2554 الفوائد المنتقاة في شرح صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي فيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم.
ومجموعة : طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وموسى الصوماليين، وخميس العميمي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة .
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا )
——“——-“——-”
——‘——–‘——-”
——”——-‘——–‘
صحيح مسلم، كتاب البر والصلة،
٦ – بابُ صِلَةِ الرَّحِمِ وتَحْرِيمِ قَطِيعَتِها
16 – (2554) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ ابْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنِي عَمِّي أَبُو الْحُبَابِ سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَذَاكِ لَكِ ” ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 23]
17 – (2555) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ – وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ – قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ»
18 – (2556) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ.
19 – (2556) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ، أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ»
19 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ. وَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ.
20 – (2557) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»
21 – (2557) وحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قَالَ: « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»
– (2558) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ – وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى – قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَلَاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ»
==========
تمهيد:
الإسلام دين المودة والمحبة ودين الألفة والاجتماع ودين التكافل والترابط بين البشر فكلهم لآدم وكلهم من ذكر وأنثى آدم وحواء، وإذا كان المجتمع الإنساني يشبه البنيان كان التماسك بين لبناته أساس قوته وصلابته وزيادة نفعه وطول بقائه، وكما يبدأ البنيان بلبنتين ثم ثلاثا ثم أربعا إلى أن يكتمل ويعظم يبدأ تماسك المجتمع البشري بالأبوين وأبنائهما، فكان الأمر ببر الوالدين، تلاه الأمر بصلة الرحم، ثم الأمر بالإحسان إلى الجار، ثم الإحسان إلى المسلم، ثم الإحسان إلى غير المسلم، بل الإحسان إلى البهائم.
إن الإسلام يستهدف مجتمعا متكافلا متواصلا متحابا متفاعلا كمثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى وتعين إحداهما الأخرى وكمثل البنيان يشد بعضه بعضا وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(قامَتِ الرَّحِمُ) – بفتح الراء، وكسر الحاء المهملة -: أي: القرابة، مشتقة من الرحمة، وهي عَرَضٌ جعلها الله تعالى تقوم، وتتكلّم، وقال في»الفتح«: قوله:»قامت الرحم«يَحْتَمِل أن يكون على الحقيقة، أو قام مَلَك، فتكلم على لسانها، ويحْتَمِل أن يكون ذلك على طريق ضَرْب المَثَل،والاستعارة انتهى.
وقال القرطبيّ: قوله:»قامت الرحم، فقالت … إلخ«هذا الكلام من المجاز المستعَمل ….
قال الجامع الأثيوبي عفا الله عنه: لا حاجة إلى هذه الاحتمالات سوى الأول؛ فإن ظاهر النصّ بعيد عنها، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم.
بل ثبت لدينا بالنصوص الصحيحة كلام الجمادات ، كحنين الجِذْع، وتسبيح الحصي، وتسبيح الطعام، وهو يؤكل، فالله – سبحانه وتعالى – على كلّ شيء قدير، فدعوى الاستحالة باطلة، فتبصّر بالإنصاف ، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
[تنبيه]: زاد في رواية البخاريّ هنا قوله: «فأخذت، فقال له: مه»، قال في «الفتح»: قوله: «فأخذت» كذا للأكثر بحذف مفعول «أخذت»، وفي رواية ابن السكن: «فأخذت بحقو الرَّحمن»، وفي رواية الطبريّ: بحقوي الرَّحمن بالتثنية، ….. وقال عياض: الحَقْو مَعْقِد الإزار، وهو الموضع الذي يُستجار به، ويحتزم به على عادة العرب؛ لأنه مِن أحقّ ما يُحامى عنه، ويُدفَع، كما قالوا: نمنعه مما نمنع منه أُزُرنا، فاستعير ذلك مجازًا للرحم في استعاذتها بالله من القطيعة. انتهى.
وقد يُطلق الحقو على الإزار نفسه، كما في حديث أم عطية – رضي الله عنها -: «فأعطانا حقوه، فقال: أشعرنها إياه»؛ يعني: إزاره، وهو المراد هنا، وهو الذي جَرَت العادة بالتمسك به عند الإلحاح في الاستجارة، والطلب، والمعنى على هذا صحيح مع اعتقاد تنزيه الله عن الجارحة.
قال الطيبيّ: هذا القول مبني على الاستعارة التمثيلية…. . انتهى.
قال الجامع الأثيوبي عفا الله عنه: هذا الذي ذكره القاضي عياض، والطيبيّ من أن
الكلام من باب المجاز، لا من الحقيقة غير مقبول؛ بل الجواب أن نؤمن بما جاء عن رسول الله ﷺ، ونُثْبته على مراد الله تعالى.
وقد كتب بعض المحقّقين (الشيخ عبد الرحمن البراك) على هامش»الفتح«في هذا المكان كلامًا
حسنًا، فقال: ومن خير ما يقال في هذا المقام قول الشافعيّ – رحمه الله -: آمنت بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله ﷺ، وقول شيخ الإسلام – رحمه الله – في»نقض التأسيس، (٣/ ١٢٧): «هذا الحديث في الجملة من أحاديث الصفات التي نصّ الأئمّة على أنّه يُمرّ كما جاء، ورَدّوا على من نفى موجبه». انتهى.
ثم رأيت لابن أبي جمرة – رحمه الله – كلامًا أعجبني، قال – رحمه الله -: قوله: «قامت الرحم، فقالت»: يَحْتَمِل أن يكون بلسان الحال، ويَحْتَمِل أن يكون بلسان المقال، قولان مشهوران، والثاني أرجح، وعلى الثاني فهل تتكلم كما هي، أو يخلق الله لها عند كلامها حياةً، وعقلًا؛ قولان أيضًا مشهوران، والأول أرجح؛ لصلاحية القدرة العامّة لذلك، ولما في الأوَّلَين من تخصيص عموم لفظ القرآن والحديث بغير دليل، ولما يلزم منه من حصر قدرة القادر التي لا يحصرها شيء. انتهى كلام ابن أبي جمرة – رحمه الله – («الفتح» ١٠/ ٤١٧)، وهو كلام نفيسٌ ينبغي أن يُكتب بماء الذهب، والله تعالى أعلم.
(فَقالَت) الرحم: (هَذا مَقامُ)؛ أي: مكان (العائِذِ) بالذال المعجمة: أي: المستجير، والمعتصم بك (راجع: «عمدة القاري» ١٩/ ١٧٣)، (مِنَ القَطِيعَةِ)؛ أي: أن يُقطع.
قوله (أصِلَ مَن وصَلَكِ) بأن أعْطِف عليه، وأحسن إليه، فهو كناية عن عظيم إحسانه، (وأقْطَعَ مَن
قَطَعَكِ؟) فلا أعْطِفُ عليه، فهو كناية عن حرمان إنعامه، وامتنانه («فيض القدير على الجامع الصغير» للمناويّ ٢/ ٢٣٤).
قال الجامع الأثيوبي عفا الله عنه: هكذا قيل: إنه كناية، والظاهر أن هذا من باب تأويل صفة الوصل، وفيه نَظَر لا يخفي، والله تعالى أعلم.
(قالَتْ) الرحم: (بَلى)؛ أي: رضيت به، (قالَ) الله – عَزَّوَجَلَّ -، وقوله: (فَذاكَ لَكِ») بكسر الكاف فيهما، وهو إشارةٌ إلى قوله: «ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟»؛ أي: ذاك حصل لك.
وخلاصة القول: أن الله أدخلها في ذمته ….«وهذا كما قال ﷺ: »من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنّكم الله من ذمته بشيء، فإنّه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبّه على وجهه في نار جهنم«( «المفهم» ٦/ ٥٢٥)، رواه مسلم،
والله تعالى أعلم.
(ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:) هكذا في رواية حاتم بن إسماعيل عند الشيخين مرفوعًا، ووقع في رواية سليمان بن بلال عند البخاريّ بلفظ:»قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم«، موقوفًا، ووافق حاتمًا على رَفْعه ابنُ المبارك عند البخاريّ (راجع: «الفتح» ١٠/ ٤٩٦).
قال الجوهريّ: «عسى» من الله واجبة في جميع القرآن، إلّا قوله تعالى: ﴿عَسى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أنْ يُبْدِلَهُ أزْواجًا خَيْرًا مِنكُنَّ﴾ [التحريم ٥]،
وإذا اتصل بعسى ضمير فاعل، كان فيها لغتان: فتح السين، وكسرها، وقرئ بهما.
