2560 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم.
ومجموعة : طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وموسى الصوماليين، وخميس العميمي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب
صحيح مسلم، (٨) – (بابُ تَحْرِيمِ الهَجْرِ فَوْقَ ثَلاثٍ بِلا عُذْرٍ شَرْعِيٍّ)
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى:
[٦٥١١] (٢٥٦٠) – (حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، قالَ: قَرَأْتُ عَلى مالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أبِيِ أيُّوبَ الأنْصارِيِّ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ، يَلْتَقِيانِ، فَيُعْرِضُ هَذا، ويُعْرِضُ هَذا، وخَيْرُهُما الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ»).
[٦٥١٢] (…) – (حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وأبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قالُوا: حَدَّثَنا سُفْيانُ (ح) وحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنا ابْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي يُونُسُ (ح) وحَدَّثَنا حاجِبُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ (ح) وحَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ الحَنْظَلِيُّ، ومُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِإسْنادِ مالِكٍ، ومِثْلِ حَدِيثِهِ، إلّا قَوْلَهُ: «فَيُعْرِضُ هَذا، وُيعْرِضُ هَذا»، فَإنَّهُمْ جَمِيعًا قالُوا فِي حَدِيثِهِمْ غَيْرَ مالِكٍ: «فَيَصُدُّ هَذا، ويَصُدُّ هَذا»).
[٦٥١٣] (٢٥٦١) – (حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أبِي فُدَيْكٍ، أخْبَرَنا الضَّحّاكُ -وهُوَ ابْنُ عُثْمانَ- عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيّامٍ»).
[٦٥١٤] (٢٥٦٢) – (حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْنِي: ابْنَ مُحَمَّدٍ – عَنِ العَلاءِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا هِجْرَةَ بَعْدَ ثَلاثٍ»).
==========
تمهيد:
من كمال إسلام المسلم سلامة المسلمين من لسانه ويده، ومن الدوافع الداخلية المحركة للسان واليد كالحقد والحسد والبغضاء والظن السيئ، وتلك ميادين الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم؛ والله تعالى يقول: { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} [فاطر 6] وحاربوه كما يحاربكم وقاوموه كما يغرر بكم، والله تعالى يقول: { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} [المائدة 91].
إنه يدخل الهواجس في النفوس فتظن بالآخرين شرا، فنهى الحديث الشريف عن الظن فقال : ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) ؛ لأنه مبني على غير الواقع فهو كذب يستهين به صاحبه فيكون أكثر وقوعا وأكثر شرا ثم إن الشيطان ينتقل بالظن إلى محاولة التأكد من المظنون فيدفع إلى التجسس والتحسس فنهى الحديث الشريف عن التجسس والتحسس أي من لم يتغلب على الشيطان من أول درجة فليتغلب عليه عند الدرجة الثانية ( ولا تحسسوا ولا تجسسوا ) ثم ينتقل الشيطان بالمتحسس والمتجسس إلى البغضاء والمقت والكراهية فنهى الحديث الشريف عن البغضاء والحقد والحسد فمن لم يتغلب على الشيطان في النزعة الثانية فليتغلب عليه عند الدرجة الثالثة ( لا تباغضوا ولا تحاسدوا )فإن انتقل الشيطان بالمتباغضين إلى التقاطع والتدابر والهجر قيل لهم ( لا تدابروا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) .
هكذا يدخل الشيطان ليفسد دين المسلم، وهكذا يجب محاربته ليبقى المسلم مسلما كاملا، ولتبقى الأخوة بينه وبين بني جنسه ليكون الجميع عباد الله إخوانا. [فتح المنعم]
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(٨) – (بابُ تَحْرِيمِ الهَجْرِ فَوْقَ ثَلاثٍ بِلا عُذْرٍ شَرْعِيٍّ)
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى:
[٦٥١١] (٢٥٦٠) – (حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، قالَ: قَرَأْتُ عَلى مالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أبِيِ أيُّوبَ الأنْصارِيِّ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ، يَلْتَقِيانِ، فَيُعْرِضُ هَذا، ويُعْرِضُ هَذا، وخَيْرُهُما الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ»).
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من خماسيّات المصنّف رحمه الله، وأنه مسلسل بالمدنيين غير شيخه، فنيسابوريّ، وقد دخل المدينة للأخذ عن مالك،
وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ،
وفيه أبو هريرة -رضي الله عنه-، وقد مرّ القول فيه غير مرّة.
شرح الحديث:
(عَنْ أبِي أيُّوبَ) قال في «الفتح»: هكذا اتَّفَقَ أصحاب الزهريّ، وخالفهم عُقيل، فقال:»عن عطاء بن يزيد، عن أبي«، وخالفهم كلهم شَبِيب بن سعيد، عن يونس، عنه، فقال: عن عبيد الله، أو عبد الرحمن، عن أُبَيّ بن كعب، قال إبراهيم الحربيّ: أما شبيب فلم يضبط سنده، وقد ضبطه ابن وهب، عن يونس، فساقه على الصواب، أخرجه مسلم، وأما عُقيل فلعله سقط عليه لفظ»أيوب«، فصار»عن أبي«، فنَسَبه من قِبَل نفسه، فقال: ابن كعب، فوَهِم في ذلك. انتهى [«الفتح» ١٣/ ٦٤٨ – ٦٤٩، كتاب «الأدب» رقم (٦٠٧٧)].
(الأنْصارِيِّ) بفتح الهمزة نسبة إلى الأنصار، وهم جماعة أهل المدينة من الأوس والخزرج، سُمّوا به؛ لِنُصرتهم النبيّ ﷺ. (أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ:»لا) نافية، (يَحِلُّ) . (لِمُسْلِمٍ) قد يحتجّ به من يقول: الكفّار غير مخاطَبين بفروع الشرع، والأصحّ أنهم مخاطبون بها، وإنما قيّد بالمسلم؛ لأنه الذي يقبل خطاب الشرع، وينتفع به [«شرح النوويّ» ١٦/ ١١٨].
(أخاهُ) قال الطيبيّ رحمه الله: تخصيص الأخ بالذِّكر إشعار بالعليّة، والمراد به أخوّة الإسلام، ويُفهم منه: أنه إن خالف هذه الشريطة، وقطع هذه الرابطة جاز هِجرانه فوق ثلاث [«الكاشف عن حقائق السنن» ١٠/ ٣٢٠٩].
