2688 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(7)– بابُ: كَراهَةِ الدُّعاءِ بِتَعْجِيلِ العُقُوبَةِ فِي الدُّنْيا
(23 ) – ((2688)) حَدَّثَنا أبُو الخَطّابِ زِيادُ بْنُ يَحْيى الحَسّانِيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أنَسٍ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ، عادَ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصارَ مِثْلَ الفَرْخِ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ : «هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أوْ تَسْألُهُ إيّاهُ؟» قالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أقُولُ: اللهُمَّ ما كُنْتَ مُعاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ : «سُبْحانَ اللهِ لا تُطِيقُهُ – أوْ لا تَسْتَطِيعُهُ – أفَلا قُلْتَ: اللهُمَّ آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وقِنا عَذابَ النّارِ» قالَ: فَدَعا اللهَ لَهُ، فَشَفاهُ.
(23) – حَدَّثَناهُ عاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنا خالِدُ بْنُ الحارِثِ، حَدَّثَنا حُمَيْدٌ، بِهَذا الإسْنادِ، إلى قَوْلِهِ: «وقِنا عَذابَ النّارِ» ولَمْ يَذْكُرِ الزِّيادَةَ.
(24) – ((2688)) وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا عَفّانُ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أخْبَرَنا ثابِتٌ، عَنْ أنَسٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ دَخَلَ عَلى رَجُلٍ مِن أصْحابِهِ يَعُودُهُ، وقَدْ صارَ كالفَرْخِ. بِمَعْنى حَدِيثِ حُمَيْدٍ، غَيْرَ أنَّهُ قالَ: «لا طاقَةَ لَكَ بِعَذابِ اللهِ» ولَمْ يَذْكُرْ: فَدَعا اللهَ لَهُ، فَشَفاهُ،
(24) – حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، وابْنُ بَشّارٍ، قالا: حَدَّثَنا سالِمُ بْنُ نُوحٍ العَطّارُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ، بِهَذا الحَدِيثِ.
==========
التمهيد:
“إذا عجز الإنسان عن العمل بسبب المرض وقرب الأجل ينبغي أن يغلب الرجاء
هذا ما أوصى به النبي رجلا … هل تعرف مقدار العقوبة الدنيوية، إنها لو وقعت وجوزيت بقدر جرمك ما استطعت، وقد أصبحت لا تطيق القليل، فاسأل الله العفو والعافية” [].
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
((7)) – (بابُ: كَراهَيةِ الدُّعاءِ بِتَعْجِيلِ العُقُوبَةِ فِي الدُّنْيا)
قال الإمام مسلم رحمه الله:
قال:
[(6811)] ((2688)) شرح الحديث:
(قَدْ خَفَتَ) بفتح الفاء، من باب نصر؛ أي: ضَعُف، من خَفُت الصوت: إذا ضَعُف، وسكن. وفي الترمذيّ: «قد جُهِد»، وهو بصيغة المجهول، قال في «القاموس»: جَهَد المرضُ فلانًا: هَزَله. [«مرعاة المفاتيح» (8) / (612)].
(فَصارَ مِثْلَ الفَرْخِ) بفتح الفاء، وسكون الراء: ولَدُ الطير عند خروجه من البيضة؛ يعني: أن المرض أضعفه حتى صار ضعيفًا مثل الفرخ؛ لِضَعفه، وكثرة نحافته، وفي «الأدب المفرد»: «دخل على رجل قد جُهِد من» شرح السُّنَّة «: عاد رجلًا قد صار مثل الفرخ المنتوف» [«مرعاة المفاتيح» (8) / (612)].
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: «قد خَفَت حتى صار مثل الفرخ»؛ أي: ضَعُف، ونَحِلَ جسمه، وخفي كلامه، وتشبيهه له بالفرخ يدلّ على أنه تناثر أكثر شعره، ويَحْتَمِل أن يكون شبَّهه به؛ لِضَعفه، والأول أوقع في التشبيه، ومعلومٌ أن مثل هذا المرض لا يبقى معه شعر، ولا قُوّة. [«المفهم» (7) / (31)].
(فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ : (هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ)، وقوله: (أوْ) الظاهر
أنها للشكّ من الراوي، هل قال: «هل كنت تدعو بشيء»، أو قال: (تَسْألُهُ
إيّاهُ؟)؛ أي: الشيء.
وقال القاري: «أو تسأله إياه» قيل: شكّ من الراوي، وقال الطيبيّ: الظاهر أن «أو» ليس شكَّ الراوي، بل من قوله ، سأله أولًا: هل دعوت الله بشيء من الأدعية التي تسأل فيها مكروهًا؟، أو هل سألت الله البلاء الذي أنت فيه؟. انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» (6) / (1935)].
وجعل ابن حجر «أو» للتنويع، وجعل الدعاء مختصًّا بالتلويح، والسؤال بالتصريح، وهو وجه وجيه. انتهى [«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (8) / (432)].
قال الأتيوبي عفا الله عنه: عندي أن كونها للشكّ أقرب، وأنسب لظاهر السياق، فتأمله بالإمعان، والله تعالى وليّ التوفيق.
(مُعاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيا)؛ لأن عذاب الآخرة أشدّ وأبقى، (فَقالَ رَسُولُ اللهِ : سُبْحانَ اللهِ) تنزيه لله تعالى عن الظلم، وعن العجز، أو تعجُّبٌ من الداعي في هذا المطلب، وهو أقرب. (لا تُطِيقُهُ -أوْ لا تَسْتَطِيعُهُ) هكذا نُسخ «صحيح مسلم» بـ «أو» وهي للشكّ من الراوي، ووقع في «المشكاة»: «ولا تستطيعه» بالواو، وعليها جرى الشرّاح، فقال القاري: «لا تطيقه»؛ أي: في الدنيا، «ولا تستطيعه» في العقبى، أو كُرِّر للتأكيد. انتهى.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: (اللَّهُمَّ آتِنا)؛ أي: أعطنا (فِي الدُّنْيا حَسَنَةً)؛ أي:
عافية من البلاء والأمراض، (وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً)؛ أي: معافاة من العذاب والعقاب، (وقِنا عَذابَ النّارِ «)، وكان هذا الدعاء أكثر ما كان النبيّ يدعو به، كما سيأتي من حديث أنس – رضي الله عنه -، وذلك لأنّه من الدعوات الجوامع التي تتضمّن خير الدنيا والآخرة، وذلك أن «حسنة» نكرة في سياق الطلب، فكانت عامّة، وقيل العلم والعبادة وقيل: المرأة الصالحة، والحور العين، والصحيح: الحَمْل على العموم، قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-[» المفهم” (7) / (30) – (31)].
يقول السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: “الحسنات المطلوبة في الدنيا، يدخل فيها كل ما يَحسُن وقوعه عند العبد؛ من رزق هنيءٍ واسع حلا لٍ، وزوجة صالحة، وولدٍ تقَرُّ به العين، وراحة، وعلمٍ نافع، وعمل صالح، ونحو ذلك من المطالب المحبوبة والمباحة.
وحسنة الآ خرة هي: السلا مة من العقوبات في القبر والموقف والنار، وحصول رضا الله، والفوز بالنعيم المُقيم، والقرب من الرب الرحيم.
فصار هذا الدعاء أجمعَ دعاءٍ، وأَولا ه بالإ يثار؛ ولهذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يُكثر من الدعاء به، ويحث عليه”. انتهى.
(قالَ) أنس – رضي الله عنه -: (فَدَعا) النبيّ (اللهَ) -سُبْحانَهُ وتَعالى- (لَهُ)؛ أي: لذلك الرجل حتى يشفيه، (فَـ) استجاب الله دعاء حبيبه ، (شَفاهُ)؛ أي: أبرأه من ذلك المرض،
وهذا الذي شرحت به من أن الضمير في «فدعا» للنبيّ هو ظاهر السياق؛ لقوله: «فدعا له» باللام، ووقع في «المشكاة» بلفظ: «فدعا به»، وعليه
جرى الشرّاح، فقالوا: «فدعا الله به»؛ أي: دعا الرجل بهذا الدعاء الجامع …
إلخ، ويؤيّد هذا ما سيأتي من رواية النسائيّ بلفظ: «فقالها الرجل، فعُوفي» [«السنن الكبرى» (6) / (261)]،
فإنه صريح في كون الرجل هو الداعي لنفسه بهذا الدعاء. ويَحْتَمل حَمْل رواية مسلم هذه عليها، فيكون معنى قوله: «فدعا له»؛ أي: دعا الرجل لنفسه، أو يُحمل بأنه دعا لنفسه، ودعا له النبيّ أيضًا، والله تعالى أعلم.
قلت سيف تنبيه:
وقع في مستخرج أبي عوانه:
(11819) – حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا أبو موسى، ومحمد بن بشار، قالا: حدثنا سالم بن نوح، قال سعيد بن أبي عروبة: أخبرنا قتادة، عن أنس: أن النبي – – دخل على رجل يعوده، فإذا هو كأنه هامة، فقال له: «هل سألت ربك من شيء»؟ قال: نعم، قال: قلت: اللهم ما كنت معاقبي في الآخرة فعجله لي في الدنيا، قال: فقال: «سبحان الله! ألا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، [وقنا عذاب النار]»، فقالها الرجل فعوفي.
قال المحقق فائدة الاستخراج: بين المصنف هنا لفظ مسلم، حيث إن مسلمًا في كتابه الصحيح لم يسق لفظ الحديث. انتهى
لكن ربما مسلم حذف لفظه عامدا أشارة إلى تعليل هذه اللفظة.
وأخرجه البزار (7089) وقال:
وهَذا الحَدِيثُ لا نَعْلَمُ رَواهُ، عَنْ سَعِيدٍ، إلاَّ سالِمُ بْنُ نُوحٍ ورَواهُ غَيْرُ قَتادَةَ فَأمّا، عَن قَتادة فَلَمْ يَرْوِهِ إلاَّ سالِمٌ، عَنْ سَعِيد، عَن قتادة.
وقال المقدسي في ذخيرة الحفاظ بعد أن ذكر الحديث: رَواهُ سالم بن نوح: عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتادَة، عَن أنس.
