26 فتح المنان في شرح أصول الإيمان
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا).
——-‘——‘——-‘
——-‘——‘——-‘
الفصل الخامس
الإيمان بالقضاء والقدر ويشتمل على:
المبحث الأول:
– القضاء والقدر، وأدلة ثبوتهما مع بيان الفرق بينهما.
المبحث الثاني
– مراتب القدر و مسائل متفرقة
—-
تعريف القضاء والقدر:
القضاء لغة: الحكم والفصل.
وشرعا: هو ما قضى به الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير.
والقدر: مصدر قدرت الشيء أقدره إذا أحطت بمقداره.
والقدر في الشرع: هو ما قدره الله تعالى في الأزل، أن يكون في خلقه بناء على علمه السابق بذلك.
وهذا تلخيص لأهم مسائل القضاء والقدر من كتاب الشيخ العثيمين سميته:
الملخص الثمين في بيان أهم مسائل القضاء و القدر للشيخ العثيمين
الحمدلله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله وسلم، أما بعد:
المسألة الاولى: ما الفرق بين القضاء والقدر؟
فأجاب بقوله: اختلف العلماء في الفرق بينهما، فمنهم من قال: إن القدر: ” تقدير الله في الأزل”، والقضاء: ” حكم الله بالشيء عند وقوعه “، فإذا قدر الله – تعالى – أن يكون الشيء المعين في وقته فهذا قدر، فإذا جاء الوقت الذي يكون فيه هذا الشيء فإنه يكون قضاء، وهذا كثير في القرآن الكريم مثل قوله- تعالى -: {قضي الأمر}، وقوله: {والله يقضي بالحق}، وما أشبه ذلك. فالقدر تقدير الله – تعالى – الشيء في الأزل، والقضاء قضاؤه به عند وقوعه.
ومنهم من قال: إنهما بمعنى واحد.
والراجح: أنهما إن قرنا جميعا فبينهما فرق كما سبق، وإن أفرد أحدهما عن الآخر فهما بمعنى واحد، والله أعلم. (ج (2) / (79))
المسألة الثانية: أكثر الناس الآن مشغولون بتحقيق جواب ” (كيف) و (لم)
والذي يثقل دروس العقيدة على بعض الناس: هو أنهم مع الأسف الشديد يرجحون جانب ” كيف ” على جانب ” لم “، والإنسان مسئول عن عمله بأداتين من أدوات الاستفهام ” لم ” و” كيف ” فلم عملت كذا؟ هذا الإخلاص. كيف عملت كذا؟ هذه المتابعة للرسول – صلى الله عليه وسلم – وأكثر الناس الآن مشغولون بتحقيق جواب ” كيف “، غافلون عن تحقيق جواب ” لم “؛ ولذلك تجدهم في جانب الإخلاص لا يتحرون كثيرا، وفي جانب المتابعة يحرصون على أدق الأمور، فالناس الآن مهتمون كثيرا بهذا الجانب، غافلون عن الجانب الأهم، وهو جانب العقيدة، وجانب الإخلاص، وجانب التوحيد؛ لهذا تجد بعض الناس في مسائل الدنيا يسأل عن مسألة يسيرة جدا جدا، وقلبه منكب على الدنيا، غافل عن الله مطلقا في بيعه وشرائه، ومركوبه، ومسكنه، وملبسه، فقد يكون بعض الناس الآن عابدا للدنيا وهو لا يشعر، وقد يكون مشركا بالله في الدنيا وهو لا يشعر؛ لأنه مع الأسف أن جانب التوحيد، وجانب العقيدة لا يهتم بهما، ليس من العامة فقط، ولكن حتى من بعض طلاب العلم، وهذا أمر له خطورته.
