2558 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم ونورس
ومجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين، وخميس العميمي.
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم،
(7) بَابُ: النَّهْي عَنِ التَّحَاسُدِ وَالتَّبَاغُضِ وَالتَّدَابُرِ
23 – (2558) حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَاتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ».
23 – حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ح وحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، بِمِثْلِ. حَدِيثِ مَالِكٍ.
23 – حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَزَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ «وَلَا تَقَاطَعُوا»
23 – حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، جَمِيعًا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، أَمَّا رِوَايَةُ يَزِيدَ، عَنْهُ فَكَرِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، يَذْكُرُ الْخِصَالَ الْأَرْبَعَةَ جَمِيعًا، وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: «وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَدَابَرُوا»
24 – (2559) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا»
24 – حَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَزَادَ: كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ.
==========
• حديث أنس أخرجه البخاري أيضا في صحيحه 6065 في باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، وبرقم 6076 في باب الهجرة.
• بوب أبو داود على هذا الحديث في سننه باب فيمن يهجر أخاه المسلم.
• ستأتي رواية في مسلم برقم 2563 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا».
- فيه زيادة في مسند أحمد برقم 9120 ” لَا يَبِيعَنَّ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ بِبَيْعٍ، وَأَيُّمَا امْرِئٍ ابْتَاعَ شَاةً فَوَجَدَهَا مُصَرَّاةً فَلْيَرُدَّهَا، وَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ”
• ” وَلَا يَسُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَتِهِ، وَلَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِي إِنَائِهَا، فَإِنَّ رِزْقَهَا عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ “.
• في رواية عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يسلمه, و من كان فى حاجة أخيه كان الله في حاجته ” أخرجه البخاري (6951).
• بوب ابن حبان في صحيحه (8/ 190) باب ذكر الزجر عن التباغض والتحاسد والتدابر بين المسلمين.
• جاء في حديث أبي هريرة زيادة عند البخاري برقم 5144 «ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك».
بوب البخاري على حديث أبي هريرة 6066 باب {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا}.—–
تمهيد:
من كمال إسلام المسلم سلامة المسلمين من لسانه ويده ومن الدوافع الداخلية المحركة للسان واليد كالحقد والحسد والبغضاء والظن السيئ وتلك ميادين الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم؛ والله تعالى يقول: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} [فاطر 6] وحاربوه كما يحاربكم وقاوموه كما يغرر بكم؛ والله سبحانه وتعالى يقول: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} [المائدة 91].
إنه يدخل الهواجس في النفوس فتظن بالآخرين شرا، فنهى الحديث عن الظن؛ فقال: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث))؛ لأنه مبني على غير الواقع فهو كذب يستهين به صاحبه فيكون أكثر وقوعا وأكثر شرا، ثم إن الشيطان ينتقل بالظن إلى محاولة التأكد من المظنون فيدفع إلى التجسس والتحسس فنهى الحديث عن التجسس والتحسس، أي: من لم يتغلب على الشيطان من أول درجة فليتغلب عليه عند الدرجة الثانية ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ثم ينتقل الشيطان بالمتحسس والمتجسس إلى البغضاء والمقت والكراهية، فنهى الحديث عن البغضاء والحقد والحسد، فمن لم يتغلب على الشيطان في النزعة الثانية فليتغلب عليه عند الدرجة الثالثة لا تباغضوا ولا تحاسدوا فإن انتقل الشيطان بالمتباغضين إلى التقاطع والتدابر والهجر قيل لهم لا تدابروا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام.
هكذا يدخل الشيطان ليفسد دين المسلم، وهكذا يجب محاربته ليبقى المسلم مسلما كاملا ولتبقى الأخوة بينه وبين بني جنسه ليكون الجميع عباد الله إخوانا. [فتح المنعم]
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
((7)) – (بابُ النَّهْيِ عَنِ التَّحاسُدِ، والتَّباغُضِ، والتَّدابُرِ)
[(6505)] ((2559)) – (حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، قالَ: قَرَأتُ عَلى مالِكٍ، عَنِ
ابْنِ شِهابٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ:» لا تَباغَضُوا، ولا
تَحاسَدُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا، ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ
فَوْقَ ثَلاثٍ «).
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد: أنه من رباعيّات المصنّف رحمه الله، وهو ((497)) من رباعيّات الكتاب، وفيه مالك بن أنس أحد الأئمة الأربعة، وفيه أنس -رضي الله عنه- أحد المكثرين السبعة.
فقوله (عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ) -رضي الله عنه- (أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: (لا تَباغَضُوا) بحذف إحدى التاءين في الأفعال الثلاثة، كقول تعالى: {نارًا تَلَظّى} [الليل (14)]، و {تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ} [القدر (4)]، وأصله تتباغضوا، قال في «الخلاصة»: وما بِتاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ … فِيهِ عَلى تا كَـ «تَبَيَّنُ العِبَرْ» والمعنى: لا يُبغض بعضكم بعضًا.
وقال القرطبيّ رحمه الله: «لا تباغضوا»: أي: لا تتعاطوا أسباب البُغض؛ لأنّ الحبّ والبغض مَعانٍ قلبية، لا قدرة للإنسان على اكتسابها، ولايملك التصرّف فيها، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: “اللَّهُمَّ هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تَلُمْني فيما تملك، ولا أملك» [حديث ضعيف، أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائيّ، وابن ماجه]؛ يعني: الحب والبغض. انتهى ((2)).
وقال في «الفتح»: قوله: «ولا تباغضوا»: أي: لا تتعاطوا أسباب البغض؛ لأن البغض لا يُكتسب ابتداءً، وقيل: المراد: النهي عن الأهواء المضِلّة المقتضية للتباغض، قال الحافظ: بل هو لأعمّ من الأهواء؛ لأن تعاطي الأهواء ضَرْب من ذلك، وحقيقة التباغض: أن يقع بين اثنين، وقد يُطلق إذا كان من أحدهما، والمذموم منه ما كان في غير الله تعالى، فإنه واجب فيه، ويثاب فاعله؛ لتعظيم حقّ الله، ولو كانا، أو أحدهما عند الله من أهل السلامة، كمن يؤديه اجتهاده إلى اعتقاد ينافي الآخر، فيبغضه على ذلك، وهو معذور عند الله تعالى. انتهى [«الفتح» (13) / (628)، كتاب «الأدب» رقم ((6065))].
[تنبيه]: قوله: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا» هكذا اقتصر الحفاظ من أصحاب الزهريّ عنه على هذه الثلاثة، وزاد عبد الرحمن بن إسحاق عنه فيه: «ولا تنافسوا» ذَكَر ذلك ابن عبد البرّ في «التمهيد»، والخطيب في «المدرج» قال: وهكذا قال سعيد بن أبي مريم، عن مالك، عن ابن شهاب، وقد قال الخطيب، وابن عبد البر: خالف سعيدٌ جميع الرواة عن مالك في «الموطأ» وغيره، فإنهم لم يذكروا هذه الكلمة في حديث أنس -رضي الله عنه-، وإنما هي عندهم في حديث مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، فأدرجها ابن أبي مريم في إسناد حديث أنس، وكذا قال حمزة الكنانيّ: لا أعلم أحدًا قالها عن مالك في حديث أنس غير سعيد. انتهى [«الفتح» (13) / (628)، كتاب «الأدب» رقم ((6065))].
