2584 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، والكربي
ومجموعة : طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم وخميس العميمي وآخرين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم، ١٦ – بابُ نَصْرِ الأخِ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا
٦٢ – (٢٥٨٤) حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا أبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ، قالَ: اقْتَتَلَ غُلامانِ غُلامٌ مِنَ المُهاجِرِينَ، وغُلامٌ مِنَ الأنْصارِ، فَنادى المُهاجِرُ أوِ المُهاجِرُونَ، يا لَلْمُهاجِرِينَ ونادى الأنْصارِيُّ يا لَلْأنْصارِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقالَ: «ما هَذا دَعْوى أهْلِ الجاهِلِيَّةِ» قالُوا: لا يا رَسُولَ اللهِ إلّا أنَّ غُلامَيْنِ اقْتَتَلا فَكَسَعَ أحَدُهُما الآخَرَ، قالَ: «فَلا بَأْسَ ولْيَنْصُرِ الرَّجُلُ أخاهُ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا، إنْ كانَ ظالِمًا فَلْيَنْهَهُ، فَإنَّهُ لَهُ نَصْرٌ وإنْ كانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ».
٦٣ – (٢٥٨٤) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وأحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، وابْنُ أبِي عُمَرَ – واللَّفْظُ لِابْنِ أبِي شَيْبَةَ قالَ ابْنُ عَبْدَةَ: أخْبَرَنا وقالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنا – سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قالَ: سَمِعَ عَمْرٌو جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كُنّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي غَزاةٍ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ، فَقالَ الأنْصارِيُّ: يا لَلْأنْصارِ، وقالَ المُهاجِرِيُّ: يا لَلْمُهاجِرِينَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما بالُ دَعْوى الجاهِلِيَّةِ؟» قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ، فَقالَ: «دَعُوها، فَإنَّها مُنْتِنَةٌ» فَسَمِعَها عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقالَ: قَدْ فَعَلُوها، واللهِ لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنها الأذَلَّ. قالَ عُمَرُ: دَعْنِي أضْرِبُ عُنُقَ هَذا المُنافِقِ، فَقالَ: «دَعْهُ، لا يَتَحَدَّثُ النّاسُ أنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أصْحابَهُ».
٦٤ – (٢٥٨٤) حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، وإسْحاقُ بْنُ مَنصُورٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ – قالَ ابْنُ رافِعٍ: حَدَّثَنا وقالَ الآخَرانِ: أخْبَرَنا – عَبْدُ الرَّزّاقِ، أخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قالَ: كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ، فَأتى النَّبِيَّ ﷺ فَسَألَهُ القَوَدَ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «دَعُوها، فَإنَّها مُنْتِنَةٌ» قالَ ابْنُ مَنصُورٍ: فِي رِوايَتِهِ عَمْرٌو، قالَ: سَمِعْتُ جابِرًا.
==========
سبق في بابي: تحريم الظلم، وباب: تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه، وبيان معالم الظلم.
تمهيد:
“في سنة ست من الهجرة وبعد النصر في غزوة بني المصطلق استراح جند المسلمين عند بئر لبني خزاعة يسمى المريسيع ونفث المنافقون سمومهم في هذه الغزوة مرتين المرة الأولى وهي التي تحكيها قصة حديثنا : سبق إلى بئر جهجاه بن قيس الغفاري من المهاجرين خادم عمر فملأ حوضه وغطاه فجاء الأنصاري سنان بن وبرة الجهني وأرخى زمام ناقته لتشرب
فضربه جهجاه برجله على عجيزته … فقال رئيس المنافقين : ما مثلنا ومثلهم إلا كما قيل سمن كلبك يأكلك ثم قال لأصحابه لئن رجعنا إلى المدينة لنخرجنهم منها ليخرجن الأعز منها الأذل وكان الصبي زيد بن أرقم قريبا منهم فسمع فأخبر عمه فقام عمه بإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه صلى الله عليه وسلم وسأله فأنكر عبدالله بن أبي بن سلول وحلف أن لم يحصل وقال أصحابه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتصدق صبيا لا يضبط ما يسمع وتكذب سيدنا وكبيرنا فنزل القرآن الكريم يصدق زيدا ويكشف المنافقين فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق قال دعه لئلا يقول الناس إن محمدا يقتل أصحابه .
وجاء عبد الله بن عبد الله بن أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له بلغني يا رسول الله أنك تريد قتل أبي فمرني يا رسول الله أن أتيك برأسه ووالله لو أمرتني لأتيتك بها فقال له صلى الله عليه وسلم بل نحسن صحبته
وقبل دخول المسلمين المدينة بمرحلة ألقى ابن أبي لأصحابه المنافقين حديث الإفك وخاض فيه ثلاثة من المسلمين .[فتح المنعم].
قلت سيف بن دوره :
تسمية جهجاه وسنان إنما وقع في مرسل مجاهد في تاريخ المدينة . ويذكر ذلك من ترجم للصحابة بدون إسناد .
وكون الغزوة هي المريسيع ذكره ابن حجر في الفتح عن ابن ابي حاتم من طريق عقيل عن الزهري عن عروة بن الزبير وعمرو بن ثابت أنهما اخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة المريسيع وهي التي هدم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مناة الطاغية التي كانت بين قفا المشلل وبين البحر فاقتتل رجلان فاستعلى المهاجري على الأنصاري ….فانكفأ كل منافق إلى عبد الله بن أبي فقالوا : كنت ترجى وتدفع فصرت لا تضر ولا تنفع فقال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فذكر القصة بطولها وهو مرسل جيد .
وذكر أنه وقع في مرسل قتادة فقال رجل منهم عظيم النفاق ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك.
وقضية طلب عبدالله بن عبدالله بن أبي بن سلول قتل أبيه وقعت عند ابن إسحاق عن شيوخه وكذلك في مرسل لعكرمة عند الطبري وبين ابن حجر وهم من قال إنها في تبوك لأن المهاجرين كانوا كثيرا جدا وقد انضافت إليهم مسلمة الفتح . انتهى من الفتح
وكذلك وردت قضية طلب قتل أبيه من مرسل عروة
وهي عند الترمذي 3315 من طريق عمرو بن دينار عن جابر فذكر القصة : وقال غير عمرو بن دينار : فقال له ابنه عبدالله بن عبد الله : والله لا تنقلب حتى تقر أنك الذليل ورسول الله العزيز ففعل. وقال حسن صحيح وصححه الألباني
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
” ( اقتتل غلامان غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار) في رواية ( كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ) والكسع ضرب الدبر والعجيزة بيد أو رجل أو سيف أو غيره وذلك عند أهل اليمن شديد والتعبير عنهما بالغلامين لما أنهما كانا تابعين كخادمين فالمهاجري هو جهجاه بن قيس الغفاري وكان مع عمر بن الخطاب يقود له فرسه والأنصاري هو سنان بن وبرة الجهني حليف الأنصار وكانا على بئر المريسيع يستقيان .