كما أن التركيز على العقيدة فقط بدون العمل الذي جعله الشارع كالحامي والسور لها خطأ أيضا؛ لأننا نسمع في الإذاعات، ونقرأ في الصحف التركيز على أن الدين هو العقيدة السمحاء، وما أشبه ذلك من هذه العبارات، وفي الحقيقة أن هذا يخشى أن يكون بابا يلج منه من يلج في استحلال بعض المحرمات، بحجة أن العقيدة سليمة، ولكن لا بد من ملاحظة الأمرين جميعا؛ ليستقيم الجواب على ” لم “، وعلى ” كيف ”
(ج (2) / (78))
المسالة الثالثة: مفهوم الإيمان بالقضاء و القدر
الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة، التي بينها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لجبريل حين سأله عن الإيمان. والإيمان بالقدر أمر هام جدا، وقد تنازع الناس في القدر من زمن بعيد حتى في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم -، كان الناس يتنازعون فيه ويتمارون فيه، وإلى يومنا هذا والناس يتنازعون فيه، ولكن الحق فيه – ولله الحمد – واضح بين، لا يحتاج إلى نزاع ومراء، فالإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله -سبحانه وتعالى – قد قدر كل شيء كما قال- تعالى -: {وخلق كل شيء فقدره تقديرا}، وهذا التقدير الذي قدره الله- عز وجل – تابع لحكمته، وما تقتضيه تلك الحكمة من غايات حميدة، وعواقب نافعة للعباد في معاشهم ومعادهم.
(ج (2) / (80))
المسألة الرابعة: مراتب الإيمان بالقدر
أولها: العلم بأن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى عالم بكل شيء جملة وتفصيلاً، أزلاً وأبداً، فلا يضل ربي، ولا ينسى، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء،
والثاني: الكتابة؛ أن تؤمن بأن الله تعالى قد كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى يوم القيامة،
والثالث: المشيئة؛ أن تؤمن بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما من شيء واقع في السماء والأرض إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى،
والرابع: المرتبة الرابعة؛ الخلق أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأنه ما من شيء في السموات والأرض إلا الله خالقه، جل وعلا.
(فتاوى نور على الدرب، شريط ((246))
المسألة الخامسة: أقسام الناس في القدر
ولذلك انقسم الناس فيها إلى ثلاثة أقسام: طرفين، ووسط. أما الطرفان:
فأحدهما: نظر إلى عموم قدر الله فعمي عن اختيار العبد. وقال: إنه مجبر على أفعاله، وليس له فيها أي اختيار، فسقوط الإنسان من السقف بالريح ونحوها كنزوله منه مختارا من الدرج.
وأما الطرف الثاني: فنظر إلى أن العبد فاعل، تارك باختياره، فعمي عن قدر الله، وقال: إن العبد مستقل بأفعاله، ولا تعلق لقدر الله – تعالى – فيها.
وأما الوسط: فأبصروا السببين، فنظروا إلى عموم قدر الله- تعالى – وإلى اختيار العبد، فقالوا: إن فعل العبد كائن بقدر الله – تعالى – وباختيار العبد، وإنه يعلم بالضرورة الفرق بين سقوط الإنسان من السقف بالريح ونحوها، ونزوله منه مختارا من الدرج، فالأول: من فعله بغير اختياره، والثاني: باختياره، والكل منهما واقع بقضاء الله وقدره، لا يقع في ملكه ما لا يريد، لكن ما وقع باختيار العبد فهو مناط التكليف، ولا حجة له بالقدر في مخالفة ما كلف به من أوامر أو نواه، وذلك؛ لأنه يقدم على المخالفة حين يقدم عليها وهو لا يعلم ما قدر الله عليه، فيكون إقدامه الاختياري على المخالفة هو سبب العقوبة، سواء كانت في الدنيا أم في الآخرة، ولذلك لو أجبره مجبر على المخالفة، لم يثبت عليه حكم المخالفة، ولا يعاقب عليها؛ لثبوت عذره حينئذ. (ج (2) / (87))
المسألة السادسة: هل الإنسان مخير أو مسير؟.
