(2632) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله المشجري وعبدالله البلوشي ابوعيسى، وعبدالله كديم وطارق أبي تيسير وعبدالحميد البلوشي وعبدالملك
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(47) – بابُ فَضْلِ مَن يَمُوتُ لَهُ ولَدٌ فَيَحْتَسِبَهُ
(150) – ((2632)) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، قالَ: قَرَاتُ عَلى مالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَ: «لا يَمُوتُ لِأحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ ثَلاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النّارُ، إلّا تَحِلَّةَ القَسَمِ»
(150) – حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَمْرٌو النّاقِدُ، وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قالُوا: حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، ح وحَدَّثَنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ رافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزّاقِ، أخْبَرَنا مَعْمَرٌ، كِلاهُما عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِإسْنادِ مالِكٍ، وبِمَعْنى حَدِيثِهِ، إلّا أنَّ فِي حَدِيثِ سُفْيانَ «فَيَلِجَ النّارَ إلّا تَحِلَّةَ القَسَمِ»
(151) – ((2632)) حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قالَ لِنِسْوَةٍ مِنَ الأنْصارِ: «لا يَمُوتُ لِإحْداكُنَّ ثَلاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ فَتَحْتَسِبَهُ، إلّا دَخَلَتِ الجَنَّةَ» فَقالَتِ امْرَأةٌ مِنهُنَّ: أوِ اثْنَيْنِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «أوِ اثْنَيْنِ»
(152) – ((2633)) حَدَّثَنا أبُو كامِلٍ الجَحْدَرِيُّ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ، حَدَّثَنا أبُو عَوانَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأصْبَهانِيِّ، عَنْ أبِي صالِحٍ ذَكْوانَ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قالَ: جاءَتِ امْرَأةٌ إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ ذَهَبَ الرِّجالُ بِحَدِيثِكَ، فاجْعَلْ لَنا مِن نَفْسِكَ يَوْمًا نَاتِيكَ فِيهِ، تُعَلِّمُنا مِمّا عَلَّمَكَ اللهُ، قالَ: «اجْتَمِعْنَ يَوْمَ كَذا وكَذا» فاجْتَمَعْنَ، فَأتاهُنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَّمَهُنَّ مِمّا عَلَّمَهُ اللهُ، ثُمَّ قالَ: «ما مِنكُنَّ مِنِ امْرَأةٍ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْها، مِن ولَدِها ثَلاثَةً، إلّا كانُوا لَها حِجابًا مِنَ النّارِ» فَقالَتِ امْرَأةٌ: واثْنَيْنِ، واثْنَيْنِ، واثْنَيْنِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «واثْنَيْنِ، واثْنَيْنِ، واثْنَيْنِ»،
(153) – ((2634)) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، وابْنُ بَشّارٍ، قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ح وحَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ حَدَّثَنا أبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأصْبَهانِيِّ، فِي هَذا الإسْنادِ، بِمِثْلِ مَعْناهُ، وزادا جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأصْبَهانِيِّ، قالَ: سَمِعْتُ أبا حازِمٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «ثَلاثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ»
(154) – ((2635)) حَدَّثَنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأعْلى – وتَقارَبا فِي اللَّفْظِ – قالا: حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي السَّلِيلِ، عَنْ أبِي حَسّانَ، قالَ: قُلْتُ لِأبِي هُرَيْرَةَ: إنَّهُ قَدْ ماتَ لِيَ ابْنانِ، فَما أنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحَدِيثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أنْفُسَنا عَنْ مَوْتانا؟ قالَ: قالَ: نَعَمْ، «صِغارُهُمْ دَعامِيصُ الجَنَّةِ يَتَلَقّى أحَدُهُمْ أباهُ – أوْ قالَ أبَوَيْهِ -، فَيَاخُذُ بِثَوْبِهِ – أوْ قالَ بِيَدِهِ -، كَما آخُذُ أنا بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذا، فَلا يَتَناهى – أوْ قالَ فَلا يَنْتَهِي – حَتّى يُدْخِلَهُ اللهُ وأباهُ الجَنَّةَ» وفِي رِوايَةِ سُوَيْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو السَّلِيلِ. وحَدَّثَنِيهِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا يَحْيى يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ، عَنِ التَّيْمِيِّ بِهَذا الإسْنادِ. وقالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ مِن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا تُطَيِّبُ بِهِ أنْفُسَنا عَنْ مَوْتانا؟ قالَ: نَعَمْ.
(155) – ((2636)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وأبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ – واللَّفْظُ لِأبِي بَكْرٍ – قالُوا: حَدَّثَنا حَفْصٌ يَعْنُونَ ابْنَ غِياثٍ، ح وحَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِياثٍ، حَدَّثَنا أبِي، عَنْ جَدِّهِ طَلْقِ بْنِ مُعاوِيَةَ، عَنْ أبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: أتَتِ امْرَأةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِصَبِيٍّ لَها، فَقالَتْ: يا نَبِيَّ اللهِ ادْعُ اللهَ لَهُ، فَلَقَدْ دَفَنْتُ ثَلاثَةً، قالَ: «دَفَنْتِ ثَلاثَةً؟» قالَتْ: نَعَمْ، قالَ: «لَقَدِ احْتَظَرْتِ بِحِظارٍ شَدِيدٍ مِنَ النّارِ» قالَ: عُمَرُ، مِن بَيْنِهِمْ، عَنْ جَدِّهِ، وقالَ الباقُونَ: عَنْ طَلْقٍ ولَمْ يَذْكُرُوا الجَدَّ
(156) – ((2636)) حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قالا: حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ طَلْقِ بْنِ مُعاوِيَةَ النَّخَعِيِّ أبِي غِياثٍ، عَنْ أبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: جاءَتِ امْرَأةٌ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِابْنٍ لَها، فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إنَّهُ يَشْتَكِي وإنِّي أخافُ عَلَيْهِ، قَدْ دَفَنْتُ ثَلاثَةً، قالَ: «لَقَدِ احْتَظَرْتِ بِحِظارٍ شَدِيدٍ مِنَ النّارِ» قالَ زُهَيْرٌ: عَنْ طَلْقٍ ولَمْ يَذْكُرِ الكُنْيَةَ.
