2664 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله البلوشي أبوعيسى ، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي ونزار
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الحافظ النووي رحمه الله:
(٨) – بابٌ: فِي الأمْرِ بِالقُوَّةِ، وتَرْكِ العَجْزِ، والِاسْتِعانَةِ بِاللهِ تَعالى، وتَفْوِيضِ المَقادِيرِ للهِ -عزوجل -.
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٧٥١] (٢٦٦٤) – حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ نُمَيْرٍ، قالا: حَدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى بْنِ حَبّانَ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله عنه]، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ -: «المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ، وأحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، ولمحي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلى ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بِاللهِ، ولا تَعْجِزْ، وإنْ أصابَكَ شَيْءٌ فَلا تَقُلْ: لَوْ أنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذا وكَذا، ولَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ، وما شاءَ فَعَلَ، فَإنَّ »لَوْ« تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ».
==========
التمهيد:
” قال الله تعالى ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم﴾ [الأنفال ٦٠] وقوله تعالى ﴿فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله﴾ [الجمعة ١٠] وقوله ﷺ «لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب …» الحديث المشهور فكانوا كما وصفهم الله ﴿أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ [الفتح ٢٩] فسادوا الدنيا وملكوا خزائن كسرى وقيصر حرصوا على ما ينفعهم واستعانوا بالله في أمور دنياهم وأمور أخراهم ولم يعجزوا ولم يتواكلوا، وقل ندمهم على ما فاتهم، فكانوا خيرا من غيرهم عند ربهم، كانوا خيرا من مؤمنين ضعفوا وتواكلوا وأسفوا على ما فاتهم، وفتحوا الباب للشيطان يزيدهم ضعفا ويزيدهم أسفا، وكلما تأخروا نسبوا تأخرهم للشيطان وغواية الشيطان حيث لا ينفعهم الأسف ولا يفيدهم الندم” .
جاء في كتاب التوحيد: ” باب: ما جاء في اللو
وقول الله تعالى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران:154]،
وقوله: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:168] ..”، ثم ذكر رحمه الله حديث الباب.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه -؛ أنه (قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ -: «المُؤْمِنُ القَوِيُّ)؛ أي: القادر على تكثير الطاعة، (مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ) أي: العاجز عن تكثير الطاعة، (وفِي كُلٍّ خَيْر)؛ أي: أصل الخير موجود في كل منهما.
وقال النوويّ –رحمه الله-: (القوة) هنا يراد بها عزيمة النفس في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا أكثر إقدامًا على الغزو، والجهاد، وأسرع خروجًا وذهابًا في طلبه، وأشدَ عزيمةً في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاقّ في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة، والصوم، والأذكار، وسائر العبادات، وأنشط طلبًا لها، ومحافظةً عليها، ونحو ذلك.
وقوله: «وفي كل خيرٌ» معناه: في كل من القويّ والضعيف خير؛ لاشتراكهما في الإيمان، مع ما يأتي به الضعيف من العبادات. انتهى [»شرح مسلم«١٦/ ٢١٥].
قال الشيخ ابن عثيمين في ( شرح رياض الصالحين) وإنما قال: (وفي كل خير) لئلا يتوهم أحد من الناس أن المؤمن الضعيف لا خير فيه، بل المؤمن الضعيف فيه خير، فهو خير من الكافر لا شك.
وهذا الأسلوب يسميه البلاغيون الاحتراز، وهو أن يتكلم الإنسان كلامًا يوهم معنى لا يقصده، فيأتي بجملة تبين أنه يقصد المعنى المعين، ومثال ذلك في القرآن قوله تبارك وتعالى: (لا يَسْتَوِي مِنكُمْ مَن أنْفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وقاتَلَ أُولَئِكَ أعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أنْفَقُوا مِن بَعْدُ وقاتَلُوا وكُلًّا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى) (الحديد: ١٠)، لما كان قوله: (أُولَئِكَ أعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أنْفَقُوا مِن بَعْدُ وقاتَلُوا) يوهم أن الآخرين ليس لهم حظ من هذا، قال: (وكُلًّا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى).
