2608 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله المشجري وعلي الكربي وإبراهيم المشجري وعبدالله البلوشي ابوعيسى وعبدالحميد البلوشي، وكديم وطارق أبي تيسير، وإبراهيم البلوشي
وخميس العميمي والكربي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم،
٣٠ – بابُ: فَضْلِ مَن يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ وبِأيِّ شَيْءٍ يَذْهَبُ الغَضَبُ.
١٠٦ – (٢٦٠٨) حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وعُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ – واللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ – قالا: حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إبْراهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الحارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ؟» قالَ قُلْنا: الَّذِي لا يُولَدُ لَهُ، قالَ: «لَيْسَ ذاكَ بِالرَّقُوبِ ولَكِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِن ولَدِهِ شَيْئًا» قالَ: «فَما تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟» قالَ قُلْنا: الَّذِي لا يَصْرَعُهُ الرِّجالُ، قالَ: «لَيْسَ بِذَلِكَ، ولَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ».
١٠٦ – حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو كُرَيْبٍ قالا: حَدَّثَنا أبُو مُعاوِيَةَ، ح وحَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، أخْبَرَنا عِيسى بْنُ يُونُسَ، كِلاهُما عَنِ الأعْمَشِ بِهَذا الإسْنادِ مِثْلَ مَعْناهُ.
١٠٧ – (٢٦٠٩) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، وعَبْدُ الأعْلى بْنُ حَمّادٍ، قالا: كِلاهُما قَرَأْتُ عَلى مالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إنَّما الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ».
١٠٨ – (٢٦٠٩) حَدَّثَنا حاجِبُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أنَّ أبا هُرَيْرَةَ، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ» قالُوا: فالشَّدِيدُ أيُّمَ هُوَ؟ يا رَسُولَ اللهِ قالَ: «الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ».
١٠٨ – وحَدَّثَناهُ مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزّاقِ، أخْبَرَنا مَعْمَرٌ، ح وحَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِهْرامَ، أخْبَرَنا أبُو اليَمانِ، أخْبَرَنا شُعَيْبٌ، كِلاهُما عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِهِ.
١٠٩ – (٢٦١٠) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، ومُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ – قالَ يَحْيى: أخْبَرَنا وقالَ ابْنُ العَلاءِ: حَدَّثَنا – أبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ صُرَدٍ، قالَ: اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَجَعَلَ أحَدُهُما تَحْمَرُّ عَيْناهُ وتَنْتَفِخُ أوْداجُهُ، قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنِّي لَأعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قالَها لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ: أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ»، فَقالَ الرَّجُلُ: وهَلْ تَرى بِي مِن جُنُونٍ؟ قالَ ابْنُ العَلاءِ: فَقالَ: وهَلْ تَرى، ولَمْ يَذْكُرِ الرَّجُلَ.
١١٠ – (٢٦١٠) حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ، سَمِعْتُ الأعْمَشَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ ثابِتٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ صُرَدٍ، قالَ: اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَجَعَلَ أحَدُهُما يَغْضَبُ ويَحْمَرُّ وجْهُهُ، فَنَظَرَ إلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَقالَ: «إنِّي لَأعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قالَها لَذَهَبَ ذا عَنْهُ: أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ» فَقامَ إلى الرَّجُلِ رَجُلٌ مِمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: أتَدْرِي ما قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ آنِفًا؟ قالَ: «إنِّي لَأعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قالَها لَذَهَبَ ذا عَنْهُ: أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ» فَقالَ لَهُ الرَّجُلُ: أمَجْنُونًا تَرانِي؟
١١٠ – وحَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ غِياثٍ، عَنِ الأعْمَشِ بِهَذا الإسْنادِ.
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(٣٥) – (بابُ فَضْلِ مَن يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ، وبِأيِّ شَيْءٍ
يَذْهَبُ الغَضَبُ)
الأول:
[٦٦١٨] (٢٦٥٨) – [تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
فيه ثلاثة من التابعين الكوفيين، روى بعضهم عن بعض.
شرح الحديث:
قال القاضي عياض – رحمه الله -: أجابوه بمقتضى اللفظة في اللغة، فأجابهم هو بمقتضاها في المعنى في الآخرة؛ لأنّ من لَمْ يَعِشْ له ولَد يَأْسَف عليهم، فقال: بل يجب أن يسمى بذلك، ويأسف من لَمْ يجدهم في الآخرة؛ لِما فاته من أجر تقديمهم بين يديه، وأصيب بذلك، وهذا من تحويل الكلام إلى معنى آخر، كقوله: في الصُّرَعة انتهى [«مشارق الأنوار» ١/ ٢٩٨].
وقال الأثير – رحمه الله -: الرَّقوب في اللغة: المسلم ولَده في الحقيقة من قدَّمه، واحتسبه، ومن لَمْ يُرزَق ذلك فهو كالذي لا ولَد له، ولم يقله – ﷺ – إبطالًا لتفسيره اللغويّ، كما قال: إنما المحروب من حُرب دينه، ليس على أنّ من أُخذ ماله غير محروب. انتهى [«النهاية في غريب الأثر» ٢/ ٢٤٩].
(قالَ) – ﷺ -: (فَما تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ) بضمّ الصاد المهملة، وفتح الراء، من
يصرع الناس، ويطرحهم على الأرض؛ لشدّة بأسه، قال المجد – رحمه الله -: الصَّرْعُ
ويُكسرُ: الطَّرْحُ على الأرْضِ، كالمَصْرَعِ، كمَقعدٍ، وهو مَوْضِعهُ – أيضًا، وقد
صَرَعهُ، كمَنَعه، والصِّرْعَةُ بالكسر: للنَّوْعِ، ومنه المَثَلُ: سُوءُ الاسْتمساكِ خيرٌ
من حُسنِ الصِّرْعَةِ، وُيرْوى بالفتح بمعنى المَرَّةِ، وبالضم: من يَصْرَعهُ الناسُ
كثيرًا، وكهُمَزةٍ: من يَصْرَعُهُم، كالصِّرِّيع، والصُّراعةِ، كسِكِّينٍ، ودُرّاعَةٍ،
وكأميرٍ: المَصْروعُ، جَمْعه: صَرْعى. انتهى [«القاموس المحيط» ص ٩٥١].
قال النوويّ – رحمه الله -: أما الرقوب فبفتح الراء، وتخفيف القاف، والصَّرَعة
بضم الصاد، وفتح الراء، وأصله في كلام العرب: الذي يَصْرَع الناس كثيرًا، وأصل الرَّقُوب في كلام العرب: الذي لا يعيش له ولَد.
ومعنى الحديث: إنكم تعتقدون أن الرقوب المحزون هو المصاب بموت أولاده، وليس هو كذلك شرعًا، بل هو من لَمْ يمت أحد من أولاده في حياته، فيحتسبه، ويُكتب له ثواب مصيبته به، وثواب صَبْره عليه، ويكون له فَرَطًا، وسَلَفًا، وكذلك تعتقدون أن الصُّرَعة الممدوح القويَّ الفاضل هو القويّ الذي لا يَصْرَعه الرجال، بل يَصْرَعهم، وليس هو كذلك شرعًا، بل هو من يملك نفسه عند الغضب، فهذا هو الفاضل الممدوح الذي قَلَّ من يقدر على التخلق بخُلُقه، ومشاركته في فضيلته، بخلاف الأول. انتهى [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٦٢].
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: الرَّقُوب: فَعُول، وهو الكثير المراقبة، كضروب،
وقتول، لكنه صار في عُرْف استعمالهم عبارة عن المرأة التي لا يعيش لها ولدٌ،
كما قال عبيد بن الأبرص:
باتَتْ عَلى إرَمٍ عَذُوبًا … كَأنّها شَيْخَةٌ رَقُوبُ
قلت [أي: القرطبيّ]: هذا نقلُ أهل اللغة، ولم يذكروا أن الرّقوب يقال على من لا يولد له، مع أنه قد كان معروفًا عند الصحابة – رضي الله عنهم -، ولذلك أجابوا به رسول الله – ﷺ -، والقياس يقتضيه؛ لأنّ الذي لا يولَد له يكثر ارتقابه للولد، وانتظاره له، ويطمع فيه إذا كان ممن يرتجى ذلك، كما يقال على المرأة التي ترقُب موت زوجها:
رقُوب، وللناقة التي ترقُب الحوض، فتنفر منه، ولا تقربه: رَقُوب.
قلت [أي: القرطبيّ]: ويَحْتَمِل أن يُحمل قولهم في الرقُوب: إنه الذي لا يولد له بعد فَقْد أولاده؛ لوصوله من الكِبَر إلى حال لا يولد له، فتجتمع عليه مصيبة الفقد،
ومصيبة اليأس، وهذا هو الألْيق بمساق الحديث، ألا ترى قوله:»ليس ذلك الرقُوب، ولكنه الرجل الذي لا يقدِّم من ولده شيئًا»؛ أي: هو أحقّ باسم الرقُوب من ذلك؛ لأنّ هذا الذي أصيب بفَقْد أولاده في الدنيا ينجبر في الآخرة بما يُعوَّض على ذلك من الثواب، وأما من لَمْ يمت له ولدٌ، فيفقد في الآخرة ثواب فَقْد الولد، فهو أحقّ باسم الرّقُوب من الأول، وقد صدر هذا الأسلوب من النبيّ – ﷺ – كثيرًا، كقوله: «ليس المسكين بالطوّاف عليكم»، و«ليس الشديد بالصُّرَعة»، و«ليس الواصل بالمكافئ»، ومثله كثير، ولم يُردْ بهذا السلبِ سلب الأصل، لكن سلب الأولي، والأحقّ.