==========
راجع رياح المسك العطرة على صحيح البخاري
بَابُ فَضْلِ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ فَاحْتَسَبَ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] فقد توسعنا في الشرح
التمهيد:
قال الحافظ النووي رحمه الله تعالى في رياض الصالحين: “باب: فضل مَن مات لَهُ أولاد صغار.
1/ 952 – عن أنسٍ قَالَ: قَال رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مُسلِمٍ يَمُوتُ لَهُ ثلاثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ إِلَّا أدخلَهُ اللَّهُ الجنَّةَ بِفَضْل رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ متفقٌ عَلَيْهِ.
2/ 953 – وعن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا يَمُوتُ لأِحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ ثَلاثةٌ مِنَ الوَلَدِ لا تمَسُّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ القَسَم متفقٌ عليه.
1/ 954 – وعن أَبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: جَاءَتِ امرأَةٌ إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: …. متفقٌ عَلَيْهِ.”. انتهى.
“يقول الله تعالى {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة (155) – (157)] وكلما عظمت المصيبة عظم الصبر المطلوب لها وكلما عظم الصبر والاحتساب كلما عظم الأجر
ومن أعظم المصائب موت الأطفال وبخاصة في بداية الحياة الزوجية في الوقت الذي يتشوف فيه الوالدان إلى الأولاد وفي الوقت الذي يكون الأولاد فيه هم سعادة الأبوين … “. [فتح المنعم]
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
((47)) – (بابُ فَضْلِ مَن يَمُوتُ لَهُ ولَدٌ، فَيَحْتَسِبُهُ)
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[(6673)] ((2632)) – شرح الحديث:
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه – (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-)؛ أنه (قالَ: «لا نافية، (يَمُوتُ
لأحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ ثَلاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ) وفي رواية أبي حازم الآتية تقييده بقوله:
» لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ «؛ أي: لم يَجْر عليهم القلم بسبب بلوغهم، وعملهم الحنث؛ أي: الذنب،
(إلّا تَحِلَّةَ القَسَمِ») -بفتح المثناة، وكسر الحاء المهملة، وتشديد اللام-
قال الخطابيّ: حَلَّلت القَسَم تحلّةً؛ أي: أبررتها.
[تنبيه]: قال القرطبيّ رحمه الله: اختُلف في المراد بهذا القسم، فقيل: هو
معيَّنٌ، وقيل: غير معيَّن، فالجمهور على الأول، وقيل: لم يَعْنِ به قَسَم بعينه،
وإنما معناه: التقليل لأمر ورودها، وهذا اللفظ يُستعمل في هذا، تقول: لا ينام
هذا إلا لتحليل الألِيّة
وقيل: الاستثناء بمعنى الواو؛ أي: لا تَمَسُّه النار
قليلًا، ولا كثيرًا، ولا تحلّةَ القسم، وقد جَوَّز الفرّاء، والأخفش مجيء «إلّا»
بمعنى الواو، وجعلوا منه قوله تعالى: {لا يَخافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ ((10)) إلّا مَن ظَلَمَ}
[النمل (10)، (11)]، والأول قول الجمهور، وبه جزم أبو عبيد وغيره، وقالوا:
المراد به قوله تعالى: {وإنْ مِنكُمْ إلّا وارِدُها} [مريم (71)]، قال الخطابيّ: معناه
لا يدخل النار؛ ليعاقَب بها، ولكنه يدخلها مجتازًا، ويدلّ على ذلك ما وقع عند عبد الرزاق، عن
معمر، عن الزهريّ في آخر هذا الحديث: «إلا تحلة القسم»؛ يعني: الورود،
وفي «سنن سعيد بن منصور» عن سفيان بن عيينة، في آخره: ثم قرأ سفيان:
{وإنْ مِنكُمْ إلّا وارِدُها}، ومن طريق زمعة بن صالح، عن الزهريّ، في آخره:
قيل: وما تحلة القسم؟ قال: قوله تعالى: {وإنْ مِنكُمْ إلّا وارِدُها}، وكذا وقع
من رواية كريمة في الأصل: قال أبو عبد الله: {وإنْ مِنكُمْ إلّا وارِدُها}، وكذا حكاه عبد الملك بن حبيب، عن مالك، في تفسير هذا الحديث، وورد نحوه
من طريق أخرى في هذا الحديث، رواه الطبرانيّ من حديث عبد الرحمن بن
بشر الأنصاريّ مرفوعًا: «من مات له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث، لم يَرِد
النارَ إلا عابر سبيل»؛ يعني: الجواز على الصراط، وجاء مثله من حديث آخر،
أخرجه الطبرانيّ، من حديث سهل بن معاذ بن أنس الجُهَنيّ، عن أبيه،
مرفوعًا: «مَن حَرَس وراء المسلمين في سبيل الله متطوعًا، لم ير النار بعينه،
إلا تحلة القسم»، فإن الله عزوجل قال: {وإنْ مِنكُمْ إلّا وارِدُها}.
[تنبيه آخر]: اختُلف في موضع القَسَم من الآية، فقيل: هو مقدَّر؛ أي:
والله إن منكم، وقيل: معطوف على القَسَم الماضي في قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ
لَنَحْشُرَنَّهُمْ} [مريم (68)]؛ أي: وربك إن منكم، وقيل: هو مستفاد من قوله
تعالى: {حَتْمًا مَقْضِيًّا}؛ أي: قَسَمًا واجبًا، كذا رواه الطبرانيّ وغيره، من طريق
مُرّة، عن ابن مسعود، ومن طريق ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، ومن طريق
سعيد، عن قتادة، في تفسير هذه الآية.
وقال الطيبيّ: يَحْتَمِل أن يكون المراد بالقَسَم: ما دلّ على القطع والبَتِّ
من السياق، فإن قوله: {كانَ عَلى رَبِّكَ} [الفرقان (16)] تذييل، وتقرير لقوله:
{وإنْ مِنكُمْ}، فهذا بمنزلة القسم، بل أبلغ؛ لمجيء الاستثناء بالنفي والإثبات.
