2671،2672،2673 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله البلوشي أبوعيسى ، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
٥ – بابُ: رَفْعِ العِلْمِ وقَبْضِهِ وظُهُورِ الجَهْلِ والفِتَنِ فِي آخِرِ الزَّمانِ
٨ – (٢٦٧١) حَدَّثَنا شَيْبانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، حَدَّثَنا أبُو التَّيّاحِ، حَدَّثَنِى أنَسُ بْنُ مالِكٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مِن أشْراطِ السّاعَةِ أنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، ويَثْبُتَ الجَهْلُ، ويُشْرَبَ الخَمْرُ، ويَظْهَرَ الزِّنا».
٩ – (٢٦٧١) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، وابْنُ بَشّارٍ، قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، سَمِعْتَ قَتادَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: ألا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ لا يُحَدِّثُكُمْ أحَدٌ بَعْدِي سَمِعَهُ مِنهُ «إنَّ مِن أشْراطِ السّاعَةِ أنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، ويَظْهَرَ الجَهْلُ، ويَفْشُوَ الزِّنا، ويُشْرَبَ الخَمْرُ، ويَذْهَبَ الرِّجالُ، وتَبْقى النِّساءُ حَتّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأةً قَيِّمٌ واحِدٌ»،
٩ – حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، ح وحَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا عَبْدَةُ وأبُو أُسامَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وفِي حَدِيثِ ابْنِ بِشْرٍ وعَبْدَةَ: لا يُحَدِّثُكُمُوهُ أحَدٌ بَعْدِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ
١٠ – (٢٦٧٢) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا وكِيعٌ، وأبِي، قالا: حَدَّثَنا الأعْمَشُ، ح وحَدَّثَنِي أبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ – واللَّفْظُ لَهُ – حَدَّثَنا وكِيعٌ، حَدَّثَنا الأعْمَشُ، عَنْ أبِي وائِلٍ، قالَ: كُنْتُ جالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ وأبِي مُوسى فَقالا: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ بَيْنَ يَدَيِ السّاعَةِ أيّامًا يُرْفَعُ فِيها العِلْمُ، ويَنْزِلُ فِيها الجَهْلُ، ويَكْثُرُ فِيها الهَرْجُ» والهَرْجُ القَتْلُ،
١٠ – حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أبِي النَّضْرِ، حَدَّثَنا أبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ الأشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيانَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي وائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وأبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ، قالا: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، ح وحَدَّثَنِي القاسِمُ بْنُ زَكَرِيّاءَ، حَدَّثَنا حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، عَنْ زائِدَةَ، عَنْ سُلَيْمانَ، عَنْ شَقِيقٍ قالَ: كُنْتُ جالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ وأبِي مُوسى، وهُما يَتَحَدَّثانِ، فَقالا: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: بِمِثْلِ حَدِيثِ وكِيعٍ وابْنِ نُمَيْرٍ،
١٠ – حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو كُرَيْبٍ، وابْنُ نُمَيْرٍ، وإسْحاقُ الحَنْظَلِيُّ، جَمِيعًا عَنْ أبِي مُعاوِيَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أبِي مُوسى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِهِ.
١٠ – حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، أخْبَرَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي وائِلٍ، قالَ: إنِّي لَجالِسٌ مَعَ عَبْدِ اللهِ وأبِي مُوسى وهُما يَتَحَدَّثانِ، فَقالَ أبُو مُوسى: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: بِمِثْلِهِ.
١١ – (١٥٧) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنا ابْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أنَّ أبا هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَتَقارَبُ الزَّمانُ، ويُقْبَضُ العِلْمُ، وتَظْهَرُ الفِتَنُ، ويُلْقى الشُّحُّ، ويَكْثُرُ الهَرْجُ» قالُوا: وما الهَرْجُ؟ قالَ: «القَتْلُ».
١١ – حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدّارِمِيُّ، أخْبَرَنا أبُو اليَمانِ، أخْبَرَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، أنَّ أبا هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَتَقارَبُ الزَّمانُ، ويُقْبَضُ العِلْمُ» ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ.
١٢ – (١٥٧) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الأعْلى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قالَ: «يَتَقارَبُ الزَّمانُ، ويَنْقُصُ العِلْمُ» ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِهِما.
١٢ – حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ أيُّوبَ وقُتَيْبَةُ وابْنُ حُجْرٍ، قالُوا: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ، عَنِ العَلاءِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، ح وحَدَّثَنا ابْنُ نُمَيْرٍ وأبُو كُرَيْبٍ وعَمْرٌو النّاقِدُ، قالُوا: حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، ح وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، ح وحَدَّثَنِي أبُو الطّاهِرِ، أخْبَرَنا ابْنُ وهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ، عَنْ أبِي يُونُسَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، كُلُّهُمْ قالَ: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، غَيْرَ أنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا «ويُلْقى الشُّحُّ»
١٣ – (٢٦٧٣) حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، سَمِعْتَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العاصِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: «إنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النّاسِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَماءِ، حَتّى إذا لَمْ يَتْرُكْ عالِمًا، اتَّخَذَ النّاسُ رُءُوسًا جُهّالًا، فَسُئِلُوا فَأفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأضَلُّوا»
١٣ – حَدَّثَنا أبُو الرَّبِيعِ العَتَكِيُّ، حَدَّثَنا حَمّادٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، ح وحَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنا عَبّادُ بْنُ عَبّادٍ وأبُو مُعاوِيَةَ، ح وحَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قالا: حَدَّثَنا وكِيعٌ، ح وحَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا ابْنُ إدْرِيسَ وأبُو أُسامَةَ وابْنُ نُمَيْرٍ وعَبْدَةُ، ح وحَدَّثَنا ابْنُ أبِي عُمَرَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حاتِمٍ، حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ، ح وحَدَّثَنِي أبُو بَكْرِ بْنُ نافِعٍ، قالَ: حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، ح وحَدَّثَنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ: أخْبَرَنا شُعْبَةُ بْنُ الحَجّاجِ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وزادَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو عَلى رَأْسِ الحَوْلِ، فَسَألْتُهُ فَرَدَّ عَلَيْنا الحَدِيثَ كَما حَدَّثَ، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ.
١٣ – حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُمْرانَ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أخْبَرَنِي أبِي جَعْفَرٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِمِثْلِ حَدِيثِ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ
١٤ – (٢٦٧٣) حَدَّثَنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيى التُّجِيبِيُّ، أخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وهْبٍ، حَدَّثَنِي أبُو شُرَيْحٍ، أنَّ أبا الأسْوَدِ، حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قالَ: قالَتْ لِي عائِشَةُ: يا ابْنَ أُخْتِي بَلَغَنِي أنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، مارٌّ بِنا إلى الحَجِّ، فالقَهُ فَسائِلْهُ، فَإنَّهُ قَدْ حَمَلَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ عِلْمًا كَثِيرًا، قالَ: فَلَقِيتُهُ فَساءَلْتُهُ عَنْ أشْياءَ يَذْكُرُها عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قالَ عُرْوَةُ: فَكانَ فِيما ذَكَرَ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قالَ: «إنَّ اللهَ لا يَنْتَزِعُ العِلْمَ مِنَ النّاسِ انْتِزاعًا، ولَكِنْ يَقْبِضُ العُلَماءَ فَيَرْفَعُ العِلْمَ مَعَهُمْ، ويُبْقِي فِي النّاسِ رُءُوسًا جُهّالًا، يُفْتُونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَيَضِلُّونَ ويُضِلُّونَ» قالَ عُرْوَةُ: فَلَمّا حَدَّثْتُ عائِشَةَ بِذَلِكَ، أعْظَمَتْ ذَلِكَ وأنْكَرَتْهُ، قالَتْ: أحَدَّثَكَ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ هَذا؟ قالَ عُرْوَةُ: حَتّى إذا كانَ قابِلٌ قالَتْ لَهُ: إنَّ ابْنَ عَمْرٍو قَدْ قَدِمَ، فالقَهُ، ثُمَّ فاتِحْهُ حَتّى تَسْألَهُ عَنِ الحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَكَ فِي العِلْمِ، قالَ: فَلَقِيتُهُ فَساءَلْتُهُ، فَذَكَرَهُ لِي نَحْوَ ما حَدَّثَنِي بِهِ، فِي مَرَّتِهِ الأُولى، قالَ عُرْوَةُ: فَلَمّا أخْبَرْتُها بِذَلِكَ، قالَتْ: ما أحْسَبُهُ إلّا قَدْ صَدَقَ، أراهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيْئًا ولَمْ يَنْقُصْ.
==========
التمهيد:
“في حجة الوداع وفي خطبه ﷺ فيها وفي وصاياه ﷺ لأمته وتحذيرهم من أمور تحدث لهم في مستقبل أيامهم وفي آخر أزمانهم؛ ليأخذوا حذرهم وليقللوا من أضرار الفتن التي تنتظرهم يقول لهم من أشراط الساعة وعلاماتها وأماراتها أن يرفع الله العلم وليس من صدور العلماء بل بموت العلماء، فكل عالم يموت إن لم يورث علمه لتلميذ أو لتلاميذ يموت معه علمه، وكلما بعد الناس عن مصدر التشريع وطال بهم الزمن كلما نضب معين العلم الديني، وبردت حرارته في القلوب، حتى ينتهي الأمر بقبض العلم وانتشار الجهل واستعلاء الجهلاء، وتقمصهم دور العلماء يستفتون، فيفتون بغير علم، فيضلون في أنفسهم ويضلون غيرهم.
ومن أشراط الساعة أيضا انتشار الزنى وشيوعه، وقلة الاستحياء منه، والمجاهرة به،
ومن أشراطها كثرة شرب الخمر والتجاهر بها وتسميتها بغير اسمها واستحلالها،
ومن أشراطها كثرة النساء وقلة الرجال بسبب الحروب وغيرها،
ومن أشراطها كثرة القتل لأتفه الأسباب، بل قتل الولد أباه وأمه وأخاه وأخته.
ومن أشراطها كثرة الفتن والوشايات والضغائن والتحاسد والتدابر.
ومن أشراطها تقارب الزمان وضعف البركة فيه وقلة العمل الأخروي، وتضييع الوقت فيما لا يغني ولا يفيد حتى تضيع قيمته ويمر مر السحاب، ولا يحس المرء بعمره وكأنه لم يعش إلا ساعة من نهار ﴿هذا بلاغ للناس ولينذروا به﴾ [إبراهيم ٥٢] ﴿فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها﴾ [الأنعام ١٠٤] ﴿وما ربك بظلام للعبيد﴾ [فصلت ٤٦]”.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
(٥) – (بابُ: رَفْعِ العِلْمِ، وقَبْضِهِ، وظُهُورِ الجَهْلِ، والفِتَنِ فِي آخِرِ الزَّمانِ)
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٧٦١] (٢٦٧١) –
عن أنَسِ بْنِ مالِكٍ – رضي الله عنه -؛ أنه (قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ -: «مِن أشْراطِ السّاعَةِ) -بفتح الهمزة-: أي: علاماتها، لقوله: (أنْ يُرْفَعَ العِلْمُ)؛ ولا ينافي هذا ما في الرواية الأخرى:»أن يقلّ العلم«؛ لأن القلة قد يراد بها العدم، أو القلة في ابتداء الأشراط، والعدم في أثنائها، فهو باعتبار الزمانين [«فيض القدير» ٢/ ٥٣٢].
ثم إن قوله: «أن يُرفع العلم» و المراد برفع العلم هنا: قَبْض أهله، وهُمُ العلماء، لا محوه من الصدور، لكن بموت أهله، واتخاذ الناس رؤساء جهالًا، فيحكمون في دين الله تعالى برأيهم، ويُفتون بجهلهم، قال القاضي عياض: وقد وُجد ذلك في زماننا، كما أخبر به – ﷺ -، قال الشيخ قطب الدين: قال هذا مع توافر العلماء في زمانه، فكيف بزماننا، قال العينيّ: قال: هذا مع كثرة الفقهاء والعلماء من المذاهب الأربعة، والمحدِّثين الكبار في زمانه، فكيف بزماننا الذي خلت البلاد عنهم، وتصدّر الجهال بالإفتاء، والتعيّن في المجالس، والتدريس في المدارس، فنسأل السلامة والعافية. انتهى [«عمدة القاري» ٢/ ٨٢].