(﴿إنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾) قال في «الفتح»: اختُلف في تأويله، فالأكثر على أنّها من الولاية، والمعنى: إن وُلِّيتم الحكمَ، وقيل: بمعنى الإعراض … والأول أشهر، ويَشهد له ما أخرجه الطبري في «تهذيبه» من حديث عبد الله بن مغفّل، قال: سمعت النبيّ ﷺ يقول: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ﴾ [محمد ٢٢]
قال: هم هذا الحيّ من قريش، أخذ الله عليهم إن وُلُّوا الناسَ أن لا يفسدوا في الأرض، ولا يقطّعوا أرحامهم«(«الفتح» ١٠/ ٥٩٦، كتاب «التفسير» رقم (٤٨٣٠)).
قلت سيف بن دوره :عزاه صاحب أنيس الساري إلى الحاكم 2/254 وفيه نفيع أبوداود كذبه الجوزجاني وغيره واتهمه ابن معين وغيره بالوضع انتهى
ولم أجده في تهذيب الطبري لعله في القسم المفقود
ونقل ابن جرير في تفسيرها : أنه التولي عن أحكام الله يؤدي للفساد : يقول أن تعصوا الله في الأرض فتكفروا به وتسفكوا فيها الدماء. …… ثم نقل أنها بمعنى الولاية …. سورة محمد
وهو في تفسير الثعلبي وفيه رجال لم أجد لهم تراجم
وأورد الحاكم 3765 . والبيهقي 21773 في السنن من طريق غيلان بن جامع عن إبراهيم بن حرب عن عبدالله بن بريدة عن أبيه أن عمر استدل بهذه الآية على أن من القطيعة بيع أم حر . وعزاه ابن حجر في الاتحاف 15206 للحاكم
وفي هذه الطبقة لم أجد إبراهيم بن حرب إلا الكوفي وهو بن خالد بن نزار أخو سماك بن حرب. الثقات ممن لم يقعوا في الكتب الستة . وموسوعة أقوال الدارقطني 42
وكذلك إبراهيم بن حرب الذهلي الكوفي ترجمه البخاري في تاريخه
وكلاهما ليس فيه توثيق .
وقال أبو عبد الله القرطبيّ المفسّر – رحمه الله -: ….
وقال بكر المزني: إنها نزلت في الحرورية، والخوارج، وفيه بُعد، والأظهر أنه إنما عُني بها المنافقون، وقال ابن حيان: قريش
وقرأ عليّ بن أبي طالب: «إن تُوُلِّيتم أن تفسدوا في الأرض» بضم التاء والواو، وكسر اللام، وهي قراءة ابن أبي إسحاق، ورواها رُوَيس عن يعقوب، يقول: إن وليتكم ولاةً جائرةً خرجتم معهم في الفتنة، وحاربتموهم.
وقال مرة :
قوله (﴿إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وتُقَطِّعُوا أرْحامَكُمْ﴾) بالبغي، والظلم، والقتل («تفسير القرطبيّ» ١٦/ ٢٤٦).
: وقوله ﴿عَلى قُلُوبٍ﴾؛ لأنه لو قال: على قلوبهم لَمْ يدخل قلب غيرهم في هذه الجملة، والمراد: أم على قلوب هؤلاء، وقلوب من كانوا بهذه الصفة أقفالها »تفسير القرطبيّ” ١٦/ ٢٤٦ – ٢٤٧).
وقال أبو السعود – رحمه الله – في تفسيره: …..
وقيل: إن أعرضتم عن الإسلام، أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الإفساد في الأرض بالتغاوُر، والتناهب، وقطع الأرحام ….. انتهى («تفسير أبي السعود» ٨/ ٩٨ – ٩٩)، والله تعالى أعلم.
======
(حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ
– واللَّفْظُ لأبِي بَكْرٍ – قالا: حَدَّثَنا وكِيعٌ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ أبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
رُومانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَة
بِالعَرْشِ، تَقُولُ: مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللهُ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ»).
شرح الحديث:
(عَنْ عائِشَةَ) أم المؤمنين – رضي الله عنها -؛ أنّها (قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الرَّحِمُ) بفتح الراء، وكسر الحاء المهملة، قال الفيّوميّ – رحمه الله -:»الرَّحِمُ”: موضع تكوين الولد، ويخفف بسكون الحاء، مع فتح الراء، ومع كسرها أيضًا، في لغة بني كلاب، وفي لغة لهم تُكْسَر الحاء؛ إتباعأ لكسرة الراء، ثم سُمِّيت القرابة، والوُصْلة من جهة الولاء رَحِمًا، فالرَّحِمُ: خلاف الأجنبيّ، والرَّحِمُ: أنثى في المعنيَيْن، وقيل: مذكّر، وهو الأكثر في القرابة. انتهى («المصباح المنير» ١/ ٢٢٣).
(قَطَعَهُ اللهُ) جزاءً عمله جزاءً وفاقًا؛ لأنّ الجزاء من جنس العمل.
[تنبيه]: وقع في رواية البخاريّ لهذا الحديث بلفظ: «الرحم شِجنة، فمن
وصلها وصلته …» الحديث.
وقوله: «شُجْنة» بضم الشين، وكسرها، وحُكي فيه الفتح أيضًا، ومعناه: قرابةٌ مُشتبِكةٌ، كاشتباك العُروق والأغصان، وأصل ذلك: الشجر المُلْتَفّ عروقه وأغصانه، ومنه قولهم: الحديث شُجُون: أي: يتداخل، ويُمسك بعضه بعضًا، ويجرّ بعضه إلى بعض، قاله في «المشارق» («مشارق الأنوار» ٢/ ٢٤٥ – ٢٤٦)، والله تعالى أعلم.
=======
=======
(حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وابْنُ أبِي عُمَرَ، قالا: حَدَّثَنا
سُفْيانُ، عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ:
«لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قاطِعٌ»، قالَ ابْنُ أبِي عُمَرَ: قالَ سُفْيانُ: يَعْني: قاطِعَ رَحِمٍ).
قال القرطبيّ – رحمه الله -: …والكلام في كون القاطع لا يدخل الجَنَّة قد تقدَّم في»كتاب الإيمان«، وأنه يصحّ أن يُحْمَل على المستحلّ لِقَطْع الرحم، فيكون القاطع كافرًا، أو يخاف أن يَفسُد قلبه بسبب تلك المعصية، فيُختم عليه بالكفر، فلا يدخل الجَنَّة، أو لا يدخل الجَنَّة في الوقت الذي يدخلها الواصل لِرَحِمه؛ لأنّ القاطع يُحبس في النار بمعصيته، ثم بعد ذلك يخلص منها بتوحيده، كلّ ذلك مُحْتَمل، والله ورسوله أعلم بعين المقصود. انتهى (»المفهم«٦/ ٥٢٦ – ٥٢٧).
وذكر النووي هذه الوجوه »شرح النوويّ” ١٦/ ١١٣ – ١١٤)، والله تعالى أعلم.
مسألة:
وأخرجه مسلم بعد هذا من طريق مالك، وقال:»قاطع رحم«، وزيادة »رحم«فيها نظر، يأتي الكلام عليه، وأخرجه من طريق معمر، ولم يَسُق مَتْنه،
بل أحاله على رواية مالك، وأخرجه البخاريّ في»الأدب المفرد«عن عبد الله بن صالح، عن الليث، وقال فيه:»قاطع رحم«.
وقد جعل التفسير هنا من قول سفيان بن عيينة، وكذا هو عند الترمذيّ، وذكر ابن بطال أن بعض أصحاب سفيان رواه عنه كرواية عبد الله بن صالح، فأدرج لتفسير.
وقد ورد بهذا اللفظ من طريق الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد، أخرجه إسماعيل القاضي في»الإحكام«، ومن طريق أبي حَرِيز – بمهملة، وراء، ثم زاي، بوزن عظيم – واسمه عبد الله بن الحسين قاضي سجستان، عن أبي بردة، عن أبي موسي، رَفَعه:»لا يدخل الجَنَّة مُدْمِن خمر، ولا مُصَدِّق بسحر، ولا قاطع رحم«، أخرجه ابن حبان، والحاكم.
ولأبي داود من حديث أبي بكرة، رفعه:»ما من ذنب أجدر أن يُعَجِّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يَدَّخِر له في الآخرة من البغي، وقطيعة الرحم«. وللبخاريّ في»الأدب المفرد«من حديث أبي هريرة، رفعه:»إن أعمال بني آدم تُعْرَض كلَّ عشية خميس ليلة جمعة، فلا يُقْبَل عمل قاطع رحم«.