وقال ابن الأثير- عند قوله: «لا هِجْرَةَ بَعْد ثلاثٍ»-: يريد به الهَجْر ضِدّ الوَصل؛ يَعْني: فيما يَكُون بَيْن المسلمين من عَتْب، ومَوْجِدَة، أو تَقْصِيرٍ يَقَع في حُقُوق العِشْرَة، والصُّحْبَة،
دونَ ما كان من ذلك في جانب الدِّين، فإنَّ هِجْرة أهْلِ الأهْواء، والبِدَع دائمة على مَرِّ الأوقاتِ، ما لم تَظْهر منْهُم التَّوْبة، والرُّجُوع إلى الحقِّ، فإنَّه ﷺ لَمّا خاف على كعْب بن مالك وصحابيه النِّفاقَ حين تَخَلّفوا عن غَزْوة تَبوك، أمَر بِهِجْرانِهم خَمْسين يَوْمًا، وقد هَجَر ﷺ نِساءَه شَهرًا، وهَجَرت عائشة ابنَ الزُّبَير -رضي الله عنهما- مُدَّة، وهَجر جَماعةٌ من الصحابة جَماعةً منهم، وماتُوا مُتَهاجِرِين، ولعلّ أحَدَ الأمْرَيْن مَنسُوخٌ بالآخَر. انتهى كلام ابن الأثير.[ »النهاية في غريب الأثر«٥/ ٥٥٧]
قال الأثيوبي: قوله : ( منسوخ بالآخر ) هذا غير صحيح، بل الحقّ أنه يُحمل على أن هجران هؤلاء بعضهم لبعض كان لأمر دينيّ، لا دنيويّ حَسَب اجتهادهم، وإن لم يكن كذلك عند الآخرين، فهذا هو وجه الجمع بين الأخبار، والله تعالى أعلم.
(فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ) ظاهره إباحة ذلك في الثلاث، وهو من الرفق؛ لأن الآدميّ في طبعه الغضب، وسوء الخُلُق، ونحو ذلك، والغالب أنه يزول، أو يقلّ في الثلاث.
(يَلْتَقِيانِ) قال الطيبيّ رحمه الله: فإن قلت: ما موقع قوله:»يلتقيان«، وقوله: »وخيرهما«؟ قلت: الجملة الأُولى بيانيّة، استئنافيّة، بيان لكيفيّة الهجران،
والثانية عَطْف على الأُولى من حيث المعنى؛ لِما يُفهم منها أن ذلك الفعل ليس بخير، ويجوز أن تكون الأُولى حالًا من فاعل»يهجر«، ومفعوله معًا
(فَيُعْرِضُ هَذا) عن أخيه المسلم، (ويُعْرِضُ هَذا) الآخر كذلك، وفي رواية: ((فيصُدّ هذا، ويصُدّ هذا)) وهو بضمّ الصاد، ومعنى يصدّ: يُعرض؛ أي: يولّيه عُرضه، بضم العين، وهو جانبه، قاله النوويّ رحمه الله.[ «شرح النوويّ» ١٦/ ١١٧]
(وخَيْرُهُما الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ) زاد الطبريّ من طريق أخرى، عن الزهريّ:( يسبق إلى الجنة)، ولأبي داود بسند صحيح، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-:» فإن مرَّت به ثلاث، فلقيه، فليسلِّم عليه، فإن ردّ عليه فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يردّ عليه، فقد باء بالإثم، وخَرَج المسلِّم من الهجرة«، ولأحمد والبخاريّ في»الأدب المفرد«، وصححه ابن حبان، من حديث هشام بن عامر:»فإنهما ناكثان عن الحقّ ما داما على صِرامهما، وأوّلُهما فَيْئًا يكون سَبْقه كفارة«، فذكر نحو حديث أبي هريرة، وزاد في آخره:»فإن ماتا على صِرامهما، لم يدخلا الجنة جميعًا«[«الفتح» ١٣/ ٦٤٩، كتاب «الأدب» رقم (٦٠٧٧)].
وقوله أيضًا: (وخَيْرُهُما الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ»)؛ أي: هو أفضلهما، قال النوويّ: وفيه دليل لمذهب الشافعيّ، ومالك، ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة، ويرفع الإثم فيها، ويزيله، وقال أحمد، وابن القاسم المالكيّ: إن كان يؤذيه لمِ يقطع السلامُ هجرته، قال أصحابنا -الشافعيّة-: ولو كاتَبَه، أو راسله عند غيبته عنه، هل يزول إثم الهجرة؟
فيه وجهان: أحدهما لا يزول؛ لأنه لم يكلّمه، وأصحّهما يزول؛ لزوال الوحشة، والله أعلم. انتهى [«شرح النوويّ» ١٦/ ١١٧ – ١١٨].
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: «وخيرهما إلخ» هذا يدلّ على أن مجرد السلام يُخرج عن الهجرة، وإن لم يكلّمه، وهو قول مالك وغيره، وقال أحمد، وابن القاسم: إن كان يؤذيه فلا يقطع السلامُ هجرته، وعندنا أنه إن اعتزل كلامه لم تُقبل شهادته عليه، ومعناه: أن الذي يبادر بقطع الهجرة، فيسبق صاحبه بالسلام أحسن خُلقًا، وأعظم أجرًا، وما ذكرناه من جواز الهجران في الثلاث هو مذهب الجمهور، والمعتبَر ثلاث ليال، فإن بدأ بالهجرة في بعض يوم فله أن يلغي ذلك البعض، ويعتبر ليلة ذلك اليوم، فيكون أول الزمان الذي أبيحت فيه الهجرة، ثمَّ بانفصال الليلة الثالثة تحرم، على ما قدّمناه، وهذا الهِجران الذي ذكرناه هو الذي يكون عن غضب لأمر جائز، لا تعلّق له بالدِّين، فأما الهِجران لأجل المعاصي والبدعة، فواجب استصحابه إلى أن يتوب من ذلك، ولا يُختَلَف في هذا. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله، والله تعالى أعلم.[ »المفهم” ٦/ ٥٣٣ – ٥٣٤].
——
[تنبيه]:
رواية سفيان بن عيينة عن الزهريّ ساقها البخاريّ رحمه الله في «صحيحه» (٥٨٨٣) –
ورواية يونس بن يزيد الأيليّ عن الزهريّ، ساقها الطبرانيّ رحمه الله في «المعجم الكبير»، (٣٩٥٦)
ورواية معمر بن راشد، عن الزهريّ، ساقها عبد الرزّاق رحمه الله في «مصنّفه»
وأما رواية محمد بن الوليد الزُّبيديّ عن الزهريّ، فلم أجد من ساقها، فليُنظر، والله تعالى أعلم.
فائدة: حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه- (أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا هِجْرَةَ بَعْدَ ثَلاثٍ») وفي رواية أبي داود، والنسائيّ: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث، فمات دخل النار».
وقال ابن الأثير رحمه الله: قوله: «لا هجرة بعد ثلاث» يريد به الهجرة ضدّ الوصل؛ يعني: فيما يكون بين المسلمين من عَتْب، ومَوْجِدة، أو تقصير، يقع
في حقوق العِشْرة والصحبة، دون ما كان في ذلك في جانب الدِّين، فإن هجرة
أهل الأهواء والبدع دائمة، على مَرّ الأوقات، ما لم تَظْهر منهم التوبة،
والرجوع إلى الحقّ. انتهى [«النهاية في غريب الأثر» ٥/ ٢٤٤].
