259 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———–‘———-‘——–
مسند أحمد
11482 حدثنا يحيى بن آدم حدثنا زهير عن الأسود بن قيس عن نبيح عن أبي سعيد الخدري أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلوا رفقاء رفقة مع فلان، ورفقة مع فلان. قال: فنزلت في رفقة أبي بكر فكان معنا أعرابي من أهل البادية، فنزلنا بأهل بيت من الأعراب وفيهم امرأة حامل، فقال لها الأعرابي: أيسرك أن تلدي غلاما؟ إن أعطيتني شاة ولدت غلاما. فأعطته شاة، وسجع لها أساجيع. قال: فذبح الشاة فلما جلس القوم يأكلون، قال رجل: أتدرون ما هذه الشاة؟ فأخبرهم. قال: فرأيت أبا بكر متبرزا مستنبلا متقيئا.
نبيح وثقه أبو زرعة … إتحاف الخليل 652
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند
———-‘——–‘——–
– هذا الحديث فيه بيان أن الأمر المشتبه يترك اذا لم يكن عليه دليل، و لهذا كان السلف يشددون في ذلك و هذا هو الورع، فالأمر إذا كان في اشتباه يترك خشية الوقوع في الحرام كما في الحديث من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، و ستأتي تفاصيل ذلك.
قال السندي: من تبرز، أي: خرج إلى القضاء لقضاء الحاجة. حاشية طبعة الرسالة للمسند (18/ 60).
قال السندي: “مستنبلًا” النبل بنون ثم ياء مفتوحتين: حجارة يُستنجى بها، فلعل استنبل يكون بمعنى طلب النبل للاستنجاء بها كما هو المعتاد بعد قضاء الحاجة. حاشية المسند (18/ 60).
عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: “أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”: “هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ” , (ت) 3656 [قال الألباني]: حسن
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: ” كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَاكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الغُلاَمُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ ” , (خ) 3842
“اختلاطُ الحلالِ بالحرامِ من أسباب الاشتباه ومثاراتِه، وتغليبُ الحرامِ واجتنابُه مِنْ تَرْكِ الشُّبُهات ومِن الورَع والاحتياطِ في الدِّين”.
قال ابن تيمية: فالورع عن المحرمات واجبٌ، لأنها سبب الضرر، والورع عن الشبهات حسن، لأنه قد يكون في ذلك محرَّم، وقد يدعو الوقوع فيها إلى الوقوع في الحرام، كما في الصحيحين (1) عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أنه قال: “الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن ترك الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وإن لكل ملك حِمىً، ألا وإن حمى الله تعالى محارمه. ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحتْ صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب”.
فقد بيَّن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أنَّ من ترك الشبهات التي لا يعلم كثير من الناس أحلال هي أم حرام، استبرأ لعرضه ودينه، وإن وقع فيها وقعَ في الحرام، كالراعي حول الحمى يوشك أن يرتع، ويقرب أن يواقعه.
وبيَّن أنّ حِمَى الله تعالى محارمُه التي حرَّمها، وفي هذا ما دلَّ على أن الشبهات لا تخفى على جميع الناس، بل كسبهم من غير الحَلال منها من الحرام. ومن تبين له ذلك فأخذ الحلال وترك الحرام لم يكن ممن وقع في الشبهات، وإنما الذي يقع فيها من لم يتبين له أحلالٌ هي أم حرام. وفيه ما دلَّ على أن شريعتَه في ترك الشبهات يتضمن سدَّ الذريعة، فإنها داعية إلى الحرام، وما كان ذريعة يترك، إلاّ إذا كان مصلحة فِعلُه راجح.
مثال ذلك أن يشتبه عليه الحلال بالحرام، فلا يقطع بواحدٍ منهما، فهذا يُرَغَّبُ في الترك، لأنه شبهة، إلا أن يكون إذا تركَ ذلك تضمن تَرْكَ واجب محقق أو فِعْلَ محرَّم محقق، فلا يكون حينئذ مرغبًا في ترك الشبهة، بل يكون مأمورًا بفعلها، لأنه إذا فعلَها لم يعلم أنه يأثم، وإذا تركها وتضمن ذلك تَرْكَ واجبٍ أو فعلَ محرَّمٍ كان إثمًا.
” جامع المسائل ” ((45) – (46)).
قال ابن رجب: القسم الثاني: ما لم ينتشر تحريمه وتحليله في عموم الأمة؛ لخفاء دلالة النص عليه ووقوع تنازع العلماء فيه ونحو ذلك، فيشتبه على كثير من الناس هل هو من الحلال أو من الحرام؟ وأما خواص أهل العلم الراسخون فيه فلا يشتبه عليهم؛ بل عندهم من العلم الذي اختصوا به عن أكثر الناس ما يستدلون به على حل ذلك أو حرمته، فهؤلاء لا يكون ذلك مشتبها عليهم لوضوح حكمه عندهم
أما من لم يصل إلى ما وصلوا إليه فهو مشتبه عليه؛ فهذا الذي اشتبه عليه إن اتقى ما اشتبه عليه حله وحرمه واجتنبه فقد استبرأ لدينه وعرضه، بمعنى أنه طلب لهما البراءة مما يشينهما، وهذا معنى الحديث الآخر: ” دع ما يريبك إلى ما لا يريبك “. وهذا هو الورع، وبه يحصل كمال التقوى، كما في الحديث الذي خرجه الترمذي وابن ماجه: ” لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس.