وللطبراني من حديث ابن مسعود:»إن أبواب السماء مُغْلقة دون قاطع الرحم«.
وللبخاريّ في»الأدب المفرد«من حديث ابن أبي أوفي، رفعه:»إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع الرحم«.
وذكر الطيبيّ أنه يَحْتَمِل أن يراد بالقوم الذين يساعدونه على قطيعة الرحم، ولا ينكرون عليه، ويحْتَمِل أن يراد بالرحمة المطر، وأنه يُحبس عن الناس عمومًا بشؤم التقاطع (راجع:»الفتح (١٣/ ٥١٥ – ٥١٦، كتاب «الأدب» رقم (٥٩٨٤))، والله تعالى أعلم.
=====
=====
====
====
– (حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذا الإسْنادِ مِثْلَهُ، وقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ).
(حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيى التُّجِيبِيُّ، أخْبَرَنا ابْنُ
وهْبٍ، أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ: «مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطً عَلَيْهِ رِزْقُهُ، أوْ يُنْسَأ فِي أثَرِهِ فَلْيَصِلْ
رَحِمَهُ»).
وللترمذيّ، وحسَّنه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «إن صلة الرحم محبة في الأهل، مَثْراة في المال، مَنسأة في الأثر»، وعند أحمد بسند رجاله ثقات، عن عائشة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «صلة الرحم، وحُسْن الجوار، وحسن الخُلُق يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار»،
الصحيحة 519
وأخرج عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند»، والبزار، وصححه الحاكم، من حديث عليّ نحو حديث الباب، قال: «ويدفع عنه ميتة السوء»، ولأبي يعلى من حديث أنس، رفعه: «إن الصدقة، وصِلَة الرحم يزيد الله بهما في العمر، ويدفع بهما ميتة السوء»، فجَمَع الأمرين، لكن سنده ضعيف، وأخرج البخاريّ في «الأدب المفرد» من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- بلفظ: «من اتّقى ربه، ووصَل رَحِمَه، نُسِّئ له في عمره، وثُرِّي ماله، وأحبه أهله» («الفتح» ١٣/ ٥١٦ – ٥١٧، كتاب «الأدب» رقم (٥٩٨٦)).
(أوْ يُنْسَأ) – بضم أوله، وسكون النون، بعدها مهملة، ثم همزة، مبنيًّا للمفعول-: أي: يؤخَّر (فِي أثَرِهِ) -بفتحتين-: أي: في أجله، وسُمّي الأجل أثرًا؛ لأنه يتبع العمر
(فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ») قال ابن التين رحمه الله: ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى: ﴿فَإذا جاءَ أجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف ٣٤]، والجمع بينهما
من وجهين:
أحدهما: أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر، بسبب التوفيق إلى
الطاعة، وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن تضييعه في غير ذلك،
ومثل هذا ما جاء أن النبيّ ﷺ تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من
الأمم، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر.
ثانيهما: أن الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى علم الملَك الموكل بالعمر …. («الفتح» ١٣/ ٥١٧ – ٥١٨، رقم (٥٩٨٦)).
قال الجامع الأثيوبي عفا الله عنه: الحقّ عندي قول من قال: إن الزيادة في الأجل، والرزق زيادة حقيقيّة على ظاهرها؛ لظاهر النصّ، ولأدلّة أخرى، وسيأتي تحقيق ذلك -إن شاء الله تعالى-.
مسألة:
في بيان اختلاف العلماء في معنى زيادة العمر ونقصانه:
-وسأل بعض أهل العلم :
هل يجوز مثل هذا الدعاء أن يطلب من الله المحو والكتابة؟.
الجواب
أن القدر قدران:
أحدهما: القدر المثبت، أو المطلق، أو المبرم: وهو ما في أم الكتاب – اللوح المحفوظ- فهذا ثابت لا يتغير، ولا يتبدل.
وثانيهما: القدر المعلق، أو المقيد: وهو ما في كتب الملائكة؛ فهذا هو الذي يقع فيه المحو والإثبات، والزيادة، والنقص.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-: (والأجل أجلان: أجل مطلق يعلمه الله، وأجل مقيد، وبهذا يتبيَّن معنى قوله – صلى الله عليه وسلم-: “من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره – فليصل رحمه” رواه البخاري(2067)، ومسلم(2557)، عن أنس -رضي الله عنه-.
فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلاً، وقال: (إن وصل رحمه زدته كذا وكذا، والملك لا يعلم أيزداد أم لا لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر) مجموع الفتاوى(8/517)
قال ابن حجر- رحمه الله -: ( قال ابن التين: ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى: “فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” [الأعراف:34].
والجمع بينهما من وجهين:
أحدهما: أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر، بسبب التوفيق إلى الطاعة
ثانيهما: أن الزيادة على حقيقتها؛ وذلك بالنسبة إلى علم الملك المؤكل بالعمر، وأما الأول الذي دلت عليه الآية، فبالنسبة إلى علم الله تعالى، كأن يقال للمَلَكِ مثلاً – إن عُمْرَ فلان مائة عامٍ- مثلاً- إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله: “يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ”[الرعد:39]،فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك.
(وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله – تعالى- فلا محو فيه البتة، ويقال له: القضاء المبرم، ويقال للأول: القضاء المعلق) فتح الباري(10/430).
وإذا أردت مزيد بيان لهذه المسألة فارجع إلى تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة(ص89)، وإلى شرح صحيح مسلم للنووي
(16/114)، وإلى مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (8/540-541)، وعلى إفادة الخبر بنصه في زيادة العمر، ونقصه للسيوطي، وإلى تنبيه الأفاضل على ما ورد في زيادة العمر ونقصانه من الدلائل للشوكاني، وإلى أقوال المفسرين في قوله – تعالى-: “يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ”[الرعد:39].
وهناك توجيه آخر مفاده؛ أن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلاً فلا يضمحل سريعاً، كما يضمحل أثر قاطع الرحم.
وورد في تفسيره وجه رابع؛ أخرج الطبراني في الصغير بسند ضعيف عن أبي الدرداء قال: ذكر عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من وصل رحمه أنسيء له في أجله، فقال: “إنه ليس زيادة في عمره، قال الله تعالى: “فإذا جاء أجلهم…” الآية، ولكن الرجل تكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعده”، وله في الكبير من حديث أبي مشجعة الجهني رفعه: “إن الله لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها، وإنما زيادة العمر ذرية صالحة” راجع فتح الباري
الراجح من الأقوال : رجح بعض الباحثين بأن الزيادة في الرزق والعمر على حقيقتها وذلك لعدة أسباب:
1 – الدَّلالة اللغوية لمعنى كلمة “نسأ ” فالنسأ التأخير، يقال: نسأت الشيء أنسأ , وأنسأنه إذا أخرته، والنَّساء الاسم، ويكون في العمر والدين والأثر والأجل ويسمّى به لأنه يتبع العمر
فلذلك كانت الزيادة على حقيقتها , ومن القائلين بذلك القول (أي الزيادة الحقيقية)
2 – ابن عباس _رضي الله عنه_ عندما سئل عن حديث ” من أحب أن يمد الله في عمره وأجله ويبسط له في رزقه فليتق الله وليصل رحمه ” كيف يزاد في العمر والأجل فقال: قال الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ} الأنعام2. فالأجل الأول أجل العبد من حين ولادته إلى حين موته , والأجل الثاني يعني المسمى عنده من حين وفاته إلى يوم يلقاه في البرزخ , لا يعلمه إلا الله , فإذا اتقى العبد ربه , ووصل رحمه زاده الله في أجل عمره الأول من أجل البرزخ ما شاء , وإذا عصى وقطع رحمه نقصه الله من أجل عمره في الدنيا ما شاء فيزيده في أجل البرزخ فإذا تحتم الأجل في علمه السابق امتنع الزيادة والنقصان لقوله تعالى: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} الأعراف34 فتوافق الخبر والآية وهذه زيادة في نفس العمر وذات الأجل على ظاهر اللفظ في اختيار حبر الأمة والله أعلم”
– قال الإمام الشوكاني -رحمه الله – في تنبيه الأفاضل ” أن الله تعالى كما علم أن العبد يكون له في العمر كذا وكذا ومن الرزق كذا وكذا وهو من أهل السعادة والشقاوة قد علم أنه إذا وصل رحمه له في الأجل كذا وبسط له من الرزق كذا وصار في أهل السعادة بعد أن كان في أهل الشقاوة أو صار في أهل الشقاوة بعد أن كان في أهل السعادة وهكذا قد علم ما ينقصه للعبد كما علم أنه إذا دعاه واستغاث به والتجأ إليه صرف عنه الشر ودفع عنه المكروه وليس في ذلك خلف ولامخالفة لسبق العلم بل فيه تقييد المسببات بأسبابها كما قدر الشبع والروي بالأكل والشرب”
5 – قال الأثيوبي مؤيدا كلام الشوكاني : فقد أخرج أحمد وغيره، من حديث ثوبان مولى رسول الله ﷺ رفعه إلى النبيّ ﷺ
قال: «لا يردّ القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البرّ، وإن العبد لَيُحْرم
الرزق بالذنب يصيبه»، حسّنه الترمذيّ، وصححه ابن حبّان، وكذا حسّنه الألبانيّ..انتهى)، وجعلوه مخالفًا لِسَبْق العلم، ورتّبوا عليه أنه يلزم انقلاب العلم جهلًا، والأمر أوسع من هذا،
والذي جاءنا بسَبْق العلم وأزليّته هو الذي جاءنا بالأمر بالدعاء، والأمر
بالدواء، وعرّفنا بأن صلة الرحم تزيد في العمر….
