270 جامع الأجوبة الفقهية ص 312
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام
112 – وللأربعة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ينام وهو جنب، من غير أن يمس ماء. وهو معلول.
———-
مسألة: حكم الوضوء للجنب إذا أراد النوم
اختلف أهل العلم في حكم الوضوء بالنسبة للجنب قبل النوم، على قولين:
الأول: أنه مستحب وهذا قول جمهور أهل العلم. وقد اختلفت عباراتهم في هذا، فالحنفية قالوا الوضوء قبل أن ينام أفضل، والمالكية قالوا يندب والشافعية والمشهور عند الحنابلة أنه يكره أن ينام بدون وضوء.
القول الثاني: يجب عليه الوضوء إذا أراد أن ينام، اختاره ابن حبيب من المالكية، وهو مذهب الظاهرية.
– أدلة الجمهور على القول بالاستحباب وعدم الوجوب:
الدليل الأول:
عن عائشة قالت كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ينام، وهو جنب، ولا يمس ماء. رواه أحمد المسند (6/ 146)
قال ابن رجب في فتح الباري (1/ 323): «وهذا الحديث مما اتفق أئمة الحديث من السلف على إنكاره على أبي إسحاق، منهم: إسماعيل بن أبي خالد، وشعبة، ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومسلم بن حجاج، وأبو بكر الأثرم، والجوزجاني، والترمذي، والدارقطني، وحكى ابن عبد البر عن سفيان الثوري، أنه قال: هو خطأ».
الدليل الثاني:
عن عمر، أنه سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، أينام أحدنا، وهو جنب؟ قال: ينام، ويتوضأ إن شاء صحيح ابن خزيمة (211)
الدليل الثالث:
قال مسلم رحمه الله: حدثني محمد بن عمرو ابن عباد بن جبلة حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: حدثنا سعيد ابن حويرث، أنه سمع ابن عباس يقول: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قضى حاجته من الخلاء، فقرب إليه طعام فأكل ولم يمس ماء.
قال: وزادني عمرو بن دينار، عن سعيد بن الحويرث، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قيل له: إنك لم توضأ، قال: ما أردت صلاة فأتوضأ. وزعم عمرو أنه سمع من سعيد بن الحويرث. صحيح مسلم (374)
ورواه عبد بن حميد كما في المنتخب، قال: أخبرنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن الحويرث، عن ابن عباس. وفيه: «إنما أمرتم بالوضوء للصلاة».
وسنده صحيح، وفيه التعبير بالحصر بـ (إنما).
وجه الاستدلال:
فقوله – صلى الله عليه وسلم -: «ما أردت صلاة فأتوضأ» وقوله: «إنما أمرتم بالوضوء للصلاة» منطوقه: أن الوضوء لا يجب إلا للصلاة، ومفهومه: أنه لا يجب الوضوء لغير الصلاة، ومنه الوضوء عند النوم للجنب.
– دليل القائلين بوجوب الوضوء إذا أراد الجنب أن ينام:
الدليل الأول:
عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد، وهو جنب، ورواه مسلم. متفق عليه، البخاري (287)، ومسلم (306)
وجه الدلالة:
فأذن بالنوم بشرط الوضوء، وهذا دليل على وجوبه.
الدليل الثاني:
قالوا: صح من فعله – صلى الله عليه وسلم -، أنه إذا أراد أن ينام توضأ، وهذا وإن كان فعلاً إلا أنه مؤيد لحديث عمر بن الخطاب، في عدم النوم إلا بشرط الوضوء، ولم ينقل ترك النبي – صلى الله عليه وسلم – من حديث صحيح حتى يقال: يجوز تركه.
فقد روى البخاري عن عائشة قالت كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا أراد أن ينام، وهو جنب، غسل فرجه، وتوضأ للصلاة. متفق عليه البخاري (288)، ومسلم (305)
فقوله: «كان» دليل على الاستمرار من حاله – صلى الله عليه وسلم -.
– قال في المبسوط (1/ 73)، ولا بأس للجنب أن ينام, أو يعاود أهله قبل أن يتوضأ؛ لحديث الأسود عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يصيب من أهله, ثم ينام من غير أن يمس ماء، فإذا انتبه ربما عاود, وربما قام فاغتسل”، ثم قال: “وإن توضأ قبل أن ينام فهو أفضل؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أصاب من أهله، فتوضأ, ثم نام, وهذا لأن الاغتسال والوضوء محتاج إليه للصلاة لا للنوم والمعاودة، إلا أنه إذا توضأ ازداد نظافة فكان أفضل”. اهـ
– وفي الفتاوى الهندية أن الوضوء حسن، قالوا (1/ 16): ” ولا بأس للجنب أن ينام ويعاود أهله قبل أن يتوضأ، وإن توضأ فحسن ” فهذه العبارة لا يؤخذ منها سنية الوضوء للجنب، كما لا يؤخذ منها استحباب الوضوء له، وإنما يدل على أن الوضوء من الفضائل فحسب. وانظر بدائع الصنائع (1/ 38).
بينما الزيلعي في تبيين الحقائق (1/ 3) اعتبر الوضوء للجنب عند إرادة النوم سنة.
وفي شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 125) بعد أن ساق حديث أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان ينام وهو جنب، ولا يمس ماء.
قال الطحاوي: فذهب قوم إلى هذا، وممن ذهب إليه أبو يوسف، فقالوا: لا نرى بأساً أن ينام الجنب من غير أن يتوضأ؛ لأن التوضئ لا يخرجه من حال الجنابة إلى حال الطهارة، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ينبغي له أن يتوضأ للصلاة قبل أن ينام “.
