2657 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وسلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الحافظ النووي رحمه الله:
(5) – بابُ قُدِّرَ عَلى ابْنِ آدَمَ حَظُّهُ مِنَ الزِّنا وغَيْرِهِ
قال الإمام مسلم رحمه الله:
(20) – ((2657)) حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ – واللَّفْظُ لِإسْحاقَ – قالا: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طاوُسٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: ما رَأيْتُ شَيْئًا أشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمّا قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: أنَّ النَّبِيَّ لا قالَ: «إنَّ اللهَ كَتَبَ عَلى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنا، أدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحالَةَ، فَزِنا العَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وزِنا اللِّسانِ النُّطْقُ، والنَّفْسُ تَمَنّى وتَشْتَهِي، والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أوْ يُكَذِّبُهُ»، قالَ عَبْدٌ فِي رِوايَتِهِ: ابْنِ طاوُسٍ، عَنْ أبِيهِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ.
(21) – ((2657)) حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ مَنصُورٍ، أخْبَرَنا أبُو هِشامٍ المَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنا سُهَيْلُ بْنُ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ لا، قالَ: «كُتِبَ عَلى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لا مَحالَةَ، فالعَيْنانِ زِناهُما النَّظَرُ، والأُذُنانِ زِناهُما الِاسْتِماعُ، واللِّسانُ زِناهُ الكَلامُ، واليَدُ زِناها البَطْشُ، والرِّجْلُ زِناها الخُطا، والقَلْبُ يَهْوى ويَتَمَنّى، ويُصَدِّقُ ذَلِكَ الفَرْجُ ويُكَذِّبُهُ».
==========
التمهيد:
“”خلق الله الإنسان، وخلق فيه شهوة الفرج، وحد لها حدودا، ونظمها، ونظم لها طريق الحلال، وحذر من طريق الحرام، وهو الزنى، بل حذر من القرب منه، مخافة الوقوع فيه، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، قال تعالى: {ولا تقربوا الزنى} [الإسراء (32)]، والقرب من الزنى يكون بمقدمات الحواس الظاهرة، والتوجهات النفسية، كالتفكير والتخيل، والهم، والقصد، والعزم، ويتمثل القرب من الزنى بالحواس الظاهرة في النظر الحرام، إلى المرأة الأجنبية، والسمع الحرام المثير للشهوة، والمس الحرام باليد أو بالشفاه، أو بأي جزء من البدن، وهذا القرب هو مقدمات يخشى منها أن تفضي إلى الكبيرة.
ولما كانت هذه المقدمات مما تعم به البلوى، ويصعب التحرز منها، وكل ابن آدم يقع فيها أو في بعضها، جعلت صغائر، يعفى عنها، أو تغفر باجتناب فاحشة الزنى، مصداقا لقوله تعالى {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} [النساء (31)] أي الصغائر.
وقد سماها الحديث – على الرغم من صغرها – زنى، فزنى العين النظر، وزنا اللسان النطق، وزنى النفس التخيل والتمني والتشهي.
وكما سبق كل حركة من حركات ابن آدم مكتوبة عليه، ومقدرة، قبل أن يخلق، فهذه الصغائر مقدرة، كما أن الكبائر مقدرة، وكما وضحنا من قبل: التقدير والقضاء والكتابة لا تمنع المسئولية، فعدم العلم بما كتب يمنح الحرية والاختبار عند الفعل {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} [فصلت (46)] “. [فتح المنعم]
“وزينةُ المرأةِ العفاف، وعلى المرأة التي آمنت بربِّها وَسَتَرَت جَسَدَهَا أنْ تتقيَ اللهَ ربَّ العالمين، فلا تَتَبَرَّج بحجابِها، فهذا شيءٌ شائنٌ لا يليق، والحجابُ الآن قد تَبرَّجَ، نعم صارَ الحجابُ يحتاجُ حِجابًا، فقد تبرَّجَ الحِجاب، فهذا شيءٌ شائنٌ لا ينبغي أنْ يكون.
فعلى المرءِ أنْ يكونَ واعيًا وعلى المسلمِ وعلى المسلمةِ أيضًا أنْ يعرفَ طريقَه إلى ربِّهِ، فالحياةُ مُنقضيةٌ، ثم هي ليست على الشبابِ تدوم، ومعلومٌ أنَّ مَن تورطَ في تلك الشهوات عُوقب دنيا وآخرة إنْ لم تَصِحَّ توبتُهُ ويعود إلى اللهِ العزيز الحميد، فلابد أنْ يُعَاقَبَ والجزاءُ من جِنسِ العمل كما قال الشاعرُ الحكيم:
من يزني في امرأةٍ بألْفي درهمٍ … *** … في بيتهِ يُزْنَى بغيرِ الدرهمِ
إنَّ الزنا دَيْنٌ فإنْ أسلفتَهُ … *** … كان الوفا من أهلِ بيتك فاعلمِ
فلا تنتهك، وقِف عند حدودِ العفاف، ولنحاول جميعًا أنْ نجتهدَ في العودةِ إلى الله، فإنَّ المجتمعَ إذا انهارت أخلاقُه؛ انهارَ بغيرِ قرار، ولا يُمكنُ أنْ يتوقفَ عند نهايةٍ في الانحطاط، وما تَسَلَّلَ أعداءُ الإسلامِ في داخلٍ وخارجٍ إلى دينِ الإسلامِ العظيم إلى أبنائِهِ إلَّا مِن هذا الباب.