فلو قال قائل: أنا لا آكل، ولا أشرب، بل أنتظر القضاء، فإن قدّر الله
لي ذلك كان …..
قال الجامع الأثيوبي عفا الله عنه: لقد أجاد العلامة الشوكانيّ رحمه الله في هذا
البحث، وحقّقه تحقيقًا جيّدًا، وأفاد، فتبيّن بما حقّقه، وساقه من الأدلّة أن
أرجح الأقوال، أن زيادة العمر ونقصانه على ظاهرها، فتزيد بالخير، كصلة
الرحم ونحوها، ويتنقص بضدّ ذلك، وكذلك الرزق يزيد بصلة الرحم، ونحوها
زيادة حقيقيّة، كما دلّت عليه ظواهر النصوص، فتأملها بالإنصاف، ولا تكن
أسير التقليد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
6 – الشيخ السعدي في كتابه” بهجة قلوب الأبرار ” في الانتصار للقول الأول وأنه مراد الحديث حيث قال:
هذا الحديث فيه: الحث على صلة الرحم… وأنه وسبب لطول العمر. وذلك حق على حقيقته ; فإنه تعالى هو الخالق للأسباب ومسبباتها.
و الجزاء من جنس العمل، فكما وصل رحمه بالبر وصل الله عمره، ووصل رزقه، وفتح له من أبواب الرزق وبركاته، ما لا يحصل له بدون هذا السبب الجليل.
7 – قال الفوزان
الحديث معناه أن الله سبحانه وتعالى وعد من يصل رحمه أن يُثِيبَه , وأن يجزيه بأن يطيل في عمره، وأن يوسع له في رزقه جزاءً له على إحسانه… فهذا الحديث يدل على أن الإحسان وصلة الرحم سبب لطول الأجل وسبب لسعة الرزق،
وراجع كذلك كلام ابن القيم ابن عثيمين والمباركفوري والصنعاني والسندي كلهم يقرر نفس المعنى جمعنا كلامهم في مختلف الحديث .
**ومن ذلك دعاء النبي صلى الله علة وسلم لام قيس ,ولأنس -رضي الله عنهم- بطول العمر. فكان الدعاء يزيد في العمر على الحقيقة ولا لما دعاء النبي صلى الله علية وسلم لهؤلاء.
انتهى باختصار
تنبيه :حديث أم قيس ورد عند أحمد 26999أبي الحسن مولى أم قيس ابنة محصن عن أم قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لها ما قالت طال عمرها ولا نعلم امرأة عمرت ما عمرت.
وقلنا : أبو الحسن مولى أم قيس لم يوثقه
======
======
– (وحَدَّثَنِي عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي أبِي،
عَنْ جَدِّي، حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خالِدٍ، قالَ: قالَ ابْنُ شِهابٍ: أخْبَرَنِي أنَسُ بْنُ
مالِكٍ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «مَن أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، ويُنْسَأ لَهُ فِي
أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»).
– (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، ومُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ – واللَّفْظُ لِابْنِ المُثَنّى- قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، قالَ: سَمِعْتُ العَلاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ لِي قَرابَةً أصِلُهُمْ، ويَقْطَعُونِي، وأُحْسِنُ إلَيْهِمْ، ويُسِيئُونَ إلَيَّ، وأحْلُمُ عَنْهُمْ، ويَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَما قُلْتَ، فَكَأنَّما تُسِفُّهُمُ المَلَّ، ولا يَزالُ مَعَكَ
مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ، ما دُمْتَ عَلى ذَلِكَ»).
(ويَقْطَعُونِي)؛ أي: يقطعوا قرابتي، (وأُحْسِنُ إلَيْهِمْ، ويُسِيئُونَ إلَيَّ) بإلحاق
الضرر، (وأحْلُمُ عَنْهُمْ) بضمّ اللام، يقال: حَلُمَ يَحْلُم، من باب كَرُمَ حِلْمًا
بالكسر: صَفَحَ، وسَتَرَ، فهو حليم. (ويَجْهَلُونَ عَلَيَّ)؛ أي: يعاملونني
بالجهل، والجهل هنا: القبيح من القول؛ أي: يقولون قول الجهّال، من
السبّ، والتقبيح، (فَقالَ) النبيّ ﷺ: (»لَئِنْ كُنْتَ) اللام هنا هي الموطئة للقسم، و«إن» شرطيّة، وجوابها «فكأنما … إلخ»؛ أي: والله لئن كنت (كَما قُلْتَ)؛
أي: كما ذكرت من أنك تَصِلُهم، ويقطعونك … إلى آخره
قال في المشارق ، قال: كذا روايتنا فيه عن شيوخنا في «صحيح مسلم»، ورواه
بعضهم: «كأنما تَسفيهم الملّ»، بفتح التاء، وسكون السين: أي: ترمي
التراب، والرماد المحميّ في وجههم انتهى.
قلت سيف بن دورة : ربما رواية ( كأنما تَسفيهم الملّ ) وقعت لبعض الرواة المتأخرين لاني لم أجدها في أي كتاب مما هو عندي فتكون شاذة.
وقال القرطبيّ رحمه الله: الرواية: بضم تاء «تُسفّهم»، وكسر السين، وضمّ
الفاء: أي: تجعلهم يَسُفّونه من السّفّ، وهو شُرْب كل دواء … ومعنى ذلك: أن
إحسانك إليهم مع إساءتهم لك، يتنزل في قلوبهم منزلة النار المحرقة؛ لِما
يجدون من ألم الخزي، والفضيحة، والعار الناشئ في قلب من قابل الإحسان
بالإساءة. انتهى.
(ولا يَزالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ)؛ أي: مُعِين، ودافِعٌ لأذاهم عنك
قال القرطبيّ رحمه الله: الظهير: المُعِين، ومعناه: أن الله تعالى يؤيّدك بالصبر على جفائهم، وحُسْن الخُلُق معهم، ويُعليك عليهم في الدنيا والآخرة مُدّة
دوامك على معاملتك لهم بما ذكرت. انتهى.
وقال النوويّ رحمه الله: معناه: كأنما تُطعمهم الرماد الحارّ، وهو تشبيه لِما
يَلحقهم من الألم … ينالهم الإثم العظيم في قطيعته، وإدخالهم الأذى عليه.
وقيل: معناه: إنك بالإحسان إليهم تُخزيهم، وتحقرهم في أنفسهم؛ لكثرة
إحسانك، وقبيح فعلهم، من الخزي، والحقارة عند أنفسهم، كمن يَسُفّ الملّ،
وقيل: ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالملّ يحرق أحشاءهم، والله تعالى أعلم.
====
====
====
ثانيًا: مسائل تتعلّق بهذا الحديث: أحكامُ صلة الأرحام
الرَّحُم، لغة واصطلاحًا، وأنواعه:
الرَّحُم لغةً: بيتُ مَنْبَتِ الولدِ، ووعاؤهُ فِي البَطْنِ، والرَّحِم أيضًا: القَرَابةُ.
فَأُطلِقَ على القرابة وأسبابها، كما في مراجع لسانِ العرب.
الرَّحُم اصطلاحًا: اسم جامع لكلّ ذي رحمِ من الأقارب يجمع بينهم نَسب، من غير تفريق بين محرمٍ أو غير مَحْرَم.
قال القرطبي: (اتفقت الملَّة على أن صلةَ الرَّحم واجبة، وأن قطيعتها محرَّمة) [الجامع/ لأحكام القرآن (5/6)]
معنى صلة الأرحام: قال النووي رحمه الله: (هي الإحسان إلى الأقارب على حَسَب حال الواصل والموصول، فتارة تكون بالمال، وتارة بالخدمة، وتارة بالزيارة والسلام وغير ذلك). [شرح صحيح مسلم (2/201)]
وقال المناوي رحمه الله: (صِلةُ الرَّحم، مشاركة القرابة في الخيراتِ) [التوقف على مهمات التعاريف ص460]
فضائلُ صلةِ الرَّحم في الدنيا والآخرة:
1- أنها تقوِّي الروابطَ الأسريَّة بين الأقارب:عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعلموا من أنسابكم ما تَصِلُون به أرحامكم، فإن صِلة الرَّحم مَحبّة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر)، (حم، ت، ك)
قلت سيف بن دوره : قلنا في تخريجنا لنضرة النعيم : راجع السلسلة الصحيحة (276)]
وروى ابن قتيبة في عيون الأخبار عن عمر رضي الله عنه قال: (مروا الأقارب أن يتزاوروا ولا يتجاوروا). [(3/88)]
قلت سيف بن دوره : ولم يذكر له ابن قتيبة إسناد ولم أجده إلا في الاحياء للغزالي بصيغة ( روي أن موسى كتب لعماله ).
قال الزبيدي شارحًا قول عمر رضي الله عنه: (أي يزور بعضهم بعضًا رغبًا، فإن ذلك يورث الألفة والمحبة، وقوله: (ولا يتجاوروا) أي لا يُساكنُوا في محل واحد، وإنما قال ذلك لأنَّ التجاوُر يُوجبُ التزاحم في الحقوق، وربَّما يُورثُ الوحشة، وترفَعُ الحُرْمَة والهَيبَة، فيفضي إلى قطيعة الرحم والتدابر)، [إتحاف السادة المتقين للزبيدي (7/284)]؛ ولأن صلة الرَّحم تُقِّوي العلاقات الأُسرَيَّة، فهي مدعاة لحُبِّ الأقارب وعطفهم وإيثارهم.
2- أنها توسع في الأرزاق، وتزيد في الأعمار:
فعن أبي هريرة مرفوعا ….
3- ومن فوائد صلة الرحم: أن الله يصل من وصلها: ….
3- أن صلة الرَّحم سَبَبّ لدخول الجنة: فعن أبي أيوب رضي الله عنه: أن رجلا قال: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال القوم، مالَه، مالَه، فقال رسول الله: أرَبٌ مالَه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرَّحم) متفق عليه، وكفى بهذا فضلا مرغبًا في صلة الرحم.
5- صلة الرَّحم فيها طاعة لله تعالى وتحصيل لمرضاته لأنه أمر بصلة الرَّحم.
6- صلة الرحم فيها زيادة لأجر الواصل في الدنيا وبعد موته، لأن أرحامه يدعون له كما ذكروا صلته لهم.
الأسباب المعينة على صلة الرحم:
1- الإخلاص في هذه العبادة: أن تكون الصلة قربة لله تعالى خالصة لوجهه.
2- الاستعانة بالله تعالى وطلبُ التوفيق منه والثبات.
3- التفكر في فضائل وثمرات صلة الرحم، وكذلك عواقب قطع الأرحام.
4- مقابلة إساءة الأقارب بالإحسان وهذا مما يبقى الودّ والعَهَدَ بين الأقارب
قال تعالى: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[يوسف:92].
5- ومما يُعين على الصلة: بذل المستطاع لهم من الخدمة بالنفس أو الجاه أو المال، وأن لا يمن عليهم ويطالبهم بالمثل، فالواصل ليس بالمكافئ.
6- ترك التكلف مع الأقارب ورفع الحرج عنهم وتجنب الشدّة في عتابهم.
7- تحمل عتابهم، وحمل كلامهم على أحسن المحامل وحسن الظن بهم، فإذا عاتبه أحد أرحامه وأغلظ عليه لتقصيره في حقه لم يجاريه في عتابه، بل يتلطف به، ويشكره ويعتذر له حتى يهدأ، لأن من الناس من لا يستطع التعبير عن حبه إلا بكثرة اللوم والعتاب.
8- الاعتدال في المزاح مع الأرحام، وتجنب الخصام، والجدال العقيم معهم، فإذا شعر بأن أحد أرحامه قد حمل في نفسه عليه فليبادر إلى الهدية، فالهدية تجلب المودة.
9- أن يستحضر الإنسان أن أرحامه لحمة منه، فلابد له منهم ، ولا فكاك له عنهم فيصبر عليهم.
10- أن يسعى إلى إصلاح ذات البين إذا فسدت بين بعضهم، وأن تكون لهم لقاءات شهرية تعين على الصلة.
عقوبة قطيعة الرحم في الدنيا والآخرة:
1- إن عقوبة قطيعة الرحم معجلة في الدنيا، لحديث أبي بكرة
2- أن قطيعة الرحم تحرم قاطعها بركة الرزق وطول العمر
3- أن قاطع الرحم عاص لله تعالى، مرتكب كبيرة
4- أن قاطع الرحم يدخر له العذاب يوم القيامة إن لم تتداركه رحمة الله تعالى، ودليله الحديث عن أبي بكرة
5- أن قطيعة الرحم سبب لمنع دخول الجنة:-
أسباب قطيعة الرحم:
1- الجهل بالحكم الشرعي لقطيعة الرحم والجهل بعواقب القطيعة في الدنيا والآخرة، وكذلك الجهل بحكم صلة الرحم، وأنه من الواجبات والجهل بفضائل صلة الرحم في الدنيا والآخرة.
2- ضعف التقوى وضعف الاستقامة على الدين وتضييع الواجبات كالصلة وكذلك عمل المعاصي كقطع الأرحام.
3- الكبر: فبعض الناس إذا نال منصبًا أو جاهًا أو مالاً، تكبر على أرحامه فقطعهم.
4- الانقطاع الطويل فترة طويلة عن الأقارب فوجدت الوحشة منهم، فيبدأ بالتسويف بالزيارة، فيتمادى به الأمر إلى القطيعة بالكلية، فيعتاد القطيعة فيصير قاطعًا لرحمه.
5- العتاب الشديد واللوم والتصريح من بعض الأقارب بعد طول انقطاع، فتحصل النفرة منهم والهيبة من المجيء إليهم، خوفًا من شدة عتابهم فيقطعهم.
6- التكلف الزائد أكثر من اللازم، فيخسر الأموال الطائلة، يجهد نفسه في إكرامهم فوق استطاعته، فلا يصله أرحامه خوفًا من إيقاعه في الحرج والمشقة.
7- قلة الاهتمام بالأرحام الزائرين والشح والبخل معهم مما يقلل زيارتهم حتى تحصل القطيعة.
8- تأخير قسمة الميراث وكل يريد حقه، فيحصل الاختلاف وتشيع العداوة والبغضاء بين الأقارب وتكثر المشكلات فتحل الفرقة وتسود القطيعة.
9- الشراكة بين الأقارب في مشروع أو تجارة دون الاتفاق على أسس ثابتة وعقود موثقة
قال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ….َ}[ص:24].
10- الاشتغال بالدنيا واللهث وراء حطامها، فلا يجد وقتًا لصلة أرحامه فتحصل القطيعة.
11- المشكلات العائلية ومنها الطلاق بين الأقارب سبب لقطيعة الرحم.
12- بعد المسافة والتكاسل عن الزيارة عند البعض.
13- قلة تحمل الأقارب والصبر عليهم وعلى أذاهم وعلى زلاتهم.
14- الحسد والغيبة والنميمة وسوء الخلق وكثرة المزاح، أسباب لقطيعة الأرحام.
فعلى المسلم أن يتجنب هذه الأسباب التي تؤدي إلى قطيعة الرحم، ويبادر إلى معالجتها فورًا.
أقسام صلة الرحم:
الصلة الواجبة الصلة المستحبة، صلة الرحم الفاسق، صلة ذي الرحم الكافر.
