260 و 261 و 262 و 263 و 264 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
32 – باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء و الخاملين
260 – وعن أَبي هُريرةَ رضي اللَّه عنه عن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّهُ لَيأتِي الرَّجُلُ السَّمِينُ العْظِيمُ يَوْمَ الْقِيامةِ لاَ يزنُ عِنْد اللَّه جنَاحَ بعُوضَةٍ” متفقٌ عَلَيه.
يوجد في الصحيحن زيادة وهي قوله: اقْرَءُوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}
وروى الإمام أحمد في مسنده عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مِمَّ تَضْحَكُونَ؟ ” قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ. فَقَالَ: ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ ”
(الرجل العظيم) قدراً في الدنيا (السمين) جسماً (لا يزن عند الله جناح بعوضة) أي لا يعدله عند الله: أي لا قدر له عنده ” (دليل الفالحين)
قال النووي:” أي: لا يعدله في القدر والمنزلة، أي: لا قدر له، وفيه: ذم السمن.” (شرح مسلم)
قال ابن حجر” (الرجل العظيم السمين). في رواية ابن مردويه من وجه آخر عن أبي هريرة: ” الطويل العظيم الأكول الشروب ” (فتح الباري)
قال ابن باز:” الجسم لا قيمة له إن لم يستعمل في طاعة الله والتقرب لديه؛ ولهذا قال عزوجل: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَاءِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً) ليس لهم قيمة لإعراضهم عن الله واستكبارهم عن طاعته وارتكابهم محارمه، أعوذ بالله.” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 521)
قال ابن عثيمين:” ذكر المؤلف هذا الحديث في باب المستضعفين والفقراء من المسلمين، وذلك لأن الغالب أن السمنة إنما تأتي من البطنة أي: من كثرة الأكل، وكثرة الأكل تدل على كثرة المال والغنى، والغالب على الأغنياء البطر والأشر وكفر النعمة، حتى إنهم يوم القيامة يكونون بهذه المثابة، يؤتى بالرجل العظيم السمين يعني كثير اللحم والشحم.
عظيم كبير الجسم لا يزن عند الله يوم القيامة جناح بعوضة، والبعوضة معروفة من أشد الحيوانات امتهاناً وأهونها وأضعفها، وجناحها كذلك.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 56)
وقال أيضا:” وفي هذا الحديث إثبات الوزن يوم القيامة، وقد دل على ذلك كتاب الله عز وجل، قال الله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الانبياء: 47).
وقال جل وعلا: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) [الزلزلة: 7، 8]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)).
فالوزن يوم القيامة وزن عدل ليس فيه ظلم، يجازى فيه الإنسان على حسب ما عنده من الحسنات والسيئات. قال أهل العلم: فمن رجحت حسناته على سيئاته فهو من أهل الجنة، ومن رجحت سيئات على حسناته استحق أن يعذب في النار، ومن تساوت حسناته وسيئاته كان من أهل االأعراف، الذين يكونون بين الجنة والنار لمدة، على حسب ما يشاء الله عز وجل، وفي النهاية يدخلون الجنة.
ثم إن الوزن حسي بميزان له كفتان، توضع في إحداهما السيئات وفي الأخرى الحسنات، ثم ما الذي يوزن؟ ظاهر هذا الحديث أن الذي يوزن الإنسان، وأنه يخف ويثقل بحسب أعماله.
وقال بعض العلماء: بل الذي يوزن صحائف الأعمال، توضع صحائف السيئات في كفة، وصحائف الحسنات في كفة، وما رجح فالعمل عليه.
وقيل: بل الذي يوزن العمل؛ لأن الله تعالى قال: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) [الزلزلة: 7]، فجعل الوزن للعمل، وقال تعالى: (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا) (الانبياء: 47)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))، فقوله صلى الله عليه وسلم: كلمتان ثقيلتان في الميزان يدل على أن الذي يوزن هو العمل، وهذا هو ظاهر القرآن الكريم وظاهر السنة، وربما يوزن هذا وهذا، أي توزن الأعمال وتوزن صحائف الأعمال.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 59)
وقال أيضا:” وفي هذا الحديث التحذير من كون الإنسان لا يهتم إلا بنفسه أي بتنعيم جسده، والذي ينبغي للعاقل أن يهتم بتنعيم قلبه، ونعيم قلب الإنسان بالفطرة وهي التزام دين الله عز وجل، وإذا نعم القلب نعم البدن ولا عكس.
قد ينعم البدن ويؤتى الإنسان من الدنيا ما يؤتى من زهرتها، ولكن قلبه في جحيم والعياذ بالله.
وإذا شئت أن تتبين هذا فاقرأ قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97]، لم يقل فلننعمن أبدانهم، بل قال: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة) ً وذلك بما يجعل الله في قلوبهم من الأنس، وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب وغير ذلك، حتى إن بعض السلف قال: لو يعلم الملوك ما نحن فيه، لجالدونا عليه بالسيوف: يعني من انشراح الصدر، ونور القلب والطمأنينة والسكون.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 59)
261 – وعنه أَنَّ امْرأَةً سوْداءَ كَانَتَ تَقُمُّ المسْجِد، أَوْ شَابّاً، فَفقَدَهَا، أَوْ فَقَدَهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عنْهُ، فقالوا: مَاتَ. قَالَ: “أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي”فَكَأَنَّهُمْ صغَّرُوا أَمْرَهَا، أَوْ أَمْرهُ، فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ”فدلُّوهُ فَصلَّى عَلَيه، ثُمَّ قَالَ:”إِنَّ هَذِهِ الْقُبُور مملُوءَةٌ ظُلْمةً عَلَى أَهْلِهَا، وإِنَّ اللَّه تعالى يُنَوِّرهَا لَهُمْ بصَلاتِي عَلَيْهِمْ” متفقٌ عَلَيهِ.
