258 جامع الأجوبة الفقهية ص 297
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام
105 – وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – -في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل- قال: “تغتسل” – متفق عليه.
زاد مسلم: فقالت أم سليم – وهل يكون هذا؟ قال: “نعم فمن أين يكون الشبه؟ -.
———
مسألة: إذا انتبه من النوم، فرأى بللاً، ولا يعلم هل هو مني أو غيره؟
اذا انتبه المسلم من نومه ورأى بللاً ولا يعلم هل هو مني أو غيره، فعليه أن يتحرى لتمييز هذا البلل سواءً بالشم أو غيره، فإن تبين له أنه مني وجب عليه الغسل، وإن كان مذي فلا غسل عليه، أما إن لم يهتدي لتمييز هذا البلل هل هو مني أو مذي ففي هذه الحالة اختلف أهل العلم على قولين:
– الأول: أنه يجب عليه الغسل وهذا قول ابن عباس، وعطاء، والشعبي، والنخعي وسفيان، وهو قول أبي حنيفة، وظاهر مذهب أحمد.
– الثاني: ليس عليه غسل حتى يتيقن أنه مني، وهو قول مجاهد، وقتادة، والحكم، وحماد، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبي يوسف. ورجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
– حجة أصحاب القول الأول أن خروج المني من النائم بالاحتلام هو الأغلب، فيحال البلل عند الشك عليه دون المذي وغيره؛ لأن خروج ذلك في النوم أندر، ولأن ذمته قد اشتغلت بطهارة قطعا، ولا يتيقن، بل ولا يغلب على الظن صحة صلاته بدون الإتيان بطهارة الوضوء والغسل، فلزمه ذلك.
– وحجة من قال ليس عليه غسل، أن اليقين بقاء الطهارة، فلا يزول بالشك، فلا يجب عليه الغسل حتى يوقن الدافق. قالوا: الأصل الطهارة، وعدم وجوب الغسل.
– قال ابن قدامة في المغني (1/ 148):
إذا انتبه من النوم فوجد بللا لا يعلم هل هو مني أو غيره؟ فقال أحمد: إذا وجد بلة اغتسل، إلا أن يكون به إبردة، أو لاعب أهله؛ فإنه ربما خرج منه المذي، فأرجو أن لا يكون به بأس.
وكذلك إن كان انتشر من أول الليل بتذكر أو رؤية، لا غسل عليه. وهو قول الحسن؛ لأنه مشكوك فيه، يحتمل أنه مذي، وقد وجد سببه، فلا يوجب الغسل مع الشك. وإن لم يكن وجد ذلك، فعليه الغسل؛ لخبر عائشة؛ لأن الظاهر أنه احتلام. وقد توقف أحمد في هذه المسألة في مواضع. وقال مجاهد وقتادة: لا غسل عليه حتى يوقن الدافق. قال قتادة: يشمه. وهذا هو القياس؛ ولأن اليقين بقاء الطهارة، فلا يزول بالشك. والأولى الاغتسال؛ لموافقة الخبر، وإزالة الشك. انتهى
– قال صاحب فقه السنة (1/ 65):
إذا انتبه من النوم فوجد بللا ولم يذكر احتلاما، فإن تيقن أنه مني فعليه الغسل، لان الظاهر أن خروجه كان لاحتلام نسيه، فإن شك ولم يعلم، هل هو مني أو غيره؟ فعيله الغسل احتياطا.
وقال مجاهد وقتادة: لا غسل عليه حتى يوقن بالماء الدافق، لأن اليقين بقاء الطهارة، فلا يزول بالشك. انتهى
– قال ابن رجب في فتح الباري (1/ 339):
ولو رأى الرجل والمرأة بللا ولم يذكر احتلاما، فإن كانت أوصاف المني موجودة فيه لزم الغسل، وإن احتمل أن يكون منيا وأن يكون مذيا وغير ذلك ففيه قولان:
أحدهما: عليه الغسل، حكاه الترمذي في ((كتابه)) عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -، والتابعين، وعن سفيان، وأحمد. وممن روي عنه أنه قال: يغتسل: ابن عباس، وعطاء، والشعبي، والنخعي. وهو قول أبي حنيفة، وظاهر مذهب أحمد، إلا أنه استثنى من ذلك أن يكون ثمَّ سبب يقتضي خروج غير المني، مثل أن يكون قد سبق منه ملاعبته لأهله، أو فكر قبل نومه، أو يكون به إبردة فخرج منه بلل بسببها، فلم يوجب الغسل في هذه الصور؛ لأن إحالة البلل الخارج على السبب الموجود المعلوم أولى من إحالته على سبب موهوم.
فإن لم يوجد شيء من هذه الأسباب لزمه الغسل؛ لأن خروج المني من النائم بالاحتلام هو الأغلب، فيحال البلل عند الشك عليه دون المذي وغيره؛ لأن خروج ذلك في النوم أندر، ولأن ذمته قد اشتغلت بطهارة قطعا، ولا يتيقن، بل ولا يغلب على الظن صحة صلاته بدون الإتيان بطهارة الوضوء والغسل، فلزمه ذلك.
والقول الثاني: لا غسل عليه بذلك حتى يتيقن أنه مني، وهو قول مجاهد، وقتادة، والحكم، وحماد، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبي يوسف، لأن الأصل الطهارة، فلا يجب الغسل بالشك. والقول الأول أصح.
