2670 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله البلوشي أبوعيسى، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي ونزار وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(4) – بابُ: هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ
(7) – ((2670)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ غِياثٍ، ويَحْيى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الأحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ لا: «هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ» قالَها ثَلاثًا.
==========
التمهيد:
“لقد جاء الإسلام آمرا بالاعتدال والاقتصاد والوسطية في كل أمر [انظر في ذلك ((الفتاوى)) (3/ 244، 247، 250 – 252)، ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية)) (2/ 133)]، حتى ميزت هذه الأمة وخصت بذلك، قال سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143].
وقال سبحانه آمرا بالاستقامة والاعتدال، ناهيا عن الغلو والطغيان: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود: 112].
وحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغلو ومجاوزة الحد المشروع لنا، فقال عليه الصلاة والسلام ناهيا عن الغلو، مبينا أنه سبب هلاك من قبلنا: ((إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)) [صححه الألباني في صحيح سنن النسائي له (2/ 640)].
وبين عليه السلام أن هذا المتنطع الغالي المتعمق، المجاوز للحد في قوله وفعله، [انظر ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (16/ 220)]، هالك لا محالة فيقول: ((هلك المتنطعون)) قالها ثلاثا.
ويقول سبحانه وتعالى في شأن أهل الكتاب ناهيا إياهم عن الغلو: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} [النساء: 171].
ويقول سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاء السَّبِيلِ} [المائدة: 77].
قال ابن هبيرة:
التنطع هو التعمق والتدقق في الأشياء، فإن الهلكة مقرونة، وهو مما يقرأه الجهال على غير أصل الشريعة على نحو ما ابتدعه النصارى من الرهبانية التي لم تكتب عليهم، وإنما هم الذين ابتدعوها؛ ابتغاء رضوان الله، فما رعوها حق رعايتها؛ ولذلك كل من ابتدع في الدين شيئًا أو دقق على عباد الله وعمق مما لم يأذن به الله ولم يشرعه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهو الهالك المحتقب وزر كل من أهلكه بتنطعه.
[الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 99)]
ويبين الإمام الطحاوي اعتدال هذا الدين وبعده عن الغلو فيقول: ” ودين الله في الأرض والسماء واحد وهو دين الإسلام. وهو بين الغلو والتقصير، وبين التشبيه والتعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن والإياس. [انظر: ((شرح العقيدة الطحاوية)) (2/ 786)] للشيخ صالح آل الشيخ
والناظر لأقوال الفرق المبتدعة التي فرقت الأمة بذلك يجدها خرجت بسبب الغلو والتقصير، فالمعطلة غلوا في التنزيه وقصروا في الإثبات، والمشبهة غلوا في الإثبات وقصروا في التنزيه، وكلاهما أخذ ببعض النصوص وترك بعضا، والحق في الاعتدال والجمع بين النصوص.
أما الخوارج فغلوا في إثبات الأعمال وعدها من الإيمان حتى كفروا المسلمين بمجرد المعصية، وقابلهم المرجئة فغلوا حتى أخرجوا العمل من الإيمان. فكان الغلو في ردود الأفعال سببا لأن ترد البدعة ببدعة والباطل بباطل.
يقول الإمام أبو محمد عبد الله بن قتيبة رحمه الله: ولما رأى قوم من أهل الإثبات إفراط هؤلاء في القدر، وكثر بينهم التنازع حمل البغض لهم واللجاج على أن قابلوا غلوهم بغلو، وعارضوا إفراطهم بإفراط, فقالوا بمذهب جهم في الجبر [((الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية)) (ص 20)، وانظر (ص 22، 40 – 42) منه] “. [موسوعة الفرق، بتصرف يسير].
قال القرطبي:
هم المتعمقون في الكلام، الغالون فيه، ويعني بهم: الغالين في التأويل، العادلين عن ظواهر الشرع بغير دليل؛ كالباطنية، وغلاة الشيعة. وهلاكهم بأن صُرفوا عن الحق في الدنيا، وبأن يعذبوا في الآخرة. والتكرار: تأكيد وتفخيم بعظيم هلاكهم.
[المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6/ 700)]
قال الحافظ النووي رحمه الله في رياض الصالحين:
(14) – باب: في الاقتصاد في العبادة
قالَ الله تَعالى: {طه ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى} [طه (1)]، وقالَ تَعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} [البقرة (185)].
(142) – وعن عائشة رضي الله عنها: أنّ النَّبيّ – لا – دخل عَلَيْها وعِندها امرأةٌ، قالَ: «مَن هذِهِ؟» قالَتْ: هذِهِ فُلاَنَةٌ تَذْكُرُ مِن صَلاتِها. قالَ: «مَهْ، عَلَيْكُمْ بِما تُطِيقُونَ، فَواللهِ لاَ يَمَلُّ اللهُ حَتّى تَمَلُّوا» وكانَ أحَبُّ الدِّينِ إلَيْهِ ما داوَمَ صاحِبُهُ عَلَيهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
(143) – وعن أنس – رضي الله عنه – قالَ: جاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إلى بُيُوتِ أزْواجِ النَّبيّ – لا – يَسْألُونَ عَنْ عِبادَةِ النَّبيّ – لا – فَلَمّا أُخْبِروا كَأنَّهُمْ تَقالُّوها وقالُوا: أيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ – لا – وقدْ غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأخَّرَ. قالَ أحدُهُم: أمّا أنا فَأُصَلِّي اللَّيلَ أبدًا. وقالَ الآخَرُ: وأنا أصُومُ الدَّهْرَ أبَدًا ولا أُفْطِرُ. وقالَ الآخر: وأنا أعْتَزِلُ النِّساءَ فَلاَ أتَزَوَّجُ أبَدًا. فجاء رسولُ الله – لا – إليهم، فَقالَ: «أنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذا وكَذا؟ أما واللهِ إنِّي لأخْشاكُمْ للهِ، وأتْقاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأرْقُدُ، وأتَزَوَّجُ النِّساءَ، فَمَن رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
(144) – وعن ابن مسعود – رضي الله عنه: أنّ النَّبيّ – لا – قالَ: «هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ» قالها ثَلاثًا. رواه مسلم.
«المُتَنَطِّعونَ»: المتعمقون المشددون في غير موضِعِ التشديدِ.
(145) – عن أبي هريرةَ – رضي الله عنه -، عن النَّبيّ – لا – قالَ: «إنّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقارِبُوا وأبْشِرُوا، واسْتَعِينُوا بِالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشَيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ». رواه البخاري.