وسالم ضَعِيف. وأوردهُ فِي تَرْجَمَة يحيى بن أيُّوب، عَن حميد، عَن أنس. ولم يذكر عَلَيْهِ كلاما. انتهى
وراجع الكامل لابن عدي ترجمة سالم بن نوح
ووردت هذه اللفظة عند أبي يعلى في مسنده؛
قال:
حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا سليمان ا عمش، عن أنس بن مالك قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل يعوده، … وفيه فقالها فعوفي
وهذه الطريق ذكرها ابن عدي في ترجمة يونس بن بكير. انتهى المقصود
وحديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – هذا من أفراد المصنّف – رضي الله عنه -.
فوائد وفقه الحديث:
(1) – (منها): مشروعيّة عيادة المريض، ولو كان العائد أميرًا، أو نحوه.
(2) – (ومنها): استحباب سؤال المريض سبب مرضه؛ ليبحث له عن الأدوية المناسبة له.
(3) – (ومنها): جواز التسبيح عند التعجب.
(4) – (ومنها): كراهية تمنّي البلاء، وإن كان على الوجه الذي فعله هذا الرجل؛ لأنه لا يطيقه، فيحمله على الضَّجَر والتشكيّ من ربه.
(5) – (ومنها): استحباب الدعاء بهذا الدعاء الجامع لخيرات الدنيا والآخرة، وكان أكثر دعاء النبيّ ، كما تقدّم.
(6) – (ومنها): أنه ينبغي للعبد أن يسأل الله -عَزَّ وجَلَّ- العفو والعافية والمعافاة
في الدنيا والآخرة، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
7 – (ومنها): “دل هذا الحديث على أنه لا حرج على الإنسان أن يدعو بالحسنة في الدنيا، وإنما الممنوع أن يؤثر الدنيا على الآخرة، وأما أن يطلب الخير في الدنيا والآخرة فلا بأس، والدنيا إذا كانت بيد الإنسان لا تضره، إنما تضره إذا كانت في قلبه، فإنه تشغله عن الدار الآخرة، أما إذا كانت بيده لا بقلبه فإنها خير، بل قد تكون عونا له على طاعة الله عز وجل.
[مسألة]: الدعاء بكثرة المال هل يُشرع؟
يُشرع، لكن ينبغي أن يقيد بأن لا يكون فتنة، لإن الإنسان قد يطغى، (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)، والنبي صلى الله عليه وسلم قال (اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه) لكن هذا دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم لأنس، وإذا دعوت لأحد بطول العمر فالأحسن أن تقيده على طاعة الله، لأن طول العمر على غير طاعة الله نقمة، ولهذا سليمان عليه الصلاة والسلام قال (رب اغفر لي وهب ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي)، فاستجاب الله له، ووهب له الريح والطير والجن، ملكا لم يحصل لأحد بعد سليمان، ولن يحصل إلى قيام الساعة.
8 – (ومنها): ينبغي للمسلم أن يكثر من سؤال الله الجنة والاستعاذة بالله من النار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وفي الآخرة حسنة)) يعني الجنة، و ((قنا عذاب النار)) وقد جاء في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استعاذ بالله من النار ثلاث مرات قالت النار: اللهم أعذه من النار)). وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد بسند صحيح، وهو في الصحيح المسند (123)
فينبغي للمسلم ألا يمر عليه يوم إلا وقد سأل الله الجنة واستعاذ به من النار؛ لأن هذا الدعاء أعظم الأدعية فُزتَ الفوز العظيم، وسعدت السعادة الأبدية، فينبغي ألا يمر عليك يوم إلا سألت الله الجنة واستعذت بالله من النار”.
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى):
مشروعية الدعاء برفع البلاء الضرر، والصبر بعد وقوعه:
قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غافر/60.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} الزمر/10.
وقال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} الأنبياء/87، 88.
قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} الأنبياء/38، 84.
وروى مسلم (2189) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ، يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ. قَالَتْ: حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ ….. إلخ الحديث).
قال الحافظ النووي رحمه الله: “قَوْله: (حَتَّى إِذَا كَانَ ذَات يَوْم أَوْ ذَات لَيْلَة دَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَا , ثُمَّ دَعَا) هَذَا دَلِيل لِاسْتِحْبَابِ الدُّعَاء عِنْد حُصُول الْأُمُور الْمَكْرُوهَات , وَتَكْرِيره , وَحُسْن الِالْتِجَاء إِلَى اللَّه تَعَالَى”. انتهى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله عنهم: ((لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ)) [رواه البخاري (7237)، ومسلم (1742)].
وجاء عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ يشكو ألما يجده في بدنه، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: “بِاسْمِ اللَّهِ” ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: “أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ”)) [رواه مسلم (2202)].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا عاد مريضًا: ((اللَّهُمَّ أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ، فَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) [صححه الألباني في صحيح الترمذي (3565)].
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ضي الله عنه، قَالَ: ” سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ، فَقَالَ: ((سَأَلْتَ اللَّهَ الْبَلَاءَ فَسَلْهُ الْعَافِيَةَ)). رواه الترمذي (3527)، ضعيف، ذكره الألباني في “الضعيفة” (4520) وقال: ” هذا إسناد فيه ضعف؛ أبو الورد: هو ابن ثمامة بن حزن القشيري؛ لم يوثقه أحد، وقال الحافظ: “مقبول” يعني: عند المتابعة ” انتهى.