فائدة: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.[انظر: البحر الثجاج. بتصرف].
ثانيًا: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولي): فصل:
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح (الممتع): “وقوله: «يحرم هجره».
أفادنا أن من المسلمين من لا يحرم هجره؛ وذلك أن الهجر ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: من يجب هجره، وذلك كصاحب البدعة الداعي إلى بدعته، إذا لم ينتهِ إلا بالهجر، فإنه يجب علينا أن نهجره وجوباً؛ لأن في الهجر فائدة، وهو ترك الدعوة إلى البدعة، فإذا وجدنا شخصاً يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن، أو إلى أن الله ـ تعالى ـ في كل مكان وجب علينا أن نهجره، فلا نسلم عليه، ولا نرد عليه السلام، ولا نجيب دعوته، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أمر بهجر من فعل محرماً، كما في قصة كعب وصاحبيه ـ رضي الله عنهم ـ، وفاعل المحرم أهون ممن يدعو إلى البدعة؛ لأن البدعة تستمر بالدعوة إليها، وفاعل المحرم فَعَلَه وانتهى.
القسم الثاني: من هجره سُنة، وهو هجر فاعل المعصية التي دون البدعة، إذا كان في هجره مصلحة، كالموظف في جهات ربوية، ولا نقول: إنه واجب؛ لأننا لا نتحقق به ترك المحرم، فلو تحققنا به ترك المحرم لكان الهجر واجباً.
إذاً هنا الهجر سنة بشرط المصلحة، فإن لم يكن في هجره مصلحة فإنه لا يهجر؛ لأن الأصل أن هجر المؤمن حرام لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة»، وفاعل المعصية أخ لك مهما فعل من الكبائر، إلا إذا كفر .
القسم الثالث: هجر مباح، وهو ما يحصل بين الإنسان وأخيه بسبب سوء تفاهم، وهو مقيد بثلاثة أيام فأقل.
المهم أن المذهب يقسمون الهجر إلى ثلاثة أقسام: واجب، وسنة، ومباح، ولكن الصحيح عندنا أنه لا ينقسم إلى هذه الأقسام، وأن الأصل في الهجر التحريم، إلا إذا كان فيه مصلحة.
هذا بالنسبة لمن كان مسلماً، أما غير المسلمين فلا يبدؤون بالسلام ؛ لأن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول في أهل الكتاب: «لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه»، لكن إن سلم علينا نرد عليه، فإن قال: السلام عليكم، قلنا: وعليكم السلام، وإن قال: السام عليكم، قلنا: وعليكم. انتهى المقصود.
(المسألة الثانية): مسائل متفرقة
1) [أنواع الهجر:]
يختلف الهجر باختلاف المهجور ويمكن تلخيص ذلك في الأنواع الآتية:
1- هجر القرآن. وهذا ما سنتحدّث عنه في الصّفة التّالية (انظر هجر القرآن) .
2- هجر الرّجل زوجته، أو نساءه.
3- هجر الأقارب (وهو نوع من قطيعة الرّحم) .
4- هجر أهل البدع والأهواء.
5- هجر المسلمين بعضهم بعضا، ويسمّى بالتّهاجر.
2) الفرق بين التّهاجر والتّدابر والتّشاحن:
قال ابن حجر الهيتمي :
التّهاجر: أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاثة أيّام لغير غرض شرعيّ.
والتّدابر: هو الإعراض عن المسلم بأن يلقى أخاه فيعرض عنه بوجهه.
والتّشاحن: هو تغيّر القلوب المؤدّي إلى التّهاجر والتّدابر. [الزواجر (418)].
3) [بم يكون الهجر؟]
والهجر والهجران:
يكون بالبدن وباللّسان وبالقلب،
وقوله تعالى ( وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ) (النساء/ 34) أي بالأبدان. وقوله تعالى ( إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ) (الفرقان/ 30) باللّسان أو بالقلب. وقوله تعالى (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا ) (المزمل/ 10) محتمل للثّلاثة. وقوله تعالى (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر/ 5) حثّ على المفارقة بالوجوه كلّها.[المفردات للراغب (537) ، وبصائر ذوى التمييز (5/ 304)].
4) [واصطلاحا:]
قال المناويّ: الهجر والهجران: مفارقة الإنسان غيره. إمّا بالبدن. أو اللّسان. أو القلب [التوقيف على مهمات التعاريف (242)].
وقال الكفويّ:
الهجر بالفتح: التّرك والقطيعة.
والهجر بالضمّ: الفحش في المنطق [الكليات (961)].
[للاستزادة: انظر صفات: قطيعة الرحم- هجر القرآن- الإعراض.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: صلة الرحم- إفشاء السلام- تلاوة القرآن- التودد- حسن العشرة- الإخاء] . [انظر: نظرة النعيم (ج11/ص 5681- 5700)].
(المسألة الثالثة): فيما ورد من هجر أهل البدع والأفكار المنحرفة، والتحذير منها
ختم الإمام – ابن بطه – رحمه الله كتابه [الإبانة الصغرى ص326] بقوله: ((وَمِنْ اَلسُّنَّةِ وَتَمَامِ اَلْإِيمَانِ وَكَمَالِهِ: اَلْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ اِسْمٍ خَالَفَ اَلسُّنَّةَ وَخَرَجَ مِنْ إِجْمَاعِ اَلْأُمَّةِ وَمُبَايَنَةُ أَهْلِهِ وَمُجَانَبَةُ مَنِ اِعْتَقَدَهُ وَالتَّقَرُّبُ إِلَى اَللَّهِ عز وجل بِمُخَالِفَتِهِ.
وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: اَلرَّافِضَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ وَالْحَرُورِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ ….وَالْوَاقِفَةُ وَمَنْ دَفَعَ اَلصِّفَاتِ وَالرُّؤْيَةَ، وَمِنْ كُلِّ قَوْلٍ مُبْتَدَعٍ وَرَأْيٍ مُخْتَرَعٍ وَهَوًى مُتَّبَعٍ، فَهَذِهِ كُلَّهَا وَمَا شَاكَلَهَا وَمَا تَفَرَّعَ مِنْهَا أَوْ قَارَبَهَا أَقْوَالٌ رَدِيئَةٌ وَمَذَاهِبُ سَيِّئَةٌ تُخْرِجُ أَهْلَهَا عَنْ اَلدِّينِ وَمَنِ اِعْتَقَدَهَا عَنْ جُمْلَةِ اَلْمُسْلِمِينَ.
