2643 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله البلوشي ابوعيسى ، وطارق أبي تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
46 – كتاب الْقَدَرِ
1 – بَابُ كَيْفِيَّةِ خَلْقِ الْآدَمِيِّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَكِتَابَةِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقَاوَتِهِ وَسَعَادَتِهِ
1 – (2643) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ – وَاللَّفْظُ لَهُ – حَدَّثَنَا أَبِي، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، قَالُوا: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ ” إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا ”
1 – حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كِلَاهُمَا عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ح وحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ح وَحَدَّثَنَاهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: «إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» وقَالَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ، عَنْ شُعْبَةَ: «أَرْبَعِينَ لَيْلَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا» وَأَمَّا فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ وَعِيسَى: «أَرْبَعِينَ يَوْمًا»
2 – (2644) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ – وَاللَّفْظُ لِابْنِ نُمَيْرٍ – قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” يَدْخُلُ الْمَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَ مَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ، أَوْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ؟ فَيُكْتَبَانِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؟ فَيُكْتَبَانِ، وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَثَرُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ، ثُمَّ تُطْوَى الصُّحُفُ، فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ ”
3 – (2645) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، أَنَّ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، فَأَتَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ: حُذَيْفَةُ بْنُ أَسِيدٍ الْغِفَارِيُّ، فَحَدَّثَهُ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: وَكَيْفَ يَشْقَى رَجُلٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَتَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ” إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللهُ إِلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَجَلُهُ، فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ رِزْقُهُ، فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ، فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ ”
3 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: وَسَاقَ الْحَدِيثَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ
4 – (2645) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَطَاءٍ، أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ حَدَّثَهُ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ، يَقُولُ: «إِنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَتَصَوَّرُ عَلَيْهَا الْمَلَكُ» قَالَ زُهَيْرٌ: حَسِبْتُهُ قَالَ الَّذِي يَخْلُقُهَا ” فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، فَيَجْعَلُهُ اللهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَسَوِيٌّ أَوْ غَيْرُ سَوِيٍّ، فَيَجْعَلُهُ اللهُ سَوِيًّا أَوْ غَيْرَ سَوِيٍّ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ مَا رِزْقُهُ مَا أَجَلُهُ مَا خُلُقُهُ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ اللهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا»
4 – حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ، حَدَّثَنِي أَبِي كُلْثُومٌ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِالرَّحِمِ، إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا بِإِذْنِ اللهِ، لِبِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً ” ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ
5 – (2646) حَدَّثَنِي أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَرَفَعَ الْحَدِيثَ، أَنَّهُ قَالَ: ” إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ نُطْفَةٌ، أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ، أَيْ رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقًا قَالَ: قَالَ الْمَلَكُ: أَيْ رَبِّ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؟ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الْأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ”
6 – (2647) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ – وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا – جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، إِلَّا وَقَدْ كَتَبَ اللهُ مَكَانَهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً» قَالَ فَقَالَ رَجَلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ فَقَالَ: «مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ» فَقَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ»، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 6]
6 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي مَعْنَاهُ، وَقَالَ فَأَخَذَ عُودًا، وَلَمْ يَقُلْ: مِخْصَرَةً، وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي حَدِيثِهِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
7 – (2647) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ – وَاللَّفْظُ لَهُ – حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ إِلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَنْزِلُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ فَلِمَ نَعْمَلُ؟ أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: «لَا، اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 6]، إِلَى قَوْلِهِ {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 10]
7 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالْأَعْمَشِ أَنَّهُمَا سَمِعَا سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ
8 – (2648) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الْآنَ، فِيمَا الْعَمَلُ الْيَوْمَ؟ أَفِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، أَمْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ؟ قَالَ: «لَا، بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ» قَالَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ قَالَ زُهَيْرٌ: ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو الزُّبَيْرِ بِشَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَسَأَلْتُ: مَا قَالَ؟ فَقَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ»،
8 – حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْمَعْنَى وَفِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ»
9 – (2649) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَزِيدَ الضُّبَعِيِّ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَعُلِمَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ قِيلَ: فَفِيمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ: «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»
9 – حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كُلُّهُمْ عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، فِي هَذَا الْإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ حَمَّادٍ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ
10 – (2650) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ، أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ، أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرِ مَا سَبَقَ؟ أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ، وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ، وَمَضَى عَلَيْهِمْ، قَالَ فَقَالَ: أَفَلَا يَكُونُ ظُلْمًا؟ قَالَ: فَفَزِعْتُ مِنْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا، وَقُلْتُ: كُلُّ شَيْءٍ خَلْقُ اللهِ وَمِلْكُ يَدِهِ، فَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، فَقَالَ لِي: يَرْحَمُكَ اللهُ إِنِّي لَمْ أُرِدْ بِمَا سَأَلْتُكَ إِلَّا لِأَحْزِرَ عَقْلَكَ، إِنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ، وَيَكْدَحُونَ فِيهِ، أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ، أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ، وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: ” لَا، بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ”
11 – (2651) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ»
12 – (112) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»
——————
حديث ابن مسعود:
* أخرجه البخاري في صحيحه 3208 وبوب عليه باب ذكر الملائكة.
* أخرجه الترمذي في جامعه 2137 وبوب عليه باب ما جاء أن الأعمال بالخواتيم.
* بوب أبو الشيخ الأصفهاني (5/1619): ذكر لطيف صنع الله وحكمته سبحانه وتعالى وحسن تقديره وعجيب صنيعه وحسن تركيب خلقه، وأورد تحته عدة احاديث منها حديث ابن مسعود الذي في الباب.
* أخرج البيهقي هذا الحديث في كتابه شعب الإيمان (1/305) في الْخَامِسُ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ بَابٌ فِي الْقَدَرَ خَيْرَهُ وَشَرَّهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ” قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ} [النساء: 78] قَرَأَهَا وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] مَعْنَاهُ: مَا أَصَابَكَ مِنْ شَيْءٍ يَسُرُّكَ مِنْ صِحَّةِ بَدَنٍ، أَوَ ظَفَرٍ بِعَدُوٍّ وَسَعَةِ رِزْقٍ، ونحو ذَلِكَ فَاللهُ مُبْتَدِيكَ بِالْإِحْسَانِ بِهِ إِلَيْكَ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ شَيْءٍ يَسُوءُكَ، وَيَغُمُّكَ فَبِكَسْبِ يَدِكَ لَكِنَّ اللهَ مَعَ ذَلِكَ سَائِقهُ إِلَيْكَ وَالْقَاضِي بِهِ عَلَيْكَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ: فِي آيَةٍ أُخْرَى وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ، فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ وَقَدْ يَكُونُ فِيمَا يَسُوءُهُ جِرَاحَاتٌ تُصِيبُهُ، أَوْ قَتْلٌ أَوْ أَخَذُ مَالٍ، أَوْ هَزِيمَةٌ وَقَدْ أَمَرَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى بِأَنْ يَقُولَ: فِيهَا وَفِيمَا يُصِيبُهُ مِنْ خِلَافَهَا: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ} [النساء: 78] فَدُلَّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِتَقْدِيرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرَ أَنَّهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى أَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا يُصِيبُهُ جَزَاءً لَهُ بِمَا جَنَاهُ عَلَى نَفْسِهِ بِكَسْبِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخِلَافِ لِمَا أَمَرَ بِهِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى ”
* وبوب البيهقي على هذا الحديث في السنن الكبرى 21816 (10/266): “باب ما يستدل به على أن الولد الواحد لا يكون مخلوقا من ماء رجلين”.
* وبوب أيضًا البيهقي في كتابه القضاء والقدر ص 147: “بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ كُلَّ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَوْنُهُ سَعِيدًا، ثُمَّ جَرَى الْقَلَمُ بِسَعَادَتِهِ وَخَرَجَ فِي الْمَسْحَةِ الْأُولَى مِنْ ظَهْرِ آدَمَ، وَأَصَابَهُ النُّورُ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَيْهِمْ، وَأَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ طَوْعًا فِي الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ، وَجُعِلَتِ الْجَنَّةُ لَهُ وَهُوَ فِي صُلْبِ أَبِيهِ، خُلِقَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ سَعِيدًا، وَوُلِدَ سَعِيدًا، وَخُتِمَ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَوْنُهُ شَقِيًّا، ثُمَّ جَرَى الْقَلَمُ بِشَقَاوَتِهِ، وَخَرَجَ فِي الْمَسْحَةِ الْأُخْرَى مِنْ ظَهْرِ آدَمَ، وَأَخْطَأَهُ النُّورُ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَيْهِمْ، وَامْتَنَعَ مِنَ الْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ، أَوْ أَقَرَّ بِهِ كَرْهًا فِي الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ، وَجُعِلَتِ النَّارُ لَهُ وَهُوَ فِي صُلْبِ أَبِيهِ، خُلِقَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ شَقِيًّا، وَوُلِدَ شَقِيًّا، وَخُتِمَ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 81] فَأَشَارَ إِلَى كُفْرِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ، وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ طُبِعَ كَافِرًا، وَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّهُ يُبْدِلَهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا، وَفِي ذَلِكَ إِخْبَارٌ عَنْ خَلْقِهِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ خَيِّرًا زَكِيًّا، وَقَالَ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27] ، وَقَالَ فِيمَنْ أَخْبَرَ عَنْ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 38] وَقَالَ: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} [مريم: 15] وَقِيلَ لِمَرْيَمَ: {لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم: 19] وَقَالَ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ} [مريم: 33] وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمَا خُلِقَا فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمَا مُؤْمِنَيْنِ، وَوُلِدَا مُؤْمِنَيْنِ، وَالَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ خُلِقَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَاجِرًا كَافِرًا ”
* بوب النووي في رياض الصالحين 50- باب الخوف، وذكر آيات عديدة منها قَالَ الله تَعَالَى : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } [ البقرة : 40 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } [ البروج : 12 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } [ هود : 102-106 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ } [ آل عمران : 28 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 34-37 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ } [ الحج : 1-2 ]، وَقالَ تَعَالَى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [ الرحمان : 46] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ، فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ }[ الطور : 25-28 ]
ثم قال: وَالآيات في الباب كثيرة جداً معلومات والغرض الإشارة إِلَى بعضها وقد حصل : وأما الأحاديث فكثيرة جداً فنذكر مِنْهَا طرفاً وبالله التوفيق: ثم أورد أول حديث منها حديث ابن مسعود رضي الله عنه وغيرها من الأحاديث التي توجب الخوف.
__
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(٤٨) – (كِتابُ: القَدَرِ)
مسائل تتعلّق بهذه الترجمة:
(المسألة الأولى): في ضبط القدر، وبيان معناه:
(اعلم): أن «القَدَر»- بفتحتين، أو بفتح فسكون-: القضاء والحكم، وهو ما
يقدّره الله تعالى، من القضاء، ويحكُم به من الأمور. وراجع [«لسان العرب» ٥/ ٧٤].
و [«المصباح المنير» ٢/ ٤٩٢].
