2642 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله البلوشي ابوعيسى ، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم
51 – بَابُ إِذَا أُثْنِيَ عَلَى الصَّالِحِ فَهِيَ بُشْرَى وَلَا تَضُرُّهُ
166 – (2642) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، وَأَبُو الرَّبِيعِ، وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ – وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا – حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ»
166 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ وَكِيعٍ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، بِإِسْنَادِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِمِثْلِ حَدِيثِهِ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِمْ عَنْ شُعْبَةَ، غَيْرَ عَبْدِ الصَّمَدِ: وَيُحِبُّهُ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ: وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ، كَمَا قَالَ: حَمَّادٌ.
——————-
التمهيد:
“يقول الله تعالى ﴿لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم﴾ [آل عمران ١٨٨]
نعم الإنسان بطبيعته يحب أن يحمد على خير يفعله ويسعد كثيرا بشكر من يشكره على جميله وليس في ذلك إحباط لأجر المعروف إذا لم يطلب.
والمسألة لها طرفان:
طرف المستفيد الآخذ للمعروف وواجبه أن يكافئ من قدم إليه المعروف بقدر ما يستطيع؛ وفيه حديث «من قدم إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تقدروا فادعوا له بخير»، وما كان النساء أكثر أهل النار إلا لأنهن يجحدن المعروف ، إذا أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا تكرهه قالت ما رأيت منك خيرا قط!
إن الاعتراف بالمعروف إحسان إلى صاحبه، وقد أمر الله تعالى رسوله أن يدعوا لصاحب الزكاة والصدقة حين قال ﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم﴾ [التوبة ١٠٣]، ووعد بزيادة الخير في مقابلة الشكر إذ قال ﴿لئن شكرتم لأزيدنكم﴾ [إبراهيم ٧].
الطرف الثاني: طرف المعطى للجميل وواجبه أن لا يبغي بجميله مقابلا، فإنه إن بغي مقابلا كان تاجرا وبائعا ولم يكن صانعا لمعروف، فعلى المسلم لا ينتظر جزاء ولا شكرا لجميله إلا من الله، وهكذا كان السلف الصالح ﴿ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا﴾ [الإنسان ٨ – ٩]” [فتح المنعم باختصار ].
* بوب ابن ماجه في سننه 4225 باب الثناء الحسن، ومما أورده تحت هذا الباب:
- عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّبَاوَةِ، أَوِ الْبَنَاوَةِ، قَالَ: وَالنَّبَاوَةُ مِنَ الطَّائِفِ، قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ تَعْرِفُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ» ، قَالُوا: بِمَ ذَاكَ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ، وَالثَّنَاءِ السَّيِّئِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ» [حسنه الألباني وقال محققو سنن ابن ماجه: صحيح لغيره، وهذا إسناد محتمل للتحسين، أبو بكر بن أبي زهير الثقفي روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في “الثقات”، وباقي رجاله ثقات. وقال الحافظ ابن حجر في “الإصابة” 147/ 11: سنده حسن غريب.]
- عَنْ كُلْثُومٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ إِذَا أَحْسَنْتُ أَنِّي قَدْ أَحْسَنْتُ، وَإِذَا أَسَأْتُ أَنِّي قَدْ أَسَأْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا قَالَ جِيرَانُكَ: قَدْ أَحْسَنْتَ، فَقَدْ أَحْسَنْتَ، وَإِذَا قَالُوا: إِنَّكَ قَدْ أَسَأْتَ، فَقَدْ أَسَأْتَ ” [صححه الألباني، وقال البوصيري في الزوائد: رجال حديث كلثوم الخزاعي ثقات إلا أنه مرسل. وكلثوم بن علقمة ويقال له ابن المصطلق ذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن عبد البر أحاديثه مرسلة لا يصح له صحبة. كذا قال أبو نعيم. وردوا الصحبة لأبيه، وقال محققو سنن ابن ماجه: رجاله ثقات غير كلثوم الخزاعي -وهو ابن علقمة- فقد روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في “الثقات”، وهو تابعي لا صحبة له، فهو حسن الحديث، والحديث مرسل. أبو معاوية: هو محمَّد بن خازم الضرير، والأعمش: هو سليمان ابن مهران. وأخرجه البيهقي 10/ 125 من طريق أبي معاوية، بهذا الإسناد. ويشهد له ما بعده.]