(ويَثْبُتَ الجَهْلُ) ببناء الفعل للفاعل، قال النوويّ رحمه الله: قوله: «ويثبت الجهل إلخ» هكذا هو في كثير من النسخ: «يَثْبُت الجهل» من الثبوت، وفي بعضها: «يُبَثّ» بضم الياء، وبعدها موحّدة مفتوحة، ثم مثلثة مشدّدة؛ أي: يُنشر، ويَشيع. انتهى [«شرح النوويّ» ١٦/ ٢٢١].
(ويُشْرَبَ الخَمْرُ) ببناء الفعل للمفعول، و«الخمر» في اللغة من التخمير، وهو التغطية، سُمّيت به؛ لأنها تُغَطي العقل، …، وفي الحديث: الخمرة ما خامر العقل، وقال ابن الأعرابيّ: سمّيت الخمرة خمرًا«لأنها تُركت، فاختمرت، واختمارها: تغيير ريحها [«عمدة القاري» ٢/ ٨٢].
(ويَظْهَرَ الزِّنا»)، أي: يفشو، وينتشر، وفي الرواية التالية: «ويفشو الزنا»، والزنا يُمَدّ، ويُقصر، والقصر لأهل الحجاز، قال الله تعالى: ﴿ولا تَقْرَبُوا الزِّنا﴾ [الإسراء ٣٢]، والمدّ لأهل نجد، [«عمدة القاري» ٢/ ٨٢]، والله تعالى أعلم.
وهذا الحديث متّفقٌ عليه.
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٧٦٢] (…) شرح الحديث:
في رواية البخاريّ: «لا يحدثكم به غيري»، وفي رواية أبي عوانة:
«لا يحدثكم أحد سمعه من رسول الله – ﷺ – بعدي» [»عمدة القاري«٢/ ٨٤].
قال الحافظ رحمه الله: عَرَف أنس – رضي الله عنه – أنه لم يبق أحد ممن سمعه من رسول الله – ﷺ – غيره؛ لأنه كان آخر من مات بالبصرة من الصحابة – رضي الله عنهم -، فلعل الخطاب بذلك كان لأهل البصرة، أو كان عامًّا، وكان تحديثه بذلك في آخر عمره؛ لأنه لم يبق بعده من الصحابة من ثبت سماعه من النبي – ﷺ – إلا النادر، ممن لم يكن هذا المتن من مرويّه.
انتهى [»الفتح«١/ ٣١٤، كتاب»العلم” رقم (٨١)].
وفي رواية للبخاريّ: «أن يقلّ العلم» وهو بكسر القاف من القلّة، قال في «الفتح»: يَحْتَمِل أن يكون المراد بقلّته أول العلامة، وبرفعه آخرها، أو أُطلقت القلّة وأريد بها العدم، كما يُطلق العدم، ويراد به القلّة، وهذا ألْيَق؛ لاتحاد المخرج. انتهى [«الفتح» ١/ ٣١٤، كتاب «العلم» رقم (٨١)].
وقال القرطبيّ رحمه الله: قد بيّن النبيّ – ﷺ – كيفية رَفْع العلم، وظهور الجهل
في حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما …
فكان ذلك دليلًا من أدلّة نبوّته، وخصوصًا في هذه الأزمان؛ إذ قد وليَ المدارس، والفتيا كثير من الجهّال، والصبيان، وحُرِمها أهل ذلك الشأن، غير
أنه قد جاء في كتاب الترمذيّ عن جُبير بن نُفير، عن أبي الدرداء، ما يدلّ على
أن الذي يُرفع هو العمل، قال أبو الدرداء – رضي الله عنه -: كنّا مع النبيّ – ﷺ -، فشَخَص ببصره إلى السماء، ثم قال: «هذا أوانٌ يُختلس فيه العلم من الناس، حتى لا يقدروا منه على شيء»، فقال زياد بن لَبيد الأنصاريّ: وكيف يُختلس منّا، وقد
قرأنا القرآن؟ فوالله لنَقرَأنّه، ولَنُقرِئنّه نساءنا، وأبناءنا، فقال: «ثَكِلتك أمك يا
زياد! إن كُنتُ لأعدّك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة، والإنجيل، عند اليهود، والنصارى، فماذا تُغني عنهم؟».
قال: فلقيت عُبادة بن الصامت، فقلت: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك أبو الدرداء؟، فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء، قال: صدق أبو الدرداء، إن شئتَ لأحدّثنّك بأول علم يُرفع: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجامع، فلا ترى فيه رجلًا خاشعًا، قال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب. [وصحَّحه الشيخ الألبانيّ رحمه الله]، وقد خرّجه النسائىّ من حديث جُبير بن نُفير أيضًا، عن عوف بن مالك الأشجعىّ، من طرق صحيحة.
قال: وظاهر هذا الحديث أن الذي يُرفع إنما هو العمل بالعلم، لا نَفْس العلم، وهذا بخلاف ما ظهر من حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما -، فإنّه صريح في رفع العلم.
قلت -القائل هو القرطبيّ رحمه الله-: ولا تباعد فيهما، فإنّه إذا ذهب العلم بموت العلماء، خَلَفهم الجهّال، فأفتوا بالجهل، فعُمِل به، فذهب العلم والعمل، وإن كانت
المصاحف والكتب بأيدي الناس… انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله [«المفهم» ٦/ ٧٠٥ – ٧٠٨]، وهو بحثٌ مفيدٌ، والله تعالى أعلم.
وفي رواية للبخاريّ: «وتكثر النساء»، قيل: سببه أن الفتن تكثر، فيكثر القتل في الرجال؛ لأنهم أهل الحرب دون النساء، وقال أبو عبد الملك: هو إشارة إلى كثرة الفتوح، فتكثر السبايا، فيتخذ الرجل الواحد عدّة موطوءات.
وتعقبه الحافظ، فقال: وفيه نظر؛ لأنه صرّح بالقلّة في حديث أبي موسى الأشعريّ عند البخاريّ، فقال: «من قلة الرجال، وكثرة النساء» والظاهر أنها علامة محضة، لا لسبب آخر [وللعينيّ تعقّب لكلام الحافظ هذا]، بل يُقَدِّر الله في آخر الزمان أن يقلّ من يولد من الذكور، ويكثر من يولد من الإناث، وكون كثرة النساء من العلامات مناسِبة لظهور الجهل، ورَفْع العلم.
وقوله: (حَتَّى يَكُونَ) «حتى» هنا للغاية، والفعل منصوب بـ «أن» مضمرة
بعدها وجوبًا.
(لِخَمْسِينَ امْرَأةً) يَحْتَمِل أن يراد به حقيقة هذا العدد، أو يكون مجازًا عن الكثرة، ويؤيده أن في حديث أبي موسى: «وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأةً».
وقال في «العمدة»: قوله: «لخمسين امرأة» يَحْتَمِل أن يراد بها حقيقة هذا العدد، وأن يراد بها كونها مجازًا عن الكثرة… انتهى [»عمدة القاري” ٢/ ٨٤]. وذكر توجيهات لهذا العدد
قال الأتيوبي عفا الله عنه: لا يخفى ما في هذا التوجيه من التكلّف، فالأولى عدم الخوض، والله تعالى أعلم.
(قَيِّمٌ واحِدٌ«) برفع»قيّمٌ«؛ لأنه اسم»يكونَ«، و»واحدٌ«صفته، والقيّم
بتشديد التحتانيّة: من يقوم بأمرهنّ، وكأن هذه الأمور الخمسة خُصّت بالذِّكر؛ لكونها مشعرة باختلال الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد، وهي الدِّين؛ لأن رَفْع العلم يُخلّ به، والعقلُ؛ لأن شرب الخمر يُخلّ به، والنسب؛ لأن الزنى يُخِل به، والنفس والمال؛ لأن كثرة الفتن تُخلّ بهما [»الفتح«١/ ٣١٤، كتاب»العلم«رقم (٨١)] باختصار .
وقال ابن بطّال: قال المهلّب: هذا إنما يكون من أشراط الساعة، كما قال – ﷺ -، ويمكن أن تكون قلة الرجال من اشتداد الفتن وترادف المحن، فيُقتل الرجال، والله أعلم.
ويَحْتَمِل قوله: «القيم الواحد»، معنيين: أحدهما: أن يكون قيّمًا عليهنّ، وناظرًا لهنّ، وقائمًا بأمورهنّ،
ويَحْتَمِل أن يكون اتباع النساء له على غير الحلّ، والله أعلم.
قال الطحاويّ: ولمّا احتَمَل الوجهين نظرنا، هل رُوي في ذلك شيءٌ يدلّ على أحدهما؟ فذَكَر عليّ بن معبد بإسناده، عن حذيفة – رضي الله عنه -، قال: سمعت النبيّ – ﷺ -، يقول: «إذا عَمّت الفتنة يميّز الله أصفياءه، وأولياءه، حتى تطهر الأرض من المنافقين، والقتالين، ويتبع الرجل يومئذ خمسون امرأة، هذه تقول: يا عبد الله، استرني، يا عبد الله، آوني»، فدل هذا الحديث على القول الأول. انتهى [«شرح ابن بطال على صحيح البخاريّ» ١٣/ ٣٥٨]، والله تعالى أعلم.
وحديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه.
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٧٦٤] (٢٦٧٢) – شرح الحديث:
(عَنْ أبِي وائِلٍ) شقيق بن سلمة؛ أنه (قالَ: كُنْتُ جالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود – رضي الله عنه – (وأبِي مُوسى) الأشعريّ – رضي الله عنهما – (فَقالا) ظاهر هذا أنهما قالا معًا .
قال في «الفتح»: وأما رواية عاصم المعلّقة التي ختم بها الباب [هي قول البخاريّ ٦/ ٢٥٩٠: وقال أبو عوانة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن الأشعريّ، أنه قال لعبد الله: تعلم الأيام التي ذكر النبي – ﷺ – أيام الهرج، نحوه] . انتهى [«الفتح» ١٦/ ٤٥٧، كتاب «الفتن» رقم (٧٠٦٢ و٧٠٦٣)].
(ويَكْثُرُ فِيها الهَرْجُ، والهَرْجُ:
القَتْلُ») كذا في هذه الرواية، وقال: رواية جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش
الآتية: «والهرج بلسان الحبشة: القتل» ونَسَبَ التفسير في رواية واصل عند البخاريّ لأبي موسى.
وأصل الهرج في اللغة العربية: الاختلاط، واستعمال العرب الهرج بمعنى القتل لا يمنع كونها
لغة الحبشة، وإن ورد استعمالها في الاختلاط والاختلاف، كحديث معقل بن
يسار – ﵁ -، رَفَعه: «العبادة في الهرج كهجرة إليّ»، أخرجه مسلم.
وذكر صاحب «المحكم» للهرج معاني أخرى، ومجموعها تسعة: شدّة القتل، وكثرة القتل، والاختلاط، والفتنة في آخر الزمان، وكثرة النكاح، وكثرة الكذب، وكثرة النوم، وما يُرى في النوم غير منضبط، وعدم الإتقان للشيء، وقال الجوهريّ: أصل الهرج: الكثرة في الشيء؛ يعني: حتى لا يتميز. انتهى [«الفتح» ١٦/ ٤٥٧ – ٤٥٨، كتاب «الفتن» رقم (٧٠٦٢ و٧٠٦٣)].
وحديث عبد الله بن مسعود، وأبي موسى الأشعريّ – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه.
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٧٦٨] (١٥٧) (٢)
شرح الحديث:
(عَنِ ابْنِ شِهابٍ) محمد بن مسلم الزهريّ، أنه قال: (حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزهريّ المدنيّ (أنَّ أبا هُرَيْرَةَ) – ﵁ -.