1- الرحم الواجب صلتها ويحرم أن تقطع: وهي كل رحم محرم كالأجداد والجدات والأعمام والعمات والأخوال والخالات والإخوة والأخوات، وهذا هو المشهور عند الحنفية وقول عند المالكية وقول عند الحنابلة، واستدلوا بحديث النهي عن الجمع في الزواج بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها عند أصحاب السنن الأربعة.
قالوا: علة النهي عدم حصول القطيعة بين المرأة وعمتها بسبب الغيرة بين الضرائر، مما يدل على أن الرحم التي يجب أن توصل ويحرم قطعها من الرحم المحرم، وأما غير المحرم فلا يجب صلتها لجواز أن يجمع بين بنتي العم وبنتي الخالة.
وهو ما أشار إليه القرافي من قول الطرطوشي المالكي رحمهما الله كما في كتاب الفروق.
2- الرحم المستحب صلتها ويكره أن تقطع وهي كل رحم غير محرم كأبناء الأعمام وأبناء العمات وأبناء الأخوال وأبناء الخالات.
وتستحب صلتهم لعموم النصوص الواردة في الحث على صلة الرحم
قال القاضي عياض رحمه الله: (الصلة درجات بعضها أرفع من بعض، فأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة لم يسم قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه لم يسم واصلا) ذكره النووي في شرح مسلم (16/113)
3- صلة الرحم الفاسق: الفاسق: من خرج عن طاعة الله بارتكاب كبيرة أو بالإصرار على صغيرة.
ذو الرحم الفاسق: إذا كان مجاهرًا بفسقه وفجوره داعيًا لذلك، فلا يجامل في ذلك، بل يهجر ويقطع ولا يوصل، ويعتبر هذا من أجل القربات عند الله تعالى إلا إن كان في مداراته وإتقانه درء مفسدة أو جلب منفعة، استحب صلته بحسب الحاجة.
وقد انبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لرجل يتألفه ثم قال عنه (بئس أخو العشيرة) ثم قال: (إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره) رواه البخاري (6032)
أما الثاني: ذو الرحم الفاسق المستتر بفسقه وبدعته، فهذا يعامل معاملة المسلم مستور الحال، وتجب صلته ومناصحته، فإذا دل الدليل على صلة المشرك والكافر غير المعادي فصلة ذي الرحم الفاسق المستور واجبة من باب أولى.
قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأَصِل أمي؟ قال: (نعم صلي أمك) متفق عليه
فتجب صلة ذي الرحم الفاسق المستور إلا إذا كان في مقاطعته زجر له عن الفسق وحمل له على الطاعة فلا يحرم.
4- صلة ذي الرحم الكافر
وهو قسمان: الكافر المعادي والكافر المسالم وبينهما فرق والله فرق بين الكافرين في العذاب حيث جعل النار دركات فينغي مراعاة هذه الفروق.
أما صلة ذي الرحم الكافر المعادي للإسلام المحارب المقاتل للمسلمين فلا تجوز، وتجب مقاطعته، ولا يوصل إلا من باب المداراة و اتقاء شره.
فنوح عليه السلام دعا على قومه المحاربين للدين وفيهم أرحامه ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح:26].
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، وإنما وليي الله وصالح المؤمنين) متفق عليه.
فقد دلت النصوص على أن الأصل في القريب الكافر المعادي أن يقاطع ولا يوصل إلا في بعض الحالات، كاتقاء شره ومداراته درء لمفسدة أو جلب لمنفعة شرعية.
وأما صلة ذي الرحم الكافر المسالم، فلم يمنع الشارع الحكيم من صلته والإحسان إليه إذا كان لتأليف قلبه للإسلام.
قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة:8]،
قال ابن حجر رحمه الله: (أن صلة الرحم الكافر ينبغي تقييدها بما إذا آنس منه رجوعًا عن الكفر، أو رجا أن يخرج من صلبه مسلم) فتح الباري (10/421)
وراعي النبي صلى الله عليه وسلم صلة الرحم مع الكفار لأنه يرجو تأليف قلوبهم وأن يخرج الله من أصلابهم من يعبده فقال في قصة صلح الحديبية : لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا اعطيتهم إياها. تفسير ابن كثير وعزاه لأحمد
أحوال الناس في صلة الرحم: من هو الواصل ومن هو المكافئ ومن هو القاطع؟
1- الواصل لرحمه: عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (… لكن الواصل هو الذي إذا قطعت رحمه وصلها) البخاري (5645)
ضابط الواصل للرحم:
أن تكون صلته لأجل الله تعالى، يصلها تقربًا إلى الله وامتثالا لأمره، أما إذا كانت الصلة مكافأة وردًا للجميل، فإنها ليست بصلة، كمن يهدي مقابل الهدية، ويزور من زاره ويهجر ويقاطع من لم يزره.
2- المكافئ هو الذي يعطي لغيره نظير ما أعطاه ذلك الغير فيصل من وصله ويقطع من قطعه ودليله حديث (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل هو الذي إذا قطعت رحمه وصلهما) خ(5645).
3- القاطع: هو الذي يقطع من وصله من أرحامه ومن غيرهم.
أن يقطع الرحم الواجب صلتها من غير عذر شرعي، وأن يكون ذلك بما عرف في الشرع والعرف أنه قطيعة كالإساءة إلى أرحامه، وعدم الإحسان إليهم، وعقوقهم، ونحو ذلك. وقد تكون الإساءة إليهم بالقول أو الفعل من ضرب وشتم وهجر وعبادة.
وسائل صلة الرحم: الصلة بالأفعال والصلة بالمقال، والصلة ببذل المال والصلة بوسائل الاتصال الحديثة.
أ :الصلة بالأفعال:
1- الصلة بالزيارة وتعتبر من أهم وسائل صلة الرحم، وهي قصد المرور إكراما له واستئناسًا له.
قال النووي وهو يعدد وسائل الصلة: (فتارة تكون بالمال وتارة بالخدمة وتارة بالزيارة والسلام وغير ذلك) شرح مسلم (2/201).
وقال الدمياطي: (وتكون صلة الرحم بالمال وقضاء الحوائج والزيارة والمكاتبة والمراسلة بالسلام ونحو ذلك) إعانة الطالبين (3/154).
قال العثيمين: (وصلة الأقارب بما جرى به العرف واتبعه الناس لأنه لم يبين في الكتاب ولا السنة نوعها ولا جنسها ولا مقدارها… ولذلك يرجع فيها للعرف فما جرى به العرف أنه صلة فهو الصلة، وما تعارف عليه الناس أنه قطيعة، فهو قطيعة) شرح رياض الصالحين (3/185).
2- الصلة بإجابة الدعوة إلى الطعام وغيره إذا كانت الدعوة مشروعة، والإجابة حق من حقوق المسلم وخاصة دعوة وليمة العرس فهي واجبة على كل مسلم مدعو إليها بعينه ولا يكون فيها منكر.
قال ابن قدامة: (إنما تجب الإجابة على من عين بالدعوة، بأن يدعو رجلا بعينه أو جماعة معينين). المغني (7/213)
وقال أيضًا: (إذا دعي إلى وليمة فيها معصية كالخمر والزمر والعود ونحوه، وأمكنه الإنكار لزمه الحضور والإنكار، لأنه يؤدي فرضين: إجابة أخيه المسلم وإزالة المنكر، وإن لم يقدر على الإنكار لم يحضر).
وإذا كان من أرحامه يكون قد أدى فرضًا ثالثًا وهو صلة الرحم.
3- الصلة بعيادة المريض وهي فرض كفاية على الراجح؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يعوده منكم) ، حيث لم يأمرهم رسول الله بعيادة سعد، بل جعل الخيار لمن شاء بقوله: (من يعوده منكم) أخرجه مسلم (925).
4- الصلة باتباع الجنازة: وهو السير مع الجنازة، والراجح أن اتباع الجنازة فرض كفاية وخاصة إذا كان الميت قريبًا، أو جارًا.
5- ومن الصلة بالأفعال: الصلة بإصلاح ذات البين أي المصالحة بين المتخاصمين بإزالة أسباب الخصام أو بالتسامح والعفو أو التراضي على وجه من الوجوه المشروعة، والنصوص كثيرة في الأمر بذلك.
6- الصلة بالمشاركة في الأفراح والمواساة في الأحزان: وذلك بزيارة ذوي الأرحام ومساعدتهم بالخدمة والعون، وقد مر معنا: إجابة الدعوة في الأفراح واتباع الجنائز في الأحزان، وكذلك التهنئة في الأفراح والتسلية والعزاء في الأحزان، وغيرها من الأفعال التي تكون سببًا لصلة الرحم.
