267 و 268 و 269 و 270 و 271 و 272 و 273 و 274 و 275 و 276 و277 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
33 – باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضَّعَفة والمساكين والمنكسرين والإِحسان إليهم والشفقة عليهم والتواضع معهم وخفض الجناح لهم.
267 – وعن سهلِ بن سعدٍ رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَنَا وكافلُ الْيتِيمِ في الجنَّةِ هَكَذَا”وأَشَار بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وفَرَّجَ بَيْنَهُمَا”. رواه البخاري.
و”كَافِلُ الْيتِيم”: الْقَائِمُ بِأُمُورِهِ.
268 – وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “كَافِل الْيتيمِ لَهُ أَوْ لِغَيرِهِ. أَنَا وهُوَ كهَاتَيْنِ في الجَنَّةِ” وَأَشَارَ الرَّاوي وهُو مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِالسَّبَّابةِ والْوُسْطى. رواه مسلم.
وقوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “الْيَتِيمُ لَه أَوْ لِغَيرهِ” معناهُ: قَرِيبهُ، أَوْ الأَجنَبِيُّ مِنْهُ، فَالْقرِيبُ مِثلُ أَنْ تَكْفُلَه أُمُّه أَوْ جدُّهُ أَو أخُوهُ أَوْ غَيْرُهُمْ مِنْ قَرَابتِهِ، واللَّه أَعْلَم.
قوله: (أنا وكافل اليتيم) قال النووي:” ” كافل اليتيم “: القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك، وهذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه، أو من مال اليتيم بولاية شرعية” (شرح مسلم للنووي)
فمن الخطأ أن تدفع مبلغ من المال وتقول كفالة يتيم وإنما هي صدقة يتيم، فلا يوضع هذا الحديث في التصدق على اليتيم.
(وأشار) لزيادة التبيين وإدخال المعاني في ذهن السامع لكونها بصورة المحسوس المدركة عادة (دليل الفالحين 1/ 463)
(وأشار بإصبعيه السبابة)، في رواية الكشميهني: ” السباحة ” بمهملة بدل الموحدة الثانية، و ” السباحة ” هي الأصبع التي تلي الإبهام، سميت بذلك لأنها يسبح بها في الصلاة فيشار بها في التشهد لذلك، وهي السبابة أيضا لأنها يسب بها الشيطان حينئذ. (فتح الباري)
قال الباجي:” وقوله صلى الله عليه وسلم كهاتين وأشار بأصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام يريد السبابة قال: عيسى بن دينار يقول لا أَفْضُلُه في الجنة إلا بقدر فضل الوسطى على التي تلي الإبهام.” المنتقى شرح موطأ مالك)
قوله ” وفرج بينهما “، أي: بين السبابة والوسطى، وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى، وهو نظير الحديث الآخر: ” بعثت أنا والساعة كهاتين “، الحديث، وزعم بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لما قال ذلك استوت إصبعاه في تلك الساعة ثم عادتا إلى حالهما الطبيعية الأصلية تأكيدا لأمر كفالة اليتيم. قلت: ومثل هذا لا يثبت بالاحتمال، ويكفي في إثبات قرب المنزلة من المنزلة أنه ليس بين الوسطى والسبابة إصبع أخرى (فتح الباري)
قال ابن حجر:” قال شيخنا في ” شرح الترمذي “: لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة أو شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي أو منزلة النبي؛ لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلا لهم ومعلما ومرشدا، وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه، بل ولا دنياه، ويرشده ويعلمه ويحسن أدبه، فظهرت مناسبة ذلك. انتهى ملخصا.” (فتح الباري)
وفي رواية: {كهاتين إذا اتقى} أي: اتقى الله في ما يتعلق باليتيم، ويحتمل أن يكون المراد قرب المنزلة حال دخول الجنة أي: سرعة الدخول عقبه صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أن يكون المراد مجموع الأمرين سرعة الدخول وعلو المرتبة. (انظر: فتح الباري)
قال الأتيوبي:” الذي يظهر لي أن المراد بالتقوى: تقوى الله عزوجل أعم من أن يكون في اليتيم أو في غيره، لأن كفالته اليتيم، مع كونه عاصيا لربه في أمور أخرى لا تنفعه، فلا ينال هذا الفضل، ثم وجدت عند الإمام أحمد نصا، ولفظه: “كافل اليتيم له، أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة، إذا اتقى الله … ” (البحر المحيط الثجاج 45/ 140)
قوله في الرواية الآخر: (له أو لغيره) فالذي له أن يكون قريبا له كجده وأمه وجدته، وأخيه وأخته، وعمه وخاله، وعمته وخالته، وغيرهم من أقاربه، والذي لغيره أن يكون أجنبيا. (شرح مسلم للنووي)
قال ابن الأثير:” الضمير في «له» و «لغيره» راجع إلى الكافل: أي أن اليتيم سواء كان للكافل من ذوي رحمه وأنسابه، أو كان أجنبيا لغيره، تكفل به.” (النهاية 4/ 192)
قال ابن جحر:” قال في “الفتح”: معنى قوله: “له” بأن يكون جدا، أو عما، أو أخا، أو نحو ذلك، من الأقارب، أو يكون أبو المولود قد مات، فتقوم أمه مقامه، أو ماتت أمه، فقام أبوه في التربية مقامها، وأخرج البزار من حديث أبي هريرة موصولا: “من كفل يتيما ذا قرابة، أو لا قرابة له”، وهذه الرواية تفسر المراد بالرواية التي قبلها” (فتح الباري) 10/ 436)
قال ابن بطال: حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك. (فتح الباري)
269 – وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرةُ وَالتَّمْرتَانِ، وَلا اللُّقْمةُ واللُّقْمتانِ إِنَّمَا المِسْكِينُ الذي يتَعَفَّفُ” متفقٌ عليه.
وفي رواية في”الصحيحين”: “لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يطُوفُ علَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمةُ واللُّقْمتَان، وَالتَّمْرةُ وَالتَّمْرتَانِ، ولَكِنَّ المِسْكِينَ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى يُغنْيِه، وَلا يُفْطَنُ بِهِ فيُتصدَّقَ عَلَيهِ، وَلا يَقُومُ فَيسْأَلَ النَّاسَ “.
