(2606) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله المشجري وعلي الكربي وعبدالله البلوشي ابوعيسى
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم، ((28)) – (بابُ تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ)
[(6613)] ((2606)) – (حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، وابْنُ بَشّارٍ، قالا: حَدَّثَنا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ أبا إسْحاقَ، يُحَدِّثُ عَنْ أبِي الأحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قالَ: إن مُحَمَّدًا – – قالَ: «أَّلا أُنَبِّئُكُمْ ما العَضْهُ؟ هِيَ
النَّمِيمَةُ القالَةُ بَيْنَ النّاسٍ»، وإنَّ مُحَمَّدًا – – قالَ: «إنَّ الرَّجُلَ يَصْدُقُ حَتّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا، ويَكْذِبُ حَتّى يُكْتَبَ كَذّابًا»).
==========
التمهيد:
سبق أن المؤلف رحمه الله ذكر بابًا في تحريم الغيبة، ومر مسائل وأدلة ذلك، وما يتعلق باللسان في الأبواب السابقة.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
((28)) – (بابُ تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ)
[(6613)] ((2606)) -[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد: فيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، وهو من رواية الأقران
شرح الحديث:
(عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ) – رضي الله عنه -؛ أنه (قالَ: إنَّ مُحَمَّدًا – – قالَ: “ألا) أداة استفتاح وتنبيه، يُلقى بها للمخاطب، تنبيهًا له، وإزالةً لغفلته.
(أُنَبِّئُكُمْ) بضمّ أوله، وتشديد الموحّدة، من التنبيء، ويحْتَمِل أن يكون بتخفيف الموحّدة، من الإنباء؛ أي: ألا أُخبركم (ما العَضْهُ؟) «ما» استفهاميّة مبتدأ، خبرها «العضه»، وهو بفتح العين المهملة، وسكون الضاد المعجمة: البُهتان الذي يُحَيِّر، قال في «الصحاح»: العَضْه: الرمي بالبهتان، وقال في «القاموس»: عَضَهَ، كمَنَعَ:
كَذَبَ، وجاء بالإفك والبهتان، وفلانًا: أبهته، وقال فيه ما لم يكن، وسَخِرَ، ونَمّ. انتهى. [» فيض القدير «(1) / (114)].
وعَنْوَنَ بـ «ألا»؛ تنبيهًا على فَخامة ما يُلقيه من الكلام، وإشارةً إلى أنه يتعيّن معرفته، ويَقْبح الجهل به، والله تعالى أعلم.
(هِيَ النَّمِيمَةُ) ثم فسّرها بقوله: (القالَةُ)؛ أي: القول (بَيْنَ النّاسِ)؛ أي: هي نَقْل أقوال الناس بينهم على وجه الإفساد، وهو من الكبائر انتهى [» فيض القدير «(1) / (114)].
وقال النوويّ رحمه الله:» النميمة «: هي نَقْل كلام الناس بعضهم إلى بعض،
على جهة الإفساد، وقوله:» ما العضه؟ «هذه اللفظة رَووها على وجهين:
أحدهما: العِضَةُ بكسر العين، وفتح الضاد المعجمة، على وزن العِدَة،
والزِّنَةِ.
والثاني: العَضْه، بفتح العين، وإسكان الضاد، على وزن الوَجْه، وهذا الثاني هو الأشهر في روايات بلادنا، والأشهر في كتب الحديث، وكُتب غريبه، والأول أشهر في كتب اللغة، ونقل القاضي أنه رواية أكثر شيوخهم،
وتقدير الحديث- والله أعلم-: ألا أنبئكم ما العضه الفاحشُ الغليظ التحريم؟
انتهى [» شرح النوويّ” (16) / (159)].
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: «ألا أنبئكم ما العضه؟» هكذا أذكر أني قرأته
بفتح العين، وإسكان الضاد، والهاء، وهذا عند الجيّانيّ، وهو مصدر عَضَهه
يَعْضَهه عَضْهًا: إذا رماه بكذب، وبهتان، وقد رواه أكثر الشيوخ: «ما العِضَةُ» – بكسر العين، وفتح الضاد، والتاء المنقلبة في الوقف هاءً، وهي أصوب-؛ لأنّ العِضَة اسم، والنميمة اسم، فصحّ تفسير الاسم بالاسم، والعَضْهُ مصدرٌ، ولا يَحْسُن تفسير المصدر بالاسم، فالرواية الثانية أولى، والذي يبيِّن لك أن العِضَةَ اسم ما قاله الكسائيّ، قال: العضه: الكذب، والبهتان، وجَمْعها عِضُون، مثل عِزَة وعِزين، وقد بيّنا أن العَضْهَ: المصدرُ، فصحّ ما قلناه، وقد تقدَّم القول في حُكم ذي الوجهين، والنمّام، وقد فسَّر النبيّ – – العضه بالنميمة؛ لأنّ النميمة لا تنفكّ عن الكذب، والبهتان غالبًا. انتهى [«المفهم» (6) / (590)].
قال ابن عثيمين:
هذا من أساليب التعليم الجيدة وهي أن يلقي المعلم السؤال على المخاطبين للتنبيه، حتى يستثير أفهامهم ويعطوا الكلام انتباهًا ألا أنبئكم ما العضه والنبأ والخبر في اللغة العربية معناها واحد.