قوله:”تَقُمُّ”هُوَ بفتحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ: أَيْ تَكنُسُ.”وَالْقُمَامةُ”: الْكُنَاسَةُ.”وَآذَنْتُمونِي”بِمدِّ الهَمْزَةِ: أَيْ: أَعْلَمتُمُونِي.
قال ابن حجر:” قوله: (أن رجلا أسود أو امرأة سوداء) الشك فيه من ثابت؛ لأنه رواه عنه جماعة هكذا، أو من أبي رافع. … و من وجه آخر عن حماد بهذا الإسناد قال: ولا أراه إلا امرأة ورواه ابن خزيمة من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فقال امرأة سوداء ولم يشك. ورواه البيهقي بإسناد حسن من حديث ابن بريدة عن أبيه فسماها ” أم محجن ” وأفاد أن الذي أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤاله عنها أبو بكر الصديق. وذكر ابن منده في الصحابة ” خرقاء امرأة سوداء كانت تقم المسجد ” ووقع ذكرها في حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس، وذكرها ابن حبان في الصحابة بذلك بدون ذكر السند، فإن كان محفوظا فهذا اسمها وكنيتها ” أم محجن “. (فتح الباري 1/ 553) قال الكرماني:” فيه أن على الراوي التنبيه على شكه فيما رواه مشكوكاً” (الكواكب الدراري 4/ 119) قال ابن عثيمين:” أكثر الروايات على أنها امرأة سوداء، يعني ليست من نساء العرب” (شرح رياض الصالحين 3/ 60)
قوله: (كان يقم المسجد) بقاف مضمومة أي يجمع القمامة وهي الكناسة. (فتح الباري 1/ 553)
قوله (فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عنْهُ) قال القرطبي:” سؤاله – صلى الله عليه وسلم – عن هذه المسكينة يدلّ على كمال تفضُّله وحسن تعهده وكرم أخلاقه وتواضعه ورأفته ورحمته، وتنبيهٌ على ألا يُحتَقَر مسلمٌ ولا يُصَغَّر أمرُه.” (المفهم 2/ 617)
قوله: (فدلُّوهُ فَصلَّى عَلَيه) قال ابن بطال:” فيه الحض على كنس المساجد وتنظيفها؛ لأنه عليه السلام، إنما خصه بالصلاة عليه بعد دفنه لأجل ذلك” (شرح صحيح البخاري لابن بطال 2/ 107)
قوله (إِنَّ هَذِهِ الْقُبُور مملُوءَةٌ ظُلْمةً عَلَى أَهْلِهَا، وإِنَّ اللَّه تعالى يُنَوِّرهَا لَهُمْ بصَلاتِي عَلَيْهِمْ) قال ابن حجر: لم يخرج البخاري هذه الزيادة؛ لأنها مدرجة في هذا الإسناد، وهي من مراسيل ثابت،
قال النووي:” فيه دلالة لاستحباب الإعلام بالميت ” (شرح مسلم للنووي 7/ 26)
قال ابن حجر:” وفي الحديث فضل تنظيف المسجد، والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب. وفيه المكافأة بالدعاء والترغيب في شهود جنائز أهل الخير وندب الصلاة على الميت الحاضر عند قبره لمن لم يصل عليه، والإعلام بالموت. ” (فتح الباري 1/ 553)
قال ابن باز:” ينبغي احترام المسلم الفقير وألا يحتقر لقلة ماله بل يُعرف لهم قدره ويُعرف له منزله بتقواه وإيمانه وإن كان قليل المال” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 523)
قال ابن عثيمين:” من الفوائد جواز تولي المرأة لتنظيف المسجد، وأنه لا يحجر ذلك على الرجال فقط؛ بل كل من احتسب ونظف المسجد فله أجره؛ سواء باشرته المرأة، أو استأجرت من يقم المسجد على حسابها. ومن فوائد هذا الحديث: مشروعية تنظيف المساجد، وإزالة القمامة عنها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عرضت عليّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد))، القذاة: الشيء الصغير، يخرجه الرجل من المسجد فإنه يؤجر عليه.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب، فالمساجد بيوت الله ينبغي العناية بها وتنظيفها، ولكن لا ينبغي زخرفتها وتنقيشها بما يوجب أن يلهو المصلون بما فيها من الزخرفة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لتزخرفنها ـ يعني المساجد ـ كما زخرفها اليهود والنصارى)).
من فوائد هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولهذا قال: ((دلوني على قبرها)) فإذا كان لا يعلم الشيء المحسوس فالغائب من باب أولى، فهو صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وقد قال الله له: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) (الأنعام: 50) وقال له: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (االأعراف: 188).