[تنبيه]: هكذا في هذه الرواية أن ابن شهاب رواه عن حميد بن عبد الرحمن، وستأتي روايته عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة، وقد أخرجها البخاريّ أيضًا من طريق معمر عن الزهريّ عنه، ثم قال بعدها: «وقال شعيب، ويونس، والليث، وابن أخي الزهريّ، عن الزهريّ، عن حميد، عن أبي هريرة، عن النبيّ – ﷺ -». انتهى.
فقال في «الفتح»: قوله: «وقال يونس»؛ يعني: ابن يزيد، وشعيب؛
يعني: ابن أبي حمزة، والليث، وابن أخي الزهريّ، عن الزهريّ، عن حميد؛
يعني: ابن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة؛ يعني: أن هؤلاء الأربعة
خالفوا معمرًا في قوله: «عن الزهريّ، عن سعيد»، فجعلوا شيخ الزهريّ
حميدًا، لا سعيدًا، وصنيع البخاريّ يقتضي أن الطريقين صحيحان، فإنه وصل
طريق معمر هنا، ووصل طريق شعيب في «كتاب الأدب»، وكأنه رأى أن ذلك
لا يقدح؛ لأن الزهريّ صاحب حديث، فيكون الحديث عنده عن شيخين، ولا
يلزم من ذلك اطّراده في كل من اختُلِف عليه في شيخه، إلا أن يكون مثل
الزهريّ في كثرة الحديث، والشيوخ، ولولا ذلك لكانت رواية يونس ومن تابعه
أرجح، وليست رواية معمر مدفوعة عن الصحة؛ لِما ذُكر آنفًا. فأما رواية
يونس، فوصلها مسلم [يعني: هذه الرواية التي نشرحها] من طريق ابن وهب عنه، ولفظه: «ويُقبض العلم»،
وقدّم: «وتظهر الفتن» على: «ويُلقى الشح»، وقال: “قالوا: وما الهرج؟ قال:
القتل» ولم يكرر لفظ «القتل»، ومثله له من رواية سهيل بن أبي صالح، عن
أبيه، عن أبي هريرة، رفعه: «لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج…» [سيأتي في: «باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما» بعد رقم (٢٨٨٨) ترقيم محمد فؤاد رحمه الله]، فذكره مقتصرًا عليه، وأخرجه أبو داود من رواية عنبسة بن خالد، عن يونس بن يزيد،
بلفظ: «وينقص العلم».
وأما رواية شعيب، فوصلها البخاريّ في «كتاب الأدب» عن أبي اليمان
عنه، وقال في روايته: «يتقارب الزمان، وينقص العمل»، وفي رواية
الكشميهني: «العلم»، والباقي مثل لفظ معمر، وقال في روايتي يونس وشعيب
عن الزهريّ: «حدّثني حميد بن عبد الرحمن».
وأما رواية الليث، فوصلها الطبرانيّ في «الأوسط» من رواية عبد الله بن
صالح عنه به، مثل رواية ابن وهب.
وأما رواية ابن أخي الزهريّ، فوصلها الطبرانيّ أيضًا في «الأوسط» من
طريق صدقة بن خالد، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن ابن أخي
الزهريّ، واسمه محمد بن عبد الله بن مسلم، وقال في روايته: «سمعت أبا
هريرة»، ولفظه مثل لفظ ابن وهب، إلا أنه قال: «قلنا: وما الهرج، يا
رسول الله؟»، وأخرجه مسلم من رواية عبد الرحمن بن يعقوب، وهمام بن
منبّه، وأبي يونس مولى أبي هريرة، ثلاثتهم عن أبي هريرة، قال بمثل حديث
حميد بن عبد الرحمن، غير أنهم لم يذكروا: «ويُلقى الشحّ»، وساق أحمد لفظ
همام، وأوله: «يُقبض العلم، ويقترب الزمن».
وقد جاء عن أبي هريرة من طريق أخرى زيادة في الأمور المذكورة،
فأخرج الطبرانيّ في «الأوسط» من طريق سعيد بن جبير عنه، رفعه: «لا تقوم
الساعة حتى يظهر الفُحش، والبخل، ويُخَوَّن الأمين، ويؤتمَن الخائن، وتهلك
الوُعُول، وتظهر التحوت»، قالوا: يا رسول الله وما التحوت، والوعول؟ قال:
«الوعول: وجوه الناس، وأشرافهم، والتحوت: الذين كانوا تحت أقدام
الناس، ليس يُعلم بهم».
وله من طريق أبي علقمة:»سمعت أبا هريرة يقول: إن من أشراط
الساعة…«نحوه، وزاد:»كذلك أنبأنا عبد الله بن مسعود، سمعته من حبي،
قال: نعم، قلنا: وما التحوت؟ قال: فُسول الرجال، وأهل البيوت الغامضة،
قلنا: وما الوعول؟ قال: أهل البيوت المصالحة«. انتهى [«الفتح» ١٦/ ٤٥١ – ٤٥٣، كتاب «الفتن» رقم (٧٠٤٨)].
(قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ -:»يَتَقارَبُ الزَّمانُ) وفي رواية: «الزمن»، وهو
لغة فيه.
واختُلف في معناه، فقيل: على ظاهره، فلا يظهر التفاوت في الليل
والنهار بالقِصَر والطول، وقيل: المراد: قرب يوم القيامة، وقيل: تذهب
البركة، فيذهب اليوم والليلة بسرعة، وقيل: المراد: يتقارب أهل ذلك الزمان
في الشرّ، وعدم الخير، وقيل: تتقارب صدور الدُّوَل، ((((وتطول ))))(((((أظن ولا تطول )))))مدة أحد؛ لكثرة
الفتن، وقال النوويّ في شرح قوله: «حتى يقترب الزمان»: معناه: حتى تقرب
القيامة، قال الحافظ:
معناه: قُرْب الزمان العامّ من الزمان الخاصّ، وهو يوم
القيامة، وعند قُرْبه يقع ما ذُكر من الأمور المنكرة. [«الفتح» ٢/ ٥٢٢]، وسيأتي تمام البحث فيه.
(ويُقْبَضُ العِلْمُ)؛ أي: بقبض العلماء، كما يأتي بيانه في حديث عبد الله بن عمرو – ﵄ – بعد هذا الحديث، وفي الرواية الآتية: «وينقص العلم»، وكذا هو عند البخاريّ، قال في «الفتح»: كذا للأكثر، وفي رواية المستملي، والسرخسيّ: «العمل».
قال: قد اختُلف في المراد بقوله: «ينقص العلم»، فقيل: المراد: نَقْص عِلم كل عالم، بأن يطرأ عليه النسيان مثلًا، وقيل: نقص العلم بموت أهله، فكلما مات عالم في بلد، ولم يَخْلُفه غيره نَقَص العلم من تلك البلد، وأما نَقَص العمل، فيَحْتَمِل أن يكون بالنسبة لكل فَرْد فَرْد، فإن العامل إذا دهمته الخطوب ألْهته عن أوراده، وعبادته، ويَحْتَمِل أن يراد به: ظهور الخيانة في الأمانات، والصناعات.
قال ابن أبي جمرة رحمه الله [«بهجة النفوس» ٤/ ٢٥٨]: نَقْص العمل الحسيّ ينشأ عن نقص الدين ضرورةً، وأما المعنويّ فبحَسَب ما يدخل من الخلل، بسبب سوء المطعم، وقلة المساعد على العمل، والنفس ميالة إلى الراحة، وتحنّ إلى جنسها، ولكثرة شياطين الإنس الذين هم أضرّ من شياطين الجنّ.
وأما قبض العلم فسيأتي بَسْط القول فيه في شرح حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – إن شاء الله تعالى-.
(وتَظْهَرُ الفِتَنُ) بكسر الفاء، وفتح المثنّاة الفوقيّة: جمع فتنة، والمراد بظهورها: كثرتها، واشتهارها، وعدم التكاتم بها، والله المستعان.
[تنبيه]: قال الراغب الأصبهانيّ رحمه الله: أصل الفَتْن: إدخال الذهب في النار؛ لتظهر جودته من رداءته، ويُستعمل في إدخال الإنسان النار، ويُطلق على العذاب، كقوله: ﴿ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ﴾ [الذاريات ١٤]، وعلى ما يحصل عند العذاب، كقوله تعالى: ﴿ألا فِي الفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ [التوبة ٤٩]، وعلى الاختبار، كقوله:
﴿وفَتَنّاكَ فُتُونًا﴾ [طه ٤٠]، وفيما يُدفع إليه الإنسان من شدّة ورخاء، وفي الشدّة أظهر معنى، وأكثر استعمالًا، قال تعالى: ﴿ونَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ والخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء ٣٥]، ومنه قوله: ﴿وإنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ﴾ [الإسراء ٧٣]؛ أي: يوقعونك في بَلِيّة،
وشدّة في صرفك عن العمل بما أوحى إليك.
وقال أيضًا: الفتنة تكون من الأفعال الصادرة من الله تعالى، ومن العبد، كالبلية، والمصيبة، والقتل، والعذاب، والمعصية، وغيرها من المكروهات، فإن كانت من الله فهي على وجه الحكمة، وإن كانت من الإنسان بغير أمر الله، فهي مذمومة، فقد ذم الله الإنسان بإيقاع الفتنة، كقوله: ﴿والفِتْنَةُ أشَدُّ مِنَ القَتْلِ﴾ [البقرة ١٩١]، وقوله: ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ [البروج ١٠]، وقوله: ﴿ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢)﴾ [الصافات ١٦٢]، وقوله: ﴿بِأيِّكُمُ المَفْتُونُ (٦)﴾ [القلم ٦]، وكقوله: ﴿واحْذَرْهُمْ أنْ يَفْتِنُوكَ﴾ [المائدة ٤٩].
وقال غيره: أصل الفتنة الاختبار، ثم استُعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه، ثم أُطلقت على كل مكروه، أو آيل إليه، كالكفر، والإثم، والتحريق، والفضيحة، والفجور، وغير ذلك. انتهى [«الفتح» ١٦/ ٤٣٢، كتاب «الفتن» رقم (٧٠٤٨)].
(ويُلْقى الشُّحُّ) :وقال في «القاموس»، و«شرحه»: الشحُّ مثلَّثَةً: البُخْل، والحِرْصُ. وقيل:
هو أشَدُّ البُخْل….. انتهى [«تاج العروس» ص ١٦٤٣].
والمراد: إلقاؤه في قلوب الناس، على اختلاف أحوالهم، حتى يبخل العالم بعلمه، فيترك التعليم، والفتوى….
قال: وأما ظهور الفتن، فالمراد بها: ما يؤثّر في أمر الدين، وأما كثرة القتل، فالمراد بها: ما لا يكون على وجه الحقّ [«بهجة النفوس» ٤/ ٢٥٨].
[تنبيه]: المراد: أنه يُلقى إليهم؛ أي: يُوقَع في قلوبهم،
[«الفتح» ١٦/ ٤٥٦].
[فإن قلت]: تقدّم في نزول عيسى؛ في »كتاب الأنبياء« أنه يَفيض المال
حتى لا يقبله أحد، وفي »كتاب الزكاة«:» لا تقوم الساعة حتى يطوف أحدكم بصدقته، لا يجد من يقبلها«.
[قلت]: كلاهما من أشراط الساعة، لكن كل منهما في زمان غير زمان الآخر. انتهى [«عمدة القاري» ٢٤/ ١٨٢ – ١٨٣].
قوله: «فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة»، ومنه: «يتهارجون تهارج الحمر»،
قيل: معناه: يتخالطون رجالًا ونساء، ويتناكحون مُزاناةً، ويقال: هَرَجها
يهرجْها: إذا نكحها، ويهرجها بفتح الراء، وضمّها، وكسرها، قاله في
«العمدة» [«عمدة القاري» ٢/ ٩٢].
(قالَ: «القَتْلُ») هذا صريح في أن تفسير الهرج مرفوع
وعند البخاريّ في
«كتاب العلم» عن أبي هريرة في آخره: «قيل: يا رسول الله، وما الهرج؟
فقال هكذا بيده، فحرّفها، كأنه يريد القتل».