وفي الحديث ((ما تركتُ فتنة هي أشدُّ خطرًا على الرجالِ مِن النساء)).
والمرأةُ مُكّرَّمةٌ في الاسلام فهي الام والاخت والبنت والزوجة ….
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ) – رضي الله عنهما -؛ أنه (قالَ: ما رَأيْتُ شَيْئًا أشْبَهَ بِاللَّمَمِ) –بفتح اللام، والميم- هو ما يُلِمّ به الشخص، من شهوات النفس، وقيل: هو مقارفة الذنوب الصغار، وقال الراغب: اللمم: مقارفة المعصية، ويُعَبَّر به عن الصغيرة، ومحصَّل كلام ابن عباس – رضي الله عنهما – تخصيصه ببعضها، ويَحْتَمِل أن يكون أراد: أن ذلك من جملة اللمم، أو في حكم اللمم. [» الفتح «(15) / (228)، كتاب» القدر «رقم ((6612))].
وقال الخطابيّ: يريد بذلك: ما عفا الله عنه من صغار الذنوب، وهو معنى قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَواحِشَ إلّا اللَّمَمَ}، وهو ما يُلمّ به الإنسان من صغار الذنوب التي لا يكاد يَسلم منها إلا من عصمه الله، وحفظه. انتهى [راجع:» عون المعبود «(6) / (133)].
وقال القرطبيّ –رحمه الله-: قوله: «ما رأيت شيئًا أشبه باللمم»: هذا من ابن
عباس – رضي الله عنهما – معنى تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَواحِشَ إلّا اللَّمَمَ} [النجم (32)]، وهو ما دون الكبائر، والفواحش: هي الصغائر، وقال زيد بن ثابت – رضي الله عنه-: هي ما ألمّوا به في الجاهلية، وقيل: هو مقاربة المعصية من غير إلمام، وقيل: الذنب الذي يُقلع عنه، ولا يُصرّ عليه، وقيل غير هذا، وأشبه هذه الأقوال القول الأول، وعليه يدلّ قوله – لا -: «الصلوات الخمس مكفرات لِما بينهنّ، إذا اجتُنبت الكبائر»، والفواحش: جمع فاحشة، وهي ما يستفحش من الكبائر، كالزنا بذوات المحارم، واللواط، ونحو ذلك. انتهى [» المفهم «(6) / (673)].
(مِمّا قالَ أبُو هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه -: (إن النَّبِيَّ – لا -) بكسر «إنّ» لوقوعها محكيّة بالقول.
(قالَ: «إنَّ اللهَ كَتَبَ)؛ أي: أثبت في اللوح المحفوظ، (عَلى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ)؛ أي: نصيبه (مِنَ الزِّنى) بالقصر على الأفصح، قال القاري: والمراد من الحظّ: مقدِّمات الزنى، من التمني، والتخطي، والتكلم لأجله، والنظر، واللمس، والتخلي، وقيل: أثبت فيه سببه، وهو الشهوة، والميل إلى النساء، وخَلَق فيه العينين، والقلب، والفَرْج، وهو الذي يجد لذة الزنى، أو المعنى: قَدَّر في الأزل أن يجري عليه الزنى في الجملة. انتهى [راجع:» عون المعبود” (6) / (133)].
وقال في «الفتح»: قوله: «كتب»؛ أي: قَدَر ذلك عليه، أو أمر الملَك
بكتابته، كما تقدم بيانه في شرح حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – الماضي قريبًا،
وإطلاق الزنا على اللمس، والنظر، وغيرهما بطريق المجاز؛ لأن كل ذلك من
مقدماته. [«الفتح» (15) / (228)، كتاب «القدر» رقم ((6612))].
(أدْرَكَ)؛ أي: أصاب ابن آدم، ووجد (ذَلِكَ)؛ أي: ما كتبه الله تعالى،
وقدّره، وقضاه، أو حظه، (لا مَحالَةَ) -بفتح الميم -أي: لا بُدّ له من عمل ما
قُذر عليه أنه يعمله، قاله في «الفتح»، وقال ابن بطّال: «لا محالة» يعني: لا
حيلة له في التخلص من إدراك ما كُتب عليه. [«شرح صحيح البخاريّ» لابن بطال (17) / (271)].
وقال المناويّ في «الفيض» [«فيض القدير على الجامع الصغير» (2) / (246)]: … قال ابن رسلان: كلُّ ما سبق في العلم لا بدّ أن يدركه، لا يستطيع دفعه، لكن يلام على صدوره منه؛ لتمكّنه من التمسك بالطاعة، وبه تندفع شُبَهُ القدرية، والجبرية.
