم توبة». وقال آخرون: معناه: معظم شروط التوبة وخصالها، كما قيل: «الحج عرفة»…..
وروى عن [ابن] (٣) المبارك: أن من شرط التوبة: قضاء ما فرط فيه من حقوق الله، والخروج عن مظالم العباد. ولعله يشير إلى كمالها وتمامها؛ لأنها لا تصح فى ذلك الذنب. اكمال المعلم بفوائد مسلم (٨/ ٢٤١ – ٢٤٢).
8) مسألة: كلما وقع في المعصية فعليه تجديد التوبة ما لم يضمر العودة إليها فلا توبة له. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولو تاب العبد، ثم عاد إلى الذنب قبل الله توبته الأولى، ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضًا، ولا يجوز للمسلم إذا تاب، ثم عاد، أن يصر، بل يتوب، ولو عاد في اليوم مائة مرة» انظر: «مجموع الفتاوى» ١٦/ ٥٨.
9) مسالة: هل تصح التوبة من الذنوب مع الاصرار على غيره؟
قال ابن القيم في مدارج السالكين (١/ ٢٨٥): والَّذِي عِنْدِي فِي هَذِهِ المَسْألَةِ أنَّ التَّوْبَةَ لا تَصِحُّ مِن ذَنْبٍ، مَعَ الإصْرارِ عَلى آخَرَ مِن نَوْعِهِ، وأمّا التَّوْبَةُ مِن ذَنْبٍ، مَعَ مُباشَرَةِ آخَرَ لا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ، ولا هُوَ مِن نَوْعِهِ فَتَصِحُّ، كَما إذا تابَ مِنَ الرِّبا، ولَمْ يَتُبْ مَن شُرْبِ الخَمْرِ مَثَلًا، فَإنَّ تَوْبَتَهُ مِنَ الرِّبا صَحِيحَةٌ، وأمّا إذا تابَ مِن رِبا الفَضْلِ، ولَمْ يَتُبْ مِن رِبا النَّسِيئَةِ وأصَرَّ عَلَيْهِ، أوْ بِالعَكْسِ، أوْ تابَ مِن تَناوُلِ الحَشِيشَةِ وأصَرَّ عَلى شُرْبِ الخَمْرِ، أوْ بِالعَكْسِ فَهَذا لا تَصِحُّ تَوْبَتَهُ، وهُوَ كَمَن يَتُوبُ عَنِ الزِّنا بِامْرَأةٍ، وهُوَ مُصِرٌّ عَلى الزِّنا بِغَيْرِها غَيْرَ تائِبٍ مِنها، أوْ تابَ مِن شُرْبِ عَصِيرِ العِنَبِ المُسْكِرِ، وهُوَ مُصِرٌّ عَلى شُرْبِ غَيْرِهِ مِنَ الأشْرِبَةِ المُسْكِرَةِ، فَهَذا فِي الحَقِيقَةِ لَمْ يَتُبْ مِنَ الذَّنْبِ.
قلت (نورس) انتبه الى كلام مهم التوبة لا تصح من الذنب مع الاصرار على غيره من (نوعه) اي من جنسه.
10) مسألة: هل تنفع التوبة عند معاينة الموت؟
ويَدُلُّ عَلى هَذا أيْضًا أنَّ النُّصُوصَ المُتَضافِرَةَ المُتَظاهِرَةَ قَدْ دَلَّتْ عَلى أنَّ التَّوْبَةَ عِنْدَ المُعايَنَةِ لا تَنْفَعُ، لِأنَّها تَوْبَةُ ضَرُورَةٍ لا اخْتِيارٍ،
وأمّا التَّوْبَةُ مِن قَرِيبٍ فَجُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ عَلى أنَّها التَّوْبَةُ قَبْلَ المُعايَنَةِ. أنظر: «المدارج لابن القيم» (١/ ٢٩٤).
11) مسألة: هل معاودة الذنب بعد التوبة هل تبطل التوبة المتقدمة؟
قال ابن القيم في المدارج (١/ ٢٨٦): ومِن أحْكامِ التَّوْبَةِ أنَّهُ: هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِها أنْ لا يَعُودَ إلى الذَّنْبِ أبَدًا، أمْ لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ؟
فَشَرَطَ بَعْضُ النّاسِ عَدَمَ مُعاوَدَةِ الذَّنْبِ، وقالَ: مَتى عادَ إلَيْهِ تَبَيَّنّا أنَّ التَّوْبَةَ كانَتْ باطِلَةً غَيْرَ صَحِيحَةٍ.