ومن فوائد هذا الحديث مشروعية الصلاة على القبر لمن لم يصل عليه قبل الدفن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فصلى على القبر حيث لم يصلّ عليها قبل الدفن، ولكن هذا مشروع لمن مات في عهدك وفي عصرك، أما من مات سابقاً فلا يشرع أن يصلي عليه … أما من مات وأنت قد كنت من أهل الصلاة، من قريب أو أحد تحب أن تصلي عليه فلا بأس، فلو فرض أن رجلاً مات قبل سنة أو سنتين، وأحببت أن تصلي على قبره وأنت لم تصل عليه من قبل فلا بأس.
ومن فوائد هذا الحديث: حسن رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وأنه كان يتفقدهم ويسأل عنهم، فلا يشتغل بالكبير عن الصغير؛ كل ما يهم المسلمين فإنه يسأل عنه صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد هذا الحديث جواز سؤال المرء ما لا تكون به منّة في الغالب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((دلوني على قبرها)) وهذا سؤال، لكن مثل هذا السؤال ليس فيه منّة، بخلاف سؤال المال فإن سؤال المال محرم، يعني لا يجوز أن تسأل شخصاً مالاً وتقول أعطني عشرة ريالات أو مائة ريال، إلا عند الضرورة.
أما سؤال غير المال مما لا يكون فيه منّة في الغالب؛ فإن هذا لا بأس به، ولعل هذا مخصص لما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه عليه حيث كان يبايعهم ألا يسألوا الناس شيئاً.
وربما يؤخذ من هذا الحديث جواز إعادة الصلاة على الجنازة، لمن صلى عليها من قبل إذا وجد جماعة؛ لأن الظاهر أن الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلوا معه، وعلى هذا فتشرع إعادة صلاة الجماعة إذا صلى عليها جماعة آخرون مرة ثانية.
وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم …. (1)
فإذا قال قائل: إذا صليت على القبر فأين أقف؟ فالجواب أنك تقف وراءه تجعله بينك وبين القبلة، كما هو الشأن فيما إذا صليت عليه قبل الدفن.” (شرح رياض الصالحين 3/ 62)
قال الأتيوبي في ذكر فوائد الحديث:” فيه السؤال عن الخادم والصديق إذا غاب، وافتقاده. (ومنها): أن فيه المكافأة بالدعاء، والترحم على من وقف نفسه على نفع المسلمين ومصالحهم. (ومنها): أن فيه الترغيب في شهود جنائز الصالحين (ومنها): ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من كمال الأخلاق، وكمال الرأفة بأمته، حيث كان يعتني بالضعفاء والمساكين أشد عناية، فيسأل عن أحوالهم، ويعود مرضاهم، ويصلي على موتاهم، ويشيع جنائزهم، فكان -صلى الله عليه وسلم- في الذروة العليا من مكام الأخلاق، كما وصفه الله سبحانه وتعالى بذلك، حيث قال: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 4]. (البحر المحيط الثجاج 18/ 487)
262 – وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”رُبَّ أَشْعثَ أغبرَ مدْفُوعٍ بالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسمَ عَلَى اللَّهِ لأَبرَّهُ”رواه مسلم.
مر معنا حديث قريب منه، عندما قال أنس بن النضر: لا والله لا تُكسر ثنية الربيع، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم: «يا أنس كتاب الله: القصاص»، فرضي القوم أجمعون، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم: «إنّ من عباد الله مَن لو أقسم على الله لأبره».
قوله (رب) كلمة “رب” أصلها للتقليل، وكثر استعمالها في التكثير، وتلحقها كلمة “ما”، فتدخل على الجملة. عمدة القاري” 4/ 226 قال ابن علان:” قال ابن هشام في «المغني»: ليس معناها التقليل دائماً خلافاً لابن درستويه وجماعة، بل ترد للتكثير كثيراً، أو للتقليل قليلاً ومن الأول قوله تعالى: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} (الحجر: 2) وفي الحديث «رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة» ” (دليل الفالحين 1/ 449)
” الأشعث “: الملبد الشعر المغبر غير مدهون ولا مرجل، (شرح مسلم للنووي)
و ” مدفوع بالأبواب ” أي: لا قدر له عند الناس فهم يدفعونه عن أبوابهم، ويطردونه عنهم احتقارا له … لا يؤذن له، بل يحجب ويطرد؛ لحقارته عند الناس. (شرح مسلم للنووي) قال المناوي:” “مدفوع بالأبواب”؛ أي: يدفع عند إرادته الدخول على الأعيان، والحضور في المحافل، إما باللسان، أو اليد واللسان؛ احتقارا له، فلا يترك أن يلج الباب فضلا أن يقعد معهم، ويجلس بينهم. (“فيض القدير” 4/ 14)
” لو أقسم على الله لأبره ” أي: حلف على وقوع شيء أوقعه الله إكراما له بإجابة سؤاله، وصيانته من الحنث في يمينه، وهذا لعظم منزلته عند الله تعالى، وإن كان حقيرا عند الناس، وقيل: معنى القسم هنا الدعاء، وإبراره إجابته، والله أعلم. (شرح مسلم للنووي)
من فوائد الحديث ما قاله المناوي:” ما قاله بعضهم: إنما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “رب أشعث إلخ”؛ ليبصرك مراتب الشعث الغبر الأصفياء الأتقياء، ويرغبك في طلب ما طلبوا وينشطك لتقديم ما قدموا، ويثبطك عن الطمع الفارغ، والرجاء الكاذب، ويعلمك أن الزينة إنما هي بلباس التقوى”. (فيض القدير” 4/ 14)