و [«النهاية» ٤/ ٢٢].
وقال في «الفتح»: «القدر»: مصدرٌ، تقول: قَدَرتُ الشيءَ- بتخفيف الدال، وفتحها- أقدِر- بالكسر، والفتح- قَدَرًا وقَدْرًا: إذا أحطت بمقداره.
قال الله تعالى: ﴿إنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩)﴾ [القمر ٤٩].
قال الراغب الأصبهانيّ رحمه الله: «القدَر» بوضعه يدلّ على القدرة، وعلى
المقدور الكائن بالعلم، ويتضمن الإرادة عقلًا، والقول نقلًا، وحاصله وجود
شيء في وقتٍ، وعلى حالٍ بوفق العلم والإرادة، والقول، وقَدَّر الله الشيءَ
بالتشديد: قضاه، ويجوز بالتخفيف، وقال ابن القطاع: قدّر الله الشيء: جعله
بقدَرٍ، والرزقَ صَنَعه، وعلى الشيء مَلَكه.
والقضاء: الحكم بالكليّات على سبيل الإجمال في الأزل، والقدر:
الحكم بوقوع الجزئيّات التي لتلك الكلّيّات على سبيل التفصيل [«الفتح» ١٤/ ٣٦١ – ٣٦٢].
وقال الكرماني: المراد بالقدر: حُكم الله، قال العلماء: القضاء: هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل، والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله [راجع: «فتح الباري» ١١/ ٥٨١].
والمراد: أن الله تعالى عَلِمَ مقادير الأشياء، وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجَدُ، فكل مُحدَث صادر عن علمه وقدرته وإرادته.
هذا هو المعلوم من الدِّين بالبراهين القطعية، وعليه كان السلف من الصحابة، وخيار التابعين، إلى أن حَدَثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة،
وقد روى مسلم القصة في ذلك من طريق كهمس، عن ابن بُرَيدة، عن يحيى بن
يعمر قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة: مَعْبَدٌ الجهني، قال: فانطلقت
أنا وحميد الحميري، فذَكر اجتماعهما بعبد الله بن عمر، وأنه سأله عن ذلك،
فأخبره بأنه بريء ممن يقول ذلك، وأن الله لا يقبل ممن لم يؤمن بالقدر عَمَلًا.
وقد حَكى المُصَنِّفون في المقالات عن طوائف من القدرية إنكار كون البارئ
عالمًا بشيء من أعمال العباد قبل وقوعها منهم، وإنما يَعلَمها بعد كونها.
قال القرطبي وغيره: قد انقرض هذا المذهب، ولا نَعرِف أحدًا يُنسَب إليه من
المتأخرين، قال: والقدرية اليوم مُطبِقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل
وقوعها، وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن أفعال العباد مقدورة لهم، وواقعة
منهم على جهة الاستقلال، وهو مع كونه مذهبًا باطلًا أخفّ من المذهب
الأول، وأما المتأخرون منهم، فأنكروا تعلق الإرادة بأفعال العباد فرارًا من
تعلق القديم بالمحدث، وهم مخصومون بما قال الشافعي: إن سَلَّمَ القدري العلم خُصِمَ؛ يعني: يقال له: أيجوز أن يقع في الوجود خلاف ما تضمّنه العلم؟ فإن مَنَعَ وافق قول أهل السُّنَّة، وإن أجاز لزمه نسبة الجهل، تعالى الله عن ذلك [راجع:»الفتح«١/ ١٤٥، في كتاب»الإيمان”].
وقال أبو المظفر ابن السمعاني: سبيلُ معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسُّنَّة، دون محض القياس والعقل، فمن عَدَل عن التوقيف فيه ضَلَّ،
وتاه في بحار الحَيْرة لم يبلغ شفاء العين، ولا ما يطمئن به القلب؛ لأن القدر
سر من أسرار الله تعالى، اختَصَّ العليم الخبير به، وضَرَب دونه الأستار،
وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم؛ لِما عَلِمَه من الحكمة، فلم يعلمه نبي
مرسل، ولا ملك مقرب. وقيل: إن سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة،
ولا ينكشف لهم قبل دخولها. انتهى.
وقد أخرج الطبراني بسند حسن من حديث ابن مسعود – رضي الله عنه- رفعه: «إذا
ذُكِر القدر فأمسكوا». وأخرج مسلم من طريق طاوس: «أدركت ناسًا من
أصحاب رسول الله – ﷺ – يقولون: كلُّ شيء بقدر». وسمعت عبد الله بن عمر
يقول: قال رسول الله – ﷺ -: «كلُّ شيء بقدر، حتى العجز والكَيْس».
قال الحافظ : و«الكَيْسُ»- بفتح الكاف-: ضد العجز، ومعناه:
الحِذْق في الأمور، ويتناول أمور الدنيا والآخرة، ومعناه: أن كل شيء لا يقع
في الوجود إلا وقد سَبَق به علم الله عزوجل ومشيئته، وإنما جعلهما في الحديث
غايةً لذلك؛ للإشارة إلى أن أفعالنا، وإن كانت معلومة لنا، ومرادةً منا فلا تقع
مع ذلك منا إلا بمشيئة الله.
وهذا الذي ذكره طاوس مرفوعًا وموقوفًا مطابق لقوله تعالى: ﴿إنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩)﴾، فإن هذه الآية نص في أن الله خالق كل شيء، ومُقَدِّره، وهو أنصّ من قوله تعالى: ﴿خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر ٦٢]، وقوله تعالى: ﴿واللَّهُ خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ (٩٦)﴾ [الصافات ٩٦].
واشتهر على ألسنة السلف والخلف أن هذه الآية نزلت في القدرية.
وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة –
رضي الله عنه-: «جاء مشركو قريش يخاصمون النبي – ﷺ – في القدر، فنزلت».
قال: ومذهب السلف قاطبة أن الأمور كلها
بتقدير الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿وإنْ مِن شَيْءٍ إلّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وما نُنَزِّلُهُ إلّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١)﴾ [الحجر ٢١]. انتهى [راجع: «الفتح» ١١/ ٥٨٢، في كتاب «القدر»]، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): قسّم شيخ الإسلام ابن تيميّة القدريّة ثلاثة أقسام:
(القسم الأول: القدريّة المشركة): وهم الذين اعترفوا بالقضاء والقدر، وزعموا أن ذلك يوافق الأمر والنهي، وقالوا: ﴿لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أشْرَكْنا ولا آباؤُنا ولا حَرَّمْنا مِن شَيْءٍ﴾ الآية [الأنعام ١٤٨]، ﴿وقالَ الَّذِينَ أشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ﴾ الآية [النحل ٣٥]، ﴿وقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمَنُ ما عَبَدْناهُمْ﴾ الآية [الزخرف ٢٠].
فهؤلاء يَؤُول أمرهم إلى تعطيل الشرائع، والأمر والنهي، مع الاعتراف بالربوبيّة العامّة لكل مخلوق، وأنه ما من دابّة إلا ربي آخذ بناصيتها، وهو الذي يُبتَلى به كثيرًا، إما اعتقادًا، وإما حالًا طوائفُ من الصوفيّة والفقراء حتى يخرج
من يخرج منهم إلى الإباحة للمحرّمات، وإسقاط الواجبات، ورفع العقوبات،
وإن كان ذلك لا يستتبّ لهم، وإنما يفعلونه عند موافقة أهوائهم، كفِعل
المشركين من العرب، ثم إذا خولف هوى أحد منهم قام في دَفْع ذلك متعدّيًا
للحدود، غير واقف عند حدّ، كما كان يفعل المشركون أيضًا؛ إذ هذه الطريقة
تتناقض عند تعارض إرادات البشر، فهذا يريد أمرًا، والآخر يريد ضدّه، وكلّ
من الإرادتين مقدّرة، فلا بدّ من ترجيح إحداهما أو غيرهما، أو كلّ منهما من
وجه، وإلا لزم الفساد.
وقد يغلو أصحاب هذا الطريق حتى يجعلوا عين الموجودات هي الله،
ويتمسّكون بموافقة الإرادة القدرية في السيئات الواقعة منهم ومن غيرهم، كقول
الحريريّ: أنا كافر برب يُعصى، وقول بعض أصحابه لمّا دعاه مكّاس، فقيل
له: هو مكّاس، فقال: إن كان قد عصى الأمر فقد أطاع الإرادة، وكقول ابن
إسرائيل:
أصْبَحْتُ مُنْفَعِلًا لِما يَخْتارهُ … مِنِّي فَفِعْلِي كُلُّهُ طاعَةُ
وقد يسمّون هذا حقيقةً باعتبار أنه حقيقة الربوبية، والحقيقة الموجودة
الكائنة، أو الحقيقة الخبريّة، ولمّا كان في هؤلاء شَوْبٌ من النصارى،
والنصارى لهم شوبٌ من الشرك تابعوا المشركين فيما كانوا عليه من التمسّك
بالقدر المخالف للشرع، هذا مع أنهم يعبدون غير الله الذي قدّر الكائنات كما
أن هؤلاء فيهم شوب من ذلك.
وإذا اتسع زنادقتهم الذين هم رؤساؤهم قالوا: ما نعبد إلا الله؛ إذ لا
موجود غيره، وقال رئيس لهم: إنما كفر النصارى لأنهم خصّصوا، فيشرّعون
عبادة كل موجود بهذا الاعتبار، ويقررون ما كان عليه المشركون من عبادة
الأوثان والأحجار، لكنهم يستقصرونهم حيث خصّصوا العبادة ببعض المظاهر
والأعيان، ومعلوم أن هذا حاصل في جميع المشركين، فإنهم متفنّنون في
الآلهة التي يعبدونها، واشتركوا في الشرك، هذا يعبد الشمس، وهذا يعبد
القمر، وهذا يعبد اللات، وهذا يعبد العزى، وهذا يعبد مناة الثالثة الأخرى،
فكل منهم يتخذ إلهه هواه، ويعبد ما يستحسن، وكذلك في عبادة قبور البشر
كلّ يعلق على تمثال مَن أحسن به الظنّ.
(القسم الثاني: القدرية المجوسيّة): الذين يجعلون لله شركاء في خَلْقه،
كما جعل الأولون شركاء في عبادته، فيقولون: خالق الخير غير خالق الشرّ،
ويقول من كان منهم في ملّتنا: إن الذنوب الواقعة ليست واقعة بمشيئة الله
تعالى، وربّما قالوا: ولا يعلمها أيضًا، ويقولون: إن جميع أفعال الحيوان واقع
بغير قُدرته، ولا صُنعه، فيجحدون مشيئته النافذة، وقدرته الشاملة، ولهذا قال
ابن عبّاس: القَدَر نظام التوحيد، فمن وحّد الله، وآمن بالقدر تمّ توحيده، ومن
وحّد الله، وكذّب بالقدر نقض تكذيبه توحيده. ويزعمون أن هذا هو العدل،
ويضمون إلى ذلك سلب الصفات، ويسمّونه التوحيد، كما يسمّي الأولون
التلحيد التوحيد، فيُلحِد كلّ منهما في أسمائه وصفاته، وهذا يقع كثيرًا، إما
اعتقادًا، وإما حالًا في كثير من المتفقّهة والمتكلّمة، كما وقع اعتقاد ذلك في
المعتزلة والشيعة المتأخرين، وابتُلي ببعض ذلك طوائف من المتقدّمين من
البصريين والشاميين، وقد يُبتلى به حالًا لا اعتقادًا، بعض من يغلب عليه تعظيم
الأمر والنهي من غير ملاحظة للقضاء والقدر.