فأجاب بقوله: على السائل أن يسأل نفسه: هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال، وهل هو يختار نوع السيارة التي يقتنيها؟ إلى أمثال ذلك
من الأسئلة، وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير.
ثم يسأل نفسه هل يصيبه الحادث باختياره؟
هل يصيبه المرض باختياره؟
هل يموت باختياره؟
إلى أمثال ذلك من الأسئلة، وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير.
والجواب: أن الأمور التي يفعلها الإنسان العاقل يفعلها باختياره بلا ريب، واسمع إلى قول الله – تعالى -: {فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا}، وإلى قوله: {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة}، وإلى قوله: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا}، إلى قوله: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}، حيث خير الفادي فيما يفدي به.
ولكن العبد إذا أراد شيئا وفعله علمنا أن الله – تعالى – قد أراده لقوله – تعالى -: {لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} فلكمال ربوبيته لا يقع شيء في والأرض إلا بمشيئته – تعالى -.
وأما الأمور التي تقع على العبد، أو منه بغير اختياره، كالمرض، والموت، والحوادث فهي بمحض القدر، وليس للعبد اختيار فيها ولا إرادة. والله الموفق. (ج (2) / (91))
المسألة السابعة: هل الدعاء يرد القضاء؟
فجوابه: أن الدعاء من الأسباب التي يحصل بها المدعو، وهو في الواقع يرد القضاء ولا يرد القضاء؛ يعني له جهتان، فمثلا هذا المريض قد يدعو الله- تعالى – بالشفاء فيشفى، فهنا لولا هذا الدعاء لبقي مريضا، لكن بالدعاء شفي، إلا أننا نقول: إن الله -سبحانه وتعالى – قد قضى بأن هذا المرض يشفى منه المريض بواسطة الدعاء، فهذا هو المكتوب، فصار الدعاء يرد القدر ظاهريا، حيث إن الإنسان يظن أنه لولا الدعاء لبقي المرض، ولكنه في الحقيقة لا يرد القضاء؛ لأن الأصل أن الدعاء مكتوب، وأن الشفاء سيكون بهذا الدعاء، هذا هو القدر الأصلي الذي كتب في الأزل، وهكذا كل شيء مقرون بسبب فإن هذا السبب جعله الله – تعالى – سببا يحصل به الشيء، وقد كتب ذلك في الأزل من قبل أن يحدث. (ج (2) / (93))
المسألة الثامنة: هل للدعاء تأثير في تغيير ما كتب للإنسان قبل خلقه؟
فللدعاء تأثير، لكنه ليس تغييرا للقدر، بل هو مكتوب بسببه المكتوب، وكل شيء عند الله بقدر، وكذلك جميع الأسباب لها تأثير في مسبباتها بإذن الله، فالأسباب مكتوبة، والمسببات مكتوبة.
(ج (2) / (94))
المسألة التاسعة: كيف يعذب الكافر وقد كتب الله عليهم ذلك في الأزل؟
فنقول: إنهم يعذبون لأنهم قد قامت عليهم الحجة وبين لهم الطريق، فأرسلت إليهم الرسل، وأنزلت الكتب، وبين الهدى من الضلال ورغبوا في سلوك طريق الهدى، وحذروا من سلوك طريق الضلال، ولهم عقول ولهم إرادات، ولهم اختيارات ولهذا نجد هؤلاء الكفار وغيرهم أيضا يسعون إلى مصالح الدنيا بإرادة واختيار، ولا نجد أحدا منهم يسعى إلى شيء يضره في دنياه أو يتهاون ويتكاسل في أمر نافع له، ثم يقول: إن هذا مكتوب علي.
