: 249 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
قال الشيخ مقبل:
249 – قال أبو داود رحمه الله (ج 9 ص 131): حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أخبرَنَا حَمَّادٌ أَنْبَأَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ رَجُلًا قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي نَذَرْتُ لِلَّهِ إِنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ «صَلِّ هَاهُنَا» ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ «صَلِّ هَاهُنَا» ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ «شَانُكَ إِذَنْ».
هذا حديث صحيحٌ على شرط مسلم.
———
قال محققو المسند:
إسناده قوي، رجاله رجال الصحيح.
وأخرجه عبد بن حميد (1009)، والدارمي (2339)، وأبو داود (3305)، وابن الجارود (945)، وأبو يعلى (2116) و (2224)، والطحاوي 3/ 125، والحاكم 4/ 304 – 305 من طرق عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي 10/ 82 – 83 من طريق بكار بن الخصيب، عن حبيب المعلم، به.
وأخرجه عبد الرزاق (15891) من طريق إبراهيم بن يزيد، عن عطاء مرسلاً.
وفي الباب عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن رجال من الأنصار من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند عبد الرزاق (15890)، وأبي داود (3306).
وفي هذا الحديث دليل على أن من جعل لله عليه أن يُصلي في مكانٍ، فصلى في غيره أجزأه ذلك.
قال في “بدائع الصنايع”: وإن كان الشرط مقيداً لمكان بأن قال: لله علي أن أصلي ركعتين في موضع كذا، أو أتصدق على فقراء في بلد كذا، يجوز أداؤه في غير ذلك المكان عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن
مسند أحمد (23/ 186 ط الرسالة)
يقصدون في الباب حديث في مسند أحمد
(23169) – حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أخْبَرَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، أخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ الحَكَمِ بْنِ أبِي سُفْيانَ، أنَّ حَفْصَ بْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وعَمْرَو بْنَ حَيَّةَ أخْبَراهُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ رِجالٍ مِنَ الأنْصارِ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ?، أنَّ رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ جاءَ إلى النَّبِيِّ ? يَوْمَ الفَتْحِ والنَّبِيُّ فِي مَجْلِسٍ قَرِيبٍ مِنَ المَقامِ، فَسَلَّمَ عَلى النَّبِيِّ ? ثُمَّ قالَ: يا نَبِيَّ اللهِ، إنِّي نَذَرْتُ لَئِنْ فَتَحَ اللهُ لِلنَّبِيِّ والمُؤْمِنِينَ مَكَّةَ لَأُصَلِّيَنَّ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، وإنِّي وجَدْتُ رَجُلًا مِن أهْلِ الشّامِ هاهُنا فِي قُرَيْشٍ مُقْبِلًا مَعِي ومُدْبِرًا، فَقالَ النَّبِيُّ ?: «هاهُنا فَصَلِّ»، فَقالَ الرَّجُلُ قَوْلَهُ هَذا ثَلاثَ مَرّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ ?: «هاهُنا فَصَلِّ»، ثُمَّ قالَ الرّابِعَةَ مَقالَتَهُ هَذِهِ، فَقالَ النَّبِيُّ ?: «اذْهَبْ فَصَلِّ فِيهِ، فَوالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالحَقِّ، لَوْ صَلَّيْتَ هاهُنا لَقَضى عَنْكَ ذَلِكَ كُلَّ صَلاةٍ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ»
(23170) – حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، أخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ الحَكَمِ بْنِ أبِي سُفْيانَ، أنَّ حَفْصَ بْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وعَمْرَو بْنَ حَيَّةَ أخْبَراهُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأنْصارِ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللهِ ?، أنَّ رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ جاءَ إلى النَّبِيِّ ?، فَذَكَرَهُ، وقالَ: هاهُنا فِي قُرَيْشٍ خَفِيرٌ لِي مُقْبِلًا ومُدْبِرًا، فَقالَ: «هاهُنا فَصَلِّ»، فَذَكَرَ مَعْناهُ
قال محققو المسند: حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة يوسف بن الحكم ومن فوقه. ابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز.
وأخرجه المزي في ترجمة حفص بن عمر بن عبد الرحمن من «تهذيب الكمال» (7) / (31) من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد.
وهو في «مصنف» عبد الرزاق ((15890)).