وأما قوله: (وإنَّ مُحَمَّدًا – – قالَ: «إنَّ الرَّجُلَ يَصْدُقُ حَتّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا، ويَكْذِبُ حَتى يُكْتَبَ كَذّابًا») فسيأتي شرحه في الباب التالي- إن شاء الله
تعالى-. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير]
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى):
اولا:
معنى النَّمِيمَة
معنى النَّمِيمَة لغةً:
النَّمُّ: رَفْع الحديثِ على وجه الإشاعةِ والإفْسادِ. وقيل: تَزْيينُ الكلام بالكذب. من نمَّ يَنِمُّ ويَنُمُّ، فهو نَمومٌ ونَمَّامٌ ومِنَمٌّ، ونَمٌّ، من قَوْمٍ نَمِّينَ وأنِمَّاءَ ونُمٍّ، وهي نَمَّةٌ، ويقال للنَّمَّام القَتَّاتُ، ونَمَّامٌ مُبَالَغَةٌ، والاسمُ النَّمِيمَة، وأصل هذه المادة يدلُّ على إظهار شيء وإبرازه [((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/ 358)، ((لسان العرب)) لابن منظور (12/ 592)، ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (ص:1164)، ((المصباح المنير)) للفيومي (2/ 626)].
معنى النَّمِيمَة اصطلاحًا:
النَّمِيمَة: (نَقْلُ الحديث من قومٍ إلى قوم على جهة الإفْسادِ والشَّرِّ) [((لسان العرب)) لابن منظور (12/ 592)، ((النهاية في غريب الحديث)) لابن الأثير (5/ 256)].
وعرفها الغزالي بقوله: (إفشاء السرِّ، وهتك الستر عما يكره كشفه) [((إحياء علوم الدين)) (3/ 156)].
وقيل هي: (التحريش بين النَّاس والسعي بينهم بالإفساد) [((فتاوى إسلامية)) لمجموعة من العلماء (4/ 70)].
قال القاضي عياض رحمه الله في إكمال المعلم:
قال الإمام: قيل فى قوله: {جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ} (1): هو جمع عضه، من: عضيت الشاء: أى مزقته. قال ابن عباس: آمنوا ببعض وكفروا ببعض، فلعل النميمة سميت عضة؛ لأنها تفرق بين الناس.
قال القاضى: قد جاء مفسرًا فى الحديث بما لا يحتاج إلى غيره. وقد قيل فى تفسير العضة: إنها السحر. وقيل: قول البهتان، وقد تقدم تفسيره فى قوله: ” لا يعضه بعضاً بعضاً “. وقد قيل فى قوله: {جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ} أى سحرًا؛ لقولهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ}
قال ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين:
والعضة: من القطع والتمزيق ومنه قوله تعالى: الذين جعلوا القرآن عضين يعني قطعًا وأجزاء، يؤمنون ببعضه ويكفرون ببعضه فما هي الأداة المفرقة للأمة الممزقة لهم، قال: هي النميمة: أن ينقل الإنسان كلام الناس بعضهم في بعض من أجل الإفساد بينهم، وهي من كبائر الذنوب، وقد نهى الله تعالى أن يطاع مثل هذا الرجل قال تعالى: {ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم}
سبق في الشرح ذكر شيء من ذلك.
ثانيا:
روايات الحديث:
* (أتدرون ما العضة؟ نقل الحديث من بعض الناس إلى بعض ليفسدوا بينهم) صحيح رواه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي. «الصحيحة» (845)
* مسند أبي يعلى الموصلي (9/ 245) 5363: عن أبي الأحوص قال: كان عبد الله يقول: إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، ولا يعد الرجل الرجل شيئا ثم لا ينجزه له، وإن محمدا صلى الله عليه وسلم قال لنا: «ألا أنبئكم بالعضه؟ هي النميمة، القالة بين الناس» [حكم حسين سليم أسد]: إسناده صحيح. [وينظر علل الدارقطني 916 (5/ 323)]
ثالثا:
ثالثاً: تبويبات الأئمة على الحديث:
* قال البيهقي في شعب الإيمان: ” الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَهُوَ بَابٌ فِي حِفْظِ اللِّسَانِ ” عَمَّا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ” ومن الأحاديث التي أوردها حديث الباب.
* ابن الأثير في جامع الأصول عقد كتاباً في الغيبة والنميمة وأورد تحتها من أحاديث التحذير من النميمة ما يأتي:
• (خ م ت د) حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه -: قال: سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يدخل الجنة قَتَّات». أخرجه البخاري، ومسلم. [ص:451]
ولمسلم مثله، وقال: «نمّام»، وأخرج أبو داود الأولى.
وفي رواية الترمذي قال: «قيل لحذيفة: إِن رجلا يرفَعُ الحديث – وفي رواية: يَنْمي الحديث إِلى الأمير – فقال له حذيفة: سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا يدخل الجنةَ قَتَّات».
• حديث الباب.
• (ت د) عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: قال: قال [ص:452] رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يُبَلِّغُني أحد عن أحد من أصحابي شيئا، فإني أُحِبُّ أن أخرجَ إِليهم وأنا سليمُ الصدر».
قال عبد الله: فأُتِيَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بمال، فقسمه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فانتهيتُ إِلى رجلين جالسين، وهما يقولان: والله، ما أراد محمد بقسمته التي قسمها وجه الله، ولا الدَّارَ الآخرة، فثَبَتُّ حتى سمعتُها، فأتيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرتُهُ، فاحمَّر وجهُه، فقال: دَعْني عنك، فقد أُوذي موسى بأكثر من هذا فَصَبر.
وفي رواية قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يبَلِّغني أحد عن أحد شيئا».
أخرجه الترمذي، وأخرج أبو داود من أوله طرفا إِلى قوله: «سليم الصدر»، وقد تقدَّم في غزوة حنين للبخاري، ومسلم، عن ابن مسعود هذا المعنى بزيادة ذكر قسمة غنائم حنين.
* بوب النووي في رياض الصالحين: باب تحريم النميمة، وأورد تحته:
“باب تحريم النميمة، وهي: نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد.
قال الله تعالى: {هماز مشاء بنميم} وقال تعالى {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}
(1536) – وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا يدخل الجنة نمام)) متفق عليه. والبخاري كتاب الأدب باب ما يكره من النميمة.