قال الأتيوبي:
قال المهلَّب: وكلُّ ما كتبه الله على ابن آدم فهم سابق في علم الله، لا بدّ أن يُدركه المكتوب عليه، وأن الإنسان لا يملك دَفْع ذلك عن نفسه، غير أن الله تعالى تفضَّل على عباده، وجعل ذلك لَمَمًا وصغائر، لا يطالب بها عباده، إذا لم يكن للَفَرْج تصديق لها، فإذا صدّقها الفرج، كان ذلك من الكبائر، رِفقًا من الله بعباده، ورحمة لهم؛ لِما جبلهم عليه من ضَعف الخلقة، ولو آخذ عباده باللمم، أو ما دونه من حديث النفس، لكان ذلك عدلًا منه في عباده، وحكمة، لا يُسأل عما يفعل، وله الحجة البالغة، لكن قَبِل منهم اليسير، وعفا لهم عن الكثير؛ تفضلًا منه، وإحسانًا. انتهى [«شرح صحيح البخاريّ» لابن بطال (17) / (271)].
وقال ابن مسعود – رضي الله عنه -: العينان تزنيان بالنظر، والشفتان تزنيان، وزناهما
التقبيل، واليدان تزنيان، وزناهما اللمس، والرجلان تزنيان، وزناهما المشي، وقيل: إنما سميت هذه الأشياء زنا؛ لأنها دواعي إليه. [» عمدة القاري «(23) / (157)].
(وزِنى اللِّسانِ النُّطْقُ)؛ أي: التكلم على وجه الحرمة كالمواعدة.
وفي رواية للبخاريّ: «المنطق»، وهو بمعنى النطق.
(والنَّفْسُ)؛ أي: القلب، كما في الرواية التالية، ولعل النفس إذا طلبت تبعها القلب. [» عون المعبود «(6) / (133)].
(والفَرْجُ) بفتح الفاء، وسكون الراء: يُطلق على القُبُل والدبر؛ لأن كلّ واحد منفرجٌ؛ أي: منفتح، وأكثر استعماله في العُرف في القُبُل [» المصباح المنير «(2) / (466)].
(يُصَدِّقُ ذَلِكَ، أوْ يُكَذِّبُهُ «)؛ قال ابن بطال: تفضَّل الله على عباده بغفران اللمم، إذا لم يكن للفرج تصديق بها، فإذا صدّقها الفرج كان ذلك كبيرة.
ونقل الفراء أن بعضهم زعم أن «إلا» في قوله: {إلّا اللَّمَمَ} بمعنى الواو، وأنكره، وقال: إلا صغائر الذنوب، فإنها تكفَّر باجتناب كبارها، وإنما أطلق عليها زنا؛ لأنها من دواعيه، فهو من إطلاق اسم المسبَّب على السبب مجازًا. انتهى [» الفتح «(15) / (228) – (229)، كتاب» لقدر” رقم ((6612))].
قال الإمام مسلم رحمه الله: (21) – ((2657))
وقوله: (والقَلْبُ يَهْوى، ويَتَمَنّى)؛ يعني: أن هواه وتمنّيه هو زناه،
فإن حصل إيلاج الفرج الحقيقي، تمَّ زنا تلك الأعضاء، وثبت إثمه، وإن لم يحصل ذلك، واجتنب كفّر زنا تلك الأعضاء، كما قال تعالى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ} [النساء (31)] [» المفهم” (6) / (674) – (675)].
وقال النوويّ –رحم الله-:
قول ابن عباس: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم مما قال أبوِ هريرة،
فمعناه: تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَواحِشَ إلّا اللَّمَمَ إنَّ رَبَّكَ واسِعُ المَغْفِرَةِ}.
ومعنى الآية -والله أعلم- الذين يجتنبون المعاصي، غير اللمم، يُغفر لهم اللمم، كما في قوله تعالى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ}، فمعنى الآيتين: أن اجتناب الكبائر يُسقط الصغائر، وهي اللَمم، وفسَّره ابن عباس بما في هذا الحديث، من النظر، واللمس، ونحوهما، وهو كما قال، هذا هو الصحيح في تفسير اللمم، وقيل: أن يُلِمّ بالشيء، ولا يفعله، وقيل: الميل إلى الذنب، ولا يصرّ عليه، وقيل غير ذلك، مما ليس بظاهر، وأصل اللمم، والإلمام: الميل إلى الشيء، وطَلَبه من غير مداومة، والله أعلم. انتهى [«شرح النوويّ» (16) / (206)].
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في (جامع العلوم والحكم):
وفي تفسير اللمم قولان للسَّلف:
أحدهما: أنّه مقدمات الفواحش كاللمس والقبلة، وعن ابن عباس: هو ما دُونَ الحدِّ من وعيد الآخرة بالنار وحدِّ الدُّنيا.
والثاني: أنّه الإلمامُ بشيء من الفواحش والكبائر مرَّةً واحدةً، ثم يتوبُ منه، وروي عن ابن عباس وأبي هريرة، وروي عنه مرفوعًا بالشَّكِّ في رفعه، قال: اللمة من الزنى ثم يتوب فلا يعود، واللمة من شرب الخمر، ثم يتوب فلا يعود، واللمة من السرقة، ثم يتوب فلا يعود.