ولما بين الطائفتين من التنافي تجد المعتزلة أبعد الناس عن الصوفيّة، ويميلون إلى اليهوديّة، وينفرون عن النصارى، ويجعلون إثبات الصفات هو قول النصارى بالأقانيم، ولهذا تجدهم يذمّون النصارى أكثر، كما يفعل الجاحظ وغيره، كما أن الأوَّلين يميلون إلى النصارى أكثر.
ولهذا كان هؤلاء في الحروف، والكلام المبتدع، كما كان الأولون في
الأصوات، والعمل المبتدع، كما اقتسم ذلك اليهود والنصارى، واليهود غالبهم
قدريّة بهذا الاعتبار، فإنهم أصحاب شريعة، وهم معرضون عن الحقيقة
القدريّة، ولهذا تجد أرباب الحروف والكلام المبتدع كالمعتزلة يوجبون
طريقتهم، ويحرمون ما سواها، ويعتقدون أن العقوبة الشديدة لاحقة من
خالفها، حتى إنهم يقولون بتخليد فسّاق أهل الملل، ويكفّرون من خرج عنهم
من فرق الأمة، وهذا التشديد، والآصار، والأغلال شبه دِين اليهود.
وتجد أرباب الصوت والعمل المبتدع لا يوجبون، ولا يحرّمون، وإنما
يستحبّون، ويكرهون، فيعظّمون طريقهم، ويفضّلونه، ويرغّبون فيه، حتى يرفعوه
فوق قَدْره بدرجات، فطريقهم رغبة بلا رهبة إلا قليلًا، كما أن الأول رهبةٌ في
الغالب برغبة يسيرة، وهذا يُشبه ما عليه النصارى من الغلوّ في العبادات التي
يفعلونها مع انحلالهم من الإيجاب والاستحباب، لكنهم يتعبّدون بعبادات
كثيرة، ويبقون أزمانًا كثيرةً على سبيل الاستحباب، والفلاسفة يغلب عليهم هذا
الطريق، كما أن المتكلّمين يغلب عليهم الطريق الأول.
(القسم الثالث: القدريّة الإبليسيّة): الذين صدّقوا بأن الله صدر عنه الأمران، لكن عندهم تناقض، وهم خصماء الله، كما جاء في الحديث، وهؤلاء كثير في أهل الأقوال والأفعال، من سفهاء الشعراء، ونحوهم من الزنادقة.
انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله [راجع: «مجموع الفتاوى» ٨/ ٢٥٦ – ٢٦١]، وهو كلام نفيس، وبحثٌ أنيس، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): قد أجاد شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله تعالى في
الردّ على أحد علماء الذميين، حيث أورد أبياتًا فيها استشكالات في القَدَر،
فقال [من الطويل]:
أيا عُلَماءَ الدِّينِ ذِمِّيُّ دِينِكُمْ … تَحَيَّرَ دُلُّوهُ بِأوْضَحِ حُجَّةِ
إذا ما قَضى رَبِّي بِكُفْرِي بِزَعْمِكُمْ … ولَمْ يَرْضَهُ مِنِّي فَما وجْهُ حِيلَتِي
دَعانِي وسَدَّ البابَ عَنِّي فَهَلْ إلى … دُخُولِي سَبِيل بَيِّنُوا لِي قَضِيَّتِي
قَضى بِضَلالِي ثُمَّ قالَ ارْضَ بِالقَضا … فَما أنا راضٍ بِالَّذِي فِيهِ شِقْوَتِي
فَإنْ كُنْتُ بِالمَقْضِيِّ يا قَوْمُ راضِيًا … فَرَبِّيَ لا يَرْضى بِشُؤْمِ بَلِيَّتِي
فَهَلْ لِي رِضًا ما لَيْسَ يَرْضاهُ سَيِّدِي … فَقَدْ حِرْتُ دُلُّونِي عَلى كَشْفِ حَيْرَتِي
إذا شاءَ رَبِّي الكُفْرَ مِنِّي مَشِيئَةً … فَهَلْ أنا عاصٍ فِي اتِّباعِ المَشِيئَةِ؟
وهَلْ لِي اخْتِيارٌ أنْ أُخالِفَ حُكْمَهُ؟ … فبِاللَّهِ فاشْفُوا بِالبَراهِينِ غُلَّتِي
فأجاب شيخ الإسلام رحمه الله تعالى مرتجلًا، فقال:
سُؤالُكَ يا هَذا سُؤالُ مُعانِدٍ … مُخاصِمِ رَبِّ العَرْشِ بارِي البَرِيَّةِ
فَهَذا سُؤالٌ خاصَمَ المَلأ الأعْلى … قَدِيمًا بِهِ إبْلِيسُ أصْلُ البَلِيَّةِ راجع القصيدة تامة »مجموع الفتاوى«٨/ ٢٤٥ – ٢٥٥]
قال الحافظ النووي رحمه الله:
(١) – (بابُ كَيْفِيَّةِ خَلْقِ الآدَمِيِّ فَي بَطْنِ أُمِّهِ، وكِتابَةِ رِزْقِهِ، وأجَلِهِ، وعَمَلِهِ، وشَقاوَتِهِ، وسَعادَتِهِ)
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٧٠٠] (٢٦٤٣) – وقوله: «الصادق»؛ أي: الكامل في الصدق، أو الظاهر كونه صادقًا بشهادة المعجزات الباهرات، وليس المراد أنه الصادق دون غيره.
وقوله: «المصدوق»؛ أي: الذي جاءه الصدق من ربّه، وليس معناه: المُصَدَّق- بفتح الدال المشدّدة- أي: الذي صَدَّقه المؤمنون، وإن كان هو في الواقع موصوفًا بكونه مُصَدَّقًا أيضًا. قاله السنديّ رحمه الله [«شرح السنديّ على سنن ابن ماجه» ١/ ٥٨].
وقال الكرمانيّ [«شرح البخاريّ» للكرمانيّ ٢٣/ ٧٢]: لَمّا كان مضمون الخبر أمرًا مخالفًا لِما عليه الأطباء، أشار بذلك إلى بطلان ما ادَّعَوْه، ويحْتَمِل أنه قال ذلك؛ تلذذًا به، وتبركًا
وقوع هذا اللفظ بعينه في حديثٍ ليس فيه إشارة إلى بطلان شيء يخالف ما ذُكر، وهو ما أخرجه أبو داود من حديث المغيرة بن شعبة: سمعت الصادق المصدوق يقول:»لا تُنزع الرحمة إلا من شقيّ«، وفي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه- عند البخاريّ: سمعت الصادق المصدوق يقول:»هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش«.
(يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ)
والمراد بالجمع: ضمّ بعضه إلى بعض بعد الانتشار،
قال القرطبيّ في «المفهم»: المراد: أن المنيّ يقع في الرحم حين انزعاجه بالقوّة الشهوانية الدافعة مبثوثًا متفرقًا، فيجمعه الله في محل الولادة من الرحم في هذه المدّة [«المفهم» ٦/ ٦٤٩ – ٦٥٠].
(أرْبَعِينَ يَوْمًا) في رواية وكيع الآتية: «أربعين ليلة»
ويُجمع بأن المراد: يوم بليلته، أو ليلة بيومها. ووقع عند أبي عوانة من
رواية وهب بن جرير، عن شعبة مثل رواية آدم، لكن زاد «نطفة» بين قوله:
«أحدكم» وبين قوله: «أربعين»، فبيّن أن الذي يُجمع هو النطفة، والمراد
بالنطفة: المنيّ، وأصله: الماء الصافي القليل، والأصل في ذلك: أن ماء الرجل إذا لاقى ماء المرأة بالجماع، وأراد الله أن يخلق من ذلك: جنينًا هيّأ أسباب ذلك؛ لأن في رحم المرأة قوتين: قوّة انبساط عند ورود منيّ الرجل، حتى ينتشر في جسد المرأة، وقوّة انقباض بحيث لا يسيل من فرجها مع كونه منكوسًا، ومع كون المنيّ ثقيلًا بطبعه، وفي منيّ الرجل قوة الفعل، وفي منيّ المرأة قوة الانفعال، فعند الامتزاج يصير منيّ الرجل كالإنفَحَة للَّبَن، وقيل: في كل منهما قوّة فعل وانفعال، لكن الأول في الرجل أكثر، وبالعكس في المرأة.
وزعم كثير من أهل التشريح أن منيّ الرجل لا أثر له في الولد إلا في عَقْده، وأنه إنما يتكون من دم الحيض، وأحاديث الباب تُبطل ذلك، وما ذُكر أوّلًا أقرب إلى موافقة الحديث، والله أعلم.
وقال ابن الأثير رحمه الله في «النهاية»: يجوز أن يريد بالجمع: مُكث النطفة في الرحم؛ أي: تمكث النطفة أربعين يومًا تخمر فيه حتى تتهيأ للتصوير، ثم تخلق بعد ذلك.
وقيل: إن ابن مسعود فسّره بأن النطفة إذا وقعت في الرحم، فأراد الله أن
يخلق منها بشرًا طارت في جسد المرأة تحت كل ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين
يومًا، ثم تنزل دمًا في الرحم، فذلك جَمَعها.
قال الحافظ: هذا التفسير ذكره الخطابيّ، وأخرجه ابن أبي حاتم في «التفسير» من رواية الأعمش أيضًا عن خيثمة بن عبد الرحمن، عن ابن مسعود.
وقوله: «فذلك جَمْعها» كلام الخطابيّ، أو تفسير بعض رواة حديث الباب، وأظنه الأعمش، فظنَّ ابن الأثير أنه تتمة كلام ابن مسعود، فأدرجه فيه، ولم يتقدم عن ابن مسعود في رواية خيثمة ذِكر الجمع حتى يفسره.
وقد رجَّح الطيبي هذا التفسير، فقال: الصحابي أعلم بتفسير ما سَمِع، وأحقّ بتأويله، وأولى بقبول ما يتحدث به، وأكثر احتياطًا في ذلك من غيره، فليس لمن بعده أن يتعقب كلامه.