وجاء تفسير أيام الهرج فيما أخرجه أحمد، والطبرانيّ بسند حسن، من
حديث خالد بن الوليد: «أن رجلًا قال له: يا أبا سليمان، اتق الله، فإن الفتن
ظهرت، فقال: أما وابن الخطاب حيّ فلا، إنما تكون بعده، فينظر الرجل، فيفكر، هل يجد مكانًا لم ينزل به مثل ما نزل بمكانه الذي هو به، من الفتنة والشرّ؟ فلا يجد، فتلك الأيام التي ذكر رسول الله – ﷺ – بين يدي الساعة أيام الهرج»، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه.
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٧٦٩] (…) – (حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدّارِمِيُّ، أخْبَرَنا أبُو اليَمانِ، أخْبَرَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، أنَّ
أباهرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ -: «يَتَقارَبُ الزَّمانُ، ويُقْبَضُ العِلْمُ [وفي نسخة: «ويقبض العمل»]»، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ).
وقوله: (ويُقْبَضُ العِلْمُ) وفي بعض النُّسخ: «ويقبض العمل».
وقوله: (ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ) فاعل «ذَكَرَ» ضمير شعيب بن أبي حمزة.
[تنبيه]: رواية شُعيب بن أبي حمزة عن الزهريّ هذه ساقها البخاريّ ﵀
في«صحيحه»، فقال:
(٥٦٩٠) – حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ، عن الزهريّ، قال: أخبرني
حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال: قال رسول الله – ﷺ -: «يتقارب
الزمان، وينقص العمل، ويُلقى الشحّ، ويكثر الهرج»، قالوا: وما الهرج؟ قال:
«القتل، القتل». انتهى [«صحيح البخاريّ» ٥/ ٢٢٤٥].
وساقها الطبرانيّ في «مسند الشاميين» بلفظ: «ويُقبض العلم»، كرواية
مسلم، فقال:
(٣٠٦٥) – حدّثنا أبو زرعة، ثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهريّ،
أخبرني حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله – ﷺ -:
«يتقارب الزمان، ويُقبض العلم، ويُلقى الشحّ، ويكثر الهرج»، قالوا: وما
الهرج يا رسول الله؟ قال: «القتل، القتل». انتهى [«مسند الشاميين» ٤/ ١٨٣ – ١٨٤].
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٧٧٢] (٢٦٧٣).
(يَنْتَزِعُهُ مِنَ النّاسِ)؛ أي: مَحْوًا من الصدور. قال ابن بطّال رحمه الله: معناه: إن الله لا ينزع العلم من العباد بعد أن يتفضّل به عليهم، ولا يسترجع ما وهَبَ لهم من العلم المؤدّي إلى معرفته، وبَثّ شريعته، وإنما يكون انتزاعه بتضييعهم العلم، فلا يوجد من يَخلُف من مضى، فأنذر – ﷺ – بقبض الخير كله.
وكان تحديث النبي – ﷺ – بذلك في حجة الوداع، كما رواه أحمد، والطبراني من حديث أبي أمامة – ﵁ -، قال: لمّا كان في حجة الوداع قال النبي – ﷺ -: «خُذُوا العلم قبل أن يُقبَض، أو يُرفع»، فقال أعرابي: كيف يُرفَع؟
فقال: «ألا إنّ ذَهاب العلم ذَهابُ حَمَلته»، ثلاث مرات.
وفيه التحذير عن اتخاذ الجهّال رؤوسًا.
(فَسُئِلُوا) (بِغَيْرِ عِلْمٍ) وفي رواية أبي الأسود عند البخاريّ في «الاعتصام»: «فيُفتُون برأيهم».
وفي هذا الحديث: الحثُّ على حفظ العلم، والتحذير من ترئيس الجَهَلَة.
وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية، وذَمُّ من يُقْدِم عليها بغير علم. واستدل به
الجمهور على القول بخلوّ الزمان عن مجتهد، ولله الأمر يفعل ما يشاء.
وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – هذا متّفقٌ
وفي رواية البخاريّ: «إن الله لا ينزع
العلم بعد أن أعطاكموه»
فوائد وفقه الحديث:
1 – (منها): أن فيه عَلَمًا من أعلام النبوّة، حيث أخبر – ﷺ – بما سيكون في آخر الزمان، فوقع بعضه إلى الآن، وسيقع ما بقي على مرّ الأزمان.
2 – (ومنها): ما قاله الكرمانيّ رحمه الله: وإنما كان اختلال هذه الأمور -يعني: الخمسة المذكورة في هذا الحديث- مؤذنًا بخراب العالم؛ لأن الخلق لا يُترَكون هَمَلًا، ولا نبيّ بعد نبينا -صلوات الله تعالى، وسلامه عليهم أجمعين- فيتعيّن ذلك.
3 – (ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله في «المفهم»: في هذا الحديث عَلَمٌ من
أعلام النبوة؛ إذ أخبر – ﷺ – عن أمور ستقع، فوقعت خصوصًا في هذه الأزمان.
وقال القرطبيّ في «التذكرة»: يَحْتَمِل أن يراد بالقيّم: من يقوم عليهنّ، سواء كنّ موطوءات، أم لا، ويَحْتَمِل أن يكون ذلك يقع في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول: الله الله، فيتزوج الواحد بغير عدد؛ جهلًا بالحكم الشرعيّ.
قال العينيّ: وقد وُجد ذلك من بعض أمراء التركمان، وغيرهم، من أهل هذا الزمان، مع دعواه الإسلام، والله المستعان. انتهى [«عمدة القاري شرح صحيح البخاريّ» ٣/ ٩٤].
4 – (ومنها): ما قاله ابن الجوزيّ رحمه الله: وأما رفع العلم فيكون بشيئين:
أحدهما: بموت العلماء، كما قال في حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما -: «ولكن يقبضه بقبض العلماء».
والثاني: بخساسة الهمم، واقتناعها باليسير منه، فإنها إذا دَنَت قصرت، وكَشْفُ هذا: أنك إذا تأملت من سَبَق من العلماء، رأيت كل واحد منهم يتفنّن في العلوم، ويرتقي في كل فنّ إلى أقصاه، حتى روينا عن الشعبيّ أنه قال: ما أروي أقلّ من الشعر، ولو شئت لأنشدتكم شهرًا لا أُعيد.
ثم إن الرغبات فَتَرت في العلم، فصار صاحب الحديث يقتصر على ما علا إسناده، ويُعرِض عن الفقه، فلو وقعت مسألة في الطهارة، لم يهتد لجوابها، وصار الفقيه يقتصر على ما كُتب في التعليقة، ولا يدري هل الحديث الذي بنى عليه الحكم صحيح أم لا؟ وصار اللغويّ يشتغل بحفظ ألفاظ العرب، ولا يلتفت إلى الفقه، فهذا رَفْع العلم، ثم له رفع من حيث المعنى، وهو أنا إذا وجدنا العالِم المتقِن قد مال إلى الدنيا، وتشاغل بخدمة السلاطين،
والتردد إليهم، غير آمر بالمعروف، ولا ناهٍ لهم عن منكر، وعَكَف على اللذات، وربما مزجها بحرام، كلُبس الحرير، لم يَبق لعلمه نور عند المقتبس، فصار كالطبيب المخلّط، لا يكاد يُقبل قوله في الحِمْية، فمات العلم عنده، وهو موجود. نسأل الله عزمًا مُجِدًّا، لا فتور فيه، وعملًا خالصًا، لا رياء معه. انتهى كلام ابن الجوزيّ رحمه الله، وهو تحقيق أنيسٌ، والله أعلم.
5 – (ومنها): ما ذكره في «العمدة» على طريقة الأسئلة والأجوبة، فقال:
منها: ما قيل: من أين عَرَف أنس – رضي الله عنه – أن أحدًا لا يحدّث بعده؟
أجيب: بأنه لعله عرفه بإخبار الرسول – ﷺ -، أو قال بناءً على ظنه أنه لم
يسمع الحديث غيره من رسول الله – ﷺ -.
وقال ابن بطال رحمه الله: يَحْتَمِل أن أنسًا – رضي الله عنه – قال ذلك؛ لأنه لم يَبق من أصحاب رسول الله – ﷺ – غيره، أو لِما رأى من التغير، ونَقْص العلم، فوعظهم بما سمع من النبيّ – ﷺ – في نقص العلم، أنه من أشراط الساعة؛ ليحضّهم على
طلب العلم، ثم أتى بالحديث على نصّه.
قال العينيّ رحمه الله: يَحْتَمِل أن يكون الخطاب بذلك لأهل البصرة خاصّة؛ لأنه آخر من مات بالبصرة – ﵁ -.
وقال القرطبىّ رحمه الله: إنما قال أنس – رضي الله عنه – ذلك؛ لأنّ أصحاب رسول الله – ﷺ – قد كانوا انقرضوا في ذلك الوقت، فلم يبق منهم غيره، فإنه من آخرهم موتًا،
تُوُفّي بالبصرة سنة ثلاث وتسعين، على ما قاله خليفة بن خياط، وقيل: كان سنّه يوم مات مائة سنة وعشر سنين، وقيل: أقلّ من ذلك، والأول أكثر، وكان
ذلك ببركة دعاء النبي – ﷺ – له بذلك. انتهى [«المفهم» ٦/ ٧٠٤ – ٧٠٥].
ومنها: ما قيل: ما فائدة تخصيص هذه الأشياء الخمسة بالذكر؟
أجيب: بأن فائدة ذلك: أنها مُشعِرة باختلال الضرورات الخمس، الواجبة رعايتها في جميع الأديان، التي بحفظها صلاح المعاش والمعاد، ونظام أحوال الدارين، وهي الدِّين، والعقل، والنفس، والنسب، والمال، فرَفْع العلم مُخِلّ بحفظ الدّين، وشرب الخمر بالعقل، وبالمال أيضًا، وقلة الرجال سبب الفتن بالنفس، وظهور الزنا بالنسب، وكذا بالمال.
ومنها: ما قيل: لِمَ كان اختلال هذه الأمور من علاماتها؟
أجيب: بأن الخلائق لا يُترَكون سُدًى، ولا نبىّ بعد هذا الزمان، فتعيَّن خراب العالم، وقرب القيامة. انتهى [«عمدة القاري» ٢/ ٨٤]، والله تعالى أعلم.
6 – (منها): أن فيه الحثَّ على حفظ العلم والاشتغال به.
7 – (ومنها): أن الفتوى هي الرئاسة الحقيقيّة، وذمّ من يُقْدِم عليها بغير علم.
8 – (ومنها): التحذير عن اتّخاذ الجُهّال رؤساء.
9 – (ومنها): وجوب اجتناب الرأي والقياس، وهو محمول على الرأي المذموم، كما سيأتي بيانه في المسألة التالية- إن شاء الله تعالى-.
10 – (ومنها): أن فيه دلالةً للقائلين بجواز خلوّ الزمان عن المجتهد، على ما هو مذهب الجمهور، خلافًا للحنابلة.
ومسألة خلوّ الزمان عن المجتهد مشهورة في كتب الأصول، وحاصلها: أن الجمهور يَرَوْن جوازه، وخالف في ذلك الحنابلة، وذهب العلامة ابن دقيق العيد إلى أنه لا يجوز ما لم تأت أشراط الساعة الكبرى، كطلوع الشمس من مغربها، فإذا أتت جاز الخلوّ عنه.
قال الأتيوبي عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما قاله ابن دقيق العيد هو الأرجح؛ للحديث الآتي.
ثم على القول بالجواز أنه لم يثبُت وقوعه، وقيل: يقع؛ لحديث «الصحيحين»: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقّ حتى يأتي أمر الله»؛ أي: الساعة، والمراد به: إتيان الأشراط المذكورة.
ودليل الوقوع: حديث الباب المتّفق عليه، وحديث البخاريّ: «إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبُت الجهل»، والمراد برفع العلم: قَبْض أهله.
قال الأتيوبي: لا خلاف بين الأحاديث، إذ هي على معنى واحد، وهو أن المراد بالحديثين الأخيرين: عند قرب الساعة، فيكونان بمعنى الحديث الأول؛ أي: أن قبض العلم ورفعه يكون عند قرب الساعة بظهور أشراطها المذكورة، والله تعالى أعلم.