ولا يشبه هذا من تيقن الطهارة وشك في الحدث؛ فإن ذاك لم يتيقن شيئا موجبا لطهارة في ذمته، بل هو مستصحب للطهارة المتيقنة، ولم يتيقن اشتغال ذمته بشيء، وهذا قد تيقن أن ذمته اشتغلت بطهارة، فلا تبرأ ذمته بدون الإتيان بالوضوء والغسل. ورجح هذا القول طائفة من محققي الشافعية – أيضا. انتهى
– قال ابن المنذر في الأوسط (2/ 86):
قال أبو بكر: فمن رأى بللا فإن أيقن أنه بلة نطفة اغتسل وإن علم أنه مذي أو غيره بعد أن يعلم أن البلة ليست ببلة نطفة لم يجب عليه الاغتسال، والأحوط له إذا شك فلم يدر بلة نطفة أو مذي أن يغتسل فإن أمكنه التمييز بينها بشم كما قال قتادة فعل، فإن رائحة نطفة الرجل يشبه رائحة الطلع. انتهى
– قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/ 335):
فإذا استيقظ ووجد بللا فلا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يتيقن أنه موجب للغسل، يعني: أنه مني، وفي هذه الحال يجب عليه أن يغتسل سواء ذكر احتلاما أم لم يذكر.
الثانية: أن يتيقن أنه ليس بمني، وفي هذه الحال لا يجب الغسل، لكن يجب عليه أن يغسل ما أصابه، لأن حكمه حكم البول.
الثالثة: أن يجهل هل هو مني أم لا؟ فإن وجد ما يحال عليه الحكم بكونه منيا، أو مذيا أحيل الحكم عليه، وإن لم يوجد فالأصل الطهارة، وعدم وجوب الغسل، وكيفية إحالة الحكم أن يقال: إن ذكر أنه احتلم فإننا نجعله منيا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل في منامه؛ هل عليها غسل؟ قال: «نعم، إذا هي رأت الماء»، وإن لم ير شيئا في منامه، وقد سبق نومه تفكير في الجماع جعلناه مذيا، لأنه يخرج بعد التفكير في الجماع دون إحساس، وإن لم يسبقه تفكير ففيه قولان للعلماء:
قيل: يجب أن يغتسل احتياطا.
وقيل: لا يجب، وقد تعارض هنا أصلان.
– سؤال وجه للجنة الدائمة:
السؤال الثالث من الفتوى رقم ((20628))
س (3): رجل احتلم وهو نائم واستيقظ من نومه فجأة، وظن أنه لم ينزل، وتوضأ وصلى الفجر، وعند الظهر وجد نقطة في ملابسه. ماذا يجب عليه في هذه الحالة، وهل يلزمه قضاء صلاة الفجر، وكيف القضاء؟
ج (3): من استيقظ من نومه فوجد في ثيابه بللا وتحقق أنه مني اغتسل منه وإن لم يذكر احتلاما، فإن لم ير ذلك إلا بعد الصلاة فإنه يغتسل ويعيد الصلاة التي صلاها بغير غسل، وإن لم يتحقق أن هذه النقطة منيا فلا حكم لها وصلاته صحيحة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
– وسأل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ حول من لا يذكر احتلاما؛ فقال:
تقول لا تذكر احتلامًا، وتسأل هل هذا يوجب الغسل، أم لا.
والجواب: هذا لا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى – أن يتحقق أن هذا الخارج مني فيلزمه الاغتسال ولو لم يذكر احتلامًا، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافًا. ولا يلزمه تطهير ما أصاب من ثيابه لأن مني الآدمي طاهر.
الثانية – أن يتحقق أنه ليس بمني فإن كان قد سبق نومه ملاعبة أو تفكير أو نظر أو مطالعة هذه المجلات الخليعة المثيرة للشهوة وكان ما وجده من جنس المذي فلا غسل عليه، وإنما يطهر ما أصابه من ثيابه لنجاسة المذي.
الثالثة – أن يشك في كونه منيًا أو مذيًا ففي هذه الحالة يغتسل وجوبًا، ويطهر ما أصابه من ثيابه وبدنه احتياطًا. هذا حاصل ما قرره الفقهاء. والله أعلم.
مفتي البلاد السعودية
– وبعض لجان الفتوى قالوا:
قال صاحب الإنصاف ج- (1) -: لو انتبه بالغ أو من يحتمل بلوغه فوجد بللًا جهل أنه مني وجب الغسل مطلقًا على الصحيح من المذهب.
وهذا أيضا هو الحكم في المذهب المالكي بشرط أن يكون الاحتمال مترددًا بين اثنين أحدهما مني، والآخر غير مني.
أما إذا كان الاحتمال مترددًا بين ثلاثة فأكثر: أحدهما مني، والآخر مذي، والثالث نخامة -مثلًا- فلا غسل، لأن موجب الغسل ثابت باحتمال واحد، وعدمه ثابت باحتمالين، وقد نظم بعض أهل العلم ذلك في بيت فقال:
وما ثبوته بتقديرين … أقرب للوجود دون مَيٌن
والله أعلم.
ومرة قالوا: قال الدردير في الشرح الصغير: لو شك بين ثلاثة أمور كمني ومذي وودي، لم يجب الغسل، لأن تعلق التردد: بين ثلاثة أشياء يصير كل فرد من أفرادها وهما. انتهى.
والله أعلم …