(ولا تَحاسَدُوا) قال القرطبيّ رحمه الله: الحسد في اللغة: أن تتمنى زوال نعمة المحسود، وعَوْدها إليك، يقال: حَسَده يحسُده حُسُودًا، قال الأخفش: وبعضهم يقول: يَحْسِد- بالكسر، والمصدر حَسَدًا بالتحريك، وحَسادةً، وحسدتك على الشيء، وحسدتك الشيءَ: بمعنى واحد، فأمّا الغِبطة فهي أن تتمنى مثل حال المغبوط، من غير أن تريد زوالها عنه، تقول منه: غَبَطته بما نال غَبْطًا وغِبْطَةً، وقد يوضع الحسد موضع الغبطة؛ لتقاربهما، كما قال -صلى الله عليه وسلم-:» لا حسد إلا في اثنتين … «متّفقٌ عليه: أي: لا غبطة أعظمُ، ولا أحقُّ من الغبطة بهاتين الخصلتين. انتهى. [«المفهم» (6) / (532)].
وقال في» الفتح «: قوله:» ولا تحاسدوا «: الحَسَد: تمنّي الشخص زوال النعمة عن مستحقّ لها، أعمّ من أن يسعى في ذلك، أو لا، فإن سعى كان باغيًا، وإن لم يَسْعَ في ذلك، ولا أظهره، ولا تسبَّب في تأكيد أسباب الكراهة التي نُهِي المسلم عنها في حقّ المسلم نُظِرَ، فإن كان المانع له من ذلك العَجْز، بحيث لو تمكّن لَفَعَل، فهذا مأزور، وإن كان المانع له من ذلك التقوى، فقد يُعْذَر؛ لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية، فيكفيه في مجاهدتها أن لا يعمل بها، ولا يَعْزِم على العمل بها.
وقد أخرج عبد الرزاق، عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، رفعه:» ثلاث لا يَسْلَم منها أحد: الطيرة، والظنّ، والحسد»، قيل: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «إذا تطيّرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تُحَقِّق، وإذا حسدت فلا تَبْغ»، وعن الحسن البصريّ قال: ما من آدميّ إلا وفيه الحسد، فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء. انتهى. [«الفتح» (13) / (628)].
(ولا تَدابَرُوا)؛ أي: لا تفعلوا فعل المتباغضَين
قال الخطابيّ رحمه الله: معناه: لا تتهاجروا، فيهجرَ أحدكم أخاه، مأخوذ
من تولية الرجل الآخر دُبُره، إذا أعرض عنه حين يراه.
وقال ابن عبد البرّ: قيل للإعراض: مدابرةٌ؛ لأن من أبغض أعرض، ومن أعرض ولّى دُبُره، والمحبّ بالعكس، وقيل: معناه: لا يستأثر أحدكم على الآخر، وقيل للمستأثر: مستدبر؛ لأنه يولِّي دُبُره حين يستأثر بشيء دون الآخر.
وقال المازريّ: معنى التدابر: المعاداة، يقال: دابرته: أي: عاديته.
وحَكى عياض: أن معناه: لا تجادلوا، ولكن تعاونوا، والأول أولى.
وقد فسَّره مالك في «الموطأ» بأخصّ منه، فقال – إذ ساق حديث الباب، عن الزهريّ بهذا السند-: ولا أحسب التدابر إلا الإعراض عن السلام، يُدْبر عنه بوجهه، وكأنه أخذه من بقية الحديث: «يلتقيان، فيُعرض هذا، ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، فإنه يُفْهَم أن صدور السلام منهما، أو من أحدهما يرفع ذلك الإعراض، ويؤيّده ما أخرجه الحسين بن الحسن المروزيّ في زيادات «كتاب البرّ والصلة» لابن المبارك بسند صحيح، عن أنس، قال:
التدابر: التصارم. انتهى [«الفتح» (13) / (628)].
(وكُونُوا عِبادَ اللهِ)؛ أي: يا عباد الله، ففيه حَذْف حرف النداء، وهو جائز في سعة الكلام، قال الحريريّ رحمه الله في «ملحته»: وحَذْفُ «يا» يَجُوزُ فِي النِّداءِ … كَقَوْلِهِمْ «رَبِّ اسْتَجِبْ دُعائِي»
وقال في «الخلاصة»:وغَيْرُ مُضْمَرٍ ومَندُوبٍ وما … جا مُسْتَغاثًا قَدْ يُعَرّى فاعْلَما
(إخْوانًا)؛ أي: كونوا كإخوان النسب في الشفقة، والرحمة، والمودّة،
والمواساة، والمعاونة، والنصيحة ((1))، وفيه إشارة إلى أنكم عبيد الله، فحقكم أن تتواخَوْا بذلك.
وقال الطيبيّ رحمه الله: قوله: «إخوانًا» يجوز أن يكون خبرًا بعد خبر، وأن يكون
بدلًا، أو هو الخبرُ، وقوله: «عبادَ الله» منصوب على الاختصاص، أو بالنداء،
وهذا الوجه أوقع؛ يعني: أنكم مستوون في كونكم عباد الله تعالى، وملّتكم واحدةٌ،
فالتحاسد، والتباغض، والتقاطع منافية لحالكم، فالواجب عليكم أن تكونوا إخوانًا
متواصلين متآلفين، كقوله تعالى: {واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا} الآية [آل
عمران: (103)]، ونظيره قوله تعالى: {إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأنا رَبُّكُمْ
فاعْبُدُونِ ((92)) وتَقَطَّعُوا أمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} الآية [الأنبياء (92)، (93)]. انتهى. [«الكاشف عن حقائق السنن» (10) / (3210)].
وقال في «الفتح»: قوله: «وكونوا عباد الله إخوانًا» بلفظ المنادى المضاف، زاد في الرواية الآتية: «كما أمركم الله»، ومثله في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الآتي.
قال الحافظ رحمه الله: وهذه الجملة تشبه التعليل لِما تقدم، كأنه قال: إذا تركتم هذه المنهيّات كنتم إخوانًا، ومفهومه: إذا لم تتركوها تصيروا أعداء؛ ومعنى: «كونوا إخوانًا»: اكتسبوا ما تصيرون به إخوانًا مما سبق ذِكره، وغير ذلك من الأمور المقتضية لذلكْ إثباتًا ونفيًا، ولعل قوله في الرواية الزائدة:
«كما أمركم الله»؛ أي: بهذه الأوامر المقدَّم ذِكرها، فإنها جامعة لمعاني الإخوة، ونسبتُها إلى الله تعالى لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مبلّغ عن الله تعالى.
ويَحْتَمِل أن يكون المراد بقوله: «كما أمركم الله» الإشارة إلى قوله تعالى: {إنَّما المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} [الحجرات (10)] فإنه خبر عن الحالة التي شُرعت للمؤمنين، فهو بمعنى الأمر. انتهى. «الفتح» (13) / (628).
