262 جامع الأجوبة الفقهية ص 306
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام
حديث رقم 108 و 109
مسألة: هل الغسل لصلاة الجمعة أم لليوم؟
بعد أن بحثنا حكم غسل الجمعة في المسألة السابقة، نبحث هنا اختلاف الفقهاء في هل هذا الغسل هو لصلاة الجمعة أم ليوم الجمعة؟
فالعلماء اختلفوا في هذه المسألة على قولين:
الأول: أنه لصلاة الجمعة لا ليومها، وهو مذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة.
واشترط المالكية ألا يفصل بين الغسل والرواح نوم أو غذاء إلا أن يكون ذلك في المسجد.
الثاني: قالوا بأن الغسل لليوم لا للصلاة، فلو اغتسل قبل غروب يوم الجمعة حقق السنة، اختاره بعض الحنفية، وهو اختيار ابن حزم.
– انظر: حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني (1/ 379)، إعانة الطالبين (2/ 72)، المنهج القويم (ص: 380)، كشاف القناع (1/ 150)، شرح منتهى الإرادات (1/ 83)، تبيين الحقائق (1/ 18)، شرح فتح القدير (1/ 67)، المحلى (2/ 19) مسألة: 179.
– دليل القول الأول من قال: أن الغسل للصلاة.
الدليل الأول:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل. اخرجه البخاري (877،894،919)
الدليل الثاني:
عن عكرمة، أن أناسا من أهل العراق جاءوا، فقالوا: يا ابن عباس، أترى الغسل يوم الجمعة واجباً؟ قال: لا، ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدء الغسل، كان الناس مجهودين يلبسون الصوف، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقاً مقارب السقف، إنما هو عريش، فخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في يوم حار، وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضاً، فلما وجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تلك الريح قال: أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه. قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير، ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضا من العرق.
اخرجه أبوداود في سننه (353)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 116 – 117). و أحمد (1/ 268) وعبد بن حميد كما في المنتخب (590)، وابن خزيمة (3/ 127) والحاكم في المستدرك (1/ 280 – 281).
وجه الدلالة:
أنه كان مشروعية الغسل من أجل اجتماع الناس في المسجد، ودفعاً لما قد يتأذى بعضهم من بعض نتيجة انبعاث الروائح الكريهة عند اجتماع الناس.
الدليل الثالث:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -، فناداه عمر، أية ساعة هذه؟ قال: إني شغلت، فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد أن توضأت. فقال: والوضوء أيضاً، وقد علمت أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يأمر بالغسل. أخرجه البخاري (878)، ومسلم (845).
وجه الاستدلال:
أنكر عمر على عثمان إتيانه الجمعة مقتصراً على الوضوء، وتاركاً للغسل، ولو كان وقت الغسل لم يذهب بعد، لم يكن الإنكار في محله، فكان يمكن لعثمان أن يغتسل بعد الجمعة، فدل هذا على أن الغسل لحضور الصلاة، وليس لذات اليوم.
دليل من قال: الغسل لليوم، وليس للصلاة.
الدليل الأول:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم. صحيح البخاري (879)، ومسلم (846).
وجه الاستدلال:
أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أضاف الغسل إلى يوم الجمعة، ويوم الجمعة يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وأجيب: بأن هذا الحديث مطلق قيدته الروايات، وبينته بأنه المراد قبل الصلاة.
الدليل الثاني:
عن عائشة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – قالت: كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي، فيأتون في العباء يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إنسان منهم، وهو عندي، فقال: النبي – صلى الله عليه وسلم – لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا. اخرجه البخاري (902)، ومسلم (847).
وجه الاستدلال:
قوله – صلى الله عليه وسلم -: «لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا» فجعل الطهر من أجل اليوم، وليس من أجل الصلاة.
الدليل الثالث:
عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يغسل رأسه وجسده. وفي رواية للبخاري «على كل مسلم حق أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً».
اخرجه البخاري (898) ومسلم (849).
وجه الاستدلال:
جعل الغسل مشروعاً في السبعة أيام، فإذا اغتسل في اليوم السابع فقد قام بالمشروع، وقد بينب الرويات الأخرى، أن هذا اليوم هو يوم الجمعة، ففي أي ساعة اغتسل فقد امتثل الأمر.