( فنادى المهاجر أو المهاجرون يا للمهاجرين ونادى الأنصاري يا للأنصار) قال النووي هو في معظم النسخ ( يال )بلام مفصولة في الموضعين وفي بعضها يا للمهاجرين ويا للأنصار بوصلها وفي بعضها يا آل المهاجرين بهمزة ثم لام مفصولة واللام مفتوحة في الجميع وهي لام الاستغاثة والصحيح بلام موصولة ومعناه أدعوا المهاجرين وأستغيث بهم
وقوله (أو المهاجرون ) صحيح على اعتبار أن رجلين أو ثلاثة من المهاجرين لحقوه أولا فنادوا معه
( فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من خيمته التي كانت قد ضربت قريبة من البئر في غزوة بني المصطلق
( فقال ما هذا دعوى أهل الجاهلية) أي ما هذا النداء وما هذه الاستغاثة أتكون الاستغاثة بألفاظ الجاهلية والعصبية القبلية لا ينبغي أن يحصل هذا بل ينبغي أن تكون الاستغاثة باسم الإسلام ووحدة الإسلام فالاستفهام إنكاري توبيخي وفي رواية (ما بال دعوى الجاهلية ) أي ما حال دعوى الجاهلية وما شأنها لا ينبغي أن تعود
قال النووي وأما تسميته صلى الله عليه وسلم ذلك دعوى الجاهلية فهو كراهة منه ذلك فإنه مما كانت عليه الجاهلية من التعاضد بالقبائل في أمور الدنيا ومتعلقاتها وكانت الجاهلية تأخذ حقوقها بالعصبات والقبائل فجاء الإسلام بإبطال ذلك وفصل القضايا بالأحكام الشرعية فإذا اعتدى إنسان على آخر حكم القاضي بينهما وألزمه مقتضى عدوانه كما تقرر من قواعد الإسلام
( قالوا لا يا رسول الله) أي ليست دعوة جاهلية ولن نستجيب لها ولن نرجع إليها
( إلا أن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر قال فلا بأس) أي لم يحصل من هذه القصة بأس مما كنت خفته فإنه خاف أن يكون حدث أمر عظيم يوجب فتنة وفسادا وليس المراد رفع كراهة الدعاء بدعوى الجاهلية
( دعوها فإنها منتنة) أي دعوا دعوى الجاهلية لا تلجئوا إليها مهما حصل خلاف ولا تستجيبوا لها إن سمعتموها فإنها قبيحة كريهة مؤذية
( ولينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصر وإن كان مظلوما فلينصره) وفي رواية للبخاري قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تأخذ فوق يديه وفي رواية له أيضا فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره قال تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره قال ابن بطال النصر عند العرب الإعانة وتفسيره لنصر الظالم بمنعه من الظلم من تسمية الشيء بما يئول إليه وهو من وجيز البلاغة
وذكر بعضهم أن أول من قال انصر أخاك ظالما أو مظلوما جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم وأراد بذلك ظاهره وهو ما اعتادوه من حمية الجاهلية لا على ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك يقول شاعرهم
إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم
على القوم لم أنصر أخي حين يظلم
( فسمعها عبد الله بن أبي فقال قد فعلوها والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) أي سمع ابن أبي قصة كسع المهاجر للأنصاري فقال قد فعلها المهاجرون أي تعالوا علينا ونحن الذين آويناهم لئن رجعنا من هنا من ديار بني المصطلق إلى المدينة ليخرجن الأعز يعني نفسه والأنصار الأذل يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين
( قال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه) كان ابن أبي والمنافقون معدودين في أصحابه صلى الله عليه وسلم ويجاهدون معه إما حمية وإما لطلب دنيا وكان المسلمون مأمورين بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر
كان كلام عمر بعد أن علم النبي صلى الله عليه وسلم بقول ابن أبي وبعد أن أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه فجحد وحلف وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآيات تكذبه” [فتح المنعم]
يؤخذ من الحديث:
1- ما عانى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون من المنافقين
2- وأن القرآن فضحهم في هذه الحادثة
3- وصدق الناقل للخبر زيد بن أرقم الصحابي الجليل وكان صبيا
4- وأن نقل حديث الآخرين للمصلحة العامة ليس من الغيبة المحرمة بل نقل إيذاء المنافقين للمسلمين واجب ومن المصلحة الكبرى
5- وأن استخدام الألفاظ الموهمة لغير مراد المتكلم تحتاج إلى توضيح المراد وترخص للمخاطب استيضاحها
6- وأن الأخذ على يد الظالم ومنعه من الظلم نصر له وعون له على حماية نفسه
7- وفي الحديث تنفير من العصبية القبلية ووصفها بالخبث والنتن
8- وفيه الحث على نصر المظلوم والحث على نصر الظالم بمنعه من الظلم
9- حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم وحلمه على المنافقين قال القاضي عياض واختلف العلماء هل بقي حكم الإغضاء عن المنافقين وترك قتالهم أو نسخ ذلك عند ظهور الإسلام ونزول قوله تعالى { { جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } } [التوبة 73] وهناك قول ثالث وهو العفو عنهم ما لم يظهروا نفاقهم فإذا أظهروه قتلوا اهـ والراجح معاملتهم معاملة المسلمين ما أظهروا الإسلام ففي أواخر أيامه صلى الله عليه وسلم أعطى ابن أبي قميصا له يكفن فيه وما عوتب صلى الله عليه وسلم إلا على أن صلى عليه فنزل { { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } } [التوبة 84]
أما معاملتهم معاملة المسلمين فظلت إلى نهاية نزول تشريعات الإسلام
والله أعلم. [فتح المنعم].
بعض ما ورد في الباب: الحديث الأول رواه أبو داود (5121) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ ). وهو حديث ضعيف كما قال الألباني في ضعيف أبي داود .
لكن الحديث معناه صحيح ، وقد روى مسلم (1850) عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ ) .
قال في “عون المعبود” : ” ( لَيْسَ مِنَّا ) : أَيْ لَيْسَ مِنْ أَهْل مِلَّتنَا ( مَنْ دَعَا ) : أَيْ النَّاس ( إِلَى عَصَبِيَّة ) : قَالَ الْمَنَاوِيُّ : أَيْ مَنْ يَدْعُو النَّاس إِلَى الِاجْتِمَاع عَلَى عَصَبِيَّة وَهِيَ مُعَاوَنَة الظَّالِم . وَقَالَ الْقَارِي : أَيْ إِلَى اِجْتِمَاع عَصَبِيَّة فِي مُعَاوَنَة ظَالِم . وَفِي الْحَدِيث ” مَا بَال دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة ” قَالَ صَاحِب النِّهَايَة : هُوَ قَوْلهمْ : يَا آلُ فُلَان ، كَانُوا يَدْعُونَ بَعْضهمْ بَعْضًا عَنْ الْأَمْر الْحَادِث ( مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّة ) : أَيْ عَلَى بَاطِل , وَلَيْسَ فِي بَعْض النُّسَخ لَفْظ (عَلَى).
( مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّة ) : أَيْ عَلَى طَرِيقَتهمْ مِنْ حَمِيَّة الْجَاهِلِيَّة . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ . قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَة اِبْن الْعَبْد هَذَا مُرْسَل , عَبْد اللَّه بْن أَبِي سُلَيْمَان لَمْ يَسْمَع مِنْ جُبَيْر . هَذَا آخِر كَلَامه . وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَكِّيّ وَقِيلَ فِيهِ الْعَكِيّ . قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيُّ : هُوَ مَجْهُول , وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم فِي صَحِيحه وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنه مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة بِمَعْنَاهُ أَتَمَّ مِنْهُ , وَمِنْ حَدِيث جُنْدُب بْن عَبْد اللَّه الْبَجَلِيّ مُخْتَصَرًا .
والحديث الثاني : رواه النسائي في الكبرى (8865) وأحمد في المسند ( : عن أبي بن كعب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا )، وفي رواية : ( فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أبيه ولا تَكْنُوا). والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند .
قال الملا علي القاري في “شرح مشكاة المصابيح” (14/ 183) : ” من تعزى : أي انتسب بعزاء الجاهلية ـ بفتح العين ـ أي نسب أهلها وافتخر بآبائه وأجداده . فأعضُّوه : بتشديد الضاد المعجمة ، من أعضضت الشيء جعلته يعضه ، والعض أخذ الشيء بالأسنان أو باللسان على ما في القاموس . بِهَنِ أبيه : بفتح الهاء وتخفيف النون ، وفي النهاية : الهن بالتخفيف والتشديد كناية عن الفرج . أي قولوا له : أعضض بذكر أبيك أو أيره أو فرجه . ولا تَكنوا : بفتح أوله وضم النون ، أي لا تكنوا بذكر الهن عن الأير ، بل صرحوا له بآلة أبيه التي كانت سببا فيه ، تأديبا وتنكيلا ” انتهى.
ثانيًا: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
تعريف التعصب : هي الدّعوة إلى نصرة العشيرة أو القبيلة أو البلد أو الوطن أوالتعصب الأسري ، أو التعصب العرقي ، أو الطائفة أو الجماعة أو الجنسية أو الحزبية على المخالفات الشرعية ، فقد نهى القرآن الكريم عن التّعاون على الإثم والعدوان ، وأمر بالتّعاون على البرّ والتّقوى فقال عزّ من قائلٍ :{ وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }،
وعصبة الرجل أقاربه من جهة الأب سموا بذلك لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشتد بهم والمعنى يغضب ويقاتل ويدعو غيره كذلك لا لنصرة الدين والحق بل لمحض التعصب لقومه وقبيلته وحزبه ولهواه كما يقاتل أهل الجاهلية لمحض العصبية والرياسة، لا في سبيل الله كأهل الأهواء. أفليس لكم أيها الناس عقول تدلكم على خطورة التعصب.
جاهلية التفاخر بالأنساب:
إن غياب العقيدة الصحيحة عن المجتمع يظهر هذه النعرات، وهذه العصبيات وأخبر صلى الله عليه وسلم أن هذا الأمر من الجاهلية لن تدعه أمته حتى قيام الساعة.
ولذلك كان واضحاً في ديننا المعيار الصحيح {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} سورة الحجرات13، التقوى هي المقياس كما وضح ذلك ﷺ في أعظم جمع موقف عرفة، قال عليه السلام: ((لا فضل لعربي على عجمي)) ثم قال: ((إلا بالتقوى)). رواه أحمد22978.
روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: أنه ﷺ سئل أي الناس أكرم؟ قال: أتقاهم، ولذلك جاءت الرواية الأخرى الصحيحة في صحيح مسلم أنه ﷺ قال: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. النظرة الصحيحة إلى الأعمال، إلى التقوى
، يقول عليه الصلاة و السلام: ((كلكم بنو آدم، وآدم خلق من تراب، لينتهين قوم يفتخرون بآبائهم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان))، قال عليه السلام: ((يا أيها الناس إن الله قد رفع عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان، رجل بر تقي كريم على الله، ورجل فاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب))، رواه الترمذي3955، حديث حسن.
وقال عليه السلام : ((لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه، إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي)). رواه الترمذي عن أبي هريرة، وهو حديث صحيح.
الأدلة على حرمة التعصب والعصبية منها:
1) الأدلة من القرآن: قول الله تعالى { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } قال تعالى { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم . يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون }{ وأما الذين ابيضت وجوهم ففي رحمة الله هم فيها خالدون . تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلماً للعالمين قال تعالى { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه } قال تعالى { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً } قال تعالى { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم } قال تعالى {فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} وقال تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون}وقال تعالى { وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين }قال تعالى { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره } قال تعالى{ وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } قال تعالى { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء } قال تعالى { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون} قال تعالى { وكذلك أنزلناه حكماً عربياً ولئن اتبعت أهوائهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق } وقال تعالى { لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون }قال تعالى { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون }قال تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } قال تعالى { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين }قال تعالى { ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون} قال تعالى { واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} وقال تعالى { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } قال تعالى { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون } هذه الآيات وإن كانت في تحذير البدع ولكن لها صلة قوية في التحذير من التعصب والعصبية .