وفي رواية تكملة للحديث وهي ” اقرءوا إن شئتم، يعني قوله: {لا يسألون الناس إلحافا} ”
قوله (المسكين) قال القرطبي:” المسكين مِفعِيل من السكون، فكأنه من عدم المال سكنت حركاته ووجوه مكاسبه، ولذلك قال تعالى: أَو مِسكِينًا ذَا مَترَبَةٍ؛ أي: لاصقًا بالتراب. وعند الأصمعي: أنه أسوأ حالاً من الفقير. وعند غيره: عكس ذلك. وقيل: هما اسمان لمسمى واحد.
ومعنى قوله: (ليس المسكين بالطَّواف عليكم)، إلى آخره؛ أي: الأحق باسم المسكين هذا الذي لا يجد غنى، ولا يتصدّق عليه، وهذا كقوله: (ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، ومثل هذا كثير. (المفهم 3/ 84)
قال النووي:” معناه: المسكين الكامل المسكنة الذي هو أحق بالصدقة وأحوج إليها ليس هو هذا الطواف، بل هو الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له ولا يسأل الناس. وليس معناه نفي أصل المسكنة عن الطواف، بل معناه نفي كمال المسكنة كقوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر} إلى آخر الآية. (شرح مسلم للنووي)
“الطواف” بفتح الطاء، وتشديد الواو صيغة مبالغة؛ أي من يكثر الطواف، والإشارة يحتمل أن تكون لحضوره ومشاهدته، ويحتمل أن تكون لحقارته. (طرح التثريب 4/ 33)
قال الخطابي وغيره: إنما نفى المسكنة عن السائل الطوّاف لأنه تأتيه الكفاية، وقد تأتيه الزكاة زيادة عليها فتزول خصائصه ويسقط اسم المسكنة عنه، وإنما تدوم الحاجة والمسكنة فيمن لا يسأل ولا يعطف عليه فيعطي. (دليل الفالحين 1/ 465)
قوله: (ليس له غنى) زاد في رواية الأعرج غنى يغنيه، وهذه صفة زائدة على اليسار المنفي، إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغنى به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر، وكأن المعنى نفي اليسار المقيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار، وهذا كقوله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافا}. (فتح الباري)
من فوائد الحديث ما ذكره ابن حجر حيث قال:” أن المسكنة إنما تحمد مع العفة عن السؤال والصبر على الحاجة وفيه استحباب الحياء في كل الأحوال وحسن الإرشاد لوضع الصدقة وأن يتحرى وضعها فيمن صفته التعفف دون الإلحاح وفيه دلالة لمن يقول إن الفقير أسوأ حالا من المسكين وأن المسكين الذي له شيء لكنه لا يكفيه والفقير الذي لا شيء له” (فتح الباري 3/ 343)
قال ابن باز:” ينبغى لأهل الغنى والثروة أن يراعوا المتعففين وأن يحسنوا إليهم أكثر من الطوافين، فالطواف يجد هذا يعطيه تمرة هذا يعطيه تمرتين، هذا يرده هذا يعطيه درهما يجد يجمع، لكن المتعفف يبقى في بيته في تعب كبير؛ لأنه لا يستطيع أن يطوف، يستحي من الطواف” (شرح رياض الصالحين 1/ 534)
قال ابن عثيمين:” وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي للمسكين أن يصبر وأن ينتظر الفرج من الله، وأن لا يتكفف الناس أعطوه أو منعوه؛ لأن الإنسان إذا علق قلبه بالخلق وكل إليهم، كما جاء في الحديث: ((من تعلق شيئاً وكل إليه)) وإذا وكلت إلى الخلق نسيت الخالق، بل اجعل أمرك إلى الله عز وجل، وعلق رجاءك وخوفك وتوكلك واعتمادك على الله سبحانه وتعالى فإنه يكفيك، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) [الطلاق: 3]، كل ما أمر الله عز وجل به فهو بالغك، لا يمنعه شيء ولا يرده شيء.
فالمسكين يجب عليه الصبر، ويجب عليه أن يمتنع عن سؤال الناس لا يسأل إلا عند الضرورة القصوى … ” (شرح رياض الصالحين 3/ 98)
فيه ذم المسألة ووردت أحاديث كثيرة في ذلك منها، ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهم قَالَ، قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَاتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ ”
وروى أحمد و البيهقي أن رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال:”من فتحَ على نفسِه بابَ مسألةٍ من غيرِ فاقةٍ نَزَلَتْ به، أو عيالٍ لا يطيقُهم؛ فتح الله عليه بابَ فاقةٍ من حيثُ لا يحتسب”. (حسنه لغيره الألباني في صحيح الترغيب 795)
وروى الطبراني و ابن خزيمة عن حُبْشِي بن جُنادةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقول:”من سأل من غير فقرٍ؛ فكأنما ياكُل الجمرَ”. (صححه لغيره الألباني في صحيح الترغيب 802)
وروى الترمذي أن قال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:”إن المسألةَ لا تحلُّ لغنيٍّ، ولا لذي مِرَّةٍ سَويٍّ، إلا لذي فقرٍ مُدقع، أو غُرمٍ مُفْظع، ومن سأل الناسَ ليَثْرى به مالُه، كان خموشاً في وجهه يوم القيامة، ورَضْفاً ياكله من جهنم، فمن شاء فليُقْلِلْ، ومن شاء فليكثِر”. (صححه لغيره الألباني في صحيح الترغيب 802)
روى عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند و والطبراني في الأوسط عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:”من سأَل مسْألةً عن ظهرِ غنىً؛ استكثر بها من رَضْف جهنم”.قالوا: وما ظهر غِنى؟ قال:”عشاءُ ليلة” (صححه لغيره الألباني في صحيح الترغيب 804)
والنبي صلى الله عليه وسلم بايع الصحابة أن لا يسألوا شئيا وكان أحدهم يسقط سوطه ولا يسأل أحدا.
وأما أذا جاء الإنسان مال من غير مسألة ولا استشراف نفس ولم يكن زكاة فهو رزق ساقه الله إليه.
ففي الصحيحين عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ، فَأَقُولُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ: ” خُذْهُ، إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ “.
وعن خَالِدِ بْنِ عَدِيٍّ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ” مَنْ بَلَغَهُ مَعْرُوفٌ عَنْ أَخِيهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَقْبَلْهُ وَلَا يَرُدَّهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ. رواه الإمام أحمد وهو في صحيح الترغيب
عن عائذ بن عمروٍ رضي الله عنه عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال:”مَن عرض له من هذا الرزق شيءٌ من غير مسألة ولا إشرافٍ، فليتوسع به في رزقه، فإنْ كان غنياً فليوجهه إلى مَن هو أحوجُ إليه منه”.رواه أحمد والطبراني والبيهقي، وإسناد أحمد جيد قوي.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله: “سألت أبي: ما (الإشراف)؟ قال: تقول في نفسك: سيبعث إليَّ فلان، سَيَصِلُني فلان! “. (صحيح الترغيب 850)
270 – وعنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “السَّاعِي علَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالمُجاهِدِ في سبيلِ اللَّه”وأَحْسبهُ قَالَ:”وَكَالْقائِمِ لا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ” متفقٌ عَلَيهِ.