و«الصُّرَعَةُ» بفتح الواء: هو الذي يَصْرَع الناس كثيرًا، وبالسكون: هو الذي يَصْرَعه الناس، وكذلك: هُزَأةٌ، وهُزْأةٌ، وسُخَرَةٌ، وسُخْرَةٌ. انتهى. [«المفهم» ٦/ ٥٩٤ – ٥٩٥]، والله
تعالى أعلم.
الثاني:
[٦٦١٩] (…) – (حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو كُرَيْبٍ، قالا: حَدَّثَنا
أبُو مُعاوِيةَ (ح) وحَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، أخْبَرَنا عِيسى بْنُ يُونُسَ، كِلاهُما عَنِ
الأعْمَشِ، بِهَذا الإسْنادِ مِثْلَ مَعْناهُ).
[تنبيه]: رواية أبي معاوية عن الأعمش ساقها الإمام أحمد – رحمه الله – في
»مسنده«، فقال:
(٣٦٢٦) – حَدَّثَنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن إبراهيم التيميّ، عن الحارث بن سُويد، عن عبد الله، قال: قال رسول الله – ﷺ -:»أيكم مال وارثه
أحبّ إليه من ماله؟ ….انتهى [»مسند الإمام أحمد بن حنبل” ١/ ٣٨٢].
وأما رواية عيسى بن يونس عن الأعمش، فلم أجد من ساقها، فليُنظر، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه -؛ (أنَّ رَسُولَ اللهِ – ﷺ -قالَ:»لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ) بضم الصاد، وفتح الراء، وهو الذي يَصْرَع الناس، ويكْثُر ذلك منه، قال الباجيّ: ولم يُرِدْ نفي الشدّة عنه، فإنه يُعْلَم بالضرورة شدّته، وإنما أراد أنه ليس بالنهاية في الشدّة، وأشدّ منه الذي يملك نفسه عند الغضب، أو أراد أنّها شدّة لها كبير منفعة، وإنما الشدّة التي يُنتفع بها شدة الذي يملك نفسه عند الغضب، كقولهم: لا كريم إلّا يوسف، لَمْ يُرَد به نفي الكرم عن غيره، وإنما أريدَ به إثبات مزيّة له في الكرم، وكذا لا سيف إلّا ذو الفَقار، ولا شجاع إلّا عليّ. انتهى [«تنوير الحوالك» ١/ ٢١٣].
وقال الطيبيّ – رحمه الله -: «الصُّرَعة»: المبالغ في الصَّرْع الذي لا يُغْلَب، فنَقَله
إلى الذي يملك نفسه عند الغضب؛ فإنه إذا مَلَكها كان قد قهر أقوى أعدائه،
وشرّ خُصومه، ولذلك قال: «أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك»[موضوع، راجع: «السلسلة الضعيفة» للشيخ الألبانيّ ٣/ ٣٠٨]، وهذا من الألفاظ التي نقلها عن وضعها اللغويّ بضرب من التوسّع والمجاز، وهو من فصيح الكلام؛ لأنه لما كان الغضبان بحالة شديدة من الغيظ، وقد ثارت عليه شهوة الغضب، فَقَهرها بحِلمه، وصَرَعها بثباته، كان كالصُّرَعَة الذي يصرع الرجال، ولا يصرعونه. انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» ١٠/ ٣٢٤٣].
وقال في «الفتح»: «الصُّرَعة»: الذي يَصْرَع الناس كثيرًا بقوّته، والهاء للمبالغة في الصفة، والصُّرْعة بسكون الراء بالعكس، وهو من يصرعه غيره كثيرًا، وكل ما جاء بهذا الوزن بالضم، وبالسكون، فهو كذلك، كهُمَزة، ولُمَزة، وحُفَظة، وخُدَعة، وضُحَكة، ووقع بيان ذلك في حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – عند مسلم، وأوله: «ما تعدُّون الصُّرَعة فيكم؟ قالوا: الذي لا يصرعه الرجال».
قال ابن التين: ضبطناه بفتح الراء، وقرأه بعضهم بسكونها، وليس بشيء؛ لأنه عكس المطلوب، قال: وضُبط أيضًا في بعض الكتب بفتح الصاد، وليس بشيء.
(إنَّما الشَّدِيدُ) المعتبَر شرعًا، (الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ«) وفي رواية أحمد من حديث رجل لَمْ يسمه، شَهِد رسول الله – ﷺ – يقول: الصُّرَعة كلُّ الصُّرَعة -كررها ثلاثًا – الذي يغضب، فيشتدّ غضبه، ويحمرّ وجهه، فيَصرَع غَضَبَهُ. انتهى [»الفتح«١٠/ ٥١٩].
وقال ابن عبد البرّ – رحمه الله -: وأما قوله:»الصرعة«؛ فإنه يعني: الكثير القوّة الذي يَصْرَع كلَّ من صارعه، ومثله من قول العرب: هذا رجل نُوَمةٌ؛ يعني:
كثير النوم، وحُفَظة؛ يعني: كثير الحفظ….. انتهى [»التمهيد لابن عبد البرّ” ٦/ ٣٢٣]، والله تعالى أعلم.
[راجع: «شرح الشيخ الهرريّ» ٢٤/ ٤٢٧]، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: رواية الزُّبيديّ عن الزهريّ هذه ساقها الطبرانيّ – رحمه الله – في «مسند
الشاميين»،
(١٧٣٠) – . [«مسند الشاميين» ٣/ ٢٥].
السادس:
شرح الحديث:
(عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ صُرَدٍ) – بضمّ الصاد، وفتح الراء، بعدها دال مهملات –
وهو ابن الجَوْن بن أبي الجَوْن الخُزاعي صحابيّ شهير، يقال: كان اسمه يسار
– بتحتانية، ومهملة – فغَيَّره النبيّ – ﷺ -، ويُكنى أبا المُطَرِّف، وقُتل في سنة خمس وستين، وله ثلاث وتسعون سنةً، قاله في «الفتح» [«الفتح» ١٣/ ٦٠٢، كتاب «الأدب» رقم (٦٠٤٨)]
(قالَ) سليمان – رضي الله عنه -: (اسْتَبَّ رَجُلانِ) قال الحافظ: لَمْ أعرف أسماءهما، [«الفتح» ١٣/ ٦٠٢].
قال الفيّوميّ – رحمه الله -: الوَدَجُ بفتح الدال، والكسر لغةٌ: عِرْقُ الأخدع الذي يَقطعه الذّابح، فلا يبقى معه حياة، ويقال: في الجسد عِرْقُ واحد، حيثما قُطع مات صاحبه، وله في كلّ عضو اسم، فهو في العُنُق: الوَدَجُ، والوَرِيدُ أيضًا،
وفي الظهر: النِياطُ، وهو عِرْق ممتدّ فيه، والأبْهَرُ، وهو عِرْق مُستَبطِنُ الصُّلْب، والقلبُ متصلٌ به، والوَتِينُ في البطن، والنَّسا في الفخذ، والأبْجَلُ في الرِّجل، والأكْحَلُ في اليد، والصّافِنُ في السّاق، وقال في «المجرّد» أيضًا: الوريد عِرْقٌ كبيرٌ يدور في البدن، وذَكَر معنى ما تقدَّم، لكنَّه خالف في بعضه، ثم قال:
والوَدَجانِ: عِرْقان غَليظان، يكتنفان ثُغْرَة النّحر يمينًا ويسارًا، والجمع أوْداجٌ،
مثل يسَبَب وأسْبابٍ، ووَدَجْتُ الدّابّةَ ودْجًا، من باب وعَدَ: قَطَعْتُ ودَجَها،
ووَدَّجْتُها بالتّثقيل مبالغةٌ، وهو لها كالفصد للإنسان؛ لأنّه يقال: ودَجْتُ المالَ:
إذا أصلحته، ووَدَجْتُ بين القوم: أصلحتُ. انتهى [»المصباح المنير«(٢/ ٦٥٢)].
وفي رواية البخاريّ: «فاشتدّ غضبه، حتى انتفخ وجهه، وتغيّر»، وفي حديث معاذ بن جبل – رضي الله عنه – عند أحمد، وأصحاب «السنن»: «حتى إنه ليُخَيَّل إليّ أن أنفه ليتمزَّع من الغضب».
بقوله: (أعُوذُ)؛ أي: أعتصم، وأتحصّن (بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ») وفي حديث معاذ – رضي الله عنه -: «إني لأعلم كلمة لو يقولها هذا الغضبان، لذهب عنه الغضب: اللَّهُمَّ أني أعوذ بك من الشيطان الرجيم».