وإلى ما ذُكر أشار السيوطيّ رحمه الله تعالى:
جازَ خُلُوُّ العَصْرِ عَنْ مُجْتَهِدِ … ومُطْلَقًا يَمْنَعُ قَوْمُ أحْمَدِ
وابْنُ دَقِيقِ العِيدِ لا إنْ أتَتِ … أشْراطُها والمُرْتَضى لَمْ يَثْبُتِ [راجع ما كتبته على: «الكوكب الساطع» ص ٥٥٦ – ٥٥٧]
وقال في «الفتح»وذكر الأحاديث المتعارضة :
ويمكن أن تنزل هذه الأحاديث على الترتيب في الواقع، فيكون أولًا رفع
العلم بقبض العلماء المجتهدين الاجتهاد المطلق، ثم المقيّد ثانيًا، فإذا لم يبق
مجتهد استووا في التقليد، لكن ربما كان بعض المقلدين أقرب إلى بلوغ درجة
الاجتهاد المقيّد من بعض، ولا سيما إن فرّعنا على جواز تجزيء الاجتهاد،
ولكن لغلبة الجهل يقدّم أهل الجهل أمثالهم، وإليه الإشارة بقوله: «اتخذ الناس
رؤساء جهالًا»، وهذا لا ينفي ترئيس بعض من لم يتصف بالجهل التامّ، كما لا
يمتنع ترئيس من يُنسب إلى الجهل في الجملة في زمن أهل الاجتهاد.
وقد أخرج ابن عبد البرّ في كتاب العلم، من طريق عبد الله بن وهب،
سمعت خلاد بن سلمان الحضرميّ يقول: حدّثنا دَرّاج أبو السمح يقول: يأتي
على الناس زمان يُسمّن الرجل راحلته حتى يسير عليها في الأمصار، يلتمس
من يفتيه بسُنّة، قد عمل بها، فلا يجد إلا من يفتيه بالظنّ. فيُحمَل على أن
المراد: الأغلب الأكثر في الحالين، وقد وُجد هذا مشاهدًا، ثم يجوز أن
يقبض أهل تلك الصفة، ولا يبقى إلا المقلد الصِّرْف، وحينئذ يتصور خلو
الزمان عن مجتهد، حتى في بعض الأبواب، بل في بعض المسائل، ولكن
يبقى من له نسبة إلى العلم في الجملة، ثم يزداد حينئذ غلبة الجهل، وترئيس
أهله، ثم يجوز أن يقبض أولئك، حتى لا يبقى منهم أحد، وذلك جدير بأن
يكون عند خروج الدجال، أو بعد موت عيسى ﵇، وحينئذ يُتصوّر خلو الزمان عمن يُنسب إلى العلم أصلًا، ثم تَهُبّ الريح، فتقبض كل مؤمن، وهناك
يتحقق خلوّ الأرض عن مسلم فضلًا عن عالم، فضلًا عن مجتهد، ويبقى شرار
الناس، فعليهم تقوم الساعة، والعلم عند الله تعالى. انتهى ما في «الفتح» [«الفتح» ١٧/ ١٨٨ – ١٩٠]، وهو بحثٌ مفيدٌ، والله تعالى أعلم.
11 – (ومنها): أن الداوديّ قال: هذا الحديث خرج مخرج العموم، والمراد به الخصوص؛ لقوله – ﷺ -: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقّ
حتى يأتي أمر الله»، ويقال: هذا بعد إتيان أمر الله تعالى، إن لم يُفسّر إتيان
الأمر بإتيان القيامة، أو عدم بقاء العلماء إنما هو في بعض المواضع كما في
بيت المقدس مثلًا، إن فسَّرناه به، فيكون محمولًا على التخصيص جمعًا بين
الأدلّة.
12 – (ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله تعالى: هذا الحديث بيّن كيفيةَ رفع العلم، وظهور الجهل، وهو نصّ في أن رفع العلم لا يكون بمحوه من الصدور، بل بموت العلماء، وبقاء الجهّال الذين يتعاطون مناصب العلماء في الفتيا والتعليم، يُفتون بالجهل، ويُعلّمونه، فينتشر الجهل، ويظهر، وقد ظهر
ذلك، ووُجد على نحو ما أخبر – ﷺ -، فكان ذلك دليلًا من أدلّة نبوّته، وخصوصًا
في هذه الأزمان، إذ قد وليَ المدارس والفتيا كثيرٌ من الجهّال والصبيان،
وحُرِمها أهل ذلك الشأن. انتهى [«المفهم» ٦/ ٧٠٥]، والله تعالى أعلم.
13 – (منها): أن في حديث أبي أمامة – رضي الله عنه – من الفائدة الزائدة أن بقاء الكتب بعد رفع العلم بموت العلماء، لا يغني من ليس بعالم شيئًا،
وأخرج أحمد من طريق يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة،
فذكر الحديث، وفيه: «وُيرفع العلم، فسمعه عمر، فقال: أما إنه ليس ينزع من
صدور العلماء، ولكن بذهاب العلماء»، وهذا يَحْتَمِل أن يكون عند عمر
مرفوعًا، فيكون شاهدًا قويًّا لحديث عبد الله بن عمرو.
14 – (ومنها): أن فيه الزجرَ عن ترئيس الجاهل؛ لِما يترتب عليه من
المفسدة، وقد يَتَمَسّك به من لا يجيز تولية الجاهل بالحكم، ولو كان عاقلًا
عفيفًا، لكن إذا دار الأمر بين العالم الفاسق، والجاهل العفيف، فالجاهل العفيف
أولى؛ لأن ورَعه يمنعه عن الحكم بغير علم، فيحمله على البحث والسؤال.
15 – (ومنها): أن فيه حضَّ أهل العلم، وطَلَبَته على أخذ بعضهم عن بعض، وشهادة بعضهم لبعض بالحفظ والفضل.
16 – (ومنها): أن فيه حضّ العالم طالبه على الأخذ عن غيره؛ ليستفيد ما
ليس عنده.
17 – (ومنها): التثبت فيما يحدّث به المحدّث إذا قامت قرينة الذهول، ومراعاة الفاضل من جهة قول عائشة –رضي الله عنها-: اذهب إليه، ففاتحه، حتى تسأله عن
الحديث، ولم تقل له: سله عنه ابتداءً؛ خشيةً من استيحاشه.
18 – (ومنها): ما قاله ابن بطال –رحمه الله-: التوفيق بين الآية والحديث في ذم
العمل بالرأي، وبين ما فعله السلف من استنباط الأحكام أن نص الآية ذمّ
القول بغير علم، فُخَصّ به من تكلم برأي مجرد عن استناد إلى أصل، ومعنى
الحديث: ذمّ من أفتى مع الجهل، ولذلك وصَفهم بالضلال، والإضلال، وإلا
فقد مَدَح من استنبط من الأصل بقوله تعالى: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنهُمْ﴾
[النساء ٨٣]، فالرأي إذا كان مستندًا إلى أصل من الكتاب، أو السُّنَّة، أو
الإجماع، فهو المحمود، وإذا كان لا يستند إلى شيء منها، فهو المذموم،
انتهى [«الفتح» ١٧/ ١٩٠ – ١٩١، كتاب «الاعتصام» رقم (٧٣٠٧)]، والله تعالى أعلم.
[البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
19 – قال ابن العثيمين:
ففي هذا الحديث إشارة إلى أن العلم سيقبض، ولا يبقى في الأرض عالم يرشد الناس إلى دين الله، فتتدهور الأمة وتضل ثم بعد ذلك ينزع منها القرآن، ينزع من الصدور ومن المصاحف كما قال أهل السنة: ” إن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود ” قالوا: معنى وإليه يعود أي: يرجع إلى الله عز وجل في آخر الزمان حين يهجره الناس هجرًا تامًّا لا يقرؤونه ولا يعملون به، …
كذلك القرآن الكريم ينتزع من الصدور ومن المصاحف ويرفع إلى الرب عز وجل، لأنه كلامه منه بدأ وإليه يعود، العلم أيضًا لا ينتزع من صدور الرجال لكن يقبض بموت العلماء، يموت العلماء الذين هم علماء حقيقة ولا يبقى عالم فيتخذ الناس رؤساء، يعني يتخذ الناس من يترأسهم ويستفتونه لكنهم جهال يفتون بغير علم فيَضلون ويُضلون والعياذ بالله، وتبقى الشريعة بين هؤلاء الجهال يحكمون فيها بين الناس وهم جهلة لا يعرفون فلا يبقى عالم، وحينئذ لا يوجد الإسلام الحقيقي الذي يكون مبنيًّا على الكتاب والسنة لأن أهله قد قبضوا،
وفي هذا الحديث حث على طلب العلم لأن الرسول أخبرنا بهذا لأجل أن نتحاشى ونتدارك هذا الأمر ونطلب العلم وليس المعنى أنه أخبرنا لنستسلم فقط لا من أجل أن نحرص على طلب العلم حتى لا نصل إلى الحال التي وصفها الرسول عليه الصلاة والسلام، والإخبار بالواقع لا يعني إقراره يعني إذا أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام عن شيء ليس معناه أنه يقرّه ويسمح فيه، كما أخبر عليه الصلاة والسلام وأقسم قال: ( لتركبن سنن من كان قبلكم ) يعني: لتركبن طرق من كان قبلكم، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: نعم اليهود والنصارى، فأخبر أن هذه الأمة سوف ترتكب ما كان عليه اليهود والنصارى إخبار تحذير لا إخبار تقرير وإباحة، فيجب أن نعلم الفرق بين ما يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مقررًا له ومثبتًا له وما يخبر به محذرًا عنه، فالرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأن العلماء سيموتون ويعني ذلك أن نحرص حتى لا ندرك هذا الوقت الذي يموت فيه العلماء ولا يبقى إلا هؤلاء الرؤساء الجهال الذين يفتون بغير علم فيضلون بأنفسهم ويضلون غيرهم، اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا وعملًا صالحًا ورزقًا طيبًا واسعًا.
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (5/ 452)]
20 -باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان
سبق شرح الحديث في صحيح البخاري حديث 80، 81
بوب عليه البخاري: باب رفع العلم وظهور الجهل
بوب عليه ابن حبان: ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ” أَرَادَ بِهِ ذَهَابَ مَنْ يُحْسِنُ عِلْمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا أَنَّ عِلْمَهُ يُرْفَعُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ
بوب ابن ماجه: بَابُ اجْتِنَابِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ
بوب النسائي في الكبرى: كَيْفَ يُرْفَعُ الْعِلْمُ
بوب أبو عوانة في مستخرجه: باب: إباحة تسمية المفتي جاهلًا إذا أفتى بغير علم، وأنه ضال مضل، واتخاذهم الناس رؤوسًا عند عدم العلماء، والدليل على أن العلم هو الفقه والفهم لا كتابته، وأن الهدى بالفهم
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى): .
قال الحافظ: الذي يظهر أن الذي شاهده يعني ابن بطال في فشو الجهل كان منه الكثير، مع وجود
مقابله، والمراد من الحديث استحكام ذلك، حتى لا يبقى مما يقابله إلا
النادر، ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن ماجه بسند قويّ عن حذيفة – رضي الله عنه – قال:
«يدرُس الإسلام كما يدرس وشْي الثوب، حتى لا يُدرى ما صيام، ولا صلاة،
ولا نُسك، ولا صدقة، ويُسْرى على الكتاب في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه
آية…» الحديث.
وعند الطبرانيّ عن عبد الله بن مسعود قال: «وليُنزعن القرآن من بين
أظهركم، يُسرى عليه ليلًا، فيذهب من أجواف الرجال، فلا يبقى في الأرض
منه شيء»، وسنده صحيح، لكنه موقوف.
والواقع أن الصفات المذكورة وُجدت مباديها من عهد الصحابة – رضي الله عنهم -، ثم صارت تكثر في بعض الأماكن دون بعض، والذي يعقبه قيام الساعة استحكام ذلك كما قررته.