:
قوله صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) المراد بالساعي: الكاسب لهما: العامل لمئونتهما، والأرملة: من لا زوج لها، سواء كانت تزوجت أم لا، وقيل: هي التي فارقت زوجها، قال ابن قتيبة: سميت أرملة؛ لما يحصل لها من الإرمال، وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج، يقال: أرمل الرجل؛ إذا فني زاده. (شرح مسلم للنووي) قال ابن حجر:”معني الساعي: الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملة، والمسكين.” (فتح الباري)
قال القاري: وهذا مأخذ لطيف في إخراج الغنية من عموم الأرملة إن كان ظاهر إطلاق الحديث يعم الغنية والفقيرة. قال الطيبي: وإنما كان معنى الساعي على الأرملة ما قاله النووي لأنه صلى الله عليه وسلم عداه بعلى مضمنا فيه معنى الإنفاق (تحفة الأحوذي للمباركفوري)
(كالمجاهد في سبيل الله) أي ثواب القائم بأمرهما وإصلاح شأنهما والإنفاق عليهما كثواب الغازي في جهاده فإن المال شقيق الروح وفي بذله مخالفة النفس ومطالبة رضا الرب. (تحفة الأحوذي)
قال القرطبي:” إنما شبه الساعي على الأرملة بالمجاهد، لأنَّ القيام على المرأة بما يصلحها وما يحفظها ويصونها، لا يُتصور الدوام عليه إلا مع الصبر العظيم، ومجاهدة النفس والشيطان، فإنَّهما يكسلان عن ذلك، ويثقلانه، ويفسدان النيات في ذلك، وربما يدعوان بسبب ذلك إلى السوء ويسولانه، ولذلك قل من يدوم على ذلك العمل، وأقل من ذلك من يسلم منه، فإذا حصل ذلك العمل حصلت منه فوائد كشف كرب الضعفاء، وإبقاء رمقهم، وسد خلتهم، وصون حرمتهم.” (المفهم)
قال ابن هبيرة:” المراد أن الله تعالى يجمع له ثواب الصائم والقائم والمجاهد في دفعة؛ وذلك أنه قام للأرملة مقام زوجها الذي سلبها إياه القدر، وأرضاها عن ربها، وقام على ذلك المسكين الذي عجز عن قيامه بنفسه؛ فأنفق هذا فضل قوته وتصدق بجلده؛ فكان نفعه إذاً الصوم والقيام والجهاد.” (الإفصاح عن معاني الصحاح 6/ 267)
(وأحسبه) جاء في رواية البخاري أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ “. وَأَحْسِبُهُ قَالَ: يَشُكُّ الْقَعْنَبِيُّ: ” كَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ “.
قال الأتيوبي:” بكسر السين، وفتحها؛ أي: أظنه، وقائله عبد الله بن مسلمة القعنبي شيخ البخاري ومسلم الراوي عن مالك، كما صرح به في رواية البخاري، ومعناه: أظن أن مالكا قال: كالقائم. (البحر المحيط الثجاج)
قال ابن بطال:” فينبغي لكل مؤمن أن يحرص على هذه التجارة التي لا تبور، ويسعى على أرملة، أو مسكين لوجه الله تعالى، فيربح في تجارته درجات المجاهدين، والصائمين، والقائمين، من غير تعب، ولا نصب، {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} [الجمعة: 4] (شرح صحيح البخاري لابطال)
بوب البخاري على هذا الحديث ” بَابُ فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الأَهْلِ” قال ابن حجر:” مطابقة الحديث للترجمة من جهة إمكان اتصاف الأهل أي الاقارب بالصفتين المذكورتين فإذا ثبت هذا الفضل لمن ينفق على من ليس له بقريب ممن اتصف بالوصفين فالمنفق على المتصف أولى الحديث” (فتح الباري 9/ 499)
ذكر الراغب الأصفهاني أن المنصور بعث إلى مَن في الحبس من بني أمية من يقول لهم: “ما أشد ما مرّ بكم في هذا الحبس؟ فقالوا: “ما فقدنا من تربية أولادنا”.
قال ابن عثيمين:” وفي هذا دليل على جهل أولئك القوم الذين يذهبون يميناً وشمالاً ويدعون عوائلهم في بيوتهم مع النساء، ولا يكون لهم عائل فيضيعون؛ لأنهم يحتاجون إلى الإنفاق ويحتاجون إلى الرعاية وإلى غير ذلك، وتجدهم يذهبون يتجولون في القرى وربما في المدن أيضاً، بدون أن يكون هناك ضرورة، ولكن شيء في نفوسهم، يظنون أن هذا أفضل من البقاء في أهليهم بتأديبهم وتربيتهم.
وهذا ظن خطأ، فإن بقاءهم في أهلهم، وتوجيه أولادهم من ذكور وإناث، وزوجاتهم ومن يتعلق بهم أفضل من كونهم يخرجون يزعمون أنهم يرشدون الناس وهم يتركون عوائلهم الذين هم أحق من غيرهم بنصيحتهم وإرشادهم، ولهذا قال الله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء: 214]، فبدأ بعشيرته الأقربين قبل كل أحد.
أما الذي يذهب إلى الدعوة إلى الله يوماً أو يومين أو ما أشبه ذلك، وهو عائد إلى أهله عن قرب فهذا لا يضره، وهو على خير ـ لكن كلامنا في قوم يذهبون أربعة أشهر، أو خمسة أشهر، أو سنة ـ عن عوائلهم؛ يتركونهم للأهواء والرياح تعصف بهم، فهؤلاء لا شك أن هذا من قصور فقههم في دين الله عز وجل.
وقد قال النبي عليه الصلاة: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) فالفقيه في الدين هو الذي يعرف الأمور، ويحسب لها، ويعرف كيف تؤتى البيوت من أبوابها، حتى يقوم بما يجب عليه.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 101)
271 – وعنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “شَرُّ الطَّعَام طَعَامُ الْوليمةِ، يُمْنَعُها مَنْ ياتِيهَا، ويُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَابَاهَا، ومَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوةَ فَقَدْ عَصَى اللَّه ورَسُوله” رواه مسلم.