2) الأدلة من السنة:
وقد تواترت الأحاديث على النّهي عن العصبيّة بكل أشكالها وصورها: 1 – العصبيّة للقبيلة أو للجنس أو للأرض. حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. الذي في الباب
وقد جاء في الصحيحين أنّه قال : انصر أخاك ظالمًاً أو مظلومًا ، فقال رجل : يا رسول اللّه أنصره إذا كان مظلومًا ، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره ؟ فقال : تحجزه أو تمنعه من الظّلم فإنّ ذلك نصره . من حديث أنس بن مالك .
وجعل المناصرة بين المؤمنين على الحقّ؛ قال تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } وعدّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم : ميتة المتعصّب ميتةً جاهليّةً ، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّه قال قال : النّبىّ -صلى الله عليه وسلم- « من خرج من الطّاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتةً جاهليّةً ومن قاتل تحت رايةٍ عمّيّةٍ يغضب لعصبةٍ أو يدعو إلى عصبةٍ أو ينصر عصبةً فقتل فقتلةٌ جاهليّةٌ ومن خرج على أمّتى يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفى لذى عهدٍ عهده فليس منّى ولست منه ».رواه مسلم
2- كما أبطل الإسلام التّفاخر بالآباء ومآثر الأجداد، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : لينتهينّ أقوام يفتخرون بآبائهم الّذين ماتوا ، إنّما هم فحم جهنّم ….رواه الترمذي قال وفي الباب عن ابن عمر و ابن عباس وأبي هريرة .
قال الشيخ الألباني صحيح كما في الجامع الصغير وزيادته – (1 / 962) ورواه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه ابن تيمية وغيره وهو مخرج في غاية المرام 312 وصحيح الترغيب والترهيب – (3 / 69)
وجعل الإسلام أساس التّفاضل التّقوى والعمل الصّالح والإستقامة على دين الله وشرعه قال الله : { يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم } . بيّن اللّه في الآية الغاية من جعل النّاس شعوبًا وقبائل ، وهي التّعارف والتّعاون على الكتاب والسنة ، فالعصبيّة بأشكالها للقبيلة أو للجنس أو للّون أو للوطن أو حزبي أو القومية تتنافى مع الإسلام .
عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا . رواه أحمد وصححه الألباني كما في السلسلة الصحيحة – (1 / 537) وصحيح الأدب المفرد – (1 / 376) .
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر بالاحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة وقال النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب . رواه مسلم
وقال النبي صلى الله عليه و سلم ( وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم فقال رجل يا رسول الله وإن صلى وصام ؟ قال وإن صلى وصام فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله ) . رواه الترمذي من حديث الحارث الأشعري وقال الشيخ الألباني :صحيح
وعن جابر بن عبد اللّه فخطب رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- النّاس وقال (إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا ألا كلّ شىءٍ من أمر الجاهليّة تحت قدمىّ موضوع ودماء الجاهليّة موضوعة ) .رواه مسلم
وعن عائشة، أنّ قريشًا أهمّهم شأن المرأة المخزوميّة الّتي سرقت، …. واستعذر من عبدالله بن أبي. … فقام سعد بن معاذٍ، أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا، يا رسول الله أعذرك فإن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلاً صالحًا ولكن احتملته الحميّة فقال كذبت لعمر اللّه ، لا تقتله ولا تقدر على ذلك ، فقام أسيد بن الحضير فقال كذبت لعمر اللّه ، واللّه لنقتلنّه ، فإنّك منافقٌ تجادل عن المنافقين .متفق عليه
قال ابن حجر: وفيه أن التعصب لأهل الباطل يخرج عن اسم الصلاح وجواز سب من يتعرض للباطل ونسبته إلى ما يسوءه وإن لم يكن ذلك في الحقيقة فيه لكن إذا وقع منه ما يشبه ذلك جاز إطلاق ذلك عليه تغليظا له, وإطلاق الكذب على الخطأ والقسم بلفظ لعمر الله وفيه الندب إلى قطع الخصومة وتسكين ثائرة الفتنة وسد ذريعة ذلك واحتمال أخف الضررين بزوال أغلظهما وفضل احتمال الأذى وفيه مباعدة من خالف الرسول ولو كان قريباً حميماً وفيه أن من آذى النبي صلى الله عليه و سلم بقول أو فعل يقتل لأن سعد بن معاذ أطلق ذلك ولم ينكره النبي عليه وسلم. فتح الباري – ابن حجر – (8 / 480)
وقال أبو الفرج ابن الجوزي : وقولها احتملته الحمية أي أغضبته الأنفة والتعصب .كشف المشكل من حديث الصحيحين – (1 / 1209)
عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية { ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون } رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني والوادعي
وقال المناوي :أي ما ضل قوم مهديون كائنين على حال من الأحوال إلا أوتوا الجدل يعني من ترك سبيل الهدى وركب سنن الضلالة والمراد لم يمش حاله إلا بالجدل أي الخصومة بالباطل .
وقال القاضي : المراد التعصب لترويج المذاهب الكاسدة والعقائد الزائفة لا المناظرة لإظهار الحق واستكشاف الحال واستعلام ما ليس معلوماً عنده أو تعليم غيره ما عنده لأنه فرض كفاية خارج عما نطق به الحديث. فيض القدير – (5 / 579)
وقال الآمدى : قلما تنفك عن التعصب والأهواء وإثارة الفتن والشحناء والرجم بالغيب فى حق الائمة والسلف بالإزراء , غاية المرام في علم الكلام – (1 / 363)
فهذه سنّة معروفة لأهل الكفر والنفاق والبدع والمخالفات، يستجهلون أهل الإيمان، ويزدرونهم، ويرمونهم بالسفه، وعدم العلم.
وقال صالح الفوزان : والحرمان له أسباب:ومنها: التعصّب للباطل، وحميّة الجاهلية تسبّبان أن الإنسان لا يوفّقه الله جل وعلا : {فلمّا زاغوا أزاغ الله قلوبهم} ، {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ} .
فإن الذي حمل أبا طالب على ما وقع فيه هو التعصّب لدين عبد المطّلب، وأنه سبب لسوء الخاتمة- والعياذ بالله-، وأتباعهم على الحق ممدوح ، ويوسف عليه السلام يقول: {واتّبعت ملّة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيءٍ ذلك من فضل الله علينا وعلى النّاس} .فإتباع الآباء والأجداد على الحق مشروع. إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد – (1 / 258) باختصار
وقال أيضاً :وكذا إثارة العصبيات والقوميات والحزبيات، وما إلى ذلك. كل ذلك من دعوى الجاهلية. وكذا التعصب للأقوال والمذاهب التي لا دليل عليها. إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد – (2 / 84)
وقال ابن القيّم رحمه الله: الدعاء بدعوى الجاهلية، والتّعزّى بعزائهم، كالدّعاء إلى القبائل والعصبيّة لها وللأنساب، ومثله التعصب للمذاهب، والطرائق، والمشايخ، وتفضيل بعضها على بعض بالهوى والعصبية، وكونه منتسباً إليه، فيدعو إلى ذلك، ويوالى عليه، ويعادى عليه، ويزن الناس به، كلّ هذا من دعوى الجاهلية. زاد المعاد في هدي خير العباد – (2 / 471)
وقال أيضاً : وهذا دليل قاطع على أنه يجب رد موارد النزاع في كل ما تنازع فيه الناس من الدين كله إلى الله ورسوله لا إلى أحد غير الله ورسوله فمن أحال الرد على غيرهما فقد ضاد أمر الله ومن دعا عند النزاع إلى حكم غير الله ورسوله فقد دعا بدعوى الجاهلية فلا يدخل العبد في الإيمان حتى يرد كل ما تنازع فيه المتنازعون إلى الله ورسوله. زاد المهاجر – (42)
وفي تيسير العزيز :
قوله: «ودعا بدعوى الجاهلية». قال شيخ الإسلام: هو ندب الميت. وقال غيره: هو الدعاء بالويل والثبور. وقال الحافظ: أي: من النياحة ونحوها. وكذا الندب به كقولهم: واجبلاه، وكذا الدعاء بالويل والثبور. وقال ابن القيم: الدعاء بدعوى الجاهلية، كالدعاء إلى القبائل والعصبية للإنسان، ومثله التعصب للمذاهب والطوائف، والمشايخ وتفضيل بعض على بعض في الهوى والعصبية، وكونه منتسبًا إليه يدعو إلى ذلك، ويوالي عليه، ويعادي ويزن الناس به، فكل هذا من دعوى الجاهلية.
قلت: الصحيح أن دعوى الجاهلية يعم ذلك كله،
تيسير العزيز الحميد – (456)
وكل من تعصّب إلى مذهب، أو تعصّب إلى قبيلة أو إلى وطن وقومية أو إلى حزبية كلّه يدخل في دعوى الجاهلية، فلا يجوز للمسلم أن يتعصّب لأحد العلماء أو لأحد المذاهب ولا يقبل غير هذا المذهب أو لا يقبل غير هذا الرجل من العلماء، فهذه عصبية جاهلية. أو يتعصّب لقبيلته إذا كانت على خطأ، كما يقول الشاعر:
وهل أنا إلاّ من غزيّة إن غوت … غويت وإن ترشد غزية أرشد
والواجب على المسلم: أن يتبع الحق سواء كان مع إمامه أو مع غيره، وسواء كان مع قبيلته أو مع غيرها، والله سبحانه وتعالى يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} .