قلت سيف بن دورة: خيثمة قال الإمام أحمد لم يسمع ابن مسعود (تخريجنا لفتح الباري كتاب القدر ) وحديث مالك بن الحويرث الاتي فيه أنيس بن سوار قال ابوحاتم شيخ وابوه لم يوثقه معتبر . المهم مسألة الشبه يشهد لمعناها حديث لعل ابنك نزعه عرق وحديث وأنا أشبه الناس بأبي ابراهيم
وقد وقع في حديث مالك بن الحويرث، رَفَعَهُ ما ظاهره يخالف التفسير المذكور، ولفظه: «إذا أراد الله خَلْق عبد، فجامع الرجل المرأة، طار ماؤه في
كل عِرْق وعضو منها، فإذا كان يوم السابع جمعه الله، ثم أحضره كل عِرْق له
دون آدم في أي صورة ما شاء ركبه»، وفي لفظ: “ثم تلا: ﴿فِي أيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨)﴾ [الانفطار ٨]؛ وله شاهد من حديث رباح اللخميّ، لكن ليس فيه ذِكر يوم السابع.
وحاصله: أن في هذا زيادة تدلّ على أن الشَّبَه يحصل في اليوم السابع، وأن فيه ابتداء جَمْع المنيّ، وظاهر الروايات الأخرى أن ابتداء جَمْعه من ابتداء الأربعين.
وقد وقع في رواية عبد الله بن ربيعة، عن ابن مسعود: أن النطفة التي تُقْضى منها النفس إذا وقعت في الرحم كانت في الجسد أربعين يومًا، ثم تحادرت دمًا، فكانت عَلَقَةً…. فذكر الروايات
فحاصل الاختلاف: أن حديث ابن مسعود لم يَختلف في ذِكر الأربعين،
وكذا في كثير من الأحاديث، وغالبها، كحديث أنس عند البخاريّ لا تحديد
فيه، وحديث حذيفة بن أسيد اختلفت ألفاظ نَقَلَتِه، فبعضهم جزم بالأربعين،
كما في حديث ابن مسعود، وبعضهم زاد ثنتين، أو ثلاثًا، أو خمسًا، أو بضعًا، ثم منهم من جزم، ومنهم من تردد.
وقد جمع بينها القاضي عياض بأنه ليس في رواية ابن مسعود بأن ذلك
يقع عند انتهاء الأربعين الأُولى، وابتداء الأربعين الثانية، بل أطلق الأربعين،
فاحتَمَلَ أن يريد: أن ذلك يقع في أوائل الأربعين الثانية.
ويَحْتَمِل أن يُجمع الاختلاف في العدد الزائد، على أنه بحسب اختلاف
الأجنّة، وهو جيّد، لو كانت مخارج الحديث مختلفة، لكنها متّحدة، وراجعة
إلى أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسِيد، فدلّ على أنه لم يضبط القَدْر الزائد على
الأربعين، والخَطْب فيه سهل، وكلّ ذلك لا يدفع الزيادة التي في حديث
مالك بن الحويرث في إحضار الشَّبَه في اليوم السابع، وأن فيه يبتدئ الجمع بعد الانتشار، وقد قال ابن منده: إنه حديث متّصل على شرط الترمذيّ،
والنسائيّ، واختلاف الألفاظ بكونه في البطن، وبكونه في الرحم لا تأثير له؛
لأنه في الرحم حقيقةً، والرحم في البطن، وقد فسَّروا قوله تعالى: ﴿فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ﴾ [الزمر ٦] بأن المراد؛ ظُلمة المشيمة، وظلمة الرَّحِم، وظلمة البطن،
فالمشيمة في الرحم، والرحم في البطن.
(ثُمَّ يَكُونُ)؛ أي: يصير خَلْقُ أحدكم؛ أي: مادّةُ خلقه، وهي النطفة،
(فِي ذَلِكَ) الرحم (عَلَقَةً) – بفتحتين-: أي: دمًا جامدًا غليظًا، وسُمّي بذلك
للرطوبة التي فيه، وتَعَلُّقه بما مَرّ به، (مِثْلَ ذَلِكَ)؛ أي: مثل الزمن المذكور،
وهو الأربعون.
وقال القرطبيّ رحمه الله: «ذلك» الأول إشارة إلى المحلّ الذي اجتمعت فيه
النطفة، وصارت علقَةً، و«ذلك» الثانى إشارة إلى الزمان الذي هو الأربعون،
وكذلك القول في قوله: «ثم يكون في ذلك مضغةً مثل ذلك»، والمضغة: قَدْر
ما يَمضغه الماضغ من لحم أو غيره. انتهى [“المفهم (٦٥٥/ ٦].
وفي رواية للبخاريّ: «ثم علقةً مثل ذلك»، وفي رواية له: «ثم تكون علقة
مثل ذلك»، قال في «الفتح»: و«تكون» هنا بمعنى تصير؛ ومعناه: أنها تكون
بتلك الصفة مدة الأربعين، ثم تنقلب إلى الصفة التي تليها، ويحْتَمِل أن يكون
المراد: تصييرها شيئًا فشيئًا، فيخالط الدم النطفةَ في الأربعين الأُولى بعد
انعقادها، وامتدادها، وتجري في أجزائها شيئًا فشيئًا حتى تتكامل علقةً في أثناء
الأربعين، ثم يخالطها اللحم شيئًا فشيئًا إلى أن تشتد، فتصير مضغةً، ولا تسمى
علقة قبل ذلك ما دامت نطفة، وكذا ما بعد ذلك من زمان العَلَقة والمضغة.
وأما ما أخرجه أحمد من طريق أبي عبيدة قال: قال عبد الله، رَفَعه: «إن
النطفة تكون في الرحم أربعين يومًا على حالها، لا تتغير» ففي سنده ضَعْف،
وانقطاع، فإن كان ثابتًا حُمِل نفي التغير على تمامه؛ أي: لا تنتقل إلى وصف
العلقة إلا بعد تمام الأربعين، ولا ينفي أن المنيّ يستحيل في الأربعين الأولى
دمًا إلى أن يصير علقة. انتهى.
وقد نقل الفاضل عليّ بن المهذب الحمويّ الطبيب اتفاق الأطباء على أن
خَلْق الجنين في الرحم يكون في نحو الأربعين، وفيها تتميز أعضاء الذَّكر دون
الأنثى؛ لحرارة مزاجه، وقواه، وأعيد إلى قوام المني الذي تتكون أعضاؤه
منه، ونضجه، فيكون أقبل للشكل والتصوير، ثم يكون علقة مثل ذلك، والعلقة
قطعة دم جامد، قالوا: وتكون حركة الجنين في ضُعف المدة التي يُخلق فيها،
ثم يكون مضغة مثل ذلك؛ أي: لحمة صغيرة، وهي الأربعون الثالثة، فتتحرك.
قال: واتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر.
وذكر الشيخ شمس الدين ابن القيّم أن داخل الرحم خَشِنٌ كالسفنج،
وجعل فيه قبولًا للمنيّ، كطلب الأرض العطشى للماء، فجعله طالبًا مشتاقًا إليه
بالطبع، فلذلك يمسكه، ويشتمل عليه، ولا يُزلقه، بل ينضم عليه؛ لئلا يفسده
الهواء، فيأذن الله لملَك الرحم في عَقْده، وطبخه أربعين يومًا، وفي تلك
الأربعين يُجمع خلقه، قالوا: إن المنيّ إذا اشتمل عليه الرحم، ولم يقذفه
استدار على نفسه، واشتدّ إلى تمام ستة أيام، فينقط فيه ثلاث نقط في مواضع
القلب، والدماغ، والكبد، ثم يظهر فيما بين تلك النقط خطوط خمسة إلى تمام
ثلاثة أيام، ثم تنفذ الدموية فيه إلى تمام خمسة عشر، فتتميز الأعضاء الثلاثة،
ثم تمتد رطوبة النخاع إلى تمام اثني عشر يومًا، ثم ينفصل الرأس عن
المنكبين، والأطراف عن الضلوع، والبطن عن الجنين في تسعة أيام، ثم يتم
هذا التمييز بحيث يظهر للحسّ في أربعة أيام، فيكمل أربعين يومًا، فهذا معنى
قوله – ﷺ -: «يُجمع خلقه في أربعين يومًا»، وفيه تفصيلُ ما أُجمل فيه.
ولا ينافي ذلك قوله: «ثم تكون علقة مثل ذلك» فإن العلقة، وإن كانت
قطعة دم، لكنها في هذه الأربعين الثانية تنتقل عن صورة المنيّ، ويظهر
التخطيط فيها ظهورًا خفيًّا على التدريج، ثم يتصلب في الأربعين يومًا بتزايد
ذلك التخليق شيئًا فشيئًا، حتى يصير مضغة مخلقةً، ويظهر للحسّ ظهورًا لا
خفاء به، وعند تمام الأربعين الثالثة، والطعن في الأربعين الرابعة، ينفخ فيه
الروح، كما وقع في هذا الحديث الصحيح، وهو ما لا سبيل إلى معرفته إلا
بالوحي، واختلفوا في النقطة الأُولى أيها أسبق، والأكثر: نُقَط القلب، وقال قوم: أول ما يُخلق منه السُّرّة؛ لأن حاجته من الغذاء أشدّ من
حاجته إلى آلات قواه، فإن من السرّة ينبعث الغذاء، والحُجُب التي على الجنين
في السرّة كأنها مربوط بعضها ببعض، والسرّة في وسطها، ومنها يتنفس
الجنين، ويتربى، وينجذب غذاؤه منها.
(ثمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ) المراد مثل مدة الزمان المذكور في
الاستحالة، والمضغة: قطعة اللحم، سُمِّيت بذلك؛ لأنها قَدْر ما يمضغ
الماضغ.
(ثمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ) وفي بعض النسخ: «ثم يرسل الله الملك»، وفي رواية
للبخاريّ: «ثم يبعث الله ملكًا»؛ أي: يبعث الله إليه الملَك في الطور الرابع
حينما يتكامل بنيانه، وتتشكّل أعضاؤه، فيعيّن، ويُنقش فيه ما يليق به من
الأعمال والأعمار والأرزاق حسبما اقتضته حكمته، وسبقت كلمته. انتهى كلام الطيبيّ [«الكاشف عن حقائق السنن» ٢/ ٥٣٤].
قال القاضي عياض عن حديث حذيفه : وحَمْل هذا على ظاهره لا يصح؛ لأن التصوير بأثر
النطفة وأوّلِ العَلَقة في أول الأربعين الثانية غير موجود ولا معهود، وإنما يقع
التصوير في آخر الأربعين الثالثة، كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ خَلَقْنا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنا المُضْغَةَ عِظامًا فَكَسَوْنا العِظامَ لَحْمًا﴾ الآية [المؤمنون ١٤]، قال: فيكون معنى قوله: «فصوّرها إلخ»؛ أي: كتب ذلك، ثم يفعله بعد
ذلك، بدليل قوله بعدُ: «أذكر أو أنثى؟»، قال: وخَلْقه جميعَ الأعضاء،
والذكوريةُ والأنثوية، يقع في وقت متفق، وهو مُشاهَد فيما يوجد من أجنة
الحيوان، وهو الذي تقتضيه الخلقة، واستواء الصورة، ثم يكون للملك فيه
تصوّر آخر، وهو وقت نَفْخ الروح فيه، حين يكمل له أربعة أشهر، كما اتفق
عليه العلماء أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة اشهر. انتهى ملخصًا.