فذكر له»، وفي رواية أبي داود ما يُبيّن أن الرجل الذي قام إليه هو معاذ بن
جبل، ولفظه: «قال: فجعل معاذ يأمره، فأبي، وضَحِك، وجعل يزداد غضبًا»،
وفي رواية البخاريّ: «فانطلق إليه الرجل، فأخبره بقول النبيّ – ﷺ -، وقال: تعوّذ
بالله من الشيطان»، قال في «الفتح»: قوله: «وقال: تعوّذ بالله»، وفي رواية:
«إن النبيّ – ﷺ – قال: تعوذ بالله»، وهو بالمعني، فإنه – ﷺ – أرشده إلى ذلك، وليس في الخبر أنه أمَرهم أن يأمروه بذلك، لكن استفادوا ذلك من طريق عموم الأمر بالنصيحة للمسلمين. انتهى [»الفتح” ١٣/ ٥٩٩].
فقال الرجل لمّا أخبروه بذلك: (وهَلْ تَرى) بفتح، وضبطه في»الفتح« بضمها؛ أي: أتظنّ (بِي مِن جُنُونٍ؟)»من«زائدة.
وفي رواية البخاريّ:»أمجنون أنا، اذهب«، وقوله:»اذهب«هو خطاب من الرجل للرجل الذي أمَره بالتعوّذ؛ أي: امْضِ في شغلك.
وأخْلِق بهذا المأمور أن يكون كافرًا أو منافقًا، أو كان غلب عليه الغضب، حتى أخرجه عن الاعتدال، بحيث زجر الناصح الذي دلّه على ما يزيل عنه ما كان به من وهَج الغضب بهذا الجواب السيئ.
وقيل: إنه كان من جُفاة الأعراب
وقد أخرج أبو داود من حديث عطيّة المسعدي، رفعه: «إن الغضب من الشيطان …» الحديث.
وقوله: (آنِفًا) بالمدّ، والقصر، قال المجد – رحمه الله -: آنفًا، كصاحب،
وكَتِفٍ، وقُرئ بهما؛ أي: مذ ساعة؛ أي: في أول وقت يَقْرُب منّا. انتهى [«القاموس» ص ٦٥].
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى شرحه، وبيان مسائله في الحديث
الماضي، ولله الحمد والمنّة.
ثانيًا: فوائد وفقه الحديث:
١ – (منها): بيان شدّة عناية النبيّ – ﷺ – في تعليم أمته ما يحذرونه، مما
يؤدي إلى اعتداء بعضهم على بعض، وذلك في حالة الغضب، فبيّن لهم أن أقوى الناس وأشدّهم هو الذي يملك نفسه عند الغضب، فلا تجري على مقتضى غضبها، بل يكفّها، ويردّ جماحها، فتقف عند ما حدّ الشرع لها.
٢ – (ومنها): بيان فضل موت الأولاد، والصبر عليهم، قال النوويّ:
ويتضمن الدلالة لمذهب من يقول بتفضيل التزوج، وهو مذهب أبي حنيفة، وبعض أصحابنا، وسبقت المسألة في «النِّكاح». [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٦٢ – ١٦٣].
٣ – (ومنها): بيان فضل كظم الغيظ، وإمساك النفس عند الغضب عن
الانتصار، والمخاصمة، والمنازعة.
٤ – (ومنها): ما قاله ابن عبد البرّ – رحمه الله -:
وفي: هذا الحديث من الفقه فضل الحلم،
وفيه: دليل على أنّ الحلم كتمان الغيظ، وأن العاقل من ملَك نفسه
عند الغضب؛ لأنّ العقل في اللغة ضَبْط الشيء، وحَبْسه، ومنه قيل: عقال
الناقة، ومعناه في الشريعة مِلْكُ النفس، وصرفها عن شهواتها المُرْدِية لها،
وحَبْسها عما حَرَّم الله عليها، قال: وقد جعل رسول الله – ﷺ – للذي يملك نفسه ويغلبها، من القوّة ما ليس للذي يغلب غيره،
وفيه دليل على أنّ مجاهدة النفس أصعب مرامًا، وأفضل من مجاهدة العدوّ [«التمهيد لابن عبد البرّ» ٦/ ٣٢٢ – ٣٢٣].
ومما قيل فيمن يملك نفسه عند الغضب، ما قاله ابن عبد البرّ – رحمه الله -:
وروينا عن محمد بن جُحادة قال: كان الشعبي من أولع الناس بهذا البيت [من
الرمل]:
لَيْسَ الأحْلامُ فِي حِينِ الرِّضا … إنَّما الأحْلامُ فِي حالِ الغَضَبْ
[الحاشية: لعلّ الصواب: «ليست الأحلام»، فليُحرّر]
وقال غيره [من البسيط]:
لا يُعْرَفُ الحِلْمُ إلّا ساعَةَ الغَضَبِ
وقال أبو العتاهية [من الطويل]:
أُقَلِّبُ طَرْفِي مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ … لِأعْلَمَ ما فِي النّاسِ والقَلْبُ يَنْقَلِبْ
فَلَمْ أرَ كَنْزًا كالقُنُوعِ لِأهْلِهِ … وأنْ يُجْمِلَ الإنْسانُ ما عاشَ فِي الطَّلَبْ
ولَمْ أرَ فَضْلا صَحَّ إَلّا عَلى التُّقى … ولَمْ أرَ عَقْلا تَمَّ إلّا عَلى أدَبْ
ولَمْ أرَ فِي الأعْداءِ حِينَ خَبَرْتُهُمْ … عَدُوًّا يَفْعَلُ أعْدى مِنَ الغَضَبْ [»الاستذكار«٨/ ٢٨٧]
٥ – (ومنها): ما نقله صاحب»التكملة«عن الغزاليّ أنه قد أطال في بيان
حقيقة الغضب، وأقسامه، وذمّ ما يُذمّ منها، وعلاج ذلك، وحاصله: أن
الغضب غريزة أودعها الله تعالى في قلب كلّ ذي روح، يغلي بها دم قلبه،
وينتشر في العروق، ويرتفع إلى أعالي البدن، فلذلك ينصبّ إلى الوجه، ويحمرّ
الوجه والعين، وإنما خلق الله هذه الغريزة؛ ليدافع بها الإنسان عن نفسه،
وماله، وعِرْضه، فكلما استعمل الإنسان هذه الغريزة في أفعال مشروعة،
كالجهاد، والدفاع عن نفسه، وأهله، كان حسنًا، وكلما استعملها في أفعال
غير مشروعة، وصدر منه في ثوران الغضب ما لا يجوز فعله، كان قبيحًا، ومَن
مَلَكَ نفسه في حالة ثوران الغضب، فأمسك نفسه عن العمل بمقتضاه، فهو
القويّ الذي مدحه رسول الله – ﷺ – في هذا الحديث، فمجرّد الغضب الذي يثور في قلب الإنسان بدون اختياره لا مؤاخذة عليه، ولكنّه إنما يؤاخذ بما يصدر
منه في هذه الحالة، من أفعال غير مشروعة، فيحتاج إلى رياضة، ومجاهدة.
انتهى [»تكملة فتح الملهم” ٥/ ٤٢٣ – ٤٢٤]، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.
6 – (منها): بيان أن الغضب في غير الله تعالى من نَزْغ الشيطان.
7 – (ومنها): أنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ، فيقول: «أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم»، فإنه سبب لزواله، كما أخبر النبيُّ – ﷺ – بذلك.
8 – (ومنها): أن هذه الاستعاذة التي ذكرها النبيّ – ﷺ – في هذا الحديث
هي إحدى طرق علاج الغضب، وقد روى أبو داود، وصححه ابن حبّان عن
أبي ذَرٍّ – رضي الله عنه – قال: إن رسول الله – ﷺ – قال لنا: «إذا غَضِب أحدكم، وهو قائم، فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع».[ حديث صحيح، رواه أحمد، وأبو داود، والترمذيّ].
وأخرج أبو داود عن عطية قال: قال رسول الله – ﷺ -:»إن الغضب من
الشيطان، وإن الشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفَأ النار بالماء، فإذا غضب
أحدكم فليتوضأ«. [حديث ضعيف].
وأخرج ابن السنيّ عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال: كانت
عائشة – رضي الله عنها – إذا غضبت عَرَكَ النبيّ – ﷺ – بأنفها، ثم يقول:»يا عُويش، قولي:
اللَّهُمَّ رب محمد اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجِرْني من مُضلّات
الفتن«. [حديث ضعيف، رواه ابن السنّيّ في»عمل اليوم والليلة«١/ ٤٠٤].
وأخرج ابن ماجة عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – ﷺ -:»ما من جُرْعة أعظم أجرًا عند الله، من جُرعةِ غيظٍ، كظمها عبدٌ ابتغاءَ وجه الله«.
انتهى [صححه الشيخ الألباني: لغيره، راجع:»صحيح ابن ماجة«٢/ ١٤٠١].
9 – (ومنها): ما قاله النوويّ – رحمه الله -: وأما قول هذا الرجل الذي اشتد
غضبه:»هل ترى بي من جنون؟ «فهو كلام من لَمْ يفقه في دين الله تعالي، ولم
يتهذّب بأنوار الشريعة المكرّمة، وتوهّم أن الاستعاذة مختصة بالمجنون، ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان، ولهذا يخرج به الإنسان عن اعتدال حاله، ويتكلم بالباطل، ويفعل المذموم، وينوي الحقد، والبغض، وغير ذلك،
من القبائح المترتبة على الغضب، ولهذا قال النبيّ – ﷺ – للذي قال له: أوصني:
»لا تغضب«، فردّد مرارًا، قال:»لا تغضب«، فلم يزده في الوصية على»لا
تغضب«، مع تكراره الطلب، وهذا دليل ظاهر في عِظَم مفسدة الغضب، وما
ينشأ منه.