ومن فسَّر الآية بهذا قال: لابدَّ أنْ يتوبَ منه بخلاف مَن فسَّره بالمقدِّمات، فإنّه لم يشترط توبة.
والظاهرُ أنّ القولين صحيحان، وأنّ كليهما مرادٌ من الآية، وحينئذٍ فالمحسنُ: هو من لا يأتي بكبيرة إلا نادرًا ثم يتوبُ منها، ومن إذا أتى بصغيرةٍ كانت مغمورةً في حسناته المكفرة لها، ولابدَّ أنْ لا يكون مُصِرًا عليها، كما قال تعالى: {ولَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وهُمْ يَعْلَمُونَ}. وروي عن ابن عباس أنّه قال: لا صَغيرة مع الإصرار، ولا كبيرةَ مع الاستغفار، وروي مرفوعًا من وجوهٍ ضعيفةٍ.
وإذا صارت الصغائر كبائر بالمداومة عليها، فلا بُدَّ للمحسنين من اجتناب المداومة على الصغائر حتى يكونوا مجتنبين لكبائر الإثم والفواحش. انتهى.
(الفوائد):
1 – (منها): بيان أن الزنا أنواع يحصل بالأعضاء المذكورة، ولكنه يكون من اللمم التي تكفر باجتناب الكبائر، كما قال تعالى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ} الآية.
2 – (ومنها): إثبات القَدَر، وأن الله تعالى قدّر الأشياء، وكتبها في اللوح المحفوظ، فهي تقع بمشيئته على مقتضى عِلمه -سبحانه وتعالى-.
3 – (ومنها): أن في قوله: «والنفس تشتهي، والفرج يصدّق، أو يكذب»
ما يُستدَلّ به على أن العبد لا يخلق فعل نفسه؛ لأنه قد يريد الزنا مثلًا، ويشتهيه، فلا يطاوعه العضو الذي يريد أن يزني به، وتُعجزه الحيلة فيه، ولا يدري لذلك سببًا، ولو كان خالقًا لفعله لَما عجز عن فِعل ما يريده، مع وجود الطواعية، واستحكام الشهوة، فدلّ على أن ذلك فعل مقدَّر يُقدّرها الله إذا شاء، ويُعَطِّلها إذا شاء. [«الفتح» (15) / (229)].
4 – (ومنها): ما قاله في «العمدة»: قوله: «زنا العين»؛ يعني: فيما زاد
على النظرة الأُولى التي لا يملكها، فالمراد: النظرة على سبيل اللذة والشهوة،
وكذلك زنا المنطق فيما يلتذ به، من محادثة ما لا يحل له ذلك منه، والنفس
تمنّى ذلك، وتشتهيه، فهذا كله يسمى زنًا؛ لأنه من دواعي زنا الفرج، قال:
واحتجّ أشهب بقوله: «والفرج يصدّق ذلك أو يكذبه» أنه إذا قال: زَنى يدك،
أو رجلك، لا يُحدّ، وخالفه ابن القاسم، وفي «التوضيح»: وقال الشافعيّ: إذا
قال: زنت يدك يُحدّ، واعترض عليه بعض من عاصرناه من الشافعية، والأصح
أن هذا كناية، ففي «الروضة»: إذا قال: زنت يدك، أو عينك، أو رجلك، أو
يداك، أو عيناك، فكناية على المذهب، وبه قطع الجمهور؛ يعني: من الشافعية. انتهى [«عمدة القاري» (22) / (240)]، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج].
5 – (ومنها):”عدمُ التساهُلِ في صغائرِ الذُّنوب؛ لأنَّها دَواعِي الكبائرِ ومقدِّماتها”.
6 – (ومنها): إذا علم أن ابن آدم أنه واقع في هذا ولا محال له عليه أن يبادر بالتوبة.
7 – (ومنها): قال المناوي رحمه الله: ” (على ابن آدم حظه من الزنا) أي خَلق له الحواس التي بها يجد لذة الزنا، وأعطاه القوى التي بها يقدر عليه، وركز في جبلته حب الشهوات ” انتهى [فيض القدير (2/ 246)].
8 – (ومنها): الحذر من الأسباب المفضية إلى المحرمات، وعدم استرسال الفكر وقطعه مباشرة، وقطع مبدأ الأعمال السيئة إلى ما ينفعه في دينه ودنياه.
قال ابن القيم رحمه الله: قاعدة في ذكر طريق يوصل إلى الاستقامة في الأحوال والأقوال والأعمال: وهي شيئان:
أحدهما: حراسة الخواطر وحفظها والحذر من إهمالها والاسترسال معها، فإن أصل الفساد كله من قبلها يجيء؛ لأنها هي بذر الشيطان والنفس في أرض القلب، فإذا تمكن بذرها تعاهدها الشيطان بسقيه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات ثم يسقيها بسقية حتى تكون عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمر الأعمال.
ولا ريب أن دفع الخواطر أيسر من دفع الإرادات والعزائم فيجد العبد نفسه عاجزا أو كالعاجز عن دفعها بعد أن صارت إرادة جازمة وهو المفرط إذا لم يدفعها وهي خاطر ضعيف، كمن تهاون بشرارة من نار وقعت في حطب يابس فلما تمكنت منه عجز عن إطفائها. انتهى.
