2663 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله البلوشي أبوعيسى، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي ونزار
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(7) – بابُ: بَيانِ أنَّ الآجالَ والأرْزاقَ وغَيْرَها لا تَزِيدُ ولا تَنْقُصُ عَمّا سَبَقَ بِهِ القَدَرُ
(32) – ((2663)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو كُرَيْبٍ – واللَّفْظُ لِأبِي بَكْرٍ -، قالا: حَدَّثَنا وكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ اليَشْكُرِيِّ، عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قالَ: قالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ لا: اللهُمَّ أمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ لا، وبِأبِي أبِي سُفْيانَ، وبِأخِي مُعاوِيَةَ قالَ: فَقالَ النَّبِيُّ لا: «قَدْ سَألْتِ اللهَ لِآجالٍ مَضْرُوبَةٍ، وأيّامٍ مَعْدُودَةٍ، وأرْزاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ، أوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ، ولَوْ كُنْتِ سَألْتِ اللهَ أنْ يُعِيذَكِ مِن عَذابٍ فِي النّارِ، أوْ عَذابٍ فِي القَبْرِ، كانَ خَيْرًا وأفْضَلَ» قالَ: وذُكِرَتْ عِنْدَهُ القِرَدَةُ، قالَ مِسْعَرٌ: وأُراهُ قالَ: والخَنازِيرُ مِن مَسْخٍ، فَقالَ: «إنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلًا ولا عَقِبًا، وقَدْ كانَتِ القِرَدَةُ والخَنازِيرُ قَبْلَ ذَلِكَ».
(32) – حَدَّثَناهُ أبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، بِهَذا الإسْنادِ، غَيْرَ أنَّ فِي حَدِيثِهِ، عَنِ ابْنِ بِشْرٍ ووَكِيعٍ، جَمِيعًا: «مِن عَذابٍ فِي النّارِ وعَذابٍ فِي القَبْرِ».
(33) – ((2663)) حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ الحَنْظَلِيُّ، وحَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ – واللَّفْظُ لِحَجّاجٍ، قالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا وقالَ حَجّاجٌ: حَدَّثَنا – عَبْدُ الرَّزّاقِ، أخْبَرَنا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ اليَشْكُرِيِّ، عَنْ مَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قالَ: قالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: اللهُمَّ مَتِّعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ لا، وبِأبِي أبِي سُفْيانَ، وبِأخِي مُعاوِيَةَ، فَقالَ لَها رَسُولُ اللهِ لا: «إنَّكِ سَألْتِ اللهَ لِآجالٍ مَضْرُوبَةٍ، وآثارٍ مَوْطُوءَةٍ، وأرْزاقٍ مَقْسُومَةٍ، لا يُعَجِّلُ شَيْئًا مِنها قَبْلَ حِلِّهِ، ولا يُؤَخِّرُ مِنها شَيْئًا بَعْدَ حِلِّهِ، ولَوْ سَألْتِ اللهَ أنْ يُعافِيَكِ مِن عَذابٍ فِي النّارِ، وعَذابٍ فِي القَبْرِ لَكانَ خَيْرًا لَكِ» قالَ فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ القِرَدَةُ والخَنازِيرُ، هِيَ مِمّا مُسِخَ؟ فَقالَ النَّبِيُّ لا: «إنَّ اللهَ عزوجل لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا، أوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا، فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلًا، وإنَّ القِرَدَةَ والخَنازِيرَ كانُوا قَبْلَ ذَلِكَ».
(33) – حَدَّثَنِيهِ أبُو داوُدَ سُلَيْمانُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنا الحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، بِهَذا الإسْنادِ، غَيْرَ أنَّهُ قالَ: «وآثارٍ مَبْلُوغَةٍ»، قالَ ابْنُ مَعْبَدٍ: ورَوى بَعْضُهُمْ «قَبْلَ حِلِّهِ» أيْ نُزُولِهِ.