وقد بسطه ابن الصلاح في «فتاويه»، فقال ما مُلَخَّصه: أعرض البخاري
عن حديث حُذيفة بن أسِيد إما لكونه من رواية أبي الطفيل عنه، وإما لكونه لم
يره ملتئمًا مع حديث ابن مسعود، وحديثُ ابن مسعود لا شك في صحته، وأما
مسلم فأخرجهما معًا، فاحتجنا إلى وجه الجمع بينهما، بأن يُحمَل إرسال الملك على التعدد، فمرة في ابتداء الأربعين الثانية، وأخرى في انتهاء الأربعين
الثالثة لنفخ الروح، وأما قوله في حديث حذيفة في ابتداء الأربعين الثانية:
«فصوّرها»، فإن ظاهر حديث ابن مسعود أن التصوير إنما يقع بعد أن تصير
مُضغة، فيُحمل الأول على أن المراد: أنه يصوّرها لفظًا وكَتْبًا لا فعلًا؛ أي:
يذكر كيفية تصويرها ويكتبها، بدليل أن جَعْلها ذكرًا أو أنثى إنما يكون عند
المضغة.
قال الحافظ: وقد نوزع في أن التصوير حقيقةً إنما يقع في الأربعين
الثالثة، بأنه شوهد في كثير من الأجنة التصوير في الأربعين الثانية، وتمييز الذكر
على الأنثى، فعلى هذا فيحتمل أن يقال: أول ما يبتدي به الملَك تصوير ذلك
لفظًا وكَتْبًا، ثم يشرع فيه فعلًا عند استكمال العَلَقة، ففي بعض الأجنة يتقدم
ذلك، وفي بعضها يتأخر، ولكن بقي في حديث حُذيفة بن أسيد أنه ذَكَر العظم
واللحم، وذلك لا يكون إلا بعد أربعين العلقةِ، فيقوى ما قال عياض ومن تبعه.
وقال بعضهم: يَحْتَمِل أن يكون الملَك عند انتهاء الأربعين الأُولى يَقْسِم
النطفة إذا صارت عَلَقَة إلى أجزاء بحسب الأعضاء، أو يَقسِم بعضها إلى جلد،
وبعضها إلى لحم، وبعضها إلى عظم، فيقدّر ذلك كله قبل وجوده، ثم يتهيأ
ذلك في آخر الأربعين الثانية، ويتكامل في الأربعين الثالثة.
وقال بعضهم: معنى حديث ابن مسعود أن النطفة يغلب عليها وصف
المني في الأربعين الأُولى، ووصف العلقة في الأربعين الثانية، ووصف
المضغة في الأربعين الثالثة، ولا ينافي ذلك أن يتقدم تصويره، والراجح أن التصوير إنما يقع في الأربعين الثالثة.
وقد أخرج الطبري من طريق السُّدِّيّ في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ﴾ [آل عمران ٦] قال عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود،
وذكر أسانيد أخرى قالوا: «إذا وقعت النطفة في الرحم، طارت في الجسد
أربعين يومًا، ثم تكون عَلَقة أربعين يومًا، ثم تكون مضغة أربعين يومًا، فإذا
أراد الله أن يخلقها بعث ملَكًا فصوَّرها كما يؤمر»، ويؤيده حديث أنس عند
البخاريّ حيث قال بعد ذِكر النطفة، ثم العلقة، ثم المضغة: «فإذا أراد الله أن
يقضي خلقها قال: أيْ رب أذكر أم أنثى؟…» الحديث.
ومال بعض الشراح المتأخرين إلى الأخذ بما دل عليه حديث حُذيفة بن
أُسيد من أن التصوير والتخليق يقع في أواخر الأربعين الثانية حقيقةً، قال:
وليس في حديث ابن مسعود ما يدفعه، واستند إلى قول بعض الأطباء: إن
المنيّ إذا حصل في الرحم حصل له زبدية، ورغوة في ستة أيام أو سبعة من
غير استمداد من الرحم، ثم يستمد من الرحم، ويبتدئ فيه المخطوط بعد ثلاثة
أيام أو نحوها، ثم في الخامس عشر ينفذ الدم إلى الجميع، فيصير عَلَقة، ثم
تتميز الأعضاء، وتمتد رطوبة النخاع، وينفصل الرأس عن المنكبين، والأطراف
عن الأصابع تمييزًا يظهر في بعض، ويخفى في بعض، وينتهي ذلك إلى ثلاثين
يومًا في الأقل، وخمسة وأربعين في الأكثر، لكن لا يوجد سِقْط ذَكَر قبل
ثلاثين، ولا أنثى قبل خمسة وأربعين، قال: فيكون قوله: «فيكتب» معطوفًا
على قوله: «يُجمَع»، وأما قوله: «ثم يكون علقة مثل ذلك»، فهو من تمام
الكلام الأول، وليس المراد أن الكتابة لا تقع إلا عند انتهاء الأطوار الثلاثة،
فيُحمل على أنه من ترتيب الإخبار، لا من ترتيب المخبَر به، ويحتمل أن يكون
ذلك من تصرّف الرواة برواياتهم بالمعنى الذي يفهمونه.
قال الحافظ: كذا قال، والحمل على ظاهر الأخبار أولى، وغالب ما
نُقِل عن هؤلاء دَعاوى لا دلالة عليها.
قال ابن العربي : الحكمة في كون الملك يكتب ذلك، كونه قابلًا للنَّسخ، والمحو، والإثبات، بخلاف ما كتبه الله تعالى، فإنه لا يتغير. انتهى [«الفتح» ١٥/ ١٩٥ – ١٩٨].
قلت سيف بن دورة: أما الآن مع التصوير الحديث الدقيق فليست دعاوى بل حقائق
قال الشيخ الألباني في
الجمع بين حديث ابن مسعود وحديث حذيفة بن أسيد في السلسلة الضعيفة 2322 وذكر تخريج حديث جابر إذا استقرت النطفة في الرحم أربعين يوما ، أو أربعين ليلة بعث إليها ملكا ، فيقول : يا رب ما رزقه ؟ فيقال له : فيقول : يا رب ما أجله ؟ فيقال له ، فيقول : يا رب ذكر أو أنثى ؟ فيعلم ، فيقول : يا رب شقي أو سعيد ؟ فيعلم.
قال بعد ذلك: “قلت : وهذا إسناد ضعيف ، أبو الزبير مدلس ، وقد عنعنه . وخصيف ، وهو ابن عبد الرحمن الجزري ; قال الحافظ : صدوق سيىء الحفظ ، خلط بأخرة.
قلت : وظاهر الحديث مع ضعف إسناده مخالف لحديث ابن مسعود مرفوعا : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع
كلمات … ” الحديث . متفق عليه ، وهو مخرج في “ظلال الجنة” (175.فهذا صريح في أن الملك إنما يرسل بعد الأربعين الثالثة .
وقد يتوهم البعض أن هذا مخالف أيضا لحديث حذيفة بن أسيد الغفاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة ، بعث الله إليها ملكا فصورها ، وخلق سمعها وبصرها ، وجلدها ولحمها وعظامها ، ثم قال : يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ، ويكتب الملك ، ثم يقول : يا رب أجله ؟ … ” الحديث.
أخرجه مسلم (8/45.فأقول : لا مخالفة بينهما لأن بعث الملك فيه إنما هو لأجل تصوير النطفة وتخليقها، وأما الكتابة فهي فيما بعد بدليل قوله : ثم قال : يا رب .. ” ، فإن ” ثم ” تفيد التراخي كما هو معلوم ، فيمكن تفسيره بحديث ابن مسعود ، كما أن حديث هذا يضم إليه ما أفاده حديث حذيفة من التصوير والتخليق مما لم يرد له ذكر في حديث ابن مسعود ، وبذلك تجتمع الأحاديث ولا تتعارض.
نعم في رواية عند مسلم ، والطحاوي في “المشكل” (3/278) ، وأحمد (4/7) عن حذيفة بمعنى حديث الترجمة ، ولفظه : يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة ، فيقول : يا رب أشقي أو سعيد ؟ فيكتبان … ” الحديث.
فهذا بظاهره يشهد للحديث ، لكن لابد من فهمه على ضوء اللفظ الذي قبله وتفسيره به ، وذلك بأن يقال : إن دخول الملك بعد الأربعين من أجل التصوير والتخليق ، وأما الكتابة فبعد الأطوار الثلاثة كما سبق ، ففي اللفظ اختصار يفهم من اللفظ المتقدم ومن حديث ابن مسعود . والله تعالى أعلم .”
—
وقال في «الفتح»: اللام في «الملَك» للعهد، والمراد به: عهدٌ مخصوص، وهو جنس الملائكة الموكلين بالأرحام، كما ثبت في رواية
حذيفة بن أسِيد من رواية ربيعة بن كلثوم: «أن ملكًا موكلًا بالرحم»، ومن رواية
عكرمة بن خالد: «ثم يتسوَّر عليها الملَك الذي يُخَلِّقها» وهو بتشديد اللام.
وفي رواية أبي الزبير عند الفريابيّ: «أتى ملك الأرحام» وأصله عند
مسلم، لكن بلفظ: «بعث الله ملكًا».
وفي حديث ابن عمر: «إذا أراد الله أن يخلق النطفة قال ملك الأرحام»،
وفي حديث أنس: «وكَل الله بالرحم ملكًا».
وقال الكرمانيّ [«شرح البخاريّ» للكرمانيّ ٢٣/ ٧٣]: إذا ثبت أن المراد بالملَك مَن جُعل إليه أمر تلك الرحم، فكيف يُبعَث، أو يرسل؟ وأجاب بأن المراد: أن الذي يُبعث بالكلمات غير الملَك الموكل بالرحم الذي يقول: يا رب نطفة إلخ، ثم قال: ويحْتَمِل أن يكون المراد بالبعث: أنه يؤمر بذلك.
قال الحافظ: وهو الذي ينبغي أن يُعَوَّل عليه، وبه جزم القاضي عياض [«إكمال المعلم» ٨/ ١٢٧] وغيره.
وقد وقع في رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن الأعمش: «إذا
استقرت النطفة في الرحم أخذها الملَك بكفه، فقال: أيْ رب أذَكَر أو
أنثى؟…» الحديث، وفيه: «فيقال: انطلق إلى أم الكتاب، فإنك تجد قصة
هذه النطفة، فينطلق، فيجد ذلك»، فينبغي أن يفسَّر الإرسال المذكور بذلك.
(فَيَنْفُح فِيهِ الرُّوحَ) ظاهر هذه الرواية أن نَفْخ الروح قبل الكتابة، ورواية آدم بن أبي إياس عند البخاريّ صريحة في تأخير النفخ؛ للتعبير بقوله: «ثم»،
ورواية مسلم هذه محتملة، فتُردّ إلى الصريحة؛ لأن الواو لا ترتِّب، فيجوز أن
تكون معطوفة على الجملة التي تليها، وأن تكون معطوفة على جملة الكلام
المتقدّم؛ أي: يُجمع خلقه في هذه الأطوار، ويؤمر الملَك بالكتب، وتوسَّط
قوله: «ينفخ فيه الروح» بين الجُمَل، فيكون من ترتيب الخبر على الخبر، لا من
ترتيب الأفعال المخبَر عنها.