” فتح الباري ” ((2) / (226)).
قال البغوي: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي الْوَرَعِ، وَهُوَ أَنَّ مَا اشْتَبَهَ عَلَى الرَّجُلِ أَمْرُهُ، فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، وَلا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ مُتَقَدِّمٌ، فَالْوَرَعُ أَنْ يَجْتَنِبَهُ وَيَتْرُكَهُ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَجْتَنِبْهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ وَاعْتَادَهُ جَرَّهُ ذَلِكَ إِلَى الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، هَذَا كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ مَرَّ بِتَمْرَةٍ سَاقِطَةٍ، فَقَالَ: «لَوْلا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنْ صَدَقَةٍ لأَكَلْتُهَا».
قَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الْوَرَعِ، دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ. ” شرح السنة” (ج (8) / (13)).
قال ابن عثيمين رحمه الله:
1أن الأشياء تنقسم إلى ثلاثة أقسام: حلال بيّن، حرام بيّن، مشتبه، وحكم كل نوع ومثاله أن نقول:
* الحلال البين لا يلام أحد على فعله، ومثاله التمتع بما أحل الله من الحبوب والثمار، فهذا حلال بين ولا معارض له.
* الحرام البيّن وهذا يلام كل إنسان على فعله، ومثاله كالخمر والميتة والخنزير وما أشبه ذلك، فهذا حكمه ظاهر معروف.
* وهناك أمور مشتبهة: وهذه محل الخلاف بين الناس، فتجد الناس يختلفون فيها فمنهم من يحرم، ومنهم من يحلل، ومنهم من يتوقف، ومنهم من يفصّل.
مثال المشتبه: شرب الدخان كان من المشتبه في أول ظهوره، لكن تبين الآن بعد تقدم الطب، وبعد أن درس الناس حال هذا الدخان قطعاً بأنه حرام، ولا إشكال عندنا في ذلك، وعلى هذا فالدخان عند أول ظهوره كان من الأمور المشتبهة ولم يكن من الأمور البينة، ثم تحقق تحريمه والمنع منه.
2أسباب الاشتباه أربعة:
1قلة العلم: فقلة العلم توجب الاشتباه، لأن واسع العلم يعرف أشياء لا يعرفها الآخرون.
2قلة الفهم: أي ضعف الفهم، وذلك بأن يكون صاحب علمٍ واسعٍ كثير، ولكنه لا يفهم، فهذا تشتبه عليه الأمور.
3التقصير في التدبر: بأن لا يتعب نفسه في التدبر والبحث ومعرفة المعاني بحجة عدم لزوم ذلك.
4وهو أعظمها: سوء القصد: بأن لا يقصد الإنسان إلا نصر قوله فقط بقطع النظر عن كونه صواباً أو خطأً، فمن هذه نيته فإنه يحرم الوصول إلى العلم، نسأل الله العافية، لأنه يقصد من العلم اتباع الهوى.
وهذا الاشتباه لا يكون على جميع الناس بدليلين: أحدهما من النص وهو قوله صلى الله عليه وسلم: لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ يعني كثيراً يعلمهن، والثاني من المعنى فلو كانت النصوص مشتبهة على جميع الناس، لم يكن القرآن بياناً ولبقي شيء من الشريعة مجهولاً، وهذا متعذر وممتنع.
3الثالثة من فوائد الحديث حكمة الله عزّ وجل في ذكر المشتبهات حتى يتبين من كان حريصاً على طلب العلم ومن ليس بحريص.
4الرابعة من فوائد الحديث: أنه لا يمكن أن يكون في الشريعة مالا يعلمه الناس كلهم، لقوله: لاَ يعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ.
5الحث على اتقاء الشبهات، لكن هذا مشروط بما إذا قام الدليل على الشبهة، أما إذا لم يقم الدليل على وجود شبهة اتقاء الشبهات كان ذلك وسواساً وتعمقاً، لكن إذا وجد ما يوجب الاشتباه فإن الإنسان مأمور بالورع وترك المشتبه، أما مالا أصل له فإن تركه تعمّق.
مثال ذلك: ما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنه أن قوماً أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سَمُّوْا أَنْتُمْ وَكُلُوا قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر.
فهنا هل نتّقي هذا اللحم لأنه يُخشى أنهم لم يذكروا اسم الله عليه؟
والجواب: لا نتقيه، لأنه ليس هناك ما يوجب الاتقاء، سَمُّوْا أَنْتُمْ وَكُلُوا فكأن في هذا نوعاً من اللوم عليهم، كأنه عليه الصلاة والسلام يقول: ليس لكم شأن فيما يفعله غيركم، بل الشأن فيما تفعلونه أنتم، فسمّوا أنتم وكلوا.
ومن هذا ما لو قدّم إليك يهودي أو نصراني ذبيحة ذبحها، فلا تسأل أذبحتها على طريقة إسلاميةأو لا، لأن هذا السؤال لا وجه له، وهو من التعمّق.
” شرح الأربعين النووية للعلامة ابن عثيمين ” ((109) – (111))