وأخرجه أبو داود ((3306)) من طريق أبي عاصم النبيل وروح بن عبادة، عن جريج، به. وقال: رواه الأنصاري، عن ابن جريج، فقال: جعفر بن عمر، قال: أخبراه عن عبد الرحمن بن عوف وعن رجال من أصحاب النبي ?.
وانظر الحديث التالي. انتهى
يقصدون بالحديث التالي حديث رقم في مسند أحمد (23170) الذي سبق نقلناه
بينما قال الألباني في تخريج سنن أبي داود ضعيف ربما يقصد لفظة (لو صليت هاهنا لأجزأ عنك صلاة في بيت المقدس). تخالف أن الصلوات في المسجد الحرام أفضل من بيت المقدس … وورد (لَوْ صَلَّيْتَ هاهُنا لَقَضى عَنْكَ ذَلِكَ كُلَّ صَلاةٍ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ) كما سبق في مسند أحمد بزيادة (كل)
فعمرو بن حنة مقبول. وعمر بن عبدالرحمن بن عوف مجهول حال
وحفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف تابعه جعفر بن عمرو ذكره ابوداود بقي جهالة عمر بن عبد الرحمن بن عوف
بوب مقبل في الجامع على حديث جابر:
8 – من نذر أن يصلي في بيت المقدس فيجزئه أن يصلي في المسجد الحرام
قال ابن قدامة:
[فصل نذر الصلاة في المسجد الحرام]
(8188) فصل: وإذا نذر الصلاة في المسجد الحرام، لم تجزئه الصلاة في غيره لأنه أفضل المساجد وخيرها، وأكثرها ثوابا للمصلي فيها. وإن نذر الصلاة في المسجد الأقصى، أجزأته الصلاة في المسجد الحرام؛ لما روى جابر، أن «رجلا يوم الفتح، فقال: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك أن أصلي في بيت المقدس ركعتين. قال: صل هاهنا. ثم أعاد عليه، فقال: صل هاهنا. ثم أعاد عليه، قال: صل هاهنا. ثم أعاد عليه، فقال: شأنك» رواه أبو داود، ورواه الإمام أحمد، ولفظه «والذي نفسي بيده، لو صليت ها هنا لأجزأ عنك كل صلاة في بيت المقدس». وإن نذر إتيان المسجد الأقصى، والصلاة فيه، أجزأته الصلاة فيه، وفي مسجد المدينة؛ لأنه أفضل. وإن نذر ذلك في مسجد المدينة، لم يجزئه فعله في المسجد الأقصى؛ لأنه مفضول. وقد سبق هذا في باب الاعتكاف
المغني لابن قدامة – ط مكتبة القاهرة (10/ 17)
قال ابن تيمية:
فَفِي الْمُسْنَدِ مُسْنَدِ أَحْمَد وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد قَالَ أَبُو دَاوُد: ثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ أَنَا حَبِيبُ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ {أَنَّ رَجُلًا قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي نَذَرْت إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْك مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: مَرَّةً رَكْعَتَيْنِ قَالَ: صَلِّ هَاهُنَا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: صَلِّ هَاهُنَا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ؛ قَالَ: فَشَانُك إذَا} قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلِهَذَا فِي السُّنَنِ طَرِيقٌ ثَالِثٌ رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد. عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو دَاوُد: ثَنَا بْنُ خَالِدٍ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ وَثَنًا عَبَّاسٌ العنبري ثَنَا رَوْحٌ عَنْ ابْنِ جريج أَنَا يُوسُفُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ: أَنَّهُ سَمِعَ حَفْصَ بْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْخَبَرِ زَادَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” {وَاَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَوْ صَلَّيْت هَاهُنَا لَأَجْزَأَ عَنْك صَلَاةً فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ} ” قَالَ أَبُو دَاوُد رَوَاهُ الْأَنْصَارُ عَنْ ابْنِ جريج. قَالَ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حِنَّةَ: وَقَالَ عُمَرُ: أَخْبَرَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي الْمُسْنَدِ وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ (1396) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {أَنَّ امْرَأَةً شَكَتْ شَكْوَى فَقَالَتْ: إنْ شَفَانِي اللَّهُ فَلَأَخْرُجَن فَلَأُصَلِّيَن فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَبَرَأَتْ ثُمَّ تَجَهَّزَتْ تُرِيدُ الْخُرُوجَ فَجَاءَتْ مَيْمُونَةُ تُسَلِّمُ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَتْهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ اجْلِسِي وَكُلِي مَا صَنَعْت وَصَلِّي فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: صَلَاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ} “. وَهَذَا مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَبِي يُوسُفَ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمْ: قَالُوا: إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَجْزَأَهُ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْزَأَهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ وَمَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ لِلصَّلَاةِ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَاتِيَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِحَجِّ أَوْ عُمْرَةٍ؛ فَإِنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ بِلَا نِزَاعٍ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ بَنَى هَذَا عَلَى أَصْلِهِ؛ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ. وَأَمَّا مَالِكٍ وَأَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ فَيُوجِبُونَ بِالنَّذْرِ مَا كَانَ طَاعَةً؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جِنْسُهُ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ” {مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ} “. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” صَلِّ هَاهُنَا ” وَقَالَ: {لَوْ صَلَّيْت هُنَا لَأَجْزَأَ عَنْك صَلَاةً – أَوْ كُلَّ صَلَاةٍ – فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ} ” فَخَصَّ الْأَمْرَ بِالصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَمْ يَقُلْ: صَلِّ حَيْثُ شِئْت وَقَالَ: ” {لَوْ صَلَّيْت هَاهُنَا لَأَجْزَأَ عَنْك صَلَاةً فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ} ” فَجَعَلَ الْمُجْزَى عَنْهُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَفْضَلِ؛ لَا فِي كُلِّ مَكَانٍ. فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهُ إلَى الْبَدَلِ إلَّا لِفَضْلِهِ؛ لَا لِكَوْنِ الصَّلَاةِ لَمْ تَتَعَيَّنْ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصِّحَاحِ تَفْضِيلُ مَسْجِدِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَفِي السُّنَنِ وَالْمُسْنَدِ تَفْضِيلُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى مَسْجِدِهِ وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: ” {لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا} ” وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمِ: ” {إنَّمَا يُسَافِرُ إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ} “.
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ السَّفَرَ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِرٌّ وَقُرْبَةٌ وَعَمَلٌ صَالِحٌ؛ وَلِهَذَا أَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْأَقْصَى مَعَ أَمْرِهِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْبَارِهِ أَنَّ ذَلِكَ يَجْزِيه فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ وَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَفْعَلَ عَيْنَ الْمَنْذُورِ وَأَنْ يَفْعَلَ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّذْرَ يُوجِبُ عَلَيْهِ مَا نَذَرَهُ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ الطَّاعَةِ؛ لِقَوْلِهِ: {مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ} وَهُوَ أَمْرٌ أَوْجَبَهُ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَجِبْ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً ثُمَّ إنَّ الشَّارِعَ بَيَّنَ أَنَّ الْبَدَلَ الْأَفْضَلَ يَقُومُ مَقَامَ هَذَا وَالْأُضْحِيَّةُ وَالْهَدْيُ الْمُعَيَّنُ وُجُوبُهُ مِنْ جِنْسِ وُجُوبِ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ إبْدَالَهُ بِخَيْرِ مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ ذَبْحِهِ بِعَيْنِهِ: كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ فِي الذِّمَّةِ؛ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَأَدَّى بِنْتَ لَبُونٍ؛ أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ لَبُونٍ فَأَدَّى حِقَّةً وَفِي ذَلِكَ حَدِيثٌ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ إذَا أَدَّى أَفْضَلَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زرارة عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ {أبي بْنِ كَعْبٍ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا فَمَرَرْت بِرَجُلِ فَلَمَّا جَمَعَ لِي مَالَهُ لَمْ أَجِدْ عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا بِنْتَ مَخَاضٍ فَقُلْت لَهُ أَدِّ بِنْتَ مَخَاضٍ؛ فَإِنَّهَا صَدَقَتُك. فَقَالَ: ذَاكَ مَا لَا لَبَنَ فِيهِ وَلَا ظَهْرَ؛ وَلَكِنْ هَذِهِ نَاقَةٌ فَتِيَّةٌ عَظِيمَةٌ سَمِينَةٌ فَخُذْهَا. فَقُلْت لَهُ: مَا أَنَا بِآخِذِ مَا لَمْ أُومِرَ بِهِ وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْك قَرِيبٌ فَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ تَاتِيَهُ فَتَعْرِضَ عَلَيْهِ مَا عَرَضْت عَلَيَّ فَافْعَلْ فَإِنْ قَبِلَهُ مِنْك قَبِلْته وَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْك رَدَّدْته. قَالَ. فَإِنِّي فَاعِلٌ فَخَرَجَ مَعِي وَخَرَجَ بِالنَّاقَةِ الَّتِي عَرَضَ عَلَيَّ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتَانِي رَسُولُك لِيَاخُذَ مِنْ صَدَقَةِ مَالِي وَاَيْمُ اللَّهِ مَا قَامَ فِي مَالِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا رَسُولُهُ قَطُّ قَبْلَهُ فَجَمَعْت لَهُ مَالِي فَزَعَمَ أَنَّ مَا عَلَيَّ إلَّا بِنْتُ مَخَاضٍ وَذَلِكَ مَا لَا لَبَنَ فِيهِ وَلَا ظَهْرَ وَقَدْ عَرَضْت عَلَيْهِ نَاقَةً فَتِيَّةً عَظِيمَةً لِيَاخُذَهَا فَأَبَى عَلَيَّ وَهَا هِيَ هَذِهِ قَدْ جِئْتُك بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
خُذْهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الَّذِي عَلَيْك فَإِنْ تَطَوَّعْت بِخَيْرِ آجَرَك اللَّهُ فِيهِ وَقَبِلْنَاهُ مِنْك قَالَ: فَهَا هِيَ ذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ جِئْتُك بِهَا فَخُذْهَا قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْضِهَا وَدَعَا لَهُ فِي مَالِهِ بِالْبَرَكَةِ} وَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ إجْزَاءِ سِنٍّ أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ مَذْهَبُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْفُقَهَاءِ الْمَشْهُورِينَ وَغَيْرِهِمْ. فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ إبْدَالَ الْوَاجِبِ بِخَيْرِ مِنْهُ جَائِزٌ بَلْ يُسْتَحَبُّ فِيمَا وَجَبَ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ وَبِإِيجَابِ الْعَبْدِ.
مجموع الفتاوى (31/ 245)
وحديث أبي بن كعب حسنه الألباني في سنن أبي داود (1583)
فيه عمارة بن عمرو بن حزم ذكر الشيخ مقبل في تعليقه على المستدرك أنه روى عنه جمع ولم يوثقه معتبر. انتهى لكن بالإضافة لتوثيق العجلي وذكر ابن حبان له في الثقات أخرج له ابن خزيمة وهو لا يخرج إلا من هو عدل عنده وصحح الحديث النووي فيمكن أن نجعله على شرط المتمم.
وفي الصحيحة
(2902) – «صلاة هاهنا – يريد المدينة – خير من ألف صلاة هاهنا – يريد إيلياء -».
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» ((1) / (247)) والحاكم ((3) / (504)) والطبراني
في «المعجم الكبير» ((1) / (285) / (907)) ومن طريقه أبو نعيم في «المعرفة» (
(2) / (381) / (1006)) من طريق عطاف بن خالد عن عبد الله بن عثمان بن الأرقم [عن
جده الأرقم] أنه قال: جئت رسول الله ?، فقال لي: أين
تريد؟ فقلت: إلى بيت المقدس، فقال: إلى تجارة؟ فقلت: لا، ولكن أردت أن
أصلي فيه. فقال: فذكره، والسياق للطحاوي، والزيادة من الآخرين، ولفظهما
: (صلاة ههنا، خير من ألف صلاة ثم) ….
قال: فجلس الأرقم ولم
يخرج». قلت: فهذا مما يرجح أن المقصود إنما هو مسجد المدينة لا مكة
قيل: ما فائدة هذا التحقيق، سواء ما كان منه متعلقا بالإسناد أو المتن ما دام
أن السند ضعيف عندك؟ وجوابا عليه أقول: لا تلازم بين الأمرين، فقد يكون
المتن صحيحا مع ضعف إسناده لوجود طريق آخر له، أو شاهد، وهو ما يعرف بالحديث
الحسن أو الصحيح لغيره، وهذا هو واقع هذا الحديث. فقد وجدت له شاهدا قويا من
حديث أبي سعيد الخدري قال: ودع رسول الله ? رجلا فقال له: «
أين تريد؟». قال: أريد بيت المقدس. فقال له النبي ?:
فذكر الحديث بلفظ يحيى بن عمران. أخرجه أحمد، وابنه عبد الله في «زوائد
المسند» ((3) / (77))
وَدَّعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رجلًا فقال لهُ أينَ تُريدُ قال أُريدُ بيتَ المقدِسِ فقال لهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فالصلاةُ هاهنا وأوْمَأَ إلى مكةَ خيرٌ من ألفِ صلاةٍ وأومَأَ بيدِهِ إلى الشامِ انتهى من – «الصحيحة» ((2902)) فبلفظ: «ألف»، صحيح ولفظ: «مئة» شاذ.