قال القاري رحمه الله: “محل هذا إنما هو قبل وقوع البلاء، وأما بعده فلا مانع من سؤال الصبر بل يستحب؛ لقوله تعالى: {ربنا أفرغ علينا صبرا} “. انتهى [مرقاة المفاتيح” (8/ 324)].
يقصد الدعاء بالصبر ورفع البلاء
(المسألة الثانية): عُقُوبَةَ الذُّنُوبِ تَزُولُ عَنْ الْعَبْدِ بِنَحْوِ عَشَرَةِ أَسْبَابٍ
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
” قد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب:
أحدها-الأول-:
التوبة، وهذا متفق عليه بين المسلمين. قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}،وقال تعالى: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وان الله هو التواب الرحيم}، وقال تعالى: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}، وأمثال ذلك.
السبب الثاني:
الاستغفار كما في الصحيحين عن النبي أنه قال:» إذا أذنب عبدٌ ذنبًا فقال أي رب أذنبت ذنبًا فاغفر لي، فقال: علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي .. «.الحديث رواه البخاري ((6953)) ومسلم ((4953)).
وفي صحيح مسلم عن النبي أنه قال:» لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون ثم يستغفرون فيُغفَرُ لهم «(التوبة/ (4936)).
السبب الثالث:
الحسنات الماحية، كما قال تعالى: {أقم الصلاة طرفي النهار وزُلَفَا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات}، وقال :» الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما
بينهن إذا اجتنبت الكبائر «رواه مسلم ((344)) وقال:» من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَله ما تقدم من ذنبه «رواه البخاري ((37)) ومسلم ((1268))، وقال:» من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِرَله ما تقدم من ذنبه «رواه البخاري ((1768))، وقال:» من حجَّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه «رواه البخاري ((1690))، وقال:» فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «رواه البخاري ((494)) ومسلم ((5150))، وقال:» من أعتق رقبةً مؤمنةً أعتق الله بكل عضوٍ منها عضوًا منه من النار، حتى فرجه بفرجه «رواه مسلم ((2777)). وهذه الأحاديث وأمثالها في الصحاح، وقال:» الصدقةُ تُطْفِئُ الخطيئة كما يُطْفِئُ الماءُ النارَ، والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النارُ الحطبَ. «
والسبب الرابع:
الدافع للعقاب: دعاءُ المؤمنين للمؤمن، مثل صلاتهم على جنازته، فعن عائشة، وأنس بن مالك عن النبي أنه قال:» ما من ميت يصلى عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون إلا شُفِعُوا فيه «رواه مسلم ((1576))، وعن ابن عباس قال:» سمعت رسول الله يقول: «ما من رجلٍ مسلمٍ يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا، إلا شفعهم الله فيه» رواه مسلم ((1577)). وهذا دعاء له بعد الموت.
السبب الخامس:
«ما يعمل للميت من أعمال البر، كالصدقةِ ونحوها، فإن هذا ينتفع به بنصوص السنة الصحيحة الصريحة، واتفاق الأئمة، وكذلك العتق والحج، بل قد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال:» من مات وعليه صيام صام عنه وليه. «رواه البخاري ((5210)) ومسلم ((4670)).
السبب السادس:
شفاعة النبي وغيره في أهل الذنوب يوم القيامة، كما قد تواترت عنه أحاديث الشفاعة، مثل قوله في الحديث الصحيح:» شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي «صححه الألباني في صحيح أبي داوود ((3965))، وقوله :» خيرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة … «انظر صحيح الجامع ((3335)).
السبب السابع:
المصائب التي يُكَفِرُ الله بها الخطايا في الدنيا، كما في الصحيحين عنه ، أنه قال:» ما يُصيب المؤمن من وصبٍ ولا نصب ولا همٍ ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه «رواه البخاري ((5210)) ومسلم ((4670)).
السبب الثامن:
ما يحصل في القبر من الفتنة، والضغطة، والروعة (أي التخويف)، فإن هذا مما يُكَفَرُ به الخطايا.
السبب التاسع:
أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها.
السبب العاشر:
رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد.»
[مجموع الفتاوى، لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (7/ 487 – 500)]. [كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية].
(المسألة الثالثة): حقيقة التوبة التي تجب ما قبلها من الذنوب والمعاصي
قال تعالى: {قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} الزمر/53.
وعن أبي سعيد الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا …. “. [رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب التوبة (2766)].