وفي رواية لَهُ: «سَدِّدُوا وقارِبُوا، واغْدُوا ورُوحُوا، وشَيءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا».
(146) – وعن أنس – رضي الله عنه – قالَ: دَخَلَ النَّبيُّ – لا – المَسْجِدَ فَإذا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السّارِيَتَيْنِ، فَقالَ: «ما هَذا الحَبْلُ؟» قالُوا: هَذا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإذا فَتَرَتْ َعَلَّقَتْ بِهِ. فَقالَ النَّبيُّ – لا: «حُلُّوهُ، لِيُصلِّ أحَدُكُمْ نَشاطَهُ فَإذا فَتَرَ فَلْيَرْقُدْ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
(147) – وعن عائشة رضي الله عنها: أنّ رَسُول الله – لا – قالَ: «إذا نَعَسَ أحَدُكُمْ وهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّومُ، فإنَّ أحَدَكُم إذا صَلّى وهُوَ ناعِسٌ لا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
(148) – وعن أبي عبد الله جابر بن سمرة رضي الله عنه، قالَ: كُنْتُ أصَلِّي مَعَ النَّبيِّ – لا – الصَّلَواتِ، فَكانتْ صَلاتُهُ قَصْدًا وخُطْبَتُهُ قَصْدًا. رواه مسلم.
قوله: «قَصْدًا»: أي بين الطولِ والقِصرِ.
(149) – وعن أبي جُحَيْفَة وهْب بنِ عبد اللهِ – قالَ: آخى النَّبيُّ – لا – بَيْنَ سَلْمانَ وأبي الدَّرْداءِ، فَزارَ سَلْمانُ أبا الدَّرداءِ فَرَأى أُمَّ الدَّرداءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقالَ: ما شَأنُكِ؟ قالَتْ: أخُوكَ أبُو الدَّرداءِ لَيْسَ لَهُ حاجَةٌ في الدُّنْيا، فَجاءَ أبُو الدَّرْداءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعامًا، فَقالَ لَهُ: كُلْ فَإنِّي صائِمٌ، قالَ: ما أنا بِآكِلٍ حَتّى تَأكُلَ فأكل، فَلَمّا كانَ اللَّيلُ ذَهَبَ أبُو الدَّرداءِ يَقُومُ فَقالَ لَهُ: نَمْ، فنام، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقالَ لَهُ: نَمْ. فَلَمّا كانَ من آخِر اللَّيلِ قالَ سَلْمانُ: قُم الآن، فَصَلَّيا جَمِيعًا فَقالَ لَهُ سَلْمانُ: إنّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيكَ حَقًّا، ولأهْلِكَ عَلَيكَ حَقًّا، فَأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأتى النَّبيَّ – لا – فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ فَقالَ النَّبيُّ – لا: «صَدَقَ سَلْمانُ». رواه البخاري.
(150) – وعن أبي محمد عبدِ اللهِ بنِ عَمْرو بن العاصِ رضي الله عنه، قالَ: أُخْبرَ النَّبيُّ – لا – أنِّي أقُولُ: واللهِ لأصُومَنَّ النَّهارَ، ولأقُومَنَّ اللَّيلَ ما عِشْتُ. فَقالَ رسولُ الله – لا: «أنتَ الَّذِي تَقُولُ ذلِكَ؟» فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بأبي أنْتَ وأمِّي يا رسولَ الله. قالَ: «فَإنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذلِكَ فَصُمْ وأفْطِرْ، ونَمْ وقُمْ، وصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثةَ أيّامٍ، فإنّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أمْثالِها وذَلكَ مِثلُ صِيامِ الدَّهْرِ»، قُلْتُ: فَإنِّي أُطيقُ أفْضَلَ مِن ذلِكَ، قالَ: «فَصُمْ يَومًا، وأفْطِرْ يَوْمَيْنِ»، قُلْتُ: فَإنِّي أُطِيقُ أفضَلَ مِن ذلِكَ، قالَ: «فَصُمْ يَومًا وأفْطِرْ يَومًا فَذلِكَ صِيامُ داوُد – لا – وهُوَ أعْدَلُ الصيامِ».
(151) – وعن أبي رِبعِي حنظلة بنِ الربيعِ الأُسَيِّدِيِّ الكاتب أحدِ كتّاب رَسُول الله – لا – قالَ: لَقِيَنِي أبُو بَكر – رضي الله عنه – فَقالَ: كَيْفَ أنْتَ يا حنْظَلَةُ؟ قُلْتُ: نافَقَ حَنْظَلَةُ! قالَ: سُبْحانَ الله ما تَقُولُ؟! قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُول الله – لا – يُذَكِّرُنا بالجَنَّةِ والنّارِ كأنّا رَأيَ عَيْنٍ فإذا خَرَجْنا مِن عِنْدِ رَسُول الله – لا – عافَسْنا الأزْواجَ والأوْلاَدَ والضَّيْعاتِ نَسينا كَثِيرًا، قالَ أبُو بكر – رضي الله عنه: فَوالله إنّا لَنَلْقى مِثْلَ هَذا، فانْطَلَقْتُ أنا وأبُو بَكْر حَتّى دَخَلْنا عَلى رَسُول الله – لا. فقُلْتُ: نافَقَ حَنْظَلَةُ يا رَسُول اللهِ! فَقالَ رَسُول الله – لا: «وما ذاكَ؟» قُلْتُ: يا رَسُول اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنا بِالنّارِ والجَنَّةِ كأنّا رَأيَ العَيْن فإذا خَرَجْنا مِن عِنْدِكَ عافَسْنا الأزْواجَ والأوْلاَدَ والضَّيْعاتِ نَسينا كَثِيرًا. فَقالَ رَسُول الله – لا: «والَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، لَوْ تَدُومُونَ عَلى ما تَكُونونَ عِنْدِي، وفي الذِّكْر، لصافَحَتْكُمُ الملائِكَةُ عَلى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ، لَكِنْ يا حَنْظَلَةُ ساعَةً وساعَةً» ثَلاَثَ مَرات. رواه مسلم.