[تنبيه آخر]: اختَلَف السلف في المراد بالورود في الآية، فقيل: هو الدخول، رَوى عبد الرزاق عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار: أخبرني من
سمع من ابن عباس، فذكره، ورَوى أحمد، والنسائيّ، والحاكم، من حديث
جابر، مرفوعًا: «الورود الدخول، لا يبقى بَرٌّ، ولا فاجر، إلا دخلها، فتكون
على المؤمنين بردًا وسلامًا»، ورَوى الترمذيّ، وابن أبي حاتم، من طريق
السديّ: سمعت مُرّة يحدّث عن عبد الله بن مسعود، قال: يَرِدونها، أو
يَلِجونها، ثم يَصْدُرون عنها بأعمالهم، قال عبد الرحمن بن مهديّ: قلت
لشعبة: إن إسرائيل يرفعه، قال: صدق، وعمدًا أدعه، ثم رواه الترمذيّ عن
عبد بن حميد، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، مرفوعًا.
وقيل: المراد بالورود: الممرّ عليها، رواه الطبريّ وغيره، من طريق
بشر بن سعيد، عن أبي هريرة، ومن طريق أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، ومن طريق معمر، وسعيد، عن قتادة، ومن طريق كعب الأحبار،
وزاد: «يستوون كلهم على متنها، ثم ينادي منادٍ: أمسكي أصحابك، ودَعِي
أصحابي، فيخرج المؤمنون نَدِيّةً أبدانهم».
وهذان القولان أصحّ ما ورد في ذلك، ولا تنافي بينهما؛ لأن من عَبَّر
بالدخول تجوّز به عن المرور، ووجْهه أن المارّ عليها فوق الصراط في معنى
من دَخَلها، لكن تختلف أحوال المارّة باختلاف أعمالهم، فأعلاهم درجة من
يمرّ كلمع البرق، كما بُيّن ذلك في حديث الشفاعة، ويؤيد صحة هذا التأويل
ما رواه مسلم من حديث أم مبشر: «إن حفصة قالت للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- لَمّا قال: لا
يدخل أحد شَهِد الحديبية النار: أليس الله يقول: {وإنْ مِنكُمْ إلّا وارِدُها}؟ فقال
لها: أليس الله تعالى يقول: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم (72)]» الآية.
وفي هذا بيان ضَعْف قول من قال: الورود مختصّ بالكفار، ومن قال:
معنى الورود: الدنوّ منها، ومن قال: معناه: الإشراف عليها، ومن قال: معنى
ورودها: ما يُصيب المؤمن في الدنيا من الحُمّى، على أن هذا الأخير ليس
ببعيد، ولا ينافيه بقية الأحاديث، والله أعلم، ذَكَر هذا كلّه في «الفتح».
وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
الحديث:
[(6674)] وقوله: (فَيَلِجَ النّارَ) من الولوج، وهو الدخول، يقال: ولَجَ يَلِج وُلُوجًا ولجَةً؛ أي: دخل، قال سيبويه: إنما جاء مصدره: وُلُوجًا، وهو من مصادر غير المتعدي، على معنى: ولَجت فيه، وأولَجه: أدخله، قال الله تعالى:
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ ويُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ} [الحج (61)]؛ أي: يزيد من هذا في ذلك، ومن ذلك في هذا، قاله في «العمدة» [«عمدة القاري» (8) / (33)].
وقوله: «فيلجَ النارَ» منصوب بـ «أنْ» المقدرة، تقديره: فأن يلج النار؛ لأن الفعل المضارع المنفيّ يُنصب بـ «أن» المقدرة، وحَكى الطيبيّ عن بعضهم: الفاء بمعنى الواو التي للجمعية، وتقديره: لا يجتمع لمسلم موت ثلاثة
من أولاده، وولوجه النار، قال الطيبيّ: إن
كانت الرواية على النصب فلا مَحِيد عن ذلك، والرفع يدل على أنه لا يوجد
ولوج النار عقيب موت الأولاد، إلا مقدارًا يسيرًا، ومعنى فاء التعقيب كمعنى
الماضي في قوله تعالى: {ونادى أصْحابُ الجَنَّةِ أصْحابَ النّارِ} [الأعراف (44)] في أن ما سيكون بمنزله الكائن؛ لأن ما أخبر به الصادق من المستقبل كالواقع.
وحصل من ابن حجر تعقب على الطيبي وانتصر العيني للطيبي
الحديث:
[(6675)] شرح الحديث:
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه-؛ (أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ لِنِسْوَةٍ مِنَ الأنْصارِ: لم أر) من ذكر أسماءهنّ، وفي رواية ابن حبّان: «أن نسوة من الأنصار قُلن له: يا
رسول الله إنا لا نستطيع أن نأتيك مع الرجال، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: موعدكنّ
بيت فلانة، فجاء، فتحدث معهنّ، ثم قال: لا يموت لإحداكنّ … » الحديث.
(«لا) نافية، ولذا رُفع الفعل بعدها، (يَمُوتُ لإحْداكُنَّ ثَلاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ)؛ أي:
ممن لم يبلغوا الحِنْث، كما قيّد في الرواية الأخرى.
وقال القرطبيّ: «الولد»: يقال على الذكر والأنثى، أي: التكليف، والحنث: الإثم، وإنما خصّه
بهذا الحدّ؛ لأنّ الصغير حبّه أشدّ، والشفقة عليه أعظم، وقيّده بالاحتساب؛
لِما قرّرناه غير مرة أن الأجور على المصائب لا تحصل إلا بالصبر، والاحتساب.
وإنما خصّ الولد بثلاثة؛ لأنّ الثلاثة أوّل مراتب الكثرة، فتعظم
المصائب، فتكثر الأجور، فأمّا إذا زاد على الثلاثة فقد يَخِفّ أمر المصيبة
الزائدة؛ لأنها كأنها صارت عادة ودَيْدنًا
ويحْتَمِل أن يقال: إنما لم يَذْكر ما بعد الثلاثة؛ لأنّه من باب الأحرى
والأولى؛ إذ من المعلوم أن من كَثُرت مصائبه كثر ثوابه، فاكتفي بذلك عن
ذِكره، والله تعالى أعلم [«المفهم» (6) / (638) – (639)].