قوله (ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ») الهجرة بكسر الهاء، وسكون
الجيم: ترك الشخصً مكالمة الآخر إذا تلاقيا، وهي في الأصل الترك فعلًا كان، أو قولًا، وليس المراد بها مفارقة الوطن، فإن تلك ذُكرت في غير هذا المحلّ.
قال القرطبيّ رحمه الله: دليل خطابه أن الهجرة دون الثلاث معفوّ عنها،
وسببه أن البشر لا بدّ له غالبًا من سوء خُلُق وغضب، فسامَحَه الشرع في هذه
المدّة؛ لأنّ الغضب فيها لا يكاد الإنسان ينفك عنه، ولأنه لا يمكنه ردّ
الغضب في تلك الحالة غالبًا، وبعد ذلك يضعُف، فيمكن ردّه، بل قد يُمحى
أثره. وظاهر هذا الحديث تحريم الهجرة فوق ثلاث، وقد أكد هذا المعنى.
قوله: «لا هجرة بعد ثلاث»، وكون المتهاجِرَين لا يُغْفَر لهما حتى يصطلحا. انتهى «المفهم» (6) / (532) – (533). وكذا قرر ذلك النووي
وقال أبو العباس القرطبيّ: المعتبَر ثلاث ليال، حتى لو بدأ بالهجرة في
أثناء النهار ألغي البعض، وتُعتبَر ليلة ذلك اليوم، وينقضي العفو بانقضاء الليلة
الثالثة.
وتعقّبه الحافظ، قائلًا: وفي الجزم باعتبار الليالي دون الأيام جمود، فقد
جاء في رواية بلفظ: «ثلاثة أيام»، فالمعتمَد أن المرخَّص فيه ثلاثة أيام
بلياليها، فحيث أُطلقت الليالي أريد بأيامها، وحيث أُطلقت الأيام أريد بلياليها،
ويكون الاعتبار مضيّ ثلاثة أيام بلياليها ملفّقةً، إذا ابتدئت مثلًا من الظهر يوم
السبت، كان آخرها الظهر يوم الثلاثاء، ويَحْتَمِل أن يُلْغى الكسر، ويكون أول
العدد من ابتداء اليوم أو الليلة، والأول أحوط. انتهى [«الفتح» (13) / (143) – (144)، كتاب «الأدب» رقم ((6077)).]، والله تعالى أعلم.
[(6506)] ( … ) – (حَدَّثَنا حاجِبُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا
مُحَمَّدُ بْنُ الوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أخْبَرَنِي أنَسُ بْنُ مالِكٍ، أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-
قالَ (ح) وحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنِي ابْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ
شِهابٍ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِمِثْلِ حَدِيثِ مالِكٍ).
رجال هذا الإسناد: ثمانية: [تنبيه]: رواية محمد بن الوليد عن الزهريّ ساقها الطبرانيّ في «مسند الشاميين»، فقال:
((1694)) – حدّثنا إبراهيم بن دُحيم الدمشقيّ، ثنا أبي، ثنا عُمر بن عبد الواحد، ثنا الأوزاعيّ، عن محمد بن الوليد الزُّبيديّ، عن الزهريّ، عن أنس بن مالك، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لامرئ مسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاثة أيام». انتهى ((2)).
وأما رواية يونس بن يزيد الأيليّ، عن ابن شهاب، فلم أجد من ساقها،
فليُنظر، والله تعالى أعلم.
وقوله: («ولا تقاطعوا»)؛ أي: لا تفعلوا أسباب القطع التي تقطع بعضكم
عن بعض، من الحسد، والغيبة، والسبّ، والشتم، والبغض، وهو مِن ذِكر
العامّ بعد الخاصّ. [«شرح الشيخ الهرري» (24) / (299) – (300)].
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: «لا تقاطعوا»: أي: لا تقاطع أخاك، فلا
تكلّمه، ولا تعامله، وهو معنى: «لا تَهاجروا»، وهي رواية ابن ماهان، وهي:
من الهجران، وعن الجُلوديّ: «ولا تهجروا»، وعن أبي بحر: «تِهِجِروا» بكسر
التاء، والهاء، والجيم، قال القاضي: معنى الكلمة: لا تهتجروا، وتكون:
تفتعلون: يعني: تهاجروا، أو من هُجْر الكلام، وهو الفُحش فيه؛ أي: لا
تتسابُّوا، وتتفاحشوا، قال القرطبيّ: والرواية الأُولى أوضح، وأولى. انتهى. [«المفهم» (6) / (531) – (532)].
[تنبيه]: رواية ابن عيينة عن الزهريّ هذه ساقها أبو يعلى رحمه الله في «مسنده»، فقال:
((3549)) – حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا ابن عيينة، عن الزهريّ، سمعه من أنس، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث». انتهى. [«مسند أبي يعلى» (6) / (251)].
[(6508)] ( … ) – (حَدَّثَنا أبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ- يَعْنِي: ابْنَ زُرَيْعٍ – (ح)
وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، كِلاهُما عَنْ عَبْدِ الرَّزّاقِ، جَمِيعًا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذا الإسْنادِ، أمّا رِوايَةُ يَزِيدَ عَنْهُ فَكَرِوايَةِ سُفْيانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، يَذْكُرُ الخِصالَ الأرْبَعَةَ جَمِيعًا، وأمّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: «ولا تَحاسَدُوا، ولا تَقاطَعُوا، ولا تَدابَرُوا»).
[تنبيه]: رواية عبد الرزّاق عن معمر، ساقها أحمد في «مسنده»، فقال: ((12714)) – حدّثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهريّ، عن أنس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تحاسدوا، ولا تقاطعوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يَهجُر أخاه فوق ثلاث». انتهى. [«مسند الإمام أحمد بن حنبل» (3) / (165)].
وأما رواية يزيد بن زريع، عن معمر، فلم أجد من ساقها، فليُنظر، والله تعالى أعلم.
وقال: [(6509)] ( … ) – (وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنا أبُو داوُدَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ،
عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أنَسٍ، أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: «لا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا
تَقاطَعُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا»).
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى شرحه، وبيان مسائله في شرح حديث
أول الباب، ولله الحمد والمنّة.
قال: [(6510)] ( .. ) – (حَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنا وهْبُ بْنُ جَرِيرٍ،
حَدَّثَنا شُعْبَةُ، بِهَذا الإسْنادِ مِثْلَهُ، وزادَ: «كَما أمَرَكُمُ الله»).
[تنبيه]: وقع اختلاف في اسم شيخ المصنّف في هذا الإسناد، بيّنه الحافظ أبو عليّ الجيّانيّ رحمه الله في [» تقييد المهمل «(3) / (921) – (922)].
وقال النوويّ رحمه الله: هكذا هو في جميع نُسخ بلادنا:» عليّ بن نصر «،
وكذا نقله الجيّاني، والقاضي عياض، وغيرهما عن الحفّاظ، وعن عامة
النسخ، وفي بعضها:» نصر بن عليّ «بالعكس، قالوا: وهو غلطٌ …….