ومن ذلك قوله تعالى: (وداوُدَ وسُلَيْمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِي الحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القَوْمِ وكُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) (الأنبياء: ٧٩)، لما كان هذا يوهم أن داود عنده نقص، قال تعالى: (وكُلًّا آتَيْنا حُكْمًا وعِلْمًا).
ومن ذلك قوله تعالى: (لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ والمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ عَلى القاعِدِينَ دَرَجَةً وكُلًّا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى) (النساء: ٩٥)، فهنا قال النبي ﷺ: (وفي كل خير) أي المؤمن القوي والمؤمن الضعيف، لكن القوي خير وأحب إلى الله”. انتهى.
وقال القاري -رحمه الله -: قيل: المراد بالمؤمن القويّ: الصابر على مخالطة الناس، وتحمّل أذيّتهم، وتعليمهم الخير، وإرشادهم إلى الهدى، ويؤيّده ما أخرجه أحمد وغيره، عن ابن عمر – رضي الله عنهما – مرفوعًا: «المؤمن الذي يُخالط الناس، ويصبر على أذاهم أفضل عن المؤمن الذي لا يُخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم» [حديث صحيح، رواه أحمد في «المسند» رقم (٥٠٢٢ و٢٣١٥٩)].
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: “فقسم – ﷺ – المؤمنين، إلى قسمين: قسم قوي في عمله وقوة إيمانه، وفي نفعه لغيره. وقسم ضعيف في هذه الأشياء.
ومع ذلك، ففي كل من القسمين خير؛ لأن الإيمان وآثاره كله خير، وإن تفاوت المؤمنون في هذا الخير.
ومثل هذا قوله ﷺ: «المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم».
ومفهوم هذه النصوص الصحيحة المحكمة أن فاقد الإيمان لا خير فيه؛ لأنه إذا عدم الإيمان، فإما أن يكون الشخص أحواله كلها شر وضرر على نفسه، وعلى المجتمع من جميع الوجوه، وإما أن يكون فيه بعض الخير الذي قد انغمر بالشر. وغلب شره خيره. والمصالح إذا انغمرت واضمحلت في المفاسد، صارت شرا؛ لأن الخير الذي معه، يقابله شر نظيره فيتساقطان، ويبقى الشر – الذي لا مقابل له من الخير – يعمل عمله.
ومن تأمل الواقع في الخلق، رأى الأمر كما ذكر النبي ﷺ. انتهى من [التوضيح والبيان لشجرة الإيمان].
(احْرِصْ) بكسر الراء، ومنه قوله تعالى: ﴿إنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ﴾ [النحل: ٣٧]، ويجوز فتحها
والمعنى: كن حريصًا (عَلى ما يَنْفَعُكَ)؛ أي: من أمور الدين والدنيا، (واسْتَعِنْ بِاللهِ)؛ أي: على فِعلك، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، (ولا تَعْجِزْ) بكسر الجيم، ومنه قوله –: ﴿أعَجَزْتُ﴾ [المائدة ٣١]، ويجوز فتحها على قلّة .
قال الطيبيّ: -رحمه الله-: يمكن أن يُذهب إلى اللفّ والنشر، فيكون قوله: «احرص على ما ينفعك»؛ أي: لا تترك الجهد بيانًا للقويّ، وقوله: «ولا تعجز» بيانًا للضعيف. [الكاشف عن حقائق السنن” ١٠/ ٣٣٣٤].
وقال النوويّ: معناه: احرص على طاعة الله تعالى، والرغبة فيما عنده، واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك، ولا تعجز، ولا تَكْسِل عن طلب الطاعة، ولا عن طلب الإعانة. انتهى [«شرف النوويّ» ١٦/ ٢١٥].
وقال ابن عثيمين رحمه الله: وقوله عليه الصلاة والسلام: ((واستعن بالله)): ما أروع هذه الكلمة بعد قوله (احرص على ما ينفعك)؛ لأن الإنسان إذا كان عاقلًا ذكيًا فإنه يتتبع المنافع ويأخذ بالأنفع ويجتهد، ويحرص، وربما تغره نفسه حتى يعتمد على نفسه وينسى الاستعانة بالله.[ شرح رياض الصالحين]
وقال القرطبيّ –رحمه الله-: قوله: «احرص على ما ينفعك إلخ»؛ أي: استعمل الحرص، والاجتهاد في تحصيل ما تنتفع به في أمر دينك ودنياك التي تستعين بها على صيانة دينك، وصيانة عيالك، ومكارم أخلاقك، ولا تفرّط في طلب ذلك، ولا تتعاجز عنه متّكلًا على القدر انتهى [«المفهم» ٦/ ٦٨٢ – ٦٨٣].