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم يتكلموا، أو يعملوا به. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه، فليستعذ بالله، ولينته. متفق عليه.
قال ابن حجر رحمه الله: أي: عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، ويعلم أنه يريد إفساد دينه، وعقله بهذه الوسوسة، فينبغي أن يجتهد في دفعها، بالاشتغال بغيرها. انتهى.
9 – الاختلاف في معنى اللمم:
قال ابن باز: المراد بكلمة (اللمم) في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَواحِشَ إلّا اللَّمَمَ إنَّ رَبَّكَ واسِعُ المَغْفِرَةِ} … الآية؟
ج: إن علماء التفسير -يرحمهم الله- اختلفوا في تفسير ذلك، وذكروا أقوالا في معناه، أحسنها قولان:
أحدهما: أن المراد به: ما يلم به الإنسان من صغائر الذنوب، كالنظرة والاستماع لبعض ما لا يجوز من محقرات الذنوب وصغائرها ونحو ذلك، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة من السلف، واحتجوا على ذلك بقوله سبحانه في سورة النساء: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ونُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}، قالوا: المراد بالسيئات المذكورة في هذه الآية: هي صغائر الذنوب، وهي: اللمم؛ لأن كل إنسان يصعب عليه التحرز من ذلك، فمن رحمة الله سبحانه أن وعد المؤمنين بغفران ذلك لهم إذا اجتنبوا الكبائر، ولم يصروا على الصغائر.
وأحسن ما قيل في ثبوت الكبائر: إنها المعاصي التي فيها حد في الدنيا؛ كالسرقة، والزنى، والقذف، وشرب المسكر، أو فيها وعيد في الآخرة بغضب من الله أو لعنة أو نار؛ كالربا، والغيبة، والنميمة، وعقوق الوالدين.
ومما يدل على غفران الصغائر باجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر: قول النبي لا: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى ….
ومن الأدلة على وجوب الحذر من الصغائر والكبائر جميعا وعدم الإصرار عليها: قوله سبحانه: {والَّذِينَ إذا فَعَلُوا فاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ومَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلّا اللَّهُ ولَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وهُمْ يَعْلَمُونَ}، {أُولَئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِن رَبِّهِمْ وجَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها ونِعْمَ أجْرُ العامِلِينَ}.
القول الثاني: أن المراد باللمم: هو ما يلم به الإنسان من المعاصي، ثم يتوب إلى الله من ذلك، كما قال في الآية السابقة، وهي قوله تعالى: {والَّذِينَ إذا فَعَلُوا فاحِشَةً} الآية، وقوله سبحانه: {وتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وما جاء في معنى ذلك من الآيات الكريمات، وقول النبي لا: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»؛ ولأن كل إنسان معرض للخطأ.
والتوبة النصوح يمحو الله بها الذنوب، وهي المشتملة على الندم على ما وقع من المعصية، والإقلاع عنها، والعزيمة الصادقة على ألا يعود إليها؛ خوفا من الله سبحانه، وتعظيما له، ورجاء مغفرته.
ومن تمام التوبة إذا كانت المعصية تتعلق بحق الآدميين؛ كالسرقة، والغضب، والقذف، والضرب، والسب، والغيبة، ونحو ذلك – أن يعطيهم حقوقهم، أو يستحلهم منها إلا إذا كانت المعصية غيبة – وهي: الكلام في العرض – ولم يتيسر استحلال صاحبها؛ حذرا من وقوع شر أكثر، فإنه يكفي في ذلك أن يدعو له بظهر الغيب، وأن يذكره بما يعلم من صفاته الطيبة، وأعماله الحسنة في الأماكن التي اغتابه فيها، ولا حاجة إلى إخباره بغيبته إذا كان يخشى الوقوع في شر أكثر.
[مجموع فتاوى ابن باز]
10 – تعمد النظر إلى المرأة الأجنبية:
قال الله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) النور / (30)، وقال لا « … فزنا العين النظر … » (أي إلى ما حرم الله) رواه البخاري انظر فتح الباري (11) / (26). ويستثنى من ذلك ما كان لحاجة شرعية كنظر الخاطب والطبيب. ويحرم كذلك على المرأة أن تنظر إلى الرجل الأجنبي نظر فتنة قال تعالى (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) ويحرم كذلك النظر إلى الأمرد والحسن بشهوة، ويحرم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة وكل عورة لا يجوز النظر إليها لا يجوز مسها ولو من وراء حائل. ومن تلاعب الشيطان ببعضهم ما يفعلون من النظر إلى الصور في المجلات ومشاهدة الأفلام بحجة أنها ليست حقيقية وجانب المفسدة وإثارة الشهوات في هذا واضح كل الوضوح.