وتعقب النوويّ، ترجيح القاضي أنه نصر بن علي فقال: والذي قاله الحفّاظ هو الصواب، وهم أعرف بما
انتقدوه، ولا يلزم من سماع الابن مِن وهَب سماع الأب منه، ولا يقال: يمكن
الجمع، فكتاب مسلم وقع على وجه واحد، فالذي نقله الأكثرون هو المعتمَد،
لا سيما وقد صوَّبه الحفّاظ. انتهى كلام النوويّ رحمه الله. [» شرح النوويّ” (16) / (116) – (117)].
قال الجامع عفا الله عنه: تعقّب النوويّ رحمه الله وجيهٌ، فالصواب ما قاله
الحفّاظ بأن الصواب في هذا الإسناد أنه عليّ بن نصر، لا أبوه نصر بن عليّ، فتأمّل بالإمعان، والله تعالى أعلم.
[تنبيه آخر]: رواية وهب بن جرير عن شعبة هذه ساقها أبو يعلى رحمه الله في
» مسنده «، فقال:
((3261)) – حدّثنا أحمد، حدّثنا وهب بن جرير، حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقاطعوا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، كما أمركم الله». انتهى [«مسند أبي يعلى» (6) / (24)]، والله تعالى أعلم. [البحر الثجاج]
ثانيًا: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولي): ((حَضَّ الْإِسْلَامُ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَنَبَذَ الْكَرَاهِيَةَ)).
والْأُخُوَّةَ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى نَوْعَيْنِ:
*أُخُوَّةٌ هِيَ أُخوَّةُ النَّسَبِ.
*وَأُخُوَّةٌ هِيَ أُخُوَّةُ الْعَقِيدَةِ.
فَأَمَّا الْأُخُوَّةُ الْأُولَى ((أَخ))، هِيَ أَوَّلُ مَا يَاتِي لِلْإِنْسَانِ عِنْدَمَا يَقَع عَلى الْإِنْسَانِ مَا يَسُوؤُهُ.
*وَأَمَّا أُخُوَّةُ الْعَقِيدَةِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
يَقُولُ نَبِيُّنَا -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أُخُوَّةِ الْعَقِيدَةِ لَا نَسَبَ وَلَا رَحِمَ: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَأُنَاسٍ مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا بِشُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ بِمَقَامِهِمْ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».
قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «هُمْ أَقْوَامٌ تَحَابُّوا عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَعَلَى غَيْرِ أَمْوَالٍ يَتَعَاطُونَهَا».
*نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ التَّبَاغُضِ وَالتَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: كما سبق بيانه
*حَثَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى إِزَالَةِ الْهِجْرَانِ، وَالتَّسَابُقِ إِلَى نَبْذِ الْخِلَافِ:
فَهَذَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ؛ أَنْ يَهْجُرَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لِيَالٍ، إِلَّا لِمَنْ خَافَ مِنْ مُكَالَمَتِهِ مَضَرَّةَ دِينٍ أَوْ دُنْيَا.
قَوْلُهُ: «فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا»: يُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا؛ أَيْ: يُوَلِّيهِ عُرْضَهُ -وَهُوَ جَانِبُهُ-.
قَوْلُهُ: «وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ»؛ أَيْ: هُوَ أفْضَلُهُمَا.
فِي هَذَا الْحَدِيثِ: الْحَثُّ عَلَى إِزَالَةِ الْهِجْرَانِ، وَأَنَّ السَّلَامَ يَكْفِي فِي ذَلِكَ، فَإِذَا سَلَّمَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْهِجْرَةِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ».
وَفِيهِ: فَضْلُ الَّذِي يَتَسَابَقُ إِلَى نَبْذِ الْخِلَافِ، وَإِنْشَاءِ التَّآخِي فِي الدِّينِ وَإِيجَادِ التَّآلُفِ وَالتَّوَادِّ وَالْمَحَبَّةِ بِتَقْديمِ السَّلَامِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْإِزْرَاءِ بِالنَّفْسِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْحَطِّ عَلَيْهَا بِحَالٍ، وَلَيْسَ مِنَ الْمَذَلَّةِ، بَلْ إِنَّ الْعِزَّ الْحَقِيقِيَّ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَذَلَّةِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي امْتِثَالِ أَوَامِرِ الشَّرْعِ الْكَرِيمِ.
فَإِذَا خَضَعَ الْإِنْسَانُ لِدِينِ اللهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ عَزِيزًا، وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ فَإِنَّها تُورِثُ الْمَذَلَّةَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي».
ويَقُولُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا».
إِذَنْ، لَنْ تُحَصِّلُوا الْإِيمَانَ حَتَّى تَحَابُّوا، وَلَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، فَعَلَّقَ الْأَمْرَ عَلَى شَرْطِهِ -شَرْطُهُ الثَّانِي-، فَلَا إِيمَانَ بِغَيْرِ مَحَبَّةٍ، وَلَا دُخُولَ لِجَنَّةٍ بِغَيْرِ إِيمَانٍ، وَإِذنْ، فَمِنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ: لَا دُخُولَ لِلْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ حُبٍّ.
«أَفَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».
ِجَنَّةٍ فِي الدُّنْيَا لَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ الَآخِرَةَ إِلَّا إِذَا دَخَلْتُمُوهَا. [نَبْذُ الْإِسْلَامِ لِلْعُنْفِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ وَالْكَرَاهِيَةِ، للشيخ محمد سعيد رسلان].
(المسألة الثانية): قال النووي في رياض الصالحين: “باب النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر
قَالَ الله تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، وقال تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِين َأَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، وقال تَعَالَى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29].
1/ 1567 – وعنْ أنسٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لاَ تَباغَضُوا … ٍ متفقٌ عليه.
2/ 1568 – وعنْ أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: تُفْتَحُ أبْوابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الإثنين ويَوْمَ الخَمِيس، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيئًا، إلاَّ رجُلًا كانَت بيْنهُ وبَيْنَ أخيهِ شَحْناءُ فيقالُ: أنْظِرُوا هذيْنِ حتَّى يصطَلِحا، أنْظِرُوا هذَيْنِ حتَّى يَصطَلِحا رواه مسلم.
وفي روايةٍ لَهُ: تُعْرَضُ الأعْمالُ في كُلِّ يومِ خَميسٍ وَإثنين وذَكَر نحْوَهُ”. انتهى.
وقد جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري (6064) مختصراً، ومسلم (2564) واللفظ له: ((لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هاهُنا ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ)). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
منزلة الحديث:
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: هو حديث كثير الفوائد، مشير إلى جل المبادئ والمقاصد، بل هو عند تأمل معناه وفهم مغزاه حاوٍ لجميع أحكام الإسلام منطوقًا ومفهومًا، ومشتمل على جميع الآداب أيضًا إيماءً وتحقيقًا [فتح المبين (227)].
قال الجرداني رحمه الله: هذا حديث عظيم الفوائد، ومن جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.