أبدا فكل يسعى إلى ما فيه المنفعة، فكان عليهم أن يسعوا إلى ما فيه منفعة أمور دينهم كما يسعون إلى ما فيه المنفعة في أمور دنياهم، ولا فرق بينهما بل إن بيان الخير والشر في أمور الدين في الكتب المنزلة على الرسل، عليهم الصلاة والسلام، أكثر وأعظم من بيان الأمور الدنيوية، فكان عليهم أن يسلكوا الطرق التي فيها نجاتهم والتي فيها سعادتهم دون أن يسلكوا الطرق التي فيها هلاكهم وشقاؤهم. (ج (2) / (98))
المسألة العاشرة: وسئل فضيلته: عن الجمع بين قول الله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} وقوله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.
فأجاب قائلا: الجمع بينهما أن الله تعالى يخبر في بعض الآيات بأن الأمر بيده ويخبر في بعض الآيات أن الأمر راجع إلى المكلف، والجمع بين هذه النصوص أن يقال: إن للمكلف إرادة واختيارا وقدرة، وإن خالق هذه الإرادة والاختيار والقدرة هو الله – عز وجل – فلا يكون للمخلوق إرادة إلا بمشيئة الله – عز وجل – وقد قال الله – تعالى – مبينا الجمع بين هذه النصوص: {لمن شاء منكم أن يستقيم. وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} ولكن متى يشاء الله – تعالى – أن يهدي الإنسان أو أن يضله؟
هذا هو ما جاء في قوله تعالى: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى} {فسنيسره للعسرى} {وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى} واقرأ قوله: – تعالى -: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين} تجد أن سبب ضلال العبد من نفسه فهو السبب، والله -تعالى – يخلق عند ذلك فيه إرادة للسوء لأنه هو يريد السوء، وأما من أراد الخير وسعى في الخير وحرص عليه فإن الله – تعالى -ييسره لليسرى، ولما «حدث النبي، صلى الله عليه وسلم، أصحابه: بأنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعدة من النار قالوا يا رسول الله أفلا نتكل على الكتاب وندع العمل؟
قال: “لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له” ثم قرأ هذه الآية {فأما من أعطى واتقى} إلخ».
واعلم يا أخي أنه لا يمكن أن يوجد في كلام الله أو فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تناقض أبدا، فإذا قرأت نصين ظاهرهما التناقض فأعد النظر مرة أخرى، فسيتبين لك الأمر، فإن لم تعلم فالواجب عليك التوقف وأن تكل الأمر إلى عالمه والله بكل شيء عليم. (ج (2) / (102))
المسألة الحادية عشر: شخص عاص عندما دعي للحق قال: “إن الله لم يكتب لي الهداية” فكيف يتعامل معه؟
فأجاب قائلا: نقول بكل بساطة: أطلعت الغيب أم اتخذت عند الله عهدا؟
إن قال: نعم، كفر لأنه ادعى علم الغيب وإن قال: لا، خصم وغلب، إذا كنت لم تطلع أن الله لم يكتب لك الهداية فاهتد، فالله ما منعك الهداية بل دعاك إلى الهداية، ورغبك فيها، وحذرك من الضلالة، ونهاك عنها ولم يشأ الله – عز وجل – أن يدع عباده على ضلالة أبدا قال – تعالى -: {يبين الله لكم أن تضلوا}. {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم}.
(ج (2) / (104))
المسألة الثانية عشر: ((205)) وسئل فضيلة الشيخ: عن الحكمة من وجود المعاصي والكفر؟
فأجاب بقوله: لوقوع المعاصي والكفر حكم كثيرة منها:
(1) – إتمام كلمة الله – تعالى – حيث وعد النار أن يملأها قال الله – تعالى -: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين}.
(2) – ومنها ظهور حكمة الله -تعالى – وقدرته حيث قسم العباد إلى قسمين: طائع، وعاص، فإن هذا التقسيم يتبين به حكمة الله – عز وجل -فإن الطاعة لها أهل هم أهلها، والمعصية لها أهل هم أهلها، قال الله تعالى -: {الله أعلم حيث يجعل رسالته}. وقال: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} فهؤلاء أهل الطاعة وقال -تعالى -: {وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون}. وقال: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}. وهؤلاء أهل المعصية.