(152) – وعنِ ابن عباس رضي الله عنهما، قالَ: بينما النَّبيُّ – لا – يخطب إذا هُوَ برجلٍ قائم فسأل عَنْهُ، فقالوا: أبُو إسْرائيلَ نَذَرَ أنْ يَقُومَ في الشَّمْسِ ولاَ يَقْعُدَ، ولاَ يَسْتَظِل، ولاَ يَتَكَلَّمَ، ويَصُومَ، فَقالَ النَّبيّ – لا: «مُرُوهُ، فَلْيَتَكَلَّمْ، ولْيَسْتَظِلَّ، ولْيَقْعُدْ، ولْيُتِمَّ صَوْمَهُ». رواه البخاري. انتهى من [رياض الصالحين]، بتصرف يسير.
_______
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
((4)) – (بابُ: قَوْلِ النَّبِيِّ – لا -: «هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ».
[(6760)] ((2670)) – (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود – رضي الله عنه -؛ أنه (قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – لا -: «هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ)؛ أي: المتعمِّقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم، وأفعالهم.
(قالَها)؛ أي: قال النبيّ – لا – هذه الكلمة، أو الجملة (ثَلاثًا)؛ أي: ثلاث مرّات؛ وإنما رددها ثلاثًا؛ تهويلًا، وتنبيهًا على ما فيه من الغائلة، وتحريضًا على التيقظ، والتبصر دونهم.
وقال ابن الأثير رحمه الله: «المتنطّعون»: هم المتعمّقون المغالون في الكلام، المتكلمون بأقصى حلوقهم، مأخوذ من النِّطَع، وهو الغار الأعلى من الفم، ثم استُعمل في كل تعمّق قولًا وفعلًا. انتهى [» النهاية في غريب الأثر” (5) / (73)].
وقال الصنعانيّ رحمه الله:» المتنطّعون «: المتعمّقون الخائضون فيما لا يَعنيهم، وقيل: المبالغون في عبادتهم بحيث يخرجون عن قوانين الشريعة، أقوالًا وأفعالًا؛ أي: هلكوا في الدين، كما هلك الرهبانيّة، ونحوهم. انتهى [«التنوير شرح الجامع الصغير» (11) / (23)].
قال الطيبيّ: لعل المذموم من هذا ما يكون القصد فيه مقصورًا على مراعاة اللفظ، ومجيء المعنى تابعًا للفظ، وأما إذا كان بالعكس، وكلام الله تعالى، وكلام الرسول – لا – مصبوب في هذا القالب، فيرفع الكلام إلى الدرجة القصوى، قال تعالى حكاية عن الهدهد: {وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل (22)].
وقال أبو الحسين الهرويّ صاحب «دلائل النبوة»: اعلم أن التلاؤم يكون بتلاؤم الحروف، وتلاؤم الحركات والسكنات، وتلاؤم المعنى، فإذا اجتمعت هذه الوجوه خرج الكلام غايةً في العذوبة، وفي حصول بعضها دون بعض انحطاط درجة العذوبة عن الغاية، وسائر أقسام الفصاحة مع عدم التلاؤم يُعدّ تكلّفًا، وكلما ظهرت الصنعة أكثر، كان الكلام أقرب إلى التعسّف، وإذا حصل التلاؤم عظُم معه يُسْر الصنعة، وشَرف تأليف الكلام، ووَضْعه. انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» (10) / (3098) – (3099)، و «مرقاة المفاتيح» (9) / (33) – (34)]، والله تعالى أعلم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
وتنطعه يقترن الإعجاب بالنفس في الغالب،
التنطع بالأفعال كذلك أيضا قد يؤدي إلى الإعجاب والكبر.
التنطع أيضا في المسائل الدينية يشبه الغلو فيها، فهو أيضا من أسباب الهلاك،
ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كان عنده من السهولة في هذا الباب … ، يأكل عندهم وأكل من الشاة التي أعدتها له المرأة اليهودية ولم يبحث ولم يسأل. وهكذا ينبغي للإنسان إلا ما كان أصله التحريم فليسأل يسأل عنه. نعم …
ولهذا شيخ الإسلام في الاختيارات: ” إن كل إنسان يمتنع عن أكل المباحات بغير سبب شرعي فإنه من الغلو ((قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)) “.”. انتهى المقصود من كلام الشيخ محمد بن صالح العثيمين [شرح كتاب التوحيد-18].
وحديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -، هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
فوائد الحديث وفقهه:
(1) – (منها): ذمّ التعمّق في الدِّين بحيث يتجاوز الحد المطلوب فيه، فإن الشريعة سمحة، فقد أخرج أحمد في «مسنده» عن أبي أمامة – رضي الله عنه -، قال: خرجنا مع رسول الله – لا – في سرية من سراياه، قال: فمرّ رجل بغار فيه شيء من ماء، قال: فحدّث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار، فيقوته ما كان فيه من ماء، ويصيب ما حوله من البقل، ويتخلى من الدنيا، ثم قال: لو أني أتيت نبيّ الله – لا -، فذكرت ذلك له، فإن أذن لي فعلتُ، وإلا لم أفعل، فأتاه، فقال: يا نبيّ الله إني مررت بغار، فيه ما يقوتني من الماء والبقل، فحدثتني نفسي بأن أقيم فيه، وأتخلى من الدنيا، قال: فقال النبيّ – لا -: «إني لم أُبعث باليهودية، ولا بالنصرانية، ولكني بُعثت بالحنيفية السمحة، والذي نفس محمد بيده، لغَدْوة، أو روحة في سبيل الله، خير من الدنيا وما فيها، ولمقام أحدكم في الصفّ خير من صلاته ستين سنة» [في إسناده: عليّ بن يزيد الألهانيّ: ضعّفوه، وصححه الشيخ الألباني: رحمه الله. راجع: «الصحيحة» (6) / (1022)]. انتهى [«مسند الإمام أحمد بن حنبل» (5) / (266)].
(2) – (ومنها): ما قاله النوويّ رحمه الله: فيه كراهة التقعر في الكلام بالتشدّق، وتكلف الفصاحة، واستعمال وحشيّ اللغة، ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام، ونحوهم. انتهى.
(3) – (ومنها): ذمّ التعمّق في البحث، ولا سيّما فيما لا نصّ فيه، إذا كان مما لا حاجة إليه في الدِّين، وإلا فلا ذمّ.
ورأيت الحافظ ابن رجب كتب بحثًا نفيسًا، أحببت إيراده هنا، – ولعل الحافظ أخذه منه، كما يشير إليه قوله السابق: قال بعض الأئمة إلخ.