قال الفشني رحمه الله: إن هذا الحديث عظيم الفوائد، كثير العوائد.
قال الإمام النووي رحمه الله: ما أعظمَ نفعَ هذا الحديث، وأكثرَ فوائدَه! [الأذكار للنووي (426)].
سبب ورود الحديث: عن سويد بن حنظلة قال: خرجنا نريد رسول الله ومعنا وائل بن حُجر، فأخذه عدو له، فتحرج القوم أن يحلفوا، وحلفت أنه أخي فخُلِّي سبيله، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن القوم تحرجوا أن يحلفوا، وحلفت إنه أخي، قال: ((صدقتَ، المسلم أخو المسلم))، وأخرج أحمد عن سويد بنحوه، ولفظه: ((كنتَ أبَرَّهم وأصدقهم، صدقتَ، المسلمُ أخو المسلم)) [أخرجه أبو داود (3/ 224 ح 3256) البيان والتعريف (3/ 251 ح 1609) أسباب ورود الحديث للسيوطي (269 ح 70).].
قال العلماء: الحسد لا يباح بوجه من الوجوه، وأما قوله: ((لا حسد إلا في اثنتين))، فالمراد به الغِبطة؛ أي: ليس شيء في الدنيا حقيقًا بالغبطة عليه إلا هاتان الخَصلتان: إنفاق المال والعلم في سبيل الله عز وجل.
والفرق بين الحسد والغبطة: أن الحسد تمني زوال النعمة عن الغير، والغبطة تمني الإنسان مثل ما لغيره، من غير أن يزول عن الغير ما له.
والحاسد في غم لا ينقطع، ومصيبة لا يؤجر عليها، ومذمة لا يحمد بها، ويسخط عليه الرب، ويغلق عنه أبواب التوفيق.
((ولا تباغضوا))؛ أي: لا تتعاطوا أسباب البغضاء؛ فالبغض حرام إلا في الله تعالى؛ فإنه واجب، ومن كمال الإيمان؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: ((من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله – فقد استكمل الإيمان)) [أخرجه أبو داود (4/ 220 ح 4681) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه].
(المسألة الثالثة): في فوائده:
– (ومنها): وجوب التآخي، والتعاون بين المسلمين، فيعامل الأخ أخاه
المسلم في الدين معاملة الأخ النسيب، وأن لا يَنقُب عن معايبه، ولا فرق في
ذلك بين الحاضر والغائب، وقد يشترك الميت مع الحيّ في كثير مما ذُكر.
– (ومنها): تحريم هجر المسلم أخاه المسلم فوق ثلاثة أيام، وهذا إذا
كان للحظوظ النفسيّة، وأما إذا كان لأمر دينيّ، فيهجره حتى يتوب منه، كما
نهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن كلام كعب بن مالك، وصاحبيه -رضي الله عنهم- حتى تِيبَ عليه بمضيّ
خمسين ليلة، قال البغويّ رحمه الله: فأما النهي عن الهجران أكثر من ثلاث، إنما
كان في هجران الرجل أخاه لعَتْب ومَوْجِدة، أو لِنَبْوَة تكون منه، فرُخّص له في
مدّة الثلاث؛ لقلّتها، وحُرّم ما وراءها، فأما هجران الوالد الولد، والزوج
الزوجة، ومن كان في معناهما، فلا يُضيّق أكثر من ثلاث، وقد هَجَر
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نساءه شهرًا، هذا قول الخطّابيّ، قال البغويّ: فأما هجران أهل
العصيان، وأهل الرِّيَب في الدِّين، فشُرع إلى أن تزول الريبة عن حالهم، وتظهر
توبتهم، قال كعب بن مالك -رضي الله عنه- حين تخلّف عن غزوة تبوك: ونَهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-
عن كلامنا، وذكر خمسين ليلة. انتهى [» شرح السُّنَّة” (10) / (358).]، والله تعالى أعلم.
قال الجامع الأثيوبي: ثم بعد كتابتي هذه الفوائد رأيت كلامًا للإمام الحافظ أبي عمر بن عبد البرّ رحمه الله شمل ما تقدّم ولخّصه في سياق واحد، فقال رحمه الله:
وفي هذا الحديث من الفقه أنه لا يَحِلّ التباغض؛ لأن التباغض مَفسدة
للدِّين، حالقة له، ولهذا أمَر -صلى الله عليه وسلم- بالتوادّ، والتحابّ، حتى قال:» تهادَوا تحابوا «، ورَوى مالك عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت سعيد بن المسيِّب
يقول:» ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة، والصدقة؟ «، قالوا: بلى، قال:
» إصلاح ذات البين، وإياكم والبغضة، فإنها هي الحالقة «، وكذلك لا يحل
التدابر، والتدابر: الإعراض، وتَرْك الكلام، والسلام، ونحو هذا، وإنما قيل
للإعراض تدابُر؛ لأن مَن أبغضتَه أعرضتَ عنه، ومن أعرضت عنه ولَّيته دُبُرك،
وكذلك يصنع هو بك، ومن أحببته أقبلت عليه، وواجهته؛ لتسرّه ويسرّك،
فمعنى تدابروا، وتقاطعوا، وتباغضوا، معنى متداخل متقارب، كالمعنى الواحد
في الندب إلى التواخي، والتحابّ، فبذلك أمَر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في معنى هذا
الحديث وغيره، وأمرُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الوجوب، حتى يأتي دليل يُخرجه إلى معنى الندب، وهذا الحديث، وإن كان ظاهره العمومَ، فهو عندي مخصوص
بحديث كعب بن مالك -رضي الله عنه- حيث أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن يهجروه، ولا
يكلِّموه هو وهلال بن أمية، ومُرارة بن الربيع؛ لتخلّفهم عن غزوة تبوك، حتى
أنزل الله عز وجل توبتهم، وعُذْرهم، فأمَر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن يراجعوهم
الكلام.
وفي حديث كعب هذا دليل على أنه جائز أن يَهجُر المرء أخاه إذا بَدَتْ
له منه بدعة، أو فاحشة، يرجو أن يكون هجرانه تأديبًا له، وزجرًا عنها، والله
أعلم.
وكذلك قوله أيضًا في هذا الحديث: «لا تحاسدوا» يقتضي النهي عن
التحاسد، وعن الحسد في كل شيء على ظاهره، وعمومه، إلا أنه أيضًا عندي
مخصوص بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم
به آناء الليل، وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا، فهو ينفقه آناء الليل، وآناء
النهار»، هكذا رواه عبد الله بن عمر، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.
وروى ابن مسعود عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل
آتاه الله القرآن، فهو يقوم به ليله، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها،
ويعلّمها»، فكأنه -صلى الله عليه وسلم-على ترتيب الأحاديث، وتهذيبها قال: لا حسد، ولكن
الحسد ينبغي أن يكون في قيام الليل والنهار بالقرآن، وفي نفقة المال في حقّه،
وتعليم العلم أهله. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه الله، وهو بحثٌ مفيدٌ جدًّا، والله
تعالى أعلم.