ويتبين بذلك قدرته بهذا التقسيم الذي لا يقدر عليه إلا الله كما قال -تعالى -: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء}.
وقال: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}.
(3) – ومنها أن يتبين للمطيع قدر نعمة الله عليه بالطاعة إذا رأى حال أهل المعصية قال الله تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}.
(4) – ومنها لجوء العبد إلى ربه بالدعاء أن يباعد بينه وبين المعصية والدعاء عبادة لله – تعالى -.
(5) – ومنها أن العبد إذا وقع في المعصية ومن الله عليه بالتوبة ازداد إنابة إلى الله وانكسر قلبه، وربما يكون بعد التوبة أكمل حالا منه قبل المعصية حيث يزول عنه الغرور والعجب، ويعرف شدة افتقاره إلى ربه.
(6) – ومنها إقامة الجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فإنه لولا المعاصي والكفر لم يكن جهاد، ولا أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر. إلى غير ذلك من الحكم والمصالح الكثيرة ولله في خلقه شؤون. (ج (2) / (103) – (106))
المسألة الثالثة عشر: على كل حال تبين لنا أن الاحتجاج باللقدرعلى المعصية بعد التوبة منها جائز، وأما الاحتجاج بالقدر على المعصية تبريرا لموقف الإنسان واستمرارا فيها فغير جائز. (ج (2) / (107))
المسألة الرابعة عشر: هل في قدر الله تعالى شر؟
فأجاب قائلا: ليس في القدر شر، وإنما الشر في المقدور، فمن المعروف أن الناس تصيبهم المصائب وتنالهم الخيرات، فالخيرات خير، والمصائب شر، لكن الشر ليس في فعل الله – تعالى -،يعني ليس فعل الله وتقديره شرا، الشر في مفعولات الله لا في فعله، والله – تعالى – لم يقدر هذا الشر إلا لخير كما قال-تعالى-: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}. هذا بيان سبب الفساد وأما الحكمة فقال: {ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} إذا هذه مصائب مآلها الخير، فصار الشر لا يضاف إلى الرب، ولكن يضاف إلى المفعولات والمخلوقات، مع أن هذه المفعولات والمخلوقات شر من وجه، وخير من وجه آخر، فتكون شرا بالنظر إلى ما يحصل منها من الأذية، ولكنها خير بما يحصل فيها من العاقبة الحميدة {ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}.
(ج (2) / (108))
المسألة الرابعة عشر: فأجاب بقوله: الناس حال المصيبة على مراتب أربع:
المرتبة الأولى: التسخط وهو على أنواع:
النوع الأول: أن يكون بالقلب كأن يسخط على ربه يغتاظ مما قدره الله عليه فهذا حرام، وقد يؤدي إلى الكفر قال – تعالى -: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة} النوع الثاني: أن يكون باللسان كالدعاء بالويل والثبور وما أشبه ذلك، وهذا حرام.
النوع الثالث: أن يكون بالجوارح كلطم الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعور وما أشبه ذلك وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب.
المرتبة الثانية: الصبر وهو كما قال الشاعر:
والصبر مثل اسمه مر مذاقته … لكن عواقبه أحلى من العسل
فيرى أن هذا الشيء ثقيل عليه لكنه يتحمله وهو يكره وقوعه ولكن يحميه إيمانه من السخط، فليس وقوعه وعدمه سواء عنده وهذا واجب لأن الله تعالى أمر بالصبر فقال:
{واصبروا إن الله مع الصابرين}.