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ إِذَا أَحْسَنْتُ، وَإِذَا أَسَأْتُ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا سَمِعْتَ جِيرَانَكَ يَقُولُونَ: أَنْ قَدْ أَحْسَنْتَ، فَقَدْ أَحْسَنْتَ، وَإِذَا سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ: قَدْ أَسَأْتَ، فَقَدْ أَسَأْتَ ” [ صححه الألباني والبوصيري في الزوائد، وصحح إسناده محققو سنن ابن ماجه].
- عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ، مَنْ مَلَأَ اللَّهَ أُذُنَيْهِ مِنْ ثَنَاءِ النَّاسِ خَيْرًا، وَهُوَ يَسْمَعُ، وَأَهْلُ النَّارِ، مَنْ مَلَأَ اللَّهُ أُذُنَيْهِ مِنْ ثَنَاءِ النَّاسِ شَرًّا، وَهُوَ يَسْمَعُ» [ قال الألباني حسن صحيح وقال البوصيري إسناده صحيح رجاله ثقات. وأبو الجوزاء هو أويس بن عبد الله الربعي. وأبو هلال هو محمد بن سليم، وقال محققو سنن ابن ماجه: إسناده ضعيف لضعف أبي هلال -وهو محمَّد بن سليم الراسبي- وباقي رجاله ثقات.]
- حديث الباب.
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيُطَّلَعُ عَلَيْهِ، فَيُعْجِبُنِي، قَالَ: «لَكَ أَجْرَانِ، أَجْرُ السِّرِّ، وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ» [ضعفه الألباني، وقال محققو سنن ابن ماجه: رجاله ثقات إلا أن سعيد بن سنان الشيباني له بعض الأوهام، وقد خالفه الأعمش والثوري، فروياه عن حبيب عن أبي صالح مرسلًا. وهو في “مسند أبي داود الطيالسي” (2435)، ومن طريقه أخرجه الترمذي (2542)، وقال: حديث غريب، وقد روى الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي صالح، عن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مرسلًا. وهو في “صحيح ابن حبان” (375). ورواية الأعمش المرسلة أوردها البخاري في “التاريخ الكبير” 2/ 227 – 228، وتابعه عليه مرسلًا سفيان الثوري عند البخاري أيضًا 2/ 228، والمرسل هو المحفوظ عن سفيان فيما قال أبو نعيم في “الحلية” 8/ 250.]
* بوب عبدالله بن المبارك في الزهد باب النية مع قلة العمل وسلامة القلب
* بوب ابن حبان في صحيحه 366 ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ مَحَبَّةَ مَنْ وَصَفْنَا قَبْلُ لِلْمَرْءِ عَلَى الطَّاعَاتِ إِنَّمَا هُوَ تَعْجِيلُ بُشْرَاهُ فِي الدُّنْيَا.
وبوب عليه بابًا آخر فقال: ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ مَحْمَدَةَ النَّاسِ لِلْمَرْءِ وَثَنَاءَهُمْ عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ بُشْرَاهُ فِي الدُّنْيَا
* بوب البيهقي في السادس والأربعون من شعب الإيمان بَابٌ فِي السُّرُورِ بِالْحَسَنَةِ وَالِاغْتِمَامِ بِالسَّيِّئَةِ.
* بوب البغوي في شرح السنة (14/327): باب من عمل لله فحمد عليه، وأورد فيه حديث أبي ذر وحديث أبي هريرة السابق: ” لك أجران: أجر السر، وأجر العلانية” ثم قال بعد ذلك: ” وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: فأعجبه، معناه: أن يعجبه ثناء الناس عليه، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنتم شهداء الله» أما إذا أعجبه ليعلم منه الخير ويعظم عليه فهو رياء، وقيل معناه: فأعجبه رجاء أن يعمل من رآه بمثل عمله، فيكون له مثل أجره، هذا معنى قول عبد الرحمن بن مهدي، قال: إنما يسر ليستن به من بعده.