وَلِهَذِهِ اَلْمَقَالَاتِ وَالْمَذَاهِب: رُؤَسَاءُ مِنْ أَهْلِ اَلضَّلَالِ وَمُتَقَدِّمُونَ فِي اَلْكُفْرِ وَسُوءِ اَلْمَقَالِ، يَقُولُونَ عَلَى اَللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَيَعِيبُونَ أَهْلَ اَلْحَقِّ فِيمَا يَأْتُونَ، وَيَتَّهِمُونَ اَلثِّقَاتِ فِي اَلنَّقْلِ وَلَا يَتَّهِمُونَ آرَاءَهُمْ فِي اَلتَّأْوِيلِ، قَدْ عَقَدُوا أَلْوِيَةَ اَلْبِدَعِ وَأَقَامُوا سُوقَ اَلْفِتْنَةِ وَفَتَحُوا بَابَ اَلْبَلِيَّةِ، يَفْتَرُونَ عَلَى اَللَّهِ اَلْبُهْتَانَ وَيَتَقَوَّلُونَ فِي كِتَابِهِ بِالْكَذِبِ وَالْعُدْوَانِ، إِخْوَانُ اَلشَّيَاطِينِ وَأَعْدَاءُ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَكَهْفُ اَلْبَاغِينَ وَمَلْجَأُ اَلْحَاسِدِينَ.
هُمْ شُعُوبٌ وَقَبَائِلُ وَصُنُوفٌ وَطَوَائِفُ، أَنَا أَذْكُرُ طَرَفًا مِنْ أَسْمَائِهِمْ وَشَيْئًا مِنْ صِفَاتِهِمْ لِأَنَّ لَهُمْ كُتُبًا قَدْ اِنْتَشَرَتْ وَمَقَالَاتٍ قَدْ ظَهَرَتْ لَا يَعْرِفُهَا اَلْغُرُّ مِنْ اَلنَّاسِ وَلَا النَّشئ مِنْ اَلْأَحْدَاثِ، تَخْفَى مَعَانِيهَا عَلَى أَكْثَرِ مَنْ يَقْرَؤُهَا.
فَلَعَلَّ اَلْحَدَثَ يَقَعُ إِلَيْهِ اَلْكِتَابُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ اَلْمَقَالَاتِ قَدْ اِبْتَدَأَ اَلْكِتَابَ بِحَمْدِ اَللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْأَطْنَابِ فِي اَلصَّلَاةِ عَلَى اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِدَقِيقِ كُفْرِهِ وَخَفِيِّ اِخْتِرَاعِهِ وَشَرِّهِ فَيَظُنُّ اَلْحَدَثُ اَلَّذِي لَا عِلْمَ لَهُ وَالْأَعْجَمِيُّ وَالْغُمْرُ مِنْ اَلنَّاسِ أَنَّ اَلْوَاضِعَ لِذَلِكَ اَلْكِتَابِ عَالِمٌ مِنْ اَلْعُلَمَاءِ أَوْ فَقِيهٌ مِنْ اَلْفُقَهَاءِ، وَلَعَلَّهُ يَعْتَقِدُ فِي هَذِهِ اَلْأُمَّةِ مَا يَرَاهُ فِيهَا عَبْدَةُ اَلْأَوْثَانِ وَمَنْ بَارَزَ اَللَّهَ وَوَالَى اَلشَّيْطَانَ.
فَمِنْ رُؤَسَائِهِمْ اَلْمُتَقَدِّمِينَ فِي اَلضَّلَالِ: مِنْهُمْ اَلْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ اَلضَّالُّ؛ وَقَدْ قِيلَ لَهُ وَهُوَ بِالشَّامِ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقَالَ أَطْلُبُ رِبًا أَعْبُدُهُ!، فَتَقَلَّدَ مَقَالَتَهُ طَوَائِفُ مِنْ اَلضُّلَّالِ، وَقَدْ قَالَ اِبْنُ شَوْذَبٍ: تَرَكَ جَهْمٌ اَلصَّلَاةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى وَجْهِ اَلشَّكِّ.
وَمِنْ أَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ: بِشْرٌ اَلْمَرِيسِي وَالْمِرْدَارُ وَأَبُو بَكْرٍ اَلْأَصَمُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنُ عُلَيَّةَ وَابْنُ أَبِي دُؤَادٍ وَبُرْغُوثُ وَربَالُويَةُ وَالْأَرْمَنِيُّ وَجَعْفَرٌ اَلْحَذَّاءُ وَشُعَيْبٌ اَلْحَجَّامُ وَحَسَنُ اَلْعَطَّارُ وَسَهْلٌ اَلْحرَارُ وَأَبُو لُقْمَانَ اَلْكَافِرُ فِي جَمَاعَةٍ سِوَاهُمْ مِنْ اَلضُّلَّالِ، وَكُلُّ اَلْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ فِيمَنْ سَمَّيْنَاهُمْ إِنَّهُمْ أَئِمَّةُ اَلْكُفْرِ وَرُؤَسَاءُ اَلضَّلَالَةِ.
وَمِنْ رُؤَسَائِهِمْ أَيْضًا – وَهُمْ أَصْحَابُ اَلْقَدْرِ -: مَعْبَدٌ اَلْجُهَنِيِّ وَغَيْلَانُ اَلْقَدَرِيُّ وَثُمَامَةُ بْنُ أَشْرَسَ وَعَمْرٌو بْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو الْهُذَيْلِ اَلْعَلَّافُ وَإِبْرَاهِيمُ اَلنَّظَّامِيُّ وَبِشْرُ بْنُ اَلْمُعْتَمِرِ، فِي جَمَاعَةٍ سِوَاهُمْ أَهْلُ كُفْرٍ وَضَلَالٍ يَعُمُّ، وَمِنْهُمْ: اَلْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اَلْوَهَّابِ اَلْجُبَّائِيُّ وَأَبُو الْعَنْبَسِ اَلصَّيْمَرِيُّ.
وَمَنْ اَلرَّافِضَةِ: اَلْمُغِيرَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ اَللَّهِ بْنُ سَبَأٍ وَهِشَامٌ اَلْفُوطِيُّ وَأَبُو الْكروسِ وَفُضَيْلٌ الرَّقَاشِيُّ وَأَبُو مَالِكٍ اَلْحَضْرَمِيُّ وَصَالِحٌ قُبَّةٌ.
بَلْ هُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَوْا فِي كِتَابٍ أَوْ يُحْوَوْا بِخِطَابٍ، ذَكَرْتُ طَرَفًا مِنْ أَئِمَّتِهِمْ: لِيُتَجَنَّبَ اَلْحَدَثُ وَمَنْ لَا عِلْمَ لَهُ ذِكْرَهُمْ وَمُجَالَسَةَ مَنْ يَسْتَشْهِدُ بِقَوْلِهِمْ وَيُنَاظِرُ بِكُتُبِهِمْ.