[تنبيه]: قد ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله تحقيقات نفيسات في شرحه لهذا
الحديث، أحببت إيرادها هنا لكثرة فوائدها، وغزارة عوائدها، وإن كان بعضها
مضى، إلا أن له اليد الطولى في تحقيق المسائل، لا يوجد عند غيره من
المحقّقين، فذكرتها بمسائل مكمِّلة لِما سبق، فقلت [وأنقل التخريجات التي في الهامش للشيخ شعيب الأرناؤوط وصاحبه باختصار، وبعض زيادات، فليُتنبّه]:
(المسألة الرابعة): قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ولا تباغضوا» نَهْيٌ للمسلمين عن التباغض بينهم في غير الله تعالى، بل على أهواء النفوس، فإن المسلمين جعلهم الله
تعالى إخوة، والإخوة يتحابّون بينهم، ولا يتباغضون، وقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «والذي
نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة، حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، ألا أدلكم
على شيء إذا فعلمتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»، خرّجه مسلم، وقد
حرّم الله على المؤمنين ما يوقع بينهم العداوة والبغضاء، كما قال تعالى: {إنَّما
يُرِيدُ الشَّيْطانُ أنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَداوَةَ والبَغْضاءَ فِي الخَمْرِ والمَيْسِرِ ويَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ ((91))} [المائدة (91)]، وامتنّ على عباده بالتأليف بين
قلوبهم، كما قال تعالى: {واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أعْداءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوانًا} [آل عمران (103)]، وقال: {هُوَ الَّذِي أيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبِالمُؤْمِنِينَ ((62)) وألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعًا ما ألَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
ولَكِنَّ اللَّهَ ألَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال (62)، (63)].
ولهذا المعنى حُرِّم المشي بالنميمة؛ لِما فيها من إيقاع العداوة
والبغضاء، ورُخِّص في الكذب في الإصلاح بين الناس، ورَغَّب الله في
الإصلاح بينهم، كما قال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجْواهُمْ إلّا مَن أمَرَ
بِصَدَقَةٍ أوْ مَعْرُوفٍ أوْ إصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ
فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا ((114))} [النساء (114)]، وقال: {وإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا فَأصْلِحُوا بَيْنَهُما} [الحجرات (9)]، وقال: {فاتَّقُوا اللَّهَ وأصْلِحُوا ذاتَ
بَيْنِكُمْ} [الأنفال (1)].
وخرّج الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذيّ، من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه-،
عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة، والصيام،
والصدقة؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات
البين هي الحالقة» [حديث صحيح، أخرجه أحمد (6) / (444) – (445)، وأبو داود ((4919))، والترمذيّ ((2509))، وصححه ابن حبّان في «صحيحه» ((5092))]
وخرّج الإمام أحمد وغيره، من حديث أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها-، عن
النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا أنبئكم بشراركم؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت» [الأثيوبي: حديث حسنٌ، وضعّفه بعضهم بشهر بن حوشب، وقد قدّمنا غير مرّة أن الصحيح أنه ثقة، غاية ما فيه أنه لا ينقص عن درجة الحسن، كما قال الذهبيّ، فتنبّه، والله وليّ التوفيق].
وأما البغض في الله فهو من أوثق الإيمان عُرًى، وليس داخلًا في النهي،
ولو ظهر لرجل من أخيه شرّ فأبغضه عليه، وكان الرجل معذورًا فيه في نَفْس
الأمر، أُثيبَ المُبْغِض له، وإن عُذر أخوه، كما قال عمر -رضي الله عنه-: إنا كنا نعرفكم
إذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا، وإذ ينزل الوحي، وإذ ينبئنا الله من أخباركم، ألا
وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد انطُلِق به، وانقَطَع الوحي، وإنما نَعْرِفكم بما نَخْبُركم،
ألا من أظهر منكم لنا خيرًا ظننا به خيرًا، وأحببناه عليه، ومن أظهر منكم
شرًّا، ظننا به شرًّا، وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربكم عز وجل. [رواه أحمد (1) / (46)، وأبو يعلى ((196)) ورجاله ثقات رجال الصحيح، غير أبي فراس النهديّ راويه عن عمر، فقد ذكره ابن حبّان في «الثقات» (5) / (585)، وقال ابن سعد في «الطبقات»: كان شيخًا قليل الحديث، وقال أبو زرعة: لا أعرفه]
وقال الربيع بن خُثيم: لو رأيت رجلًا يُظهر خيرًا، ويُسِرّ شرًّا أحببته
عليه، آجرك الله على حبك الخير، ولو رأيت رجلًا يُظهر شرًّا، ويُسرّ خيرًا
أبغضته عليه، آجرك الله على بغضك الشرّ.
ولَمّا كَثُر اختلاف الناس في مسائل الدِّين، وكَثُر تفرُّقهم كَثُر بسبب ذلك
تباغُضهم، وتلاعُنهم، وكلٌّ منهم يُظهر أنه يبغض لله، وقد يكون في نفس الأمر
معذورًا، وقد لا يكون معذورًا، بل يكون مُتّبِعًا لهواه، مُقَصِّرًا في البحث عن
معرفة ما يُبغض عليه، فإن كثيرًا من البغض كذلك إنما يقع لمخالفة متبوع يظن
أنه لا يقول إلا الحقّ، وهذا الظنّ خطأ قطعًا، وإن أريدَ أنه لا يقول إلا الحقّ
فيما خولف فيه، فهذا الظنّ قد يخطئ، ويصيب، وقد يكون الحامل على الميل
مجرد الهوى، والألفة، أو العادة، وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله، فالواجب على المؤمن أن يَنصح لنفسه، ويتحرز في هذا غاية التحرز، وما أشكل منه فلا يُدخل نفسه فيه؛ خشيةَ أن يقع فيما نُهِي عنه من البغض المحرّم. وها هنا أمر خفيّ ينبغي التفطن له، وهو أن كثيرًا من أئمة الدين، قد
يقول قولًا مرجوحًا، ويكون مجتهدًا فيه، مأجورًا على اجتهاده فيه، موضوعًا
عنه خطؤه فيه، ولا يكون المنتصر لمقالته تلك بمنزلته في هذه الدرجة؛ لأنه قد
لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله، بحيث لو أنه قد قاله غيره من
أئمة الدين لَما قَبِله، ولا انتصر له، ولا والى من وافقه، ولا عادى من خالفه،
ولا هو مع هذا يظنّ أنه إنما انتصر للحق بمنزلة متبوعه، وليس كذلك، فإن
متبوعه إنما كان قَصْده الانتصار للحقّ، وإن أخطأ في اجتهاده، وأما هذا التابع
فقد شابه انتصاره لِما يظنه الحقّ إرادة علوّ متبوعه، وظهور كلمته، وأنه لا
يُنسَب إلى الخطأ، وهذه دسيسة تقدح في قصد الانتصار للحقّ، فافهم هذا،
فإنه مهمّ عظيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. انتهى كلام ابن
رجب رحمه الله [«جامع العلوم والحكم» (2) / (265) – (268)]، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، ينبغي العناية بفهمه، وتطبيقه عمليًّا،
والله تعالى وليّ التوفيق.