مسلم كتاب الايمان باب بيان غلظ تحريم النميمة
(1537) – وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله : مر بقبرين، فقال: ((إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير: أما أحدهما، فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله)) متفق عليه، وهذا لفظ إحدى روايات البخاري.
قال العلماء: معنى: وما يعذبان في كبير أي كبير في زعمهما وقيل: كبير تركه عليهما”. انتهى.
(المسألة الثانية): الفرق بين النَّمِيمَة وبعض الصفات
– الفرق بين الغيبة والنَّمِيمَة:
قال ابن حجر: (اختُلِفَ في الغيبة والنَّمِيمَة، هل هما متغايرتان أو متَّحدتان؟ والراجح التغاير، وأن بينهما عمومًا وخصوصًا وجيهًا؛ وذلك لأنَّ النَّمِيمَة نقل حال شخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه، سواء كان بعلمه أم بغير علمه.
والغيبة ذكره في غيبته بما لا يرضيه، فامتازت النَّمِيمَة بقصد الإفساد، ولا يشترط ذلك في الغيبة.
وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه، واشتركا في ما عدا ذلك.
ومن العلماء من يشترط في الغيبة أن يكون المقول فيه غائبًا، والله أعلم) [((فتح الباري)) (10/ 473)].
وقال ابن حجر الهيتمي: (كل نميمة غيبة، وليس كل غيبة نميمة، فإن الإنسان قد يذكر عن غيره ما يكرهه، ولا إفساد فيه بينه وبين أحد، وهذا غيبة، وقد يذكر عن غيره ما يكرهه وفيه إفساد، وهذا غيبة، ونميمة معًا) [((تطهير العيبة من دنس الغيبة)) (ص 45)].
– الفرق بين القتَّات والنَّمَّام:
(القتَّات والنَّمام بمعنى واحد.
وقيل: النمام الذي يكون مع جماعة يتحدثون حديثا فينم عليهم.
والقتَّات: الذي يتسمع عليهم وهم لا يعلمون ثم ينم) [((الترغيب والترهيب)) للمنذري (3/ 323)].
(المسألة الثالثة):
أولًا: ذم النَّمِيمَة والنهي عنها في القرآن الكريم
– قال تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 10 – 13].
قال ابن كثير في قوله تعالى: (مَّشَّاء بِنَمِيمٍ يعني: الذي يمشي بين الناس، ويحرش بينهم وينقل الحديث لفساد ذات البين وهي الحالقة) [((تفسير ابن كثير) (8/ 191)].
– وقال تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} [الهمزة: 1].
(قيل: اللُّمزة: النَّمَّام. عن أبي الجوزاء، قال: قلت لابن عباس: من هؤلاء؟ هم الذين بدأهم الله بالويل؟ قال: هم المشاءون بالنَّمِيمَة، المفرِّقون بين الأحبَّة، الباغون أكبر العيب) [((جامع البيان)) للطبري (24/ 596)].
وقال مقاتل: (فأما الهمزة فالذي ينمُّ الكلام إلى الناس، وهو النَّمَّام) [((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/ 839)].
– وقال تعالى: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4].
(قيل: كانت نمَّامة حمَّالة للحديث إفسادًا بين النَّاس، وسمِّيت النَّمِيمَة حطبًا؛ لأنَّها تنشر العداوة بين النَّاس، كما أنَّ الحطب ينشر النَّار.
قال مجاهد: يعني حمَّالة النَّمِيمَة، تمشي بالنَّمِيمَة) [((تفسير مجاهد)) لمجاهد بن جبر (ص 759)].
ثانيًا: ذم النَّمِيمَة والنهي عنها في السنة النبوية
– عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة نمَّام))، وفي رواية ((قتَّات)). رواه مسلم (105)
وبيَّن ابن الملقن المراد بعدم دخول الجنة للنَّمام بقوله: (وحمل على ما إذا استحل بغير تأويل مع العلم بالتحريم، أو لا يدخلها دخول الفائزين). [((الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)) لابن الملقن (1/ 531)].
قال ابن الجوزي في “كشف المشكل” (1/ 323):” فَكَأَن المُرَاد: لَا يدْخل الْجنَّة ابْتِدَاء وَإِنَّمَا يدْخل النَّار، وعَلى هَذَا تَفْسِير قَوْله: ” لَا يدْخل الْجنَّة قَتَّات “. انتهى
وقال النووي في “شرح صحيح مسلم” (2/ 113):” وأما قوله صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الْجَنَّةَ نَمَّامٌ): فَفِيهِ التَّاوِيلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي نَظَائِرِهِ: أَحَدُهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ تَاوِيلٍ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ، وَالثَّانِي لَا يَدْخُلُهَا دُخُولَ الْفَائِزِينَ ” انتهى.
ومن السلف والأئمة: من كان يترك أحاديث الوعيد كما هي، ولا يتعرض لها بتأويل، خشية أن تهون المعاصي في نفوس الناس، بل يتركون أحاديث الوعيد على وجهها، مع ما تقرر في أصول الاعتقاد من حال عصاة الموحدين، وأنهم لا يدخلون النار على سبيل التأبيد، ولا يحرمون من الجنة على سبيل التأبيد أيضا؛ بل لا بد للموحد من الخروج من النار، إن عذب بها، ولا بد له أيضا من دخول الجنة، وإن حرم منها ما شاء الله له.
جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” رقم (16362):
ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام)؟
فكان الجواب:
هذا الحديث من أحاديث الوعيد التي تجرى على ظاهرها ولا تؤول، وهو يدل على تحريم النميمة، وذم من تخلق بهذا الخلق الذميم.