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
(احرص على ما ينفعك) وهذه الكلمة كلمة جامعة عامة، (على ما ينفعك) أي على كل شيء ينفعك سواء في الدين أو في الدنيا، فإذا تعارضت منفعة الدين ومنفعة الدنيا فقدم منفعة الدين؛ لأن الدين إذا صلح صلحت الدنيا، أما الدنيا إذا صلحت مع فساد الدين فإنها تفسد.
وفي قوله: (احرص على ما ينفعك) إشارة إلى أنه تعارضت منفعتان إحداهما أعلى من الأخرى، فإننا نقدم المنفعة العليا؛ لأن المنفعة العليا فيها المنفعة التي دونها وزيادة، فتدخل في قوله (احرص على ما ينفعك).
وبالعكس إذا كان الإنسان لابد أن يرتكب منهيًا عنه من أمرين منهي عنهما وكان أحدهما أشد، فإنه يرتكب الأخف. [شرح رياض الصالحين].
[فائدة وتنبيه:]
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ثم قال: ((ولا تعجز)) يعني: استمر في العمل ولا تعجز وتتأخر، وتقول: إن المدى طويل والشغل كثير،
( لا تعجز ) أي: لا تترك العمل؛ بل ما دمت دخلت فيه على أنه نافع فاستمر فيه، ولذا تجد هذا الرجل يمضي عليه الوقت ولم يحصل شيئًا؛ لأنه أحيانًا يقرأ في هذا، وأحيانًا في هذا.
حتى في المسألة الجزئية، وهذا ما يقع كثيرًا في مثل فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – تجد الإنسان يطالعها ليأخذ مسألة، ثم تمر مسألة أخرى تعجبه وهكذا، وهذا ليس بصحيح؛ بل الصحيح أن تنظر الأصل الذي فتحت الكتاب من أجله.
كذلك أيضًا في تراجم الصحابة، في الإصابة – مثلًا – لابن حجر – رحمه الله – حين يبحث الطالب عن ترجمة صحابي من الصحابة، ثم يفتح الكتاب من أجل أن يصل إلى ترجمته، فتعرض له ترجمة صحابي آخر، فيقف عندها ويقرؤها، وهذا فيه ضياع للوقت.
ولهذا كان من هدي الرسول – عليه الصلاة والسلام – أن يبدأ بالأهم الذي تحرك من أجله، ولذلك لما دعا عتبان بن مالك الرسول ﷺ، قال له: (أين المكان الذي تريد أن نصلي فيه؟) .[ شرح رياض الصالحين].
(وإنْ أصابَكَ شَيْءٌ)؟ أي: من المكروه الدينيّ، أو الدنيويّ، وفي رواية لابن ماجه من طريق ابن عجلان، عن الأعرج: «فإن غلبك أمرٌ»، (فَلا تَقُلْ: لَوْ) شرطيّة، وجوابها «كان كذا وكذا»، (أنِّي فَعَلْتُ) مفعوله محذوف؛ أي: كذا وكذا، (كانَ)؛ أي: لصار (كَذا وكَذا)؛ أي: لا تقل هذا القول متأسّفًا على ما فات، فإن هذا القول غير سديد، ومع هذا غير مفيد، فقد قال تعالى جل شأنه: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إلّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا﴾ [التوبة ٥١]، وقد قال: ﴿لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ﴾ [الحديد ٢٣]، وقال – ﷺ -: «ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك».
وقال الطيبيّ – رحمه الله -: فيه تأسّف على الفائت، ومنازعة للقدر، وإيهام بأن ما يفعله باستبداده، ومقتضى رأيه خير مما ساقه القدر إليه انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» ١٠/ ٣٣٣٥].