قال رحمه الله: قوله – لا -: «هلك المتنطعون إلخ»: المتنطع: هو المتعمق البحّاث عما لا يعنيه، وهذا قد يَتمسك به من يتعلق بظاهر اللفظ، وينفي المعاني، والقياس، كالظاهرية، والتحقيق في هذا المقام -والله أعلم- أن البحث عما لم يوجد فيه نصّ خاصّ، أو عامّ على قسمين:
أحدهما: أن يبحث عن دخوله في دلالات النصوص الصحيحة من الفتوى، والمفهوم، والقياس الظاهر الصحيح، فهذا حقّ، وهو مما يتعيَّن فِعله على المجتهدين في معرفة الأحكام الشرعية.
والثاني: أن يدقّق الناظر نظره، وفكره في وجوه الفروق المستبعدة، فيفرق بين متماثِلَين بمجرد فَرْق، لا يظهر له أثر في الشرع، مع وجود الأوصاف المقتضية للجمع، أو يجمع بين متفرِّقَين بمجرد الأوصاف الطارئة التي هي غير مناسبة، ولا يدلّ دليل على تأثيرها في الشرع، فهذا النظر والبحث غير مرضيّ، ولا محمود، مع أنه قد وقع في طوائف من الفقهاء،
وإنما المحمود: النظر الموافق لِنَظر الصحابة – رضي الله عنهم -، ومَن بعدهم، من القرون المفضلة، كابن عباس ونحوه، ولعل هذا مراد ابن مسعود – رضي الله عنه – بقوله: «إياكم والتنطع، إياكم والتعمق، وعليكم بالعتيق»؛ يعني: ما كان عليه الصحابة – رضي الله عنهم -.
ومن كلام بعض أعيان الشافعية: لا يليق بنا أن نكتفي بالخيالات في الفروق، كدأب أصحاب الرأي، والسر في تلك أن متعلَّق الأحكام في الحال الظنون وغلباتها، فإذا كان اجتماع مسألتين أظهر في الظن من افتراقهما، وجب القضاء باجتماعهما، وإن انقدح فرقٌ على بُعد، فافهموا ذلك، فإنه من قواعد الدين. انتهى.
ومما يدخل في النهي عن التعمّق والبحث عنه: أمور الغيب الخبرية التي أُمرنا بالإيمان بها، ولم يبيّن كيفيتها، وبعضها قد لا يكون له شاهد في هذا العالم المحسوس، فالبحث عن كيفية ذلك هو مما لا يعني، وهو مما يُنْهى عنه، وقد يوجب الحيرةَ والشكَّ، ويرتقي إلى التكذيب.
وفي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن النبيّ – لا – قال: «لا يزال الناس يسألون، حتى يقال: هذا خلق الله، فمن خلق اللهَ؟ فمن وجد من ذلك
شيئًا، فليقل: آمنت بالله»، وفي رواية له: «لا يزال الناس يسألونك عن العلم،
حتى يقولوا: هذا الله خلقنا، فمن خلق الله؟»، وفي رواية له أيضًا: «ليسألنكم
الناس عن كل شيء، حتى يقولوا: الله خلق كل شيء، فمن خلقه؟».
وخرّجه البخاريّ أيضًا، ولفظه: «يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق
كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه، فليستعذ بالله، ولْيَنْتَهِ».
وفي «صحيح مسلم» عن أنس – رضي الله عنه -، عن النبيّ – لا – قال: قال الله لا: «إن أمتك لا يزالون يقولون: ما كذا؟، ما كذا؟ حتى يقولوا: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟». وخرّجه البخاريّ، ولفظه: «لم يزل الناس يسألون، هذا الله خالق كل شيء، فمن خلق الله؟».
قال إسحاق بن راهويه: لا يجوز التفكر في الخالق، ويجوز للعباد أن يتفكروا في المخلوقين بما سمعوا فيهم، ولا يزيدون على ذلك؛ لأنهم إن فعلوا تاهوا، قال: وقال الله لا: {وإنْ مِن شَيْءٍ إلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء (44)]، ولا يجوز أن يقال: كيف تسبيح القِصاع، والأخْونة، والخبز، والمخبوز، والثياب المنسوجة؟
وكل هذا قد صح العلم فيهم أنهم يسبّحون، فذلك إلى الله أن يجعل تسبيحهم كيف شاء، وكما شاء، وليس للناس أن يخوضوا في ذلك، إلا بما علموا، ولا يتكلموا في هذا وشِبهه، إلا بما أخبر الله، ولا يزيدوا على ذلك،
فاتقوا الله، ولا تخوضوا في هذه الأشياء المتشابهة، فإنه يُرديكم الخوض فيه عن سنن الحقّ. نَقَل ذلك كله حرب، عن إسحاق رحمه الله تعالى. انتهى ما كتبه ابن
رجب رحمه الله [«جامع العلوم والحكم» (2) / (171) في شرح الحديث الثلاثين: «إن الله فرض فرائض، فلا تضيّعوها … » الحديث]، وهو بحثٌ مفيدٌ، وتحقيقٌ سديد، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير]. ويراجع كلام ابن حجر لتوافقه مع كلام ابن رجب فحذفناه اختصارا
4 – لا يعارض هذا الحديث ما جاء في صحيح مسلم: بابُ النَّهْيِ عَنْ قَوْلِ هَلَكَ النّاسُ
[(6660)] ((2623)) – عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أنَّ رَسُولَ اللهِ لا، قالَ: «إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النّاسُ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ
فوصف طائفة من الناس لها صفات سيئة بالهلاك جائز للحذر من هذه الصفات. وراجع شرحنا لصحيح الإمام مسلم شرح حديث أبي هريرة (إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النّاسُ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ) ذكرنا استثناءات أخرى.
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى):
قال العلامة ابن دقيق العيد رحمه الله عند ذكره الفوائد والمباحث المتعلقة بحديث أنسٍ رضي الله عنه، قال: كانَ رسولُ اللهِ – لا – يتوضَّأُ بالمُدِّ، ويَغْتَسِلُ بالصّاعِ، إلى خَمْسَةِ أمْدادٍ، قال رحمه الله: …
الثّانية عشرة: هذا النوع – أعني: مراعاةَ هذا القدر – فرعٌ من فروع قاعدةٍ شرعية؛ وهي الاقتصاد في المصالح والطاعات، والاقتصاد رتبةٌ بين رتبتين، ومنزلةٌ بين منزلتين:
فالمنزلة الدنيا: التقصيرُ في جلبِ المصالحِ، وهو مذموم.
والمنزلة القُصوى: الإسرافُ في جَلْبها، ويدخل فيه الغلوُّ في الدينِ والتنطُّعُ، وهو مذموم.