– قال ابن بطال في شرح صحيح البخارى (2/ 491):
واختلفوا فى وقت غسل الجمعة، وهل الغسل لأجل اليوم أو لأجل الصلاة، … قال أبو يوسف: إن كان الغسل لليوم فإن اغتسل بعد الفجر، ثم أحدث فصلى الجمعة بوضوء فغسله تام، وإن كان الغسل للصلاة، فإنما شهد الجمعة على وضوء. وذكر ابن المنذر عن مجاهد، والحسن البصرى، والنخعى، والثورى، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، وأبى ثور، أنه من اغتسل بعد الفجر للجمعة أنه يجزئه من غسل الجمعة، وهو قول ابن وهب صاحب مالك، وقال مالك: لا يجزئه إلا أن يكون غسلا متصلا بالرواح ولا يجزئ فى أول النهار. انتهى
– جاء في المنتقى شرح الموطإ (1/ 186):
قوله: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل جعل الجمعة في هذا الحديث اسما للصلاة وأمر بالاغتسال من جاءها وذلك يقتضي تعلق الاغتسال بالصلاة دون اليوم. انتهى
– قال صاحب المسالك في شرح موطأ مالك (2/ 436):
مذهب مالك؛ أن الغسل للجمعة لا يكون إلا متصلا بالرواح لها.
وقال ابن وهب في “العتبية”: “يصح أن يغتسل لها بعد طلوع الفجر، قال: وأفضل له أن يتصل غسله برواحه” وبه قال أبو حنيفة، والشافعي. والحجة في ذلك لمالك من حديث ابن عمر عن النبي عليه السلام؛ أنه قال: “إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل”.
قال الإمام: ووجه الدليل منه، أنه لما أمر من جاء للجمعة بالاغتسال، كان الظاهر أن اغتساله للمجيء، ويجب على ذلك أن يبقى أثره إلى وقت الإتيان لها، وذلك لا يصح، إلا أن يكون متصلا برواحه. فأما من اغتسل أول نهاره، ثم نام وانصرف، فإن ذلك الغسل لا يجزئه عند مالك. انتهى
– قال ابن رجب في فتح الباري (8/ 92):
وقوله: ((ثم راح)) يدل على أنه لا تحصل سنة الاغتسأل للجمعة إلا قبل صلاة الجمعة، وأنه لو اغتسل بعد الصلاة في بقية اليوم لم يكن آتيا بفضيلة الغسل المأمور به، وقد حكى ابن عبد البر وغيره الإجماع على ذلك. وأظن بعض الظاهرية يخالف فيه، ويزعم: أن الغسل لليوم لا للصلاة، ولا يعبأ بقوله في ذلك. انتهى
– جاء في المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (3/ 203):
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «إِذَا اغتسل الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ أَجْنَبَ»
غرض المصنف بهذا بيان أن غسل الجمعة لليوم لا للصلاة وأنه يدخل وقته بطلوع الفجر لأنه أول اليوم شرعا كما أن من اغتسل قبل طلوع الفجر لا يجزئه عن الجمعة لأنه اغتسل قبل مجئ الوقت (قال) العينى أشار بهذا إلى أن هذا الغسل لليوم لا للصلاة وهو قول محمد والحسن بن زياد من أصحابنا (وقال) أبو يوسف للصلاة. وفائدته تظهر فيما قال أبو داود فعندهما إذا اغتسل بعد طلوع الفجر ينال أجر الغسل لأنه وجد في يوم الجمعة. وعند أبى يوسف لا ينال لأنه لم يصلّ به الجمعة وكذا الخلاف إذا اغتسل بعد صلاة الجمعة. انتهى
– قال ابن حزم في المحلى بالآثار (1/ 267):
عن أبي هريرة رفعه قال «على كل مسلم في كل سبعة أيام غسل وهو يوم الجمعة». وهكذا رويناه من طريق جابر والبراء مسندا، فصح بهذا أنه لليوم لا للصلاة وروينا عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة فيجتزئ به من غسل الجمعة، وعن شعبة – عن منصور بن المعتمر عن مجاهد قال: إذا اغتسل الرجل بعد طلوع الفجر أجزأه. وعن الحسن: إذا اغتسل يوم الجمعة بعد طلوع الفجر أجزأه للجمعة، فإذن هو لليوم، ففي أي وقت من اليوم اغتسل أجزأه، وعن إبراهيم النخعي كذلك. انتهى
– قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتح ذي الجلال (1/ 330):
قال: “غسل الجمعة واجب” فأضافه إلى الجمعة، والأصل: أن الجمعة هي الصلاة لا اليوم؛ ولهذا يقال: يوم الجمعة، وبه نعلم أن الغسل هنا للصلاة وليس لليوم. انتهى
وفي فتاوى ابن باز:
– مسألة في وقت الغسل لصلاة الجمعة
س: هل يجوز إذا اغتسلت في الساعة الثالثة صباحا من يوم الجمعة هل أكون ممن جاء مبكرا واكتسب الأجر كاملا؟
ج: من اغتسل يوم الجمعة وبكر إلى المسجد يرجى له ما قاله النبي – صلى الله عليه وسلم – من الأجر العظيم، والأفضل أن يكون الغسل عند توجهه إلى المسجد، أما الغسل قبل طلوع الفجر فلا تحصل به السنة، والله الموفق.
من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من جريدة المسلمون، وقد أجاب عنه سماحته بتاريخ (5) \ (6) \ (1419) هـ
والله أعلم …