قال ابن رجب:” ربَّ من يحقِرُه الناس لضعفه، وقلَّةِ حظِّه من الدُّنيا، وهو أعظمُ قدراً عند الله تعالى ممَّن له قدرٌ في الدُّنيا، فإنَّ الناسَ إنّما يتفاوتُون بحسب التَّقوى، كما قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}، وسئل النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: مَنْ أكرمُ الناسِ؟ قال: ((أتقاهُم لله – عز وجل -)) ” (جامع العلوم والحكم 3/ 990)
قال ابن عثيمين:” الميزان تقوى الله عز وجل، كما قال الله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13]، فمن كان أتقى لله فهو أكرم عند الله، ييسر الله له الأمر، يجيب دعاءه، ويكشف ضره، ويبر قسمه. وهذا الذي أقسم على الله لن يقسم بظلم لأحد، ولن يجترئ على الله في ملكه، ولكنه يقسم على الله فيما يرضي الله ثقة بالله عز وجل، أو في أمور مباحة ثقة بالله عز وجل.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 65)
قال الشيخ صالح الفوزان: – حفظه الله-:” فهو إنسان ماله هيئة عند الناس، منظره ليس منظر صاحب هيئة، ومخبره أيضًا غير معروف عند الناس، لكنه عند الله عزيز لأنه يعمل فيما بينه وبين الله بإخلاص” (إعانة المستفيد 2/ 139)
263 – وعن أُسامَة رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “قُمْتُ عَلَى بابِ الْجنَّةِ، فَإِذَا عامَّةُ مَنْ دخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وأَصْحابُ الجَدِّ محْبُوسُونَ غيْر أَنَّ أَصْحاب النَّارِ قَدْ أُمِر بِهِمْ إِلَى النَّارِ. وقُمْتُ عَلَى بابِ النَّارِ فَإِذَا عامَّةُ منْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ” متفقٌ عَلَيهِ.
“وَالجَدُّ”بفتحِ الجيم: الحظُّ والْغِني. وَقوله:”محْبُوسُونَ”أَيْ: لَمْ يُؤذَنْ لهُمْ بَعْدُ فِي دُخُول الجَنَّةِ.
قوله (قمت على باب الجنة) قال ابن حجر:” ظاهره أنه رأى ذلك ليلة الإسراء، أو مناما، وهو غير رؤيته النار وهو في صلاة الكسوف، ووهم من وحدهما، وقال الداودي: رأى ذلك ليلة الإسراء، أو حين خسفت الشمس، كذا قال.” (فتح الباري 11/ 419) فيه اثبات الجنة وأن لها باب.
(فإذا عامة من دخلها) قال السندي -رحمه الله-: يحتمل أن المضي في المواضع كلها بمعنى الاستقبال، والتعبير عن المستقبل بالماضي؛ لإفادة أنه كالذي تحقق، ومضى، ويحتمل أن المضي في “قمت” على ظاهره، وكان القيام ليلة المعراج مثلا، وقوله: “فإذا عامة من دخلها” بمعنى أنه ظهر له ببعض علامات، أو علم به أراد الله تعالى لإعلامه به، ومعنى من دخلها: من سيدخلها، والله تعالى أعلم. (حاشية السندي على صحيح البخاري 3/ 98) قال الأتيوبي:” وأما حديث: “ورأيت أكثر أهلها”، فلعل المراد به أنه ظهر لي بعلامات ونحو ذلك، فلا ينافي أن الدخول يكون في يوم القيامة لا في البرزخ، والله تعالى أعلم. (42/ 466)
قوله (فَإِذَا عامَّةُ مَنْ دخَلَهَا الْمَسَاكِينُ) قال ابن عثيمين:” الفقراء في الغالب أقرب إلى العبادة والخشية لله من الأغنياء (كَلَّا إِنَّ الْإنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَأَىهُ اسْتَغْنَى) [العلق: 6، 7]، والغني يرى أنه مستغن بماله، فهو أقل تعبداً من الفقير، وإن كان من الأغنياء من يعبد الله أكثر من الفقراء، لكن الغالب” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 66)
روى الطبراني بإسناده أن عن أمِّ الدرْداءِ عن أبي الدرْداءِ قالت: قلتُ لَهُ: ما لكَ لا تَطْلُبُ ما يطْلُب فلانٌ وفُلانٌ؟ قال: إنِّي سمِعْتُ رسولَ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقول: “إنَّ وراءَكُمْ عقَبةً كَؤُوداً لا يَجُوزُها المُثْقِلونَ”. فأنا أُحِبُّ أنْ أتَخفِّفَ لتِلكَ العقَبةِ. (صحيح الترغيب 3177)
قوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا أصحاب الجد محبوسون) قال النووي:” هو بفتح الجيم، قيل: المراد به أصحاب البخت والحظ في الدنيا، والغنى والوجاهة بها، وقيل: المراد أصحاب الولايات، ومعناه: محبوسون للحساب، ويسبقهم الفقراء بخمسمائة عام كما جاء في الحديث (شرح مسلم للنووي 17/ 52) قال ابن بطال:” إنما صار أصحاب الجد محبوسين؛ لمنعهم حقوق الله تعالى الواجبة للفقراء في أموالهم، فحبسوا للحساب، كما منعوه، فأما من أدى حقوق الله تعالى في ماله، فإنه لا يحبس عن الجنة، إلا أنهم قليل، وإذا كثر المال تضيع حقوق الله فيه؛ لأنه محنة، وفتنة” (عمدة القاري 29/ 457)
قال ابن حجر:” قوله: (محبوسون) أي ممنوعون من دخول الجنة مع الفقراء من أجل المحاسبة على المال وكأن ذلك عند القنطرة التي يتقاصون فيها بعد الجواز على الصراط.” (فتح الباري 11/ 420) قال ابن عثيمين:” فقسم الرسول صلى الله عليه وسلم الناس إلى أقسام ثلاثة: أهل النار دخلوا النار ـ أعاذنا الله وإياكم منها ـ، والفقراء دخلوا الجنة، والأغنياء من المؤمنين موقوفون محبوسون، إلى أن يشاء الله” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 67)