وفي رواية في الصحيحين عن أَبي هريرةَ من قوله: “بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ”.
(الوليمة) قال ابن فارس:” أهل اللغة يقولون: طعام العرس وليمة.” (مقاييس اللغة 6/ 140) قال ابن عثيمين:” يحتمل أن يكون المراد بالوليمة هنا وليمة العرس، ويحتمل أن يكون أعم، وأن المراد بالوليمة كل ما دعي إلى الاجتماع إليه من عرس أو غيره. (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 102)
وقال أيصأ:” الوليمة من حيث هي ـ ولا سيما وليمة العرس ـ فإنها سنة مؤكدة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: ((أولم ولو بشاة)) فأمره بالوليمة، قال: ((ولو بشاة)) يعني ولو بشيء قليل، والشاة قليلة بالنسبة لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ لأنه من الأغنياء.” (شرح رياض الصالحين)
قوله (يُمْنَعُها مَنْ ياتِيهَا، ويُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَابَاهَا) قال ابن باز:” يعني:” يمنع من يحتاج إليها من الفقراء ويدعى إليها من يأباها وهم الأغنياء؛ يعني: غالب الأغنياء قد يشق عليهم المجيء؛ يعني هم ليسوا بحاجة للوليمة والفقراء يحتاجون إليها وقد يمنعهم صاحب الوليمة، فينبغي لصاحب الوليمة أن يشرك الفقراء” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 536)
قوله (ومَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوةَ) وفي رواية البخاري (ومن ترك الدعوة) قال ابن حجر:” قوله: (ومن ترك الدعوة) أي: ترك إجابة الدعوة، وفي رواية ابن عمر المذكورة: ” ومن دعي فلم يجب ” وهو تفسير للرواية الأخرى. قوله: (فقد عصى الله ورسوله) هذا دليل وجوب الإجابة؛ لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب، ووقع في رواية لابن عمر عند أبي عوانة: ” من دعي إلى وليمة فلم يأتها فقد عصى الله ورسوله “. (فتح الباري)
(وفي رواية في الصحيحين عن أَبي هريرةَ من قوله) قال القرطبي:” أكثرُ الرواة والأئمة على رواية هذا الحديث موقوفًا على أبي هريرة. وقد انفرد برفعه زياد بن سعد عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (شرُّ الطَّعام. . .) وذكره. وهو ثقة إمام، وأيضًا فمن وقفه ذكر فيه ما يدلُّ: على أنه مرفوع؛ وذلك أنه قال فيه: (ومن لم يجب الدَّعوة فقد عصى الله ورسوله) وظاهر هذا: الرفعُ؛ لأنَّ الرَّاوي لا يقول مثل هذا من قِبَل نفسه” (المفهم 4/ 155) قال النووي:” ذكره مسلم موقوفا على أبي هريرة، ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن الحديث إذا روي موقوفا ومرفوعا حكم برفعه على المذهب الصحيح لأنها زيادة ثقة.” (شرح النووي)
قال القاضي عياض:” قد كره العلماء اختصاص الأغنياء بالدعوة. واختلف إذا فعل ذلك، فقال ابن مسعود: إذا خصَّ الغنى وترك الفقير أمرنا ألا نجيب. وقال ابن حبيب: من فارق السنة فى وليمة فلا دعوة له. وقال أبو هريرة: أنتم العاصون فى الدعوة. ودعا ابن عمر فى وليمته الأغنياء والفقراء، فجاءت قريش ومعها المساكين، فقال ابن عمر للمساكين: هاهنا فاجلسوا، لا تفسدوا عليهم ثيابهم، فإنا سنطعمكم مما يأكلون.” (إكمال المعلم بفوائد مسلم 4/ 605)
قال ابن بطال:” وإذا ميز الداعي بين الأغنياء والفقراء، فأطعم كلا على حدة، لم يكن به بأس، وقد فعله ابن عمر.” (شرح ابن بطال)
قال القرطبي:” مقصود هذا الحديث: الحضُّ على دعوة الفقراء، والضعفاء، ولا تقصر الدعوة على الأغنياء، كما يفعل مَن لا مبالاة عنده بالفقراء من أهل الدنيا” (المفهم 4/ 155)
قال النووي:” ومعنى هذا الحديث الإخبار بما يقع من الناس بعده صلى الله عليه وسلم من مراعاة الأغنياء في الولائم ونحوها، وتخصيصهم بالدعوة، وإيثارهم بطيب الطعام، ورفع مجالسهم وتقديمهم وغير ذلك مما هو الغالب في الولائم والله المستعان ” (شرح مسلم للنووي)
قال ابن باز:” يقول صلى الله عليه وسلم (من لم يُجب الدعوة فقد عصى الله ورسولَه)) قال: ((إذا دعي أحدُكُم إلى الوليمة فليجب)) ((من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب))
فهذا يدل على وجوب إجابة الدعوة، يقول ((فقد عصى الله ورسوله)) … فالواجب على المؤمن أن يجب الدعوة إلا من عذر شرعي؟ كمرض أو مطر أو ما أشبه ذلك من الأعذار التي تمنع، أو سفر بعيد أو ما أشبه ذلك من الأعذار ” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 537)
قال ابن عثيمين:” قوله عليه الصلاة والسلام: ((ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله)) يدل على أن إجابة دعوة الوليمة واجبة؛ لأنه لا شيء يكون معصية بتركه إلا وهو واجب، ولكن لا بد فيها من شروط:
الشرط الأول: أن يكون الداعي مسلماً؛ فإن لم يكن مسلما ً لم تجب الإجابة، ولكن تجوز الإجابة لا سيما إذا كان في هذا مصلحة، يعني لو دعاك كافر إلى وليمة عرس فلا بأس أن تجيب، لا سيما إن كان في ذلك مصلحة كتأليفه إلى الإسلام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يهودياً دعاه في المدينة، فأجابه، وجعل له خبزاً من شعير وإهالة سنخة؛ يعني ودكاً قديماً متغيراً.
وأما اشتراط العدالة: يعني اشتراط أن يكون الداعي عدلاً فليس بشرط، فتجوز إجابة دعوة الفاسق إذا دعاك مثل أن يدعوك إنسان قليل الصلاة مع الجماعة، أو شارب دخان، فأجبه كما تجيب من كان سالماً من ذلك.