وقد مضى من الوقت الذي قال فيه ابن بطال ما قال نحوُ ثلاثمائة وخمسين سنةً، والصفات المذكورة في ازدياد في جميع البلاد، لكن يقلّ بعضها في بعض، ويكثر بعضها في بعض، وكلما مضت طبقة ظهر النقص الكثير في التي تليها، والى ذلك الإشارة بقوله – ﷺ -: «لا يأتي عليكم زمان، إلا الذي بعده شَرّ منه، حتى تلقوا ربكم»، رواه البخاريّ.
ثم نقل ابن بطال عن الخطابيّ في معنى تقارب الزمان المذكور في الحديث الآخر؛ يعني: الذي أخرجه الترمذيّ من حديث أنس، وأحمد من
حديث أبي هريرة، مرفوعًا: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة
كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون
الساعة كاحتراق السَّعَفَة»، قال الخطابيّ: هو من استلذاذ العيش، يريد- والله
أعلم- أنه يقع عند خروج المهديّ، ووقوع الأمَنة في الأرض، وغلبة العدل
فيها، فيُستلذّ العيش عند ذلك، وتُستقصر مدّته، وما زال الناس يستقصرون مدة
أيام الرخاء، وإن طالت، ويستطيلون مدة المكروه، وإن قصرت.
ومن طريف ما يروى فيه قول الشاعر [من الكامل]:
إنَّ الحَياةَ مَنازِلٌ ومَراحِلٌ … تُطْوى وتُنْشَرُ دُونَها الأعْمارُ
فَقِصارُهُنَّ مَعَ الهُمُومِ طَوَيلَةٌ … وطِوالُهُنَّ مَعَ السُّرُورِ قِصارُ [راجع البيتين في: «تكملة فتح الملهم» ٥/ ٥٢٣]
وتعقبه الكرمانيّ بأنه لا يناسب أخواته، من ظهور الفتن، وكثرة الهرج،
وغيرهما.
قال الحافظ: وإنما احتاج الخطابيّ إلى تأويله بما ذُكر؛ لأنه لم يقع النقص في زمانه، وإلا فالذي تضمّنه الحديث قد وُجد في زماننا هذا، فإنا نجد من سرعة مَرّ الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا، وإن لم يكن هناك عيش مستلذّ، والحقّ أن المراد: نزع البركة من كل شيء، حتى من الزمان، وذلك من علامات قرب الساعة.
قال النوويّ تبعًا لعياض وغيره: المراد بقِصَره: عدم البركة فيه ……. وذكر ابن حجر اقوالا أخرى «الفتح» [«الفتح» ١٦/ ٤٥٣ – ٤٥٥]، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج].
قال الراجحي:
وقوله: ((يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ)): اختلف العلماء في معناه، فالأقرب- والله أعلم- أن المراد بتقارب الزمان: قطع المسافات البعيدة بزمن قصير، فالعلماء السابقون ما كان يدور بخلدهم مثل هذه الاختراعات الحديثة، ولو وقع في زمانهم هذا لفسروا تقارب الزمان بقطع المسافات الطويلة في زمن قصير. والله أعلم.
وقوله: ((وَيُلْقَى الشُّحُّ)) هو شدة البخل ،و في الحديث: ((وَاتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ))، والله تعالى يقول: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}.
وقوله: ((وَتَظْهَرُ الفِتَنُ)): ومن الفتن: الشبهات، والشهوات، وفتن الحروب
وقوله: ((وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ، وَتَبْقَى النِّسَاءُ)): هذا في آخر الزمان، إذا كثرت الحروب أَكلتِ الرجالَ وأبقتِ النساءَ، ((حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ)) يَلُذْنَ به، ومعلوم أنه لا يستطيع القيم أن يلاحظ هذه الكثرة من النساء؛ لهذا يكثر الزنا، وقد يكون- أيضًا- كثرة النساء بكثرة ولادة النساء في آخر الزمان.
[توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (7/ 477)]
—–
(المسألة الثانية): في تقسيم الرأي على ثلاثة أقسام:
قال الإمام ابن القيّم في كتابه النافع «إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين»:
الرأي ثلاثة أقسام: رأي باطل بلا ريب، ورأي صحيح، ورأي هو موضع الاشتباه، والأقسام الثلاثة قد أشار إليها السلف، فاستعملوا الرأي الصحيح، وعملوا به، وأفتَوْا به، وسوّغوا القول به، وذمّوا الباطل، ومنعوا من العمل والفتيا والقضاء به، وأطلقوا ألسنتهم بذمّه وذمّ أهله.
والقسم الثالث سوّغوا العمل والفتيا والقضاء به عند الاضطرار إليه، حيث لا يُوجد منه بدٌّ، ولم يُلزموا أحدًا العمل به، ولم يُحرّموا مخالفته، ولا جعلوا مخالفه مخالفًا للدين، بل غايته أنهم خَيَّروا بين قبوله وردّه، فهو بمنزلة ما أُبيح للمضطرّ من الطعام والشراب الذي يَحرُم عند عدم الضرورة إليه، كما قال الإمام أحمد: سألت الشافعيّ عن القياس، فقال لي: عند الضرورة.
وكان استعمالهم لهذا النوع بقَدْر الضرورة، لم يُفْرِطُوا فيه، ويُفَرّعوه، ويولّدوه،
ويوسّعوه كما صنع المتأخّرون
فالرأي الباطل أنواع:
[أحدها]: الرأي المخالف للنّصّ، وهذا مما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام فساده وبطلانه، ولا تحلّ الفُتيا به ولا القضاء، وإن وقع فيه مَن وقع بنوع تأويل وتقليد.
[النوع الثاني]: هو الكلام في الدِّين بالخَرْص والظنّ، مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص، وفهمِها، واستنباط الأحكام منها، فإن مَن جهلها، وقاس برأيه فيما سُئل عنه بغير علم، بل لمجرّد قَدْر جامع بين الشيئين أُلحق أحدهما بالآخر، أو لمجرّد قدر فارقٍ يراه بينهما يُفرّق بينهما في الحكم، من غير نظر إلى النصوص والآثار، فقد وقع في الرأي المذموم الباطل فضلّ وأضلّ.
[النوع الثالث]: الرأي المتضمّن تعطيل أسماء الربّ وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهلُ البدع والضلال، من الجَهْميّة، والمعتزلة،
والقَدَريّة، ومن ضاهاهم، حيث استعمل أهله قياساتهم الفاسدة، وآراءهم
الباطلة، وشُبَههم الداحضة في ردّ النصوص الصحيحة الصريحة، ….
[النوع الرابع]: الرأي الذي أُحدثت به البدع، وغُيّرت به السنن، وعَمَّ البلاء، وتربّى عليه الصغير، وهَرِمَ فيه الكبير.
فهذه الأنواع الأربعة من الرأي الذي اتّفق سلف الأمة، وأئمتها على ذمّه، وإخراجه من الدِّين.
[النوع الخامس]: ما ذكره أبو عمر بن عبد البرّ عن جمهور أهل العلم، أن الرأي المذموم في هذه الآثار عن النبيّ – ﷺ -، وعن أصحابه والتابعين – رضي الله عنهم- أنه القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات، وردّ الفروع والنوازل بعضها على بعض قياسًا، دون
ردّها على أصولها، والنظر في عللها واعتبارها، فاستعمل فيها الرأي قبل أن
ينزل، وفُرِّعت، وشُقِّقت قبل أن تقع، وتكلّم فيها قبل أن تكون بالرأي
المضارع للظنّ، قالوا: وفي الاشتغال بهذا، والاستغراق فيه تعطيل السنن، والبعث على جهلها، وتَرْك الوقوف على ما يلزم الوقوف عليه منها، ومن
كتاب الله ومعانيه، واحْتَجُّوا عَلى صِحَّةِ ما ذَهَبُوا إلَيْهِ مِن ذَلِكَ بِأشْياءَ مِنها»
٢٠٣٦ – عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قالَ: «لا تَسْألُوا عَمّا لَمْ يَكُنْ؛ فَإنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ، يَلْعَنُ مَن سَألَ عَمّا لَمْ يَكُنْ»
٢٠٣٧ – عَنْ مُعاوِيَةَ رضي الله عنه، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ «نَهى عَنِ الأُغْلُوطاتِ» قالَ: يَعْنِي صِعابَ المَسائِلِ
واحتجّوا أيضًا بحديث سهل بن سعد – رضي الله عنه- وغيره أن رسول الله – ﷺ – كره
المسائل وعابَها [متّفقٌ عليه].
وأنه – ﷺ – قال: «إن الله عزوجل كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال» [حديث متّفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه -].
وأخرج ابن عبدالبر أيضا عن الأوزاعيّ، عن عبدة بن أبي لبابة قال: «وددتُ أن
أحظى من أهل الزمان أن لا أسألهم عن شيء، ولا يسألوني عن شيء،
يتكاثرون بالمسائل كما يتكاثر أهل الدراهم بالدراهم» [إسناده حسن].
وأخرج أيضًا عن إسماعيل بن عيّاش، ثنا شُرحبيل بن مسلم، أنه سمع
الحجاج بن عامر الثُّماليّ- وكان من أصحاب رسول الله – ﷺ – – أن رسول الله – ﷺ –
قال: «إياكم وكثرة السؤال» [إسناده حسن].
قال: وفي سماع أشهب: سئل مالك عن قول رسول الله – ﷺ -: «أنهاكم
عن قيل وقال، وكثرة السؤال»، فقال: أما كثرة السؤال فلا أدري أهو ما أنتم
فيه مما أنهاكم عنه من كثرة المسائل؟ فقد كره رسول الله – ﷺ – المسائل وعابها،
وقال الله ﷿: ﴿لا تَسْألُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة ١٠١]، فلا
أدري أهو هذا أم السؤال في مسألة الناس في الاستعطاف؟
واحتجّوا أيضًا بما رواه ابن شهاب، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص،
أنه سمع أباه يقول: قال رسول الله – ﷺ -: «أعظم المسلمين في المسلمين جُرمًا
من سأل عن شيء لم يُحرّم على المسلمين، فحرّم عليهم من أجل مسألته» [حديث متّفقٌ عليه]. انتهى كلام ابن عبد البر
تتمة كلام ابن القيم في أعلام الموقّعين:
وقد جاء ذمّ الرأي في كلام السلف رحمهم الله، فقد سئل الشعبيّ- وهو
من كبار التابعين، وقد أدرك مائة وعشرين من الصحابة، وأخذ عن معظمهم-
عن مسألة من النكاح، فقال للسائل: إن أخبرتك برأي، فبُلْ عليه. وعنه قال:
ما جاءكم به هؤلاء من أصحاب رسول الله – ﷺ – فخذوه، وما كان من رأيهم
فاطرحوه في الحُشّ [أي: الكنيف]. وعن عمرو بن دينار، قال: قيل لجابر بن زيد: إنهم يكتبون ما يسمعون منك، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، يكتبونه وأنا أرجع عنه
غدًا. وعن ابن عيينة قال: اجتهاد الرأي هو مشاورة أهل العلم، لا أن يقوله
هو برأيه. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الناس: أنه لا رأي لأحد مع سنة
سنّها رسول الله – ﷺ -. وعن أبي نضرة قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن
يقول للحسن البصريّ: بلغني أنك تفتي برأيك، فلا تُفت برأيك إلا أن يكون
سنّة عن رسول الله – ﷺ -. وعن أبي وائل قال: إياك ومجالسة من يقول: أرأيت
أرأيت. وعن ابن شهاب قال: دَعُوا السُّنَّة تمضي، لا تَعَرَّضُوا لها بالرأي.