قوله صلى الله عليه وسلم: (أَصْحابُ الجَدِّ محْبُوسُونَ غيْر أَنَّ أَصْحاب النَّارِ قَدْ أُمِر بِهِمْ إِلَى النَّارِ) معناه: من استحق من أهل الغنى النار بكفره أو معاصيه. فيه فضيلة الفقراء والضعفاء. (شرح مسلم للنووي 17/ 53)
قال المهلب -رحمه الله-: قوله: “فكان عامة من دخلها المساكين”، وهذا يدل على أن الذين يؤدون حقوق المال، ويسلمون من فتنته هم الأقل، وقد احتج بهذا الحديث في فضل الفقر على الغنى” (شرح ابن بطال على صحيح البخاري 13/ 314)
قال ابن باز:” دل ذلك على أن المساكين أقل حسابا وأسرع دخولا إلى الجنة بسبب قلة حسابهم وقلة مسؤولياتهم، فلا ينبغي للعاقل أن يحزن عندما يصيبه الفقر والحاجة وليأخذ بالأسباب ويتقي الله ويجتهد في طلب الرزق ولكن لا يحزن، فربما كان خيرا له، فقد يكون الفقر خيرا له من الغنى وقد يكون الغنى لبعض الناس خيرا له من الفقر؛ فلهذا يُروى عن الله عزوجل أنه قال ((إن من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك)) فالعبد بين يدي الله عزوجل يصرفه كما يشاء. (شرح رياض الصالحين 1/ 522)
قوله (وقُمْتُ عَلَى بابِ النَّارِ فَإِذَا عامَّةُ منْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ) قال القرطبي:” إنما كان النساء أقل ساكني الجنة؛ لما يغلب عليهن من الهوى، والميل إلى عاجل زينة الدنيا، والإعراض عن الآخرة؛ لنقص عقلهن، وسرعة انخداعهن.” (فتح الباري 11/ 420) نقله ابن حجر عن القرطبي بالمعنى من كتابه التذكرة.
قال فيصل آل مبارك:” عامة من يدخل النار النساء لإكثارهن اللَّعْن. وكفر العشير” (تطريز رياض الصالحين ص191)
من فوائد الحديث ما قاله الإمام ابن حبان -رحمه الله- في “صحيحه” بعد إخراجه الحديث: اطلاعه -صلى الله عليه وسلم- إلى الجنة والنار معا كان بجسمه، ونظره العيان، تفضلا من الله جل وعلا عليه، وفرقا فرق به بينه وبين سائر الأنبياء -عليه السلام-، فأما الأوصاف التي وصف أنه رأى أهل الجنة بها، وأهل النار بها، فهي أوصاف صورت له -صلى الله عليه وسلم-، ليعلم بها مقاصد نهاية أسباب أمته في الدارين جميعا؛ ليرغب أمته بأخبار تلك الأوصاف لأهل الجنة؛ ليرغبوا، ويرهبهم بأوصاف أهل النار؛ ليرتدعوا عن سلوك الخصال التي تؤديهم إليها” (16/ 495)
قال ابن عثيمين:” في هذا الحديث دليل على أنه يجب على الإنسان أن يحترز من فتنة الغنى، فإن الغنى قد يطغي، وقد يؤدي بصاحبه إلى الأشر، والبطر، ورد الحق، وغمط الناس، فاحذر نعمتين: الغنى والصحة. والفراغ أيضاً سبب للفتنة، فهذه الثلاث: الغنى والصحة. والفراغ، مما يُغبن فيها كثير من الناس، ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ))، والفراغ في الغالب يأتي من الغنى؛ لأن الغنى منكف عن كل شيء ومتفرغ” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 67)
264 – وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي المَهْدِ إِلاَّ ثَلاثَةٌ: عِيسى ابْنُ مرْيَمَ، وصَاحِب جُرَيْجٍ، وكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِداً، فَاتَّخَذَ صَوْمَعةً فكانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهَو يُصلي فَقَالَتْ: يا جُرَيْجُ، فقال: يَارَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي فَأَقْبلَ عَلَى صلاتِهِ فَانْصرفَتْ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وهُو يُصَلِّي، فقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَد أَتَتْهُ وَهُو يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْه حَتَّى ينْظُرَ إِلَى وُجُوه المومِسَاتِ. فَتَذَاكرَ بَنُو إِسْرائِيلَ جُريْجاً وَعِبَادَتهُ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ، فتعرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتتْ رَاعِياً كَانَ يَأَوي إِلَى صوْمعَتِهِ، فَأَمْكنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوقَع علَيْهَا. فَحملَتْ، فَلَمَّا وَلدتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٌ، فَأَتَوْهُ فاسْتنزلُوه وهدَمُوا صوْمعَتَهُ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونهُ، فَقَالَ: مَا شَانُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيْتَ بِهذِهِ الْبغِيِّ فَولَدتْ مِنْك. قال: أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ فَجاءَوا بِهِ فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّي فَصلىَّ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعنَ فِي بطْنِهِ وقالَ: يَا غُلامُ مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلانٌ الرَّاعِي، فَأَقْبلُوا علَى جُرَيْجُ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ وقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ: لاَ، أَعيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا.