قال ابن تيمية:
فَصْلٌ:
فِي قَوْلِهِ فِي آخِرِ الآيَةِ: {وتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أيُّها المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فَوائِدُ جَلِيلَةٌ: مِنها أنَّ أمْرَهُ لِجَمِيعِ المُؤْمِنِينَ بِالتَّوْبَةِ فِي هَذا السِّياقِ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ لا يَخْلُو مُؤْمِنٌ مِن بَعْضِ هَذِهِ الذُّنُوبِ الَّتِي هِيَ: تَرْكُ غَضِّ البَصَرِ وحِفْظِ الفَرْجِ وتَرْكُ إبْداءِ الزِّينَةِ وما يَتْبَعُ ذَلِكَ فَمُسْتَقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ كَما فِي الحَدِيثِ: {ما مِن أحَدٍ مِن بَنِي آدَمَ إلّا أخْطَأ أوْ هَمَّ بِخَطِيئَةِ إلّا يَحْيى بْنُ زَكَرِيّا} وذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا عَنْ نَظَرٍ وفِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ لا أنَّهُ قالَ {كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطّاءٌ وخَيْرُ الخَطّائِينَ التَّوّابُونَ} وفِي الصَّحِيحِ عَنْ أبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ لا {يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: يا عِبادِي إنّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ وأنا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ولا أُبالِي فاسْتَغْفِرُونِي أغْفِرْ لَكُمْ.} وفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: “ما رَأيْت شَيْئًا أشْبَهُ بِاللَّمَمِ مِمّا قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: {إنّ النَّبِيَّ لا قالَ: إنّ اللَّهَ كَتَبَ عَلى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِن الزِّنا أدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحالَةَ فَزِنا العَيْنَيْنِ النَّظَرُ وزِنا اللِّسانِ النُّطْقُ} الحَدِيثُ إلى آخِرِهِ. وفِيهِ: {والنَّفْسُ
تَتَمَنّى ذَلِكَ وتَشْتَهِي والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أوْ يُكَذِّبُهُ} أخْرَجَهُ البُخارِيُّ تَعْلِيقًا مِن حَدِيثِ طاوُوسٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ. ورَواهُ مُسْلِمٌ مِن حَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أبِي صالِحٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ لا قالَ: {كُتِبَ عَلى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِن الزِّنا …. ثم تكلم عن التوبة من الفواحش وعدم تيئيس الناس
سُئِلَ شَيْخُ الإسْلامِ
عَنْ قَوْله تَعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أزْكى لَهُمْ إنّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ} {وقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِن أبْصارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلّا ما ظَهَرَ مِنها} الآيَةُ والحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ لا فِي ذِكْرِ «زِنا الأعْضاءِ كُلِّها» وماذا عَلى الرَّجُلِ إذا مَسَّ يَدَ الصَّبِيِّ الأمْرَدِ فَهَلْ هُوَ مِن جِنْسِ النِّساءِ يَنْقُضُ الوُضُوءَ أمْ لا؟ وما عَلى الرَّجُلِ إذا جاءَتْ إلى عِنْدِهِ المردان ومَدَّ يَدَهُ إلى هَذا وهَذا ويَتَلَذَّذُ بِذَلِكَ وما جاءَ فِي التَّحْرِيمِ مِن النَّظَرِ إلى وجْهِ الأمْرَدِ الحَسَنِ؟ وهَلْ هَذا الحَدِيثُ المَرْوِيُّ: {إنّ النَّظَرَ إلى الوَجْهِ المَلِيحِ عِبادَةٌ} صَحِيحٌ أمْ لا؟ وإذا قالَ أحَدٌ: أنا ما أنْظُرُ إلى المَلِيحِ الأمْرَدِ لِأجْلِ شَيْءٍ؛ ولَكِنِّي إذا رَأيْته قُلْت: سُبْحانَ اللَّهِ تَبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ فَهَلْ هَذا القَوْلُ صَوابٌ أمْ لا؟ أفْتُونا مَاجُورِينَ. (*)
فَأجابَ – قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ ونَوَّرَ ضَرِيحَهُ ورَحِمَهُ ورَضِيَ عَنْهُ ونَفَعَ بِعُلُومِهِ وحَشَرَنا فِي زُمْرَتِهِ -: وطول رحمه في الاجابة ومما قال:
فَحَيْثُ وُجِدَ اللَّمْسُ لِشَهْوَةِ تَعَلَّقَ بِهِ الحُكْمُ حَتّى لَوْ مَسَّ بِنْتِهِ وأُخْتَه وأُمَّهُ لِشَهْوَةِ انْتَقَضَ وضَوْءُهُ؛ فَكَذَلِكَ مِن الأمْرَدِ
ثانيًا: ملحقات:
(المحلق الأول): صيغة من صِيغ القَذْفِ
القَذْفُ عَلى ثَلاَثَةِ أضْرُبٍ: صَرِيحٌ، وكِنايَةٌ، وتَعْرِيضٌ.
فاللَّفْظُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ القَذْفُ: إنْ لَمْ يَحْتَمِل غَيْرَهُ فَصَرِيحٌ، وإلاَّ فَإنْ فُهِمَ مِنهُ القَذْفُ بِوَضْعِهِ فَكِنايَةٌ، وإلاَّ فَتَعْرِيضٌ [الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (3) / (201)].