والاقتصاد: التوسُّط بينهما، وهو محمود، كما قيل الحسنة بين السيئتين؛ بمعنى: أن التقصيَر سيئةٌ، والإسرافَ سيئةٌ، والحسنةُ ما توسط بين الإسراف والتقصير، وخيرُ الأمور أوساطها، وها هنا أمرٌ دقيقٌ عَسِرٌ في العلمِ به، وفي العمل في مواضع: منها:
الفرق بين الوَرَعِ والوَسْواسِ، فإن الوسواسَ مذمومٌ، والورعَ محمودٌ.
وآخرُ كل مرتبة تلي الأخرى، وأولُ الأخرى تلي آخرَ الأولى، وهذا في الأخلاق والشجاعة والتهوُّر؛
فإنّ الشجاعةَ محمودةٌ، فإذا زادت على القدرِ المطلوبِ، انتهت إلى التهوُّر المذموم.
وكذلك التحرز والاحتياط والنظر في العواقب محمودٌ، فإذا أفرط، انتهى إلى الجُبْنِ والخَوَرِ المذموم.
فهذا هو العسر في معرفة التوسط علمًا وعملًا، حيث تتقارب المراتب، فأمّا إذا تباعدت، فلا إشكال.
ولمرتبة الاقتصاد في الشرع أمثلة:
أحدها: التوسط في الإنفاق {والَّذِينَ إذا أنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان (67)].
وثانيها: التوسط في العبادة، وعدم تكليف النفس ما لا تطيقُ الدوام عليه، وتؤدي إلى الملالة والسآمة؛
– «إنّ هذا الدينَ متينٌ، فَأوْغِلْ فيه بِرفْقٍ، ولا تُبَغِّضْ إلى نفسِك عبادةَ الله» [رواه البيهقي في «السنن الكبرى» ((3) / (19))، وفي «شعب الإيمان» ((3886))، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وإسناده ضعيف، ولقوله: «إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق» شاهد عند الإمام أحمد، فهو حسن إن شاء الله، وانظر: «السلسلة الضعيفة» ((5) / (479))].
– «ألا هلك المتنطِّعون».
– وقيل لرسول الله – لا -: هذه الحولاءُ بنتُ تويت، لا تنامُ الليل، فقال: «لا تنام الليل! اكلفوا من العملِ ما لكم به طاقة» [رواه الإمام مالك في «الموطأ» ((1) / (118)) بلاغًا، ووصله ابن عبد البر في «التمهيد» ((1) / (191))، من حديث عائشة رضي الله عنها].
– وروى بعض الصحابة النَّهي عن التبتُّل، فقال: ولو أُذِنَ لنا، لاختصينا [رواه البُخاريّ ((4786))، ومسلم ((1402))].
– ورَدَّ النبيُّ – لا – على عبد الله بن عمرو التزامَه قيامَ الليل، وصيامَ النهار، ولم يُقِرَّه على طلب كثرةِ التلاوةِ، التي رامَها [البُخاريّ ومسلم].
وثالثها: ما تعلق بالزيادة في لذات الدُّنيا،
فإن الشَّرعَ دل على طلبِ الزهدِ في الدُّنيا، وذمَّ قومًا أذهبوا طيباتهِم في حياتهم [الدُّنيا]، فتكلَّف قومٌ من أهل الرِّيادة أمورًا شاقة، والتزموا تركَ مباحاتٍ؛ كالزواجِ، وأكلِ بعضِ الطيِّباتِ، فردَّ عليهم؛ قال عليه أفضل الصَّلاة والسلام: «من رَغِبَ عن سُنَّتي، فليسَ منِّي» [رواه البُخاريّ ((4776))، ومسلم ((1401))]،
وقصة عثمان مع عامر بن عبد قيس – رضي الله عنهما – أحد الثمانية الزهاد، مذكورة.
ورابعها: الشريعة طافِحَةٌ بمجاهدَةِ النَّفس، ورَدْعِها عن شهواتها، وأخلاقِها المذمومة،
فتكلَّف المتعبِّدون والمتصوِّفون أفعالًا شاقَّة، قصدوا بها المجاهَدة، وتوغَّلوا في ذلك، فكان هذا في جانب الفعل – كما تقدَّم في جانب التَّرك -، من الامتناع عن المباحات، وأُنكِر بعض ذلك، وقيل: إنه تصرُّف في المملوك بغير إذن المالك، فإن الأنفس ليست مِلْكًا لإنسان، بل هي مِلْكٌ لله تعالى، فالتصرفُ فيها بغير ما أذِنَ فيه ممتنعٌ، وهذا كلّه يشّهد لك ما ذكرناه من صعوبة الفرق علمًا وعملًا.
وخامسها: ما نحن فيه، فإن إسباغَ الوضوءِ مطلوبٌ: «ويلٌ للأعقابِ من النّارِ، أسبِغُوا الوضوء» [عند البُخاريّ ومسلم]، والزيادة سَرَفٌ ممنوعٌ، كما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو.
وسادسها: المواعظُ النّافعةُ في الدين المؤدِّيةُ إلى سلوك سبيل المتقين مطلوبةٌ شرعًا: {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ} [النحل (125)]، والإكثارُ منها يُسْقِط وقعها، ويؤدي إلى السآمة منها، فتبطُل فائدتُها المطلوبة، فالاقتصادُ هو المحمود: «كان رسول الله – لا – يتخوَّلُنا بالموعِظَةِ مخافةَ السآمِة علينا». [رواه البُخاريّ ((68))، ومسلم ((2821))].
وانظر إلى الحِكْمة الشَّرعية في جعلها مرةً في الأسبوع؛ لأنّ طولَ تركِها يُطْغي النفسَ، ويقوِّي دواعِيَها المذمومةَ، فربما عَسُرَ ردُّها بعد تمكُّنِها من النَّفس، وكثرةِ فعلها فيه ما ذكرنا من إيطال فائدتها وحكمها، فتوسط في ذلك.
وسابعها: الاقتصادُ في العقوبات، والحدود، والتعزيرات،
بأنْ يُعاقَب كلُّ واحد من الزُّناة على حسب ضَعْفه وقُوَّته، فلا يجلد الزّاني والقاذفُ جَلْدَ مبالغةٍ بحيث يُسْفَح الدم، ولا يُضْرب ضربًا لا أثر له في الزَّجْر والردع، بل يكون ضَرْبًا بين ضربين، وسَوْطًا بين سوطين، وزَمانًا بين زمانين؛ أي: يُتَجَنَّبُ زمنُ الحرِّ الشديد، والبردِ الشديد، [أعني]: حينَ إقامة الحدود، وكذلك الاقتصاد في التأديبات للرقيق، والصِّبيان، والبهائم، والنِّسوان.