قال صالح الفوزان : فلا تجوز العصبية … فالمسلم يدور مع الحق أينما كان، سواءً كان في مذهبه، أو مع إمامه، أو مع قبيلته، أو حتى مع عدوه. والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والله تعالى يقول: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} . إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد – (2 / 85)
وقال أيضاً : فمن تعصّب لم يكن متحاكماً إلى ما أنزل الله وإلى الرّسول والعالم معذور والأئمة ينهوننا أن نأخذ بآرائهم دون نظرٍ إلى مستندها
وكذلك التحاكم في المناهج التي يسمّونها الآن: مناهج الدّعوة، ومناهج الجماعات هي من هذا الباب، يجب أن نحكّم فيها كتاب الله وسنّة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، فما كان منها متمشّياً مع الكتاب والسنّة فهو منهج صحيح يجب السّير عليه، وما كان مخالفاً لكتاب الله وسنّة رسوله يجب أن نرفضه وأن نبتعد عنه.
ولا نتعصّب لجماعة أو لحزب أو لمنهج دعويّ ونحن نرى أنه مخالف لكتاب الله وسنّة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، فالدعاة منهم من هو داعية ضلال.
يقول تعالى : {وما اختلفتم فيه من شيءٍ} و{شيءٍ} نكرة في سياق الشرط، فتعمّ كل نزاع وكل خلاف في شيء، سواءً في الخصومات، أو في المذاهب، أو في المناهج. وفي أقوال الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والقدرية.
يجب أنّنا نعرف هذا، لأن بعض الناس وبعض المنتسبين للدّعوة يقصر هذا على وجوب التحاكم في المنازعات والخصومات إلى المحاكم الشرعية، ويقول: يجب تحكيم الشريعة ونبذ القوانين، نعم، يجب هذا، ولكن لا يجوز الاقتصار عليه، بل لابدّ أن يتعدّى إلى الأمور الأخرى، إلى تحكيم الشريعة في كلّ ما فيه نزاع، سواءً كان هذا النّزاع بين دول، أو كان هذا النّزاع بين جماعات، أو كان هذا النزاع بين أفراد، أو كان هذا النّزاع بين مذاهب واتّجاهات، لابدّ من تحكيم الكتاب والسنّة. قوله تعالى: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلّا خزي في الحياة الدّنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب} .
فهذا أمر يجب التنبّه له، لأنّ هذه مسألة عظيمة غفل عنها الآن الأكثرون.
المستفيد بشرح كتاب التوحيد – (2 / 119)
====
====
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المضرة التي ذكرها نوعان أحدهما يتعلق بالعلم وهو التنبيه على شبه الباطل التي تضعف اعتقاد الحق وتفضي إلى الباطل والثاني يتعلق بالقصد وهو إثارة الهوى والحمية والعصبية التي تدعو إلى الإصرار ولو على الباطل لئلا يغلب الشيطان .درء تعارض العقل والنقل – (7 / 163)
قال أيضاً : وأما التعصب لأمر من الأمور بلا هدًى من الله فهو من عمل الجاهلية . { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدًى من الله }
فمن تعصّب لأهل بلدته أو مذهبه أو طريقته أو قرابته أو لأصدقائه دون غيرهم كانت فيه شعبة من الجاهليّة حتّى يكون المؤمنون كما أمرهم اللّه تعالى معتصمين بحبله وكتابه وسنّة رسوله . مجموع الفتاوى 11 / 28- 28 / 422
وقال أيضاً : وكلّ ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن : من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة : فهو من عزاء الجاهليّة ؛ مجموع الفتاوى 28 / 328
وقال أيضاً رحمه الله : من تبين له فى مسألة من مسائل الحق الذي بعث الله به رسوله ثم عدل عنه الى عادته فهو من أهل الذم والعقاب . مجموع الفتاوى . 20 / 225
وقال أيضاً رحمه الله: ولا يجوز لأحد أن يرجح قولاً على قول بغير دليل ولا يتعصب لقول على قول ولا لقائل على قائل بغير حجة . مجموع الفتاوى . 35 / 233
وقال أيضاً رحمه الله: وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك ولا يطلبه ولا يرضى لرضا الله ورسوله ولا يغضب لغضب الله ورسوله بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ويكون مع ذلك معه شبهة دين أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة وهو الحق وهو الدين فإذا قدر أن الذي معه هو الحق المحض دين الإسلام ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا بل قصد الحمية لنفسه وطائفته أو الرياء ليعظم هو ويثنى عليه أو فعل ذلك شجاعة وطبعا أو لغرض من الدنيا لم يكن لله ولم يكن مجاهدا في سبيل الله فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة هو كنظيره معه حق وباطل وسنة وبدعة ومع خصمه حق وباطل وسنة وبدعة وهذا حال المختلفين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً وكفر بعضهم بعضاً وفسق بعضهم بعضاً ولهذا قال تعالى فيهم (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) سورة البينة وقال تعالى ( كان الناس أمة واحدة). منهاج السنة النبوية – (5 / 176)
وكان السلف يقولون: ( احذروا من الناس صنفين، صاحب هوى قد فتنه هواه ، وصاحب دنيا أعمته دنياه ). اقتضاء الصراط – (1 / 25)
وقال أيضاً رحمه الله: عليك عهد الله وميثاقه أن توالي من والى الله ورسوله وتعادي من عادى الله ورسوله وتعاون على البر والتقوى ولا تعاون على الإثم والعدوان وإذا كان الحق معي نصرت الحق وإن كنت على الباطل لم تنصر الباطل . فمن التزم هذا كان من المجاهدين في سبيل الله تعالى الذين يريدون أن يكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا . وفي الصحيحين : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : يا رسول الله الرجل يقاتل شجاعةً ويقاتل حميةً ويقاتل رياءً فأي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله } . فإذا كان المجاهد الذي يقاتل حميةً للمسلمين ؛ أو يقاتل رياءً للناس ليمدحوه ؛ أو يقاتل لما فيه من الشجاعة : لا يكون قتاله في سبيل الله عز وجل حتى يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا فكيف من يكون أفضل تعلمه صناعة القتال مبنياً على أساس فاسد ليعاون شخصًا مخلوقًا على شخص مخلوق فمن فعل ذلك كان من أهل الجاهلية الجهلاء . مجموع الفتاوى 28 / 21
وقال ابن باز رحمه الله: فيجب على المؤمن أن ينتبه لما شرعه الله فيأخذ به، وعليه أن ينتبه لما ابتدعه الناس فيحذره; وإن عظمه المشار إليهم من أهل الجهل، أو التقليد الأعمى، والتعصب.
فلا عبرة عند الله بأهل التقليد الأعمى، ولا بأهل التعصب، ولا بأهل الجهل، وإنما الميزان عند الله لمن أخذ بالدليل واحتج بالدليل، وأراد الحق بدليله، هذا هو الذي يعتبر في الميزان، ويرجع إلى قوله، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق. فتاوى نور على الدرب
وقال أيضاً رحمه الله: ولا يجوز أبداً التعصب لزيد أو عمرو , ولا لرأي فلان أو علان , ولا لحزب فلان أو الطريقة الفلانية , أو الجماعة الفلانية , كل هذا من الأخطاء الجديدة , التي وقع فيها كثير من الناس.
فيجب أن يكون المسلمون هدفهم واحد , وهو اتباع كتاب الله وسنة رسوله – عليه الصلاة والسلام – في جميع الأحوال , في الشدة والرخاء , في العسر واليسر , في السفر والإقامة , وفي جميع الأحوال , وعند اختلاف أهل العلم ينظر في أقوالهم , ويؤيد منها ما وافق الدليل من دون تعصب لأحد من الناس . مجموع فتاوى (2 / 311)
وقال أيضاً رحمه الله: ولا يجوز التعصب لأي جمعية أو أي حزب فيما يخالف الشرع المطهر . مجموع فتاوى (7 / 178)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : لا يجوز لأحد أن يعارض كتاب الله بغير كتاب فمن عارض كتاب الله وجادل فيه بما يسميه معقولات وبراهين وأقيسة أو ما يسميه مكاشفات ومواجيد وأذواق من غير أن يأتي على ما يقوله بكتاب منزل فقد جادل في آيات الله بغير سلطان هذه حال الكفار الذين قال فيهم {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا }فهذه حال من يجادل في آيات الله مطلقاً , ومن المعلوم أن الذي يجادل في جميع آيات الله لا يجادل بسلطان .الاستقامة – (1 / 22)
وقال أيضاً رحمه الله : فكل ما عارض قول النبي المعصوم فهو باطل .الجواب الصحيح – (2 / 22)
وقال الشيخ ربيع حفظه الله: وحذر صلى الله عليه وسلم من التعصب والعصبية العمياء , … عصبية مذهبية أو قبلية أو غيرها من العصبيات التى تنافي المبدأ الإسلامي الذي يدعو للأخوة في الله ، ونبذ هذه العصبيات على مختلف أشكالها وألوانها فهذا تحذير من العصبية المقيتة وتنفير منها .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله : أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يكن له أن يدعها لقول أحد .