واتَّفَقَ الفُقَهاءُ عَلى أنَّ القَذْفَ بِصَرِيحِ الزِّنا يُوجِبُ الحَدَّ بِشُرُوطِهِ.
وأمّا الكِنايَةُ: فَعِنْدَ الشّافِعِيَّةِ والمالِكِيَّةِ:
إذا أنْكَرَ القَذْفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ عِنْدَ جُمْهُورِ فُقَهاءِ الشّافِعِيَّةِ، لِلايذاءِ، وقَيَّدَهُ الماوَرْدِيُّ بِما إذا خَرَجَ اللَّفْظُ مَخْرَجَ السَّبِّ والذَّمِّ، فَإنْ أبى أنْ يَحْلِفَ حُبِسَ عِنْدَ المالِكِيَّةِ، فَإنْ طال حَبْسُهُ ولَمْ يَحْلِفْ عُزِّرَ.
ولَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ الالْفاظِ، .. [وذكروا من ذلك:]
إنْ قال: زَنى فَرْجُكِ، أوْ ذَكَرُكَ، فَهُوَ قَذْفٌ؛ لأِنَّ الزِّنا يَقَعُ بِذَلِكَ، وإنْ قال: زَنَتْ عَيْنُكَ، أوْ يَدُكَ، أوْ رِجْلُكَ، فَلَيْسَ بِقَذْفٍ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ.
ولِلشّافِعِيَّةِ فِيهِ قَوْلاَنِ: المَذْهَبُ أنَّهُ كِنايَةٌ، إنْ قَصَدَ القَذْفَ كانَ قَذْفًا، وإلاَّ فَلاَ؛ لأِنَّ الزِّنا لاَ يُوجَدُ مِن هَذِهِ الاعْضاءِ حَقِيقَةً، ولِهَذا قال النَّبِيُّ لا: إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنا، أدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحالَةَ، فَزِنا العَيْنِ النَّظَرُ، وزِنا اللِّسانِ النُّطْقُ، والنَّفْسُ تَتَمَنّى وتَشْتَهِي، والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ ويُكَذِّبُهُ.
ومُقابِل المَذْهَبِ: أنَّهُ قَذْفٌ، لأِنَّهُ أضافَ الزِّنا إلى عُضْوٍ مِنهُ، فَأشْبَهَ ما إذا أضافَهُ إلى الفَرْجِ [مغني المحتاج (3) / (370)].
فَإنْ قال: زَنى بَدَنُكَ، فَفِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ مِن غَيْرِ نِيَّةٍ؛ لأِنَّ الزِّنا بِجَمِيعِ البَدَنِ يَكُونُ بِالمُباشَرَةِ، فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي القَذْفِ.
والثّانِي: أنَّهُ قَذْفٌ؛ لأِنَّهُ أضافَهُ إلى جَمِيعِ البَدَنِ، والفَرْجُ داخِلٌ فِيهِ. [المبسوط (9) / (129)، والمهذب (2) / (290)، (291)] انتهى المقصود. [الموسوعة الفقهية الكويتية، بتصرف].
(المحلق الثاني): الفتاوى
[1] جريمة الزنا والخلاص من آثاره
السؤال:
ماذا يجب على من وقع في جريمة الزنا للخلاص من آثار فعلته تلك؟
الجواب:
الزنا من أعظم الحرام، وأكبر الكبائر، وقد توعد الله المشركين والقتلة بغير حق والزناة، بمضاعفة العذاب يوم القيامة، والخلود فيه صاغرين مهانين؛ لعظم جريمتهم، وقبح فعلهم، كما قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا لا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا لا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان:68 – 70]
فعلى من وقع في شيء من ذلك التوبة إلى الله عزوجل التوبةَ النصوح، وإتباع ذلك بالإيمان الصادق، والعمل الصالح.
وتكون التوبة نصوحًا إذا ما أقلع التائب من الذنب، وندم على ما مضى من ذلك، وعزم عزمًا صادقًا على أن لا يعود في ذلك، خوفًا من الله سبحانه وتعظيمًا له، ورجاء ثوابه، وحذر عقابه، قال الله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82].
فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحذر هذه الفاحشة العظيمة ووسائلها غاية الحذر، وأن يبادر بالتوبة الصادقة مما سلف من ذلك، والله يتوب على التائبين الصادقين، ويغفر لهم [نشر السؤال مع جوابه في جريدة (الجزيرة)، بعددها: 7223، في 8/ 1/1413هـ، وفي المجموع ج9، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 22/ 397)].
[2] حكم مباشرة المرأة الأجنبية وما هي كفارة ذلك؟
السؤال: سؤاله الثالث والأخير، يقول: ما الحكم في الرجل يقبل المرأة ويعمل بها كل شيء ما عدا الزنا؟
وما كفارة ذلك؟ كما نرجو من فضيلتكم أن ترشدونا إلى كتبٍ تذكر ذلك؛ حيث إن كثيراً من الشباب في قريتنا مبتلون بذلك، ومرادي أن أقوم بالنصح لهم. أفيدونا جزاكم الله عنا خير الجزاء، وأعانكم على نشر دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟
الجواب:
الشيخ: هذا العمل الذي ذكرته أيها السائل حرامٌ عليهم؛ لأن الله تعالى يقول: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} ويقول سبحانه وتعالى: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشةً وساء سبيلا}.