==========
التمهيد:
الإيمان بأن الأجل محدود
“إنَّ كلًّا له أجلٌ محدود وأمدٌ ممدود ينتهي إليه لا يتجاوزه ولا يقصر عنه، وقد علم الله تعالى: جميع ذلك بعلمه الذي هو صفته، وجرى به القلم بأمره يوم خلقه، ثم كتبه الملك على كل أحد في بطن أمه بأمر ربه عز وجل عند تخليق النطفة، وأنَّ كُلَّ إنسانٍ مات أو قتل أو حرق أو غرق أو بأَيِّ حتف هلك بأجله لم يستأخر عنه ولم يستقدم طرفة عين، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا [آل عمران:145] الآية. وقال تعالى: قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران: 154] الآيات.
وقال تعالى: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ [النساء:78] وقال تعالى: حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام:61 – 62] وقال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَاخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34] في مواضع من القرآن، وقال تعالى: كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى [الرعد:2] وقال تعالى: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى [طه:129] وقال تعالى: وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد:8] وقال تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة:8]، وقال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر:42] وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إليه مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأنعام:60] وغيرها من الآيات.
وروى مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى: في (صحيحه) عن المعرور بن سويد عن عبدالله بن مسعود قال: قالت أم حبيبة رضي الله عنها: اللَّهُمَّ مَتِّعني بزوجي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّكِ سألتِ الله تعالى: لآجالٍ مضروبةٍ ….
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [فاطر:11] يقول: ((ليس أحد قضيت له بطول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر، وقد قضيت ذلك له فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له، فذلك قوله تعالى: وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [فاطر:11] يقول كل ذلك في كتاب عنده)) [رواه الطبري في ((تفسيره)) (20/ 447)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (10/ 3175)]. وهكذا قال الضحاك بن مزاحم.
وأما حديث أنس في (الصحيحين) وغيرهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنْ سَرَّهُ أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه)) فإنه يفسر بحديث أبي الدرداء رضي الله عنه عند ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى: قال: ذكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الزيادة في العمر فقال: ((إنَّ الله تعالى: لا يؤخِّر نفساً إذا جاء أجلها، وإنّما زيادة العمر بالذرية الصالحة يرزقها العبد فيدعون له من بعده فيلحقه دعاؤهم في قبره فذلك زيادةُ العمر)) [انظر: الموسوعة العقدية، ومعارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – 2/ 861]
حديث أبي الدرداء
أخرجه الطبرانى فى الأوسط ((3) / (343)، رقم (3349))، وقال الهيثمى ((7) / (196)): فيه سليمان بن عطاء وهو ضعيف. وقال الألباني: ضعيف جدا (ضعيف الجامع)
وذكر العقيلي الحديث في ترجمة (619) – سُلَيْمانُ بْنُ عَطاءٍ ونقل عن البخاري أنه قال: فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ المَناكِيرِ …. وذكر العقيلي الحديث وقال:
لا يُتابَعُ عَلَيْهِ بِهَذا اللَّفْظِ، وقَدْ رُوِيَ بِمَتْنِ بِغَيْرِ هَذا الإسْنادِ بِلَفْظِ: «الوَلَدُ الصّالِحُ يَتْرُكَهُ الرَّجُلُ فَيَدْعُو لَهُ فَيَلْحَقُهُ دُعاؤُهُ» مِن طَرِيقٍ صالِحِ، والكَلامُ الأوَّلُ فِي الحَدِيثِ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ
وفي تذكرة الحفاظ اطراف المجروحين ذكر الحديث وقال: رَواهُ سُلَيْمانُ بْنُ عَطاءٍ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأشْجَعِيِّ، عَنْ عَمِّهِ أبِي مَشْجَعَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ، عَنْ أبِي الدَّرْداءِ. وسُلَيْمانُ هَذا يَرْوِي المَوْضُوعاتِ، ولا أدْرِي البَلاءَ مِنهُ أوْ مِن مَسْلَمَةَ
قال الألباني:
وهذا الحديث مما فات السيوطي؛ فلم يورده في «الجامع الكبير»، بل ولا في «الدر المنثور» في تفسير الآية: {وما يعمر من معمر … }! وإنما أورد فيها الحديث الآتي بعده، ولم يورده أيضًا في آخر سورة (المنافقون) في قوله تعالى: {ولن يؤخر الله نفسًا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون} وهو بها أليق وألصق، وهي بمعنى الطرف الأول من الحديث.