وعنه قال- وهو يذكر ما وقع فيه الناس من هذا الرأي، وتَرْكهم السنن-: إن
اليهود والنصارى إنما انسلخوا من العلم الذي بأيديهم حين اتّبعوا الرأي،
وأخذوا فيه. وسأل رجل سالم بن عبد الله بن عمر عن شيء، فقال: لم أسمع
في هذا شيئًا، فقال له الرجل: فأخبرني- أصلحك الله- برأيك، فقال: لا، ثم
أعاد عليه، فقال: إني أرضى برأيك، فقال سالم: إني لعلّي إن أخبرتك برأيي،
ثم تذهب فأرى بعد ذلك رأيًا غيره، فلا أجدك. وقال البخاريّ: حدثنا
عبد العزيز بن عبد الله الأويسيّ، ثنا مالك بن أنس، قال: كان ربيعة يقول
لابن شهاب: إن حالي ليس يُشبه حالك، أنا أقول برأيي، من شاء أخذه،
وعمل به، ومن شاء تركه. وقال الفريابيّ: ثنا أحمد بن إبراهيم الدَّورقيّ قال:
سمعت عبد الرحمن بن مهديّ يقول: سمعت حماد بن زيد يقول: قيل لأيوب
السختيانيّ: ما لك لا تنظر في الرأي؟ فقال أيوب: قيل للحمار: ما لك لا
تَجْتَرُّ؟ قال: أكره مَضْغ الباطل. وقال الفريابيّ: ثنا العباس بن الوليد بن مَزْيَد،
أخبرني أبي قال: سمعت الأوزاعيّ يقول: عليك بآثار من سلف، وإن رفضك
الناس، وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوا لك القول. وقال أبو زرعة: ثنا أبو
مسهر، قال: كان سعيد بن عبد العزيز إذا سئل لا يُجيب حتى يقول: لا حول
ولا قوّة إلا بالله، هذا الرأي، والرأي يُخطئ ويُصيب. وقد روى أبو يوسف
والحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال: عِلمنا هذا رأي، وهو أحسن ما قَدَرنا
عليه، ومن جاءنا بأحسن منه قبلناه منه. وقال الطحاويّ: ثنا محمد بن
عبد الله بن عبد الحكم، ثنا أشهب بن عبد العزيز، قال: كنت عند مالك،
فسئل عن البَتّة، فأخذت ألواحي لأكتب ما قال، فقال لي مالك: لا تفعل، فعسى في العشيّ أقول: إنها واحدة. وقال معن بن عيسى القزّاز: سمعت مالكًا
يقول: إنما أنا بشرٌ أُخطئ وأُصيب، فانظروا في قولي، فكلُّ ما وافق الكتاب
والسُّنَّة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسُّنَّة فاتركوه. قال ابن القيّم ﵀:
فرضي الله عن أئمة الإسلام، وجزاهم عن نصيحتهم خيرًا، ولقد امتثل وصيّتهم
وسلك سبيلهم أهل العلم والدِّين من أتباعهم.
وأما المتعصّبون فإنهم عكسوا القضيّة، ونظروا في السُّنَّة، فما وافق
أقوالهم منها قبِلُوه، وما خالفها تحيّلوا في ردّه، أو ردّ دلالته، وإذا جاء نظير
ذلك، أو أضعف منه سندًا ودلالةً، وكان يوافق قولهم قبِلوه، ولم يستجيزوا
ردّه، واعترضوا به على منازِعهم، وأشاحوا، وقرّروا الاحتجاج بذلك السند
ودلالته، فإذا جاء ذلك السند بعينه، أو أقوى منه، ودلالته كدلالة ذلك، أو
أقوى منه في خلاف قولهم دفعوه، ولم يقبلوه.
وقال بقيّ بن مخلد: ثنا سحنون والحارث بن مسكين، عن ابن القاسم،
عن مالك أنه كان يكثر أن يقول: ﴿إنْ نَظُنُّ إلّا ظَنًّا وما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ [الجاثية ٣٢].
وقال القعنبيّ: دخلت على مالك بن أنس في مرضه الذي مات فيه،
فسلّمت عليه، ثم جلست، فرأيته يبكي، فقلت له: يا أبا عبد الله ما الذي
يبكيك؟ فقال لي: يا ابن قعنب وما لي لا أبكي؟ ومن أحقّ بالبكاء منّي؟ والله
لوددتُ أني ضُربت بكل مسألة أفتيت فيها بالرأي سَوْطًا، وقد كانت لي السعة
فيما قد سُبقتُ إليه، وليتني لم أُفتِ بالرأي.
وقال ابن أبي داود: ثنا أحمد بن سنان قال: سمعت الشافعيّ يقول: مَثلُ
الذي ينظر في الرأي، ثم يتوب منه مثل المجنون الذي عُولج حتى برئ، فأُعقل
ما يكون قد هاج به.
وقال ابن أبي داود: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي
يقول: لا تكاد ترى أحدًا نظر في الرأي إلا وفي قلبه دَغَل [«الدَّغَل» بفتحتين، والغين المعجمة، و«الدَّخَل» بالخاء المعجمة بوزنه: الفساد]. وقال عبد الله بن
أحمد أيضًا: سمعت أبي يقول: الحديث الضعيف أحبّ إليّ من الرأي، فقال عبد الله: سألت أبي عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيه إلا صاحب حديث لا
يَعرِف صحيحه من سقيمه، وأصحاب رأي، فتنزل به النازلة، فقال أبي: يسأل
أصحاب الحديث، ولا يسأل أصحاب الرأي، ضعيف الحديث أقوى من الرأي.
قال ابن القيّم: وأصحاب أبي حنيفة مُجمِعون على أن مذهب أبي
حنيفة أن ضعيف الحديث عنده أولى من القياس والرأي، وعلى ذلك بَنى
مذهبه، كما قدّم حديث القهقهة مع ضَعفه على القياس والرأي، وقدّم حديث
الوضوء بنبيذ التمر في السفر [القيد بالسفر محل نظر، وما أظنه شرطًا عندهم، فليُنظر] مع ضعفه على الرأي والقياس، ومنع قطع
السارق بسرقة أقلّ من عشرة دراهم، والحديث فيه ضعيف، وجعل أكثر
الحيض عشرة أيام، والحديث فيه ضعيف، وشَرَط في إقامة الجمعة المصرَ،
والحديث فيه كذلك، وتَرَك القياس المحض في مسائل الآبار؛ لآثار فيها غير
مرفوعة، فتقديم الحديث الضعيف، وآثار الصحابة على القياس والرأي قوله،
وقول الإمام أحمد، وليس المراد بالحديث الضعيف في اصطلاح السلف هو
الضعيف في اصطلاح المتأخرين، بل ما يسمّيه المتأخّرون حسنًا قد يسميه
المتقدّمون ضعيفًا.
قال الأتيوبي عفا الله تعالى عنه: قول ابن القيّم رحمه الله: إن مذهب أبي حنيفة
تقديم الحديث الضعيف على القياس، ثم ذكر أمثلة على ذلك، محلّ نظر،
فإنهم إذ قد فعلوا ذلك في الأمثلة المذكورة، فيا ليتهم وقفوا عليه، لكنهم
يردّون الأحاديث الصحيحة بالقياس، كما فعلوا في حديث المصرّاة المتّفق عليه، وكالحديث المتفق عليه أيضًا: «لا صلاة إلا بأم القرآن»، وكحديث بيع
العرايا، وكحديث تحريم الرجوع في الهبة إلا للوالد، وكحديث: «لا زكاة في حبّ ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق»، وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي
ردّوها بأنها تخالف القياس، وقد أجاد ابن القيّم حيث أورد نيّفًا وخمسين مثالًا
لِما خالف فيه الحنفيّة وغيرهم الأحاديث الصحيحة، فراجعه تستفد [راجع: «إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين» ١/ ٦١٧ – ٦٩٩]، وبالله تعالى التوفيق.
وأيضًا قوله: وليس المراد بالحديث الضعيف هو الضعيف في اصطلاح
المتأخرين محلّ نظر، فإنه لا ينطبق على مذهب الحنفيّة، كما تشهد به الأحاديث التي أوردها ابن القيّم أمثلة لذلك، فانها ضعيفة على اصطلاحهم، فتأملها بإنصاف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
قال: والمقصود أن السلف جميعهم على ذمّ الرأي والقياس المخالف للكتاب والسُّنَّة، وأنه لا يحلّ العمل به، لا فُتيا، ولا قضاءً، وأن الرأي الذي لا يُعلم مخالفته للكتاب والسُّنَّة ولا موافقته فغايته أن يسوغ العمل به عند الحاجة إليه، من غير إلزام، ولا إنكار على من خالفه.
وأخرج الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ بسنده عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه قال [من الكامل]:
دِينُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ آثارُ … نِعْمَ المَطِيّةُ لِلْفَتى الأخْبارُ
لا تُخْدَعَنَّ عَنِ الحَدِيثِ وأهْلِهِ … فالرَّأْيُ لَيْلٌ والحَدِيثُ نَهارُ
ولَرُبَّما جَهِلَ الفَتى طُرُقَ الهُدى … والشَّمْسُ طالِعَةٌ لَها أنْوارُ
ولبعض أهل العلم [من البسيط]:
العِلْمُ قالَ اللَّهُ قالَ رَسُولُهُ … قالَ الصَّحابَةُ لَيْسَ خُلْفٌ فِيهِ
ما العِلْمُ نَصْبُكَ لِلْخِلافِ سَفاهَةً … بَيْنَ النُّصُوصِ وبَيْنَ رَأْيِ سَفِيهِ
كَلّا ولا نَصْبُ الخِلافِ جَهالَةً … بَيْنَ الرَّسُولِ وبَيْنَ رَأْي فَقِيهِ
كَلّا ولا رَدُّ النُّصُوصِ تَعَمُّدًا … حَذَرًا مِنَ التَّجْسِيمِ والَتَّشْبِيهِ
حاشا النُّصُوصَ مِنَ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ … مِن فِرْقَةِ التَّعْطِيلِ والتَّمْوِيهِ [راجع: «إعلام الموقعين» ١/ ٧٥ – ٨١]والله تعالى أعلم بالصواب.
(المسألة الثالثة): في بيان الرأي المحمود:
(اعلم): أن الرأي المحمود أنواع:
(الأول): رأي أفقه الأمة، وأبرّهم قلوبًا، وأعمقهم علمًا، وأقلّهم تكلّفًا،
وأصحّهم قُصُودًا، وأكملهم فطرةً، وأتمّهم إدراكًا، وأصفاهم أذهانًا، الذين
شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وفهموا مقاصد الرسول – ﷺ -، فنسبة آرائهم
وقُصُودهم إلى ما جاء به الرسول – ﷺ – كنسبتهم إلى صحبته، والفرق بينهم وبين
من بعدهم في ذلك كالفرق بينهم وبينهم في الفضل، فنسبة رأي من بعدهم إلى
رأيهم كنسبة قدرهم إلى قدرهم. قال الشافعيّ في «رسالته البغداديّة» التي
رواها عنه الحسن بن محمد الزعفرانيّ، وهذا لفظه:
وقد أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله – ﷺ – في القرآن،
والتوراة، والإنجيل، وسَبَق لهم على لسان رسول الله – ﷺ – من الفضل ما ليس
لأحد بعدهم، فرحمهم الله، وهنّأهم بما آتاهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل
الصدّيقين والشهداء والصالحين، أدَّوا إلينا سُنَن رسول الله – ﷺ -، وشاهدوه،
والوحي يَنزِل عليه، فعلِموا ما أراد رسول الله – ﷺ – عامًّا وخاصًّا، وعزمًا
وإرشادًا، وعرفوا من سنّته ما عرفنا وجَهِلْنا، وهم فوقنا في كلّ علم، واجتهاد،
وورَع، وعقلٍ، وأمر استُدرك به علم، واستُنبط به، وآراؤهم لنا أحمدُ، وأولى
بنا مِن رَأْينا عند أنفسنا، ومن أدرَكْنا ممن يُرضى، أو حُكي لنا عنه ببلدنا
صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله – ﷺ – فيه سُنَّة إلى قولهم إن اجتمعوا، أو قول بعضهم إن تفرّقوا، وهكذا نقول، ولم نخرج عن أقاويلهم، وإن قال أحدهم
ولم يُخالفه غيره أخذنا بقوله.
ولَمّا كان رأي الصحابة – رضي الله عنهم- عند الشافعيّ بهذه المثابة، قال في الجديد
في «كتاب الفرائض» في ميراث الجدّ والإخوة: وهذا مذهبٌ تلقّيناه عن زيد بن
ثابت، وعنه أخذنا أكثر الفرائض.