المرتبة الثالثة: الرضا بأن يرضى الإنسان بالمصيبة بحيث يكون وجودها وعدمها سواء فلا يشق عليه وجودها، ولا يتحمل لها حملا ثقيلا، وهذه مستحبة وليست بواجبة على القول الراجح، والفرق بينها وبين المرتبة التي قبلها ظاهر لأن المصيبة وعدمها سواء في الرضا عند هذا أما التي قبلها فالمصيبة صعبة عليه لكن صبر عليها.
المرتبة الرابعة: الشكر وهو أعلى المراتب، وذلك بأن يشكر الله على ما أصابه من مصيبة حيث عرف أن هذه المصيبة سبب لتكفير سيئاته وربما لزيادة حسناته قال صلى الله عليه وسلم «ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها» (ج (2) / (111)).
المسألة الخامسة عشر: معنى قوله، صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه». متفق عليه من حديث أنس.
العمر واحد، والمقدر واحد والإنسان الذي قدر الله له أن يصل رحمه سوف يصل رحمه، والذي قدر الله أن يقطع رحمه سوف يقطع رحمه ولا بد، ولكن الرسول، عليه الصلاة والسلام، أراد أن يحث الأمة على فعل ما فيه الخير، كما نقول: من أحب أن يأتيه ولد فليتزوج، فالزواج مكتوب، والولد مكتوب، فإذا كان الله قد أراد أن يحصل لك ولد أراد أن تتزوج، ومع هذا فإن الزواج والولد كلاهما مكتوب، كذلك هذا الرزق مكتوب من الأصل، ومكتوب أنك ستصل رحمك، لكنك أنت لا تعلم عن هذا فحثك النبي، صلى الله عليه وسلم، وبين لك أنك إذا وصلت الرحم فإن الله، يبسط لك في الرزق، وينسأ لك في الأثر، وإلا فكل شيء مكتوب لكن لما كانت صلة الرحم أمرا ينبغي للإنسان أن يقوم به حث النبي، عليه الصلاة والسلام على ذلك.
(ج (2) / (111))
المسالة السادسة عشر: ((214)) وسئل فضيلته: هل العين تصيب الإنسان؟ وكيف تعالج؟ وهل التحرز منها ينافي التوكل؟
فأجاب بقوله: رأينا في العين أنها حق ثابت شرعا وحسا قال الله -تعالى -: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم}. قال ابن عباس وغيره في تفسيرها: أي يعينوك بأبصارهم، ويقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين وإذا استغسلتم فاغسلوا» رواه مسلم.
ومن ذلك ما رواه النسائي وابن ماجه «أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: “لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة” فما لبث أن لبط به فأتى به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقيل له: أدرك سهلا صريعا فقال: “من تتهمون؟ ”
» قالوا: عامر بن ربيعة فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «علام يقتل أحدكم أخاه، إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة».
ثم دعا بماء فأمر عامرا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أنيصب عليه وفي لفظ: يكفأ الإناء من خلفه. والواقع شاهد بذلك ولا يمكن إنكاره.
وفي حالة وقوعها تستعمل العلاجات الشرعية وهي:
(1) – القراءة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا رقيه إلا من عين أو حمة». وقد «كان جبريل يرقي النبي، صلى الله عليه وسلم فيقول: “باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك».
(2) – الاستغسال: كما أمر به النبي، صلى الله عليه وسلم، عامر بن ربيعة في الحديث السابق ثم يصب على المصاب.
أما الأخذ من فضلاته العائدة من بوله أو غائطه فليس له أصل، وكذلك الأخذ من أثره، وإنما الوارد ما سبق من غسل أعضائه وداخلة إزاره ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته وثوبه والله أعلم.
والتحرز من العين مقدما لا باس به ولا ينافي التوكل بل هو التوكل؛ لأن التوكل الاعتماد على الله -سبحانه – مع فعل الأسباب التي أباحها أو أمر بها وقد «كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يعوذ الحسن والحسين ويقول: “أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة” ويقول: هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام». رواه البخاري.
(ج (2) / (118))
جمعه: نورس الهاشمي