قال أبو عبيد: وليس للحديث عندي وجه إلا ما قال عبد الرحمن، لأن الآثار كلها تصدقه، من ذلك الحديث المرفوع: «من سن سنة كان له أجر من عمل بها» ومما يوضح ذلك حديث آخر: «أن رجلا قام من الليل يصلي فرآه جار له، فقام يصلي، فغفر للأول». ”
وقال الترمذي بعد أن أخرج
حديث أبِي هُرَيْرَةَ ….:
هَذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وقَدْ رَوى الأعْمَشُ، وغَيْرُهُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أبِي ثابِتٍ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مُرْسَلًا وأصْحابُ الأعْمَشِ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ.
وقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ هَذا الحَدِيثَ فَقالَ: إذا اطُّلِعَ عَلَيْهِ فَأعْجَبَهُ فَإنَّما مَعْناهُ أنْ يُعْجِبَهُ ثَناءُ النّاسِ عَلَيْهِ بِالخَيْرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: أنْتُمْ شُهَداءُ اللهِ فِي الأرْضِ فَيُعْجِبُهُ ثَناءُ النّاسِ عَلَيْهِ لِهَذا لِما يَرْجُو بِثَناءِ النّاسِ عَلَيْهِ، فَأمّا إذا أعْجَبَهُ لِيَعْلَمَ النّاسُ مِنهُ الخَيْرَ لِيُكْرَمَ عَلى ذَلِكَ ويُعَظَّمَ عَلَيْهِ فَهَذا رِياءٌ. وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: إذا اطُّلِعَ عَلَيْهِ فَأعْجَبَهُ رَجاءَ أنْ يَعْمَلَ بِعَمَلِهِ فَيَكُونُ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ فَهَذا لَهُ مَذْهَبٌ أيْضًا
والحديث في «الضعيفة» (٤٣٤٤).
* بوب النووي رحمه الله في رياض الصالحين بعد باب تحريم الرياء، قال بعد ذلك: 289- باب مَا يتوهم أنَّه رياء وليس هُوَ رياء، واقتصر بذكر حديث أبي ذر الذي في الباب.
* قال القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 122): ” أى عنوان الخير له، ودليل على رضا الله عنه وحبه له، بدليل الحديث المتقدم: ” ثم يوضع له القبول فى الأرض ” وهذا كله إذا كان حمد الناس له عليه من غير طلبه ذلك ويعرضه له، فإن هذا أصل الرياء وأعظم الآفات لإفساد الأعمال وهلاك العاملين لها وتزيين الشرك.
وقوله: ” تلك عاجل بشرى المؤمن ” أى: البشرى المعجلة، ونبه على الموحدة فى الآخرة بقوله: {بشراكم اليوم جنات}”.
* قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/ 371): ” والمعنى أن الله تعالى إذا تقبل العمل أوقع في القلوب قبول العامل ومدحه، فيكون ما أوقع في القلوب مبشرا بالقبول، كما أنه إذا أحب عبدا حببه إلى خلقه، وهم شهداء الله في الأرض”.
* قال ابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 194): ” في هذا الحديث من الفقه الدلالة على أن حمد الناس المؤمن على خير فعله بشرى من الله تعالى تعجلها، إذ هم شهود الله في أرضه، لأن المؤمنين لا يستجيزون أن يمدحوه ويثنوا عليه إلا فيما يكون لله عز وجل رضى، كما أنهم لا يستجيزون أن يذموا إلا على ما هو غير رضى”.