قال ابن عثيمين:
وَإنْ عَيَّنَ الأَفْضَلَ لَمْ يُجْزِ فِيمَا دُونَهُ، وَعَكْسُه بِعَكْسِهِ.
قوله: «وإن عين الأفضل لم يجز فيما دونه وعكسه بعكسه» يعني إن عين الأفضل من هذه المساجد لم يجزه فيما دونه، فإذا عين المسجد الحرام لم يجز في المدينة، ولا في بيت المقدس، وإن عين المدينة جاز فيها وفي مسجد مكة «المسجد الحرام»، وإن عين الأقصى جاز فيه وفي المدينة، وفي المسجد الحرام؛ ولهذا قال: «وعكسه بعكسه» أي: من نذر الأدنى جاز في الأعلى.
والدليل على هذا: أن رجلاً جاء يوم فتح النبي صلّى الله عليه وسلّم مكة وقال: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة، أن أصلي في بيت المقدس ـ يعني شكراً لله ـ، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «صلِّ هاهنا، فسأله فقال: صلِّ هاهنا، فسأله الثالثة فقال: شأنك إذاً» فدل ذلك على أنه إذا نذر الأدنى جاز الأعلى لأنه أفضل، وأما إذا نذر الأعلى فإنه لا يجوز الأدنى؛ لأنه نقص على الوصف الذي نذره.
واستدل شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ وبعض أهل العلم بهذا الحديث على أنه يجوز نقل الوقف من جهة إلى جهة أفضل منها، وهذا الاستدلال استدلال واضح، وذلك لأن النذر يجب الوفاء به، فإذا رخص النبي صلّى الله عليه وسلّم بالانتقال إلى ما هو أعلى في النذر الواجب، فالوقف الذي أصله مستحب من باب أولى.
وهذا في الأوقاف العامة، أما الأوقاف الخاصة كالذي يوقف على ولده مثلاً، فإنه لا يجوز أن ينقل إلا إذا انقطع النسل، وذلك لأن الوقف الخاص خاص لمن وقف له.
الشرح الممتع على زاد المستقنع (6/ 519)
وقال أيضا:
مثال آخر: رجل ذهب ليحج وأحرم بالحج في أشهره، ثم قيل له: إن التمتع أفضل، فحول الحج ليصير متمتعاً، فهذا جائز، بل سنة؛ لأنه انتقل من مفضول إلى أفضل، ولم يتحيل على إسقاط واجب، ويدل لهذا أن رجلاً جاء إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقال: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة، أن أصلي في بيت المقدس، قال: «صلِّ هاهنا» يعني في مكة؛ ـ لأن مكة أفضل من بيت المقدس ـ فأعاد عليه، قال: «صلِّ هاهنا»، فأعاد عليه قال: «فشأنك إذن» (1).
ونظير هذا رجل شرع في صلاة الظهر منفرداً، فحضرت جماعة فحولها إلى نفل ليدخل مع الجماعة، فهذا جائز.
مثال آخر: رجل دخل في صلاة الظهر ولما وصل إلى الركعة الثانية تذكر شيئاً لا يفوت فقال: أقلبها إلى نفل من أجل أن أتخلص به منها، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا تحيل على إسقاط واجب؛ لأنه إذا شرع في الفرض وجب عليه إتمامه، فالذي ينتقل عن شيء إلى آخر تخلصاً من الأول لوجوبه عليه فهذا لا يصح؛ لأن الواجبات لا تسقط بالتحيل عليها، كما أن المحرمات لا تحل بالتحيل عليها.
وأما من انتقل من واجب لتكميل هذا الواجب، فإن ذلك جائز، ولا بأس به؛ لأنه تحول إلى أفضل
الشرح الممتع على زاد المستقنع (7/ 97)
وقال أيضا:
الحديث السابع والثلاثون
عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم فِيْمَا يَرْوِيْهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ الله كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمائَةِ ضِعْفٍ إِلىَ أَضْعَاف كَثِيْرَةٍ. وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً) (1) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ في صَحِيْحَيْهِمَا بِهَذِهِ الحُرُوْفِ.