ونقل ابن الزملكانيّ عن ابن الحاجب في الجواب عن ذلك؛ أن العرب
إذا عَبَّرت عن أمر بعدة أمور متعددة، ولبعضها تعلّق بالأول حَسُن تقديمه لفظًا
على البقية، وإن كان بعضها متقدمًا عليه وجودًا، وحَسُن هنا؛ لأن القصد
ترتيب الخلق الذي سيق الكلام لأجله.
وقال عياض: اختَلَفت ألفاظ هذا الحديث في مواضع، ولم يُختلف أن
نفخ الروح فيه بعد مائة وعشرين يومًا، وذلك تمام أربعة أشهر، ودخوله في
الخامس، وهذا موجود بالمشاهدة، وعليه يعوّل فيما يُحتاج إليه من الأحكام
في الاستلحاق عند التنازع، وغير ذلك بحركة الجنين في الجوف، وقد قيل:
إنه الحكمة في عدّة المرأة من الوفاة بأربعة أشهر وعشر، وهو الدخول في
الخامس، وزيادة حذيفة بن أسيد مُشْعِرة بأن الملَك لا يأتي لرأس الأربعين، بل
بعدها، فيكون مجموع ذلك أربعة أشهر وعشرًا، وهو مصرَّح به في حديث ابن
عباس: «إذا وقعت النطفة في الرحم، مكثت أربعة أشهر وعشرًا، ثم ينفخ فيها
الروح». وما أشار إليه من عدة الوفاة جاء صريحًا عن سعيد بن المسيِّب،
فأخرج الطبريّ عنه أنه سئل عن عدّة الوفاة، فقيل له: ما بال العشرة بعد
الأربعة أشهر؟ فقال: يُنفخ فيها الروح.
وقد تمسَّك به من قال كالأوزاعيّ وإسحاق: إن عدة أم الولد مثل عدة
الحرّة، وهو قويّ؛ لأن الغرض استبراء الرحم، فلا فرق فيه بين الحرة والأمة،
فيكون معنى قوله: «ثم يُرسل إليه الملك»؛ أي: لتصويره، وتخليقه، وكتابة ما
يتعلق به، فينفخ فيه الروح إثر ذلك، كما دلت عليه رواية البخاريّ وغيره.
ووقع في حديث عليّ بن عبد الله عند ابن أبي حاتم: “إذا تمَّت للنطفة
أربعة أشهر بعث الله إليها ملَكًا، فينفخ فيها الروح، فذلك قوله: {ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون ١٤] وسنده منقطع، وهذا لا ينافي التقييد بالعشر الزائدة.
ومعنى إسناد النفخ للملك أنه يفعله بأمر الله، والنفخ في الأصل: إخراج
ريح من جوف النافخ؛ ليدخل في المنفوخ فيه، والمراد بإسناده إلى الله تعالى
أن يقول له: كن، فيكون.
وجَمَع بعضهم بأن الكتابة تقع مرتين، فالكتابة الأُولى في السماء، والثانية
في بطن المرأة، ويحْتَمِل أن تكون إحداهما في صحيفة، والأخرى على جبين
المولود، وقيل: يَختلف باختلاف الأجنة، فبعضها كذا، وبعضها كذا، والأول أولى [«الفتح» ١٥/ ١٩٨ – ١٩٩].
(ويُؤْمَرُ بِأرْبَعِ كَلِماتٍ)؛ أي: يؤمر بكتب أربعة أشياء من أحوال الجنين
قال في «الفتح»:
والمراد من كتابة الرزق: تقديره قليلًا أو كثيرًا، وصفته حرامًا، أو
حلالًا، وبالأجل هل هو طويل، أو قصير، وبالعمل هو صالح، أو فاسد.
ووقع لأبي داود من رواية شعبة والثوري جميعًا عن الأعمش: «ثم يُكتب
شقيًّا أو سعيدًا».
ووقع في حديث أنس: «إن الله وكَّلَ بالرحم ملكًا، فيقول: أيْ رب أذَكر
أو أنثى؟»، وفي حديث عبد الله بن عمرو: «إذا مكثت النطفة في الرحم أربعين
ليلة، جاءها ملك، فقال: اخلق يا أحسن الخالقين، فيقضي الله ما شاء، ثم
يدفع إلى الملك، فيقول: يا رب أسِقْطٌ أم تامّ؟، فيبيّن له، ثم يقول: أواحد أم
توأم؟ فيبيّن له، فيقول: أذَكر أم أنثى؟ فيبيّن له، ثم يقول: أناقص الأجل أم
تامّ الأجل؟ فيبيّن له، ثم يقول: أشقيّ أم سعيد؟ فيبيّن له، ثم يقطع له رزقه مع
خلقه، فيهبط بهما».
ووقع في غير هذه الرواية أيضًا زيادة على الأربع، ففي رواية عبد الله بن
ربيعة، عن ابن مسعود: «فيقول: اكتب رزقه، وأثره، وخلقه، وشقيّ أو سعيد».
وفي رواية خُصيف، عن أبي الزبير، عن جابر من الزيادة: «أي رب
مصيبته؟ فيقول: كذا وكذا».
وفي حديث أبي الدرداء، عند أحمد، والفريابيّ: «فرغ الله إلى كل
عبد من خمس: من عمله، وأجله، ورزقه، وأثره، ومضجعه».
وأما صفة الكتابة: فظاهر الحديث أنها الكتابة المعهودة في صحيفته،
ووقع ذلك صريحًا في حديث حذيفة بن أسِيد الآتية عند مسلم: «ثم تطوى
الصحيفة، فلا يزاد فيها، ولا ينقص»، وفي رواية الفريابيّ: «ثم تُطْوى تلك
الصحيفة إلى يوم القيامة».
ووقع في حديث أبي ذرّ: «فيقضي الله ما هو قاضٍ، فيكتب ما هو لاقٍ،
بين عينيه، وتلا أبو ذرّ خمس آيات من فاتحة سورة التغابن»، ونحوه في حديث ابن عمر في «صحيح ابن حبان» دون تلاوة الآية، وزاد: «حتى النكبة يُنكبها»،
وأخرجه أبو داود في «كتاب القَدَر» المُفْرَد. انتهى [«الفتح» ١٥/ ١٩٤ – ١٩٥].
وقال ابن أبي جمرة [«بهجة النفوس» ٣/ ٢٢٢]: في الحديث في رواية أبي الأحوص يَحْتَمِل أن يكون المأمور بكتابته الأربع المأمور بها، ويحْتَمل غيرها، والأول أظهر؛ لِما بيّنته بقيّة الروايات. انتهى.
[تنبيه]: حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – بجميع طرقه يدل على أن الجنين يتقلب
في مائة وعشرين يومًا في ثلاثة أطوار، كلُّ طور منها في أربعين، ثم بعد تكملتها يُنفخ فيه الروح، وقد ذَكَر الله تعالى هذه الأطوار الثلاثة من غير تقييد بمدة في عِدة سُوَر، منها في «سورة الحج» قوله عزوجل: ﴿ياأيُّها النّاسُ إنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ فَإنّا خَلَقْناكُمْ مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطْفَةٍ ثُمَّ مِن عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [الحج ٥] ودلت هذه الآية على أن التخليق يكون للمضغة، وبَيّن الحديثُ أن ذلك يكون فيها إذا تكاملت الأربعين، وهي المدة التي إذا انتهت سُمِّيت مضغة، وذكر الله النطفة، ثم العلقة، ثم المضغة في سُوَر أخرى، وزاد في سورة ﴿قَدْ أفْلَحَ﴾ بعد المضغة:
﴿فَخَلَقْنا المُضْغَةَ عِظامًا فَكَسَوْنا العِظامَ لَحْمًا﴾ الآية [المؤمنون ١٤]، ويؤخذ
منها، ومن حديث الباب أن تصيير المضغة عظامًا بعد نَفْخ الروح. ووقع في
آخر رواية أبي عبيدة المتقدِّم ذِكرها قريبًا بعد ذِكر المضغة: «ثم تكون عظامًا
أربعين ليلة، ثم يكسو الله العظام لحمًا».
وقد رَتَّبَ الأطوار في الآية بالفاء؛ لأن المراد: أنه لا يتخلل بين
الطورين طَوْر آخر، ورتَّبها في الحديث بـ «ثُمَّ» إشارة إلى المدة التي تتخلل بين
الطورين ليتكامل فيها الطور، وإنما أتى بـ «ثم» بين النطفة والعَلَقة؛ لأن النطفة
قد لا تتكوّن إنسانًا، وأتى بـ «ثم» في آخر الآية عند قوله: ﴿ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ الآية [المؤمنون ١٤] ليدل على ما يتجدد له بعد الخروج من بطن أمه،
وأما الإتيان بـ «ثم» في أول القصة بين السُّلالة والنطفة، فللإشارة إلى ما تخلل
بين خَلْق آدم وخَلْق ولده.
(فَو الَّذِي لا إلَهَ غَيْرُهُ، إنَّ أحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ) ووقع في رواية زيد بن وهب ما يقتضي أنه مدرَج في الخبر من كلام
ابن مسعود، لكن الإدراج لا يثبت بالاحتمال،
ووقع في معظم الأحاديث الواردة عن
الصحابة بدون هذه الزيادة ، كأنس، وحذيفة بن أسيد، وابن عمر، وكذا اقتصر عبد الرحمن بن
حميد الرؤاسيّ عن الأعمش، على هذا القَدْر.
نعم؛ وقعت هذه الزيادة مرفوعة في حديث سهل بن سعد عند البخاريّ،
وفي حديث أبي هريرة عند مسلم، وفي حديث عائشة عند أحمد، وفي حديث
ابن عمر، والعُرس بن عَمِيرة في البزار، وفي حديث عمرو بن العاص، وأكثم بن أبي الجون في الطبرانيّ……
ويؤيد الرفع أيضًا أنه مما لا مجال للرأي فيه، فيكون له حُكم الرفع.
[«الفتح» ١٥/ ١٩٩ – ٢٠٠].
قال في «الفتح»: والتعبير بالذراع تمثيل بقرب حاله من الموت، فيحال مَن بينه وبين المكان المقصود بمقدار ذراع، أو باعٍ من
المسافة، وضابط ذلك الحسيّ: الغرغرة التي جُعلت علامة لعدم قبول التوبة،
وقد ذكر في هذا الحديث أهل الخير صِرْفًا، وأهل الشرّ صِرْفًا إلى الموت، ولا
ذِكر للذين خَلَطوا، وماتوا على الإسلام؛ لأنه لم يقصد في الحديث تعميم
أحوال المكلَّفين، وإنما سيق لبيان أن الاعتبار بالخاتمة .
ووقع في حديث أبي هريرة الآتي عند مسلم: «وإن الرجل ليعمل الزمان
الطويل بعمل أهل النار، ثم يُختم له بعمل أهل الجنة»، زاد أحمد من وجه
آخر عن أبي هريرة: «سبعين سنةً»، وفي حديث أنس عند أحمد، وصححه ابن
حبان: «لا عليكم أن لا تعجبوا بعمل أحد، حتى تنظروا بِمَ يُختم له….)