* قال المظهري في المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 314): ” قوله: “أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس”؛ يعني: أخبرنا بحال من يعمل عملًا صالحًا لله لا للناس، ويصفه الناس بالعمل ويمدحونه، هل يبطل ثوابه بما مدحه الناس أم لا؟. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “تلك عاجل بشرى المؤمن”؛ يعني: مَن عمل عملًا صالحًا خالصًا لله، وليس في قلبه الرياء، أعطاه الله ثوابين: ثوابًا في الدنيا، وثوابًا في الآخرة, فثوابه في الدنيا: أن يوقع محبته في قلوب الناس، ويوقع على ألسنتهم ذكره بالخير، وثوابه في الآخرة: اللقاء والجنة؛ يعني: لا بأس بمدح الناس الرجلَ الصالح إذا لم يكن في قلبه رياء وسمعة.
– وقال في شرح حديث أبي هُريرةَ قال: قلتُ يا رسولَ الله! بَيْنا أنا في بيتي في مُصَلاَّيَ، إذ دَخَلَ عليَّ رَجُلٌ، فأَعْجَبني الحالُ التي رآني عليها، فقالَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: “رَحِمَكَ الله يا أبا هُريرةَ! لكَ أجرانِ: أَجْرُ السِّرِّ، وأَجْرُ العلانِيَةِ”، غريب.
قوله: “أعجبتني”؛ أي: حسنت عندي. “لك أجران” وإنما قال – صلى الله عليه وسلم – له: (لك أجران)؛ لأن نيته الإخلاص في الصلاة، فحصل له الأجر بإخلاصه، وأحب أن يراه الناس مصليًا ليقتدوا به؛ يعني: ليعملوا مثل عمله، فحصل له الأجر بنيته تعليمَ الناس الخيرَ.
وكذلك جميع الناس ممن عمل عملًا صالحًا لله، وهو يحب أن يعمل الناس مثل عمله، فله أجران: أجرُ العمل، وأجر تعليم الناس الخير.
* قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في الحديث الخامس والتسعين من كتاب بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الرشد (ص: 214) وهو حديث الباب: ” أخبر صلّى الله عليه وسلم في هذا الحديث: أن آثار الأعمال المحمودة المعجلة أنها من البشرى؛ فإن الله وعد أولياءه -وهم المؤمنون المتقون- بالبشرى في هذه الحياة وفي الآخرة.
و”البشارة” الخبر أو الأمر السار الذي يعرف به العبد حسن عاقبته، وأنه من أهل السعادة، وأن عمله مقبول.
أما في الآخرة فهي البشارة برضى الله وثوابه، والنجاة من غضبه وعقابه، عند الموت، وفي القبر، وعند القيام إلى البعث يبعث الله لعبده المؤمن في تلك المواضع بالبشرى على يدي الملائكة، كم تكاثرت بذلك نصوص الكتاب والسنة، وهي معروفة.
وأما البشارة في الدنيا التي يعجلها الله للمؤمنين؛ نموذجاً وتعجيلاً لفضله، وتعرفاً لهم بذلك، وتنشيطاً لهم على الأعمال فأعمها توفيقه لهم للخير، وعصمته لهم من الشر، كما قال صلّى الله عليه وسلم: “أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة”.
فإذا كان العبد يجد أعمال الخير ميسرة له، مسهلة عليه، ويجد نفسه محفوظاً بحفظ الله من الأعمال التي تضره، كان هذا من البشرى التي يستدل بها المؤمن على عاقبة أمره؛ فإن الله أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين. وإذا ابتدأ عبد بالإحسان أتمه. فأعظم منة وإحسان يمن به عليه إحسانه الديني. فيسرّ المؤمن بذلك أكمل سرور: سرور بمنة الله عليه بأعمال الخير، وتيسيرها؛ لأن أعظم علامات الإيمان محبة الخير، والرغبة فيه، والسرور بفعله. وسرور ثان بطمعه الشديد في إتمام الله نعمته عليه، ودوام فضله.
ومن ذلك ما ذكره النبي صلّى الله عليه وسلم في هذا الحديث: إذا عمل العبد عملاً من أعمال الخير.
-وخصوصاً الآثار الصالحة والمشاريع الخيرية العامة النفع، وترتب على ذلك محبة الناس له، وثناؤهم عليه، ودعاؤهم له- كان هذا من البشرى أن هذا العمل من الأعمال المقبولة، التي جعل الله فيها خيراً وبركة.