وهذا جواب للإمام ابن باز رحمه الله، عن:
سؤال: لشخص قال أنه ارتكب كثيراً من المعاصي
الجواب: اعلم أن رحمة الله أوسع، وأن إحسانه عظيم، وأنه جل وعلا هو الجواد الكريم، وهو أرحم الراحمين، وهو خير الغافرين. واعلم أيضاً أن الإقدام على المعاصي شرٌ عظيم، وفسادٌ كبير، وسببٌ لغضب الله، ولكن متى تاب العبد إلى ربه توبة صادقة تاب الله عليه، فقد سأل النبي مرات كثيرة عن الرجل يأتي كذا ويأتي كذا ويأتي كذا من الهنات والمعاصي الكثيرة، ومن أنواع الكفر ثم يتوب، فيقول الرسول له: التوبة تهدم ما كان قبلها، والإسلام يهدم ما كان قبله. وفي اللفظ الآخر: الإسلام يجب ما كان قبله، والتوبة تجب ما كان قبلها. يعني تمحوها وتقضي عليها. فعليك أن تعلم يقيناً أن التوبة الصادقة النصوح يمحُ الله بها الخطايا والسيئات حتى الكفر، ولهذا يقول : وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [سورة النور: 31]. فعلق الفلاح بالتوبة. وقال عزوجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [سورة التحريم: 8]. وعسى من الله واجبة. المعنى أن التائب التوبة النصوح تغفر له سيئاته ويدخله الله الجنة فضلاً منه وإحساناً ، فعليك يا أخي بالتوبة الصادقة ولزومها والثبات عليها، والإخلاص لله في ذلك، وأبشر بأنها تمحوا ذنوبك ولو كانت كالجبال، وشروط التوبة ثلاثة: الندم على الماضي مما فعلت ندماً صادقاً، والإقلاع من الذنوب ورفضها وتركها مستقبلاً طاعةً لله وتعظيماً له، والعزم الصادق أن لا تعود إلى تلك الذنوب، هذه أمورٌ لا بد منها:
أولاً: الندم على الماضي منك، والحزن على ما مضى منك.
الثاني: الإقلاع والترك لهذه الذنوب دقيقها وجليلها.
الثالث: العزم الصادق أن لا تعود فيها.
فإن كانت عندك حقوقاً للناس أموال أو دماء أو أعراض فأدها إليهم، هذا أمرٌ رابع من تمام التوبة، عليك أن تؤدي الحقوق التي للناس، إن كان قصاص تمكن من القصاص إلا أن يسمحوا بالدية، إن كان مال ترد عليهم أموالهم إلا أن يسمحوا، إن كان عرض كذلك، تكلمت في عرضهم واغتبتهم تستسمحهم، وإن كان استسماحهم قد يفضي إلى شر فلا مانع من تركه، ولكن تدعوا لهم، وتستغفر لهم، وتذكرهم بالخير الذي تعلمه منهم في الأماكن التي ذكرتهم فيها بالسوء فيكون هذا كفارةً لهذا، وعليك البدار قبل الموت، وقبل أن ينزل بك الأجل، عليك البدار والمسارعة ثم الصبر والصدق، يقول الله : وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [سورة آل عمران: 135]. افهم معنى: وَلَمْ يُصِرُّوا يعني لم يقيموا على المعاصي، بل تابوا وندموا وتركوا: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، ثم قال بعد هذا: أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [سورة آل عمران: 136]. هذا جزاء التائبين الذين أقلعوا ولم يصروا مغفرة وجنة، فأنت إن شاء الله منهم إذا صدقت في التوبة، والله ولي التوفيق. [حقيقة التوبة التي تجب ما قبلها من الذنوب والمعاصي، نور على الدرب للإمام ابن باز رحمه الله].
وهذا جواب آخر للشيخ ابن باز:
لسؤال:: هل لكل ذنبٍ عقوبةٌ في الدنيا؟ وإذا كان هذا صحيح؛ فهل تزول عقوبة الذنب في الدنيا؛ إذا تاب الإنسان من ذلك الذنب؟
الجواب:
الذنوب والمعاصي صاحبها متوعد بالعقوبة، إلا أن الله جل وعلا قد يعفو سبحانه، وقد يؤجل العقوبة إلى الآخرة إذا مات العبد على المعاصي.
فالواجب على المؤمن والمؤمنة؛ الحذر من عقوبة الله وغضبه، والبدار بالتوبة، والحذر من السيئات واقترافها، أولًا: يحذرها، ويبتعد عنها، وعن أسبابها، وعن مجالسة أهلها.
ثانيًا: إذا وقعت السيئة؛ بادر بالتوبة، بادر بالإقلاع والندم، والإقلاع من المعصية، والعزيمة الصادقة أن لا يعود فيها، يرجو ثواب الله، ويخشى عقاب الله.
أما كونه يعاقب، قد لا يعاقب، قد يمهل، قد يملى له، قد يعاقب على سيئة دون سيئة، قد يعاقب بقسوة القلب، ومرض القلب، قد يعاقب بأشياء أخرى، قد يعاقب بتلف المال، قد يعاقب بمرض، قد يعاقب بتسليط عدو عليه، وإيذائه، إلى غير هذا، فالعقوبات متنوعة، لكن ليس كل ذنبٍ له عقوبة، قد يعفو الله، قد يمهله وينظره، قد يعفو الله عنه، فالإنسان لا يقول: أنا معفوٌ عني بإمهال الله، لا؛ يحذر، فقد تكون العقوبة في الآخرة أكبر، وأشد.
[هل تنزل عقوبة بكل من أذنب في الدنيا؟، نور على الدرب للإمام ابن باز رحمه الله].