وقال القرطبيّ رحمه الله عند قوله: «فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها»: ظاهر
هذا الحديث أن هذا العامل كان عمله صحيحًا، وأنه قَرُب من الجنة بسبب
عمله، حتى أشرف على دخولها، وإنما منعه من دخولها سابق القَدَر الذي يظهر
عند الخاتمة، وعلى هذا فالخوف على التحقيق إنما هو مما سبق؛ إذ لا تبديل
له، ولا تغيير، فإذًا الأعمال بالسوابق، لكن لمّا كانت السوابق مستورة عنّا،
والخاتمة ظاهرة لنا، قال – ﷺ -: «إنما الأعمال بالخواتيم»؛ أي: عندنا وبالنسبة
إلى اطلاعنا في بعض الأشخاص، وفي بعض الأحوال، وأما العامل المذكور
في حديث سهل المتقدّم في «الإيمان» فإنّه لم يكن عمله صحيحًا في نفسه،
وإنما كان رياء وسمعةً، ولذلك قال – ﷺ -: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة
فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار»، فيستفاد من هذا الحديث الاجتهاد في
إخلاص الأعمال لله تعالى، والتحرز من الرياء، ويستفاد من حديث ابن مسعود
تَرْك العُجْب بالأعمال، وترك الالتفات، والركون إليها، والتعويل على كرم الله
تعالى، ورحمته، والاعتراف بمنّته، كما قال – ﷺ -: «لن يُنْجي أحدًا منكم
عمله…» الحديث [«المفهم» ٦/ ٦٥٣ – ٦٥٤]، متّفقٌ عليه، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلَّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): قال الحافظ : هذا الحديث اشتهر عن الأعمش
بالسند المذكور هنا، قال علي ابن المديني في «كتاب العلل»: كنا نَظُنُّ أن
الأعمش تفرَّد به حتى وجدناه من رواية سلمة بن كهيل، عن زيد بن وهب.
قال الحافظ: …..، ورواه عن النبي – ﷺ – مع ابن مسعود جماعة من الصحابة مُطَوَّلًا
ومختصرًا،
قال الحافظ: وكنت خرّجته في جزء من طرق نحو الأربعين نفسًا عن الأعمش،
فغاب عني الآن، ولو أمعنت التتبع لزادوا على ذلك. انتهى [راجع: «الفتح» ١١/ ٥٨٣].
[المسألة الثالثة]: في فوائده:
* ومن فوائد حديث ابن مسعود التي سبقت في شرح سابق للصحيح المسند 922:
- عظم منزلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قلوب أصحابه؛ حيث يمدحونه بعبارات الثناء التي تدل على التعظيم والمحبة “الصادق المصدوق”.
- فقه ابن مسعود رضي الله عنه؛ لأنه أتى بجملة تناسب الحديث فقال: “الصادق المصدوق”؛ ذلك أن مضمون الحديث غيبي؛ لا يُرى ولا يعلم إلا عن طريق الوحي.
- من المستحسن أن تؤكد الأخبار، ولا سيما التي يحتاج الناس إليها، بأي نوع من أنواع التأكيدات.
- بيان كيفية خلق الآدمي، وما يتعلق ببدن الإنسان، وتكوينه في بطن أمه.
- أن هناك ملائكة موكلين بالأجنة في بطون الإناث.
- الإشارة إلى علم المبدأ والمعاد، وأن من خلقك من عدم قادر أن يعيدك
- إثبات القدر كما هو مذهب أهل السنة، وأن جميع ما يقع هو بقضاء الله عز وجل وتقديره، وهذا يشمل: خيرها وشرها، نافعها وضارها.
- الإشارة إلى أن القدر سر من أسرار الله عز وجل وقد ضرب دونه الأستار، واختص عز وجل به، وحجبه عن العالم، فلا يعلمه ملك ولا نبي مرسل، والواجب علينا أن نقف حيث حد لنا فلا نتجاوزه.
- إثبات العلم لله عز وجل.
- أن الأعمال بالخواتيم.
- السعيد من سعد بقضاء الله عز وجل، والشقي من شقي بقضائه عز وجل.
- الحث على القناعة، والزجر على الحرص الشديد.
- أن الرزق قد سبق تقديره، وإنما شرع الاكتساب؛ لأنه من جملة الأسباب التي اقتضتها الحكمة في دار الدنيا.
- إثبات الكلام لله، وأنه صفة من صفاته.
- لا ينبغي لأحد أن يغتر بظاهر الحال لجهالة العاقبة، ومن هنا شرع الدعاء بالثبات على الدين، وحسن الخاتمة؛ فيجب سؤال الله الثبات؛ حتى لا يزيغ القلب عن الهدى؛ ومنه حديث ((اللهم مصرف القلوب، صرف قلوبنا على طاعتك))؛ رواه مسلم
- أن التوبة تهدم ما قبلها.
- عدم الاغترار بصور الأعمال.
- عظمة المولى عز وجل وقدرته، وكيف أنه يخلق من النطفة علقة، ومنها مضغة، ومنها بشرًا سويًّا.
- رحمته عز وجل وحفظه؛ حيث إنه يحفظ تلك النطفة إلى أن تكون خلقًا آخر.
- الحديث علاج للكِبر؛ لأن الإنسان كان أوله نطفة
- الحث على شكر العبد لربه على نعمه
- تربية الإنسان على التفكر في نفسه.
- وجوب التسليم للأمور الغيبية التي ثبت فيها النص.
- سعة علم الله عز وجل ومنه هذه الأربع.
- بعث الراحة والطمأنينة، وخاصة في الرزق
- الشجاعة؛ لأن الأجل محدود.
- الحث على بر الوالدين خاصة الأم
- طاعة الملائكة لربهم.
- الحديث يزرع المحاسبة والعناية بأمور النفس الباطنة؛ ولذلك قال ابن رجب رحمه الله: “دسائس السوء الخفية توجب سوء الخاتمة”.
- فيه دليل على أن للشخص إرادة واختياراً
- أحكام الدنيا معلقة بالأعمال الظاهرة دون الدخول في النيات، فمن كان ظاهره الإسلام حكم له به.
- حكمة الله ونفاذ أمره عز وجل
- إثبات الكتابة العمرية، والتقدير العمري.
- من كان سعيدًا فإن الله يسهل له الأسباب، وإن كان شقيًّا؛ فإنه محروم ولو بذل الأسباب.
- إثبات صفة الخلق واسم الخالق.
- الرد على المعتزلة الذين يقولون: إن المقتول قطع عليه أجله
- أنه إنما ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر.
- أن الله عز وجل يعلم الجزئيات، وفي هذا رد على المعتزلة وغيرهم ممن يخالفون في هذا.
- معرفة المولود ذكرًا أو أنثى، راجع لله تعالى
- جواز القسم على الخبر الصادق تأكيدًا.
- الحث على الاستعاذة من سوء الخاتمة، وقد عمل به جمع وجم غفير من السلف، وأئمة الخلف.
- الصحابي أعلم بتفسير ما سمع.
- أقل ما يتبين فيه خلق الولد، إحدى وثمانون يومًا كما في رأي الشافعية والحنابلة.
- لا ينبغي للإنسان أن يقطع الرجاء
- أن الروح حادثة، وليست بقديمة
- حسن التوكل على الله عز وجل، وملء القلب إيمانًا بخشيته ومراقبته عز وجل.
- لا يجوز إقامة الحد والقصاص على الحامل من أجل هذه النطفة، ولا يؤخر الواجب إلا لشيء محترم لا يجوز انتهاكه.
- أن الجنين قبل أربعة أشهر لا يحكم بأنه إنسان حي، وبناء على ذلك لو سقط قبل تمام أربعة أشهر، فإنه لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه؛ لأنه لم يكن إنسانًا بعد.
- أن الطور الثالث هي المضغة، وهذه المضغة قد تكون مخلقة أو غير مخلقة بنص القرآن، كما قال الله عز وجل: {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج: 5].
- أن نهاية بني آدم أحد أمرين: إما الشقاء وإما السعادة، قال الله عز وجل: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}
- أن كل من مات على شيء حكم له به من خير أو شر، إلا أن أصحاب المعاصي غير الكفر تحت المشيئة، كما هو متقرر ومعلوم.
(المسألة الرابعة ): هذا الحديث يعارضه ما أخرجه الشيخان من حديث
أبي هريرة -رضي الله عنه – مرفوعًا: «لن يُدخِل أحدًا منكم عمَلُهُ الجنةَ، قالوا: ولا أنت يا
رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمَّدني الله بفضل ورحمته …» الحديث.
وأجاب ابن بطال رحمه الله عن ذلك بأن تُحمل الآية- أي: وكذا حديث
الباب- على أن الجنة تُنال المنازل فيها بالأعمال، فإن درجات الجنة متفاوتة
بحسب تفاوت الأعمال، وأن يُحمَل الحديث المذكور على دخول الجنة،
والخلود فيها.
ثم أورد على هذا الجواب قوله تعالى: ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِما
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل ٣٢]، فصَرّح بأن دخول الجنة أيضًا بالأعمال.
وأجاب بأنه لفظ مُجمَل بيّنه الحديث، والتقدير: ادخلوا منازل الجنة
وقصورها بما كنتم تعملون، وليس المراد بذلك أصل الدخول.
ثم قال: ويجوز أن يكون الحديث مُفَسِّرًا للآية، والتقدير: ادخلوها بما
كنتم تعملون مع رحمة الله لكم، وتفضّله عليكم؛ لأن اقتسام منازل الجنة
برحمته، وكذا أصل دخول الجنة هو برحمته، حيث ألهم العاملين ما نالوا به
ذلك، ولا يخلو شيء من مجازاته لعباده من رحمته وفضله، وقد تفضّل عليهم
ابتداء بإيجادهم، ثم برزقهم، ثم بتعليمهم.
وقال القاضي عياض رحمه الله: طريق الجمع أن الحديث فسّر ما أُجمل في
الآية. فذَكر نحوًا من كلام ابن بطال الأخير، وأن من رحمة الله توفيقَهُ للعمل،
وهدايته للطاعة، وكل ذلك لم يستحقه العامل بعمله، وإنما هو بفضل الله وبرحمته.
وقال ابن الجوزي رحمه الله: يتحصل عن ذلك أربعة أجوبة:
(الأول): أن التوفيق للعمل من رحمة الله، ولولا رحمة الله السابقة ما
حصل الإيمان، ولا الطاعة التي يحصل بها النجاة.
(الثاني): أن منافع العبد لسيده، فعمله مُستَحَقٌّ لمولاه، فمهما أنعم عليه
من الجزاء فهو من فضله.
(الثالث): جاء في بعض الأحاديث أن نفس دخول الجنة برحمة الله،
واقتسام الدرجات بالأعمال.
(الرابع): أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير، والثواب لا يَنْفَد،
فالإنعام الذي لا ينفد في جزاء ما ينفد بالفضل، لا بمقابلة الأعمال.