وأما سائره؛ فمنكر لا شاهد له، بل هو مخالف لبعض الأحاديث الصحيحة المصرحة بأن هناك أسبابًا شرعية لإطالة العمر؛ كقوله – صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره (وفي رواية: أجله)؛ فليصل رحمه»؛ أخرجه الشيخان من حديث أنس، وله شواهد خرجت بعضها في «صحيح أبي داود» ((1486)) …..
وجملة القول: أن الله تبارك وتعالى جعل لكل شيء سببًا، فالعمل الصالح سبب لدخول الجنة، والعمل السيئ لدخول النار، فكذلك جعل بعض الأخلاق
الصالحة سببًا لطول العمر. فكما أنه لا منافاة بين العمل وما كتب لصاحبه عند ربه؛ فكذلك لا منافاة بين الأخلاق الصالحة وما كتب لصاحبها عند ربه، بل كل ميسر لما خلق له.
وراجع الضعيفة 1543 والضعيفة 5323
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
((7)) (بابُ بَيانِ أنَّ الآجالَ، والأرْزاقَ، وغَيْرَها، لا تَزِيدُ، ولا تَنْقُصُ عَمّا سَبَقَ بِهِ القَدَرُ)
[(6747)] ((2663)) – شرح الحديث:
(عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود – رضي الله عنه -؛ أنه (قالَ: قالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ) هي: رَمْلة بنت
أبي سفيان بن حرب الأمويّة، أمّ المؤمنين، مشهورة بكنيتها، ماتت – رضي الله عنها – سنة
اثنتين، أو أربع، وقيل: سنة تسع وأربعين، وقيل: وخمسين.
وقوله: (زَوْجُ النَّبِيِّ – لا -) هكذا «زوج» بلا هاء للأنثى، وهي اللغة الفصحى، ويقال أيضًا: «زوجة» بالهاء، قال الفيّوميّ –رحمه الله-: الرجل زَوْجُ المرأة، وهي زَوْجُهُ أيضًا، هذه هي اللغة العالية، وبها جاء القرآن، نحو:
{اسْكُنْ أنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ} [البقرة (35)]، والجمع فيهما: أزْواجٌ، والفقهاء يقتصرون في الاستعمال
عليها؛ للإيضاح، وخَوْف لَبْس الذكر بالأنثى؛ إذ لو قيل: تَرِكة فيها زَوْجٌ، وابن
لم يُعْلَم أذكرٌ، هو أم أنثى؟ انتهى [«المصباح المنير» (1) / (259)].
(وبِأبيِ أبِي سُفْيانَ) صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأمويّ
الصحابي الشهير، أسلم عام الفتح، ومات – رضي الله عنه – سنة اثنتين وثلاثين، وقيل:
بعدها.
(وبِأخِي مُعاوِيةَ) بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأمويّ، أبو عبد الرحمن، الصحابيّ ابن الصحابيّ – رضي الله عنهما – الخليفة المشهور، أسلم قبل الفتح،
وكَتَب الوحي، ومات – رضي الله عنه – في رجب سنة ستين، وقد قارب الثمانين.
وغَرَضُ أم حبيبة – رضي الله عنها – أن تطول أعمار هؤلاء الثلاثة، وتزيد، حتى يعيشوا دهرًا طويلًا، وتستمع بهم.
(قالَ) عبد الله – رضي الله عنه -: (فَقالَ النَّبِيُّ – لا -:» قَدْ سَألْتِ اللهَ لآجالٍ مَضْرُوبَةٍ)؛
أي: مقدّرة بما لا مزيد فيه، ولا نقصان، (وأيّام مَعْدُودَةٍ)؛ أي: معلوم عددها،
وهي الأيام التي يعيشونها في علم الله -تعالى-، (وأرْزاقٍ مَقْسُومَةٍ) لهم بما لا مزيد
فيه، ولا نقصان، (لَنْ يُعَجِّلَ) وفي بعض النسخ: «إن يُعجّلُ الله»، وعليها،
فـ «إن» بكسر، فسكون نافية، والفعل مرفوع بعدها، فهي بمعنى ما يعجّل الله،
و «يُعجّل» بضم أوله، وتشديد الجيم، من التعجيل. (شَيْئًا) من الآجال، (قَبْلَ
حِلِّهِ)؟ أي: قبل حلول وقته.
(أوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ)؛ أي: وقت حلوله، (ولَوْ كُنْتِ سَألْتِ اللهَ) -تعالى-
(أنْ يُعِيذَكِ)؛ أي: يُجيرك، ويعصمك (مِن عَذاب فِي النّارِ، أوْ عَذابٍ فِي القَبْرِ،
كانَ خَيْرًا) لك (وأفْضَلَ») مما سألت من الزيًادة في آجال محتمة، وأرزاق مقسومة، لا تزيد، ولا تنقص.
قال القرطبيّ –رحمه الله-: قد أورد بعض علمائنا على هذا سؤالًا، فقال: ما معنى صَرْفه لها عن الدعاء بطول الأجل، وحَضّه لها على العياذ من عذاب القبر، وكل ذلك مقدّرٌ، لا يدفعه أحدٌ، ولا يردّه سبب؟
فالجواب: أنه – لا – لم ينهها عن الأول، وإنَّما أرشدها إلى ما هو الأولى
والأفضل، كما نصّ عليه، ووجهه كون الثاني أولى وأفضل، أنه قيام بعبادة
الاستعاذة من عذاب النار، والقبر، فإنّه قد تَعَبّدنا بها في غير ما حديث، ولم
يَتَعبّدنا بشيء من القِسْم الذي دعت هي به، فافترقا.
وأيضًا: فانَّ التعوذ من عذاب القبر والنار تذكير بهما، فيخافهما المؤمن، فيحذرهما، ويتقيهما، فيجعل من المتقين الفائزين بخير الدنيا والآخرة. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه الله تعالى-.
وعبارة الأبيّ -رحمه الله-: قوله: «ولو كنت سألت إلخ» صَرَفها – لا – عن الدعاء بالزيادة في العمر إلى الدعاء بالمعافاة من عذاب القبر والنار؛ إرشادًا لها لِما هو الأفضل؛ لأنه كالصلاة والصوم من جملة العبادات، فكما لا يَحْسُن تركها اتكالًا على ما سَبَق من القدر، فكذلك لا يُترك الدعاء بالمعافاة. انتهى بتصرّف [«شرح الأبيّ» (7) / (94) – (95)].
وقال ابن الجوزيّ -رحمه الله-:
[فإن قيل]: كيف ردّها عن سؤال، وعَلّل بالقَدَر، وأمَرها بسؤال، وهو داخل في باب القدر أيضًا؟
[فالجواب]: أن سؤال ما يجلب نفعًا في الآخرة، ويُظهِر عبوديةً من السائل أولى فما يجتلب به مجرد النفع في الدنيا، فأراد منها التشاغل بأمور الآخرة. انتهى [«كشف المشكل من حديث الصحيحين» ص (225)].
(قالَ) عبد الله – رضي الله عنه-: (وذُكِرَتْ) بالبناء للمفعول، (عِنْدَهُ) – لا –
(القِرَدَةُ)
وقال ابن الجوزيّ-رحمه الله-: في الحديث دليل على أن الذين مُسخوا لم يَبْقَوا، ولم ينسلوا، وقد كان ابن قتيبة يقول: أنا أظنّ أن هذه القردة والخنازير هي المسوخ بأعيانها، توالدت، ثم قال: إلا أن يصحّ حديث أم حبيبة، وقد صح حديثها، فلا يُلتفت إلى ظنّ ابن قتيبة. انتهى [«كشف المشكل من حديث الصحيحين» ص (225)].
وانظر أيضًا [«فيض القدير شرح الجامع الصغير» للمناويّ (2) / (255)].
فوائد الباب:
في فوائده:
(1) – (منها): بيان أن الآجال مضروبة محدودة، لا يتعدّاها أحد، وهذا معنى قوله تعالى: {فَإذا جاءَ أجَلُهُمْ لا يَسْتَاخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف (34)].