– وجاء في شرح الزرقاني (1/ 143): ” ذهب الجمهور إلى أنها للاستحباب – يعني وضوء الجنب للنوم – وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه، وهو شذوذ “.
– وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (2/ 142): ظاهر مذهب مالك أنه ليس بواجب، وإنما هو مرغب فيه “.
– قال الدسوقي في حاشيته (1/ 138): ” لا خلاف في أن الجنب مأمور بالوضوء قبل النوم، وهل الأمر بذلك واجب أو ندب؟ في المذهب قولان “.
– وعبارة المدونة (1/ 30): ” قال مالك: لا ينام الجنب حتى يتوضأ، ولا بأس أن يعاود أهله قبل أن يتوضأ، قال: ولا بأس أن يأكل قبل أن يتوضأ، قال: وأما الحائض فلا بأس أن تنام قبل أن تتوضأ، وليس الحائض في هذا بمنزلة الجنب. اهـ
– وقال النووي في المجموع (2/ 178): ” ويكره للجنب أن ينام حتى يتوضأ “.
وفي إعانة الطالبين (1/ 79): ويحصل أصل السنة بغسل الفرج إن أراد نحو جماع أو نوم أو أكل أو شرب، وإلا كره. اهـ
– قال في مطالب أولي النهى (1/ 185 – 186): ” وكره تركه أي الوضوء لجنب لنوم فقط، أي دون الأكل والشرب “. اهـ وانظر كشاف القناع (1/ 158).
– قال ابن عبد البر في التمهيد (17/ 44): وأما من أوجبه من أهل الظاهر، فلا معنى للاشتغال بقوله لشذوذه؛ ولأن الفرائض لا تثبت إلا بيقين”. اهـ
– سؤال الشيخ ابن عثيمين في لقاء الباب المفتوح (128/ 26):
السائل: ونوم الجُنُب بغير وضوء!
الشيخ: نوم الجنب بدون وضوء، يرى بعض العلماء أنه حرام؛ لأن الرسول قال: (إذا توضأ فليرقد)، والمشهور من المذهب عندنا أنه مكروه، وهذا هو الأقرب؛ لكن أحياناً يكون -مثلاً- في أيام الشتاء والبرد شديد، ويشق عليه أن يغتسل ثم يرجع فينام، أو يتوضأ ثم يرجع فينام، فالذي أرى أنه إن شاء الله ليس فيه بأس.
السائل: لكن الوضوء لا يكلفه شيئاً.
الشيخ: لا تدري، ربما يكلفه وربما إذا صار الإنسان في برد، وليس عنده إلا ماء بارد فقد يكلفه. انتهى
والله أعلم …
* نقولات فيمن ضعف الحديث من العلماء:
قال ابن حجر (اجمع المحدثون على أنه خطأ من أبي اسحاق)
(التلخيص الحبير) 1 – 378
قال ابن القيم (وهو غلط عند أئمة الحديث)
زاد المعاد 1 – 138
ونقل ابوحاتم في العلل 115 عن شعبة انه سمع الحديث من أبي إسحاق قال شعبة لكني اتقيه.
قال مسلم: هذه الرواية من مسلم خاطئة وذلك أن النخعي وعبدالرحمن بن الأسود جاءا بخلاف ما روى أبو إسحاق
قال ابن مفوز: أجمع المحدثون انه خطأ من أبي اسحاق
قال الأثرم لو لم يخالف أبا إسحاق إلا إبراهيم وحده لكفى.
وحديث إبراهيم عن الأسود عن عائشة أخرجه مسلم
قال الترمذي في سننه بعد أورد رواية أبي إسحاق برقم 119،118:
وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يتوضأ قبل أن ينام. وهذا أصح من حديث أبي إسحاق عن الأسود. وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق.
وعلل محققو المسند هذه اللفظة وقالوا: تعمد مسلم حذف هذه اللفظة. وتوضح رواية عبدالرحمن بن الأسود انه لعل المقصود بقوله لم يمس ماءا يعني ماء غسل
ولفظها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجنب من الليل ثم يتوضأ وضوءه للصلاة حتى يصبح ولا يمس ماء. أخرجها أحمد
ويؤيده رواية هشيم عن عطاء عن عائشة وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب. قال: نعم ويتوضأ إن شاء. تحقيق المسند 41/ 235
قال الإمام أحمد: أنه ليس بصحيح … . (التلخيص)
بينما نقل المباركفوري عن البيهقي تصحيحه وحمله على أن المقصود لا يمس ماء غسل. فلا تعارض
فنقل البيهقي عن بن سريج أنه سأل عن الحديثين؟ فقال الحكم بهما جميعا، أما حديث عائشة فإنما أرادت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان لا يمس ماء الغسل، وأما حديث عمر فمفسر ذكر فيه الوضوء، وبه نأخذ. اهـ السنن الكبرى ج 1 ص 202.
وجمع ابن التركماني في الجوهـر النقي جمعا آخر، وهـو أن يحمل الأمر بالوضوء على الاستحباب، وفعله على بيان الجواز، فلا تعارض، قال: ويؤيد ذلك ما في صحيح ابن حبان عن عمر أنه سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أينام أحدنا وهـو جنب؟ فقال: نعم، ويتوضأ إن شاء. اهـ قال الحافظ: وقال الدراقطني في العلل: يشبه أن يكون الخبران صحيحين، قاله بعض أهـل العلم. اهـ تلخيص ج 1 ص 141.
بوب الترمذي فقال: “في الجنب ينام قبل أن يغتسل”
فكأنه خص الحديث بالغسل من باب الجمع بينه وبين حديث استحباب الوضوء