وَمِنْ خُبَثَائِهِمْ وَمَنْ يَظْهَرُ فِي كَلَامِهِ اَلذَّبُّ عَنْ اَلسُّنَّةِ وَالنُّصْرَةُ لَهَا وَقَوْلُهُ أَخْبَثُ اَلْقَوْلِ: اِبْنِ كُلَّابٍ وَحُسَيْنٌ اَلنَّجَّارُ وَأَبُو بَكْرٍ اَلْأَصَمُّ)).
قد سُئل الشيخ ربيع حفظه الله السؤال الآتي كما في [فتاوى فضيلة الشيخ ربيع 1/218]: ما هي الطريقة المثلى التي يسلكها الإمام السلفي لتعليم العوام أمور دينهم خاصة المسائل المنهجية، فإذا أراد مثلاً أن يحذَّرهم من شخص أو من جماعة، فما هو السبيل الذي يسلكه معهم لتعليمهم هذه الأمور، خاصة وأنَّ العامة ينفرون من مثل هذه المسائل؟
فكان جوابه وفقه الله تعالى: ((….
ثم من خلال هذا التعليم إذا جاء داع إلى التحذير من البدع يحذر منها على وجه العموم، وإذا كان هناك مَنْ له نشاط في نشر البدع والضلالات فيذكر هذه البدع وينسبها إلى قائلها ويفندها بعلم وحكمة، لا بقصد التشفي ولا بقصد الطعن في الناس والتشويش؛ فإنَّ هذه المقاصد السيئة قد تحول هذا العمل إلى معصية، فالمرء يتقرب إلى الله تبارك وتعالى بهذا النصح وبهذا التحذير، يريد بذلك وجه الله وحماية الناس من الأضرار التي تلحقهم في دينهم وتعرضهم لسخط الله في الدنيا والآخرة، يكون هذا مقصده مقصداً سامياً، يريد بذلك وجه الله ونفع الناس وإبعادهم عن الشر وما يضرهم في دينهم ودنياه.
فالطريقة والأسلوب يختلف من شخص إلى شخص، ولكل حادث حديث كما يقال، ويرى الحاضر ما لا يراه الغائب، والمواقف تُعلِّم الإنسان كيف يتكلم؟ كيف يعالج مثل هذه المشاكل؟ …)).
وقال حفظه الله أيضاً كما في [مجموع كتب ورسائل وفتاوى الشيخ ربيع 14/282-283]: ((الناس كانوا يقرءون كتب الفكر المنحرف كثيراً وكثيراً، والمكتبات متخمة ومليئة بكتب الضلال والبدع….
هذه الردود من العلم، كما يقول حذيفة رضي الله عنه: “كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني”،
وأنا أُمثِّل مَنْ يربي ولا يحصِّن ولا يضع حماية للشباب كمن زرع وتأتي الحيوانات والحشرات والثعالب و… و…الخ فتأكل هذا الزرع،
لهذا نجح السلف إلى حد بعيد حينما استخدموا أسلوب التحذير من أهل البدع، نجحوا في الحفاظ على السنة والجماعة، فلما هدم هذا السور، وخفت العناية بحماية المجتمع السني من غزو أهل البدع، غزاهم أهل البدع فاحتووهم، فانتشرت القبور و الخرافات … الخ.
هنا في هذه البلاد، كانت فيه حماية جيدة ضد أهل البدع، فجاء هؤلاء ولبسوا لباس السنَّة فخدعونا، وما وجدوا حماية، فأخذوا شبابنا).
قال تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)) وغيرها من الآيات.
ما ورد عن أئمة الإسلام:
1- قال الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه [باب الْكَشْفِ عَنْ مَعَايِبِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَنَقَلَةِ الأَخْبَارِ وَقَوْلِ الأَئِمَّةِ فِى ذَلِكَ]: ((وقال محمد سمعتُ عليَّ بن شَقيق يقول: سمعتُ عبدالله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: “دَعُوا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَّلَفَ”)).
2- وقال الإمام ابن بطة رحمه الله في [الإبانة الكبرى 6/137-138]: ((وإنما ذكرتُ هذه الأقوال من مذاهبهم: ليعلم إخواننا ما قد اشتملت عليه مذاهب الجهمية المقبوحة المنبوحة من ألوان الضلال وصنوف الشرك وقبائح الأقوال؛ ليجتنب الحدث ممن لا علم له مجالستهم وصحبتهم وألفتهم، ولا يصغي إلى شيء من أقوالهم وكلامهم)).
وختم رحمه الله كتابه [الإبانة الصغرى ص326] …. سبق النقل
3- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [المجموع 28/ 231]: ((ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإنَّ بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحبُّ إليك أو يتكلم في أهل البدع؟! فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلَّم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين؛ هذا أفضل)).
وقال رحمه الله في [درء التعارض العقل والنقل 1/283]: ((قال الشيخ أبو الحسن: “وكان الشيخ أبو حامد الإسْفَرايني شديد الإنكار على الباقلاني وأصحاب الكلام”، قال: “ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوه إلى الأشعري، ويتبرؤون مما بنى الأشعري مذهبه عليه، وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه؛ على ما سمعتُ عدة من المشايخ والأئمة منهم الحافظ المؤتمن بن أحمد بن علي الساجي يقولون سمعنا جماعة من المشايخ الثقات قالوا:
كان الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الإسْفَرايني إمام الأئمة الذي طبق الأرض علماً وأصحاباً إذا سعى إلى الجمعة من قطعية الكرج إلى جامع المنصور يدخل الرباط المعروف بالزوزي المحاذي للجامع ويُقبل على مَنْ حضر ويقول: “اشهدوا عليَّ بأنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق كما قاله الإمام ابن حنبل لا كما يقوله الباقلاني” وتكرر ذلك منه جمعات!.
فقيل له في ذلك؟
قال: حتى ينتشر في الناس وفي أهل الصلاح ويشيع الخبر في أهل البلاد؛ أني بريء مما هم عليه يعني الأشعرية، وبريء من مذهب أبي بكر بن الباقلاني، فإنَّ جماعة من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية، ويقرؤون عليه، فيفتنون بمذهبه، فإذا رجعوا الى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة، فيظن ظانٌ أنهم مني تعلموه قبله، وأنا ما قلته، وأنا بريء من مذهب الباقلاني وعقيدته”.
قال الشيخ أبو الحسن الكرجي: “وسمعتُ شيخي الإمام أبا منصور الفقيه الأصبهاني يقول سمعتُ شيخنا الإمام أبا بكر الزاذقاني يقول:
كنتُ في درس الشيخ أبي حامد الإسْفَرايني، وكان ينهي أصحابه عن الكلام، وعن الدخول على الباقلاني، فبلغه أنَّ نفراً من أصحابه يدخلون عليه خفية لقراءة الكلام، فظن أني معهم ومنهم، وذكر قصة، قال في آخرها:
إنَّ الشيخ أبا حامد قال: لي يا بني؛ قد بلغني أنك تدخل على هذا الرجل يعني الباقلاني، فإياك وإياه فإنه مبتدع يدعو الناس إلى الضلالة، وإلا فلا تحضر مجلسي. فقلتُ: أنا عائذ بالله مما قيل، وتائب إليه، واشهدوا عليَّ أني لا أدخل إليه”.