ومن البشرى في الحياة الدنيا، محبة المؤمنين للعبد: لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم:96] أي محبة منه لهم، وتحبيباً لهم في قلوب العباد.
ومن ذلك الثناء الحسن؛ فإن كثرة ثناء المؤمنين على العبد شهادة منهم له. والمؤمنون شهداء الله في أرضه.
ومن ذلك الرؤيا الصالحة يراها المؤمن، أو تُرى له؛ فإن الرؤيا الصالحة من المبشرات.
ومن البشرى أن يقدر الله على العبد تقديراً يحبه أو يكرهه. ويجعل ذلك التقدير وسيلة إلى إصلاح دينه، وسلامته من الشر.
وأنواع ألطاف الباري سبحانه وتعالى لا تعدّ ولا تحصى، ولا تخطر بالبال، ولا تدور في الخيال. والله أعلم”.
وقال السعدي ايضا في تفسير
لقوله تعالى في بشارة المؤمنين: {ألا إنَّ أوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وكانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ البُشْرى فِي الحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [سورة يونس، الآيات ٦٢- ٦٤]. “فكل من كان مؤمنًا تقيًا كان لله [تعالى] وليًا، و{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}
أما البشارة في الدنيا، فهي: الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الصالحة، وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرفه عن مساوئ الأخلاق.
وأما في الآخرة، فأولها: البشارة عند قبض أرواحهم، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}
وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم المقيم.
وفي الآخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم، والنجاة من العذاب الأليم.
والحاصل أن البشرى شاملة لكل خير وثواب، رتبه الله في الدنيا والآخرة، على الإيمان والتقوى، ولهذا أطلق ذلك، فلم يقيده”.انتهى
وقال الطبري رحمه الله: “إن الله تعالى ذكره أخبر أن لأوليائه المتقين البشرى في الحياة الدنيا، ومن البشارة في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، ومنها بشرى الملائكة إياه عند خروج نفسه برحمة الله …، ومنها بشرى الله إياه وعده في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ من الثواب الجزيل …، وكل هذه المعاني من بشرى الله إياه في الحياة الدنيا بشره بها، ولم يخصص الله من ذلك معنى دون معنى، فذلك مما عمه جل ثناؤه أن لهم البشرى في الحياة الدنيا، وأما في الآخرة فالجنة، وأما قوله: ﴿لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّه﴾؛ فإن معناه أن الله لا خلف لوعده، ولا تغيير لقوله عما قال، ولكنه يمضي لخلقه مواعيده، وينجزها لهم”[جامع البيان في تفسير القرآن ١١/٩٦].
وقال ابن تيمية رحمه الله: “وقد فَسّر النبي ﷺ البشرى في الدنيا بنوعين:
أحدهما: ثناء المثنين عليه.
الثاني: الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح، أو ترى له، فقيل: يا رسول الله الرجل يعمل العمل لنفسه فيحمده الناس عليه؟ قال: ((تلك عاجل بشرى المؤمن))، وقال البراء بن عازب: سئل النبي ﷺ عن قوله ﴿لَهُمُ البُشْرى فِي الحَياةِ الدُّنْيا﴾، فقال: ((هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له)).[رواه الإمام أحمد في مسنده ٦/٤٤٥ و٤٥٢، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤/٣٩٢ ح١٧٨٦].”.[مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ١/٨ وانظر ١٤/٢٠٠].
قال ابن القيم رحمه الله في (الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة-تراث):
“وهو ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر قال: قيل يا رسول الله ﷺ أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه قال تلك عاجل بشرى المؤمن» فأخبر أن حمد الناس للمؤمن بشارة معجلة في الدنيا كالرؤية الصالحة كما في الصحيح عن عبادة بن الصامت أنه سأل النبي عن قوله تعالى ﴿لَهُمُ البُشْرى فِي الحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ﴾ [يونس ٦٤]، قال هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له فجعل حمد الناس له في اليقظة والرؤيا الصالحة في المنام بشارة له في الدنيا والبشارة نوع من الخبر وهو الخبر بما يسر فالحمد هو الخبر بما يسر المحمود ويفرحه فإنكار فرحه ولوازم فرحه إنكار للحمد في الحقيقة”.