فتأمل قوله {ولا تقربوا الزنا} ولم يقل ولا تزنوا؛ لأجل أن يتناول ذلك كل ما كان سبباً ووسيلةً إلى الزنا.
وهذا الذي يعملونه هو من زنا اليد باللمس، ومن زنا العين بالنظر، ومن زنا الرجل بالمشي. فهذا حرامٌ عليهم، وعليهم أن يتوبوا منه.
ويجب على ولاة الأمور تعزير هؤلاء وتأديبهم بما يردعهم وأمثالهم، ويحول بينهم وبين هذه المعصية.
ولم يحرم الرسول عليه الصلاة والسلام الخلوة بالمرأة الأجنبية إلا خوفاً من هذا وأمثاله.
فأنت -وفقك الله- انصحهم بما يجب عليك، وحذِّرهم من هذا، وأما الكتب التي تذكر ذلك فهي كتب التفسير وكتب الأحاديث وكتب الفقه، كلها ولله الحمد مصرحةٌ بتحريم هذا الشيء وأنه لا يجوز ولا يحل. [فتاوى نور على الدرب للإمام ابن عثيمين رحمه الله، الشريط رقم [44]].
[3] لمس المرأة الأجنبية هل ينقض الوضوء؟
س: سؤال من: س. أ. م – شبرا – مصر تقول فيه: ما حكم الشرع في لمس الرجل للمرأة الأجنبية باليد دون حائل هل ينقض الوضوء أم لا؟ وما المقصود بالمرأة الأجنبية؟
ج: لمس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا في أصح أقوال أهل العلم؛ لأنه ثبت عن النبي لا أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ.
وليس للمرأة أن تصافح أحدًا من الرجال غير محارمها، كما أنه ليس للرجل أن يصافح امرأة من غير محارمه، لقول النبي لا: ((إني لا أصافح النساء)) ولما ثبت عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي لا كان يبايع النساء بالكلام فقط، قالت: وما مست يده يد امرأة قط.
وقد قال الله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
ولأن مصافحة النساء للرجال ومصافحة الرجال للنساء من غير المحارم من أسباب الفتنة للجميع، وقد جاءت الشريعة الإسلامية الكاملة بسد الذرائع المفضية إلى ما حرم الله.
ومما تقدم يعلم أن المرأة الأجنبية: هي التي ليس بينها وبين الرجل ما يحرمها عليه بنسب أو سبب مباح، هذه هي الأجنبية، أما من تحرم على الرجل نسبًا كأمه وأخته وعمته، أو بسبب شرعي كالرضاعة والمصاهرة فهي ليست أجنبية.
وبالله التوفيق. [نشرت في جريدة المسلمون في العدد (4) ليوم السبت الموافق 11/ 6 / 1405هـ. وفي مجلة الدعوة في العدد (1521) بتاريخ 22/ 7 / 1416هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 10/ 133)].
[4] السؤال السادس من الفتوى رقم (2759)
س6: ما رأي الشرع في مصافحة المرأة الأجنبية، وهل يدخل في الأجنبية المسلمة وغير المسلمة؟
ج6: لا يجوز للمسلم أن تمس بشرته بشرة امرأة من غير محارمه، لا بمصافحة ولا غيرها، سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي، عضو: عبد الله بن غديان، عضو: عبد الله بن قعود. [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء «المجموعة الثالثة»].
وسأل بعض لجان الفتوى حول التفكر من اجل الإنزال:
التفكير في محاسن امرأة أجنبية من المحرمات التي يحرم على المسلم فعله، لقول النبي لا: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. رواه مسلم.
أما التفكير في الزوجة فلا حرج فيه لأنه أبيح أصلًا ملامستها والنظر إلى بدنها، ولا شك أن التفكير أخف من ذلك.
انظر: ما ورد في حفظ الفرج في نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم.
وإِحْكَامُ النَّظَرِ فِي أَحْكَامِ النَّظَرِ بِحَاسَّةِ البَصَرِ، لابن القطان الفاسي (ت (628)).
وإظهار الحق والصواب في حكم الحجاب، للقحطاني، المطلب الرابع منه: غض البصر وفوائده.
وهناك بحوث فيها بيان خطر إدمان مشاهدة الأفلام الإباحية ومنها بحث دماغك تحت تأثير الإباحية لغاري ولسون مترجم باللغة العربية وذكر فيه إحصائيات كثيرة في فشل الشباب خاصة الذكور في الدراسة المدرسية والجامعية. ثم ذكر كذلك فقدناهم القدرة على تأسيس علاقة زواج وأن أغلبهم لا يستطيع إتيان زوجته على الفراش ثم علل ذلك بأن هناك مادة يفرزها الدماغ تؤدي لإدمان هذه المناظر الإباحية.
كل ذلك يسوقه باعترافات من فئة الشباب ودعم ذلك بأدلة من أهل الاختصاص.