قال ابن القيم رحمه الله: ومن له قدم راسخ في الشريعة ومعرفة بمصادرها ومواردها وكان الإنصاف أحب إليه من التعصب والهوى والعلم والحجة آثر عنده من التقليد لم يكد يخفى عليه وجه الصواب والله الموفق. إعلام الموقعين عن رب العالمين – (4 / 33)
أسباب النجاة من التعصب:
قال الإمام محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني القاسمي اليماني رحمه الله: واعلم أنه لا يكاد يسلم من هذه الأغلاط إلا أحد رجلين إما رجل ترك البدعة كلها والتمذهب والتقاليد والاعتزاء إلى المذاهب والأخذ من التعصب بنصيب وبقي مع الكتاب والسنة كرجل نشأ قبل حدوث المذاهب ولم يعبر عن الكتاب والسنة بعبارة منه مبتدعة واستعان الله وأنصف ووقف في مواضع التعارض والاشتباه ولم يدع علم ما لم يعلم ولا تكلف ما لا يحسن وهذا هو مسلك البخاري وأئمة السنة غالباً في ترجمة تصدير الأبواب وفي العقائد بالآيات القرآنية والاخبار النبوية كما صنع في أبواب القدر وكتاب التوحيد والرد على الجهمية وأبواب المشيئة ورجل أتقن العلمين العقلي والسمعي وكان من أئمتهما معا بحيث يرجع اليه أئمتهما في وقائعهما ومشكلاتهما مع حسن قصد وورع وانصاف ونصر للحق فهذا لا تخلف عنه هداية الله واعانته وأما من عادى أحد هذين العلمين وعادى أهله ولم يكن على الصفة الأولى من لزوم ما يعرف وترك ما لا يعرف فانه لابد أن تدخل عليه البدع والأغلاط والشناعات . إيثار الحق على الخلق – (122)
وقال عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله:ومن أكبر أسباب شرح الصدر للنصائح والمواعظ وقبولها، ما يعلمه الله من حرص العبد على الخير والهدى، والتجرد من ثوبي التعصب والهوى، والبعد عن الإعجاب بالنفس، وإيثار الشهوات الدنيوية؛ فالقلب إذا سلم من هذا، وابتهل إلى الله بالأدعية المأثورة، كدعاء الاستفتاح: ” اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل …” الحديث، لا سيما في أوقات الإجابة، فإن هذا لا تكاد تسقط له دعوة، والتوفيق له أقرب من حبل الوريد. قال الله تعالى: {ولو علم اللّه فيهم خيراً لأسمعهم} [سورة الأنفال آية: 23]. الدرر السنية في الأجوبة النجدية – (8 / 319)
والحق لا يعرف بالرجال، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لمن قال له: أترى أنا نرى الزبير وطلحة مخطئين، وأنت المصيب ؟ فقال له علي: “ويحك يا فلان! إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله” وأيضاً قال: “الحق ضالة المؤمن”.
وليحذر العاقل من شبهة الذين قال الله عنهم: {لو كان خيراً ما سبقونا إليه} [سورة الأحقاف آية: 11]، {أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا} [سورة الأنعام آية: 53]. وقد قال بعض السلف: “ما ترك أحد حقاً إلا لكبر في نفسه” ومصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ” لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ” ، ثم فسر الكبر: بأنه “بطر الحق” أي: رده، ” وغمط الناس ” أي: احتقارهم وازدراؤهم . الدرر السنية في الأجوبة النجدية – (12 / 107)
شهادة المتعصب ترد ولا تقبل:
قال الشّافعىّ رحمه اللّه : من أظهر العصبيّة بالكلام وتألّف عليها ودعا إليها فهو مردود الشّهادة لأنّه أتى محرّمًا لا اختلاف فيه بين علماء المسلمين علمته واحتجّ بقول اللّه تعالى (إنّما المؤمنون إخوةٌ) وبقول رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- :« وكونوا عباد اللّه إخوانًا ». السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي – (10 / 231)
وقال عبد الحليم في حاشية الدرر ولا يذهب عليك أن أكثر طائفة القضاة بل الموالي في عصرنا بينهم تعصب ظاهر لأجل المناصب والرتب فينبغي أن لا تقبل شهادة بعضهم على بعض ما لم يتبين عدالته كما لا يخفى. حاشية ابن عابدين – (7 / 147)
وقال الشّافعي : فالمكروه فى محبّة الرّجل من هو منه أن يحمل على غيره ما حرّم اللّه عليه من البغى والطّعن فى النّسب والعصبيّة والبغضة على النّسب لا على معصية اللّه ولا على جنايةٍ من المبغض على المبغض ولكن يقول أبغضه لأنّه من بنى فلانٍ فهذه العصبيّة المحضة الّتى تردّ بها الشّهادة. السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي – (10 / 233)
وقفات:
وسأل الشيخ زيد المدخلي عن التعصب للأشخاص فقال :
أن التعصب لا يكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه معصوم لا ينطق عن الهوى ،أما التعصب للأشخاص مطلقاً أصابوا أم أخطأوا فإنه لا ينبغي من طلبة العلم ، ومن ناحية أخرى أنه ينظر في الشيخ فلان والشيخ فلان كما يقول السائل من هو ؟ على الجادة والسير على منهج السلف ، هذا هو الذي نضع أيدينا في يده لا تقليداً له ولكن لأنه على الحق ونحن نتفق معه على الحق ، ونمشي في طريق واحد امتثالاً لقول الله عزّوجل : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ) [ الأنعام : من الآية 153 ] . أما من يتخذون أشياخاً وزعماءً وقادةً ويوافقونهم على الصواب والخطأ بحيث لا يخرجون عن منهجهم أصابوا أم أخطأوا ، فهؤلاء هم الذين أساءوا إلى أنفسهم وأساءوا إلى غيرهم .
العقد المنضد الجديد في الإجابة على مسائل
في الفقه والمناهج والتوحيد . (144).
قال ابن عبد البر : وهو أصل صحيح لمن ألهم رشده ولم تمل به العصبية إلى المعاندة .ا
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد – (12 / 203)
و سئل أبو بكر بن عياش: من السني ؟ ، فقال الذي إذا ذُكرت الأهواء لم يتعصب إليها. بمعنى أنه لا يميل إليها و لا ينصرها و لا يُؤيدها .
وقال الشيخ صالح آل الشيخ : وإذا كان ليست عنده حجة وإنما يتعصب أو يقبل قول الغير هكذا لأنه قاله فقط مع ظهور الحُجَّةْ في خلافه، فهذا يُسمى مُقَلداً لأنه جعل القول قِلادةً له دون بيانه. إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل .
* أضرار التعصب على الفرد والمجتمع: والتعصب له أضرار كثيرة على الفرد والمجتمع:
1- ضعف الإيمان والولاء لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
2- الوقوع في الظلم لأن المتعصب يستبيح حقوق الآخرين.
3- ازدراء المؤمنين ونقيصتهم والحط من قدرهم.
4- حصول الفخر والكبر والخيلاء.
5- تحقق العداوة والبغضاء بين المسلمين.
6- نشوب الفتن وتعطيل مصالح الأمة الكبرى.
* أمور يخطئ من يظن أنها من التعصب الجاهلي:
1- التمسك والاعتزاز بشيم وعادات القبيلة الحسنة من كرم وجود وشهامة وحسن جوار وغيرة على المكارم والحفاظ على القيم الفاضلة في المجتمع؛ لأن ذلك من مكارم الأخلاق التي صانها الشرع ورغب فيها.
لكن دون تكبر وخصومات.
2- الاعتناء بالأنساب والمحافظة عليها ومذاكرتها وحفظها عن الضياع وضبطها؛ لأن الشارع أمر بتعلم الأنساب لصلة الرحم وغير ذلك من المصالح، روى الترمذي والحاكم وأحمد عن رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح أنه قال: ((تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم)).
3- طلب الكفاءة في النكاح وتخير الزوج الذي يناسب طبقة الزوجة ونسبها وحسبها؛ لأن ذلك أمر مباح أقر به الشارع وعمل به الصحابة واختاره الإمام أحمد وجماعة.
4- الفخر والخيلاء بالعشيرة والبلد في موطن قتال الكفار ونصرة الدين فهذا عمل حسن؛ لأنه توظيف لهذه الغريزة في سبيل الله في موطن يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لما فيه من شحذ الهمم وإذكاء روح المنافسة بين العشائر وأهل الأمصار فمصلحته راجحة لا مفسدة فيه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشجع القبائل ويعقد ألويتهم ويثني عليهم في الجهاد في سبيل الله.
مسألة: خطوات عِلاجِ آفَةِ التعصب:
فَأَهَمُّهَا: أَنْ يَعِي فِعْلاً أنَّهُ وَاقعٌ تَحتَ تَأثِيرِ هَذِهِ الآفَةِ .
وَمِنْهَا: الاسْتِعَانَةُ باللهِ تَعَالَى؛ فَطَلَبُ الْعَوْنِ مِنَ الْكَرِيمِ سُبْحَانَهُ، والإِلْحَاحُ عَلَى اللهِ بِالدُّعَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الأسْبَابِ.
وَمِنْهَا: كَذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ثَمَّةَ أُنَاسٌ مُبْتَلُونَ بالآفَةِ ذَاتِهَا، اسْتَطَاعُوا تَجَاوزَهَا، وأَنَّ الأَمْرَ لَيْسَ مُسْتَحِيلاً.
وَمِنْهَا: أَنْ نَعْلَمَ جَيِّدًا أَنَّ التَّعَصُّبَ الْمَقِيتَ يُفْضِي إِلَى عَدَمِ قَبُولِ الْحَقِّ وَرَدِّهِ، فَإِنَّ التَّارِيخَ يَحْفَظُ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -وَذَلِكَ قَبْلَ إِسْلَامِهِ- وَأَبَا جَهْلٍ والأَخْنَسَ بْنَ شُرَيْقٍ، اسْتَمَعُوا ذَاتَ مَرَّةٍ إِلى قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للقُرْآنِ ثُمَّ تَلاوَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ، فَسَأَلَ الأخْنَسُ أبَا جَهْلٍ: يَا أَبَا الحَكَمِ، مَا رَأْيُكَ فِيمَا سَمِعتَ مِنْ مُحمَّدٍ؟ فقالَ لَهُ أبُو جَهْلٍ: ماذَا سَمِعْتُ!! تَنَازَعْنَا نحنُ وبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الشَّرَفَ: أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا، وَحَمَلُوا فَحَمَلْنَا، وأَعْطَوا فَأَعْطَيْنَا، حتَّى إِذَا تَحَاذَيْنَا بالرُّكَبِ وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ. وسُئِلَ ذات مرة أَتَعْلَمُ أَنَّهُ نَبِيُّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ مَتَى كُنَّا تَبَعًا لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ؟.
وَرَوَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ طَلْحَةَ النُّمَيْرِيَّ، قَالَ لِمُسَيْلِمَةَ: “أَشْهَدُ أَنَّكَ كَذَّابٌ وَأَنَّ محمَّداً صَادِقٌ، وَلَكِنْ كَذَّابُ رَبِيعَةَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ صَادِقِ مُضَرَ” وَاتَّبَعَهُ هَذَا الْأَعْرَابِيُّ الْجِلْفُ، لَعَنَهُ اللَّهُ، حَتَّى قُتِلَ مَعَهُ يَوْمَ عَقْرَبَاء. لِذَلكَ قَالَ عَنْهُمْ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ سَرْدَ قَصَصٍ مِثْلَهَا: “وَكَانُوا قَدْ عَلِمُوا واسْتَبَانَ لَهُمْ كَذِبَ مُسَيْلِمَةَ ولَكِنْ شَقَاءُ الْعَصَبِيَّةِ غَلَبَ عَلَيْهِمْ”.
وَمِنْ أَسْبَابِ الْعِلاَجِ: مُصَاحَبَةُ الأَشْخَاصِ الَّذِينَ يَمْقُتُونَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَيَكْرَهُونَهَا، والْبُعْدِ عَنِ الأَشْخَاصِ الَّذِينَ يُثِيرُونَ ويُشَجِّعُونَ علَى فِعْلِ هذِهِ الأَعْمَالِ .
وَمِنْهَا: الْمُدَاوَمَةُ عَلَى قِرَاءَةِ وحِفْظِ الآيَاتِ والأَحَادِيثِ الَّتِي تُبَيِّنُ جُرْمَ هذَا الْعَمَلِ وأَثَرَهُ عليهِ فِي دِينِهِ ودُنْيَاهِ، وتَأَمُّلِ معَانِيهَا جَيِّدًا.
وَكَذَلِكَ: أَنْ يَعِي آثَارَ التَّعَصُّبِ الْمُدَمِّرَةِ، كَحِرْمَانِهِ مِنْ مُتَعِ الدُّنْيَا، والسُّمْعَةِ السَّيِّئَةِ، والعَاقِبةِ الوَخِيمَةِ والآثَارِ النَّفْسِيَّةِ الْمَقِيتَةِ.
وَمِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ العِلاجِ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ وَصَفَهُ وأَهَانَهُ بِعِبَارَاتٍ عُنْصُرِيَّةٍ أَنْ يُقَاضِيهِ فِي الْمَحَاكِمِ ويَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْهَ؛ فَالْقَضَاءُ قَدْ كَفَلَ حَقَّهُ فِي ذَلِكَ، وَهُنَا يَحْصُل لَه مَا لا يُحْمَدُ عُقْبَاهُ مِنَ الْفَضِيحَةِ والعَارِ.
وَمِنَ الْعِلاجِ: أَنْ يَتَذَكَّرِ جَيِّداً أَنَّ اللهَ خَلقَ النَّاسَ وجَعَلَهُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ، فَمِنهُمُ الأَبْيَضُ ومنهُمُ الأَسْوَدُ ولَيْسَ لأَحَدٍ حَقُّ الاخْتِيَارِ وإنَّمَا هُو أَمْرُ اللهِ ومَشِيئَتُهُ ولَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ أَنْ يكُونَ ذَا نَسَبٍ وحَسَبٍ بِسَبَبِ جُهْدِهِ ، وإنَّمَا هُو قسم اللهِ سُبْحَانَهُ.
وِمِنْهَا: أَنْ يَتَذَكَّرَ دَائِماً أَصْلَ خِلْقَتِهِ وأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ نُطْفَةٍ وأَنَّ مَصِيرَهُ إِلى حُفْرَةٍ، فَعَلامَ الفَخْرُ إِذاً؟! مَرَّ الْمُهَلَّبُ علَى مَالكِ بْنِ دِينَارٍ مُتَبَخْتِرًا، فَقَالَ: أَمَا عَلِمتَ أَنَّهَا مِشْيَةٌ يَكرَهُهَا اللهُ إِلاَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ؟! فَقَالَ المُهَلَّبُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: “بَلَى، أَوَّلُكَ نُطفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرُكَ جِيْفَةٌ قَذِرَةٌ، وَأَنْتَ فِيْمَا بَيْنَ ذَلِكَ تَحْمِلُ العَذِرَةَ”. فَانْكَسَرَ، وَقَالَ: الآنَ عَرَفْتَنِي حَقَّ المَعْرِفَةِ.
ومنها الاعتبار بالقبور تَرَى قَبْرَ الْغَنِيِّ بجَانِبِ الفَقِيرِ
وَمِنْ وسائلِ العِلاجِ: أَنْ تَضَعَ نَفْسَكَ مكَانَ مَنْ أَهَنْتَ وأَسَأْتَ إليهِ، فَهَلْ تَرْضَى بتلكَ الإِسَاءَةِ؟!
تذمر حديث رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْلَغُ فَإِنَّهُ قَالَ: “وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ”. أخْرجَهُ مُسْلِمٌ.
وأَخِيراً: لابُدَّ مِنْ تَطْبِيقِ مَبْدَأِ التَّوَاضُعِ فِي حَيَاتِنَا، ونَبْذِ دَاءِ الْعُلُوِّ والْفَوْقِيَّةِ، وَقَدْ مدَحَ نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَوَاضِعَ، بِقَوْلِهِ: وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ”. أخْرجَهُ مُسْلِمٌ.
[كيف عالج الإسلام مشكلة التعصب القبلي؟]
* يقول شاعر في فضل العلماء ورثة الأنبياء:
الناس من جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء
نفس كنفس وأرواح مشاكلة وأعظم خلقت فيهم وأعضاء
فإن يكن من أصلهم حسب يفاخرون به فالطين والماء
كلنا نعود إلى أي شيء، ما هو أصلنا؟ من أين كان أبونا آدم؟
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه وللرجال على الأفعال سيماء
وضد كل امرئ ما كان يجهله والجاهلون لأهل العلم أعداء.
– لا يجوز مطالبة الناس بإلغاء قبائلهم بدعوى التعصب :
فالإسلام قد أقر انتماء المرء إلى القبيلة من باب التعريف، لا من باب الفخر والتميز، قال الله تعالى: يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثى وجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ﴿الحجرات:١٣﴾، والمذموم من الانتماء للقبيلة هو التعصب لها بالباطل .
وقال شيخ الإسلام: المحذور من ذلك إنما هو تعصب الرجل لطائفته مطلقًا فعلى أصل الجاهلية، فأما نصرها بالحق من غير عدوان فحسن واجب أو مستحب. انتهى من اقتضاء الصراط المستقيم.
وأما ما استعمله الناس من قولهم: أنا صبي التوحيد، فالجواب: أن هذا إن كان المتكلم به ينصر حقًا، أو يدعو إلى حق، أو يدفع باطلًا فلا بأس به، وإن كان المتكلم به يدعو إلى باطل، أو ينصر باطلًا، أو كان مراده تزكية النفس أو الترفع بذلك والتعاظم، فذلك لا يجوز. ومثل ذلك قول: أنا ابن فلان، أو أبو فلان، إذا كان المتكلم به قصده إظهار الحق، أو الدعوة إلى الحق ونصرته، لا سيما إذا كان ذلك حال مناهضة العدو، ومكابدة أعداء الدين، فهذا لا بأس به؛ وقد قال النبي ﷺ يوم حنين: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب» ٢، ومن ذلك قول سلمة بن الأكوع: خذها وأنا ابن الأكوع …..
الدرر السنية في الأجوبة النجدية ٧/٢٤٤ — مجموعة من المؤلفين
فإن في الناس من إذا اعتقد استحباب فعل ورجحانه، يحافظ عليه ما لا يحافظ على الواجبات، حتى يخرج به الأمر إلى الهوي والتعصب والحمية الجاهلية، كما تجده فيمن يختار بعض هذه الأمور فيراها شعارا لمذهبه.
ومنهم من إذا رأي ترك
سنة الجمعة ١/٥٧ —
ألف ابن تيمية رسالة رفع الملام عن الأئمة الإعلام :
وقد بسط الأسباب التي دعت المجتهد إلى عدم الأخذ بالنص، وإلتمس له العذر. ثم ذكر أن عذر الإمام ليس عذرا للمقلد إن تبين له الحق. كما ذكر حال العامي الجاهل الذي لايستطيع، وأن مذهبه مذهب مفتيه، وأن عليه التقليد ما دام جاهلا وهذا كله للجاهل الذي لا يفرق، وأما من أدلرك من العلم شيئا فعليه العمل به، ولا يجوز لأحد التعصب مهما كانت دواعيه.
هناك رسالة لابن باز في ذم القومية العربية سنذكر منها بشكل مختصر أوجه الذم :
من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات، دعوة باطلة وخطأ عظيم، ومنكر ظاهر، وجاهلية وكيد سافر للإسلام وأهله، وذلك لوجوه :
الأول: أن الدعوة إلى القومية العربية تفرق بين المسلمين، وتفصل المسلم العجمي عن أخيه العربي، وتفرق بين العرب أنفسهم ؛ لأنهم كلهم ليسوا يرتضونها، وإنما يرضاها منهم قوم دون قوم، وكل فكرة تقسم المسلمين وتجعلهم أحزابا فكرة باطلة، تخالف مقاصد الإسلام وما يرمي إليه خصوصا أن الذين نشروا هذه الفكرة من الغربيين ليفرقوا بين المسلمين العرب والترك .