ويَحْتَمِل أن هذا القائل:»هل ترى بي من جنون؟ «كان من المنافقين، أو
من جُفاة الأعراب، والله أعلم. [»شرح النوويّ” ١٦/ ١٦٣].
10 – (ومنها): ما قاله القرطبيّ – رحمه الله -: هذا الحديث يدلّ على أنّ الشيطان
له تأثيرٌ في تهييج الغضب، وزيادته، حتى يحمله على البطش بالمغضوب عليه،
أو إتلافه، أو إتلاف نفسه، أو شرّ يفعله، يستحق به العقوبة في الدنيا
والآخرة، فإذا تعوّذ الغضبان بالله من الشيطان الرجيم، وصحّ قَصْده لذلك، فقد
التجأ إلى الله تعالي، وقَصَده، واستجار به، والله تعالى أكرم من أن يَخْذُل من
استجار به، ولَمّا جَهِل ذلك الرجل ذلك المعني، وظن أن الذي يحتاج إلى
التعوّذ إنما هو المجنون، فقال: «أمجنونًا تراني؟»، منكرًا على من نبّهه على ما
يُصلحه، ورادًّا لِما ينفعه، وهذا من أقبح الجنون، والجنون فنونٌ، وكأن هذا
الرجل كان من جُفاة الأعراب الذين قلوبهم من الفقه والفهم خراب. انتهى [«المفهم» ٦/ ٥٩٤]، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): معنى الغَضَب لغةً واصطلاحًا
معنى الغَضَب لغةً:
الغَضَب: بالتَّحْرِيكِ، ضدُّ الرِّضَا. والغَضْبة: الصَّخرة الصلبة. قالوا: ومنه اشتُقَّ الغَضَب؛ لأنَّه اشتدادُ السُّخط. يقال: غَضِب يَغْضَبُ غَضَبًا، وهو غضبان وغَضُوب.[انظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/428)، و((تاج العروس)) لمرتضى الزبيدي (3/485)، و((لسان العرب)) لابن منظور (1/648)].
معنى الغَضَب اصطلاحًا:
الغَضَبُ: هو ثورَانُ دم القلب لقصد الانتقام. [انظر: ((تاج العروس)) لمرتضى الزبيدي (3/485)، و((مفردات ألفاظ القرآن الكريم)) للراغب الأصفهاني (ص 75)].
وقال الجرجاني: (الغَضَبُ: تغير يحصل عند غليان دم القلب، ليحصل عنه التشفي للصَّدر). [((التعريفات)) (ص 209)].
وقيل: (هو غليانُ دم القلب، طلبًا لدفع المؤذي عند خشية وقوعه، أو طلبًا للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعد وقوعه). [((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/396)].
فرع:
الفرق بين الغَضَب وبعض الصفات
– الفرق بين الغَضَب والسخط:
(أنَّ الغَضَب يكون من الصغير على الكبير، ومن الكبير على الصغير.
والسخط لا يكون إلا من الكبير على الصغير، يقال: سخط الأمير على الحاجب، ولا يقال: سخط الحاجب على الأمير، ويستعمل الغَضَب فيهما.
والسخط إذا عديته بنفسه فهو خلاف الرضا، يقال: رضيه وسخطه، وإذا عديته بعلى فهو بمعنى الغَضَب، تقول: سخط الله عليه إذا أراد عقابه)[((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 386)].
– الفرق بين الغَضَب والغيظ:
(أنَّ الإنسان يجوز أن يغتاظ من نفسه، ولا يجوز أن يغضب عليها، وذلك أنَّ الغَضَب إرادة الضرر للمغضوب عليه، ولا يجوز أن يريد الإنسان الضرر لنفسه، والغيظ يقرب من باب الغم). [((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 391)].
– الفرق بين الغَضَب والاشتياط:
(أنَّ الاشتياط: خفَّة تلحق الإنسان عند الغَضَب، وهو في الغَضَب كالطَّرب في الفرح، وقد يستعمل الطرب في الخفَّة التي تعتري من الحزن، والاشتياط لا يستعمل إلا في الغَضَب، ويجوز أن يقال: الاشتياط سرعة الغَضَب).[((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 54)].
تنبيه:
على التعاريف السابقة للغضب، وأنها وصف لغضب المخلوق، وأما الخالق سبحانه وتعالى يوصف بالغضب على وجـه يليق بجلالـه وعظمته، ولا يقال في حقه ما مر من التعاريف؛ فإنه تعالى ليس كمثله شيء.
والغضب” صفةٌ فعليَّةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
1- قولـه تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّـهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9].
2- وقولـه:{كلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه: 81].
3- وقولـه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13].
الدليل من السنة:
1- حديث: ((إنَّ رحمتي غلبت غضبي)) رواه البخاري (3194)، ومسلم (2751)؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
2- حديث الشفاعة الطويل، وفيه: ((إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله…)) رواه البخاري (3340)، ومسلم (194).
وأهل السنة والجماعــة يثبتون صـفة الغضب لله عزَّ وجلَّ بوجـه يليق بجلالـه وعظمته، لا يكيفون ولا يشبهون ولا يؤولون؛ كمن يقول: الغضب إرادة العقاب، ولا يعطلون، بـل يقولـون: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.
قال الطحاوي في (عقيدته) المشهورة: (والله يغضب ويرضى لا كأحدٍ من الورى).
قال الشارح ابن أبي العز الحنفي: (ومذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفة الغضب والرضا والعداوة والولاية والحب والبغض ونحو ذلك من الصفات التي ورد بها الكتاب والسنة)[((العقيدة الطحاوية)) (ص 463)].
وقال قوَّام السُّنَّة الأصبهاني: (قال علماؤنا: يوصف الله بالغضب، ولا يوصف بالغيظ)[((الحجة في بيان المحجة)) (2/457)].
وقال الحافظ ابن القيم: (والعذاب إنما ينشأ من صفة غضبه، وما سُعِّرت النار إلا بغضبه). [((حادي الأرواح)) (ص409)].
وقال الشيخ ابن عثيمين: (غضب الله عزَّ وجلَّ صفة من صفاته الفعلية؛ لأنه يتعلق بمشيئته، وقد سبق لنا القول بأن كل صفة ذات سبب فإنها من الصفات الفعلية وهو حقيقي). [((شرح صحيح اليخاري)) (8/431)] “.
(المسألة الثالثة):
أولًا: الآيات الواردة في «الغضب»:
آيات حل فيها غضب الله- عز وجل- على اليهود:
١ صِراطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضّالِّينَ (٧) «١»
٢-* وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والمَسْكَنَةُ وباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١) «٢»
٣- بِئْسَما اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهُمْ أنْ يَكْفُرُوا بِما أنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ولِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠) «٣»
٤- ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أيْنَ ما ثُقِفُوا إلّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وحَبْلٍ مِنَ النّاسِ وباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ الأنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢) «١»
٥- قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِن ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَن لَعَنَهُ اللَّهُ وغَضِبَ عَلَيْهِ وجَعَلَ مِنهُمُ القِرَدَةَ والخَنازِيرَ وعَبَدَ الطّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكانًا وأضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٦٠) «٢»
٦- يا بَنِي إسْرائِيلَ قَدْ أنْجَيْناكُمْ مِن عَدُوِّكُمْ وواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ ونَزَّلْنا عَلَيْكُمُ المَنَّ والسَّلْوى (٨٠) كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ولا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ومَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى
آيات حل فيها غضب الله على الكفار أو المنافقين:
٧-* في عادٍ (قالَ قَدْ وقَعَ عَلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ رِجْسٌ وغَضَبٌ )
٨- مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمانِهِ إلّا مَن أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمانِ ولكِنْ مَن شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ولَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦)
٩- والَّذِينَ يُحاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وعَلَيْهِمْ غَضَبٌ ولَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦)
١٠- ويُعَذِّبَ المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ والمُشْرِكِينَ والمُشْرِكاتِ الظّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ولَعَنَهُمْ وأعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وساءَتْ مَصِيرًا (٦)
آيات الغضب فيها في سياق كونه صفة لنبي أثاره سلوك قومه:
١٢- (ولَمّا رَجَعَ مُوسى إلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أسِفًا )
( وذا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغاضِبًا فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أنْ لا إلهَ إلّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ (٨٧) فاسْتَجَبْنا لَهُ ونَجَّيْناهُ مِنَ الغَمِّ وكَذلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ (٨٨)
آيات الغضب فيها في سياق التحذير منه:
١٥- (ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدًا فِيها وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأعَدَّ لَهُ عَذابًا عَظِيمًا (٩٣) )
١٦-( يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبارَ (١٥) ومَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلّا مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ أوْ مُتَحَيِّزًا إلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ومَأْواهُ جَهَنَّمُ وبِئْسَ المَصِيرُ (١٦) )
١٧- (والَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَواحِشَ وإذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) )
١٨-( يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَما يَئِسَ الكُفّارُ مِن أصْحابِ القُبُورِ (١٣) )
آيات الغضب فيها في سياق تكذيب صادق:
١٩- (والخامِسَةَ أنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ (٩) ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ وأنَّ اللَّهَ تَوّابٌ حَكِيمٌ (١٠))
[ الآيات الواردة في «الغضب»، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، (11/5079)].