لكن إن كان عدم الإجابة يفضي إلى مصلحة بحيث يخجل هذا الداعي ويترك المعصية التي كان يعتادها حيث الناس لا يجيبون دعوته، فلا تجب دعوته من أجل مصلحته، أما إذا كان لا يستفيد سواء أجبته أو لم تجبه، فأجب الدعوة لأنه مسلم.
الشرط الثاني: أن يكون ماله حلالاً؛ فإن كان ماله حراماً كالذي يكتسب المال بالربا؛ فإنه لا تجب إجابته لأن ماله حرام، والذي ماله حرام ينبغي للإنسان أن يتورع عن أكل ماله، ولكنه ليس بحرام، يعني لا يحرم عليك أن تأكل من مال من كسبه حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من طعام اليهود وهم يأكلون الربا؛ يأخذونه ويتعاملون به. لكن الورع أن لا تأكل ممن ماله حرام.
أما إذا كان في ماله حرام يعني ماله مختلط؛ يتجر تجارة حلالاً ويكتسب كسباً محرماً؛ فلا بأس من إجابته، ولا تتورع عن ماله؛ لأنه لا يسلم كثير من الناس اليوم …
الشرط الثالث: ألا يكون في الدعوة منكر؛ فإن كان في الدعوة منكر فإنه لا تجب الإجابة، مثل لو علمت أنهم سيأتون بمغنين، أو عندهم (شيش) يشربها الحاضرون، أو عندهم شراب دخان فلا تجب إلا إذا كنت قادراً على تغيير هذا المنكر، فإنه يجب عليك الحضور لسببين:
السبب الأول: إزالة المنكر.
السبب الثاني: إجابة الدعوة.
أما إذا كنت ستحضر ولكن لا تستطيع تغيير المنكر؛ فإن حضورك حرام.
الشرط الرابع: أن يعين المدعو، ومعنى يعينه أن يقول: يا فلان أدعوك إلى حضورك وليمة العرس. فإن لم يعينه بأن دعا دعوة عامة في مجلس فقال: يا جماعة عندنا حفل زواج ووليمة عرس فاحضروا، فإنه لا يجب عليك أن تحضر؛ لأنه دعا دعوة عامة ولم ينص عليك.
فلابد أن يعينه فإن لم يعينه فإنها لا تجب، ثم إنه ينبغي للإنسان أن يجيب كل دعوة؛ لأن من حق المسلم على أخيه أن يجيب دعوته، إلا إذا كان في امتناعه مصلحة راجحة فليتبع المصلحة. (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 103و104 و105)
272 – وعن أَنس رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَنْ عَالَ جَارِيتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَومَ القِيامَةِ أَنَا وَهُو كَهَاتَيْنِ” وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. رواه مسلم.
“جَارِيَتَيْنِ”أَيْ: بِنْتَيْنِ.
روى ابن حبان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “مَنْ عَالَ ابنتين أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى يَبِنَّ أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كهاتين وأشار بأصبعه الوسطى والتي تليها. (صحيح ابن حبان 447) يبن: يفترقن عن بالزواج.
وروى ابن ماجه وابن حبان عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:”ما مِنْ مسلمٍ له ابْنَتانِ فيُحْسِنُ إليهما ما صَحِبَتاهُ أو صحِبَهُما؛ إلا أدْخَلَتاه الجنَّةَ”. (صحيح الترغيب 1971)
وروى الطبراني عن عوف بن مالك رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال:”ما مِنْ مسلم يكونُ له ثلاثُ بناتٍ فينفقُ عليهنَّ حتى يَبِنَّ أو يَمُتْنَ؛ إلا كُنَّ له حِجاباً مِنَ النارِ”.فقالتْ له امْرأَةٌ: أوْ بِنْتانِ؟ قال:”أوْ بِنْتانِ”. (صحيح الترغيب 1972)
(عال)؛ أي: قام عليهما بما يصلحهما، ويحفظهما، يقال منه: عال الرجل عياله، يعولهم، من باب قال، عولا، وعيالة؛ أي: كفلهم، وقام بهم (المفهم)
وقال القاضي عياض: قوله: “من عال جاريتين” معناه: مأنهما، وقام بنفقتهما، وما يحتاجان إليه، وأصله من العول، وهو القوت، ومنه في الحديث الآخر: “وابدأ بمن تعول”. (“مشارق الأنوار” 2/ 105)
قال ابن عثيمين:” العول في الغالب يكون بالقيام بمئونة البدن؛ من الكسوة والطعام والشراب والسكن والفراش ونحو ذلك، وكذلك يكون في غذاء الروح؛ بالتعليم والتهذيب والتوجيه والأمر بالخير والنهي عن الشر وما إلى ذلك.” (شرح رياض الصالحين 3/ 106)
قوله (حَتَّى تَبْلُغَا) قال القرطبي:” يعني ببلوغهما وصولهما إلى حال يستقلان بأنفسهما، وذلك إنما يكون في النساء، إلى أن يدخل بهن أزواجهن، ولا يعني ببلوغها إلى أن تحيض وتكلف، إذ قد تتزوج قبل ذلك فتستغني بالزوج عن قيام الكافل، وقد تحيض وهي غير مستقلة بشيء من مصالحها، ولو تركت لضاعت، وفسدت أحوالها. بل هي في هذه الحال أحق بالصيانة والقيام عليها لتكمل صيانتها فيرغب في تزويجها، ولهذا المعنى قال علماؤنا: لا تسقط النفقة عن والد الصبية بنفس بلوغها، بل بدخول الزوج بها.” (المفهم 6/ 636)
(جَاءَ يَومَ القِيامَةِ أَنَا وَهُو كَهَاتَيْنِ” وَضَمَّ أَصَابِعَهُ) قال ابن حبان رحمه الله: قوله -صلى الله عليه وسلم-: “كنت أنا وهو في الجنة كهاتين”أراد به في الدخول والسبق، لا أن مرتبة من عال ابنتين، أو أختين في الجنةكمرتبة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- سواء.- (صحيح ابن حبان)،
قال القرطبي:” يريد: رفاقته معه فى الجنة، أو دخوله معه إياها فى أول من يدخل، وكفى بهذا فضلاً” (المفهم 8/ 110) … وقال ابن عثيمين قال:” والمعنى أنه يكون رفيقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة إذا عال الجارتين؛ يعني الأنثيين من بنات أو أخوات أو غيرهما، أي أنه يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وقرن بين إصبعيه عليه الصلاة والسلام.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 106)
قال ابن عثيمين:” فيه فضل عول الإنسان للبنات، وذلك أن البنت قاصرة ضعيفة مهينة، والغالب أن أهلها لا يأبهون بها، ولا يهتمون بها” (شرح رياض الصالحين 3/ 105)
273 – وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: دَخَلَتَ عليَّ امْرَأَةٌ ومعهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ فَلَم تَجِدْ عِنْدِى شَيْئاً غَيْرَ تَمْرةٍ واحِدةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا فَقَسَمتْهَا بَيْنَ ابنَتَيْهَا وَلَمْ تَاكُلْ مِنْهَا ثُمَّ قامتْ فَخَرَجتْ، فَدخلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلَيْنَا، فَأَخْبرتُهُ فَقَالَ: “مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّارِ” متفقٌ عَلَيهِ.