ومن المعلوم أن كل ذنب دون الشرك بالله تحت مشيئة الله، إن شاء سبحانه غفر لصاحبه لما مات عليه من التوحيد والإيمان، وإن شاء عذبه على قدر معاصيه، ثم مآله إلى الجنة برحمة الله تعالى، إذا كان مات على التوحيد والإيمان بالله تعالى، كما دلت على ذلك النصوص من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، خلافا للخوارج والمعتزلة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الشيخ عبد العزيز بن باز (الرئيس) انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء”.
إلا أنه يجب أن يُعلم أن للتوبة الصحيحة شروطا، لا تصح إلا بها.
قال ابن بطَّال: (قال أهل التأويل: الهمَّاز الذي يأكل لحوم الناس، ويقال: هم المشاءون بالنَّمِيمَة المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت. والقتَّات: النَّمام عند أهل اللغة) [((شرح صحيح البخاري)) (9/ 249)].
– وعن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه قال: إنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أُنبئكم ما العضة؟ ….
قال المناوي: ( … ((القالة بين النَّاس)). أي: كثرة القول، وإيقاع الخصومة بينهما، فيما يحكى للبعض عن البعض، وقيل: القالة بمعنى المقولة، وزعم بعضهم أنَّ القالة هنا جمع، وهم الذين ينقلون الكلام، ويوقعون الخصومة بين الناس) [((فيض القدير)) (3/ 133)].
وقال ابن عثيمين: (هي النَّمِيمَة: أن ينقل الإنسان كلام النَّاس بعضهم في بعض، من أجل الإفساد بينهم، وهي من كبائر الذنوب) [((شرح رياض الصالحين)) (6/ 147)]
– وعن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما قال: ((مرَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: إنَّهما ليعذَّبان، وما يعذَّبان في كبير أمَّا أحدهما: فكان لا يستتر من البول، وأمَّا الآخر: فكان يمشي بالنَّمِيمَة … )) [رواه البخاري (6052)، ومسلم (292)].
قال ابن بطَّال: (ومعنى الحديث: الحض على ترك النَّمِيمَة) [((شرح صحيح البخاري)) (3/ 346)].
وقال ابن دقيق العيد: (في الحديث دليل على عظم أمر النَّمِيمَة، وأنَّها سبب العذاب، وهو محمول على النَّمِيمَة المحرَّمة) [((إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام)) (1/ 104)].
وقال الشوكاني: (الحديث يدلُّ على نجاسة البول من الإنسان، ووجوب اجتنابه، وهو إجماع، ويدلُّ أيضًا على عظم أمره وأمر النَّمِيمَة، وأنَّهما من أعظم أسباب عذاب القبر) [((نيل الأوطار)) (1/ 121)].
وقال السيوطي: (قد ذكر بعضهم السرَّ في تخصيص البول، والنَّمِيمَة، والغيبة بعذاب القبر، وهو أنَّ القبر أول منازل الآخرة، وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب، والثواب. والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حقٌّ لله، وحقٌّ لعباده، وأوَّل ما يقضى فيه يوم القيامة من حقوق الله، الصلاة، ومن حقوق العباد، الدِّماء، وأمَّا البرزخ فيقضى فيه في مقدمات هذين الحقين ووسائلهما، فمقدمة الصَّلاة الطهَّارة من الحدث والخبث، ومقدمة الدَّماء النَّمِيمَة والوقيعة في الأعراض، وهما أيسر أنواع الأذى، فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة والعقاب عليهما.) [((الحاوي للفتاوى)) (2/ 181)].
(المسألة الرابعة): أقوال السلف والعلماء في النَّمِيمَة
– قيل لمحمد بن كعب القرظي: أي خصال المؤمن أوضع له؟ فقال: كثرة الكلام، وإفشاء السرِّ، وقبول قول كلِّ أحد. [((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 157)].
– وروي أنَّ سليمان بن عبد الملك كان جالسًا وعنده الزهري، فجاءه رجل فقال له سليمان: بلغني أنَّك وقعت فيَّ، وقلت كذا وكذا. فقال الرجل: ما فعلت ولا قلت. فقال سليمان: إن الذي أخبرني صادق، فقال له الزهري: لا يكون النَّمام صادقًا. فقال سليمان: صدقت، ثُمَّ قال للرجل: اذهب بسلام.
– وقال الحسن: من نمَّ إليك نمَّ عليك. [((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 156)].
– وعن عطاء بن السَّائب، قال: قدمت من مكَّة، فلقيني الشَّعبيُّ، فقال: يا أبا زيدٍ! أطرفنا ممَّا سمعت بمكَّة، فقلت: سمعت عبد الرَّحمن بن سابطٍ يقول: لا يسكن مكَّة سافك دمٍ، ولا آكل ربًا، ولا مشَّاءٍ بنميمةٍ، فعجبت منه حين عدل النَّمِيمَة بسفك الدَّم وأكل الرِّبا، فقال الشَّعبيُّ: وما يعجبك من هذا؟! وهل يسفك الدَّم وتركب العظائم إلَّا بالنَّمِيمَة؟! [((المجالسة وجواهر العلم)) لأبي بكر الدينوري (3/ 63)].
– وقال قتادة: (ذكر لنا أنَّ عذاب القبر ثلاثة أثلاثٍ: ثلثٌ من الغيبة، وثلثٌ من البول، وثلثٌ من النَّمِيمَة) [((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (2/ 18)].
– وقال ابن حزم: (وما في جميع الناس شرٌّ من الوشاة، وهم النَّمَّامون، وإنَّ النَّمِيمَة لطبع يدلُّ على نتن الأصل، ورداءة الفرع، وفساد الطبع، وخبث النشأة، ولابد لصاحبه من الكذب؛ والنَّمِيمَة فرع من فروع الكذب، ونوع من أنواعه، وكلُّ نمام كذاب) [((طوق الحمامة)) لابن حزم (ص 173)].