قال الشيخ أبو الحسن: “وسمعتُ الفقيه الإمام أبا منصور سعد بن علي العجلي يقول سمعتُ عدة من المشايخ والأئمة ببغداد أظن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أحدهم قالوا: كان أبو بكر الباقلاني يخرج إلى الحمام متبرقعاً خوفاً من الشيخ أبي حامد الإسْفَرايني”، قال أبو الحسن: “ومعروف شدة الشيخ أبي حامد على أهل الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري، وعلَّقه عنه أبو بكر الزاذاقاني، وهو عندي، وبه اقتدى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابيه اللمع والتبصرة، حتى لو وافق قول الأشعري وجهاً لأصحابنا ميزه، وقال: هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية، ولم يعدهم من أصحاب الشافعي، استنكفوا منهم!، ومن مذهبهم في أصول الفقه!، فضلاً عن أصول الدين”.
قلتُ: هذا المنقول عن الشيخ أبي حامد وأمثاله من أئمة أصحاب الشافعي أصحاب الوجوه معروف في كتبهم المصنفة في أصول الفقه وغيرها)) انتهى النقل من كلام شيخ الإسلام رحمه الله.
4- وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في مقدِّمة [الفرق بين النصيحة والتعيير]: ((اعلم أنَّ ذِكرَ الإنسان بما يكره محرم؛ إذا كان المقصود منه مجرد الذمِّ والعيب والنقص، فأما إنْ كان فيه مصلحة لعامة المسلمين خاصة لبعضهم، وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة؛ فليس بمحرم بل مندوب إليه. وقد قرر علماء الحديث هذا في كتبهم في الجرح والتعديل، وذكروا الفرق بين جرح الرواة وبين الغيبة، وردُّوا على من سوَّى بينهما من المتعبدين وغيرهم ممن لا يتسع علمه. ولا فرق بين الطعن في رواة حفَّاظ الحديث ولا التمييز بين مَنْ تقبل روايته منهم ومَنْ لا تقبل، وبين تبيين خطأ مَنْ أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة وتأوَّلَ شيئاً منها على غير تأويله وتمسَّك بما لا يُتمسَّك به ،ليُحذَر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه، وقد أجمع العلماء على جواز ذلك أيضاً)).
5- وسُئلت اللجنة الدائمة [الشيخ ابن باز رحمه الله، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله، الشيخ عبدالله بن غديان رحمه الله، الشيخ صالح الفوزان حفظه الله] كما في [فتاوى اللجنة الدائمة 12/98-99] السؤال رقم (3): ما موقع تتبع عورات العلماء من الشرع بدعوى التحذير من زلاتهم ولفت نظر الناس إليها؟ مع العلم إنَّ هذا العمل يقوم به طلبة العلم، ويحذِّرون العوام من الناس، وممن يحذِّرونهم من علماء أجلاء أحياناً، كالسيوطي بدعوى إنه أشعري، وغيره كثير.
فكان جوابهم: ((العلماء ليسوا معصومين من الخطأ كما في الحديث: “إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد”، ولا ينقص ذلك من قدرهم ما دام قصدهم التوصل إلى الحق، ولا تجوز الوقيعة في أعراضهم من أجل ذلك، وبيان الحق والتنبيه على الخطأ واجب، مع احترام العلماء ومعرفة قدرهم، إلا ما كان مبتدعاً أو مخالفاً في العقيدة فإنه يحذَّر منه إن كان حياً، ومن كتبه التي فيها أخطاء؛ لئلا يتأثر بذلك الجهال، لا سيما إذا كان داعية ضلال؛ لأنَّ هذا من بيان الحق والنصيحة للخلق، وليس الهدف منه النيل من الأشخاص، والعلماء الكبار مثل السيوطي وغيره ينبه على أخطائهم، ويستفاد من علمهم، ولهم فضائل تغطي على ما عندهم من أخطاء، لكن الخطأ لا يقبل منهم ولا من غيرهم)).
6- وقد سُئل العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله [الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة ص131]: هل يجب على العلماء أن يبينوا للشباب وللعامة خطر التحزب والتفرق والجماعات؟
فكان جوابه وفقه الله: ((القاعدة في هذا: التَّنبيه على الخطأ والانحراف وتشخيصُه للناس، وإذا اقتضى الأمر أن يصرح باسم الأشخاص حتى لا يُغتَرَّ بهم، وخصوصًا الأشخاص الذين عندهم انحراف في الفكر أو انحراف في السّير والمنهج وهم مشهورون عند الناس ويُحسِنون بهم الظَّنَّ؛ فلا بأس أن يُذكَروا بأسمائهم، وأن يُحذَّرَ منهم )).
7- وسُئل العلامة الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في شريط [معاملة أهل البدع]: ما قولكم في شخص يزهِّد في سماع الردود، ولما سُئل عن سبب ما ذهب إليه قال: إنَّ الذي سألني عن ذلك عامي؛ لا يحسن قراءة القرآن، فما تعليقكم بارك الله فيكم؟!
فكان جوابه: ((إذا كان عامياً يُعلَّم العقيدة ويُحذَّر من أهل البدع، العوام الآن أكثرهم أصبحوا جنداً لأهل البدع فلابد من تحذيرهم…، قل له: فلان عنده بدع كذا وكذا، واستماعك له يضرك، …)) [وانظر فتاوى ومجموع الشيخ ربيع 14/273]. شبكة إمام دار الهجرة.
8 – وممن قرر الهجر المشروع :
أبوداود في سننه 4916 – ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/289) – القرطبي في تفسيره (9/108) – الطبري في تفسيره ( 9/321) ونقل عنه ابن حجر أن قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي . فتح الباري ( 10/497) – البغوي في شرح السنة ( 1/226) – والبخاري حيث بوب في صحيحه : باب : ما يجوز من الهجران لمن عصى – ابن حجر في الفتح – والخطابي في معالم السنن .
9- بيان جملة من المقاصد الشرعية لإيقاع الهجر الشرعي على المخالف .
– أربعة منها مقاصد ومصالح عامة، وواحدة خاصة بالمهجور – وهي كالآتي :
أ- تحقيق العبودية لله – عزوجل – .
فالهجر الشرعي عبادة تحتاج إلى إخلاص ومتابعة .
ومن أدلة هذا المقصد :
– قوله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا )
قال القرطبي : ( وإذا ثبت تجنب أصحاب المعاصي كما بينا فتجنب أهل البدع والأهواء أولى ) .
– قول النبي صلى الله عليه وسلم (( فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم )) متفق عليه .