الوجه الثاني: أن الإسلام نهى عن دعوى الجاهلية وحذر منها، وأبدى في ذلك وأعاد في نصوص كثيرة بل قد جاءت النصوص تنهى عن جميع أخلاق الجاهلية، وأعمالهم إلا ما أقره الإسلام من ذلك، ولا ريب أن الدعوة إلى القومية العربية من أمر الجاهلية، لأنها دعوة إلى غير الإسلام، ومناصرة لغير الحق، وكم جرت الجاهلية على أهلها من ويلات وحروب طاحنة، وقودها النفوس والأموال والأعراض، وعاقبتها تمزيق الشمل وغرس العداوة والشحناء في القلوب، والتفريق بين القبائل والشعوب……..,
ولا ريب أيضا أن الدعوة إلى القومية تدعو إلى البغي والفخر؛ لأن القومية ليست دينا سماويا يمنع أهله من البغي والفخر، وإنما هي فكرة جاهلية تحمل أهلها على الفخر بها والتعصب لها على من نالها بشيء، وإن كانت هي الظالمة وغيرها المظلوم،
الوجه الثالث من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية
هو أنها سلم إلى موالاة كفار العرب وملاحدتهم من غير المسلمين، واتخاذهم بطانة، والاستنصار بهم على أعداء القوميين من المسلمين وغيرهم ومعلوم ما في هذا من الفساد الكبير، والمخالفة لنصوص القرآن والسنة، الدالة على وجوب بغض الكافرين من العرب وغيرهم، ومعاداتهم وتحريم موالاتهم واتخاذهم بطانة ….هؤلاء القوميون يدعون إلى التكتل حول القومية العربية مسلمها وكافرها، يقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة، نخشى أن يعود الاستعمار إلى بلادنا
وشرع القومية أو بعبارة أخرى شرع دعاتها يقول: أقصوا الدين عن القومية، وافصلوا الدين عن الدولة، وتكتلوا حول أنفسكم وقوميتكم، حتى تدركوا مصالحكم وتستردوا أمجادكم، وكأن الإسلام وقف في طريقهم
وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [ التوبة:71 ] وقال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ . وكون دعاة القومية يقولون أن الكفار يعطوننا حقوقنا اذا أصبحنا قوميين أما إذا دعونا للإسلام فلن يعطونا حقوقنا قول باطل لأن الكفار لن يرضوا عنا حتى نترك ديننا جميعا.
الوجه الرابع: من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية أن يقال: إن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن؛ لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن، فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكاما وضعية تخالف حكم القرآن
– لا يدخل في القتال عصبية ما جرى بين الصحابة :
كون القاتل والمقتول من أهل النار محمول على من لا تأويل له، ويكون قتالهما عصبية ونحوها … ثم قال: واعلم أن الدماء التى جرت بين الصحابة رضى الله عنهم داخلة فى هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم والإمساك عما شجر بينهم وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله وكان بعضهم مصيبا وبعضهم مخطئا معذورا فى الخطأ، لأنه بالاجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه، وكان علىٌّ رضى الله عنه هو المحق المصيب فى تلك الحروب.
هذا مذهب أهل السنة وكانت القضايا مشتبهة، حتى إن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين ولم يقاتلوا، ولم يتيقنوا الصواب ثم تأخروا عن مساعدته منهم. انتهى.
ونقل الشوكانى «نيل الأوطار ج ٧ ص ٥٠» عن الحافظ ابن حجر ما يتفق مع ما ذكره النووى
قال القرطبى: فبيَّن هذا الحديث أن القاتل إذا كان على جهل من طلب دنيا أو اتباع هوى فهو الذى أريد بقوله «القاتل والمقتول فى النار» قال الحافظ: ومن ثَم كان الذين توقفوا عن القتال فى الجمل وصفِّين أقل عددا من الذين قاتلوا، وكلهم مأجور إن شاء الله، بخلاف من جاء بعدهم ممن قاتل على طلب الدنيا.
الخارجون على السلطان ميتتهم جاهلية :
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نفس الخروج عن الطاعة والجماعة وبين أنه إن مات، ولا طاعة عليه مات ميتة جاهلية، فإن أهل الجاهلية من العرب ونحوهم لم يكونوا يطيعون أميرا عاما على ما هو معروف من سيرتهم.
الراية العمية :
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقاتل تعصبا لقومه، أو أهل بلده ونحو ذلك وسمى الراية عمية لأنه الأمر الأعمى الذي لا يدرى وجهه فكذلك قتال العصبية يكون عن غير علم بجواز قتال هذا.
وجعل قتلة المقتول قتلة جاهلية سواء غضب بقلبه، أو دعا بلسانه، أو ضرب بيده وقد فسر ذلك فيما رواه مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
الله ﷺ: «ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل، ولا يدري المقتول على أي شيء قتل فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: الهرج
هل حديث فأعضوه بهن أبيه مخالف لأحاديث الأمر بالحياء :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: قال أهل العلم: يجوز التصريح باسم العورة للحاجة والمصلحة … كما في حديث أبي بن كعب عن النبي ﷺ قال: من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا. انتهى، والحديث رواه أحمد والنسائي في الكبرى وصححه الألباني وحسنه الأرناؤوط.
وقال في مجموع الفتاوى: ومعنى قوله (من تعزى بعزاء الجاهلية) يعنى يعتزى بعزواتهم وهي الانتساب إليهم في الدعوة مثل قوله يالقيس ياليمن ويالهلال ويالاسد فمن
تعصب لأهل بلدته أو مذهبه أو طريقته أو قرابته أو لأصدقائه دون غيرهم كانت فيه شعبة من الجاهلية حتى يكون المؤمنون كما أمرهم الله تعالى معتصمين بحبله وكتابه وسنة رسوله فإن كتابهم واحد ودينهم واحد ونبيهم واحد وربهم إله واحد لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم واليه ترجعون «. انتهى.
وذكر ابن القيم الحكمة من ذكر هن الأب، فقال في زاد المعاد: ذكر هن الأب لمن تعزى بعزاء الجاهلية فيقال له: اعضض هن أبيك، وكان ذكر هن الأب ها هنا أحسن تذكيرا لهذا المتكبر بدعوى الجاهلية بالعضو الذي خرج منه، وهو هن أبيه، فلا ينبغي له أن يتعدى طوره. انتهى.
وما هذا إلا لشدة تحريم التعصب للقوميات الجاهلية، قال الشنقيطي : فانظر كيف سمى النبي ﷺ ذلك النداء «عزاء الجاهلية» وأمر ان يقال للداعي به «اعضض على هن أبيك» أي فرجه، وأن يصرح له بذلك ولا يعبر عنه بالكناية. فهذا يدل على شدة قبح هذا النداء، وشدة بغض النبي ﷺ له…. واعلم أن رؤساء الدعاة إلى نحو هذه القومية العربية: أبو جهل، وأبو لهب، والوليد بن المغيرة، ونظراؤهم من رؤساء الكفرة. وقد بين تعالى تعصبهم لقوميتهم في آيات كثيرة. كقوله: قالُوا حَسْبُنا ما وجَدْنا عَلَيْهِ آَباءَنا ﴿المائدة: ١٠٤﴾، وقوله: قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما ألْفَيْنا عَلَيْهِ آَباءَنا ﴿البقرة: ١٧٠﴾، وأمثال ذلك من الآيات.
واعلم انه لا خلاف بين العلماء كما ذكرنا آنفا في منع النداء برابطة غير الإسلام. كالقوميات والعصبيات النسبية، ولاسيما إذا كان النداء بالقومية يقصد من ورائه القضاء على رابطة الإسلام وإزالتها بالكلية. فإن النداء بها حينئذ معناه الحقيقي: أنه نداء إلى التخلي عن دين الإسلام، ورفض الرابطة السماوية رفضا باتا، على أن يعتاض من ذلك روابط عصبية قومية مدارها على أن هذا من العرب، وهذا منهم أيضا مثلا. فالعروبة لا يمكن أن تكون خلفا من الإسلام. واستبدالها به صفقة خاسرة،
ومع هذا كله فإن النبي ﷺ كنى في هذا الحديث ولم يصرح، لأن كلمة هن نفسها كناية عن الفرج وليست تصريحا باسمه، فقد قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث:«والهن بالتخفيف والتشديد كناية عن الشيء لا تذكره باسمه». انتهى من أضواء البيان
متفرقات من كلام أهل العلم بعد البحث في الفتاوى وكتب ابن تيمية وابن القيم :
– قال الفوزان : المجالس الانتخابية فيها كثير من التعصبات في كثير من الدول :
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: «وأما الانتخابات المعروفة اليوم عند الدول: فليست من نظام الإسلام، وتدخلها الفوضى والرغبات الشخصية، وتدخلها المحاباة، والأطماع، ويحصل فيها فتن وسفك دماء، ولا يتم بها المقصود، بل تصبح مجالًا للمزايدات، والبيع والشراء، والدعايات الكاذبة» انتهى.
«جريدة الجزيرة» العدد ١١٣٥٨، ٨ رمضان، ١٤٢٤ هـ.