– ويقال: (عمل النَّمام أضرُّ من عمل الشيطان، فإنَّ عمل الشيطان بالوسوسة، وعمل النَّمام بالمواجهة). [((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (2/ 571)].
– ورُوِيَ أن بعض السلف الصّالِحين زار أخا لَهُ وذكر لَهُ عَن بعض إخوانه شَيْئا يكرههُ فَقالَ لَهُ يا أخي أطلت الغَيْبَة وأتيتني بِثَلاث جنايات بغضت إلَيّ أخي وشغلت قلبِي بِسَبَبِهِ واتهمت نَفسك الأمينة الكبائر للذهبي
(المسألة الخامسة): آثار النَّمِيمَة
1 – طريق موصل إلى النَّار.
2 – تُذْكي نار العداوة بين المتآلفين.
3 – تؤذي وتضرُّ، وتؤلم، وتجلب الخصام والنُّفور.
4 – عنوان الدَّناءة، والجبن، والضِّعف، والدَّسُّ، والكيد، والملق، والنِّفاق.
5 – مزيلة كلُّ محبَّة، ومبعدة كلُّ مودَّة، وتآلف، وتآخ. [((نضرة النعيم)) (11/ 5671)].
6 – عار على قائلها، وسامعها.
7 – تحمل على التجسس، وتتبع أخبار الآخرين.
8 – تُؤدي إلى قطع أرزاق الآخرين.
9 – تُفرِّق وتُمزِّق المجتمعات الملتئمة.
10 – النَّمِيمَة تحلق الدين:
قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البيِّن، فإن فساد ذات البيِّن هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدِّين)) [رواه أبو داود (4919)، الترمذي (2509) واللفظ له، وأحمد (6/ 444) (27548) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني في ((غاية المرام)) (ص 237)].
11 – النَّمِيمَة تحرم صاحبها دخول الجنة.
12 – النَّمِيمَة تفسد الدين والدنيا:
قال أبو الفرج ابن الجوزي: (النَّمِيمَة تفسد الدين والدنيا، وتغيِّر القلوب، وتولِّد البغضاء، وسفك الدماء، والشتات). [((بحر الدموع)) لابن الجوزي (ص 129)].
13 – النميمة تفسد بين الرجل وزوجته
ففي سنن أبي داود – كتاب الط ق
(باب في من خبب امرأة على زوجها)
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَن خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ، أوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنّا»
قال صاحب عون المعبود: أي أفسدهـا بأن يزين إليها عداوة الزوج (ليس منا) أي من أتباعنا (من خبب) بتشديد الباء ا ولى بعد الخاء المعجمة أي خدع وأفسد (امرأة على زوجها) بأن يذكر مساوىء الزوج عند امرأته أو محاسن أجنبي عندهـا (أو عبدا) أي أفسده (على سيده) بأي نوع من ا فساد
وفي معناهـما إفساد الزوج على امرأته والجارية على سيدهـا
قال المنذري وأخرجه النسائي
عون المعبود 159/ 6
(المسألة السادسة): حُكم النَّمِيمَة
النَّمِيمَة محرَّمة في الكتاب، والسُّنة، والإجماع، وهي من كبائر الذنوب.
قال تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} [الهمزة: 1].
وقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نَمَّام).
وقال ابن باز: (هي من الكبائر ومن أسباب البغضاء والشحناء بين المسلمين، فالواجب الحذر منها). [((فتاوى نور على الدرب لابن باز)) جمع: محمد الشويعر (14/ 125)].
وقال ابن عثيمين: (النَّمِيمَة من كبائر الذنوب، وهي سببٌ لعذاب القبر، ومن أسباب حرمان دخول الجنة). [((مجموع فتاوى ورسائل بن عثيمين)) جمع وترتيب: فهد السليمان (9/ 524)].
وأما عن توبته:
فقد ذكر ابن مفلح في “الآداب الشرعية” (1/ 80) في توبة المغتاب والنمام:” وَأَنْ يَسْتَحِلَّ مِنْ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَنَحْوِهِمَا “. انتهى.
فإن كان يترتب على استحلاله من صاحب الحق مفسدة، لم يستحله، واستغفر لصاحب الحق.
قال السفاريني في “شرح منظومة الآداب” (1/ 88):” فَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُمَا (أي من الغيبة والنميمة) وَاسْتِحْلالُ مَنْ اغْتَابَهُ أَوْ بَهَتَهُ أَوْ جَبَهَهُ بِأَنْ وَاجَهَهُ بِمَا يَكْرَهُ، أَوْ نَمَّ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ فِتْنَةٌ، فَيَتُوبُ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ “. انتهى.
(المسألة السابعة): أقسام النَّمِيمَة
للنَّميمة ثلاثة أقسام، وهي كما يلي:
1 – النَّمِيمَة المحرمة:
هي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد والإيقاع بينهم، دون وجود مصلحة شرعية في نقل الكلام.
2 – النَّمِيمَة الواجبة والمستحبة والمباحة:
فالواجبة وهي التي تكون للتحذير من شرٍّ واقع على إنسان ما، فيُخبر بذلك الشر ليحذره. وقد لا يصل الأمر للوجوب فتكون مستحبة أو محبة.
قال ابن الملقن وهو يتحدث عن النَّمِيمَة: (أمَّا إذا كان فعلها نصيحة في ترك مفسدة أو دفع ضرر، وإيصال خير يتعلق بالغير لم تكن محرمة ولا مكروهة، بل قد تكون واجبة أو مستحبة) [((الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)) (1/ 531)].
قال النووي: (وهذا كله إذا لم يكن في النقل مصلحة شرعية، وإلا فهي مستحبة، أو واجبة، كمن اطلع من شخص أنه يريد أن يؤذي شخصًا ظلمًا فحذَّره منه) [((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 473)].