(ولَكِنْ قُلْ)؛ أي: بلسان القال، أو لسان الحال، قاله القاري، والأول أظهر. (قَدَرُ اللهِ) ؟
و هذا احتجاج بالقدر، ولكن الاحتجاج بالقدر في موضعه لا بأس به
وقال القرطبيّ –رحمه الله-: قوله: «وإن أصابك شيء فلا تقل إلخ»؛ يعني: أن الذي يتعيّن بعد وقوع المقدور التسليمُ لأمر الله تعالى، والرضا بما قدّره، والإعراض عن الالتفات لِما مضى وفات، فإن افتكر فيما فاته من ذلك، وقال: لو أني فعلت كذا لكان كذا، جاءته وساوس الشيطان، ولا تزال به حتى تُفضي به إلى الخسران؛ لِتعارُض توهّم التدبير سابق المقادير، وهذا هو عمل الشيطان الذي نَهى عنه النبيّ –صلى الله عليه وسلم- بقوله: «فلا تقل: لو … فإنّ لو تفتح عمل الشيطان»،
ولا يُفهم من هذا: أنّه لا يجوز النطق بـ «لو»
مطلقًا؛ إذ قد نطق بها النبيّ – ﷺ-، فقال: «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت، لم أسُق الهدي، ولجعلتها عمرة» [متّفقٌ عليه]، و«لو كنت راجمًا أحدًا بغير بيّنة لرجمت هذه» [متّفقٌ عليه]. وقال أبو بكر – رضي الله عنه -: «لو أنّ أحدهم نظر إلى رجليه لرآنا»، ومثله كثير؛ لأنّ محل النهي عن إطلاقها إنما هو فيما إذا أُطلقت في معارضة القدر، أو مع اعتقاد أن ذلك المانع لو ارتفع لوقع خلاف المقدور، فأمّا لو أخبر بالمانع على جهة أن تتعلّق به فائدة في المستقبل، فلا يُختلَف في جواز إطلاقه؛ إذ ليس في ذلك فتحٌ
لعمل الشيطان، ولا شيء يُفضي إلى ممنوع، ولا حرام، والله تعالى أعلم. انتهى [»المفهم” ٦/ ٦٨٣].
قال الشاطبيّ –رحمه الله-: «لِمَ»، و«لو»، و«ليت» تورث القلب انفلاقًا.
قال القاضي
«ولو أني استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ»، ليس من هذا القبيل، وإنما هو كلام قُصد به تطييب قلوبهم، وتحريضهم على التحلل بأعمال العمرة.
و جميع ما ذكره البخاري في «باب ما يجوز من اللَّوّ»، كحديث: “لولا حِدْثانُ عهد قومك بالكفر، لأتممت البيت على قواعد إبراهيم«، و»لو كنت راجمًا بغير بيِّنة لرجمت هذه«، و»لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك«، وشِبْه ذلك، فكله مستقبل لا اعتراض فيه على قدر، فلا كراهة فيه؛ لأنه إنما أخبر عن اعتقاده فيما كان يَفعَل لولا المانع، وعما هو في قدرته، فأما ما ذهب فليس في قدرته.
قال القاضي: فالذي عندي في معنى الحديث أن النهي على ظاهره وعمومه، لكنه نهي تنزيه، ويدل عليه قوله – ﷺ -:»فإن «لو» تفتح عمل الشيطان«. انتهى.
قال النوويّ بعد نقل كلام القاضي ما نصّه: وقد جاء من استعمال»لو« في الماضي قوله – ﷺ -:»لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي«، وغير ذلك، فالظاهر أن النهي إنما هو عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه، فيكون نهيَ تنزيه لا تحريم، فأما من قاله تأسفًا على ما فات من طاعة الله تعالى، أو ما هو متعذر عليه من ذلك، ونحو هذا، فلا بأس به، وعليه يُحمَل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث. انتهى كلام النوويّ -﵀- [»شرح مسلم” ١٦/ ٢١٦]. وهو بحثٌ نفيس جدًّا، والله تعالى أعلم.
[البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير مع إضافة].
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى): فقه الحديث
[] 1033 -مسألة : فيمن سمع رجلا يقول : لو كنت فعلت كذا لم يجر عليك شيء من هذا ، فقال له رجل آخر سمعه : هذه الكلمة قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها ، وهي كلمة تؤدي قائلها إلى الكفر ، فقال رجل آخر : قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة موسى مع الخضر : { يرحم الله موسى وددنا لو كان صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما } واستدل الآخر بقوله صلى الله عليه وسلم : { المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف إلى أن قال فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان } فهل هذا ناسخ لهذا أم لا ؟ .