274 – وعن عائشةَ رضي اللَّهُ عنها قَالَتْ: جَاءَتنى مِسْكِينَةٌ تَحْمِل ابْنْتَيْن لَهَا، فَأَطعمتهَا ثَلاثَ تَمْرَاتٍ، فَأَعطتْ كُلَّ وَاحدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرفعتْ إِلى فِيها تَمْرةً لتَأَكُلهَا، فَاسْتَطعَمَتهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّت التَّمْرَةَ الَّتي كَانَتْ تُريدُ أَنْ تاكُلهَا بيْنهُمَا، فأَعْجبنى شَانَها، فَذَكرْتُ الَّذي صنعَتْ لرسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: “إنَّ اللَّه قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الجنَّةَ، أَو أَعْتقَها بِهَا مَن النَّارِ” رواه مسلم.
قوله: (جاءتني امرأة ومعها بنتان)، لم أقف على أسمائهن. (فتح الباري)
قوله (وَلَمْ تَاكُلْ مِنْهَا) وهذا منها محتمل لكونه لداعي الثواب، أو لكونه لذلك ولداعي الطبع أيضاً، فإن طبع الوالد إيثار الولد بذلك، فيؤخذ منه على الاحتمال الأخير حصول الثواب فيه، ويؤيده حديث سعد السابق في باب الإخلاص «وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها حتى ما تجعل في امرأتك». (دليل الفالحين 1/ 469)
(ثُمَّ قامتْ فَخَرَجتْ) قال ابن علان:” لعل حكمة الإتيان بثم في الأول وبالفاء في الثاني أنها كانت راجية حصول شيء غير التمرة فأطالت الجلوس لانتظاره، فلما غلب على ظنها عدم ذلك قامت فعقبت قيامها بخروجها.” دليل الفالحين 1/ 469)
قوله: (فأحسن إليهن) قال القرطبي -رحمه الله-؛ أي: صانهن، وقام بما يصلحهن، ونظر في أصلح الأحوال لهن (المفهم)
قوله (فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ) قال ابن حجر:” قد اختلف في المراد بالإحسان؛ هل يقتصر به على قدر الواجب أو بما زاد عليه؟ والظاهر الثاني؛ فإن عائشة أعطت المرأة التمرة فآثرت بها ابنتيها فوصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان بما أشار إليه من الحكم المذكور، فدل على أن من فعل معروفا لم يكن واجبا عليه أو زاد على قدر الواجب عليه عد محسنا، والذي يقتصر على الواجب وإن كان يوصف بكونه محسنا لكن المراد من الوصف المذكور قدر زائد، وشرط الإحسان أن يوافق الشرع لا ما خالفه، والظاهر أن الثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر إلى أن يحصل استغناؤهن عنه بزوج أو غيره كما أشير إليه في بعض ألفاظ الحديث، والإحسان إلى كل أحد بحسب حاله. (فتح الباري)
قوله صلى الله عليه وسلم: (من ابتلي من البنات بشيء) إنما سماه ابتلاء؛ لأن الناس يكرهونهن في العادة، قال الله تعالى: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم}. (شرح مسلم للنووي) وجاء في رواية البخاري (من يلي من هذه البنات شيئا)، كذا للأكثر بتحتانية مفتوحة أوله؛ من الولاية. (فتح الباري) قال ابن حجر:” وقال شيخنا في ” شرح الترمذي “: يحتمل أن يكون معنى الابتلاء هنا: الاختبار، أي: من اختبر بشيء من البنات لينظر ما يفعل أيحسن إليهن أو يسيء، ولهذا قيده في حديث أبي سعيد بالتقوى؛ فإن من لا يتقي الله لا يأمن أن يتضجر بمن وكله الله إليه، أو يقصر عما أمر بفعله، أو لا يقصد بفعله امتثال أمر الله وتحصيل ثوابه، والله أعلم.” (فتح الباري)
قال ابن عثيمين:” قوله صلى الله عليه وسلم: ((من ابتلي)): ليس المراد به هنا بلوى الشر، لكن المراد: من قُدر له، كما قال الله تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35] يعني من قدر له ابنتان فأحسن إليهما كن له ستراً من النار يوم القيامة” (شرح رياض الصالحين 3/ 107)
قوله (كُنَّ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّارِ) القرطبي -رحمه الله-: هذا يفيد بحكم عمومه أن الستر من النار يحصل بالإحسان إلى واحدة من البنات، فأما إذا عال زيادة على الواحدة، فيحصل له زيادة على الستر من النار السبق مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى الجنة، كما جاء في الحديث الآخر، وهو قوله: “من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو” -وضم أصابعه-
والجمع بين هذين الحديثين ما قاله ابن حجر:” يمكن الجمع بأن مرادها بقوله في حديث عروة: ” فلم تجد عندي غير تمرة واحدة “، أي: أخصها بها، ويحتمل أنها لم يكن عندها في أول الحال سوى واحدة فأعطتها، ثم وجدت ثنتين، ويحتمل تعدد القصة. (فتح الباري) قال الأتيوبي:” قال الجامع عفا الله عنه: احتمال تعدد القصة هو الأقرب عندي” (البحر المحيط الثجاج 41/ 170)
في الحديث الآخر قالت (فأعجبني شأنها) لما فيه من الإيثار على النفس بحظوظها ورحمة الصغار ومزيد الإحسان والرفق بالبنات طلباً لوجه الله تعالى، وفي «مفردات الراغب»: الشأن الحال والأمر الذي يتفق ويصلح ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور. (دليل الفالحين 1/ 470)
وقوله (فَاسْتَطعَمَتهَا ابْنَتَاهَا) يعني: طلبت ابنتاها التمرة الثالثة. (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 537)
قال ابن حجر:” وفي الحديث تأكيد حق البنات لما فيهن من الضعف غالبا عن القيام بمصالح أنفسهن، بخلاف الذكور لما فيهم من قوة البدن وجزالة الرأي وإمكان التصرف في الأمور المحتاج إليها في أكثر الأحوال. قال ابن بطال: وفيه جواز سؤال المحتاج، وسخاء عائشة لكونها لم تجد إلا تمرة فآثرت بها، وأن القليل لا يمتنع التصدق به لحقارته، بل ينبغي للمتصدق أن يتصدق بما تيسر له؛ قل أو كثر، وفيه جواز ذكر المعروف إن لم يكن على وجه الفخر ولا المنة،. (فتح الباري)