قال النووي : ( وفي هذا الحديث التحذير من مخالطة اهل الزيغ واهل البدع ومن يتبع المشكلات للفتنة فأما من سأل عما أشكل عليه منها للاسترشاد وتلطف في ذلك فلا بأس عليه وجوابه واجب وأما الاول فلا يجاب بل يزجر ويعزر كما عزر عمر بن الخطاب رضي الله عنه صبيع بن عسل حين كان يتبع المتشابه ) .
فهذان الدليلان فيهما الأمر بالبعد عن أهل البدع والأهواء، وما أمر به الشارع فإنه يحبه، وما يحبه يكون طاعة، وما كان طاعة فهو عبادة .
ب- تحقيق الولاء والبراء .
ففي الهجر الشرعي تحقيق لهذا المقصد العظيم؛ الذي هو الحب في الله والبغض في الله .
وذكر الشيخ حفظه الله من أدلة هذا المقصد قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) .
ج- القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وذكر أن من أدلة هذا المقصد قوله تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) .
ثم ذكر بعض أقوال أهل العلم، ومن بعض تلك الأقوال
قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( فمن أظهر المنكر وجب عليه الإنكار وأن يهجر ويذم على ذلك . فهذا معنى قولهم : من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له . بخلاف من كان مستترا بذنبه مستخفيا فإن هذا يستر عليه ؛ لكن ينصح سرا ويهجره من عرف حاله حتى يتوب ويذكر أمره على وجه النصيحة ) .
ط- النصح لعامة الأمة .
ودليله حديث (( الدين النصيحة … ولعامة المسلمين وعامتهم )) .
وذكر الشيخ حفظه الله أقوال بعض العلماء في تحقيقهم لهذا المقصد بهجرهم لمن يستحق الهجر؛ منهم :
قتادة حيث قال : ( الرجل إذا ابتدع بدعة يجب أن تُذكر حتى تُحذر ) .
وأيضاً نقل عن سفيان الثوري – ووكيع – وأحمد – وابن عقيل – شيخ الإسلام – ابن القيم – ابن مفلح .
ك- رجوع المهجور عن خطئه .
فيكون الهجر عقوبة وتأديباً وزجراً للمهجور حتى يرجع ويتوب عما هو مقيم عليه .
وذكر فيه الشيخ حفظه الله أقوال جمع من أهل العلم منهم :
الإمام أحمد – البخاري – ابن عبدالبر – النووي .
10 * وعلى ما سبق ذكره لابد للمسلم أن يحرص على إيقاع المصالح العامة والخاصة، فإن لم يمكن ذلك فقواعد الشريعة توضح أنه لابد من تقديم المصلحة العامة على الخاصة .
فإذا كان الهجر لا ينتفع به المهجور ، ولكن بها تتحقق العبودية لله عز وجل ويحقق الولاء والبراء ويقام بجانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والنصح لعامة المسلمين؛ فلا تقدم المصلحة الخاصة على تلك المصالح العامة ، بل يُهجر وإن لم ينتفع بالهجر حتى لا يغتر الناس بمخالطته .
ثم ذلك تقرير هذا بفعل السلف :
مثل : أبي الدرداء – عبادة بن الصامت – وابن مسعود – أحمد بن حنبل .
11 * أما هل يسقط الهجر عند العجز عنه :
فالجواب : أنه تسقط بعض صوره، لكن الأصل وهو ( هجرة القلب ) لا تسقط أبداً .
12 – : هل يشترط في الهاجر أن يكون قوياً ؟
* أولا : لا شك أن قوة الهاجر سواء كان ( عالماً أو ولي أمر ) مما يزيد ردع المخالف وزجره
ولكن هل يرتقي هذا الأمر بأن يكون شرطاً .
13 * ثانياً : لا بد من التفريق بين الدعوة إلى الهجر وبين إيقاع الهجر .
– الدعوة إلى هجر المخالف : لا تصدر إلا من ولي أمر مطاع أو عالم متبع .
– أما إيقاع الهجر على المخالف : فلا يشترط فيه أن يكون قوياً .
وهذا ما عليه الأئمة المحققين أنهم لم يشترطوا القوة حتى يحصل الهجر على المخالف، والأئمة الذين ذكرهم الشيخ :
يحيى بن معين – الصابوني – الآجري – ابن بطة العكبري – ابن عبدالبر – البغوي
14 – بعض أجوبة العلامة ابن باز حول موضوع الهجر :
س: ….. الهجر بالسلام أم بعود الحال إلى ما كان عليه من قبل؟
ج: الهجر يزول بالسلام، وكماله بأن تعود الحالة كما كانت أولًا، لكن ظاهر قول النبي ﷺ: خيرهما الذي يبدأ بالسلام يزول عنه.
س: صاحب المعصية هل يجوز هجره أكثر من ثلاثة أيام؟
ج: المعاصي لها شأن، والبدع؛ أن يُهجر حتى يتوب إذا أظهرها، هذه في حقِّ الإنسان مع أخيه، في حقوق الدنيا، حقوق الأخوة، أما إذا أظهر المعاصي فهذا يُهجر حتى يتوب.
س: هل للرجل أن يهجر زوجته أكثر من ثلاثة، يدعها في غرفةٍ، أو ينام في غرفةٍ؟
ج: له أن يهجرها نعم، ولو أكثر، لكن بالسلام ثلاث.
س: في حاجتها في البيت؟
ج: لا يهجرها أكثر من ثلاثٍ في السلام والكلام، أما في المبيت معها والجماع لها فله أن يهجر زيادة حتى يُؤدّبها.
الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله رحمه الله تعالى. بتصرف يسير]
======
======
(المسألة الخامسة): في فوائده:
١ – (منها): ما قاله النوويّ رحمه الله: قال العلماء: في هذا الحديث تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال، وإباحتها في الثلاث، الأوّلُ بنصّ الحديث، والثاني بمفهومه، قالوا: وإنما عُفي عنها في الثلاث؛ لأن الآدمي مجبول على الغضب، وسوء الخُلُق، ونحو ذلك، فعُفي عن الهجرة في الثلاثة؛ ليذهب ذلك العارض.
وقيل: إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجرة في الثلاث، وهذا على مذهب من يقول: لا يُحتجّ بالمفهوم، ودليلِ الخطاب. انتهى.[«شرح النوويّ» ١٦/ ١١٧].
٢ – (ومنها): ما قاله في «الفتح»: قال أكثر العلماء: تزول الهجرة
بمجرد السلام، وردّه، وقال أحمد: لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أوّلًا
قال العباد : مفتاحها السلام لكن الكمال أن يزول ما في النفوس
٣ – (ومنها): ما قاله في «الفتح» أيضًا: استُدِلّ بقوله: «أخاه» على أن الحكم يختص بالمؤمنين، وقال النوويّ: لا حجة في قوله: «لا يحل لمسلم» لمن يقول: الكفار غير مخاطَبين بفروع الشريعة؛ لأن التقييد بالمسلم لكونه الذي يقبل خطاب الشرع، وينتفع به، وأما التقييد بالأخُوّة فدالّ على أن للمسلم أن يهجر الكافر من غير تقييد.