(المسألة الخامسة): قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تحاسدوا»؛ يعني: لا يَحْسُدْ بعضكم
بعضًا، والحسد مركوز في طباع البشر، وهو أن الإنسان يَكره أن يفوقه أحدٌ من
جنسه في شيء من الفضائل، ثم ينقسم الناس بعد هذا إلى أقسام:
فمنهم: من يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه بالقول والفعل،
ثم منهم من يسعى في نقل ذلك إلى نفسه، ومنهم من يسعى في إزالته عن
المحسود فقط، من غير نَقْل إلى نفسه، وهو شرّهما، وأخبثهما، وهذا هو
الحسد المذموم المنهيّ عنه، وهو كان ذنبَ إبليس، حيث كان حسد آدم عليه السلام
لمّا رآه قد فاق على الملائكة بأن الله خلقه بيده، وأسجد له ملائكته، وعلَّمه
أسماء كل شيء، وأسكنه في جواره، فما زال يسعى في إخراجه من الجنة،
حتى أخرجه منها.
وقد وصف الله عز وجل اليهود بالحسد في مواضع من كتابه القرآن، كقوله تعالى: {ودَّ كَثِيرٌ مِن أهْلِ الكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِن بَعْدِ إيمانِكُمْ
كُفّارًا حَسَدًا مِن عِنْدِ أنْفُسِهِمْ مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ} [البقرة (109)]،
وقوله -رضي الله عنه-: {أمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النساء (54)].
وخرّج الإمام أحمد، والترمذيّ، من حديث الزبير بن العوّام -رضي الله عنه-، عن
النبيّ -صلى الله عليه وسلم-:» دَبّ إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد، والبغضاء، والبغضاء هي
الحالقة، حالقةُ الدين، لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده، لا تؤمنوا
حتى تحابّوا، أوَ لا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم «[الأثيوبي: رواه أحمد، والترمذيّ، وغيرهما وفي سنده مولى الزبير راويه عنه لا يُعرف، وقد
جوّد إسناده المنذريّ في» الترغيب والترهيب «(3) / (548)، والهيثميّ في» مجمع
الزوائد «(8) / (30)، وحسّنه الشيخ الألبانيّ لغيره، والله تعالى أعلم]
وخرّج الحاكم، وغيره، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:
» سيصيب أمتي داء الأمم «، قالوا: يا نبي الله، وما داء الأمم؟ قال:» الأشَرُ،
والبطرُ، والتكاثرُ، والتنافس في الدنيا، والتباغض، والتحاسد، حتى يكون
البغي، ثم الهَرْج «[صححه الحاكم، ووافقه الذهبيّ، وجوّد إسناده الحافظ العراقيّ في» تخريج
الإحياء «(3) / (187)، وصححه الألبانيّ في» الصحيحة” (2) / (290)].
وقِسْم آخر من الناس إذا حَسَد غيره لم يعمل بمقتضى حسده، ولم يبغ
على المحسود بقول، ولا بفعل، وقد رُوي عن الحسن أنه لا يأثم بذلك،
ورُوي مرفوعًا من وجوه ضعيفة، وهذا على نوعين:
أحدهما: أن لا يمكنه إزالة ذلك الحسد عن نفسه، ويكون مغلوبًا على ذلك، فلا يأثم به.
والثاني: من يحدّث نفسه بذلك اختيارًا، ويعيده، ويبدئه في نفسه،
مستروحًا إلى تمنّي زوال نعمة أخيه، فهذا شبيه بالعزم المصمّم على المعصية،
وفي العقاب على ذلك اختلاف بين العلماء، لكن هذا يبعد أن يَسْلَم من البغي
على المحسود بالقول، فيأثم، بل يسعى في اكتساب مثل فضائله، ويتمنى أن
يكون مثله، فإن كانت الفضائل دنيوية فلا خير في ذلك، كما قال الله تعالى:
{قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَياةَ الدُّنْيا يالَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ} الآية [القصص:
(79)]، وإن كانت فضائل دينية، فهو حسن، وقد تمنى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الشهادة في
سبيل الله عز وجل.
وفي «الصحيحين» عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجلٍ آتاه الله
مالًا، فهو ينفقه آناء الليل، وآناء النهار، ورجلٍ آتاه الله القرآن، فهو يقوم به
آناء الليل، وآناء النهار»، وهذا هو الغِبْطة، وسمّاه حسدًا من باب الاستعارة.
وقِسْم آخر إذا وجَد في نفسه الحسد سعى في إزالته، وفي الإحسان إلى
المحسود بإبداء الإحسان إليه، والدعاء له، ونشر فضائله، وفي إزالة ما وجَد له
في نفسه من الحسد، حتى يبدله بمحبته أن يكون المسلم خيرًا منه، وأفضل،
وهذا من أعلى درجات الإيمان، وصاحبه هو المؤمن الكامل الذي يُحبّ لأخيه
ما يحب لنفسه. انتهى كلام ابن رجب رحمه الله [«جامع العلوم والحكم» (2) / (260) – (263)]، وهو بحث مفيدٌ جدًّا، والله
تعالى أعلم.
وذكر غير واحد أن الحسد غالب على الناس:
قال ابن القيم رحمه الله
قيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن؟ قال: ما أنساك لإخوة يوسف.
” التفسير القيم” ((645)).
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
إذا رأيت الله أنعم على غيرك بمال، أو علم، أو صحة، أو جاه، أو أولاد، أو غير ذلك، فقل: اللهم إني أسألك من فضلك، كما قال عز وجل: {واسألوا الله من فضله}
*أما أن تبقى مغموما محزونا كلما رأيت نعمة من الله على أحد، اغتممت، فسوف تحرق نفسك*.
وكلما أحسست بشيء من الحسد، فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اللهم إني أسألك من فضلك كما أعطيت هؤلاء ألا تحرمني.
اللقاءات الشهرية: (39).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
“الحسد مرض من أمراض النفس وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا قليل من الناس ولهذا يقال ما خلا جسد من حسد لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه”
مجموع الفتاوى | (125) / (10)
كيف تحصن نفسك من الحسد*؟
قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
فإن لم يستعذ بالله ويتحصن به، ويكون له أوراد من الأذكار والدعوات والتوجه إلى الله والإقبال عليه، بحيث يدفع عنه من شره بمقدار توجهه وإقباله على الله، وإلا ناله شر الحاسد ولا بد.
” التفسير القيم” ((636)).
فهذه السورة [أي سورة الفلق] من أكبر أدوية الحسد.
” التفسير القيم” ((646)).
(المسألة السادسة): قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ولا تدابروا»: قال أبو عبيد: التدابر:
المصارمة، والهجران، مأخوذ من أن يولّي الرجل صاحبه دُبُره، ويُعرض عنه
بوجهه، وهو التقاطع، وفي «الصحيحين» عن أبي أيوب -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-
قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان، فيصدّ هذا، ويصدّ
هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام».