قال ابن باز في تعليقه على الحديث:” دل ذلك على أن رحمة الأيتام والفقراء والمساكين والإحسان إليهم من أسباب دخول الجنة، ومن أسباب المغفرة” (شرح رياض الصالحين 1/ 537)
قال ابن عثيمين:” مما ورد في هذا الحديث من العبر: أولاً: بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أشرف بيوته، فيه أحب نسائه إليه، لا يوجد به إلا تمرة واحدة … ثانياً: وفيه أيضاً ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الإيثار، فإن عائشة ليس عندها إلا تمرة ومع ذلك آثرت بها هذه المسكينة … ثالثاً: وفي هذا الحديث أيضاً من العبر أن الصحابة رضي الله عنهم يوجد فيهم الفقير كما يوجد فيهم الغني، قال الله تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً) [الزخرف: 32]، ولولا هذا التفاوت ما اتخذ بعضنا بعضاً سخرياً … ” (شرح رياض الصالحين) ومعنى سخريا: أي: ليسخر بعضهم بعضا، في الأعمال والحرف والصنائع، فلو تساوى الناس في الغنى، ولم يحتج بعضهم إلى بعض، لتعطلت كثير من مصالحهم ومنافعهم. (تفسير السعدي ص764)
فيه تصدق المرأة من بيت زوجها إذا علمت رضاه.
275 – وعن أَبي شُريْحٍ خُوَيْلِدِ بْنِ عَمْروٍ الخُزاعِيِّ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: قَالَ النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “اللَّهُمَّ إِنِّى أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعيفينِ الْيَتِيمِ والمرْأَةِ” حديث حسن صحيح رواه النسائي بإِسناد جيدٍ.
ومعنى «أُحَرِّجُ»: أُلْحِقُ الحَرَجَ وَهُوَ الإثْمُ بِمَنْ ضَيَّعَ حَقَّهُمَا، وَأُحَذِّرُ مِنْ ذلِكَ تَحْذِيرًا بَليغًا، وَأزْجُرُ عَنْهُ زجرًا أكيدًا.
الأحاديث الأول فيها الحث على رعاية الضعفاء والمساكين واليتامي والبنات ونحو ذلك وبيان أجر ذلك، وفي هذا الحديث التحذير من التفريط في هذا الحق.
قوله (رواه النسائي) أي في السنن الكبرى برقم9150، والحديث عند أحمد و ابن ماجه من حديث أبي هريرة، وحديث الباب اسناده أصح، لذلك اعتمد عليه النووي.
قال الألباني:” أخرجه ابن ماجه (3678) وابن حبان (1266) والحاكم (1/ 63 و 4/ 128) وأحمد (2/ 439) وأبو إسحاق الحربي في ” غريب الحديث ” (5/ 47 / 2) وتمام في ” الفوائد ” (112/ 1) من طريق محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال الحاكم ” صحيح على شرط مسلم ” ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، لولا أن ابن عجلان لم يحتج به مسلم وإنما أخرج له في المتابعات، فهو حسن الإسناد.” (الصحيحة 1015)
وفي تخريج نظرة النعيم:” قال محققو المسند: اسناده قوي من أجل محمد بن عجلان وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين.
قال شيخنا –حفظه الله- سيف بن دورة: له شاهد عن ابن عجلان عن المقبري عن أبيه عن أبي شريح. ومحمد بن عجلان اختلطت عليه أحاديث المقبري عن أبي هريرة، لكن بعض مشايخنا قال: وحديث أبي شريح هو المعتمد.
(قال قال رسول الله: اللهم) أصله يا الله على الصحيح وهو قول البصريين، فحذف حرف النداء وعوض عنه الميم المشددة في الآخر، ولذا لا يجمع بينهما إلا ضرورة نحو: أقول يا اللهم (دليل الفالحين 1/ 471)
(إني أحرّج) بتشديد الراء تفعيل من الحرج: وهو الإثم والصيغة للمبالغة. (دليل الفالحين 1/ 471) قال السندي في حاشيته على ابن ماجه:” بالحاء المهملة من التحريج أو الإحراج أي أضيق على الناس في تضييع حقهما وأشدد عليهم في ذلك والمقصود إشهاده تعالى في تبليغ ذلك الحكم إليهم وفي الزوائد المعنى أحرج عن هذا الإثم بمعنى أن يضيع حقها وأحذر من ذلك تحذيرا بليغا وأزجر عنه زجرا أكيدا قاله النووي” وقال في حاشيته على مسند أحمد:” قوله: “أحَرجَ”، قال السندي: من التحريج، بمعنى التضييق، أي: أضيقه وأحرمه على من ظلمهما، ولعل المراد بيان التشديد في حقهما والتغليظ، والله تعالى أعلم.”
(حق الضعيفين) أي ما يستحقانه بملك أو غيره كاختصاص ولذا عبر به دون مال وليشمل سائر الحقوق المالية وغيرها. (دليل الفالحين 1/ 471)
(اليتيم والمرأة) وإنما حرّج حقهما وبالغ في المنع منه لأنهما لا جاه لهما يلتجئان إليه ويحاجّ عنهما سوى المولى سبحانه وتعالى، فالمتعرض لهما كالمخفر لله في عهده فهو حقيق بأنواع الوبال (دليل الفالحين 1/ 471)
قال فيصل آل مبارك:” أنما حرج النبي – صلى الله عليه وسلم – حق اليتيم والمرأة، لأنهما لا قوة لهما ولا ملجأ إلا إلى الله تعالى.” (تطريز رياض الصالحين 1/ 200)
276 – وعن مُصْعبِ بنِ سعدِ بنِ أَبي وقَّاصٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: رأَى سعْدٌ أَنَّ لَهُ فَضْلاً علَى مَنْ دُونهُ، فَقَالَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “هَل تُنْصرُونَ وتُرزقُونَ إِلاَّ بِضُعفائِكُم” رواه البخاري هَكَذا مُرسلاً، فَإِن مصعَب بن سعد تَابِعِيُّ، ورواه الحافِظُ أَبو بكر الْبَرْقَانِى في صحيحِهِ مُتَّصلاً عن مصعب عن أَبيه رضي اللَّه عنه.