(2) – (ومنها): أن الأرزاق مقسومة، لا تزيد، ولا تنقص، ولا يموت العبد حتى يستوفيها، فينبغي الرفق في طلبها، كما قال – لا -: «أيها الناس اتقوا الله، وأجملوا في الطلب …. رواه ابن ماجه
وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» من حديث أبي أمامة – رضي الله عنه -، ولفظه: «إن رُوح القُدس نفث في رُوعي، أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّ أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته». [حديث صحيح. راجع: «صحيح الجامع» للشيخ الألبانيّ، حديث رقم ((2085))].
قال أبو العتاهية [من الطويل]:
أُقَلِّبُ طَرْفِي مَرةً بَعْدَ مَرَّةٍ … لِأعْلَمَ ما فِي النَّاسِ والقَلْبُ يَنْقَلِبْ
فَلَمْ أرَ عِزًّا كالقُنُوعِ لِأهْلِهِ … وأنْ يُجْمِلَ الإنْسانُ ماعاشَ فِي الطَّلَبْ [«الاستذكار» (8) / (272)]
(3) – (ومنها): ما قاله السهيليّ –رحمه الله-: في الحديث ردّ على زعم ابن قتبية أن «أل» في قوله تعالى: {وجَعَلَ مِنهُمُ القِرَدَةَ والخَنازِيرَ} [المائدة (60)] يدلّ على أن
القردة والخنازير من نَسْل أولئك الذين مُسخوا.
[تنبيه]: قال ابن العربيّ: قوله: «الممسوخ لا ينسل» دعوى، وهذا أمر لا يُعلم بالعقل، وإنما طريق معرفته الشرع، وليس في ذلك أثر يُعَوّل عليه. انتهى.
قال المناويّ: وهو غُفول عُجاب مع ثبوته في أصح كتاب؛ يعني: «صحيح مسلم».
[«فيض القدير» (2) / (254)]، والله تعالى أعلم.
[البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى):
مما ورد فيما يقع في هذه الأمة من مسخ:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَسْخٌ وَخَسْفٌ وَقَذْفٌ)). صحيح ابن ماجه [3280].
عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((يَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ أَوْ مَسْخٌ أَوْ قَذْفٌ فِي أَهْلِ الْقَدَرِ)) – يعني المكذبين به -. صحيح الترمذي [1748].
وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ)). فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: ((إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ)). صحيح الترمذي [1801].
وروى البخاري تعليقًا عن أبي عامر أو أبي مالك أن النبي لا، قال: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب عَلَمٍ، يروح عليهم بسارحةٍ لهم، يأتيهم لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدًا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» وقد وصل الحديث الطبراني والبيهقي وابن عساكر وغيرهم، وإسناده صحيح، وقد أخطأ ابن حزم في تضعيفه للحديث
(المسألة الثانية):
قال العلامة الطحاوي رحمه الله ” وقدر لهم أقداراً، وَضَرَبَ لهم آجَالاً”
قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله: “وضَرْبُ الآجال معناه: أنه – عز وجل – جعل لكل شيء أجلاً ينتهي إليه فما من شيء إلا وله أجل ينتهي إليه المراد من خلقه.
فالسماوات لها أجل، والأرض لها أجل تنتهي إليه، وهكذا مخلوقات الله – عز وجل -، ومنها ما جعل الله – عز وجل – له أجل يعلمه سبحانه ولا يعلمه العباد قد يطول جدا وقد لا يكون له نهاية، بعلم الله سبحانه وتعالى له.
الآجال غير الأعمار، فالعمر أخص من الأجل، ولهذا قال من قال من أهل العلم إنَّ الأجل في القرآن لا يقبل التغيير {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَاخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس:49]، {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} [يونس:49] في الأمم،
وقال – عز وجل – في العمر {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر:11]، وهذا يدلك على أنَّ الله سبحانه وتعالى ضَرَبَ آجَالاً وجعل أعماراً.
والجمع بين هذا وهذا عند طائفة من المحققين من أهل العلم أنَّ الأجل لا يقبل التعديل ولا التغيير، وأما الأعمار فهي قابلة لذلك، بأسباب أناط الله – عز وجل – …. ثم ذكر التقدير العام فلا يتغير وذكر التقدير السنوي وفي الارحام واليومي وان التغيير يقع في الصحف التي في أيدي الملائكة.