والأكْثَرُونَ عَلى أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وإنَّما صِحَّةُ التَّوْبَةِ تَتَوَقَّفُ عَلى الإقْلاعِ عَنِ الذَّنْبِ، والنَّدَمِ عَلَيْهِ، والعَزْمِ الجازِمِ عَلى تَرْكِ مُعاوَدَتِهِ.
فَإنْ كانَتْ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ فَهَلْ يُشْتَرَطُ تَحَلُّلُهُ؟ فِيهِ تَفْصِيلٌ – سَنَذْكُرُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ – فَإذا عاوَدَهُ، مَعَ عَزْمِهِ حالَ التَّوْبَةِ عَلى أنْ لا يُعاوِدَهُ، صارَ كَمَنِ ابْتَدَأ المَعْصِيَةَ، ولَمْ تَبْطُلْ تَوْبَتُهُ المُتَقَدِّمَةُ.
12) مسألة: هل معاودة الذنب تحبط الحسنات؟
قال ابن القيم في المدارج (٢٩٢): قُلْتُ: وهُوَ الَّذِي كُلَّما فُتِنَ بِالذَّنْبِ تابَ مِنهُ، فَلَوْ كانَتْ مُعاوَدَتُهُ تُبْطِلُ تَوْبَتَهُ لَما كانَ مَحْبُوبًا لِلرَّبِّ، ولَكانَ ذَلِكَ أدْعى إلى مَقْتِهِ …..
ونُكْتَةُ المَسْألَةِ أنَّ التَّوْبَةَ المُتَقَدِّمَةَ حَسَنَةٌ، ومُعاوَدَةَ الذَّنْبِ سَيِّئَةٌ، فَلا تُبْطِلُ مُعاوَدَتُهُ هَذِهِ الحَسَنَةَ، كَما لا تُبْطِلُ ما قارَنَها مِنَ الحَسَناتِ.
قال ابن تيمية رحمه الله: «ولا يحبط الأعمال غير الكفر؛ لأن من مات على الإيمان فإنه لا بد أن يدخل الجنة، ويخرج من النار إن دخلها، ولو حبط عمله كله لم يدخل الجنة قط، ولأن الأعمال إنما يحبطها ما ينافيها، ولا ينافي الأعمال مطلقًا إلا الكفر، وهذا معروف من أصول السنة». «الصارم المسلول» (ص/٥٥)
وقد خالف أهل البدعة من الخوارج والمعتزلة والمرجئة، فغلا الخوارج والمعتزلة وقالوا: إن الكبائر تمحو وتبطل جميع الحسنات والطاعات، وعاكستهم المرجئة فقالوا: إن حسنة الإيمان تمحو جميع السيئات.
قلت (نورس): معاودة الذنوب قد تحبط بعض الحسنات.
قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان من صحيحه:
باب خَوْفِ المُؤْمِنِ مِن أنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وهُوَ لا يَشْعُرُ؛ وقالَ إبْراهِيمُ التَّيْمِيُّ: ما عَرَضْتُ قَوْلِي عَلى عَمَلِي إلّا خَشِيتُ أنْ أكُونَ مُكَذِّبًا، وقالَ ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ: أدْرَكْتُ ثَلاثِينَ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ كُلُّهُمْ يَخافُ النِّفاقَ عَلى نَفْسِهِ، ما مِنهُمْ أحَدٌ يَقُولُ إنَّهُ عَلى إيمانِ جِبْرِيلَ ومِيكائِيلَ، ويُذْكَرُ عَنْ الحَسَنِ ما خافَهُ إلّا مُؤْمِنٌ ولا أمِنَهُ إلّا مُنافِقٌ، وما يُحْذَرُ مِن الإصْرارِ عَلى النِّفاقِ والعِصْيانِ مِن غَيْرِ تَوْبَةٍ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعالى: (ولَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وهُمْ يَعْلَمُونَ).
وترجم الإمام مسلم – أيضا – باب مَخافَةِ المُؤْمِنِ أنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ.