وَبيْنَا صَبِيٌّ يرْضعُ مِنْ أُمِّهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارةٍ حَسَنَةٍ فَقالت أُمُّهُ: اللَّهُمَّ اجْعَل ابْنِي مثْلَ هَذَا، فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلهُ، ثُمَّ أَقَبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعْلَ يَرْتَضِعُ” فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُوَ يحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِأُصْبُعِه السَّبَّابةِ فِي فِيهِ، فَجَعلَ يَمُصُّهَا، قَالَ: “وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا، وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ سَرَقْتِ، وَهِي تَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوكِيلُ. فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهَا، فَتَركَ الرِّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَهُنالِكَ تَرَاجَعَا الحَدِيثِ فقالَت: مَرَّ رَجُلٌ حَسنُ الهَيْئَةِ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهُ فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلنِي مِثْلَهُ، وَمَرُّوا بِهَذِهِ الأَمَةِ وَهُم يَضْربُونَهُا وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ سَرَقْتِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهَا فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ اجعَلْنِي مِثْلَهَا؟، قَالَ: إِنَّ ذلِكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّاراً فَقُلت: اللَّهُمَّ لا تجْعَلْنِي مِثْلَهُ، وإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لها زَنَيْتِ، وَلَمْ تَزْنِ، وَسَرقْت، وَلَمْ تَسْرِقْ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا “متفق عليه.
“والمُومِسَاتُ”: بضَمِّ الميمِ الأُولَى، وإِسكان الواو وكسر الميم الثانيةِ وبالسين المهملَةِ وهُنَّ الزَّوانِي. والمُومِسةُ: الزَّانِيَةُ. وقوله:”دابَّةً فَارِهَة”بِالْفَاءِ: أَي حاذِقَةٌ نَفِيسةٌ.”الشَّارَةُ”بِالشِّينِ المعْجمةِ وتَخْفيفِ الرَّاءِ: وَهِي الجمالُ الظَّاهِرُ فِي الهيْئَةِ والملْبسِ. ومعْنى”ترَاجعا الحدِيث”أَيْ: حدَّثَتِ الصَّبِي وحدَّثَهَا، واللَّه أعلم.
قال النووي:” قوله صلى الله عليه وسلم: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة) فذكرهم، وليس فيهم الصبي الذي كان مع المرأة في حديث الساحر والراهب، وقصة أصحاب الأخدود المذكور في آخر صحيح مسلم، وجوابه أن ذلك الصبي لم يكن في المهد، بل كان أكبر من صاحب المهد، وإن كان صغيرا. (شرح مسلم للنووي 16/ 106) قال ابن حجر:” قال القرطبي: في هذا الحصر نظر، إلا أن يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم الزيادة على ذلك، وفيه بعد، ويحتمل أن يكون كلام الثلاثة المذكورين مقيدا بالمهد وكلام غيرهم من الأطفال بغير مهد، لكنه يعكر عليه أن في رواية ابن قتيبة أن الصبي الذي طرحته أمه في الأخدود كان ابن سبعة أشهر، وصرح بالمهد في حديث أبي هريرة، وفيه تعقب على النووي في قوله: إن صاحب الأخدود لم يكن في المهد (فتح الباري 6/ 480)
قوله (عِيسى ابْنُ مرْيَمَ) قال ابن عثيمين:” لما وضعت الولد أتت به قومها تحمله، تحمل طفلاً وهي لم تتزوج، فقالوا لها يعرضونها بالبغاء، قالوا: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً) [مريم: 28]، يعني كأنهم يقولون: من أين جاءك الزنى ـ نسأل الله العافية ـ وأبوك ليس امرأ سوء وأمك ليست بغية؟ وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان إذا زنى فقد يبتلى نسله بالزنى والعياذ بالله، … فهؤلاء قالوا: ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا، فألهمها الله عزَّ وجلَّ فأشارت إلى الطفل، أشارت إليه فكأنهم سخروا بها، قالوا: (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً) [مريم: 29]، هذا غير معقول!
ولكنه التفت إليهم وقال هذا الكلام البليغ العجيب. قال: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً) [مريم: 30 ـ33] سبع جمل والله أكبر من طفل في المهد.
ولكن لا تتعجب فإن قدرة الله فوق كل شيء، أليست جلودنا وأيدينا وأرجلنا وألسنتنا يوم القيامة تشهد علينا بما فعلنا؟ بلى. تشهد. أليست الأرض تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها؟ بلى. الأرض تشهد بما عملت عليها من قول أو فعل (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) [الزلزلة: 4، 5] (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 68)
قوله (وكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِداً، فَاتَّخَذَ صَوْمَعةً فكانَ فِيهَا) (جريج) كان بعد عيسى ابن مريم، وأنه كان من أتباعه، وهم الذين ابتدعوا الترهب وحبس النفس في الصوامع، والصومعة – بفتح المهملة وسكون الواو – هي البناء المرتفع المحدد أعلاه. (فتح الباري 6/ 480)
قال ابن عثيمين:” العزلة خير إذا كان في الخلطة شر، أما إذا لم يكن في الخلطة شر؛ فالاختلاط بالناس أفضل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم)).