وبوب الحافظ ابن حبان رحمه الله في صحيحه: “ذِكْرُ البَيانِ بِأنَّ مَحْمَدَةَ النّاسِ لِلْمَرْءِ وثَناءَهُمْ عَلَيْهِ إنَّما هُوَ بُشْراهُ فِي الدُّنْيا”.
* قال الشيخ فيصل آل مبارك في تطريز رياض الصالحين (ص: 911): ” في هذا الحديث: أنّ مَنْ أخلص العمل لله تعالى أطلق الله الألسنة بالثناء عليه، وأنه من جملة أولياء الله عزَّ وجلّ. قال الله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62، 64]”.
* قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين (6/ 354): ” قال المؤلف النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين باب ما يتوهم أنه رياء وليس هو رياء يعني ما يظنه الإنسان أنه رياء ولكن ليس برياء ثم ذكر حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يعمل العمل فيحمده الناس على ذلك فقال: تلك عاجل بشرى المؤمن أن الناس يثنون عليه … لأن الناس إذا أثنوا على الإنسان خيرا فهم شهداء الله في أرضه ولهذا لما مرت جنازة من عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أثنوا عليها خيرا قال وجبت ثم مرت أخرى فأثنوا عليها شرا قال وجبت فقالوا يا رسول الله ما وجبت قال أما الأول فوجبت له الجنة وأما الثاني فوجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض فهذا معنى قوله تلك عاجل بشرى المؤمن والفرق بين هذه وبين الرياء أن المرائي لا يعمل العمل إلا لأجل الناس ليراه الناس فيكون في نيته شرك شرك مع الله غيره وأما هذا فنيته خالصة لله عز وجل ولم يطرأ على باله أن يمدحه الناس أو يذموه “.
* قال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: ” ما معني الحديث الذي يقول (تلك عاجل بشرى المؤمن) فأرجو إعطائي أمثلة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المؤمن يبشر في الدنيا بعمله الصالح من عدة وجوه:
أولا إذا شرح الله صدره إلى العمل الصالح وصار يطمئن إليه ويفرح به كان هذا دليلا على أن الله تعالى كتبه من السعداء لقول الله تبارك وتعالى (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) ويدل لهذا (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين أخبر أن كل إنسان قد كتب مقعده من الجنة والنار فقالوا يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على ما كتب قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم قرأ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)) فمن بشرى المؤمن أن يجد المؤمن من نفسه راحة في الأعمال الصالحة ورضا بها وطمأنينة إليها ولهذا كانت الصلاة قرة عين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ومن البشرى للمؤمن أن يثني الناس عليه خيرا فإن ثناء الناس عليه بالخير شهادة منهم له على أنه من أهل الخير وهذه الأمة هم الشهداء كما قال الله تعالى (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) وليستبشروا إذا رأوا أن العمل ميسر ل وأن الله سبحانه وتعالى قد شرح صدره للإسلام قال الله تعالى (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ). ”
* قال الشيخ محمد علي آدم الإتيوبي في البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (41/ 290): ” (المسألة الثالثة): في فوائده:
1 – (منها): بيان فضل الإخلاص في الأعمال، حيث إن الله تعالى يوقع في قلوب عباده محبّة صاحبها، وئناءهم عليه، ورضاهم عنه، وهذا من البشرى المعجّلة لذلك الشخص، وهذا معنى قوله في الحديث الماضي: “ثم يوضَع له القبول في الأرض”.
ومن جملة تلك البشرى بشرى الملائكة للمؤمن عند احتضاره، كما ذكره الله سبحانه وتعالى بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30))} [فصلت: 30 ].
وأما بشرى الآخرة فجنة النعيم، قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة: 72].
2 – (ومنها): بيان أن ثناء الناس، ومحبّتهم لعمل العبد علامة على إخلاصه فيه.