المسألة الثالثة:
أحاديث في سؤال الله عزوجل العافية و كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا
مما جاء في معناه:
في الدعاء للطبراني/ وعن أنس، قال: ” مر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمجذمين، فقال: ” أما كان هؤلاء يسألون العافية؟ ”
وأورده الألباني في الصحيحة لكن بلفظ بمبتلين ففي الصحيحة
(2197) – «أما كان هؤلاء يسألون العافية؟!».
أخرجه البزار في «مسنده» ((3134) – كشف الأستار): حدثنا العباس بن جعفر
البغدادي حدثنا يزيد بن مهران حدثنا أبو بكر بن عياش عن حميد عن أنس أن
النبي مر بقوم مبتلين، فقال: فذكره. وقال: «لا نعلمه
رواه عن حميد إلا ابن عياش». قلت: وهو ثقة من رجال البخاري.
حديث آخر
وقال ابن أبي شيبة
29190 – حدثنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن مرة، عن أبي الحسن يعني هلال بن يساف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه»، فقال رجل: يا رسول الله ماذا أسأله؟، قال: «سل الله العافية في الدنيا والآخرة»
«مصنف ابن أبي شيبة» (6/ 24)
حديث آخر:
وقال البخاري في الأدب
562/ 726 عن العباس بن عبد المطلب، قلت: يا رسول الله! علمني شيئا أسأل الله به. فقال: “يا عباس! سل الله العافية”، ثم مكث ثلاثا، ثم جئت فقلت: علمني شيئا أسأل الله به يا رسول الله!. فقال: ” يا عباس! يا عم رسول الله! سل الله العافية في الدنيا والآخرة”
«صحيح الأدب المفرد» (ص269)
وفي رواية
1523 – ” يا عم! أكثر الدعاء بالعافية “.
” السلسلة الصحيحة ” 4/ 28
حديث آخر
” ما سأل العباد شيئا أفضل
من أن يغفر لهم ويعافيهم “. رواه البزار ورجاله رجال ” الصحيح ”
«سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها» (3/ 130)
حديث آخر:
قال أبوداود:
2229 – (د) عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما -: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي» قال وكيع: يعني الخسف. أخرجه أبو داود
«جامع الأصول» (4/ 246)
المسألة الرابعة:
آداب في الدعاء:
1 – يعرف الدعاء بأنه طلب ما ينفع الداعي، وطلب كشف ما يضره أو دفعه.
2 – للدعاء شروط فمنها التوحيد، والإخلاص والمتابعة للنبي – صلى الله عليه وسلم -.
3 – وكذلك للدعاء آداب منها الثناء على الله والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
4 – ولإجابة الدعاء أسباب منها الإخلاص وقوة الرجاء والتوبة وبر الوالدين.
5 – وكذلك له أوقات وأماكن وأوضاع يرجى فيها إجابة الدعاء منها جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات وعند شرب ماء زمزم.
6 – الاعتداء في الدعاء، هو تجاوز الحد الشرعي معنى أو لفظا أو أداء وهيئة.
7 – يتنوع الاعتداء في الدعاء إلى اعتداء في المعاني والألفاظ والهيئة والأداء وكذلك في الزمان والمكان
8 – الاعتداء في الدعاء في المعاني، يتضمن أدعية لها معان محرمة أو مكروهة مثل تعليق الدعاء بالمشيئة وكذلك الدعاء بالموت والدعاء على الأهل والمال والولد والنفس.
9 – الاعتداء في الدعاء في الألفاظ، يكون في تراكيب الكلمات وغرابتها والتفصيل أو التشقيق في العبارات والزيادة في الكلمات على نحو لم يكن معروفا عند السلف مثل أن يشمل الدعاء على ألفاظ شركية أو بدعية أو تصغير أسماء الله أو دعاء صفات الله.
10 – الاعتداء في الهيئة والأداء, ويكون بهيئة وكيفية جاءت السنة بخلافها مثل أن يدعو ربه دعاء غير متضرع ولا مستكين والسجود لأجل الدعاء.
11 – الاعتداء في الدعاء المكاني، وهو التعبد لله باتخاذ أمكنة معينة تخص بالدعاء دون دليل شرعي مثل المقابر، والكنائس وآثار الأنبياء والصالحين.
12 – الاعتداء في الدعاء الزماني، وهو التعبد لله باتخاذ أزمنة معينة تخص بالدعاء دون دليل شرعي مثل دعاء ليلتي أول يوم من السنة وآخرها وكذلك التعريف.
13 – الاعتداء في الدعاء في الصلاة المكتوبة، وذلك مثل عدم تحريك اللسان بالأدعية والأذكار وكذلك تشديد الميم في لفظة آمين والدعاء بعد التشهد الأول.
14 – الاعتداء في الدعاء في الصلاة النافلة، مثل الدعاء بين كل ترويحتين من التراويح وكذلك الجهر بالدعاء في صلاة الجنازة وكذلك بدعة التلقين للميت.