وخرّج أبو داود من حديث أبي خِراش السلميّ، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «من
هجر أخاه سنةً، فهو كسفك دمه» [صحيح، رواه أبو داود، وأحمد، والبخاريّ في «الأدب المفرد»، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبيّ]
وكلّ هذا في التقاطع للأمور الدنيوية، فأما لأجل الدِّين فتجوز الزيادة
على الثلاثة، نصّ عليه الإمام أحمد، واستَدَلّ بقصة الثلاثة الذين خُلّفوا، وأمَر
النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بهجرانهم لمّا خاف منهم النفاق، وأباح هجران أهل البدع المغلظة،
والدعاة إلى الأهواء، وذَكَر الخطابيّ أن هجران الوالد لولده، والزوج لزوجته،
وما كان في معنى ذلك تأديبًا تجوز الزيادة فيه على الثلاث؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-
هجر نساءه شهرًا.
واختلفوا هل ينقطع الهجران بالسلام؟ فقالت طائفة: ينقطع بذلك، ورُوي
عن الحسن، ومالك، في رواية وهب، وقاله طائفة من أصحابنا – يعني: الحنبليّة-.
وخرّج أبو داود، من حديث أبي هريرة، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل لمؤمن
أن يهجر مؤمنًا فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث، فلْيَلْقَه، فليسلِّم عليه، فإن ردّ
عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يردّ عليه، فقد باء بالإثم، وخرج
المسلِّم من الهجر» [رواه أبو داود، والبيهقيّ، ورجاله ثقات، غير هلال بن أبي هلال المدنيّ راويه عن أبي هريرة، روى عنه اثنان، ووثّقه ابن حبّان، وصححه الحافظ في «الفتح» (10) / (495)]
ولكن هذا فيما إذا امتنع الآخر من الردّ عليه، فأما مع الردّ إذا كان بينهما قبل الهجر مودّة، ولم يعودوا إليها، ففيها نظر.
وقد قال أحمد في رواية الأثرم: وسئل عن السلام يقطع الهجران؟،
فقال: قد يسلّم عليه، وقد صدّ عنه، ثم قال: قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «يلتقيان، فيصدّ
هذا»، فإذا كان قد عوّده [الأثيوبي: هكذا العبارة، وفيها ركاكة، والظاهر أنها: «فإذا كان كذلك فعَوْده أن يكلمه،
ويصافحه»، والله تعالى أعلم] أن يكلمه، أو يصافحه، وكذلك رُوي عن مالك أنه
قال: لا يقطع الهجران بدون العودة إلى المودّة.
وفرَّق بعضهم بين الأقارب والأجانب، فقال في الأجانب: يزول الهجر
بينهم بمجرد السلام، بخلاف الأقارب، وإنما قال هذا؛ لوجوب صلة الرحم.
انتهى كلام ابن رجب رحمه الله [«جامع العلوم والحكم» (2) / (268) – (270)]، وهو بحث مفيدٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
(المسألة السابعة): قوله -صلى الله عليه وسلم-: «وكونوا عباد الله إخوانًا» هكذا ذَكَره
النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كالتعليل لِما تقدّم، وفيه إشارة إلى أنهم إذا تركوا التباغض، وما ذُكر
كانوا إخوانًا، وفيه أمْرٌ باكتساب ما يصير المسلمون به إخوانًا على الإطلاق،
وذلك يدخل فيه أداء حقوق المسلم على المسلم، من ردّ السلام، وتشميت
العاطس، وعيادة المريض، وتشييع الجنازة، وإجابة الدعوة، والابتداء بالسلام
عند اللقاء، والنصح بالغيب.
وفي الترمذيّ عن أبي هريرة، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «تهادَوْا، فإن الهدية
تُذهب وحَر الصدر»، وخرّجه غيره، ولفظه: «تهادوا تحابّوا»، وفي «مسند
البزار» عن أنس، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «تهادَوا، فإن الهدية تَسُلّ السَّخِيمة».
ويُروى عن عمر بن عبد العزيز يرفع الحديث، قال: «تصافحوا، فإنه
يُذهب الشحناء، وتهادَوا».
وقال الحسن: المصافحة تزيد في المودّة، وقال مجاهد: بلغني أنه إذا
تراءى المتحابّان، فضحك أحدهما إلى الآخر، وتصافحا، تحاتّت خطاياهما
كما يتحاتّ الوَرَق من الشجر، فقيل له: إن هذا ليسير من العمل، قال: يقولون:
يسير، والله يقول: {لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعًا ما ألَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولَكِنَّ
اللَّهَ ألَّفَ بَيْنَهُمْ إنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال (63)]. انتهى، والله تعالى أعلم. [البحر الثجاج]
تنبيه:
سبق الكلام على بعض أحكام الباب في التعليق على الصحيح المسند (1116):
اخرج أبوداود 13/ 232 عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك إن أتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم.
فقال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله بها.
و تم الكلام بتوسع عن الغيبة في الصحيح المسند 1594 في التعليق على
حديث عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية: تعني قصيدة. فقال: لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمجال. قالت: وحكيت له إنسانا. فقال: ما أحب أني حكيت إنسانا وان لي كذا وكذا.
والكلام عن حرمات المسلم ومنها حرمة عرضه في التعليق على الصحيح المسند 1065 على حديث فضالة بن عبيد الأنصاري، حدثه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال في حجة الوداع: هذا يوم حرام، وبلد حرام، فدماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، مثل هذا اليوم وهذه البلدة إلى يوم تلقونه، وحتى دفعة دفعها مسلم مسلما يريد بها سوءا حراما، وسأخبركم من المسلم، من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله.
قال الوادعي رحمه الله تعالى: هذا حديث حسن.
وتوسعنا في مسألة الهجر في شرحنا لحديث رقم 1307 – من الصحيح المسند. روى أبو داود رحمه الله: عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار.
ولخصنا رسالة تأملات في مسألة الهجر.
وسيأتي إن شاء الله نقلها في الباب التالي من صحيح مسلم
وراجع كذلك حديث تعليقنا على الصحيح المسند في شرح حديث عائشة رضي الله عنها وفيه زيادة ((فإذا لقيه سلم عليه ثلاث مرار كل ذلك لا يرد عليه فقد باء بإثمه)) أخرجه أبوداود برقم 4913 وحسنه الألباني في الإرواء 2029 وحسنه الوادعي رحمهما الله تعالى في الصحيح المسند برقم 1610.
و جاء عن سعد بن أبي وقاص في الصحيح المسند 366 نحوه.
وورد عن هشام بن عامر رضي الله عنه نحوه وفيه زيادة (( … فإن كان تصارما فوق ثلاث فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على صرامهما وأولهما فيئا فسبقه بالفيء كفارته فإن سلم عليه فلم يرد عليه ورد عليه سلامه ردت عليه الملائكة ورد على الآخر الشيطان فإن ماتا على صرامهما لم يجتمعا في الجنة أبدا)) وصححه الوادعي في الصحيح المسند برقم 1186.
– وجاء أيضا في الصحيح المسند برقم 1220 عن أبي خراش السلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه)).