انتهى [راجع:»الفتح«١١/ ٣٥٧ – ٣٥٩، كتاب»الرقاق«رقم الحديث (٦٤٦٤)].
—-
حديث علي رضي الله عنه:؛
قوله (أمّا أهْلُ السَّعادَةِ فَيُيَسَّرُونَ) بصيغة المبنيّ للمجهول؛ أي: يُسهَّلون،
ويهيّئون (لِعَمَلِ أهْلِ السَّعادَةِ، وأمّا أهْلُ الشَّقاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقاوَةِ»)
قال في «الفتح»: وحاصل السؤال: ألّا نترك مشقة العمل، فإنا سنصير إلى ما
قُدّر علينا، وحاصل الجواب: لا مشقة؛ لأنّ كلّ أحد ميسَّر لِما خُلق له، وهو
يسير على من يسّره الله، قال الطيبيّ: الجواب من الأسلوب الحكيم، مَنَعهم
عن ترك العمل، وأمَرَهم بالتزام ما يجب على العبد، من العبودية، وزَجَرهم عن التصرف في الأمور المغيبة، فلا يجعلوا العبادة وتَرْكها سببًا مستقلًّا لدخول
الجَنَّة والنار، بل هي علامات فقط. انتهى [«الفتح» ١٥/ ٢١٨، كتاب «القدر» رقم (٦٦٠٥)].
وقال أبو عبد الله القرطبيّ – رحمه الله – في «تفسيره»: قوله تعالى: ﴿فَأمّا مَن أعْطى واتَّقى (٥)﴾: قال ابن مسعود: يعني: أبا بكر – رضي الله عنه -، وقاله عامة المفسرين،
وعن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿فَأمّا مَن أعْطى﴾؛ أي: بذل، ﴿واتَّقى﴾؛
أي: محارم الله التي نهى عنها.
﴿وصَدَّقَ بِالحُسْنى (٦)﴾؛ أي: بالخلَف من الله تعالى على عطائه، وفي
«صحيح مسلم» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – ﷺ -: «ما من يوم يصبح
العباد فيه، إلّا وملَكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللَّهُمَّ أعط منفقًا خلفًا، ويقول
الآخر: اللَّهُمَّ أعط ممسكًا تلفًا».
وقال أهل التفسير: ﴿فَأمّا مَن أعْطى﴾ المعسرين ……. انتهى المقصود
من كلام القرطبيّ – رحمه الله – [«تفسير القرطبيّ» ٢٠/ ٨٢ – ٨٥]، والله تعالى أعلم.
(المسألة الأولى): حديث عليّ – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في فوائده:
١ – (ومنها): ما قاله أبو عمر – رحمه الله -: قد أكثر الناس من تخريج الآثار في
هذا الباب، وأكثر المتكلمون من الكلام فيه، وأهل السُّنَّة مجتمعون على الإيمان بهذه الآثار، واعتقادها، وترك المجادلة فيها، وبالله العصمة
والتوفيق [«التمهيد لابن عبد البرّ» ٦/ ١٢].
٢ – (ومنها): بيان وجوب الإيمان بالقدر.
٣ – (ومنها): جوازُ القعود عند القبور، والتحدث عندها بالعلم
والموعظة، وقال المهلب: نَكْتُهُ الأرض بالمِخْصرة هي عادة لمن يتفكر في شيء
يستحضر معانيه، فيحتمل أن يكون ذلك تفكرًا منه – ﷺ – في أمر الآخرة بقرينة
حضور الجنازة .
٤ – (ومنها): أن هذا الحديث أصل لأهل السُّنَّة في أن السعادة والشقاء
بتقدير الله عزوجل .
٥ – (ومنها): أن فيه رَدًّا على الجبرية؛ لأنّ التيسير ضد الجبر؛ لأنّ
الجبر لا يكون إلّا عن كُره، ولا يأتي الإنسان الشيء بطريق التيسير إلّا كاره
له.
٦ – (ومنها): أن أفعال العباد، وإن صدرت عنهم، لكنها قد سبق علم الله
بوقوعها بتقديره، ففيها بطلان قول القدرية صريحًا.
٧ – (ومنها): أنه استُدِلَّ به على إمكان معرفة الشقي من السعيد في
الدنيا، كمن اشتَهَر له لسان صدق وعكسه؛ لأنّ العمل أمارة على الجزاء على
ظاهر هذا الخبر.
ورُدَّ بما تقدم في حديث ابن مسعود – رضي الله عنه-، وأن هذا العمل الظاهر قد
ينقلب لعكسه على وفق ما قُدِّرَ.
والحق أن العمل علامةٌ وأمارةٌ، فيُحكم بظاهر الأمر، وأمرُ الباطن إلى الله
تعالى.
وقال الخطابيّ في «معالم السنن»: …
أمرهم بالعمل ليكون أمارة في الحال العاجلة لِما يصيرون إليه في الحال
الآجلة، فمن تيسّر له العمل الصالح كان مأمولًا له الفوز، ومن تيسّر له العمل
الخبيث كان مخوفًا عليه الهلاك.
وهذه أمارات من جهة العلم الظاهر، وليست بموجبات، فإن الله – عزوجل –
طَوى علم الغيب عن خَلْقه، وحجبهم عن دَرْكه، كما أخفى عنهم أمر الساعة،
فلا يَعلَم أحد متى إبّانُ قيامها، ثم أخبر على لسان رسوله – ﷺ – بعض أماراتها
وأشراطها، فقال: «من أشراط الساعة أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة
العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان»، ومنها كيت وكيت. انتهى كلام
الخطابيّ ببعض تصرّف [راجع: «معالم السنن» ٨/ ٦٢ – ٦٣].
وقال غيره: وجه الانفصال عن شبهة القدرية أن الله أمرنا بالعمل،
فوجب علينا الامتثال، وغيّب عنّا المقاديرَ لقيام الحجة، ونَصَبَ الأعمالَ علامةً
على ما سبق في مشيئته، فمن عَدَلَ عنه ضَلَّ وتاه؛ لأنّ القدر سر من أسرار الله،
لا يَطَّلِع عليه إلّا هو، فإذا أدخل أهل الجَنَّة، كشف لهم عنه حينئذ [راجع: «الفتح» ١١/ ٦٠٦]. والله أعلم.
٨- (ومنها): ما قاله القرطبيّ – رحمه -: قال العلماء: ثبت بهذه الآية وبقوله: ﴿ومِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة ٣]، وقوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ سِرًّا وعَلانِيَةً﴾ [البقرة ٢٧٤]- إلى غير ذلك من الآياتِ – أن الجود من مكارم الأخلاق، والبخل من أرذلها. …. انتهى [«تفسير القرطبيّ» ٢٠/ ٨٢ – ٨٥]، والله تعالى أعلم.
قوله (وجفّت به أقلام )
الكتبة في اللوح المحفوظ، وفي صحف الملائكة المكتوبة في البطن، بل قد
نصّ على هذا في حديث عمران بن حصين – رضي الله عنه – المذكور بعد هذا
والأحاديث في هذا الباب كثيرة صحيحة، يفيد مجموعها العلم القطعيّ،
واليقين الحقيقيّ الاضطراريّ بإبطال مذاهب القدرية، لكنهم كابروا في ذلك
كلّه، وردّوه، وتأوّلوا ذلك تأويلًا فاسدًا، وموّهوه للأصول التي ارتكبوها من
التحسين، والتقبيح، والتعديل، والتجويز، والقول بتأثير القدرة الحادثه على
جهة الاستقلال، وقد تكلّم أئمة أهل السُّنَّة معهم في هذه الأصول، وبيّنوا
فسادها في كتبهم. انتهى كلام القرطبيّ – ﵀ – [«المفهم» ٦/ ٦٦٠ – ٦٦١]، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
حديث عمران:
وقد ترجم ابن حبان بحديث الباب: «ما يجب على المرء من التشمير في
الطاعات، وإن جرى قبلها ما يَكره الله من المحظورات»[«الفتح» ١٥/ ٢١٥، كتاب «القدر» رقم (٦٥٩٦)]، والله تعالى أعلم.
__
ما حكم الدم الذي ينزل من امرأة أسقطت جنينها؟
* سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: امرأة أسقطت جنيناً وهي في الشهر الثاني من الحمل. ما حكم الصلاة والصيام في هذه الحالة؟
الجواب:
هذه المرأة تصوم وتصلي, ويأتيها زوجها; لأن هذا الدم ليس نفاساً ولا حيضاً, وإنما يسمى عند العلماء: دم فساد وذلك أن النفاس لا يثبت إلا بعد أن يتبين في الجنين خلق الإنسان, وأثناء الشهرين لا يمكن أن يتبين فيه خلق الإنسان.
السائل: إلى كم شهر يتبين الخلق تقريباً؟
الشيخ: غالباً يتبين في ثلاثة أشهر.
المصدر: سلسلة لقاءات الباب المفتوح > لقاء الباب المفتوح [110]
* ينظر شرح الصحيح المسند 1041 عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فرغ الله إلى كل عبد من خمس من أجله ورزقه وأثره وشقي أم سعيد.
وحديث 1042 عن أبي الدرداء … قالوا: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل أمر قد فرغ منه، أم أمر تستأنفه؟ قال:” بل أمر قد فرغ منه ” قالوا فكيف بالعمل يا رسول الله؟ قال: كل امرئ مهيأ لما خلق له.
* ينظر شرح الصحيح المسند 1585 عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة وإنه لمكتوب في الكتاب من أهل النار فإذا كان قبل موته تحول فعمل بعمل أهل النار فمات فدخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار وإنه لمكتوب في الكتاب من أهل الجنة فإذا كان قبل موته تحول فعمل بعمل أهل الجنة فمات فدخلها. هذا حديث صحيح.
وقيل فيه: سبق بمعناه في الصحيح المسند برقم (779) و (922)
أما حديث 779 عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ فَقَالَ «أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ؟ » فَقُلْنَا لَا يَا رَسُولَ اللهِ إِلَّا أَنْ تُخْبِرَنَا فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى «هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا» ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي شِمَالِهِ «هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا» فَقَالَ أَصْحَابُهُ فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ كَانَ أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَقَالَ «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهِ فَنَبَذَهُمَا ثُمَّ قَالَ «فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنْ الْعِبَادِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ».
وأما حديث 922 عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعُرْسَ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْبُرْهَةَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ تُعْرَضُ لَهُ الْجَادَّةُ مِنْ جَوَادِّ الْجَنَّةِ، فَيَعْمَلُ بِهَا حَتَّى يَمُوتَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لِمَا كُتِبَ [لَهُ]، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُرْهَةَ مِنْ دَهْرِهِ، ثُمَّ تُعْرَضُ لَهُ الْجَادَّةُ مِنْ جَوَادِّ أَهْلِ النَّارِ، فَيَعْمَلُ بِهَا حَتَّى يَمُوتَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لِمَا كُتِبَ عَلَيْهِ».