الشرح: قال ابن عثيمين بعد أن ذكر شرح الحديث:
واعلم أن الهم بالسيئة له أحوال:
الحال الأولى: أن يهم بالسيئة أي يعزم عليها بقلبه، وليس مجرد حديث النفس، ثم يراجع نفسه فيتركها لله عزّ وجل، فهذا هو الذي يؤجر، فتكتب له حسنة كاملة، لأنه تركها لله ولم يعمل حتى يكتب عليه سيئة.
الحال الثانية: أن يهم بالسيئة ويعزم عليها لكن يعجز عنها بدون أن يسعى بأسبابها: كالرجل الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليت لي مثل مال فلان فأعمل فيه مثل عمله وكان فلان يسرف على نفسه في تصريف ماله، فهذا يكتب عليه سيئة، لكن ليس كعامل السيئة، بل يكتب وزر نيته، كما جاء في الحديث بلفظه: “فَهوَ بِنيَّتهِ”، فَهُمَا في الوِزرِ سواء
الحال الثالثة: أن يهم بالسيئة ويسعى في الحصول عليها ولكن يعجز، فهذا يكتب عليه وزر السيئة كاملاً، دليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إِذَا اِلتَقَى المُسلِمَانِ بِسيفَيهِمَا فَالقَاتِل وَالمَقتول في النَّار قَالَ: يَا رَسُول الله هَذا القَاتِلُ، فَمَا بَالُ المَقتُول؟ ” أي لماذا يكون في النار- قَالَ: “لأَنَّهُ كَانَ حَريصَاً عَلَى قَتلِ صَاحِبِهِ” فكتب عليه عقوبة القاتل.
ومثاله: لو أن إنساناً تهيأ ليسرق وأتى بالسلم ليتسلق، ولكن عجز، فهذا يكتب عليه وزر السارق، لأنه هم بالسيئة وسعى بأسبابها ولكن عجز.
الحال الرابعة: أن يهم الإنسان بالسيئة ثم يعزف عنها لا لله ولا للعجز، فهذا لا له ولا عليه، وهذا يقع كثيراً، يهم الإنسان بالسيئة ثم تطيب نفسه ويعزف عنها، فهذا لا يثاب لأنه لم يتركها لله، ولا يعاقب لأنه لم يفعل ما يوجب العقوبة.
وعلى هذا فيكون قوله في الحديث: “كَتَبَهَا عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً” أي إذا تركها لله عزّ وجل.
“وَإِن هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيئةً وَاحِدةً”، ولهذا قال الله عزّ وجل: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (الأنعام: الآية54) وقال الله تعالى في الحديث القدسي: “إِنَّ رَحْمَتِيْ سَبَقَتْ غَضَبِيْ” وهذا ظاهر من الثواب على الأعمال، والجزاء على الأعمال السيئة.
شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص368)
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
ج – نَذْرُ الاِعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ الأَقْصَى:
43 – مَنْ نَذَرَ الاِعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ الأَقْصَى فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ الاِعْتِكَافُ فِيهِ، وَلَكِنْ ثَمَّةَ خِلَافٌ فِي تَعَيُّنِهِ بِالنَّذْرِ لِهَذَا الاِعْتِكَافِ، أَوْ عَدَمِ تَعَيُّنِهِ، وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ اتِّجَاهَاتٍ:
الاِتِّجَاهُ الأَوَّل: يَرَى أَنَّ مَنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الأَقْصَى لاِعْتِكَافِهِ الْمَنْذُورِ تَعَيَّنَ بِالنَّذْرِ، وَجَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنِ الاِعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، قَال بِهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الاصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ …
الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: يَرَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ الاِعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ الأَقْصَى فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ، وَيُجْزِئُهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَلَوْ كَانَ دُونَهُ فِي الْفَضْل، ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ …
الاِتِّجَاهُ الثَّالِثُ: يَرَى أَنَّ مَنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الاقْصَى لاِعْتِكَافِهِ تَعَيَّنَ بِالنَّذْرِ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَل مِنْهُ قَال بِهِ زُفَرُ …
الموسوعة الفقهية الكويتية (40/ 182)