قال ابن حجر:
وقوله:» وقول الله عزوجل: {وبَشِّرِ الصّابِرِينَ} [البقرة (155)] «وأراد بذلك
الآية التي في البقرة، وقد وُصف فيها الصابرون بقوله تعالى: {الَّذِينَ إذا
أصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ ((156))} [البقرة (156)] فكأن البخاريّ أراد تقييد ما أُطلق في الحديث بهذه الآية الدالة على ترك القلق، والجزع، ولفظُ
المصيبة في الآية، وإن كان عامًّا، لكنه يتناول المصيبة بالولد، فهو من أفراده.
انتهى [«الفتح» (3) / (690) – (692)].
(إلّا دَخَلَتِ الجَنَّةَ»، فَقالَتِ امْرَأةٌ مِنهُنَّ) قيل: من القائلات أم سُليم، كما
عند أحمد في «المسند» ((6) / (431))، وابن أبي شيبة في «المصنّف» ((3) / (353))،
والطبرانيّ في «الكبير»، كما في «المجمع» ((3) / (6)) بسند جيّد، كما قال الحافظ
في «الفتح»، ومنهنّ أم مبشّر، كما عند الطبرانيّ، وأبي يعلى، وابن أبي شيبة،
وأبي قُرّة في «سننه» [راجع: ما كتبه الشيخ مشهور بن حسن في هامش «تنبيه المعلم» ص (434) – (435)].
(أوِ أثْنَيْنِ) قال النوويّ: هذا محمول على أنه -صلى الله عليه وسلم- أوحي إليه عند سؤالها، أو
قبله، وقد جاء في غير مسلم: «أو واحد» [«شرح النوويّ» (16) / (181) – (182)].
وقال القرطبيّ رحمه الله: وقد استَشكَل بعض الناس قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد، إلا كانوا لها حجابًا من النار»، ثم لمّا سئل عن اثنين، قال: «واثنين». ووجْهه: أنه إذا كان حُكْمُ الاثنين حكمَ الثلاثة، فلا فائدة لذِكر الثلاثة أوّلًا، وهذا إنما يصدر عمن يعتقد أن دلالة المفهوم نصّ كدلالة المنطوق … ثم إن الرافع لهذا الإشكال أن يقال: إن الثواب على الأعمال إنما يُعلَم بالوحي، فيكون الله تعالى قد أوحى إلى نبيّه -صلى الله عليه وسلم- بذلك في الثلاثة، ثم
إنه لَمّا سئل عن الاثنين أوحى الله إليه في الاثنين بمثل ما أوحى إليه بالثلاثة،
ولو سئل عن الواحد لأجاب بمثل ذلك، كما قد دلّت عليه الأحاديث
المذكورة في ذلك.
ويَحْتَمِل أن يقال: إن ذلك بحَسَب شدّة وجْد الوالدة، وقوّة صبرها، فقد
لا يَبْعد أن تكون مَن فقدت واحدًا، أو اثنين أشدّ ممن فقدت ثلاثة، أو مساوية
لها، فتُلحق بها في درجتها، والله تعالى أعلم [«المفهم» (6) / (639)].
وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنّف.
الحديث:
[(6676)] ((2633)) شرح الحديث:
قيل المرأة ام سليم
ووقع لأم مُبَشِّر الأنصاريّة
وفي حديث جابر بن سمرة أن أم أيمن ممن سأل عن ذلك، وعن ابن
عباس أن عائشة أيضًا منهنّ.
وحَكى ابن بشكوال أن أم هانئ أيضًا سألت عن ذلك.
ويحْتَمِل أن يكون كل منهنّ سأل عن ذلك في ذلك المجلس، وأما تعدد
القصة ففيه بُعْد؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لمّا سئل عن الاثنين بعد ذِكر الثلاثة، وأجاب بأن
الاثنين كذلك، فالظاهر أنه كان أوحي إليه ذلك في الحال، وبذلك جزم ابن
بطال وغيره، وإذا كان كذلك كان الاقتصار على الثلاثة بعد ذلك مستبعدًا
جدًّا؛ لأن مفهومه يُخرج الاثنين اللذين ثبت لهما ذلك الحكم بالوحي؛ بناء
على القول بمفهوم العدد، وهو معتبَر هنا.
وممن سأل عن ذلك أيضًا: جابر بن عبد الله، ورَوى الحاكم، والبزار، من حديث بُريدة أن عمر سأل عن ذلك أيضًا، ولفظه: «ما من امرئ، ولا
امرأة يموت له ثلاثة أولاد، إلا أدخله الله الجنة، فقال عمر: يا رسول الله
واثنان؟ قال: واثنان»، قال الحاكم: صحيح الإسناد، وهذا لا بُعد في تعدّده؛
لأن خطاب النساء بذلك لا يستلزم علم الرجال به، قاله في «الفتح» [“الفتح (3) / (695)].
ويحْتَمِل أن يكون كان العلم عنده بذلك حاصلًا، لكنه أشفق عليهم أن يتّكلوا؛ لأن موت الاثنين غالبًا أكثر من موت الثلاثة، كما وقع في حديث معاذ
وغيره في الشهادة بالتوحيد، ثم لمّا سئل عن ذلك لم يكن بُدّ من الجواب،
والله تعالى أعلم [«الفتح» (3) / (696)].