ب: الصلة بالأقوال:
1- الصلة بالسؤال عن ذوي الأرحام ومعرفة أخبارهم وأحوالهم وحمل همومهم، ومعرفة مطالبهم.
2- الصلة بدعوة ذوي الرحم وتعليمهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ونصيحتهم وإرشاد من كان متساهلاً منهم، فإذا كان هذا واجبًا تجاه عامة الناس فوجوبه تجاه الأقارب والأرحام أكثر.
3- الصلة بالدعاء لأقاربه وذوي رحمه، فإذا كانت دعوة المرء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة فكيف بدعائه لأرحامه وأقاربه فمن مظاهر صلة الرحم الدعاء للأرحام بالخير والصلاح والهداية.
قال ابن أبي جمرة: (تكون صلة الرحم بالمال وبالعون على الحاجة وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه وبالدعاء) فتح الباري (10/418).
ج: الصلة ببذل المال:
1-الصلة بالنفقة وهي ما يجعل للقريب غيره من مال للطعام والكساء والفرش والخدمة والسكنى وغيرها. قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى﴾[البقرة:215]، والنفقة على الوالدين والأصول والفروع والزوجة واجبة، وسبب وجوبها أنها قرابة يحرم قطعها ويجب وصلها، ودلت الأدلة على وجوب النفقة على هؤلاء من الكتاب والسنة وكذلك الإجماع.
أما النفقة على الأرحام غير الأصول والفروع وهم الأخوة والأخوات ومن في حكمهم، فالراجح أنها لا تجب إلا بشرط منها أن يكون معسرا أو عاجزًا في الكسب، وأن يكون المنفق موسرًا غنيًا، وهذا من صلة الرحم.
3- ومن الصلة ببذل المال: الصلة بدفع الزكاة الواجبة والصدقة المستحبة، فالأرحام أولى من غيرهم في ذلك قال تعالى: ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: 75].
وقال صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان، صدقة وصلة) رواه أحمد والترمذي والنسائي وهو في صحيح الجامع (3858).
فائدة: أجمع العلماء على عدم جواز دفع الزكاة للوالدين والأولاد والزوجة لأن نفقتهم واجبة بالاتفاق.[ كتاب الإجماع لابن المنذر صـ48,وكتاب بداية المجتهد لابن رشد , والمغني لابن قدامة].
فائدة: (يجوز للمرأة دفع الزكاة لزوجها على الراجح لإقرار عليه السلام لامرأة ابن مسعود) [في الصحيحين].
فائدة: يجوز دفع الزكاة بشروطها لبقية الأرحام كالأعمام والأخوال والإخوة وأبنائهم ذكورًا وإناثًا لعدم وجوب الإنفاق عليهم، لحديث (الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة). [صم ت. صحيح الجامع (3858)].
فائدة: (يجوز قضاء ديون الأقارب: جميعًا من الزكاة حتى وإن وجبت نفقتهم على المزكي) [النووي في المجموع (6/229)].
فائدة: الصلة بالصدقة أفضل ولو على القريب العدو لحديث: (أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح) يضمر عداوته في باطنه.[ والحديث رواه ابن خزيمة والحاكم وهو في إرواء الغليل (3/404)].
3- الصلة بالهدية والعطية والوصية والوقف، فإنها من وسائل صلة الأرحام ببذل المال لهم.
د: الصلة بالوسائل الحديثة:
الهاتف أو الرسالة والانترنت وغيرها، وهي من أنفع وأسهل الوسائل في صلة الرحم خصوصًا إذا كانوا بعيدين لكنها لا تغني عن الصلة في بعض الحالات كعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة والمشاركة في الأفراح لكن وجود هذه الوسائل للصلة خير من القطيعة، قال ابن باز رحمه الله: (والواجب عليك صلة الرحم حسب الطاقة بالزيارة وبالمكاتبة والهاتف).[ مجموع الفتاوى (9/415)].
.[أحكامُ صلة الأرحام للشيخ: إبراهيم عبد الله بن سيف المزروعي، مقالات شبكة بينونة].
====
ثالثًا: فوائد الباب:
1 – (منها): بيان الحثّ على صلة الرحم، وبيان فضلها.
2 – (ومنها): بيان فضل من يصل أرحامه، ويُحسن إليهم، وهم يقطعونه، ويجهلون عليه؛ فإن له بذلك الأجر العظيم، والعون والنصر من الرؤوف الرحيم، قال الله رحمه الله: ﴿فَمَن عَفا وأصْلَحَ فَأجْرُهُ عَلى اللَّهِ﴾ [الشورى ٤٠]، وقال: ﴿ولَمَن صَبَرَ وغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِن عَزْمِ الأُمُورِ (٤٣)﴾ [الشورى ٤٣].
3 – (منها): بيان وجوب صلة الرحم، وتحريم قَطْعها.
3 – (ومنها): ما قاله القرطبيّ المفسّر – رحمه الله -: ظاهر الآية أنّها خطاب لجميع الكفار، وقال قتادة وغيره: معنى الآية: فلعلكم، أو يُخاف عليكم، إن أعرضتم عن الإيمان أن تعودوا إلى الفساد في الأرض بسفك الدماء، قال قتادة: كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله تعالى؟ ألم يسفكوا الدماء الحرام، ويقطعوا الأرحام، وعصوا الرَّحمن؟
فالرَّحِم على هذا رَحِم دين الإسلام والإيمان، التي قد سمّاها الله إخوة؛ بقوله تعالى: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ﴾ [الحجرات ١٠].
وعلى قول الفراء: إن الآية نزلت في بني هاشم، وبني أمية، والمراد من أضمر منهم نفاقًا، فأشار بقطع الرحم إلى ما كان بينهم وبين النبيّ ﷺ من القرابة بتكذيبهم النبيّ ﷺ، وذلك يوجب القتال.
وبالجملة فالرحم على وجهين: عامة وخاصة، فالعامة رَحِم الدين، ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان، والمحبة لأهله، ونُصرتهم، والنصيحة، وترك مضارّتهم، والعدل بينهم، والنَّصَفة في معاملتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة؛ كتمريض المرضي، وحقوق الموتي، مِن غَسْلهم، والصلاة عليهم، ودَفْنهم، وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم.
وأما الرَّحِمُ الخاصة، وهي رَحِمُ القرابة من طَرَفَي الرجل: أبيه، وأمه، فتجب لهم الحقوق الخاصة، وزيادة، كالنفقة، وتفقُّد أحوالهم، وترْك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بُدئ بالأقرب فالأقرب.
وقال بعض أهل العلم: إن الرحم التي تجب صِلَتها هي كلّ رحم مَحْرم، وعليه فلا تجب في بني الأعمام وبني الأخوال، وقيل: بل هذا في كلّ رحم ممن ينطلق عليه ذلك من ذوي الأرحام في المواريث، محرمًا كان أو غير محرم، فيخرج من هذا أن رحم الأم التي لا يُتوارث بها لا تجب صلتهم، ولا يحرم قطعهم، وهذا ليس بصحيح، والصواب أن كلّ ما يشمله، ويعمّه الرحم تجب صلته على كلّ حال: قرابة، ودينية، على ما ذكرناه أولًا، والله أعلم.
وقد روى أبو داود الطيالسيّ في «مسنده» قال: حَدَّثَنا شعبة، قال: أخبرني محمد بن عبد الجبار، قال: سمعت محمد بن كعب القُرَظيّ يحدث عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن للرحم لسانًا يوم القيامة، تحت العرش، يقول: يا رب قُطعت، يا رب ظُلمت، يا رب أُسيء إليّ، فيجيبها ربها: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك».
4 – (ومنها): ما قاله القاضي عياض – رحمه الله -: لا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبيرة، قال: والأحاديث في الباب تشهد لهذا، ولكن الصلة درجات، بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجَرة، وصِلَتها بالكلام، ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة، والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحبّ، لو وصل بعض الصلة، ولم يَصِلْ غايتها، لا يسمى قاطعًا، ولو قَصّر عما يقدر عليه، وينبغي له، لا يسمى واصلًا. انتهى («شرح النوويّ» ١٦/ ١١٣).