قال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين:
فإذا قال قائل: إذا كان الشخص ينقل كلام الإنسان في الإنسان نصيحة، مثل أن يرى شخصًا مغروراً بشخص يفضي إليه أسراره ويلازمه، والشخص هذا يفضي أسرار صاحبه الذي يفضي إليه أسراره ويخدعه، فهل له أن يتكلم فيه؟ فالجواب: نعم، له أن يتكلم فيه ويقول يا فلان احذر هذا الشخص فإنه ينقل كلامك ويقول فيك كذا وكذا.
لأن هذا من باب النصيحة ليس غرضه أن يفرق بين الناس ولكن غرضه أن يسدي النصيحة إلى صاحبه، والله تعالى يقول: {والله يعلم المفسد من المصلح} والله الموفق
قال ابن كثير وهو يتحدث عن النَّمِيمَة: (فأمَّا إذا كانت على وجه الإصلاح بين النَّاس وائتلاف كلمة المسلمين، كما جاء في الحديث: ((ليس بالكذاب من يَنمَّ خيرًا)) [رواه بمعناه البخاري (2692)، ومسلم (2605) من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها]، أو يكون على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة، فهذا أمر مطلوب، كما جاء في الحديث: ((الحرب خدعة)) [رواه البخاري (3030)، ومسلم (1739) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما]، وكما فعل نعيم بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين قريظة، وجاء إلى هؤلاء فنمى إليهم عن هؤلاء كلامًا، ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئًا آخر، ثم لأم بين ذلك، فتناكرت النفوس وافترقت، وإنَّما يحذو على مثل هذا الذَّكاء والبصيرة النافذة) [((تفسير القرآن العظيم)) (1/ 371)].
قال النَّووي: (فلو دعت إلى النَّمِيمَة حاجةٌ فلا منع منها، كما إذا أخبره أنَّ إنسانًا يريد الفتك به أو بأهله أو بماله، أو أخبر الإمام أو من له ولايةٌ بأنَّ فلانًا يسعى بما فيه مفسدةٌ، ويجب على المتولِّي الكشف عن ذلك) [((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (2/ 197)].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
وقسَّم النَّبي صلى الله عليه وسلم قسمةً، فقال رجلٌ من الأنصار: والله ما أراد محمدٌ بهذا وجه الله، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فتمعَّر وجهه، وقال: ((رحم الله موسى، لقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر)) [رواه البخاري (3150)، ومسلم (1062)].
قال ابن بطَّال: (في هذا الحديث من الفقه أنَّه يجوز للرجل أن يخبر أهل الفضل والستر من إخوانه بما يقال فيهم مما لا يليق بهم؛ ليعرفهم بذلك من يؤذيهم من الناس وينقصهم، ولا حرج عليه في مقابلته بذلك وتبليغه له. وليس ذلك من باب النَّمِيمَة؛ لأنَّ ابن مسعود حين أخبر النَّبي عليه السلام بقول الأنصاري فيه وتجويره له في القسمة، لم يقل له: أتيت بما لا يجوز، ونممت الأنصاري، والنَّمِيمَة حرام، بل رضي ذلك عليه السلام، وجاوبه عليه بقوله: ((يرحم الله موسى، لقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر))، وإنَّما جاز لابن مسعود نقل ذلك إلى النَّبي عليه السلام؛ لأنَّ الأنصاري في تجويره للنَّبي عليه السلام استباح إثمًا عظيمًا، وركب جرمًا جسيمًا، فلم يكن لحديثه حرمة، ولم يكن نقله من باب النَّمِيمَة) [((شرح صحيح البخاري)) (10/ 252)].
أما إذا كان المنقول إليه الحديث لن يعالج الأمر بحكمه بل اخباره سيولد مفاسد أعظم فلا يخبر. أو يخبر بما يقال فيه دون بيان الشخص المتكلم. لكي يدافع عن نفسه.
(المسألة التاسعة): أسباب الوقوع في النَّمِيمَة
1 – أن ينشأ الفرد في بيئة دأبها النَّمِيمَة والوقيعة بين الناس، فيحاكيها ويتأثر بها.
2 – الإساءة للآخرين وإيقاع الإيذاء بهم.
3 – الخوض في الباطل وفضول الحديث، للترويح عن النفس.
4 – عدم ردع النَّمام وزجره بل استحسان عمله ومسايرته.
5 – وجود الفراغ في حياة الفرد، فيشغل وقته بالحديث عن الآخرين وذكر مساوئهم.
6 – الغضب والرغبة في الانتقام.
7 – تتبع عورات الناس.
8 – العمل لصالح أفراد أو جهات مشبوهة.
9 – ضعف الإيمان في قلب النَّمَّام وعدم الخوف من الله ونسيان عذاب القبر وعذاب النار.
10 – جهل النَّمَّام بالعواقب السيِّئة للنَّميمة التي تعود على الفرد والمجتمع.
11 – الحسد للآخرين، وعدم حبِّ الخير لهم.
فرع:
الوسائل المعينة على ترك النَّمِيمَة:
1 – توعية النَّمام بخطورة النَّمِيمَة.
2 – استشعار عظمة هذه المعصية وأنَّها من الكبائر.
3 – حفظ اللسان.
4 – تصور خطر المصيبة التي يقترفها بإفساده للقلوب وتفريقه بين الأحبة.
5 – التَّقرب إلى الله سبحانه وتعالى بكثرة الأعمال الصالحة، وتقديم رضاه على رضا المخلوقين.
6 – استشعار الفرد أنَّ حفظ اللسان عن النَّمِيمَة يكون سببًا في دخوله الجنة.