قال الحافظ ردا على القرطبي: وهذا مصير منه إلى انحصار الأجر المذكور في الثلاثة، ثم
في الاثنين، بخلاف الأربعة، والخمسة، وهو جمود شديدٌ، فإن من مات له أربعة
فقد مات له ثلاثةُ ضرورةً؛ لأنهم إن ماتوا دفعة واحدة فقد مات له ثلاثة وزيادة،
ولا خفاء بأن المصيبة بذلك أشدّ، وإن ماتوا واحدًا بعد واحد، فإن الأجر
يحصل له عند موت الثالث بمقتضى وعْد الصادق، فيلزم على قول القرطبيّ أنه إن
مات له الرابع أن يرتفع عنه ذلك الأجر، مع تجدِد المصيبة، وكفى بهذا فسادًا،
وقال القرطبيّ أيضًا: يَحْتَمِل أن يفترق الحال في ذلك بافتراق حال
المصاب، من زيادة رِقّة القلب، وشدّة الحبّ، ونحو ذلك، وقد قدمنا الجواب
عن ذلك. انتهى كلام الحافظ [«الفتح» (3) / (695) – (696)، كتاب «الجنائز» رقم ((1249))]، وهو تحقيق نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
الحديث: [(6677)] ((2634))
قال في «الفتح»: قوله: «وقال شريك إلخ» وصَله ابن أبي شيبة عنه،
بلفظ: «حدّثنا عبد الرحمن ابن الأصبهانيّ، قال: أتاني أبو صالح يُعَزِّيني عن
ابن لي، فأخذ يحدّث عن أبي سعيد، وأبي هريرة، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:» ما من
امرأة تَدْفِن ثلاثة أفراط، إلا كانوا لها حجابًا من النار «، فقالت امرأة: يا
رسول الله قَدَّمتُ اثنين، قال:» واثنين «، ولم تسأله عن الواحد، قال أبو هريرة: «من لم يبلغ الحنث»، وهذا السياق ظاهره أن هذه الزيادة عن أبي
هريرة موقوفةٌ، ويَحْتَمِل أن يكون المراد: أن أبا هريرة وأبا سعيد اتفقا على
السياق المرفوع، وزاد أبو هريرة في حديثه هذا القيد، وهو مرفوع أيضًا، لكنها ثابتة عند مسلم من رواية شعبة عن ابن الأصبهانيّ.
وقال في «الفتح»: وعبَّر بقوله: «ولد» ليتناول الواحد فصاعدًا، وإن كان
حديث الباب قد قَيَّد بثلاثة، أو اثنين، لكن وقع في بعض طرقه ذِكر الواحد.
قال الحافظ: وليس في شيء من هذه الطرق ما يصلح للاحتجاج، بل
وقع في رواية شريك التي عَلّق البخاريّ إسنادها: «ولم يسأله عن الواحد»،
وروى النسائيّ، وابن حبان من طريق حفص بن عبيد الله، عن أنس أن المرأة
التي قالت: واثنان، قالت بعد ذلك: يا ليتني قلت: وواحد.
وروى أحمد من طريق محمود بن لبيد، عن جابر، رفعه: «من مات له
ثلاث من الولد، فاحتسبهم دخل الجنة»، قلنا: يا رسول الله واثنان؟ قال
محمود: قلت لجابر: أراكم لو قلتم: وواحد، لقال: وواحد، قال: وأنا أظن
ذلك.
قال الحافظ: وهذه الأحاديث الثلاثه أصحّ من تلك الثلاثة، لكن روى
البخاريّ من حديث أبي هريرة، مرفوعًا: “يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء، إذا قبضت صفيّه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة»، وهذا
يَدخُل فيه الواحد، فما فوقه، وهو أصح ما ورد في ذلك. انتهى [«الفتح» (3) / (690) – (691)].
الحديث: [(6678)] ((2635)) – (دَعامِيصُ الجَنَّةِ») هو بالدال والعين
والصاد المهملات، واحدهم دُعْمُوص، بضم الدال؛ أي: صغار أهلها، وأصل
الدّعموص: دُوَيِّبَة تكون في الماء، لا تفارقه؛ أي: إن هذا الصغير في الجنة لا
يفارقها، قاله النوويّ [«شرح النوويّ» (16) / (182)].
وقال المناويّ: قوله: «دعاميص الجنة»؛ أي: صغار أهلها، وهو
بفتح الدال: جمع دُعموص بضمها: الصغير، وأصله دُويّبة صغيرة، يَضْرِب لونها
إلى سواد، تكون في الغدران انتهى [«فيض القدير على الجامع الصغير» (4) / (194)].
وقال القرطبيّ: قوله:
في هذا الحديث، إلا على معنى تشبيه صغار الجنة بتلك الدُّويبة في صغرها، أو في غوصهم في نعيم الجنة، وكل ذلك فيه بُعْدٌ، وقد سمعت من بعض من لقيته؛ أن الدُّعموص يراد به: الآذن على المَلِك، المتصرِّف بين يديه، انتهى كلام القرطبيّ [» المفهم «(6) / (641)].
وقال القرطبيّ: هو بكسر النون، قال الجوهريّ: صَنِفة
الإزار -بكسر النون-: طَرَفه، وهو جانبه الذي لا هُدْب له،
وقال القرطبيّ: قوله:» فلا يتناهى إلخ «؛ أي: ما يترك ذلك، يقال: انتهى، وتناهى، وأنهى: بمعنى ترك، وهكذا الرواية المشهورة: «أبويه» با لتثنية،
وعند ابن ماهان: «أباه» بالباء الموحّدة، وعند عبد الغافر: «وإيّاه» بالياء من
تحتها، وكلٌّ له وجه واضح.
وفي هذا الحديث ما يدلّ على أن صغار أولاد المؤمنين في الجنة، وهو
قول أكثر أهل العلم، وهو الذي تدلّ عليه أخبار صحيحة كثيرة، وظاهر قوله
تعالى: {والَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإيمانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية [الطور (21)]،
وقد أنكر بعض العلماء الخلاف فيهم، وهذا فيما عدا أولاد الأنبياء، فإنّه قد
تقرّر الإجماع على أنهم في الجنة، حكاه أبو عبد الله المازريّ، وإنما الخلاف
في أولاد المشركين على ما يأتي إن شاء الله تعالى. انتهى [«المفهم» (6) / (642)].
وقال المناويّ: فيه أن أطفال المسلمين في الجنة، وهو إجماع من يُعْتَدّ
به، ولا عبرة بخلاف المجبّرة، ولا حجة لهم في خبر: «الشقيّ من شَقِي في بطن
أمه»؛ لأنه عامّ مخصوص، بل الجمهور على أن أطفال الكفار فيها. انتهى [«فيض القدير» (4) / (194)].
فيصير معنى من شقي في بطن أمه لأنه كتب عليه البلوغ والموت على الكفر
الحديث:
[(6679)] ( … ) (قالَ) -صلى الله عليه وسلم-: («لَقَدِ احْتَظَرْتِ)؛ أي: امتنعتِ بمانع وثيق، وأصلُ
الحظر: المنع، وأصل الحِظار بكسر الحاء، وفتحها: ما يُجعل حول البستان،
وغيره من قضبان، وغيرها، كالحائط، قاله النوويّ رحمه الله [«شرح النوويّ» (16) / (183)].