ولهذا صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى في سورة الرعد {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد:39] أنه في صحف الملائكة، {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] يعني اللوح المحفوظ وهذا واضح.
فقول المؤلف رحمه الله (وَضَرَبَ لهم آجَالاً) يعني: ما كان من التقدير السابق قبل خلق السماوات والأرض.”. انتهى [إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل].
(المسألة الثانية): تفسير قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرّلا مِّن ذَ الالِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولالَا ىلاكَ شَرّلا مَّكَانلاا وَأَضَلُّ عَن سَوَا ءِ السَّبِيلِ} [المائدة (60)].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: “ثم قال: (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله) أي: هل أخبركم بشر جزاء عند الله يوم القيامة مما تظنونه بنا؟ وهم أنتم الذين هم متصفون بهذه الصفات، فقوله: (من لعنه الله) أي: أبعده من رحمته (وغضب عليه) أي: غضبا لا يرضى بعده أبدا (وجعل منهم القردة والخنازير) كما تقدم بيانه في سورة البقرة. وكما سيأتي إيضاحه في سورة الأعراف [إن شاء الله تعالى]
ثم ذكر رواية مسلم …. وقال:
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا داود بن أبي الفرات، عن محمد بن زيد، عن أبي الأعين العبدي عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير، أهي من نسل اليهود؟ فقال: ” لا، إن الله لم يلعن قوما فيمسخهم فكان لهم نسل، ولكن هذا خلق كان، فلما غضب الله على اليهود فمسخهم، جعلهم مثلهم “.
ورواه أحمد من حديث داود بن أبي الفرات به.
وقال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا الحسن بن محبوب، حدثنا عبد العزيز بن المختار، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” الحيات مسخ الجن، كما مسخت القردة والخنازير “. هذا حديث غريب جدا”. انتهى المقصود.
حديث ابن عباس الحيات مسخ الجن أخرجه عبدالله بن الإمام أحمد في زاوئده على المسند (3255) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال محققو المسند: صحيح موقوف
وصححه الألباني في الصحيحة 1824
قال الألباني:
واعلم أن الحديث لا يعني أن الحيات الموجودة
الآن هي من الجن الممسوخ، وإنما يعني أن الجن وقع فيهم مسخ إلى الحيات، كما
وقع في اليهود مسخهم قردة وخنازير، ولكنهم لم ينسلوا كما في الحديث الصحيح:
” إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك
“. وسيأتي تخريجه برقم (2264) إن شاء الله تعالى
[سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (4/ 440)]
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في قوله تعالى: {جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ}: “وسبب جعل القردة هو أنهم تحيلوا على صيد الحيتان المحرم عليهم صيده في يوم السبت، فلما كانت هذه الفعلة المحرمة شبيهة بالحلال مسخهم الله عز وجل قردة؛ لأنه شبيه بالإنسان، شوف الجزاء من جنس العمل، صاروا قردة، القردة هنا هل هم صاروا قردة معنًى أو حسًّا؟ حسًّا، صاروا قردة حسًّا، هذا الذي عليه جمهور المفسرين، وهو ظاهر القرآن، وإن كان بعض المعاصرين ذهب إلى أنهم كانوا قردة معنًى، أي صاروا مثل القرود، ليس عندهم أفكار بني آدم ولا عقول بني آدم، لكن يقال: الأصل هو أيش؟ الحقيقة، الأصل هو الحقيقة، والله على كل شيء قدير، الذي خلق الإنسان على هذا الوصف قادر على أن يقلبه على وصف آخر، ولهذا قال: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة (65)] فصاروا قردة، لكن هل بقوا؟
الجواب: لا؛ لأن المقصود من كونهم قردة أن يكونوا عبرة ونكالًا،
قلبوا خنازير، لعل حيلهم كانت على الزنا؛ لأن المعروف أن الخنازير ليس لها غيرة إطلاقًا، “. [تفسير ابن عثيمين].