3 – (ومنها): أن فيه دليلًا على أنه ينبغي للعبد أن يجاهد نفسه في الإخلاص حتى تحصل له بشرى الدنيا والآخرة.
4 – (ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله: إن هذا الحديث في الرجل الذي يعمل العمل الصالح خالصًا، ولا يريد إظهاره للناس؛ لأنَّه لو عمله ليحمده الناس، أو يبرّوه لكان مرائيًا، وإنما الله تعالى بلطفه، ورحمته، وكرمه يعامل المخلصين ، وينشر طِيب ذِكرهم في الدنيا؛ ليُقْتَدَى بهم .
انتهى من [البحر المحيط الثجاج].
5 – (ومنها): “أنَّ مَن أَخلصَ العَملَ للهِ تَعالى أَطلَقَ اللهُ الأَلسنَةَ بالثَّناءِ عليهِ، وأنَّه مِن جُملةِ أَولياءِ اللهِ عزَّ وجلَّ”.
7 – (ومنها): أن من ثمرات الإخلاص البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال الله – تعالى -: ﴿ألا إنَّ أوْلِياءَ الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وكانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ البُشْرى فِي الحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ الله ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾.
8 – (ومنها): “فَضْلُ السِّيرَةِ الحَسَنَةِ بَينَ النّاس”.
* قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الرشد (ص: 15) ” أما نية المعمول له: فهو الإخلاص لله في كل ما يأتي العبد وما يذر، وفي كل ما يقول ويفعل. قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البيّنة:5] وقال: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] .
وذلك أن على العبد أن ينوي نية كلية شاملة لأموره كلها، مقصوداً بها وجه الله، والتقرب إليه، وطلب ثوابه، واحتساب أجره، والخوف من عقابه. ثم يستصحب هذه النية في كل فرد من أفراد أعماله وأقواله، وجميع أحواله، حريصاً فيه على تحقيق الإخلاص وتكميله، ودفع كل ما يضاده: من الرياء والسمعة، وقصد المحمدة عند الخلق، ورجاء تعظيمهم، بل إن حصل شيء من ذلك فلا يجعله العبد قصده، وغاية مراده، بل يكون القصد الأصيل منه: وجه الله، وطلب ثوابه من غير التفات للخلق، ولا رجاء لنفعهم أو مدحهم. فإن حصل شيء من ذلك من دون قصد من العبد لم يضره شيئاً، بل قد يكون من عاجل بشرى المؤمن”.
* قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الأربعين النووية: ” قال العلماء: تحقيق هذا المقام أن: العمل إذا خالتطه نية فاسدة، يعني رياء؛ نوى للخلق، أو سُمعة: فإنّه إنْ أنشأ العبادة للخلق فهي باطلة، يعني صلّى؛ دخل في الصلاة، لا لإرادة الصلاة؛ ولكن يريد أن يراه فلان، فهذه الصلاة باطلة وهو مشرك كما جاء في الحديث: «من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك» يعني حين أنشأ الصلاة الواحدة أنشأها يرائي، وإلا فإن إنشاء المسلم عباداته جميعًا على الرياء هذا غير متصور، وإنما يقع الرياء ربما في بعض عبادات المسلم؛ إما في أولها، وإما في أثنائها، وأما الرياء التام في جميع الأعمال فإنّ هذا لا يُتصور من مسلم، وإنما يكون من الكفار والمنافقين، كما قال جل وعلا في وصفهم {يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:142] وقوله في وصف الكفار {رِئَاءَ النَّاسِ} ([2]) يعني بهذا أن:
– القسم الأول نية ابتدأ بها العبادة لغير الله، فهذه العبادة تكون باطلة؛ صلاته باطلة، صيامه باطل، وصدقته باطلة، نوى بالعمل غير وجه الله جل وعلا.
– القسم الثاني: أن يحدث تغيير النية في أثناء العبادة، وهذا له حالان:
الحال الأولى: أن يُبطل نيته الأصلية، ويجعل العبادة لهذا المخلوق، فهذا حكمه كالأول من أن العبادة فسدت؛ لأنه أبطل نيتها، وجعلها للمخلوق، فنوى في أثناء الصلاة أن الصلاة هذه لفلان، فتبطل الصلاة.