قال الإمام ابن رجب رحمه الله:
وتبويب البخاري لهذا الباب يناسب أن يذكر فيه حبوط الأعمال الصالحة ببعض الذنوب، كما قال تعالى (يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أن تَحْبَطَ أعْمالُكُمْ وأنتُمْ لا تَشْعُرُونَ) الحجرات٢.
قال الإمام أحمد حدثنا الحسن بن موسى قال: ثنا حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد، عن الحسن قال: ما يرى هؤلاء أن أعمالا تحبط أعمالا، والله عز وجل يقول ﴿لا تَرْفَعُوا أصْواتَكُمْ﴾ إلى قوله ﴿أن تَحْبَطَ أعْمالُكُمْ وأنتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾.
ومما يدل على هذا – أيضا – قول الله عز وجل ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُم بِالمَنِّ والأذى﴾ الآية [البقرة ٢٦٤]، وقال ﴿أيَوَدُّ أحَدُكُمْ أن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وأعْناب﴾ الآية [البقرة ٢٦٦].
وفي صحيح البخاري «أن عمر سأل الناس عنها فقالوا: الله أعلم فقال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل، قال عمر: لأي عمل؟ قال ابن عباس: لعمل، قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة الله، ثم يبعث الله إليه الشيطان فيعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.
وقال عطاء الخراساني: هو الرجل يختم له بشرك أو عمل كبيرة فيحبط عمله كله.
وصح عن النبي ﷺ أنه قال:»من ترك صلاة العصر حبط عمله «[رواه البخاري (٥٥٣)].
وفي» الصحيح «- أيضا – أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان فقال الله:»من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، قد غفرت لفلان وأحبطت عملك «[مسلم (٢٦٢١)].
وقالت عائشة رضي الله عنها: أبلغي زيدا أنه أحبط جهاده مع رسول الله ﷺ إلا أن يتوب. [رواه الدارقطني (٣/ ٥٢) والبيهقي (٥/ ٣٣٠)].
وهذا يدل على أن بعض السيئات تحبط بعض الحسنات، ثم تعود بالتوبة منها. وخرج ابن أبي حاتم في» تفسيره ” من رواية أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: كان أصحاب رسول الله ﷺ يرون أنه لا يضر مع الإخلاص ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل صالح، فأنزل الله عز وجل ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ ولا تُبْطِلُوا أعْمالَكُم﴾ [محمد ٣٣] فخافوا الكبائر بعد أن تحبط الأعمال.
وبإسناده، عن الحسن في قوله ﴿ولا تُبْطِلُوا أعْمالَكُم﴾ قال: بالمعاصي. وعن معمر، عن الزهري في قوله تعالى ﴿ولا تُبْطِلُوا أعْمالَكُم﴾ قال الكبائر.
وبإسناده، عن قتادة في هذه الآية قال: من استطاع منكم أن لا يبطل عملا صالحا بعمل سيء فليفعل ولا قوة إلا بالله؛ فإن الخير ينسخ الشر، وإن الشر ينسخ الخير، وإن ملاك الأعمال: خواتيمها …
قال ابن رجب رحمه الله: والآثار عن السلف في حبوط الأعمال بالكبيرة كثيرة جدا يطول استقصاؤها. حتى قال حذيفة قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة. ..
وعن عطاء قال: إن الرجل ليتكلم في غضبه بكلمة يهدم بها عمل ستين سنة أو سبعين سنة. وقال الإمام أحمد في رواية الفضل بن زياد، عنه: ما يؤمن أحدكم أن ينظر النظرة فيحبط عمله.
وأما من زعم أن القول بإحباط الحسنات بالسيئات قول الخوارج والمعتزلة خاصة، فقد أبطل فيما قال ولم يقف على أقوال السلف الصالح في ذلك. نعم المعتزلة والخوارج أبطلوا بالكبيرة الإيمان وخلدوا بها في النار. وهذا هو القول الباطل الذي تفردوا به في ذلك. [شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري (٢٠٦ – ٢١٠) باختصار].