وثامنها: الإحسانُ في صفة الهلاك إذا وجب، أو جاز،
كما قيل في الزاني إذا رُجِم لا يرجَمُ بحصَياتٍ، ولا بصَخراتٍ، وإنّما يرجم بما تقتضيه العادة في مِثله، وكذلك في ذَبْح الحيوان: «إنّ الله كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ، فإذا قتلتم، فأحسنوا القِتْلَةَ، وإذا ذبحْتُم، فأحسنوا الذِّبْحَةَ». [رواه مسلم ((1955))].
وتاسعها: الاقتصادُ في الدُّعاء،
قيل: لأنّ الغالبَ على أدعية رسول الله – لا – في الصَّلاة وغيرها اختصارُ الأدعيةِ، فنُقِلَ عنه – لا – دعواتٌ جامعاتٌ، وغيرُ جامعاتٍ، وعلَّة ذلك: أنّ الله تعالى أمرَ بالتضرُّع، والخِيفة في الدُّعاء، ولا يحصل ذلك غالبًا إلّا بتكلف، وإذا طال الدعاء، عَزَبَ التضرُّع والإخْفاءُ، وذهبَ أدبُ الدعاء، وقد استحبَّ الشافعيُّ أن يكون دعاءُ التشهُّدِ دون التشهُّدِ، انتهى. [انظر: «فتح العزيز في شرح الوجيز» للرافعي ((3) / (517))]
قال المحقق محمد خلوف: وقد وردَ أنّ قومًا يعتدون في الطُّهور والدُّعاء. [رواه أبو داود ((96))، ((3864))، إسناده صحيح، كما قال الحافظ في «التلخيص الحبير» ((1) / (144))].
وعاشرها: ما دل عليه قوله تعالى: {ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخافِتْ بِها وابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء (110)].
والحادي عشر منها: الأكلُ والشربُ،
بحيث لا يتجاوز حدَّ الشِّبَعِ والرِّيِّ، ولا يقتصرُ على ما يُضْعِفُ ويُقْعِدُ عن العباداتِ والتصرفاتِ: {كُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} [الأعراف (31)].
الثّاني عشر منها: الاقتصادُ في السَّيْر إلى الحَجِّ والعُمْرة.
والثالث عشر منها: زيارُة الإخوانِ مطلوبةٌ مُرَغَّبٌ فيها،
والإكثارُ منها داعيةُ الملالة: «زُرْ غِبًّا تزدْد حُبًّا» [قال الحافظ في «الفتح» ((10) / (498)): وقد ورد من طرق أكثرها غرائب، لا يخلو واحد منها من مقال. وقد جمع طرقه أبو نعيم وغيره، وقد جمعتها في جزء مفرد، انتهى.
قال المحقق محمد خلوف: ذكره الحافظ السخاوي في «المقاصد الحسنة» (ص: (278)) وسماه: «الإنارة بطرق غب زيارة»، ثم قال: وبمجموعها يتقوى الحديث، وإن قال البزار: إنه ليس فيه حديثٌ صحيحٌ، فهو لا ينافي ما قلناه.]، والإبطاءُ فيها يُسلِم إلى الجفاء والوَحْشة.
والرابع عشر منها: مخالطةُ النِّساءِ، وحسنُ العِشْرةِ معهن، إذا أكثرَ منه غلبت عليه أخلاقُهُنَّ، وإذا أقَلَّ منه جاء استثقالُهنَّ واستجفاؤهنَّ.
الخامس عشر منها: دراسة العلوم في الكثرةِ والقلةِ؛
فالأول: يؤدي إلى السآمة، والثاني: يؤدي إلى القُصور فيها.
والسادس عشر منها: السؤال عما تدعو الحاجةُ إلى السؤال عنه من أمور الدُّنيا، الإكثارُ منه مذمومٌ، ووردتْ فيه أحاديثُ، وتوعُّدات، والإقلالُ عند الحاجة والضرورة مُضِرٌّ، وقد ينتهي بعضُه إلى الحُرْمة.
والسابع عشر منها: المُباح من المِزاح، والانبساطِ، واللعبِ، والضحكِ؛ والكثرةُ منه مذمومةٌ، مُذْهِبة للخشوع، مُوجِبة للخروج عن السَّمْت الحَسَنِ، والإقلالُ منه جدًا داخل في الانقباض المُوحِشِ للمخالطين والزائرين، وربما أدّى إلى نَفْرَة الأنفس عن قومٍ صالحين.
والثامن عشر منها: المَدْحُ، ورَدَ فيه الذَّمُّ: «احثوا في وجْهِ المدّاحِينَ التُّرابَ» [واه مسلم ((3002))]، ويُحْمَلُ على المذمومِ منه،
فإنّ الإكثارَ من المدحِ فيه مفسدَةُ التخطي إلى الكذب والوقوع فيه، ومفسدةُ فسادِ نفسِ الممدوحِ، بما يحدث عنده من الكِبْرِ، والفخرِ،
فاليسيرُ منه عند مسيسِ الحاجة إليه ترغيبٌ للممدوح ممّا مُدِحَ به، وتذكيرٌ له بنعمة الله عليه ليشكُرَها، فيتحرَّزُ من المفسدة، ويفعل المصلحةَ، حيثُ تؤْمَنُ الفتنةُ للممدوحِ.
قال بعض المتكلمين في هذا المعنى: وعلي الجملة، فلا ينبغي لعاقل أن يخطرَ بقلبه، ولا يجري على جوارحه، إلّا ما يَجلبُ صلاحًا، أو يَدرأ فسادًا، فإن سَنَحَ له غيرُ ذلك، فليدرأه ما استطاع.
الثالثة عشرة: هذا الذي ذكرناه، إنّما هو باعتبار الأعَمِّ والأغلب، وقد يقعُ في بعض الأحيان ما يُوجِب أن يكونَ المصلحةُ في الخروجِ عن بعض ما ذكرناه، كما في التوسُّط في رفع الصوت، فإنّه ممدوح «اربَعوا على أنفسكم، إنّكم لا تَدْعُون أصَمَّ، ولا غائبًا» [رواه البُخاريّ ((2830))، ومسلم ((2704))].