ثانيًا: النهي عن الغَضَب في السنة النبوية
– عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني قال: ((لا تغضب، فردد مرارًا، قال: لا تغضب)) [رواه البخاري (6116)].
قال الخطابي: (معنى قوله: ((لا تغضب)). اجتنب أسباب الغَضَب، ولا تتعرَّض لما يجلبه) [((فتح الباري)) لابن حجر (10/520)].
وقال ابن التين: (جمع صلى الله عليه وسلم في قوله: ((لا تغضب)). خير الدنيا والآخرة؛ لأنَّ الغَضَب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه، فينتقص ذلك من الدين). [ ((فتح الباري)) لابن حجر (10/520)].
وقال البيضاوي: (لعله لما رأى أنَّ جميع المفاسد التي تعرض للإنسان إنما هي من شهوته، ومن غضبه، وكانت شهوة السائل مكسورة، فلما سأل عما يحترز به عن القبائح نهاه عن الغَضَب، الذي هو أعظم ضررًا من غيره، وأنَّه إذا ملك نفسه عند حصوله، كان قد قهر أقوى أعدائه). [((فتح الباري)) لابن حجر (10/520)].
– عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تغضب)). [رواه مالك في ((الموطأ)) (5/1331) (3362)، والبيهقي في ((معرفة السنن والآثار)) (14/226). قال البيهقي: مرسل، وقال ابن عبد البر في ((التمهيد)) (7/245): مرسل وقد روي هذا الحديث من غير طريق مالك ومن غير طريق ابن شهاب مسندا من وجوه ثابتة، وقال ابن الأثير في ((شرح مسند الشافعي)) (5/465): مرسل].
قال الباجي: (… ومعنى ذلك – والله أعلم – أنَّ الغَضَب يفسد كثيرًا من الدين؛ لأنَّه يؤدي إلى أن يُؤذِي ويُؤذَى، وأن يأتي في وقت غضبه من القول والفعل ما يأثم به، ويُؤثِم غيره، ويؤدي الغَضَب إلى البغضة التي قلنا إنها الحالقة، والغَضَب أيضًا يمنعه كثيرًا من منافع دنياه، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تغضب))، يريد -والله أعلم- لا تُمضِ ما يبعثك عليه غضبك، وامتنع منه، وكفَّ عنه).[ ((المنتقى شرح الموطا)) (7/214)].
وقال ابن رجب في شرحه للحديث: (فهذا الرَّجلُ طلب مِن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُوصِيه وصيةً وجيزةً، جامعةً لِخصال الخيرِ، ليحفظها عنه خشيةَ أنْ لا يحفظها؛ لكثرتها، فوصَّاه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ لا يغضب، ثم ردَّد هذه المسألة عليه مرارًا، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يردِّدُ عليه هذا الجوابَ، فهذا يدلُّ على أنَّ الغَضَب جِماعُ الشرِّ، وأنَّ التحرُّز منه جماعُ الخير). [((جامع العلوم والحكم)) (1/362)].
– وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الشَّديد بالصُّرَعة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغَضَب)). [رواه البخاري (6114)، ومسلم (2609)].
قال ابن بطال: (أراد عليه السلام أن الذي يقوى على ملك نفسه عند الغضب ويردها عنه هو القوى الشديد والنهاية في الشدة؛ لغلبته هواه المردي الذي زينه له الشيطان المغوي، فدل هذا أن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو؛ لأن النبي عليه السلام جعل للذي يملك نفسه عند الغضب من القوة والشدة ماليس للذي يغلب الناس ويصرعهم). [((شرح صحيح البخارى)) لابن بطال (9/296)].
ثالثًا:
أقوال السلف والعلماء في الغَضَب
– قال عمرُ بنُ عبد العزيز: (قد أفلحَ مَنْ عُصِمَ من الهوى، والغَضَب، والطمع). [((شرح صحيح البخارى)) لابن بطال (1/368)].
– وقال الحسن: (أربعٌ، من كُنَّ فيه عصمه الله من الشيطان، وحرَّمه على النار: مَنْ ملك نفسَه عندَ الرغبة، والرهبة، والشهوةِ، والغَضَب). [ ((شرح صحيح البخارى)) لابن بطال (1/368)].
– (وحكي أن الفضيل بن عياض كان إذا قيل له: إنَّ فلانًا يقع في عرضك، يقول: والله لأغيظنَّ مَن أمره، يعني: إبليس، ثم يقول: اللهم إن كان صادقًا فاغفر لي، وإن كان كاذبًا فاغفر له.
– وقال جعفر بنُ محمد: الغَضَبُ مفتاحُ كلِّ شرٍّ). [((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/363)].
– وقال عبد الملك بن مروان: (إذا لم يغضب الرجل لم يحلم؛ لأن الحليم لا يعرف إلا عند الغَضَب). [((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 141)].
– وقيل لابنِ المبارك: (اجْمَعْ لنا حُسنَ الخلق في كلمة، قال: تركُ الغَضَب). [((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/363)].
– وقال الحسن: (المؤْمن حَليم لا يَجهل وإن جُهل عليه، وتلا قولَ الله عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان: 63])[((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/278)].
– وقال ميمون بن مِهران: (جاء رجلٌ إلى سلمان، فقال: يا أبا عبدِ الله أوصني. قال: لا تغضب، قال: أمرتني أنْ لا أغضب، وإنَّه ليغشاني ما لا أملِكُ، قال: فإنْ غضبتَ، فامْلِكْ لِسانك ويَدَك). [((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/368)].
– وقال عطاءُ بنُ أبي رباح: (ما أبكى العلماءَ بكاء آخرِ العمرِ من غضبة يغضبُها أحدُهُم، فتهدِمُ عملَ خمسين سنة، أو ستين سنة، أو سبعين سنة، وربَّ غضبة قد أقحمت صاحبها مقحمًا ما استقاله). [((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/374)].
– وقال يزيدُ بن أبي حَبيب: (إنما غَضَبي في نَعْليَّ، فإذا سمعت ما أكره أخذتُهما ومَضيت). [((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/279)].
– وقال أبو حاتم: (أحسن الناس عقلًا من لم يحرد، وأحضر الناس جوابًا من لم يغضب). [((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 138)] .
[يحرد: يغضب. انظر: ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (ص 276)]
– وقال أيضًا: (الواجب على العاقل إذا ورد عليه شيء بضد ما تهواه نفسه، أن يذكر كثرة عصيانه ربه، وتواتر حلم الله عنه، ثم يسكن غضبه، ولا يزرى بفعله الخروج إلى ما لا يليق بالعقلاء في أحوالهم، ثم تأمَّل وفور الثواب في العقبى، بالاحتمال ونفي الغَضَب). [ ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 139)].
وانظر: الآثار الواردة عن الغضب في نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم.
(المسألة الرابعة) أقسام وأحكام:
أولاً: آثار الغَضَب
لا شكَّ أنَّ الغَضَب له آثار سيئة على نفس الغاضب، في مظهره، وفي لسانه؛ بأن ينطق كل قبيح، وله آثاره السيئة على المجتمع الذي من حوله:
(ومن آثار هذا الغَضَب في الظاهر، تغير اللون، وشدَّة رعدة الأطراف، وخروج الأفعال عن الانتظام، واضطراب الحركة والكلام، حتى يظهر الزَّبد على الأشداق، وتشتد حمرة الأحداق، وتنقلب المناخر، وتستحيل الخلقة، ولو يرى الغَضَبان في حال غضبه صورة نفسه، لسكن غضبه حياءً من قبح صورته، لاستحالة خلقته، وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره، فإنَّ الظَّاهر عنوان الباطن، إذ قبح ذاك إنما نشأ عن قبح هذا، فتغيُّر الظاهر ثمرة تغير الباطن، هذا أثره في الجسد.
وأما أثره في اللسان؛ فانطلاقه بالقبائح، كالشتم، والفحش، وغيرهما، مما يستحي منه ذَوُو العقول مطلقًا، وقائله عند فتور غضبه على أنَّه لا ينتظم كلامه، بل يتخبَّط نظمه، ويضطرب لفظه.
وأما أثره في الأعضاء، فالضرب فما فوقه إلى القتل عند التمكن، فإن عجز عن التشفي رجع غضبه عليه، فمزَّق ثوبه، وضرب نفسه وغيره، حتى الحيوان والجماد – بالكسر – وغيره، وعدَا عدو الواله السكران، والمجنون الحيران، وربما سقط وعجز عن الحركة، واعتراه مثل الغشية، لشدة استيلاء الغَضَب عليه.
وأما أثره في القلب، فالحقد على المغضوب عليه، وحسده، وإظهار الشماتة بمساءته، والحزن بسروره، والعزم على إفشاء سره، وهتك ستره، والاستهزاء به، وغير ذلك من القبائح)[((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (1/95) بتصرف].