13) مسألة: هل التوبة واجبة على الفور أم على التراخي؟
قال النووي رحمه الله: «واتَّفَقُوا عَلى أنَّ التَّوْبَة مِن جَمِيع المَعاصِي واجِبَة، وأنَّها واجِبَة عَلى الفَوْر، لا يَجُوز تاخِيرها، سَواء كانَتْ المَعْصِيَة صَغِيرَة أوْ كَبِيرَة. والتَّوْبَة مِن مُهِمّات الإسْلام وقَواعِده المُتَأكِّدَة» «شرح مسلم» (١٧/ ٥٩).
14) مسألة: التوبة نوعان:
التَّوْبَة نَوْعانِ واجِبَة ومستحبة
الواجِبَة من ترك مامُور أو فعل مَحْظُور
فالواجبة هِيَ التَّوْبَة من ترك مامُور أو فعل مَحْظُور وهَذِه واجِبَة على جَمِيع المُكَلّفين كَما أمرهم الله بذلك فِي كِتابه وعَلى ألْسِنَة رسله
والمستحبة من ترك المستحبات وفعل المكروهات
والمستحبة هِيَ التَّوْبَة من ترك المستحبات وفعل المكروهات فَمن اقْتصر على التَّوْبَة الأولى كانَ من الأبْرار المُقْتَصِدِينَ ومن تابَ التوبتين كانَ من السّابِقين المقربين ومن لم ياتِ بِالأولى كانَ من الظّالِمين إمّا الكافرين وإمّا الفاسِقين قالَ الله تَعالى وكنتم أزْواجًا ثَلاثَة فأصحاب الميمنة ما أصْحاب الميمنة وأصْحاب المشأمة ما أصْحاب المشأمة والسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولَئِكَ المقربون فِي جنّات النَّعيم [سُورَة الواقِعَة ٧ – ١٢] وقالَ تَعالى فَأما إن كانَ من المقربين فَروح ورَيْحان وجنة نعيم وأما إن كانَ من أصْحاب اليَمين فسلام لَك من أصْحاب اليَمين وأما إن كانَ من المكذبين الضّالّين فَنزل من حميم وتصلية جحيم [سُورَة الواقِعَة ٨٨ – ٩٤] وقالَ تَعالى فَمنهمْ ظالِم لنَفسِهِ ومِنهُم مقتصد ومِنهُم سابق بالخيرات بِإذن الله [سُورَة فاطر ٣٢]. أنظر «جامع الرسائل لابن تيمية» (١/ ٢٢٧).
15) مسألة: التَّوْبَة من ترك الحَسَنات أهم من التَّوْبَة من فعل السَّيِّئات
والتَّوْبَة رُجُوع عَمّا تابَ مِنهُ إلى ما تابَ إلَيْهِ فالتوبة المَشْرُوعَة هِيَ الرُّجُوع إلى الله وإلى فعل ما أمر بِهِ وترك ما نهى عَنهُ ولَيْسَت التَّوْبَة من فعل السَّيِّئات فَقَط كَما يظنّ كثير من الجُهّال لا يتصورون التَّوْبَة إلّا عَمّا يَفْعَله العَبْد من القبائح كالفواحش والمظالم بل التَّوْبَة من ترك الحَسَنات المامُور بها أهم من التَّوْبَة من فعل السَّيِّئات المنْهِي عَنْها فَأكْثر الخلق يتركون كثيرا مِمّا أمرهم الله بِهِ من أقْوال القُلُوب وأعمالها وأقوال البدن وأعماله وقد لا يعلمُونَ أن ذَلِك مِمّا أمروا بِهِ أو يعلمُونَ الحق ولا يتبعونه فيكونون إمّا ضالِّينَ بِعَدَمِ العلم النافع وإمّا مغضوبا عَلَيْهِم بمعاندة الحق بعد مَعْرفَته
وقد أمر الله عباده المُؤمنِينَ أن يَدعُوهُ فِي كل صَلاة بقوله اهدنا الصِّراط المُسْتَقيم صِراط الَّذين أنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم ولا الضّالّين ولِهَذا نزه الله نبيه عَن هذَيْن فَقالَ تَعالى والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكُم وما غوى وما ينْطق عَن الهوى إن هُوَ إلّا وحي يُوحى [سُورَة النَّجْم ١ – ٤] فالضال الَّذِي لا يعلم الحق بل يظنّ أنه على الحق وهُوَ جاهِل بِهِ كَما عَلَيْهِ النَّصارى قالَ تَعالى ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضَلُّوا عَن سَواء السَّبِيل [سُورَة المائِدَة ٧٧]
والغاوي الَّذِي يتبع هَواهُ وشهواته مَعَ علمه بِأن ذَلِك خلاف الحق كَما عَلَيْهِ اليَهُود قالَ تَعالى سأصرف عَن آياتي الَّذين يتكبرون فِي الأرْض بِغَيْر الحق وإن يرَوا كل آيَة لا يُؤمنُوا بها وإن يرَوا سَبِيل الرشد لا يتخذوه سَبِيلا وإن يرَوا سَبِيل الغي يتخذوه سَبِيلا ذَلِك بِأنَّهُم كذبُوا بِآياتِنا وكانُوا عَنْها غافلين [سُورَة الأعْراف ١٤٦] وقالَ تَعالى واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آياتنا فانسلخ مِنها فَأتبعهُ الشَّيْطان فَكانَ من الغاوين ولَو شِئْنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرْض واتبع هَواهُ فَمثله كَمثل الكَلْب إن تحمل عَلَيْهِ يَلْهَث أو تتركه يَلْهَث الآيَة [سُورَة الأعْراف ١٧٥ – ١٧٦]. جامع الرسائل لابن تيمية (١/ ٢٢٨ – ٢٢٩).