وقال: والقياس عندي قتل الراهب لولا ما جاء عن أبي بكر – رضي الله عنه-، فَتَرك
صريح القياس لقول الصدّيق -رضي الله عنه -. وقال في رواية الربيع عنه: والبدعة ما
خالف كتابًا، أو سُنَّةً، أو أثرًا عن بعض أصحاب رسول الله – ﷺ -. فجعل ما
خالف قول الصحابيّ بدعة.
والمقصود: أن أحدًا ممن بعدهم لا يساويهم في رأيهم، وكيف يساويهم، وقد كان أحدهم يرى الرأي، فينزل القرآن بموافقته؟ كما رأى
عمر – رضي الله عنه – في أسارى بدر أن تُضرب أعناقهم، فنزل القرآن بموافقته، ورأى أن
تُحجب نساء النبيّ – ﷺ -، فنزل القرآن بموافقته، ورأى أن يُتّخذ مقام إبراهيم
مُصلّى، فنزل القرآن بموافقته، إلى غير ذلك من موافقاته.
وقد قال سعد بن معاذ – رضي الله عنه – لَمّا حكّمه النبيّ – ﷺ – في بني قريظة: إني أرى
أن تَقتل مُقاتِلهم، وتَسبي ذرياتهم، وتغنم أموالهم، فقال النبيّ – ﷺ -: «لقد
حكمت بحكم الله من فوق سبع سماواته». متّفقٌ عليه.
ولَمّا اختلفوا إلى ابن مسعود – رضي الله عنه- شهرًا في المُفَوِّضة قال: أقول فيها
برأيي، فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمنّي ومن الشيطان، والله
ورسوله بريء منه، أرى أن لها مهر نسائها، لا وكْس ولا شَطَط، ولها
الميراث، وعليها العدّة، فقام ناس من أشجع فقالوا: نشهد أن رسول الله – ﷺ –
قضى في امرأة منّا، يقال لها: بَرْوَع بنت واشق مثلَ ما قضيت به، فما فرِحَ ابن
مسعود – رضي الله عنه – بشيء بعد الإسلام فَرَحه بذلك. حديث صحيح، أخرجه أبو داود،
والترمذيّ، والنسائيّ وابن ماجه، وغيرهم.
وحقيقٌ بمن كانت آراؤهم بهذه المنزلة أن يكون رأيهم خيرًا لنا مِن رَأْينا
لأنفسنا، وكيف لا؟ وهو الرأي الصادر من قلوب ممتلئة نورًا وإيمانًا وحكمةً
وعلمًا ومعرفة وفهمًا عن الله تعالى، ورسوله – ﷺ -، ونصيحةً للأمة، وقلوبهم
على قلب نبيّهم، ولا واسطة بينهم وبينه، وهم يتلقّون العلم والإيمان من
مشكاة النبوّة غَضًّا طريًّا لم يَشُبْهُ إشكال، ولم يَشُبْه خلاف، ولم تدنّسه
معارضة، فقياس رأي غيرهم بآرائهم من أفسد القياس.
(النوع الثاني من الرأي المحمود): الرأي الذي يُفسّر النصوص، ويُبيّن وجه الدلالة منها، ويقرّرها، ويوضّح محاسنها، ويُسهّل طريق الاستنباط منها، كما قال عبدان: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: ليكن الذي تعتمد عليه الأثر، وخذ من الرأي ما يُفسّر لك الحديث، وهذا هو الفهم الذي يختصّ الله عزوجل به من يشاء من عباده.
ومثال هذا: رأي الصحابة – رضي الله عنهم – في العَوْل في الفرائض عند تزاحم
الفروض، ورأيهم في مسألة زوج وأبوين، وامرأة وأبوين أن للأم ثلث ما بقي
بعد فرض الزوجين، ورأيهم في توريث المبتوتة في مرض الموت، ورأيهم في
مسألة جرّ الولاء، ورأيهم في المُحْرم يقع على أهله بفساد حجه، ووجوب
المضيّ فيه، والقضاء، والهدي مِن قابل، ورأيهم في الحامل والمرضع إذا
خافتا على ولديهما أفطرتا، وقضتا، وأطعمتا لكلّ يوم مسكينًا، ورأيهم في
الحائض تطهر قبل طلوع الفجر تصلّي المغرب والعشاء، وإن طهرت قبل
الغروب صلّت الظهر والعصر، ورأيهم في الكَلالة، وغير ذلك.
قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أنا عاصم الأحول، عن
الشعبيّ قال: سئل أبو بكر عن الكلالة، فقال: إني سأقول فيها برأيي، فإن
يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمنّي ومن الشيطان، أراه ما خلا الوالد
والولد [رواه الدارميّ في»مسنده«(٢٩٧٦) وعبد الرزاق في»مصنفه«(١٩١٩١)، والبيهقيّ
في»سننه” ٦/ ٢٢٤. وفيه انقطاع؛ لأن الشعبيّ لم يسمع من أبي بكر -رضي الله عنه -].
(النوع الثالث من الرأي المحمود): هو الرأي الذي تواطأت عليه الأمّة،
وتلقّاه خلفهم عن سلفهم، فإن ما تواطؤوا عليه من الرأي لا يكون إلا صوابًا،
كما تواطؤوا عليه من الرواية والرؤيا، وقد قال النبيّ – ﷺ – لأصحابه، وقد
تعدّدت منهم رؤيا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان: «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر». متّفقٌ عليه، فاعتبر – ﷺ – تواطؤ رؤيا المؤمنين،
فالأمة معصومة فيما تواطأت عليه من روايتها ورؤياها، ولهذا كان من سَداد
الرأي وإصابته أن يكون شورى بين أهله، ولا ينفرد به واحد، وقد مدح الله عزوجل
المؤمنين بكون أمرهم شورى بينهم، وكانت النازلة إذا نزلت بأمير المؤمنين
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه – ليس عنده فيها نصّ عن الله ﷾، ولا عن رسوله – ﷺ – جَمَع لها أصحاب رسول الله – ﷺ -، ثم جعلها شُورى بينهم.
قال البخاريّ: حدّثنا سُنيد، ثنا يزيد، عن العوّام بن حَوْشَب، عن
المسيّب بن رافع قال: كان إذا جاء الشيء من القضاء ليس في الكتاب، ولا
في السُّنَّة، سُمِّي صوافي الأمراء [صوافي الأمراء: ما اختارهم الأمراء للفتيا من أهل العلم]، فيُرفع إليهم، فجُمع له أهل العلم، فما اجتمع عليه رأيهم فهو الحقّ [ضعيف؛ لأن سُنَيد ضعيف مع إمامته ومعرفته، راجع: «التقريب» ص ١٣٨].
(الرابع من الرأي المحمود): الاجتهاد بالرأي على ضوء الكتاب والسُّنَّة،
ورأي الصحابة، وذلك يكون بعد طلب علم الواقعة من القرآن، فإن لم يجدها
ففي السُّنَّة، فإن لم يجدها في السُّنَّة، فبما قضى به الخلفاء الراشدون، أو اثنان
منهم، أو واحد، فإن لم يجده فبما قاله واحد من الصحابة – ﵃ -، فإن لم يجده
اجتهد رأيه، ونظر إلى أقرب ذلك من كتاب الله، وسنّة رسوله – ﷺ -، وأقضية
أصحابه – رضي الله عنهم -، فهذا هو الرأي الذي سوّغه الصحابة، واستعملوه، وأقرّ بعضهم
بعضًا عليه.
قال عليّ بن الجعد: أنبأنا شعبة عن سيّار، قال: أخذ عمر – ﵁ – فرسًا
من رجل على سَوْم، فحَمَل عليه، فعطِبَ، فخاصمه الرجل، فقال عمر: اجعل
بيني وبينك رجلًا، فقال الرجل: إني أرضى بشُريح العراقيّ، فقال شريح:
أخذتَه صحيحًا سليمًا، فأنت ضامنٌ حتّى تردّه صحيحًا سليمًا، قال: فكأنه
أعجبه، فبعثه قاضيًا، وقال: ما استبان لك من كتاب الله فلا تسأل عنه، فإن لم
تَسْتَبِن في كتاب الله فمن السُّنَّة، فإن لم تجده في السُّنَّة فاجتهد رأيك.
وقال أبو عبيد: ثنا كثير بن هشام، عن جعفر بن بُرْقان، وقال أبو نُعيم: عن جعفر بن بُرقان، عن معمر البصريّ، عن أبي العَوّام، وقال سفيان بن
عيينة: ثنا إدريس أبو عبد الله بن إدريس، قال: أتيت سعيد بن أبي بُردة،
فسألته عن رُسُل عمر بن الخطّاب – رضي الله عنه – التي كان يكتب بها إلى أبي موسى
الأشعريّ – رضي الله عنه -، وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بُردة، فأخرج إليه كتُبًا،
فرأيت في كتاب منها.
رجعنا إلى حديث أبي العوّام، قال: كتب عمر إلى أبي موسى:
«أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة، وسُنّةٌ متّبعة، فافهم إذا أُدْلِي إليك،
فإنه لا ينفع تكلّم بحقّ لا نفاذ له، آسِ الناسَ في مجلسك، وفي وجهك،
وقضائك، حتى لا يطمع شريفٌ في حَيْفك، ولا يَيْأس ضعيف من عَدْلك،
البيِّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر، والصلح جائزٌ بين المسلمين، إلا
صُلحًا أحلّ حرامًا، أو حرّم حلالًا، ومن ادّعى غائبًا، أو بيّنةً فاضرب له أمدًا
ينتهي إليه، فإن بيّنه أعطيتَه بحقّه، وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضيّة، فإن
ذلك هو أبلغ في العذر، وأجلى للعماء، ولا يمنعنّك قضاءٌ قضيتَ فيه اليومَ،
فراجعت فيه رأيك، فهُديتَ فيه لرُشدك أن تراجع فيه الحقّ، فإن الحقّ قديم لا
يُبطله شيء، ومراجعة الحقّ خيرٌ من التمادي في الباطل، والمسلمون عُدُولٌ
بعضهم على بعض، إلا مجرَّبًا عليه شهادة زور، أو مجلودًا في حدّ، أو ظَنينًا
في ولاء، أو قرابة، فإن الله تعالى تولّى من العباد السرائر، وسَتَر عليهم
الحدود إلا بالبيّنات والأيمان، ثم الفَهْمَ الفَهْمَ فيما أدلى إليك مما ورد عليك
مما ليس في قرآن، ولا سُنَّة، ثم قايِس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثالَ، ثم
اعمد فيما ترى إلى أحبّها إلى الله، وأشبهها بالحق، وإياك والغضبَ، والقَلَقَ،
والضجَرَ، والتأذّي بالناس، والتنكّر عند الخصومة، أو الخصوم- شكّ أبو
عبيد- فإن القضاء في مواطن الحقّ مما يوجب الله به الأجر، ويُحسن به
الذِّكر، فمن خلصت نيّته في الحقّ ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس،
ومن تزيّن بما ليس في نفسه شأنه الله، فإن الله تعالى لا يَقبَلُ من العباد إلا ما
كان خالصًا، فما ظنّك بثواب عند الله في عاجل رزقه، وخزائن رحمته.
والسلام عليك ورحمة الله».
قال أبو عبيد: فقلت لكثير: هل أسنده جعفر؟ قال: لا [رواه البيهقيّ ١٠/ ١٣٥ من حديث سعيد بن أبي بردة وجادةً، قال الشيخ الألبانيّ : وهي وجادة صحيحة من أصحّ الوجادات، وهي حجة. انظر تخريجه مفصّلًا في: «إرواء الغليل» ٨/ ٢٤١ – ٢٤٢ رقم (٢٦١٩)].
قال ابن القيّم رحمه الله: وهذا كتاب جليلٌ تلقّاه العلماء بالقبول، وبَنَوا عليه
أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوجُ شيء إليه، وإلى تأمّله، والتفقّه فيه. انتهى [راجع: «إعلام الموقّعين» ١/ ٦٩ – ٨٧]. وهو بحثٌ نفيسٌ، وتحقيقٌ أنيسٌ. [البحر المحيط الثجاج].
وراجع ما كتبتا حول قبض العلماء رياح المسك شرح البخاري رقم (100)، وأيضًا رياح المسك شرح البخاري (80-81)
وفي شرحنا على الصحيح المسند (2/1030).