[خاتمة]: نختم بها الباب:
(اعلم): أن الإمام ابن عبد البرّ قد ذكر اختلاف أهل العلم في الأطفال،
أحببت ختم الباب به تتميمًا للفوائد، وتكميلًا للعوائد: …… فذكر الأقوال وادلتها وقال:
وإذا تعارضت الآثار وجب سقوط الحكم بها، ورجعنا إلى أن الأصل أنه
لا يعذَّب أحد إلا بذنب؛ لقوله تعالى: {وما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولًا}
[الإسراء (15)]، وقوله: {ألَمْ يَاتِكُمْ رُسُلٌ مِنكُمْ} [الزمر (71)].
وآيات القرآن كثيرة في هذا المعنى، على أني أقول: إن الله ليس بظلّام
للعبيد، ولو عذّبهم لم يكن ظالمًا لهم، ولكن جَلّ من تسمى بالغفور الرحيم
الرؤوف الحكيم، أن تكون صفاته إلا حقيقة، لا إله إلا هو، لا يُسأل عما
يَفعل وهم يُسألون.
قال [الأتيوبي] عفا الله عنه: قوله: «وإذا تعارضت الآثار وجب إلخ» فيه نَظَر
لا يخفى؛ لأنك قد علمت أن الآثار التي تدلّ على أنهم في النار ضعاف،
فكيف يعارض بها ما في «صحيح البخاريّ»: «وأولاد المشركين»، هذا غريب
من ابن عبد البرّ، فتنبّه، والله تعالى وليّ التوفيق.
وقال آخرون: يُمتحنون في الآخرة.
واحتجّوا بحديث أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الهالك
في الفترة، والمعتوه، والمولود، قال: «يقول الهالك في الفترةْ لم يأت
كتاب، ولا رسول …..
وهي كلها أسانيد ليست بالقويّة، ولا يقوم بها حجة، وأهل العلم ينكرون
أحاديث هذا الباب؛ لأن الآخرة دار جزاء، وليست دار عمل، ولا ابتلاء،
وكيف يكلَّفون دخول النار، وليس ذلك في وُسْع المخلوقين؟ والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ولا يخلو أمر من مات في الفترة من أن يموت كافرًا، أو غير
كافر، إذا لم يكفر بكتاب الله، ولا رسول، فإن كان قد مات كافرًا جاحدًا،
فإن الله قد حرَّم الجنة على الكافرين، فكيف يُمتحنون؟ وإن كان معذورًا بأن لم
يأته نذير، ولا أُرسل إليه رسول، فكيف يؤمر أن يقتحم النار، وهي أشدّ
العذاب؟ والطفل، ومن لا يعقل أحرى بأن لا يُمتحن بذلك.
وإنما أدخل العلماء في هذا الباب النظر؛ لأنه لم يصحّ عندهم فيه الأثر،
وبالله التوفيق، لا شريك له. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه الله [«الاستذكار» (3) / (109) – (114)].
قال [الأتوبي] عفا الله عنه: عندي الحقّ قول من قال: إن أولاد الناس في
الجنّة، مسلميهم، وكافريهم؟ لقوّة الحجة في ذلك، ولا سيّما قصّة إبراهيم
وحوله أولاد الناس، فقد أخرجه البخاريّ، والله تعالى أعلم.
[البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
مسألة:
(اعلم): أني وجدت الحافظ وليّ الدين العراقيّ قد تكلّم على فوائد هذا
الحديث في كتابه الممتع: «طرح التثريب»، فأحببت أن أذكر ما كتبه، وإن كان
بعضه تقدّم، إلا أن له زوائد مفيدةً جدًّا، نختار منها:
قال [الأتيوبي] عفا الله عنه: لا بُعد في هذا التقرير الذي أيّده وليّ الدين
وحاصله إلحاق البالغين بغيرهم في هذا الحكم، ويؤيّد ذلك ما أخرجه البخاريّ
في «صحيحه» عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يقول الله تعالى:
ما لعبدي المؤمن عندي جزاء، إذا قبضت صفيّه من أهل الدنيا، ثم احتسبه،
إلا الجنة» [«صحيح البخاريّ» (5) / (2361)].
فهذا الحديث نصّ صريح في أن من أُصيب بولد بالغ، ثم احتسبه،
فجزاؤه الجنّة، وهذا هو معنى حديث الباب، والله تعالى أعلم.
قال [الأتيوبي] عفا الله عنه: الذي يظهر لي عدم إلحاق أولاد الأولاد
بالأولاد؛ لتنصيص هذه الأحاديث بالصُّلب، وهي وإن تُكلّم في بعضها، إلا أن
مجموعها يتقوّى، ولا سيّما رواية الطبرانيّ، فتأمل بالإمعان، والله تعالى أعلم.
[البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
ثانيًا: ملحقات:
فوائد الباب:
(1) – (منها): بيان فضل من مات له ثلاثة أولاد، فإنه يدخل الجنّة، ولا
تمسّه النار، إلا الورود الذي في قوله تعالى: {وإنْ مِنكُمْ إلّا وارِدُها} الآية.
(2) – (ومنها): أن هذا الفضل خاصّ بالمسلمين، فلا حظّ للكافر فيه، وتدخل المسلمات فيه، وقد جاء ما يخصّهنّ بالذكر في الحديث الثالث.
(3) – (ومنها): بيان فضل الله تعالى على المسلمين، حيث جعل لهم الجنة
عِوَضًا عما يصيبهم من البلاء بموت أولادهم.
(4) – (ومنها): بيان أن أولاد المسلمين في الجنة؛ لأن من يكون سببًا في
حَجْب النار عن أبويه أولى بأن يُحجَبَ هو؛ لأنه أصل الرحمة، وسببها، بل
جاء التصريح به في الحديث، ولفظه: «فيقال: ادخلوا الجنّة أنتم وآباؤكم»،
والله تعالى أعلم.
(5) – (ومنها): أن من حلف أن يفعل كذا، ثم فَعَل منه شيئًا ولو قَلّ بَرّت
يمينه، خلافًا لمالك، قاله عياض وغيره.