لكن إذا كانت الخلطة ضرراً عليك في دينك، فانجُ بدينك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر)) يعني يفر بدينه من الفتن.” (شرح رياض الصالحين 3/ 69)
قوله: (أمي وصلاتي) قال القرطبي:” قوله: “يا رب أمي وصلاتي” قول يدل على أن جريجا – رضي الله عنه – كان عابدا، ولم يكن عالما؛ إذ بأدنى فكرة يدرك أن صلاته كانت ندبا، وإجابة أمه كانت عليه واجبة، فلا تعارض يوجب إشكالا، فكان يجب عليه تخفيف صلاته، أو قطعها، وإجابة أمه، لا سيما وقد تكرر مجيئها إليه، وتشوقها، واحتياجها لمكالمته” (المفهم 6/ 512)
قال ابن حجر في قوله: (أمي وصلاتي):” أي: اجتمع علي إجابة أمي وإتمام صلاتي فوفقني لأفضلهما. … ثم ذكر ابن حجر الروايات ثم قال:” ذلك محمول على أنه قاله في نفسه لا أنه نطق به، ويحتمل أن يكون نطق به على ظاهره؛ لأن الكلام كان مباحا عندهم، وكذلك كان في صدر الإسلام، وقد قدمت في أواخر الصلاة ذكر حديث يزيد بن حوشب عن أبيه رفعه: ” لو كان جريج عالما لعلم أن إجابة أمه أولى من صلاته “. (فتح الباري 6/ 481)
قولها: (فلا تمته حتى تريه المومسات) هي بضم الميم وكسر الثانية أي: الزواني البغايا المتجاهرات بذلك، والواحدة: مومسة، وتجمع على مياميس أيضا. (شرح مسلم للنووي 16/ 105) قال القرطبي:” أجاب الله تعالى دعاءها؛ تأديبا له …. ” (المفهم 6/ 513)
روى أبوداود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: “ثَلاثُ دَعواتٍ مُسْتَجاباتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوةُ الوالِدِ، ودَعوَةُ المظْلومِ، ودَعْوَةُ المُسافِرِ”. (صحيح الترغيب 3132)
وفي صحيح مسلم:” لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ”
قال ابن عثيمين:” دعاء الوالد على ولده إذا كان بحق؛ فهو حري أن يجيبه الله، ولهذا ينبغي لك أن تحترس غاية الاحتراس من دعاء الوالدين، حتى لا تعرض نفسك لقبول الله دعاءهما فتخسر” (شرح رياض الصالحين 3/ 68)
قوله: (بغي يتمثل بحسنها) أي: يضرب به المثل لانفرادها به. (شرح النووي16/ 105)
قوله صلى الله عليه وسلم: (فَأَتتْ رَاعِياً كَانَ يَأَوي إِلَى صوْمعَتِه) وفي رواية الأخرى (وكان راعي ضأن يأوي إلى ديره) قال النووي:” الدير: كنيسة منقطعة عن العمارة تنقطع فيها رهبان النصارى لتعبدهم، وهو بمعنى الصومعة المذكورة في الرواية الأخرى، وهي نحو المنارة ينقطعون فيها عن الوصول إليهم والدخول عليهم. ” (شرح مسلم 16/ 105) قوله: (يا غلام، من أبوك؟ قال: فلان الراعي) قد يقال: إن الزاني لا يلحقه الولد، وجوابه من وجهين: أحدهما: لعله كان في شرعهم يلحقه. والثاني: المراد: من ماء من أنت؟ وسماه أبا مجازا. (شرح مسلم للنووي 16/ 105)
وفي رواية كانت تؤوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم، قال ابن حجر:” ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأنها خرجت من دار أبيها بغير علم أهلها متنكرة وكانت تعمل الفساد إلى أن ادعت أنها تستطيع أن تفتن جريجا فاحتالت بأن خرجت في صورة راعية ليمكنها أن تأوي إلى ظل صومعته لتتوصل بذلك إلى فتنته” (فتح الباري 6/ 481)
وتحققت دعوة إمه حيث مروا به نحو بيت الزواني فتبسم، في رواية أم سلمة ” قالوا له بالله مم ضحكت فقال ما ضحكت إلا من دعوة دعتها علي أمي”
قال الذهبي:” المؤمن إذا امتحن صبر واتعظ واستغفر، ولم يتشاغل بذم من انتقم منه، فالله حكم مقسط، ثم يحمد الله على سلامة دينه، ويعلم أن عقوبة الدنيا أهون وخير له” (سير أعلام النبلاء 8/ 81)
وفي حديث جريج هذا فوائد كثيرة، منها: عظم بر الوالدين، وتأكد حق الأم، وأن دعاءها مجاب، وأنه إذا تعارضت الأمور بدئ بأهمها، وأن الله تعالى يجعل لأوليائه مخارج عند ابتلائهم بالشدائد غالبا، قال الله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}، وقد يجري عليهم الشدائد بعض الأوقات زيادة في أحوالهم، وتهذيبا لهم، فيكون لطفا، ومنها استحباب الوضوء للصلاة عند الدعاء بالمهمات، ومنها أن الوضوء كان معروفا في شرع من قبلنا؛ فقد ثبت في هذا الحديث في كتاب البخاري: ” فتوضأ وصلى “، وقد حكى القاضي عن بعضهم أنه زعم اختصاصه بهذه الأمة، (شرح مسلم النووي 16/ 108)
قال ابن حجر:” وفي الحديث أيضا عظم بر الوالدين وإجابة دعائهما ولو كان الولد معذورا؛ لكن يختلف الحال في ذلك بحسب المقاصد، وفيه الرفق بالتابع إذا جرى منه ما يقتضي التأديب؛ لأن أم جريج مع غضبها منه لم تدع عليه إلا بما دعت به خاصة، ولولا طلبها الرفق به لدعت عليه بوقوع الفاحشة أو القتل، وفيه أن صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن، وفيه قوة يقين جريج المذكور وصحة رجائه؛ لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق؛ ولولا صحة رجائه بنطقه ما استنطقه، وفيه أن الأمرين إذا تعارضا بدئ بأهمهما … ، وفيه إثبات كرامات الأولياء.