15 – الاعتداء في الدعاء في الحج، وذلك مثل قولهم عند الدخول في النسك: اللهم إني أريد الحج فيسره لي، والطواف شوطا واحدا لأجل الدعاء وتخصيص أدعية معينة لكل شوط والدعاء الجماعي أثناء الطواف والسعي وكذلك دعاء الخضر يوم عرفة
16 – الاعتداء في الدعاء في الصيام وذلك أن يخصص للإفطار دعاء غير ما ورد ويلتزمه وأن يخص السحور بدعاء بلفظ اللهم بارك لنا في سحورنا والتزامه وكذلك هجر الدعاء في مثل هذا الوقت العظيم
«الاعتداء في الدعاء صور وضوابط ونماذج من الدعاء الصحيح» (ص147)
المسألة الخامسة:
كيف التوفيق بين حديث: (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا … الحديث)
والعافية أن يعافيك الله في الدنيا والآخرة بعدم العقوبة؟
الجواب
الحمد لله.
الحديث المذكور حديث صحيح، أخرجه الترمذي في “سننه” (2396)، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ، حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
والحديث صححه ابن حجر في “فتح الباري” (8/ 124)، والشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (1220).
ولا تعارض بين الحديث وبين أن يَمُنّ الله على عبده بالعافية، وبيان ذلك كما يلي:
أن الناس في نزول العقوبات الربانية عليهم أصناف:
الصنف الأول:
وهم أهل العافية، ممن عفا الله عنهم فعافاهم من العقوبة في الدنيا والآخرة، وهذه هي العافية المطلقة، أن يُعافي الله عبده من شؤم المعاصي في الدنيا، وأن يعفو عن زلاته، ويعافيه من العقوبة في الدنيا والآخرة.
قال ابن القيم في “شفاء العليل” (ص111):” وقوله: ” وعافني فيمن عافيت ” إنما يسأل ربه العافية المطلقة، وهي العافية من الكفر والفسوق والعصيان، والغفلة والإعراض، وفعل ما لا يحبه، وترك ما يحبه؛ فهذا حقيقة العافية، ولهذا ما سئل الرب شيئا أحب إليه من العافية لأنها كلمة جامعة للتخلص من الشر كله وأسبابه ” انتهى.
وهذا الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله به في كثير من أحواله.
فكان يدعو حين يصبح وحين يمسي بالعافية في دينه ودنياه.
فقد روى أبو داود في “سننه” (5074)، من حديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال:” سمعتُ ابنَ عمر يقولُ: لم يكن رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَدَعُ هؤلاء الدعواتِ حينَ يُمْسِي وحينَ يُصبحُ: اللَّهُمَّ إني أسالُكَ العافيَةَ في الدُنيا والآخرة … “.
والحديث صححه الشيخ الألباني في “صحيح ابن ماجه” (3121).
وكان صلى الله عليه وسلم يدعو الله في قنوته فيقول: (وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ).
أخرجه الترمذي في “سننه” (464)، وصححه الشيخ الألباني في “صحيح أبي داود” (1281).
ولذا كانت العافية هي خير ما أعطى الله عبده بعد الإيمان واليقين، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله إياها، كما في الحديث الذي أخرجه الترمذي في “سننه” (3558)، من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اسْأَلُوا اللَّهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْرًا مِنَ العَافِيَةِ.
والحديث صححه الشيخ الألباني في “صحيح الترمذي” (2821).
الصنف الثاني:
من أهل الإيمان ممن لهم ذنوب يستحقون بها العقوبة، ولم ينلهم في الدنيا عفو الله عنها، فهؤلاء إذا أراد الله بهم الخير، عجّل لهم العقوبة في الدنيا، فيثمر ذلك فيهم توبة إلى الله، ثم لا يعاقبون عليها يوم القيامة، ويكون هذا رحمة من الله بهم.
قال ابن القيم في “زاد المعاد” (3/ 506):” وَفِي نَهْيِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَنْ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ: دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِمْ وَكَذِبِ الْبَاقِينَ، فَأَرَادَ هَجْرَ الصَّادِقِينَ وَتَادِيبَهُمْ عَلَى هَذَا الذَّنْبِ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَجُرْمُهُمْ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَابَلَ بِالْهَجْرِ، فَدَوَاءُ هَذَا الْمَرَضِ لَا يَعْمَلُ فِي مَرَضِ النِّفَاقِ، وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ.
وَهَكَذَا يَفْعَلُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ بِعِبَادِهِ فِي عُقُوبَاتِ جَرَائِمِهِمْ، فَيُؤَدِّبُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يُحِبُّهُ، وَهُوَ كَرِيمٌ عِنْدَهُ، بِأَدْنَى زَلَّةٍ وَهَفْوَةٍ، فَلَا يَزَالُ مُسْتَيْقِظًا حَذِرًا.
وَأَمَّا مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ، وَهَانَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعَاصِيهِ، وَكُلَّمَا أَحْدَثَ ذَنْبًا، أَحْدَثَ لَهُ نِعْمَةً، وَالْمَغْرُورُ يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَتِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ عَيْنُ الْإِهَانَةِ، وَأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ، وَالْعُقُوبَةَ الَّتِي لَا عَاقِبَةَ مَعَهَا، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا أَمْسَكَ عَنْهُ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا، فَيَرِدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِذُنُوبِهِ) ” انتهى.