7 – تقوية الإيمان بالعلم النافع، والعمل الصالح.
8 – عدم السماع لكلام النَّمَّام الذي ينمُّ به عن الآخرين.
9 – تربية الفرد تربية إسلامية سليمة، قائمة على الآداب والتعاليم الإسلامية.
10 – استغلال وقت الفراغ، بما ينفع الفرد.
11 – كظم الغيظ والصبر على الغضب.
12 – التأمل في سيرة السلف والاقتداء والتأسي بهم.
13 – أن يعلم الفرد أنَّ الذين ينمُّ عليهم اليوم هم خصماؤه عند الله يوم القيامة. [موسوعة الأخلاق]
(المسألة العاشرة): موقف المسلم من سماع النَّمِيمَة
عندما نسمع أحدًا يتكلم في أعراض الناس، وينمُّ عليهم فيجب علينا نصحه وزجره عن ذلك، فإن لم ينته فعلينا عدم الجلوس معه؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68].
وقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)). [رواه مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].
(ثم احذر النَّمِيمَة وسماعها، وذلك أنَّ الأشرار يدخلون بين الأخيار في صورة النصحاء فيوهمونهم النصيحة، وينقلون إليهم في عرض الأحاديث اللذيذة أخبار أصدقائهم محرَّفة مموَّهة، حتى إذا تجاسروا عليهم بالحديث المختلق يصرحون لهم، بما يفسد مودَّاتهم ويشوه وجوه أصدقائهم، إلى أن يبغض بعضهم بعضًا). [((تهذيب الأخلاق)) لابن مسكويه (ص 175)].
(المسألة الحادي عشر): ماذا يفعل من حملت إليه النَّمِيمَة؟
(كل من حملت إليه النَّمِيمَة وقيل له: إنَّ فلانًا قال فيك كذا وكذا، أو فعل في حقك كذا، أو هو يدبر في إفساد أمرك، أو في ممالاة عدوك أو تقبيح حالك، أو ما يجري مجراه؛ فعليه ستة أمور:
الأوَّل: أن لا يصدقه؛ لأنَّ النَّمام فاسق، وهو مردود الشهادة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6].
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصح له، ويقبح عليه فعله، قال الله تعالى: {وَامُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ} [لقمان: 17]
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى، فإنَّه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض من يبغضه الله تعالى.
الرابع: أن لا تظنَّ بأخيك الغائب السوء، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 12].
الخامس: أن لا يحملك ما حكي لك على التجسس والبحث لتحقق اتباعًا؛ لقول الله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12].
السادس: أن لا ترضى لنفسك ما نهيت النَّمام عنه ولا تحكي نميمته؛ فتقول: فلان قد حكى لي كذا وكذا، فتكون به نمَّامًا ومغتابًا، وقد تكون قد أتيت ما عنه نهيت) [((إحياء علوم الدين)) (3/ 156)].
(جاء رجل إلى علي بن الحسين رضي الله عنهما فنمَّ له عن شخص، فقال: اذهب بنا إليه، فذهب معه، وهو يرى أنه ينتصر لنفسه، فلما وصل إليه قال: يا أخي، إن كان ما قلت فيَّ حقًّا يغفر الله لي، وإن كان ما قلتَ فيَّ باطلًا يغفر الله لك). [((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (2/ 571)].
المسألة الثانية عشر: كلام للشيخ ابن باز فيه تلخيص لأغلب المسائل السابقة:
رابعاً: مسائل أخرى:
* قال الشيخ ابن باز رحمه الله في مجموع فتواه (3/ 237 – وما بعده): ” مما ينبغي اجتنابه والابتعاد عنه والتحذير منه (النميمة) التي هي نقل الكلام من شخص إلى آخر. أو من جماعة إلى جماعة. أو من قبيلة إلى قبيلة لقصد الإفساد والوقيعة بينهم وهي كشف ما يكره كشفه سواء أكره المنقول عنه أو المنقول إليه. أو كره ثالث، وسواء أكان ذلك الكشف بالقول أو الكتابة أو الرمز أو بالإيماء , وسواء أكان المنقول من الأقوال أو الأعمال , وسواء كان ذلك عيبا أو نقصا في المنقول عنه أو لم يكن. فيجب أن يسكت الإنسان عن كل ما يراه من أحوال الناس إلا ما في حكايته منفعة لمسلم أو دفع لشر.
والباعث على النميمة إما إرادة السوء للمحكي عنه أو إظهار الحب للمحكي عليه أو الاستمتاع بالحديث والخوض في الفضول والباطل وكل هذا حرام , وكل من حملت إليه النميمة بأي نوع من أنواعها يجب عليه عدم التصديق ; لأن النمام يعتبر فاسقا مردود الشهادة قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} (1) وعليه أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله لقوله تعالى: {وَامُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (2) وأن يبغضه في الله وألا يظن بأخيه المنقول عنه السوء بل يظن به خيرا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (3) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» (4) متفق على صحته.
وعليه ألا يتجسس على من حكي له عنه وألا يرضى لنفسه ما نهى عنه النمام فيحكي النميمة التي وصلته.
وأدلة تحريم النميمة كثيرة من الكتاب والسنة … [ثم سرد الأدلة] وإنما حرمت الغيبة والنميمة لما فيهما من السعي بالإفساد بين الناس وإيجاد الشقاق والفوضى وإيقاد نار العداوة والغل والحسد والنفاق وإزالة كل مودة وإماتة كل محبة بالتفريق والخصام والتنافر بين الأخوة المتصافين، ولما فيهما أيضا من الكذب والغدر والخيانة والخديعة وكيل التهم جزافا للأبرياء وإرخاء العنان للسب والشتائم وذكر القبائح، ولأنهما من عناوين الجبن والدناءة والضعف، هذا إضافة إلى أن أصحابهما يتحملون ذنوبا كثيرة تجر إلى غضب الله وسخطه وأليم عقابه “.