16) مسألة: استحباب الصدقة عند التوبة
أخرج البخاري ومسلم، في قصَّة كعب رضي الله عنه قوله: (قلت: يا رسول الله! إنَّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله: أمسك عليك بعض مالك، فهو خيرٌ لك).
قال ابن القيم في الزَّاد:
(وقول كعب يا رسول الله! إنَّ من توبتي أن أنخلع من مالي، دليلٌ على استحباب الصَّدقة عند التَّوبة بما قدر عليه من المال)”. انتهى نقل مسائل التوبة من [٢٤٦ عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند].
(المسألة الثالثة): الفرق بين التوبة والاستغفار
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في جوابه لسؤال: “ما الفرق بين التوبة والاستغفار؟ “،
فأجاب رحمه الله:
“التوبة: الندم على الماضي، والإقلاع منه، والعزيمة أن لا يعود فيه، هذه يقال لها: توبة.
أما الاستغفار: فقد يكون توبة، وقد يكون مجرد كلام،
يقول: اللهم اغفر لي، أستغفر الله، لا يكون توبة، إلا إذا كان معه ندم وإقلاع عن المعصية، وعزم أن لا يعود فيها، فهذا يسمى توبة، ويسمى استغفارًا.
فالاستغفار النافع المثمر هو الذي يكون معه الندم، والإقلاع من المعصية، والعزم الصادق أن لا يعود فيها، هذا يسمى استغفار، ويسمى توبة، وهو المراد في قوله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135-136].
فالمقصود: أنه نادم غير مصر، يعني: يتكلم يقول: اللهم اغفر لي، أستغفر الله، وهو مع هذا نادم على السيئة، يعلم الله من قلبه ذلك، غير مصر عليها، بل عازم على تركها، فهذا إذا قال: أستغفر الله، أو اللهم اغفر لي، وهو قصده التوبة والندم والإقلاع والحذر من العود إليها؛ فهذا توبة صحيحة، نعم.”. [الفرق بين التوبة والاستغفار، نور على الدرب للإمام ابن باز رحمه الله].
“فقولنا: “نستغفره”: أي: نطلب منه جلَّ وعلا مغفرة الذنوب بسترها وعدم إظهارها، والستر يكون بأمور:
الأول: إزالتها؛ بعفو اله جلَّ وعلا وتجاوزه.
والثاني: بعدم وجود آثارها؛ لأنَّ المعصية لها آثار على العباد في تصوراتهم، وفي أرزاقهم، وفي أخلاقهم، وفي سائر أمورهم.
وقولنا: “ونتوب إليه”: أي: نرجع إليه جلَّ وعلا، وتكون على الطريقة الأولى.
وبهذا نعرف الفرق بين المغفرة والتوبة، فإنَّ المغفرة: سترٌ للذنب، وإبعادٌ لآثاره عن العبد.
بينما التوبة: رجوع إلى الله، ورجوع إلى الطريقة الأولى التي يبتعد فيها الإنسان عن معصية الله جلَّ وعلا”. [شرح أصول التفسير، ص(14)].