5 – (ومنها): ما قاله عياض أيضًا: اختلفوا في حدّ الرحم التي تجب صلتها، فقيل: هو كلّ رحم محرم، بحيث لو كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى حَرُمت مناكحتهما، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام، ولا أولاد الأخوال، واحتَجّ هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، أو خالتها في النِّكاح ونحوه، وجواز ذلك في بنات الأعمام، والأخوال،
وقيل: هو عامّ في كلّ رحم من ذوي الأرحام في الميراث، يستوي المحرم وغيره، ويدل عليه قوله ﷺ: «ثم أدناك، أدناك».
قال النوويّ – بعد نقل كلام عياض هذا -: وهذا القول الثاني هو الصواب، ومما يدلُّ عليه الحديث السابق في أهل مصر: «فإن لهم ذمّةً، ورَحِمًا»، وحديث: «إن أبرّ البرّ أن يصل أهل وُدّ أبيه»، مع أنه لا محرمية. انتهى («شرح النوويّ» ١٦/ ١١٣).
قال الأثيوبي: هذا الذي قاله النوويّ من تصويب القول الثاني هو الحقّ، لوضوح أدلّته، والله تعالى أعلم.
6 – (ومنها): بيان بَسْط الرزق، وطول العمر بسبب صلة الرحم.
7 – (ومنها): بيان أن الرزق والأجل يزاد فيهما بصلة الرحم، وقد قدّمت أن الصحيح كون الزيادة حقيقةً، لا مجازًا، والله تعالى أعلم.
8 – (ومنها): بيان أن فعل الخير، كصلة الرحم
، ونحوها سبب الفلاح في الدنيا والآخرة؛ قال الله عز وجل: ﴿وافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج ٧٧]، والله تعالى أعلم.
9 – (ومنها): ذمّ من يقابل الإحسان بالإساءة، والإكرام بالإهانة، والله تعالى أعلم.[ البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج ٤٠/٢٨٥]
10 – صلة الرحم مما أخبر جعفر بن أبي طالب النجاشي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها. نقله ابن تيمية في الجواب الصحيح 1/254
11 – ورد معنى صلة الرحم في تفسير قوله تعالى (ذَ ٰلِكَ ٱلَّذِی یُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِۗ قُل لَّاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِی ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن یَقۡتَرِفۡ حَسَنَةࣰ نَّزِدۡ لَهُۥ فِیهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ شَكُورٌ)
[سورة الشورى 23]
12 – ذكر ابن تيمية في تعليل تحريم الشطرنج أنها تشغل عن الواجبات ومنها صلة الرحم الفتاوى 4/455
13 – اعتبر ابن تيمية وجوب النفقة لكل وارث ولو كان مقاطعا لأنه من صلة الرحم وهو عام كعموم الميراث في ذوي الأرحام . وهو رواية عن أحمد والاوجه وجوبها مرتبا …….. مجموع الفتاوى 5/517
14 – قال ابن القيم : وليس من صلة الرحم ترك القرابة تهلك جوعا. …وصلة الرحم واجبة وإن كانت لكافر فله دينه وللواصل دينه . أحكام الذمة 2/792 .
وقال مرة النفقة تستحق بالميراث وبصلة الرحم زاد المعاد 5/488
16 – هذه مقتطفات من شرح الشيخ ابن باز -رحمه الله- لرياض الصالحين – بما يتعلق بصلة الأرحام: فذكر الأدلة على وجوب الأدلة وذكر فوائد فقال:
وزوجة الأب ليس لها حقّ الأم، زوجة الأب لها الصلة من باب الإكرام، يعني: تقديرًا للأب …
وفي هذا قصة أبي طلحة لما سمع قول الله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] وأراد التصدق بأرضه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ….. وإنِّي أرى أن تضعها في الأقربين يعني: تُوزّعها بين أقاربك، فوزَّعها أبو طلحة بين أقاربه كما قال له النبيُّ ﷺ.
فهذا فيه الدلالة على فضل صلة الرحم: إخوة، وأبناء، وأعمام، وأخوال، وبني عم، وبني أخ، وأشباههم من الأقارب
الحديث الأول
الحديث الأول: فيه أنَّ ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها كانت لها جارية، فأعتقتها، فلما دار عليها النبي ﷺ في يومها قالت: يا رسول الله، أشعرتَ أني أعتقتُ فلانة؟ للجارية، قال ﷺ: أما إنَّكِ لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجركِ .
هذا يدل على أنَّ الصدقة في الأخوال والأعمام أفضل من العتق، فلها فضلٌ عظيمٌ، وهذا يدل على أنهم محاويج، وأن الصدقة فيهم أفضل من العتق، مثل الحديث الآخر: يقول ﷺ: الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصِلَة، وهذا يفيد تأكيد مساعدة الأقارب والإحسان إليهم مما لدى قريبهم من الزكاة وغيرها، لكن إذا كانوا من ذريته أو من آبائه وأجداده -فروعه وأصوله- يكون من غير الزكاة؛ لأن عليه أن يُنفق عليهم، فلا يُعطيهم الزكاة، ولكن يُنْفِق عليهم من ماله.
الحديث الثاني
وهكذا قصة أسماء بنت أبي بكر …. قال النبيُّ ﷺ: صِلِيها يعني أمك : أحسني إليها كما قال الله جل وعلا: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83]، أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]، وقال الله في حقِّ الكافِرَيْنِ: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15] وهما كافران، وقال جلَّ وعلا: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]
الحديث الثالث
وهكذا حديث زينب امرأة ابن مسعودٍ رضي الله عنها: أنها أتت النبيَّ ﷺ تقول له: هل تُجزئ الصدقة في أيتامٍ عندي وفي زوجي؟ فقال النبيُّ ﷺ: اثنتان: صدقة، وصلة، هذه الإعانة صدقة في الزوج الفقير وليس عام من أولادها صدقة وصلة، يعني: من غير الزكاة، تُعطيها أيتامها من غير الزكاة؛ لأنَّ أموال الصَّدقة إذا أُطلقت فيُقصد بها صدقة التَّطوع، فالمعنى: أنَّ لها أجرين: أجر الصدقة، وأجر الصِّلة جميعًا.
….. والرسول ﷺ بلَّغ وأنذر ومن هذا أنه ﷺ أنذر عشيرته لما قال الله له: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، فصعد الصفا ونادى: يا معشر قريش، اشتروا أنفسَكم من النار، يا بني عبد مناف، اشتروا أنفسَكم من النار، يا بني قُصي بن كلاب، اشتروا أنفسَكم من النار، حتى خصَّ: يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب، حتى قال: يا فاطمة، اشتري نفسَك من النار، فإنِّي لا أملك لكم من الله شيئًا، غير أنَّ لكم رَحِمًا سأبُلها ببلالها يعني: سأصلها بصلتها.
فهذا كله يدل على أنَّ الأمر عظيم، وأن الواجب على المسلمين العناية بالرحم.
وهكذا وصايته بأهل مصر؛ لأنَّ لهم رَحِمًا وذِمَّةً، فهاجر أم إسماعيل منهم، ومارية المصرية أم إبراهيم ابن النبي ﷺ، فهذا يدل على أنه ينبغي العناية بالأرحام والأقارب والحرص على صلة الرحم.
وكذلك حديث أبي سفيان لما كان في الشام وسأله هرقل عمَّا يأمرهم به النبيُّ ﷺ، وكان قبل أن يُسْلِم، فقال: إنه يأمرنا أن نعبد الله وحده، يقول: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصِّلة، فقال هرقلُ لمَّا قال له هذا الكلام: هذا أمر النبوة، هذا لا يأمر به إلا نبيٌّ، لو قدرت لتَجَشَّمْتُ المشقةَ للوصول إليه، ولغسَلْتُ عن قدميه.
ومن هذا قول خديجة رضي الله عنها لما جاءها النبيُّ فزعًا حين جاءه جبرائيلُ في الغار وحصل ما حصل، جاءها يرجف فؤاده من شدَّة ما أصابه عند الوحي، لما غطَّه جبرائيلُ ثلاث غطَّات، قالت: “كلا والله لا يخزيك الله، إنَّك لتصل الرحم، وتَقْرِي الضيف، وتحمل الكَلَّ، وتصدق الحديثَ، وتُعِين على نوائب الحقِّ”، اللَّهم صلِّ عليه، فهذه الخصال العظيمة كانت فيه قبل أن يُوحَى إليه عليه الصلاة والسلام، ومنها صلة الرحم.
17 – مضى الكلام على بعض مسائل صلة الأرحام في:
الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم رقم ٤٧٥٧
والصحيح المسند رقم ١٠٩٨.