الجواب: الحمد لله ، جميع ما قاله الله ورسوله حق، “ولو” تستعمل على وجهين:
أحدهما:
على وجه الحزن على الماضي والجزع من المقدور، فهذا هو الذي نهى عنه؛ كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم}.
وهذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (( تفتح عمل الشيطان)) أي: تفتح عليك الحزن والجزع، وذلك يضر ولا ينفع بل اعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك .
والوجه الثاني:
أن يقال:” لو ” لبيان علم نافع؛ كقوله: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}.
ولبيان محبة الخير وإرادته، كقوله: “لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثل ما يعمل”، ونحوه جائز.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وددت لو أن موسى صبر ليقص الله علينا من خبرهما))، هو من هذا الباب؛ كقوله: {ودوا لو تدهن فيدهنون} فإن نبينا صلى الله عليه وسلم أحب أن يقص الله خبرهما، فذكرها لبيان محبته للصبر المترتب عليه، فعرفه ما يكون لما في ذلك من المنفعة، ولم يكن في ذلك جزع ولا حزن ولا ترك لما يجب من الصبر على المقدور.
وكذلك قوله: {ودوا لو تدهن فيدهنون} تقديره ودوا أن تدهن، وقال بعضهم بل هي لو شرطية وجوابها محذوف، والمعنى على التقديرين معلوم وهي محبة ذلك الفعل وإرادته، ومحبة الخير وإرادته محمود، والحزن والجزع وترك الصبر مذموم، والله أعلم .[الفتاوى الكبرى – فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية].
[3] .حكم استعمال لو:
83- سئل فضيلة الشيخ: عن حكم استعمال لو؟.
فأجاب بقوله: استعمال (لو) فيه تفصيل على الوجوه التالية:
الوجه الأول: أن يكون المراد بها مجرد الخبر فهذه لا بأس بها مثل أن يقول الإنسان لشخص لو زرتني لأكرمتك، أو لو علمت بك لجئت إليك.
الوجه الثاني: أن يقصد بها التمني فهذه على حسب ما تمناه إن تمنى بها خيرا فهو مأجور بنيته، وإن تمنى بها سوى ذلك فهو بحسبه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، في الرجل الذي له مال ينفقه في سبيل الله وفي وجوه الخير ورجل آخر ليس عنده مال، قال لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هما في الأجر سواء» والثاني رجل ذو مال لكنه ينفقه في غير وجوه الخير فقال رجل آخر: لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هما في الوزر سواء» فهي إذا جاءت للتمني تكون بحسب ما تمناه العبد إن تمنى خيرا فهي خير، وإن تمنى سوى ذلك فله ما تمنى.
الوجه الثالث: أن يراد بها التحسر على ما مضى فهذه منهي عنها، لأنها لا تفيد شيئا وإنما تفتح الأحزان والندم وفي هذه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « تفتح عمل الشيطان». [المناهي اللفظية للشيخ ابن عثيمين]. وراجع أيضا القول المفيد على كتاب التوحيد 2/361
[للفائدة]:
هناك رسالة بعنوان: حديث «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ….» دراسة عقدية، للدكتورة سلوى بنت محمد المحمادي، ضمن رسائل مجلة البحوث الإسلامية – مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
(المسألة الثالثة): الفوائد:
١ – (منها): بيان وجوب الإيمان بالقدر.
٢ – (ومنها): بيان فضل المؤمن القويّ على غير القويّ؛ لأنه ينفع نفسه، وينفع المؤمنين.
٣ – (ومنها): بيان فضل الإيمان، وإن كان صاحبه ضعيفًا.
٤ – (ومنها): الحثّ على الحرص على تحصيل ما ينفع المؤمن من خير الدنيا والآخرة، وعدم التواني في طلب ذلك.
٥ – (ومنها): الحثّ على الاستعانة بالله -تعالى- في تحقيق ما يريده؛ لأن مجرّد الحرص لا يُجدي شيئًا إلا بعون من الله تعالى على حصوله، بل يكون حرصه وبالًا عليه
٦ – (ومنها): ذمّ العجز، والتواني في طلب المنافع.