277 – وعن أَبي الدَّرْداءِ عُوَيْمرٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ: “ابْغونِي الضُّعَفَاءَ، فَإِنَّمَا تُنْصرُونَ، وتُرْزقون بضُعفائِكُمْ” رواه أَبو داود بإسناد جيد.
روى النسائي عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا؛ بِدَعْوَتِهِمْ، وَصَلَاتِهِمْ، وَإِخْلَاصِهِمْ “.
قوله: (رأى سعد) قال ابن حجر: قال الدارقطني وهذا مرسل قلت صورته صورة المرسل إلا أنه موصول في الأصل معروف من رواية مصعب بن سعد عن أبيه وقد اعتمد البخاري كثيرا من أمثال هذا السياق فأخرجه على أنه موصول إذا كان الراوي معروفا بالرواية عمن ذكره وقد رويناه في سنن النسائي وفي مستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم وفي الحلية لأبي نعيم وفي الجزء السادس من حديث أبي محمد بن صاعد من حديث مصعب بن سعد عن أبيه أنه رأى فذكره وقد ترك الدارقطني أحاديث في الكتاب من هذا الجنس لم يتتبعها” (هدي الساري)
قال أيضا:” أي ابن أبي وقاص وهو والد مصعب الراوي عنه. ثم إن صورة هذا السياق مرسل لأن مصعبا لم يدرك زمان هذا القول، لكن هو محمول على أنه سمع ذلك من أبيه، وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيلي و النسائي (انظر: فتح الباري) ثم ذكر ابن حجر بعض الروايات. (فتح الباري)
قوله: (رأى) أي ظن وهي رواية النسائي. (فتح الباري)
قوله: (على من دونه) زاد النسائي: ” من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم “، أي بسبب شجاعته ونحو ذلك. (فتح الباري)
قوله: (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم) في رواية النسائي: ” إنما نصر اللهُ هذه الأمة بضَعَفتهم بدعواتهم وصلاتهم وإخلاصهم “، وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند أحمد والنسائي بلفظ: ” إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم ” (فتح الباري) قال ابن بطال:” تأويل ذلك أن عبادة الضعفاء ودعاءهم أشد إخلاصًا وأكثر خشوعًا؛ لخلاء قلوبهم من التعلق بزخرف الدنيا وزينتها وصفاء ضمائرهم مما يقطعهم عن الله فجعلوا همهم واحدًا؛ فزكت أعمالهم، وأجيب دعاؤهم، قال المهلب: إنما أراد (صلى الله عليه وسلم) بهذا القول لسعد الحض على التواضع ونفى الكبر والزهو عن قلوب المؤمنين. ففيه من الفقه أن من زها على ما هو دونه أنه ينبغى أن يبين من فضله ما يحدث له فى نفس المزهو مقدارًا أو فضلا حتى لا يحتقر أحدًا من المسلمين؛ ألا ترى أن الرسول أبان من حال الضعفاء ما ليس لأهل القوة والغناء فأخبر أن بدعائهم وصلاتهم وصومهم ينصرون. (شرح صحيح البخاري لابن بطال 5/ 90)
قال ابن حجر:” وقد روى عبد الرزاق من طريق مكحول في قصة سعد هذه زيادة مع إرسالها فقال قال سعد يا رسول الله أرأيت رجلا يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره فذكر الحديث وعلى هذا فالمراد بالفضل إرادة الزيادة من الغنيمة فأعلمه صلى الله عليه وسلم أن سهام المقاتلة سواء فإن كان القوي يترجح بفضل شجاعته فإن الضعيف يترجح بفضل دعائه وإخلاصه” (فتح الباري 6/ 89)
قال صحاب العون: (الضعفاء): أي صعاليك المسلمين وهم من يستضعفهم الناس لرثاثة حالهم أستعين بهم. (عون المعبود)
قوله في الحديث الآخر (ابغوني) قال الطيبي بهمزة القطع والوصل يقال: بغى يبغي بغاء، إذا طلب، قلت: الظاهر أنه بهمزة الوصل. قال في القاموس: بغيت الشيء أبغيه بغى وبغاء وبغية بضمهن وبغية بالكسر طلبته كابتغيته وتبغيته واستبغيته انتهى. وأما بهمزة القطع فلا يناسب هاهنا. قال في القاموس: أبغاه الشيء طلبه له وأعانه على طلبه” (شرح الترمذي للمباركفوري)
وقال صاحب العون: قال في الصراح: بغيتك الشيء طلبته لك، ووقع في بعض النسخ ابغوا لي، قال العلقمي: قال ابن رسلان: بهمزة وصل مكسورة لأنه فعل ثلاثي أي اطلبوا لي. (عون المعبود)
وقال أيضا:” فإذا قلت: أبغني بقطع الهمزة فمعناه أعني على الطلب يقال: أبغيتك الشيء أي أعنتك عليه انتهى. قال شيخنا الزركشي: والأول المراد بالحديث كذا في السراج المنير (عونه المعبود)
قال فيصل آل مبارك:” وفي أحاديث الباب: الانقطاع إلى الله سبحانه وإعانة الفقراء، وإغاثة المنقطعين وعدم رؤية النفس، والحذر من التعرُّض لإيذاء أحد من الضعفاء.” (تطريز رياض الصالحين ص 200)
قال ابن باز:” الواجب العناية بالضعفاء ورحمة حالهم وعدم التكبر عليهم، فهم من أسباب رزق العباد قد يرحم الله العباد بأسباب ضعفائهم، قد ينصرهم الله على عدوهم بأسباب ضعفائهم، قد يعطيهم الغيث بأسباب ضعفائهم” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 540)
قال ابن عثيمين:” الضعفاء سبب للنصر وسبب للرزق، فإذا حنَّ عليهم الإنسان وعطف عليهم وآتاهم مما آتاه الله عز وجل؛ كان ذلك سبباً للنصر على الأعداء، وكان سبباً للرزق؛ لأن الله تعالى أخبر أنه إذا أنفق الإنسان لربه نفقة فإن الله تعالى يخلفها عليه. قال الله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]، يخلفه: أي يأتي بخلفه وبدله.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 113)
ففي هذا الحديث أن الضعفاء سبب للنصر والرزق.