وفيه جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن علم من نفسه قوة على ذلك، واستدل به بعضهم على أن بني إسرائيل كان من شرعهم أن المرأة تصدق فيما تدعيه على الرجال من الوطء ويلحق به الولد، وأنه لا ينفعه جحد ذلك إلا بحجة تدفع قولها، وفيه أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة … وفيه أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة خلافا لمن زعم ذلك، وإنما الذي يختص بها الغرة والتحجيل في الآخرة، وقد تقدم في قصة إبراهيم أيضا مثل ذلك في خبر سارة مع الجبار. (فتح الباري 6/ 483)
قوله (وَبيْنَا صَبِيٌّ يرْضعُ مِنْ أُمِّهِ) جاء رواية أنه الصبي من بني إسرائيل، قال ابن حجر:” لم أقف على اسمها ولا على اسم ابنها ولا على اسم أحد ممن ذكر في القصة المذكورة” (فتح الباري 6/ 483) وهذه القصة هي الشاهد من هذا الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم: (مر رجل على دابة فارهة وشارة حسنة) في رواية عند أحمد (فارس متكبر) ” الفارهة ” – بالفاء – النشيطة الحادة القوية، وقد فرهت – بضم الراء – فراهة وفراهية، والشارة: الهيئة واللباس. (شرح مسلم للنووي 16/ 107) قوله: (ذو شارة) بالشين المعجمة أي: صاحب حسن، وقيل: صاحب هيئة ومنظر وملبس حسن يتعجب منه ويشار إليه. (فتح الباري 6/ 483)
قوله: (فجعل يمصها) بفتح الميم على اللغة المشهورة، وحكي ضمها. (شرح مسلم للنووي 16/ 107) قال ابن حجر:” فيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل” (فتح الباري 6/ 283)
قوله (وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ) في رواية عند البخاري (مر بأمة)
قوله في الجارية التي نسبوها إلى السرقة ولم تسرق: (اللهم اجعلني مثلها) أي: اللهم اجعلني سالما من المعاصي كما هي سالمة، وليس المراد: مثلها في النسبة إلى باطل تكون منه بريا. (شرح مسلم للنووي16/ 107)
قوله صلى الله عليه وسلم: (فهناك تراجعا الحديث) معنى: ” تراجعا الحديث “: أقبلت على الرضيع تحدثه، وكانت أولا لا تراه أهلا للكلام، فلما تكرر منه الكلام علمت أنه أهل له، فسألته، وراجعته (شرح النووي 16/ 107)
قال القرطبي:” أم هذا الصبي الرضيع نظرت إلى الصورة الظاهرة فاستحسنت صورة الرجل وهيأته، فدعت لابنها بمثل هذا، واستقبحت صورة الأمة وحالتها، فدعت ألا يجعل ابنها في مثل حالتها، فأراد الله تعالى بلطفه تنبيهها بأن أنطق لها ابنها الرضيع بما تجب مراعاته من الأحوال الباطنة، والصفات القلبية. وهذا كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” (المفهم 6/ 516)
وقال أيضا:” هذا الصبي ظاهره أن الله تعالى خلق فيه عقلا وإدراكا كما يخلقه في الكبار عادة، ففهم كما يفهمون، ويكون خرق العادة في كونه خلق له ذلك قبل أوانه، ويحتمل أن يكون أجرى الله ذلك الكلام على لسانه وهو لا يعقله، كما خلق في الذراع والحصى كلاما له معنى صحيح، مع مشاهدة تلك الأمور باقية على جمادتها، كل ذلك ممكن، والقدرة صالحة، والله تعالى أعلم بالواقع منهما ” (المفهم 6/ 516)
قال ابن حجر:” وفي الحديث أن نفوس أهل الدنيا تقف مع الخيال الظاهر فتخاف سوء الحال، بخلاف أهل التحقيق فوقوفهم مع الحقيقة الباطنة، فلا يبالون بذلك مع حسن السريرة كما قال تعالى حكاية عن أصحاب قارون حيث خرج عليهم: {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون} {وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير}. وفيه أن البشر طبعوا على إيثار الأولاد على الأنفس بالخير لطلب المرأة الخير لابنها ودفع الشر عنه ولم تذكر نفسها.” (فتح الباري 6/ 484)