٧ – (ومنها): أنه إذا وقع بعد حرصه على طلب ما ينفعه خلاف مطلوبه، لا ينبغي له التأسّف، وقول: «لو أني فعلتُ كذا كان كذا» تسخّطًا لقدر الله تعالى، بل الواجب أن يستسلم لقضائه وقدره، ولا يتسخّط؛ لأن الله -تعالى- أعلمُ بمصالح عباده، فربما يكون عكس ما حرص عليه خيرًا إما في الدنيا، وإما في الآخرة، قال الله -تعالى-: ﴿وعَسى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وعَسى أنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وهُوَ شَرٌّ لَكُمْ واللَّهُ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢١٦)﴾ [البقرة ٢١٦].
و الواجب عليه حينئذ أن يقول: «قدّر الله، وما شاء فعل».
والحاصل: أن نزول المكروه الدنيوي على العبد المؤمن خير له؛ لأنه إنما أصابه بما كسب من المخالفات، كما قال الله -تعالى-: ﴿وما أصابَكُمْ مِن مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)﴾ [الشورى ٣٠]، ثم إن هذا الذي أصابه إما أن يكون تكفيرًا لِما اقترفه من السيئات، وهذا مطلب عظيم، وإما أن يكون رفعًا لدرجاته، وهذا أعلى وأغلى، والله تعالى أعلم.
٨ – (ومنها): أن قول العبد: «لو فعلت كذا» يفتح عليه باب الشيطان؛ إذ يحمله على تسخّط ما قدّر الله تعالى عليه، والتبرّم منه، وعدم الرضا بالقضاء، وسوء الظنّ بربه -تعالى-، وكلها من نزغات الشيطان، فلا ينبغي للعبد أن يفتح بابها؛ إذ يخسر دنياه وآخرته، نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا من عباده الذين قال فيهم: ﴿إنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ﴾ الآية [الحجر ٤٢]، وقال: ﴿إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلى الَّذِينَ آمَنُوا وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩)﴾ [النحل ٩٩]، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج].
وهذه فوائد اختصرناها من شرح بلوغ المرام لابن عثيمين :
قال ابن العثيمين :
في هذا الحديث فوائد
٩- أن الإيمان يتفاوت تؤخذ من قوله ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ) وهناك أسباب تقوي الإيمان
١٠ – إثبات تفاضل الناس حسب قوة إيمانهم تؤخذ من قوله ( خير ) خير هذا عائد على المؤمن
١١- إثبات محبة الله عز وجل لقوله ( أحب إلى الله )
١٢ – أن محبة الله تعالى تتفاوت بحسب أعمال العبد لأن الله علّق زيادة المحبة بقوة الإيمان
١٣- حسن التعبير في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لقوله ( وفي كلٍ خير )
١٤- أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يفاضل بين شخصين وفي كل منهما خير أن يذكر الخير في الجميع حتى لا تهبط قيمة الآخر من قلوب الناس
وهذا له أمثلة من القرآن.
١٥- إرشاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الحرص على ما ينفع لقوله ( احرص على ما ينفعك ) لما ينفع في الدين أو في الدنيا
١٦- وجوب الاستعانة بالله عز وجل مع فعل الأسباب . فالسبب ( احرص على ما ينفعك ) والاستعانة ( واستعن بالله ) .
١٧- الاستعانة بالله الأفضل أن تقارن الفعل لكي لا يعجب المرء بنفسه
١٨- أنك إذا حرصت على ما ينفعك فلا تستعن بغير الله أما اتخاذ الأسباب فهو يدخل في قوله ( احرص على ما ينفعك )
١٩- النهي عن قول لو وسبق التفصيل متى يجوز استعمالها
٢٠- إثبات القدر وأنه سابق لإرادات كل مريد لقوله ( ولكن قل قدر الله ) والقول هنا باللسان والقلب
٢١- إثبات المشيئة لله عز وجل وإثبات الفعل لقوله ( وما شاء فعل )
٢٢- أن الشيطان قد يسلط على الإنسان لقوله ( فإن لو تفتح عمل الشيطان )
٢٣- بيان شدة عداوة الشيطان للإنسان حيث يفتح عليه باب اللوم