الحال الثانية من هذا القسم: أن يزيد في الصلاة من لأجل رؤية أحد الناس، يعني: يراه أحد طلبة العلم، أو يراه والده، أو يراه كبير القوم، أو يراه إمام المسجد، فبدل أن يسبح ثلاث تسبيحات أطال في الركوع -والركوع عبادة لله جل وعلا- فأطال على خلاف عادته لأجل رؤية هذا الرائي. فهذا العمل الزائد الذي نوى به المخلوق يبطل؛ لأن نيته فيه لغير الله، و (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ) لكن أصل العمل صالح؛ لأن هذه النية ما عرضت لأصل العمل، وإنما عرضت لزيادة في بعضه؛ أطال الصلاة، أو إمام أطال القراءة؛ لأنه حسَّن صوته لرؤية إلى الخلق، أو لأن وراءه فلان، أو نحو ذلك من الأعمال، فلا يبطل أصل العمل، وإنما ما زاد فيه لأجل الخلق يكون فيه مشركًا الشرك الأصغر، وهو الرياء والعياذ بالله، هذه الحالة الثانية من القسم الثاني.
والحال الثالثة: أن يعرض له حب الثناء، وحب الذكر بعد تمام العبادة، عمِل العبادة لله، صلى لله، حفظ القرآن لله، وصام لله، صام النوافل لله جل وعلا مخلصًا، وبعد ذلك رأى من يُثني عليه، فسرّه ذلك، ورغب في المزيد في داخله، فهذا لا يَخْرِمُ أصل العمل؛ لأنه نواه لله، ولم يكن في أثنائه فيكون شركا، إنما وقع بعد تمامه، فهذا كما جاء في الحديث «تلك عاجل بشرى المؤمن أن يسمع ثناء الناس عليه لعبادته» وهو لم يقصد في العمل الذي عمله أن يثني عليه الناس. هذه ثلاثة أحوال. ”
* يراجع مختلف الحديث: رقـ ((14)) ـــــم: كيف التوفيق بين:
حديث أبي موسى قال جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: الرجلُ يُقاتِلُ للمَغنَمِ، والرجلُ يُقاتِلُ للذِّكرِ، والرجلُ يُقاتِلُ ليُرَى مكانُهُ، فمن في سَبيلِ اللَّهِ؟ قال: (من قاتَلَ لتَكونَ كلمَةُ اللَّهِ هي العُليا، فهو في سَبيلِ اللَّهِ)
وبين ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من قتَلَ قتيلًا لهُ عليهِ بينةٌ فلهُ سلبُهُ)
* قال الشيخ محمد علي آدم الإتيوبي في ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (2/ 265): ” فأما إذا عمل العمل لله خالصا ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك بفضل الله ورحمته واستبشر بذلك لم يضره ذلك.
وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر، عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير، يحمده الناس عليه، فقال: “تلك عاجل بشرى المؤمن” أخرجه مسلم، وخرجه ابن ماجه وعنده: الرجل يعمل فيحبه الناس عليه. ولهذا المعنى فسره الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه، وابن جرير الطبري وغيرهم، وكذلك الحديث الذي خرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا قال: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل فيسره، فإذا اطلع عليه أعجبه،
فقال: “له أجران أجر السر، وأجر العلانية”.
ولنقتصر على هذا المقدار من الكلام على الإخلاص والرياء فإن فيه كفاية.
وبالجملة فما أحسن قول سهل بن عبد الله: ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب، وقال يوسف بن الحسين الرازي: أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، وكأنه ينبت فيه على لون آخر، وقال ابن عيينة: كان من دعاء مطرف بن عبد الله: اللهم إني أستغفرك مما تبت إليك منه ثم عدت فيه، وأستغفرك مما جعلتُهُ لك على نفسي ثم لم أوف به لك، وأستغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمت. اهـ كلام الحافظ بن رجب في جامع العلوم والحكم، وهو كلام نفيس جدًّا، والله أعلم ص 11 – 16.