(المسألة الثالثة عشر): مسائل متفرقة حول النميمة
فائدة:
قال بعض العلماء: (يُفسدُ النَّمَّام في ساعة ما لا يفسد الساحر في شهر، ولترغيب الشارع في الإصلاح بين الناس أباح الكذب فيه، ولزجره على الإفساد حرم الصدق فيه). [((الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)) لابن الملقن (1/ 545)].
(المسألة الرابعة عشر): حِكم وأمثال في النَّمِيمَة
– النَّمِيمَة أرثة العداوة [((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/ 93)]
الأرثة والإراث: اسم لما تؤرث به النَّار، أي: النَّميمة وقود نار العداوة [((مجمع الأمثال)) للميداني (2/ 345)]
– (وقيل في منثور الحكم: النَّمِيمَة سيفٌ قاتلٌ.
– وقال بعض الأدباء: لم يمش ماشٍ شرٌّ من واشٍ.
– وقال بعض الحكماء: السَّاعي بين منزلتين قبيحتين: إمَّا أن يكون صدق فقد خان الأمانة، وإمَّا أن يكون قد كذب فخالف المروءة.
– وقال بعض الحكماء: الصِّدق يزيِّن كلِّ أحدٍ إلَّا السَّعاة، فإنَّ السَّاعي أذمُّ وآثم ما يكون إذا صدق) [((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص 268)].
(المسألة الخامسة عشر):
قصص فيها عبرة عن خطر النميمة:
حِكايَة
رُوِيَ أن رجلًا رأى غُلاما يُباع وهُوَ يُنادي عَلَيْهِ لَيْسَ بِهِ عيب إلّا أنه نمام فَقَط فاستخف بِالعَيْبِ واشْتَراهُ فَمَكثَ عِنْده أيّامًا ثمَّ قالَ لزوجة سَيّده إن سَيِّدي يُرِيد أن يتَزَوَّج عَلَيْك أو يتسرى وقالَ أنه لا يحبك فَإن أردْت أن يعْطف عَلَيْك ويتْرك ما عزم عَلَيْهِ فَإذا نام فَخذي الموسى واحلقي شَعرات من تَحت لحيته واتركي الشعرات مَعَك فَقالَت فِي نَفسها نعم واشتغل قلب المَرْأة وعزمت على ذَلِك إذا نام زَوجها ثمَّ جاءَ إلى زَوجها وقالَ سَيِّدي إن سيدتي زَوجتك قد اتَّخذت لَها صديقًا ومحبًا غَيْرك ومالت إلَيْهِ وتريد أن تخلص مِنك وقد عزت على ذبحك اللَّيْلَة وإن لم تصدقني فتناوم لَها اللَّيْلَة وانْظُر كَيفَ تَجِيء إلَيْك وفِي يَدها شَيْء تُرِيدُ أن تذبحك بِهِ وصدقه سَيّده فَلَمّا كانَ اللَّيْل جاءَت المَرْأة بِالمُوسى لتحلق الشعرات من تَحت لحيته والرجل يتناوم لَها فَقالَ فِي نَفسه والله صدق الغُلام بِما قالَ فَلَمّا وضعت المَرْأة الموسى وأهوت
إلى حلقه قامَ وأخذ الموسى مِنها وذبحها بِهِ فجاء أهلها فرأوها مقتولة فَقَتَلُوهُ فَوَقع القِتال بَين الفَرِيقَيْنِ بشؤم ذَلِك العَبْد المشئوم فَلذَلِك سمى الله النمام فاسِقًا فِي قَوْله تَعالى {إن جاءَكُم فاسق بنبأ فَتَبَيَّنُوا أن تصيبوا قومًا بِجَهالَة فتصبحوا على ما فَعلْتُمْ نادمين} الكبائر للذهبي 162
(المسألة السادسة عشر): مختارات من الشعر في ذم النميمة
ورحم الله من قال:
وفي النَّاس من يغري الورَى بلسانِه وبين البرايا للنَّميمةِ يحملُ
يرى أنَّ في حملِ النَّمِيمَةِ مكسبًا تراه بها بين الورَى يتأكَّلُ [((مفتاح الأفكار)) لعبد العزيز السلمان (214)]
وقال آخر:
ويحرمُ بهتٌ واغتيابٌ نميمةٌ وإفشاءُ سرٍّ ثم لعنٌ مقيد [((غذاء الألباب)) للسفاريني (1/ 102)]
وقال آخر:
لا تقبلنَّ نميمةً بُلِّغتَها وتحفَظَّنَّ مِن الذي أنبأكها
إنَّ الذي أهدى إليك نميمةً سينمُّ عنك بمثلِها قد حاكها [((نهاية الأرب)) للنويري (3/ 292)]
وقال آخر:
إذا الواشي نعى يومًا صديقًا فلا تدعِ الصديقَ لقولِ واشي [((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (2/ 25)]
وقال صالح بن عبد القدوس:
من يخبرك بشتمٍ عن أخٍ فهو الشاتمُ لا مَن شتمك
ذاك شيءٌ لم يواجهْك به إنَّما اللومُ على مَن أعلمك [((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (179)]
وقال آخر:
إن يعلموا الخيرَ أخفوه وإن علموا شرًّا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا [((المستطرف)) للأبشيهي (97)]
وقال آخر:
إن يسمعوا ريبةً طاروا بها فرحًا مني وما سمعوا من صالحٍ دفنوا
صمٌّ إذا سمعوا خيرًا ذكرت به وإن ذكرتُ بسوءٍ عندهم أذنوا [((المستطرف)) للأبشيهي (97). وأذن له: استمع. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (13/ 10)]. [موسوعة الأخلاق: النميمة، بتصرف].