ثم دعت الحاجة في الوَعْظِ إلى رَفْع الصوت: “كان النَّبيّ – لا – إذا خَطَبَ احمرَّتْ عيناه، وعلا صوتُه، واشتدَّ غضبُه” [رواه مسلم ((867))]؛ لأنّ المقصود من الخطبة يقتضي هذه الهيئةَ، لأجلِ إحداثِ التأثُّر في أنفسِ المستمعين، ووجود ما يتأثرون به من الهيئة المذكورةِ، إلى غير ذلك ممّا تقتضيه الحالاتُ المخصوصة في بعض الأحيان.
الرابعة عشرة: ها هنا أمور مقسَّمةٌ في الشرع إلى محمودٍ ومذمومِ، فلا ينبغي في كثيرٍ منها أن يدخلَ تحت هذا الباب، ولا يندرجُ تحت هذا النوع الذي يُؤْمر فيه بالاقتصاد ليفعل، ولكنَّ ذلك يدخل في باب تأمُّلِ الحِكَمِ الشرعية، وتقسيمِها إلى ما يُمدح ويُذم، بحسب المصالح.
مثال ذلك: مدحُ النفسِ مذمومٌ: {فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ} [النجم (32)] وقد حُمِد حيث تدعو الحاجة إليه، وتتعلق به المصالح: {اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الأرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف (55)] فما زادَ على مقدار المصلحة هو مذمومٌ متعيِّنٌ للذَّم، وما كان بَقْدرِ الحاجة، فهو محمود متعيِّن للمدح بنفسه، لا باعتبارِ الاقتصاد والغلوِّ في المباحات أو المطلوبات.
الخامسة عشرة: ومن هذا الباب أيضًا: الذَّمُّ والهجوُ، حيث أُبيح في التجريح المضطَّرِ إليه، ما زاد عليه مذمومٌ متعينٌ للذَّمِّ، وما اقتصر فيه على الضرورة ممدوحٌ متعين للمدحِ، وليس متعلّقُ المدح والذم الاقتصادَ وعدمَه المطلوبَ منهما الفعل.
السادسة عشرة: التسميع مذموم: «مَن سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بهِ» [رواه البخاري ((6134))، ومسلم ((2987))]، وقد ورد عن بعض الأكابر ذِكْرُ مآثر، وخيراتِ، وقربات صدرَتْ منهم، وفضائلَ. تعلَّقَتْ بهم.
قال عثمان – رضي – الله عنه -: ما تغنَّيْتُ منذ أسلمتُ، ولا مسستُ”. انتهى من كلام ابن دقيق العيد رحمه الله [شرح الإلمام بأحاديث الأحكام، بتصرف يسير].
وقال أبو عبد الله عبيد الله ابن بَطَّة العكبري رحمه الله في (الإبانة الكبرى):
“بابُ: تَرْكِ السُّؤالِ عَمّا لا يُغْنِي، والبَحْثِ والتَّنْقِيرِ عَمّا لا يَضُرُّ جَهْلُهُ، والتَّحْذِيرِ مِن قَوْمٍ يَتَعَمَّقُونَ فِي المَسائِلِ ويَتَعَمَّدُونَ إدْخالَ الشُّكُوكِ عَلى المُسْلِمِينَ، قالَ الشَّيْخُ: «اعْلَمُوا إخْوانِي أنِّي فَكَّرْتُ فِي السَّبَبِ الَّذِي أخْرَجَ أقْوامًا مِنَ السُّنَّةِ والجَماعَةِ، واضْطَرَّهُمْ إلى البِدْعَةِ والشَّناعَةِ، وفَتَحَ بابَ البَلِيَّةِ عَلى أفْئِدَتِهِمْ وحَجَبَ نُورَ الحَقِّ عَنْ بَصِيرَتِهِمْ، فَوَجَدْتُ ذَلِكَ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: البَحْثُ والتَّنْقِيرُ، وكَثْرَةُ السُّؤالِ عَمّا لا يُغْنِي، ولا يَضُرُّ العاقِلَ جَهْلُهُ، ولا يَنْفَعُ المُؤْمِنَ فَهْمُهُ.
والآخَرُ: مُجالَسَةُ مَن لا تُؤْمَنُ فِتْنَتُهُ، وتُفْسِدُ القُلُوبَ صُحْبَتُهُ، وسَأذْكُرُ فِي هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ ما يَكُونُ فِيهِ بَلاغٌ لِمَن قَبِلَ النَّصِيحَةَ، وكانَ بِقَلْبِهِ أدْنى حَياءً إنْ شاءَ اللَّهُ» “. انتهى، ثم ذكر جملة مما يدل على ذلك، ومن ذلك حديث الباب.
قال ابن العثيمين:
الهلاك: ضد البقاء، يعني أنهم تلفوا وخسروا
والمتنطعون: هم المتشددون في أمورهم الدينية والدنيوية، ولهذا جاء في الحديث: (لا تشددوا فيشدد الله عليكم).
وانظر إلى قصة بني إسرائيل حين قتلوا قتيلاً فادرؤوا فيه وتنازعوا حتى كادت الفتنة أن تثور بينهم، فقال لهم موسى عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) (البقرة: 67) … وبعد أن شدد عليهم ذبحوها وما كادوا يفعلون.
كذلك أيضاً من التشديد في العبادة، أن يشدد الإنسان على نفسه في الصلاة أو في الصوم أو في غير ذلك مما يسره الله عليه، فإنه إذا شدد على نفسه فيما يسره الله فهو هالك.
ومن ذلك ما يفعله بعض المرضى ولا سيما في رمضان حي يكون الله قد اباح له الفطر وهو مريض ويحتاج إلي الأكل والشرب، ولكنه يشدد على نفسه فيبقى صائماً فهذا أيضاً نقول إنه ينطبق عليه الحديث: هلك المتنطعون
ومن ذلك ما يفعله بعض الطلبة المجتهدين في باب التوحيد؛ حيث تجدهم إذا مرت بهم الآيات والأحاديث في صفات الرب عز وجل جعلوا ينقبون عنها،، فنقول إن لم يسعكم ما وسع الصحابة والأئمة فلا وسع الله عليكم، وثقوا بأنكم ستقعون في شدة وفي حرج وفي قلق.
مثال ذلك: يقول بعض الناس: إن الله عز وجل له أصابع، كما جاء في الحديث الصحيح: (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء) فيأتي هذا المتنطع فيبحث: هل لها أنامل؟ وكم أناملها؟ وما أشبه ذلك.
فالبحث عن أشياء هي من مسائل الغيب، فهذا لا شك أنه من التنطع.