قال الراغب: (واعلم أنَّ نار الغَضَب متى كانت عنيفة، تأجَّجت، واضطرمت، واحتد منه غليان الدم في القلب، وملأت الشَّرايين والدماغ دخانًا مظلمًا مضطرمًا، يسود منه مجال العقل، ويضعف به فعله، فكما أن الكهف الضيق إذا ملئ حريقًا اختنق فيه الدخان، واللهب، وعلا منه الأجيج، فيصعب علاجه وإطفاؤه، ويصير كل ما يدنو منه مادة تقويه – فكذلك النفس، إذا اشتعلت غضبًا عميت عن الرشد، وصمَّت عن الموعظة، فتصير مواعظه مادة لغضبه، ولهذا حكي عن إبليس لعنه الله، أنه يقول: متى أعجزني ابن آدم فلن يعجزني إذا غضب؛ لأنَّه ينقاد لي فيما أبتغيه منه، ويعمل بما أريده وأرتضيه. وقد قيل: الغَضَب جنون ساعة. وربما أفضى إلى تلف باختناق حرارة القلب فيه، وربما كان سببًا لأمراض صعبة مؤدية إلى التلف)[((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) (ص 345)].
وقال ابن رجب: (وينشأ من ذلك – أي: من الغَضَب – كثير من الأفعال المحرمة، كالقتل والضربِ، وأنواعِ الظلم والعُدوان، وكثير من الأقوال المحرَّمة، كالقذفِ والسبِّ والفحش، وربما ارتقى إلى درجة الكفر، كما جرى لجبلة بن الأيهم، وكالأيمان التي لا يجوزُ التزامُها شرعًا، وكطلاق الزوجة الذي يُعقِب الندمَ). [((جامع العلوم والحكم)) (1/369)].
[جبلة بن الأيهم: هو ابن الحارث بن أبي شعر، واسمه المنذر بن الحارث، روي في أحاديث دخل بعضها في بعض، قالوا: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلى الإسلام، فأسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له هدية، ثم لم يزل مسلمًا حتى كان زمن عمر بن الخطاب، فبينا هو في سوق دمشق إذ وطئ رجلًا من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذه فانطلق به إلى أبي عبيدة بن الجراح، فقالوا: هذا لطم جبلة. قال: فليلطمه. قالوا: أو ما يقتل؟ قال: لا، فقالوا: أفما تقطع يده؟ قال: لا، إنَّما أمر الله بالقود، قال جبلة: أترون أني جاعل وجهي ندًّا لوجه جدي جاء من عمق؟ بئس الدين هذا! ثم ارتد نصرانيًّا، وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم. انظر: ((تاريخ دمشق)) (11/19)]
وقال أبو حاتم: (سرعة الغَضَب أنكى في العاقل من النار في يبس العوسج؛ لأنَّ من غضب زايله عقله، فقال ما سوَّلت له نفسه، وعمل ما شانه وأرداه). [((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 138)].
والعوسج، شجر من شجر الشوك، وله ثمر أحمر مدور كأنه خرز العقيق. ((لسان العرب)) لابن منظور (2/324).
وقال ابن مسكويه: (فإنَّ صاحب هذا الخلق – خلق الغَضَب – الذي ذممناه تصدر عنه أفعال رديئة كثيرة، يجور فيها على نفسه، ثُمَّ على إخوانه، ثُمَّ على الأقرب فالأقرب من معامليه، حتى ينتهي إلى عبيده، وإلى حرمه، فيكون عليهم سوط عذاب، ولا يقيلهم عثرة، ولا يرحم لهم عبرة، وإن كانوا برآء من الذنوب، غير مجترمين ولا مكتسبين سوءًا، بل يتجرَّم عليهم، ويهيج من أدنى سبب يجد به طريقًا إليهم، حتى يبسط لسانه، ويده، وهم لا يمتنعون منه، ولا يتجاسرون على رده عن أنفسهم، بل يذعنون له، ويقرُّون بذنوب لم يقترفوها استكفافًا لشره، وتسكينًا لغضبه، وهو مع ذلك مستمر على طريقته، لا يكفُّ يدًا ولا لسانًا، وربما تجاوز في هذه المعاملة الناس إلى البهائم التي لا تعقل، وإلى الأواني التي لا تحسُّ. فإن صاحب هذا الخلق الرديء… ربما عض القفل إذا تعسر عليه، وكسر الآنية التي لا يجد فيها طاعة لأمره.
وهذا النوع من رداءة الخلق، مشهور في كثير من الجهَّال، يستعملونه في الثوب، والزجاج، والحديد، وسائر الآلات). [((تهذيب الأخلاق)) (ص 168)].
ثانيًا: أقسام الغَضَب
ينقسم الغَضَب إلى قسمين: غضب مذموم، وغضب ممدوح.
1- الغَضَب المذموم:
وهو الذي نُهي عنه وذُمَّ في الأحاديث التي وردت وهو خلق سيئ؛ (لأنه يخرج العقل والدين من سياستهما، فلا يبقى للإنسان مع ذلك نظرٌ، ولا فكرٌ، ولا اختيار). [((مختصر منهاج القاصدين)) لابن قدامة (ص 232)].
2- الغَضَب المحمود:
وهو أن يكون لله عزَّ وجلَّ عند ما تنتهك حرماته، والغَضَب على أعدائه؛ من الكفَّار، والمنافقين، والطَّغاة، والمتجبِّرين، وقد ذكر القرآن ذلك للرُّسل الكرام في مواضع عديدة، ووردت أحاديث كثيرة تدل على أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب لله عزَّ وجلَّ، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة:73].
قوله تعالى حكاية عن موسى: {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 92 -93]، (فكانت تلك الحدَّة منه، والغَضَب فيه صفة مدح له؛ لأنَّها كانت لله وفي الله، كما كانت رأفة النَّبي صلى الله عليه وسلم ورحمته في الله ولله، ثم كان يغضب حتى يحمرَّ وجهه، وتذَرَّ عروقه لله وفي الله، وبذلك وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [الفتح:29]، وقال تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]).
قال الباجي: (وأمَّا فيما يعاد إلى القيام بالحق، فالغَضَب فيه قد يكون واجبًا، وهو الغَضَب على الكفار والمبالغة فيهم بالجهاد، وكذلك الغَضَب على أهل الباطل، وإنكاره عليهم بما يجوز، وقد يكون مندوبًا إليه، وهو الغَضَب على المخطئ، إذا علمت أنَّ في إبداء غضبك عليه ردعًا له، وباعثًا على الحق، وقد روى زيد بن خالد الجهني، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لـمَّا سأله رجل عن ضالة الإبل…، وقال: ما لك ولها.
وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لـمَّا شكا إليه رجلٌ معاذَ بن جبل، أنَّه يُطوِّل بهم في الصلاة). [ ((المنتقى شرح الموطأ)) (7/214)].
ثالثًا: أسباب الغَضَب
من أسباب الغَضَب: (العُجب، والافتخار، والمراء، واللجاج، والمزاح، والتيه، والضيم، والاستهزاء، وطلب ما فيه التنافس، والتحاسد، وشهوة الانتقام). [((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص 346)]، (والمضادة، والغدر، وشدة الحرص على فضول المال والجاه، وهذه أخلاق رديئة مذمومة شرعًا)[((مختصر منهاج القاصدين)) لابن قدامة (ص 233)].
(ومن أشد البواعث على الغَضَب عند أكثر الجهال؛ تسميتهم الغَضَب: شجاعةً، ورجوليةً، وعزة نفس، وكبر همَّة، وتلقيبه بالألقاب المحمودة، غباوةً وجهلًا، حتى تميل النفس إليه وتستحسنه، وقد يتأكد ذلك بحكاية شدَّة الغَضَب عن الأكابر في معرض المدح بالشَّجَاعَة، والنفوس مائلة إلى التشبه بالأكابر، فيهيج الغَضَب إلى القلب بسببه، وتسمية هذا عزة نفس، وشجاعة، جهلٌ، بل هو مرض قلب، ونقصان عقل، وهو لضعف النفس، ونقصانها). [((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/172)].
رابعًا: الأسباب المعينة على ترك الغضب
1- تغيير الحال بالجلوس والاضطجاع:
فعن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)).[رواه أبو داود (4782)، وأحمد (5/152) (21386). من حديث أبي ذر رضي الله عنه. قال ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (28/491): فيه انقطاع، وجوَّد إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/215)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/73): رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4782)، وقال ابن مفلح: (ويستحب لمن غضب أن يغير حاله، فإن كان جالسًا قام واضجع، وإن كان قائمًا مشى)[ ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (2/261)].
وهو في ((أحاديث معلة)) (107)
2- الالتزام بوصية النَّبي صلى الله عليه وسلم في عدم الغضب.
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، دلَّني على عمل يدخلني الجنَّة. قال: لا تغضب)). [رواه الطبراني كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (8/73)، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2749)].
3- ضبط النَّفس عن الاندفاع بعوامل الغَضَب.
4- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم:
كما في حديث سليمان بن صرد رضي الله عنه
وقال ابن القيِّم: (ولـمَّا كان الغَضَب والشهوة جمرتين من نار في قلب ابن آدم، أمر أن يطفئهما بالوضوء، والصلاة، والاستعاذة من الشيطان الرجيم، كما قال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ [البقرة: 44-45] الآية. وهذا إنما يحمل عليه شدة الشهوة، فأمرهم بما يطفئون بها جمرتها، وهو الاستعانة بالصبر والصلاة، وأمر تعالى بالاستعاذة من الشيطان عند نزغاته، ولـمَّا كانت المعاصي كلها تتولد من الغَضَب والشهوة، وكان نهاية قوة الغَضَب القتل، ونهاية قوة الشهوة الزنى، جمع الله تعالى بين القتل والزنى، وجعلهما قرينين في سورة الأنعام، وسورة الإسراء، وسورة الفرقان، وسورة الممتحنة.