(6) – (ومنها): بيان كون أولاد المسلمين في الجنة. قاله الجمهور،
ووَقَفت طائفة قليلة، والصحيح قول الجمهور.
قال النوويّ: أجمع من يُعتدّ به من علماء المسلمين على أن من
مات من أطفال المسلمين، فهو من أهل الجنة، وتوقف فيه بعضهم، لِما
أخرجه مسلم عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: أُتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بصبيّ من صبيان الأنصار، فصلى عليه، قالت عائشة: فقلت: طوبى لهذا، عصفور، من عصافير
الجنة، لم يعمل سوءًا، ولم يدركه، قال: «أو غير ذلك يا عائشة، خَلَق الله تعالى الجنة، وخَلَق لها أهلًا، وخَلَقهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار، وخلق لها أهلًا، وخلقهم في أصلاب آبائهم».
قال: والجواب عنه: أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير
دليل، أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة. انتهى، والله
تعالى أعلم.
قال السفاريني:
وأما بقية المؤمنين سوى الشهداء، فإنهم ينقسمون إلى أهل تكليف وغير أهل تكليف، فغير أهل التكليف كأطفال المؤمنين، فالجمهور على أنهم في الجنة، وقد حكى الإمام أحمد الإجماع على ذلك. قال في رواية جعفر بن محمد: ليس فيهم اختلاف يعني أنهم في الجنة، وفي رواية الميموني: أوا أحد يشك أنهم في الجنة. البحور الزاخرة
(7) – (ومنها): ما قاله ابن عبد البرّ رحمه الله: في هذا الحديث على حَسَب ما
قيّده مالك رحمه الله في ترجمته من ذِكر الحسبة، وهي الصبر، والاحتساب، والرضا، والتسليم، أن المسلم تُكَفَّر خطاياه، ويُغفر له ذنوبه بالصبر على مصيبته، ولذلك خَرَج عن النار، فلم تمسّه، قاله في «الاستذكار».
وقال في «التمهيد»: فيه أن المسلم تُكَفَّر خطاياه، وتُغْفَر له ذنوبه بالصبر
على مصيبته، ولذلك زُحزح عن النار، فلم تمسّه؛ لأن من لم تُغفر له ذنوبه لم
يُزحزح عن النار -والله أعلم، أجارنا الله منها- وإنما قلت ذلك بدليل
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزال المؤمن يصاب في ولده، وحامَّته حتى يلقى الله، وليست
عليه خطيئة»، وانما قلت: إن ذلك بالصبر والاحتساب والرضى؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-:
«من صبر على مصيبته، واحتسب كان جزاؤه الجنة». انتهى، والله تعالى
أعلم.
8 – (منها): مشروعيّة سؤال النساء عن أمر دينهنّ، وجواز كلامهنّ مع الرجال في ذلك، وفيما لهنّ الحاجة إليه.
9 – (ومنها): جواز الوعد.
(10) – (ومنها): ثبوت الأجر للثكلى.
(11) – (ومنها): أن الحديث يدلّ على كون أطفال المسلمين في الجنة، وقد نقل جماعة فيهم إجماع المسلمين، وقال المازريّ: أما أولاد الأنبياء
– صلوات الله وسلامه عليهم- فالإجماع متحقق على أنهم في الجنة، وأما
أطفال من سواهم من المؤمنين، فجماهير العلماء على القطع لهم بالجنة، ونقل
جماعة الإجماع في كونهم من أهل الجنة قطعًا؛ لقوله تعالى: {والَّذِينَ آمَنُوا
واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإيمانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور (21)] وتوقف بعض المتكلمين فيهم،
وأشار إلى أنه لا يُقطع لهم كالمكلفين [«شرح النوويّ» (16) / (183)]، والله أعلم.
مسألة:
المتأمل في النصوص المخبرة عن حال أطفال المسلمين في البرزخ، وعند البعث والحساب يوم القيامة، ثم عند دخول الجنة، يمكننا تقسيم رحلتهم تلك إلى المراحل الآتية:
1 – أما حالهم في البرزخ فالثابت أنهم بمجرد موتهم يُنقلون إلى الجنة، وأن أرواحهم تتنعم فيها في رعاية أبينا إبراهيم عليه السلام:
ورد ذلك في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: ( ….. وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّويلُ الذي فِي الرَّوضَةِ فَإِنَّه إبراهيمُ، وَأَمَّا الوِلدَانُ الذِينَ حَولَه فَكُلُّ مَولُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ، فَقَالَ بَعضُ المُسلِمِين: يَا رَسُولَ اللهِ! وَأَوْلَادُ المُشْرِكِين؟ فَقَالَ: وَأَوْلَادُ المُشرِكِين) رواه البخاري (7047)
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
” أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير تسرح في الجنة حيث شاءت، فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش ” انتهى.
رواه ابن أبي حاتم بسنده، انظر “تفسير القرآن العظيم” (7/ 148)
قال ابن رجب:
خرّجه ابن أبي حاتم ورواه الثوري والأعمش عن أبي قيس عن هذيل من قوله: ولم يذكر ابن مسعود.
وخرَّج البيهقي عن ابن عباس عَن كعب نحوه.