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض الطلبة من إدخال الاحتمالات العقلية في الدلائل اللفظية؛ فتجده يقول: يحتمل كذا ويحتمل كذا، حتى تضيع فائدة النص، وحتى يبقى النص كله مرجوجاً لا يستفاد منه. هذا غلط. خذ بظاهر النصوص ودع عنك هذه الاحتمالات العقلية، فإننا لو سلطنا الاحتمالات العقلية على الأدلة اللفظية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما بقى لنا حديث واحد أو آية واحدة يستدل بها الإنسان، ولأورد عليها كل شيء، وقد تكون هذه الأمور العقلية وهميات وخيالات من الشيطان، يلقيها في قلب الإنسان حتى يزعزع عقيدته وإيمانه والعياذ بالله.
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض المتشددين في الوضوء، حيث تجده مثلاً يتوضأ سبعاً أو أكثر
أيضاً في الاغتسال من الجنابة، تجده يتعب تعباً عظيماً عند الاغتسال، في إدخال الماء في أذنيه، وفي إدخال الماء في منخريه
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (2/ 218)]
………………………….
(المسألة الثانية): الغلو كما يكون في التشدد يكون في التساهل
“الحمد لله، وبعد: فقد كثرت الحملات والاستنكارات على الغلو في الدين. وهي حملات واستنكارات بحق؛ لأن الغلو في الدين منهي عنه في الكتاب والسنة والإجماع، …
ولكن هناك من هو على النقيض من غلو الزيادة في ا لدين، فهناك من غلا في التساهل والتسامح في الدين.
ولا شك أن ديننا دين السماحة ورفع الحرج والاعتدال.
ولكن يجب أن يكون هذا التسامح في حدود ما شرعه الله من الأخذ بالرخص الشرعية عند الحاجة إليها، والدين كله ولله الحمد ليس فيه أصار ولا أغلال: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)، (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)، (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ).
ولكن الغلو في التسامح يكون بالخروج عما شرعه الله، وهذا لا يسمى تسامحاً وإنما هو الحرج نفسه؛ فإلغاء أصل الولاء والبراء في الإسلام والتسوية بين المسلم والكافر بحجة التسامح، وإلغاء تطبيق نواقض الإسلام على من انطبقت عليه كلها أو بعضها، والتسوية بين الأديان – كالتسوية بين الإسلام واليهودية والنصرانية-، بل بين الأديان كلها من وثنية والحادية، والقول بأن لا إله إلا الله لا تقتضي الكفر بالطاغوت، ولا تنفي ما عدا الإسلام من الأديان الباطلة كما تفوه به بعض الكتاب، كل هذه الأمثلة غلو في التساهل والتسامح؛ يجب إنكاره. كما يجب إنكار الغلو في الزيادة في الدين.
، وقد ذكر العلماء أن من نواقض الإسلام من لم يكفر الكافر أو يشك في كفره.
فعلى من وقع في هذه الزلات الخطرة أن يتبصر في أمره ويراجع الصواب فإن الرجوع إلى الحق فضيلة، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. [كتبه الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، الموقع الرسمي لفضيلته حفظه الله تعالى].
(المسألة الثانية): الفتاوى
قال ابن باز:
[] بيان معنى الغلو في الدين
س: ما هو التشدد المنهي عنه في الدين؟
ج: التشدد: هو الغلو والتنطع، يقول النبي لا: «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين»، ويقول لا: «هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون»، قالها ثلاثا صلى الله عليه وسلم، ومعناه الزيادة على ما شرعه الله، هذا هو التشدد يزيد على ما شرعه الله،
ومن ذلك البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، والصلاة عندها، هذه زيادة على ما شرع الله،
الذي شرعه الله زيارتها، والدعاء لأهلها بالمغفرة والرحمة فتاوى ابن باز
قال ابن باز:
ما ذكرته في السؤال من قول بعض الصوفية في المساجد وغيرها: اللهم صل على من جعلته سببا لانشقاق أسرارك الجبروتية وانفلاقا لأنوارك الرحمانية فصار نائبا عن الحضرة الربانية وخليفة أسرارك الذاتية .. إلخ.
الجواب:
أن يقال: إن هذا الكلام وأشباهه من جملة التكلف والتنطع الذي حذر منه نبينا محمد – لا -، فيما رواه مسلم في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله – لا -: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثا، قال الإمام الخطابي رحمه الله: المتنطع المتعمق في الشيء المتكلف البحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم.
وقال أبو السعادات بن الأثير: هم المتعمقون المغالون في الكلام المتكلمون بأقصى حلوقهم مأخوذ من النطع وهو الغار الأعلى من الفم، ثم استعمل في كل متعمق قولا وفعلا.
وبما ذكره هذان الإمامان من أئمة اللغة يتضح لك ولكل من له أدنى بصيرة أن هذه الكيفية في الصلاة والسلام على نبينا وسيدنا رسول الله – لا – من جملة التكلف والتنطع المنهي عنه، والمشروع للمسلم في هذا الباب أن يتحرى الكيفية الثابتة عن رسول الله – لا – في صفة الصلاة والسلام عليه. [إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين — ابن باز (ت (1420))].
——
تنببه: سبق ذكر مسائل الغلو في التعليق على كتاب أصول الإيمان
وسبق أيضا الكلام عن التنطع والتشدد في شرحنا لحديث … صحيح مسلم: بَاب عِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَشِدَّةِ خَشْيَتِهِ؛؛
4345 – عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ
صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرًا فَتَرَخَّصَ فِيهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَأَنَّهُمْ كَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ بَلَغَهُمْ عَنِّي أَمْرٌ تَرَخَّصْتُ فِيهِ فَكَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ فَوَاللَّهِ لَأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً.
وراجع للتنطع في كتاب الله شرحنا لصحيح مسلم بابُ النَّهْيِ عَنِ اتِّباعِ مُتَشابِهِ القُرْآنِ، والتَّحْذِيرِ مِن مُتَّبِعِيهِ، والنَّهْيِ عَنِ الِاخْتِلافِ فِي القُرْآنِ
(1) – ((2665)) عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: تَلا رَسُولُ اللهِ لا: {هُوَ الَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ، فَأمّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابْتِغاءَ الفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَاوِيلِهِ، وما يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إلّا اللهُ، والرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنا، وما يَذَّكَّرُ إلّا أُولُو الألْبابِ} قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ لا: «إذا رَأيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمّى اللهُ، (1) فاحْذَرُوهُمْ».