والمقصود: أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شر قُوتَي الغَضَب والشهوة من الصلاة والاستعاذة)[((زاد المعاد)) (2/463)].
5- السكوت:
قال ابن رجب عن السكوت: (وهذا أيضًا دواء عظيم للغضب؛ لأنَّ الغَضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليهِ في حال زوال غضبه كثيرًا من السِّباب وغيره مما يعظم ضَرَرُه، فإذا سكت زال هذا الشرُّ كلُّه عنه، وما أحسنَ قولَ مورق العجلي رحمه الله: ما امتلأتُ غيظًا قَطُّ، ولا تكلَّمتُ في غضبٍ قطُّ بما أندمُ عليه إذا رضيتُ)[((جامع العلوم والحكم)) (1/366)].
6- (أن يذكر الله عزَّ وجلَّ فيدعوه ذلك إلى الخوف منه، ويبعثه الخوف منه على الطاعة له، فيرجع إلى أدبه ويأخذ بندبه:
قال الله تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف: 24] قال عكرمة: يعني إذا غضبت. وقال سبحانه: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف: 200]، ومعنى قوله ينزغنك أي: يغضبنك، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت: 36]، يعني: أنَّه سميع بجهل من جهل، عليمٌ بما يُذهب عنك الغَضَب…
7- أن يتذكر ما يؤول إليه الغَضَب من الندم ومذمة الانتقام.
▪️ *أذية الناس لك لا تضرك بل تضرهم* .
– قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
«ومن الأمور النافعة: أن تعرف أن أذية الناس لك وخصوصا في الأقوال السيئة، لا تضرك، بل تضرهم، إلا إن أشغلت نفسك في الاهتمام بها، وسوغت لها أن تملك مشاعرك، فعند ذلك تضرك كما ضرتهم، فإن أنت لم تضع لها بالا لم تضرك شيئا».
الوسائل المفيدة للحياة السعيدة (ص: 30)
8 – أن يذكر انعطاف القلوب عليه، وميل النفوس إليه، فلا يرى إضاعة ذلك بتغير الناس عنه، فيرغب في التألف وجميل الثناء)[((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (258- 260)، بتصرف].
9- (أن يحذر نفسه عاقبة العداوة، والانتقام، وتشمير العدو في هدم أعراضه، والشماتة بمصائبه، فإن الإنسان لا يخلو عن المصائب، فيخوِّف نفسه ذلك في الدنيا إن لم يخف في الآخرة.
10- أن يتفكَّر في قبح صورته عند الغَضَب.
11- أن يتفكَّر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام، مثل أن يكون سبب غضبه أن يقول له الشيطان: إن هذا يحمل منك على العجز، والذلة والمهانة، وصغر النفس، وتصير حقيرًا في أعين الناس، فليقل لنفسه: تأنفين من الاحتمال الآن، ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك! وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس، ولا تحذرين من أن تصغري عند الله تعالى وعند الملائكة والنبيين!
12- أن يعلم أن غضبه إنَّما كان من شيء جرى على وفق مراد الله تعالى، لا على وفق مراده، فكيف يقدم مراده على مراد الله تعالى)[((مختصر منهاج القاصدين)) لابن قدامة (ص 234) بتصرف].
13- أن يذكر ثواب من كظم غيظه:
قال سبحانه: الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134].
(قوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم -وهو امتلاء قلوبهم من الحنق، الموجب للانتقام بالقول والفعل-، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم)[((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (1/148)].
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ) [الشورى: 37].
(أي: قد تخلَّقوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعة، حتى إذا أغضبهم أحد بمقاله أو فعاله، كظموا ذلك الغَضَب فلم ينفذوه، بل غفروه، ولم يقابلوا المسيء إلا بالإحسان والعفو والصفح، فترتب على هذا العفو والصفح، من المصالح ودفع المفاسد في أنفسهم وغيرهم شيء كثير)((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (1/759).
وقال ابن كثير في تفسيره للآية: (أي: سجيتهم وخلقهم وطبعهم، تقتضي الصفح والعفو عن الناس، ليس سجيتهم الانتقام من الناس)[((تفسير القرآن العظيم)) (7/210)].
وقال عزَّ وجلَّ: ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) [الأعراف: 201].
قال سعيد بن جبير: (هو الرجل يغضب الغَضَبة، فيذكر الله تعالى، فيكظم الغيظ)[((معالم التنزيل)) للبغوي (3/318)].
خامسًا: تفاوت الناس في سرعة الغَضَب
إنَّ طبائع الناس تتفاوت في سرعة الغَضَب ورجوعهم عنه، ويمكن تقسيمها إلى أقسام أربعة:
قال الراغب: (الغَضَب في الإنسان بمنزلة نار تشعل، والناس يختلفون فيه، فبعضهم كالحلفاء سريع الوقود وسريع الخمود، وبعضهم كالغضى بطيء الوقود بطيء الخمود، وبعضهم سريع الوقود بطيء الخمود، وبعضهم على عكس ذلك، وهو أحمدهم ما لم يكن مفضيًا به إلى زوال حميته وفقدان غيرته، واختلافهم تارة يكون بحسب الأمزجة، فمن كان طبعه حارًّا يابسًا يكثر غضبه، ومن كان بخلافه يقلُّ، وتارة يكون بحسب اختلاف العادة، فمن الناس من تعوَّد السكون والهدوء، وهو المعبر عنه بالذَّلول والهيِّن والليِّن، ومنهم من تعود الطيش والانزعاج، فيحتدُّ بأدنى ما يطرقه، ككلب يسمع صوتًا فينبح قبل أن يعرف ما هو)[((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) (ص 345)].
والحلفاء: نبت أطرافه محددة كأنها أطراف سعف النخل والخوص، ينبت في مغايض الماء والنزوز ((لسان العرب)) لابن منظور (9/56).
والغضى: شجر من الأثل خشبه من أَصْلَب الْخشب وجمره يبْقى زَمَانا طَويلا لَا ينطفىء واحدته غضاة. ((المعجم الوسيط)) (2/655)
سادسًا: غالب من يتَّصف بسرعة الغَضَب
ذكر بعض العلماء أنَّ أغلب من يتصف بسرعة الغَضَب هم النساء، والصبيان، والشَّرِه، والبخيل، وضعيف النفس من الرجال…
قال الراغب: (أسرع الناس غضبًا الصبيان، والنساء، وأكثرهم ضجرًا الشيوخ..)[((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) (ص 345)].
وقال ابن مسكويه: (ونحن نجدها في النساء – أي صفة الغَضَب – أكثر منها في الرجال، وفي المرضى أقوى منها في الأصحَّاء، ونجد الصبيان أسرع غضبًا وضجرًا من الرجال، والشيوخ أكثر من الشبان.
ونجد رذيلة الشَّره. فإنَّ الشَّرِه إذا تعذر عليه ما يشتهيه غضب، وشاجر على من يهيئ طعامه، وشرابه، من نسائه، وأولاده، وخدمه، وسائر من يلابس أمره.
والبخيل إذا فقد شيئًا من ماله، تسرَّع بالغَضَب على أصدقائه، ومخالطيه، وتوجَّهت تهمته إلى أهل الثِّقة، من خدمه، ومواليه.
وهؤلاء الطبقة لا يحصلون من أخلاقهم إلا على فقد الصديق، وعدم النصيح، وعلى الذمِّ السريع، واللوم الوجيع). [((تهذيب الأخلاق)) (ص 169)].
(وتسمية هذا – أي: الغَضَب – عزَّةُ نفس وشجاعة، جهل، بل هو مرض قلب ونقصان عقل، وهو لضعف النفس ونقصانها، وآية أنَّه لضعف النفس؛ أنَّ المريض أسرع غضبًا من الصحيح، والمرأة أسرع غضبًا من الرجل، والصبي أسرع غضبًا من الرجل الكبير، والشيخ الضعيف أسرع غضبًا من الكهل، وذو الخلق السيئ والرذائل القبيحة، أسرع غضبًا من صاحب الفضائل، فالرَّذِل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة، ولبخله إذا فاتته الحبة، حتى أنَّه يغضب على أهله، وولده، وأصحابه، بل القويُّ، من يملك نفسه عند الغَضَب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم…). [((إحياء علوم الدين)) (3/172)].
سابعًا: الألفاظ المترادفة للفظة غَضِب
من الألفاظ المترادفة للفظة غضب: (حرد، وتلظَّى، واغتاظ، وترغم، واستشاط، وتضرَّم، وحنق، وأسف، ونقم، وسخط، ووجد، وأحفظ، وأضمر)[((الألفاظ المترادفة المتقاربة المعنى)) لأبي الحسن الرماني (ص 77)].