تفسير ابن رجب
وفي تفسير ابن كثير:
وقالَ: ابْنُ أبِي حاتِمٍ حَدَّثَنا أبُو سَعِيدٍ حَدَّثَنا المُحارِبِيُّ حَدَّثَنا لَيْثٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَرْوانَ عَنْ هُذَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: إنَّ أرْواحَ الشُّهَداءِ فِي أجْوافِ طيور خضر تسرح بهم في الجنة حيث شاؤوا، وإنَّ أرْواحَ وِلْدانِ المُؤْمِنِينَ فِي أجْوافِ عَصافِيرَ تَسْرَحُ فِي الجَنَّةِ حَيْثُ شاءَتْ فَتَاوِي إلى قَنادِيلَ مُعَلَّقَةٍ فِي العَرْشِ، وإنَّ أرْواحَ آلِ فرعون في أجواف طيور سُودٍ تَغْدُو عَلى جَهَنَّمَ وتَرُوحُ عَلَيْها فَذَلِكَ عَرْضُها، وقَدْ رَواهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أبِي قَيْسٍ عن الهذيل بْنِ شُرَحْبِيلَ مِن كَلامِهِ فِي أرْواحِ آلِ فِرْعَوْنَ وكَذَلِكَ قالَ السُّدِّيُّ. انتهى
والثوري والأعمش أوثق
2 – فإذا قامت القيامة، وبُعث الخلق من قبورهم، بعث الأطفال أيضا على حال طفولتهم وصغرهم الذي ماتوا عليه، فيشفعون لآبائهم، ويدخلونهم الجنة برحمة الله لهم:
حديث ( … صِغَارُهُم دَعَامِيْصُ الجَنَّةِ …. )
رواه مسلم (2635)
ففي هذا الحديث دليل ظاهر على أن الأطفال يبقون على حال طفولتهم عند البعث والجزاء والحساب، بل حتى السقط الذي نفخ فيه الروح يبقى على هيئته يوم سقط من رحم أمه.
3 – فإذا دخل أهل الجنة الجنة، وأخذوا منازلهم فيها، فذهب بعض أهل العلم إلى أنهم يدخلونها جميعا – كبارهم وصغارهم – وهم أبناء ثلاث وثلاثين سنة
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاَثِينَ أَوْ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً)
رواه الترمذي (2545) و قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وبعض أصحاب قتادة رووا هذا عن قتادة مرسلا ولم يسندوه.
قال ابن كثير:
وهَذا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ شَهْرٍ ومُعاذٍ انْقِطاعًا لَوْ كانَ ساقَهُ لَكانَتْ أبْعَدَ مِن شَهْرٍ، وهُوَ يُفْهِمُ بَعْثَهُمْ مِن قُبُورِهِمْ كَذَلِكَ، وقَدْ تَقَدَّمَ أنَّ كُلَّ أحَدٍ يُبْعَثُ عَلى ما ماتَ عَلَيْهِ، ثُمَّ تُغَيَّرُ حُلاهُمْ إلى الطُّولِ والعَرْضِ، كُلُّ أحَدٍ بِحَسَبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ دُخُولِ الجَنَّةِ والنّارِ، عَلى ما سَيَاتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى.
وعند ابن الجوزي في جامع المسانيد
حدّثنا أحمد قال: حدّثنا سليمان بن داود قال: حدّثنا عمران عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غَنْم عن معاذ بن جبل:
أنّه سأل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أو سمع النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يَدْخُلُ أهلُ الجنّةِ الجنّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلين، بني ثلاثين» أو «ثلاث وثلاثين» (
ورواه الإمام أحمد في “المسند” (2/ 315) من حديث أبي هريرة، وحسنه المحققون. والهيثمي في “مجمع الزوائد” (10/ 402)، وصححه أبو حاتم في “العلل” (3/ 272)، والألباني في “السلسلة الصحيحة” (6/ 1224) وصحيح الترغيب 3699. انتهى النقل من صحيح الترغيب
ففي علل ابن أبي حاتم:
(2138) – وسألتُ أبِي عَنْ حديثٍ رَواهُ أبُو سَلَمة، عَنْ حمّاد بْنِ سَلَمة، عَنْ عليِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بن المسيّب: أنّ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) … .
قلتُ: ورَواهُ آدَمُ فَقالَ: عَنْ عليِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) قال: يَدْخُلُ أهْلُ الجَنَّةِ
الجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ، عَلى خَلْقِ آدَمَ، أبْناءَ ثَلاَثٍ وثَلاَثِينَ.
قلتُ لأبِي: فأيُّهما الصَّحيحُ؟
قالَ: جَمِيعًا صَحيحَينِ، قصَّر أبُو سَلَمة.
فهو على شرط المتمم على الذيل
وفي تخريج الإحياء:
ورواه ابن سعد في الطبقات عن سعيد بن المسيب مرسلًا
بل جاء ذلك صريحا في رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه – وفي إسنادها كلام – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ يُرَدُّونَ بَنِي ثَلاَثِينَ فِي الجَنَّةِ لاَ يَزِيدُونَ عَلَيْهَا أَبَدًا، وَكَذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ) رواه الترمذي (2562) وضعفه بقوله: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين – وهو ابن سعد -. قال ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك.
وقال أبو بكر بن أبي داود حدثنا محمود بن خالد وعباس بن الوليد قال حدثنا عمر عن الأوزاعي عن هرون بن رباب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يبعث أهل الجنة على صورة آدم في ميلاد ثلاث وثلاثين سنة جردا مردا مكحلين ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة فيكسون منها لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم»
وهو في المختارة وعمر هو عمر بن عبدالواحد ثقة … فهو على شرط الذيل
وقالَ أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي الدُّنْيا: حَدَّثَنا القاسم بن هشام، حدثنا صفوان بن صالح، حدثني جرد بْنُ جَرّاحٍ العَسْقَلانِيُّ، حَدَّثَنا الأوْزاعِيُّ، عَنْ هارُونَ بن رياب، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
وذهب آخرون من أهل العلم، من الصحابة والتابعين، إلى أن من مات من أطفال المسلمين قبل بلوغ سن الحلم، يكونون خدم أهل الجنة، يطوفون عليهم بالشراب والطعام والنعيم، وأولئك هم المذكورون في قوله تعالى: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَاسٍ مِنْ مَعِينٍ) الواقعة/17 – 18، وقوله سبحانه: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) الطور/24، وقوله عز وجل: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا) الإنسان/19
نقل ذلك العلامة ابن القيم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن الحسن البصري رحمه الله، ولكنه اختار رحمه الله ترجيح القول بأن هؤلاء الولدان الذي يخدمون أهل الجنة هم غلمان مخلوقون من الجنة كالحور العين، وأنهم غير من مات من أطفال المسلمين من أهل الدنيا، وقال: ” وأما ولدان أهل الدنيا فيكونون يوم القيامة أبناء ثلاث وثلاثين ” انتهى.
انظر: “حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح” (ص/309 – 311).
والله أعلم.
فالراجح ما جاء في الأحاديث الصحيحة أنهم أولاد ثلاثة وثلاثين.