ومع هذا كله: فإن بعض علمائنا الأجلاء يفتي لأهل الخير من أهل العلم والخبرة بشغل تلك الأماكن – مع عدم تجويز شيء من الشرور والمعاصي السابق ذِكرها – حتى لا تكون حكرًا على أهل الشر والفساد، ومنهم الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، بل ذهب إلى وجوبها لمن يكون
– قال ابن تيمية : وأمّا بَقِيَّةُ الفُقَهاءِ فَيَخْتارُونَ بَعْضَ ذَلِكَ ويَكْرَهُونَ بَعْضَهُ، فَمِنهُمْ مَن يَكْرَهُ التَّرْجِيعَ فِي الأذانِ، كأبي حنيفة. ومِنهُمْ مَن يَكْرَهُ تَرْكَهُ كالشّافِعِيِّ. ومِنهُمْ مَن يَكْرَهُ شَفْعَ الإقامَةِ، كالشّافِعِيِّ. ومِنهُمْ مَن يَكْرَهُ إفْرادَها، حَتّى صارَ الأمْرُ بِأتْباعِهِمْ إلى نَوْعِ جاهِلِيَّةٍ، فَصارُوا يَقْتَتِلُونَ فِي بَعْضِ بِلادِ المَشْرِقِ عَلى ذَلِكَ حَمِيَّةً جاهِلِيَّةً. مَعَ أنَّ الجَمِيعَ حَسَنٌ قَدْ أمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ …… صِفَةُ الصَّلاةِ: فَمِن شَعائِرِها: مَسْألَةُ البَسْمَلَةِ.
فَإنَّ النّاسَ اضْطَرَبُوا فِيها نَفْيًا وإثْباتًا: فِي كَوْنِها آيَةً مِنَ القُرْآنِ وفِي قِراءَتِها، وصُنِّفَتْ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مُصَنَّفاتٌ، يَظْهَرُ فِي بَعْضِ كَلامِها نَوْعٌ مِن جَهْلٍ وظُلْمٍ، مَعَ أنَّ الخَطْبَ فِيها يَسِيرٌ
القواعد النورانية 1/44
– قال ابن القيم : وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأى على الشرع، والهوى على العقل.
فالأول: أصل فتنة الشبهة،
والثانى: أصل فتنة الشهوة.
ففتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر، ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، فقال: ﴿وجَعَلْنا مِنّهُمْ أئمِةً يَهْدُونَ بِأمْرِنا لَمّا صَبَرُوا وكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة ٢٤].
فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة فى الدين.
وجمع بينهما أيضًا فى قوله: ﴿وتَواصَوْا بِالحَقِّ وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر ٣].
فتواصوا بالحق الذى يدفع الشبهات، وبالصبر الذى يكف عن الشهوات وجمع بينهما فى قوله:
﴿واذْكْرُ عِبادَنا إبراهيم وإسْحقَ ويَعْقُوبَ أُولِى الأيْدِى والأبْصارِ﴾ [ص ٤٥].
فالأيدى: القوى والعزائم فى ذات الله، والأبصار: البصائر فى أمر الله وعبارات السلف تدور على ذلك.
قال ابن عباس «أولى القوة فى طاعة الله، والمعرفة بالله»…….
فبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة والله المستعان.
إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ٢/١٦٧ — ابن القيم (ت ٧٥١)
قال ابن عثيمين : لا يجوز لنا أن نشهد لشخص بعينه أنه شهيد حتى لو قتل مظلوما، أو قتل وهو يدافع عن حق فإنه لا يجوز أن نقول: فلان شهيد وهذا خلافا لما عليه كثير من الناس اليوم حيث أرخصوا هذه الشهادة وجعلوا كل من قتل حتى ولو كان مقتولا في عصبية جاهلية يسمونه شهيدا مجموع الفتاوى 7/313
بوب ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أهل الجحيم باب في ذم بعض خصال الجاهلية وعددها فقال :
ومنه قوله تعالى: ﴿إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجاهِلِيَّةِ فَأنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وعَلى المُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح ٢٦] فإن إضافة الحمية إلى الجاهلية اقتضى ذمها فما كان من أخلاقهم وأفعالهم، فهو كذلك.
وذكر حديث الكسع وقال :
وسماها دعوى الجاهلية حتى قيل له: إن الداعي بها إنما هما غلامان لم يصدر ذلك من الجماعة فأمر بمنع الظالم، وإعانة المظلوم ليبين النبي ﷺ أن المحذور إنما هو تعصب الرجل لطائفته مطلقا فعل أهل الجاهلية، فأما نصرها بالحق من غير عدوان فحسن واجب أو مستحب.
ومثل هذا ما روى أبو داود وابن ماجه عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قلت: «يا رسول الله ما العصبية قال: أن تعين قومك على الظلم» .
وعن سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي قال: خطبنا رسول الله ﷺ
فقال: «خيركم المدافع عن عشيرته ما لم يأثم» رواه أبو داود ……
وروى أيضا عن ابن مسعود عن النبي ﷺ قال: «من نصر قومه
على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي فهو ينزع بذنبه» .
فإذا كان هذا التداعي في هذه الأسماء و هذا الانتساب الذي يحبه الله ورسوله فكيف بالتعصب مطلقا، والتداعي للنسب والإضافات التي هي: إما مباحة، أو مكروهة.
وذلك أن الانتساب إلى الاسم الشرعي أحسن من الانتساب إلى غيره، ألا ترى إلى ما رواه أبو داود من حديث محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عبد الرحمن بن أبي عقبة عن أبي عقبة وكان مولى من أهل فارس قال: «شهدت مع رسول الله ﷺ أحدا فضربت رجلا من المشركين فقلت: خذها وأنا الغلام الفارسي، فالتفت إلي فقال: هلا قلت: خذها مني وأنا الغلام الأنصاري» .
حضه رسول الله ﷺ على الانتساب إلى الأنصار، وإن كان بالولاء، وكان إظهار هذا أحب إليه من الانتساب إلى فارس بالصراحة، وهي نسبة حق، ليست محرمة.
ويشبه -والله أعلم- أن يكون من حكمة ذلك: أن النفس تحامي عن الجهة التي تنتسب إليها فإذا كان ذلك لله كان خيرا للمرء.
فقد دلت هذه الأحاديث على أن إضافة الأمر إلى الجاهلية يقتضي ذمه، والنهي عنه، وذلك يقتضي المنع من أمور الجاهلية مطلقا، وهو المطلوب في هذا الكتاب.
ومثله ما روى مسلم في صحيحه عن أبي قيس زياد بن رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية ….
فالقسم الأول الخارجون عن طاعة السلطان، فنهى عن نفس الخروج عن الطاعة والجماعة وبين أنه إن مات، ولا طاعة عليه مات ميتة جاهلية، فإن أهل الجاهلية من العرب ونحوهم لم يكونوا يطيعون أميرا عاما على ما هو معروف من سيرتهم.
ثم ذكر الذي يقاتل تعصبا لقومه، أو أهل بلده ونحو ذلك وسمى الراية عمية لأنه الأمر الأعمى الذي لا يدرى وجهه فكذلك قتال العصبية يكون عن غير علم بجواز قتال هذا.
وجعل قتلة المقتول قتلة جاهلية سواء غضب بقلبه، أو دعا بلسانه، أو ضرب بيده وقد فسر ذلك فيما رواه مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
ﷺ: «ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل، ولا يدري المقتول على أي شيء قتل فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: الهرج القاتل والمقتول في
النار» والقسم الثالث: الخوارج على الأمةإما من العداة الذين غرضهم الأموال كقطاع الطريق ونحوهم، أو غرضهم الرياسة كمن يقتل أهل المصر الذين هم تحت حكم غيره مطلقا، وإن لم يكونوا مقاتلة، أو من الخارجين عن السنة الذين يستحلون دماء أهل القبلة مطلقا كالحرورية الذين قتلهم علي رضي الله عنه.
ثم إنه ﷺ سمى الميتة والقتلة ميتة جاهلية وقتلة جاهلية على وجه الذم لها والنهي عنها وإلا لم يكن قد زجر عن ذلك….. وذكر حديث أبي ذر في تعبيره لرجل بأمه وقال:
وفيه أن التعيير بالأنساب من أخلاق الجاهلية.
وفيه أن الرجل مع فضله وعلمه ودينه قد يكون فيه بعض هذه الخصال المسماة بجاهلية وبيهودية ونصرانية ولا يوجب ذلك كفره، ولا فسقه.
وأيضا ما رواه مسلم في صحيحه عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة
جاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليريق دمه» . انتهى
بين المحقق ضعف حديث واثلة وسراقة
وحديث ابن مسعود بين أنه روي مرفوعا وموقوفا . وحديث أبي عقبة بين أن فيه عبدالرحمن بن أبي عقبة يروي المراسيل
– وقال ابن تيمية كما في دقائق التفسير 2/36 : كَما قسم النَّبِي ﷺ لطلْحَة والزُّبَيْر يَوْم بدر لِأنَّهُ كانَ قد بعثهما فِي مصلحَة الجَيْش فأعوان الطّائِفَة الممتنعة وأنصارها مِنها فِيما لَهُم وعَلَيْهِم وهَكَذا المقتتلون على باطِل لا تَأْوِيل فِيهِ مثل المقتتلين على عصبية ودَعوى جاهِلِيَّة كقيس ويمن نَحْوهما ظالمتان كَما قالَ النَّبِي ﷺ
إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فِي النّار قيل يا رَسُول الله هَذا القاتِل فَما بال المَقْتُول قالَ أرادَ قتل صاحبه أخْرجاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وتضمن كل طائِفَة أتلفته الأُخْرى من نفس ومال وإن لم يعرف عين القاتِل لِأن الطّائِفَة الواحِدَة المُمْتَنع بَعْضها بِبَعْض كالشخص الواحِد