ولا يعني هذا أن العبد المُبتلى المُعاقب على بعض ذنوبه خير من العبد المعافى، بل لا يصح أن يتمنى مسلم أن يكون من أهل البلاء، حتى تخفف عقوبته يوم القيامة، وإنما المشروع للعبد أن يسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فإن أهل العافية أعلى حالا ومقاما من هذا الصنف، ثم إنه لا يدري هل لو نزل به البلاء أيصبر أم يجزع.
فقد روى مسلم في “صحيحه” (2688)، من حديث أنس: ” – أَفَلَا قُلْتَ: اللهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قَالَ: فَدَعَا اللهَ لَهُ، فَشَفَاهُ “.
قال القاضي عياض في ” إكمال المعلم” (8/ 186):” وفيه كراهة تمنى البلاء، وإن كان على الوجه الذى فعله هذا، فإنه قد لا يطيقه، فيحمله شدة الضرر على السخط والتندم والتشكي من ربه ” انتهى.
ولا شك أن الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلم هو الأعلى والأكمل، وهو المعافاة.
فقد روى الإمام الطحاوي في “شرح مشكل الآثار” (5/ 291) هذا الحديث، ثم قال:” فقال قَائِلٌ كَيْفَ تَقْبَلُونَ هذا عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنْتُمْ قد رَوَيْتُمْ عنه فَذَكَرْنَا ما قد حدثنا يُونُسُ .. ثم ساق إسناده إلى أَنَسِ بن مَالِكٍ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال:” إذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِعَبْدِهِ خَيْرًا عَجَّلَ له الْعُقُوبَةَ في الدُّنْيَا، وإذا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِعَبْدِهِ شَرًّا أَمْسَكَ عنه بِذَنْبِهِ حتى يُوَفِّيَهُ يوم الْقِيَامَةِ ” قال هذا الْقَائِلُ: فإذا كان الأَمْرُ على ما في هذا الحديث، فَلِمَ لَحِقَ اللَّوْمُ من سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُعَجِّلَ له الْعُقُوبَةَ في الدُّنْيَا، لِيَسْلَمَ منها في الآخِرَةِ؟
فَكَانَ جَوَابُنَا له في ذلك بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عز وجل وَعَوْنِهِ: أَنَّ الذي ذَكَرَ من الحديث الثَّانِي كما ذَكَرَ، وَاَلَّذِي في الحديث الأَوَّلِ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِذَلِكَ، غير أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اخْتَارَ لِأُمَّتِهِ، إشْفَاقًا عليهم وَرَحْمَةً لهم وَرَافَةً بِهِمْ: أَنْ يَدْعُوا اللَّهَ عز وجل بِالْمُعَافَاةِ في الدُّنْيَا، مِمَّا مِثْلُ ذلك الرَّجُلِ فيه، وَأَنْ يُؤْتِيَهُمْ في الآخِرَةِ ما يُؤَمِّنُهُمْ من عَذَابِ الآخِرَةِ؛ وَهَذِهِ الْحَالُ: فَهِيَ أَعْلَى الأَحْوَالِ كُلِّهَا.
فَبَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ: أَنْ لاَ تَضَادَّ في شَيْءٍ من هذه الآثَارِ، وَلاَ اخْتِلاَفَ، وَاَللَّهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ ” انتهى.
وقال ابن قدامة في “مختصر منهاج القاصدين” (ص294):” فإن قال قائل: الأخبار الواردة في فضل الصبر: تدل على أن البلاء في الدنيا خير من النعيم، فهل لنا أن نسأل الله عز وجل البلاء؟
فالجواب: أنه لا وجه لذلك، فإن في الحديث من رواية أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاد رجلاً من المسلمين صار مثل الفرخ … فهلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”.، ومن حديث أنس رضى الله عنه أيضاً، أن رجلاً قال: يا نبي الله: أي الدعاء أفضل؟ قال: “سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة …. “.
وفى “الصحيحين” انه صلى الله عليه وآله وسلم قال: “تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء”. وقال مطرف: لأن أعافى فأشكر، أحب إليَّ من أن ابتلى فأصبر ” انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في “القول المفيد” (2/ 76):” وقوله: ” عجل له العقوبة في الدنيا “. كان ذلك خيراً من تأخيرها للآخرة، لأنه يزول وينتهى، ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – للمتلاعنين: ” إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ”
وهناك خير أولى من ذلك، وهو العفو عن الذنب، وهذا أعلى، لأن الله إذا لم يعاقبه في الدنيا ولا في الآخرة، فهذا هو الخير كله، ولكن الرسول – صلى الله عليه وسلم – جعل تعجيل العقوبة خيراً، باعتبار أن تأخر العقوبة إلى الآخرة أشد، كما قال تعالى: (ولعذاب الآخرة أشد وأبقي) [طه: 127] ” انتهى.
الصنف الثالث:
ممن أسرفوا على أنفسهم بإتيان الكبائر والموبقات، ثم لم يعف الله عنهم في الدنيا، ولم يعجل لهم العقوبة، فهؤلاء في الظاهر في عافية من البلاء، إلا أنهم على خطر عظيم، إذ إن الله أمسك عنهم العقوبة في الدنيا، ليغلظ عليهم العذاب في الآخرة.
وقد جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في “المسند” (17311)، من حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) الأنعام/44
والحديث صححه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (413).