٤ – (ومنها): أنه استُدِلّ بهذه الأحاديث على أن من أعرض عن أخيه المسلم، وامتنع من مكالمته، والسلام عليه أثم بذلك؛ لأن نفي الحلّ يستلزم التحريم، ومرتكب الحرام آثم، قال ابن عبد البرّ: أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث، إلا لمن خاف من مكالمته ما يُفسد عليه دينه، أو يُدخل منه على نفسه، أو دنياه مضرّةً، فإن كان كذلك جاز، ورُبّ هَجْر جميل خير من مخالطة مؤذية، قاله في «الفتح». [«الفتح» ١٣/ ٦٤٩، كتاب «الأدب» رقم (٦٠٧٧)].
5 – [فائدة]:
استُشكل كون هجران الفاسق، أو المبتدِع مشروعًا ولا يُشرع هجران الكافر، وهو أشدّ جُرْمًا منهما؛ لكونهما من أهل التوحيد في الجملة !
وأجاب ابن بطال بأن لله أحكامًا فيها مصالح للعباد، وهو أعلم بشأنها، وعليهم التسليم لِأمْره فيها، فجنح إلى أنه تعبُّد، لا يُعْقَل معناه.
وأجاب غيره بأن الهجران على مرتبتين: الهجران بالقلب، والهجران باللسان، فهجران الكافر بالقلب، وبترك التودّد، والتعاون، والتناصر، لا سيما إذا كان حربيًّا،
وإنما لم يشرع هجرانه بالكلام؛ لعدم ارتداعه بذلك عن كفره، بخلاف العاصي المسلم، فإنه ينزجر بذلك غالبًا، ويشترك كل من الكافر والعاصي في مشروعية مكالمته بالدعاء إلى الطاعة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإنما المشروع ترك المكالمة بالمودّة، ونحوها.
[«الفتح» ١٣/ ٦٥٢]، والله تعالى أعلم. [انظر: البحر الثجاج].
وقد ذكر الخطابي أن هجر الوالد ولده والزوج زوجته ونحو ذلك لا يتضيق بالثلاث واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهرا
قال الأصبهاني في المفردات : ( الهجر والهجران مفارقة الإنسان غيره إما بالبدن أو باللسان أو بالقلب )
6 * قوله (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) : فيه أنه من أعرض عن أخيه المسلم وامتنع عن مكالمته والسلام عليه أثم بذلك؛ لأن نفي الحل يستلزم التحريم، ومرتكب الحرام آثم ، قرر ذلك ابن حجر في الفتح وابن عبدالبر في التمهيد، والنووي في شرح مسلم .
* والمراد بالهجر ما كان عن معاتبة في أمور دنيوية وغير ذلك كما قال الشيخ عبدالمحسن العباد ( وأما الحديث الذي جاء فيه النهي عن الهجر فوق ثلاث فإنما هو لأمور الدنيا وليس من أجل الدين، وأما إذا كان من أجل الدين فإنه يستمر حتى تحصل المنفعة والفائدة من ورائه ) .
* والحكمة من إباحة الهجر ثلاثة أيام فأقل هي مراعاة طبيعة البشر في الغضب، وأن هذه المدة في الغالب أنه يزول معها الغضب ، كما ذكر ذلك ابن حجر والنووي رحمهما الله، وكذلك رجحا أن الهجر ثلاثة أيام فأقل لا يحرم، إنما المحرم أن يهجر فوق ثلاثة أيام .
7 * ورجح ابن حجر أن المراد بالثلاثة أيام أي بلياليها حيث قال : ( فالمعتمد أن المرخص فيه ثلاثة أيام بلياليها، فحيث أطلقت الليالي أريد بأيامها وحيث أطلقت الأيام أريد بلياليها، ويكون الاعتبار مضي ثلاثة أيام بلياليها ملفقة، إذا ابتدئت مثلا من الظهر يوم السبت كان آخرها الظهر يوم الثلاثاء .. ) .
8 – هجران أهل البدع مما أجمع العلماء عليه، وذكر الشيخ خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله جمعاً من العلماء الذين نقلوا الإجماع على هجران أهل البدع ومباينتهم في كتابه ” إجماع العلماء على الهجر والتحذير من أهل الأهواء “؛ وألخص ذكرهم فيما يأتي :
1- عبدالرحمن الأوزاعي . 2- عبدالرحمن بن أبي الزناد . 3- الفضيل بن عياض .
4- أبو عبيد القاسم بن سلام 5- أحمد بن حنبل . 6- إسماعيل بن يحيى المزني .
7- أبو حاتم الرازي . 8- أبو زرعة الرازي . 9- الآجري . 10- ابن بطة العكبري.
11- ابن أبي زمنين . 12- أبو منصور معمر بن أحمد 13- أبو عثمان الصابوني .
14- القاضي أبو يعلى . 15- ابن عبدالبر 16- أبو المظفر السمعاني .
17- البغوي . 18- موفق الدين ابن قدامة . 19- أبو العباس القرطبي .
20- ابن تيمية . 21- ابن القيم . 22- ابن مفلح . 23- الشاطبي .
9 – ما جاء في الهجر مما نقله الوادعي في الصحيح المسند:
:366 قال الإمام أحمد رحمه الله حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ.
1186- قال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا شعبة عن يزيد الرشك قال شعبة قرأته عليه قال سمعت معاذة العدوية قالت سمعت هشام بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاث ليال فإن كان تصارما فوق ثلاث فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على صرامهما وأولهما فيئا فسبقه بالفيء كفارته فإن سلم عليه فلم يرد عليه ورد عليه سلامه ردت عليه الملائكة ورد على الآخر الشيطان فإن ماتا على صرامهما لم يجتمعا في الجنة أبدا.
قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة عن هشام بن عامر أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاث ليال فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على صرامهما وأولهما فيئا يكون سبقه بالفيء كفارة له وإن سلم فلم يقبل ورد عليه سلامه ردت عليه الملائكة ورد على الآخر الشيطان وإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعا أبدا.
قال الوادعي رحمه الله تعالى: هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
1307- قال أبو داود رحمه الله : حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا سفيان الثوري عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار.قال الوادعي رحمه الله تعالى: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
1610- قال الإمام أبو داود رحمه الله : حدثنا محمد بن المثني حدثنا محمد بن خالد ابن عثمة حدثنا عبد الله بن المنيب يعني المدني قال أخبرني هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يكون لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاثة فإذا لقيه سلم عليه ثلاث مرار كل ذلك لا يرد عليه فقد باء بإثمه.قال الوادعي رحمه الله تعالى: هذا حديث حسن. انتهى المقصود.