ثامنًا: ذم الغَضَب في واحة الشعر
قال الشاعر:
ولم أرَ فضلًا تمَّ إلا بشيمةٍ ولم أرَ عقلًا صحَّ إلا على الأدبِ
ولم أرَ في الأعداءِ حين اختبرتهم عدوًّا لعقلِ المرءِ أعدَى مِن الغَضَبِ [((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) للبستي (ص 139)]
قال الشاعر:
لم يأكلِ الناسُ شيئًا مِن مآكلِهم أحلَى وأحمدَ عقباه مِن الغَضَبِ
ولا تلحَّف إنسانٌ بملحفةٍ أبهى وأزينَ مِن دينٍ ومن أدبِ [((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) للبستي (ص 139)]
وقال الشاعر:
وكظمي الغيظَ أولى مِن محاولتي غيظَ العدوِّ بإضراري بإيماني
لا خيرَ في أمرٍ تُـرْدِيني مغبَّـتُه يومَ الحسابِ إذا ما نصَّ ميزاني [((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) للبستي (ص 139)]
وقال الشاعر:
وإذا غضبتَ فكنْ وقورًا كاظمًا للغيظِ تبصرُ ما تقولُ وتسمعُ
فكفَى به شرفًا تبصُّرُ ساعةٍ يرضَى بها عنك الإلهُ ويدفعُ [((الكشف والبيان عن تفسير القرآن)) للثعلبي (3/166)]
المسألة (الخامسة): نماذج
1) نماذج من غضب النَّبي صلى الله عليه وسلم عندما تنتهك حرمات الله
النَّبي صلى الله عليه وسلم ما كان يغضب لنفسه، وما كان ينتصر لها، بل كان غضبه لله وحينما تنتهك حرماته.
وإليكم نماذج من غضب النَّبي صلى الله عليه وسلم عندما تنتهك حرمات الله.
– عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم، وفي البيت قرام فيه صور، فتلوَّن وجهه، ثم تناول الستر فهتكه، وقالت قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: من أشد النَّاس عذابًا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور))[رواه البخاري (6109)، ومسلم (2107)].
– وعن عبد الله، رضي الله عنه، قال: ((بينا النَّبي صلى الله عليه وسلم يصلي رأى في قبلة المسجد نخامة، فحكها بيده، فتغيَّظ، ثم قال: إنَّ أحدكم إذا كان في الصلاة فإنَّ الله حيال وجهه، فلا يتنخمنَّ حيال وجهه في الصلاة))[رواه البخاري (6111)].
(فتغيظ) من الغيظ؛ وهو صفة تعترض للرجل عند احتداده لمحركٍ لها. ((شرح أبي داود)) للعيني (2/392)
– وعن زيد بن ثابت، رضي الله عنه، قال: ((احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة مخصفة، أو حصيرًا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها، فتتبع إليه رجال، وجاؤوا يصلون بصلاته، ثم جاؤوا ليلةً فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم، وحصبوا الباب، فخرج إليهم مغضبًا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإنَّ خير صلاة المرء في بيته، إلا الصلاة المكتوبة))[رواه البخاري (6113)، ومسلم (781)].
وحجيرة مخصفة: ثوب أو حصير قطع به مكانًا فى المسجد واستتر وراءه. ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/295)
– وعن أبي هريرة رضي الله عنه لمّا لطم المسلم اليهودي ((… لم لطمت وجهه؟ قال: قال يا رسول الله: والذي اصطفى موسى عليه السَّلام على البشر، وأنت بين أظهرنا؛ قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتَّى عُرف الغَضَب في وجهه.
ثمَّ قال: لا تفضِّلوا بين أنبياء الله….))[رواه البخاري (3414)، ومسلم (2373)].
– وعن عائشة رضي الله عنها ((أنَّها قالت: رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر، فتنزَّه عنه ناس من النَّاس، فبلغ ذلك النَّبي صلى الله عليه وسلم، فغضب حتَّى بان الغَضَب في وجهه، ثمَّ قال: ما بال أقوام يرغبون عمَّا رخِّص لي فيه، فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدَّهم له خشيةً))[رواه مسلم (2356)].
– وعن أبي قتادة رضي اللّه عنه، أنَّه قال: ((رجل أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رأى عمر رضي الله عنه غضبه، قال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّد نبيًّا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. فجعل عمر رضي اللّه عنه يردِّد هذا الكلام حتَّى سكن غضبه))[رواه مسلم (1162)].
– وعن أبي سعيد الخدري قال: ((كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً من العذراءِ في خِدْرها، فإذا رأى شيئًا يكرهه، عرفناه في وجهه، ولما بلَّغَه ابنُ مسعودٍ قَولَ القائل: هذه قسمةٌ ما أريد بها وجه الله، شقَّ عليه صلى الله عليه وسلم، وتَغيَّر وجهه، وغَضِبَ، ولم يَزِدْ على أنْ قال: قد أوذِيَ موسى بأكثرَ من هذا فصبر))[ رواه البخاري (6102)، ومسلم (1062)].
2) نماذج من أحوال الصحابة عند الغَضَب
عمر رضي الله عنه:
روي أن رجلًا قال لعمر: (إنَّك لا تقضي بالعدل، ولا تعطي الحق، فغضب واحمرَّ وجهه، قيل له: يا أمير المؤمنين، ألم تسمع أنَّ الله يقول: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وهذا جاهل، فقال: صدقت، فكأنما كان نارًا فأطفئت). [رواه البخاري (4642)].
معاوية رضي الله عنه:
(خطب معاوية يومًا، فقال له رجل: كذبت. فنزل مغضبًا فدخل منزله، ثم خرج عليهم تقطر لحيته ماءً، فصعد المنبر، فقال: أيها الناس، إن الغَضَب من الشيطان، وإن الشيطان من النَّار، فإذا غضب أحدكم فليطفئه بالماء، ثم أخذ في الموضع الذي بلغه من خطبته). [رواه ابن قتيبة في ((عيون الأخبار)) (1/405)].
عبد الله بن عباس رضي الله عنه:
سبَّ رجل ابن عباس رضي الله عنهما، فلمَّا فرغ، قال: يا عكرمة، هل للرجل حاجة فنقضيها؟ فنكس الرجل رأسه واستحى. [رواه الثعلبي في ((تفسيره)) (9/80)].
أبو الدَّرداء رضي الله عنه:
أسمعَ رجلٌ أبا الدرداءَ رضي الله عنه كلامًا، فقال: يا هذا، لا تغرقن في سبِّنا، ودع للصلح موضعًا، فإنَّا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه. [((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (252)].
أبو ذر رضي الله عنه:
قال أبو ذر رضي الله عنه لغلامه: (لِمَ أرسلت الشاة على علف الفرس؟ قال: أردت أن أغيظك، قال: لأجمعنَّ مع الغيظ أجرًا، أنت حرٌّ لوجه الله تعالى). [((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزمخشري (2/227)].
3) نماذج من حال السلف عند الغَضَب
علي بن الحسين:
حُكيَ أنَّ جارية كانت تصبُّ الماء لعلي بن الحسين، فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجَّه، أي: جرحه، فرفع رأسه إليها، فقالت له: إنَّ الله يقول: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} فقال لها: قد كظمت غيظي. قالت: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} قال لها: قد عفوت عنك. قالت: {وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، قال: اذهبي فأنت حرَّة لوجه الله.
عمر بن عبد العزيز:
(غضب يومًا عمرُ بن عبد العزيز، فقالَ لهُ ابنُه: عبدُ الملكِ رحمهما الله: أنتَ يا أميرَ المؤمنين مع ما أعطاك الله وفضَّلك به تغضبُ هذا الغَضَب؟ فقال له: أو ما تغضبُ يا عبدَ الملك؟ فقال عبد الملك: وما يُغني عنِّي سعةُ جوفي إذا لم أُرَدِّدْ فيه). [((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/366)].
(وأسمعه رجل كلامًا، فقال له: أردتَ أن يستفزني الشيطان بعزِّ السلطان، فأنال منك اليوم ما تناله مني غدًا، انصرف رحمك الله). [((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/290)].
دخل عمر بن عبد العزيز المسجد ليلة في الظلمة، فمرَّ برجل نائم فعثر به، فرفع رأسه وقال: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا. فهمَّ به الحرس، فقال عمر: مه، إنما سألني أمجنون؟ فقلت: لا. [((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (5/397)].
المهدي:
(قيل: غضب المهدي على رجل، فدعا بالسياط، فلمَّا رأى شبيب شدَّة غضبه، وإطراق الناس، فلم يتكلموا بشيء، قال: يا أمير المؤمنين، لا تغضبنَّ لله بأشد مما غضب لنفسه. فقال: خلُّوا سبيله). [((مختصر منهاج القاصدين)) لابن قدامة (ص 236)].
عبد الله بن عون:
(روي عن القعنبي قال: كان ابن عون لا يغضب، فإذا أغضبه رجل قال: بارك الله فيك). [((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (6/366)].
(وكان لابن عون ناقة، يغزو عليها ويحجُّ، وكان بها مُعجبًا. قال: فأمر غلامًا له أن يستقي عليها، فجاء بها وقد ضربها على وجهها، فسالت عينها على خدها، فقلنا: إن كان من ابن عون شيء فاليوم! قال: فلم يلبث أن نزل، فلما نظر إلى الناقة قال: سبحان الله، أفلا غير الوجه، بارك الله فيك اخرج عني، اشهدوا أنه حرٌّ). [((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (6/371)].
وانظر: الآثار الواردة عن الغضب في نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم [موسوعة الأخلاق، بتصرف يسير].