248 جامع الأجوبة الفقهية ص 288
جامع الأجوبة الفقهية ص 288
مشاركة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام
مسألة: خروج المني لمرضٍ أو إبردة.
تقدم معنا في المسألة السابقة إجماع العلماء على وجوب الغسل لخروج المني بشهوة في حال الصحة، وفي هذه المسألة إذا خرج المني لمرضٍ أو إبردة فهل يوجب الغسل؟ على قولين لأهل العلم:
الأول: لا يوجب الغسل إلا إذا خرج دفقاً بلذة، وهو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة.
الثاني: يوجب الغسل على أي صفة خرج، سواء كان بدفق أم بغيره، وسواء كان بلذة أم بغير لذة، وهو مذهب الشافعي.
انظر: بدائع الصنائع (1/ 36)، حاشية ابن عابدين (1/ 160)، حاشية الدسوقي (1/ 127 – 128)، مواهب الجليل (1/ 305)، المغني (1/ 128)، المبدع (1/ 177)، المجموع (2/ 158).
– استدل الجمهور على اشتراط الدفق بلذة لوجب الغسل بعدة أدلة منها:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ} سورة الطارق: (5 و6).
وجه الاستدلال:
أن الماء الذي يجب منه الغسل إنما هو الماء الذي يكون منه الولد، وقد ذكر الله لنا صفته، بقوله: {مِن مَّاء دَافِقٍ} فإذا خرج بدون دفق فلا يعتبر هو الماء الذي يكون منه الولد، والذي يجب به الغسل.
الدليل الثاني:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت رجلا مذاء، فجعلت أغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري، قال: فذكرت ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم – أو ذكر له، قال: فقال: لا تفعل، إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فضخت الماء فاغتسل. رواه أحمد في المسند (1/ 109)
وفي رواية لأحمد في المسند (1/ 107)، عن علي قال: ” كنت رجلا مذاء، فسألت النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: إذا حذفت فاغتسل من الجنابة، وإذا لم تكن حاذفاً فلا تغتسل “.
قال الشيخ الالباني في إرواء الغليل (1/ 162)
رواه أبو داود والنسائى أيضا والطيالسى والطحاوى وأحمد من طريق حصين بن قبيصة عن على , وإسناده صحيح وصححه ابن خزيمة وابن حبان (241) والنووى , وهو فى الصحيحين وغيرهما من طرق أخرى عن على دون قوله: ” فاذا فضخت … “. وقد مضى (108).
وفى رواية بلفظ: ” إذا حذفت فاغتسل من الجنابة … وإذا لم تكن حاذفا فلا تغتسل “.
أخرجه أحمد بسند حسن أو صحيح. انتهى
قال ابن الأثير في النهاية (ص: 709): قوله: وإذا رأيت فضخ الماء فاغتسل ” أي دفقه، يريد المني. انتهى
– دليل الشافعية على وجوب الغسل بخروج المني كيفما كان:
الدليل الأول:
عن أبي سعيد الخدري، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: إنما الماء من الماء. رواه مسلم برقم (343).
الدليل الثاني:
القياس على إيلاج الحشفة، فكما أن إيلاج الحشفة يجب به الغسل، سواء كان هذا بلذة أم بغير لذة، فكذلك نزول المني موجب للغسل، سواء كان ذلك بلذة أم بغيرها.
واجيب: قالوا أن الموجب له الإنزال للشهوة، وذلك لا يتصور لما كان لغير الشهوة؛ لأن ما يخرج من غير سبب منه لا يقال له إنزال، فلا يصح ما قالوه، ولأن التقاء الختانين لا يكون إلا مع الانتشار، وما حصل من غير انتشار؛ فلا يعرف وجوب الغسل منه.
الدليل الثالث:
القياس على خروج المني حال النوم، فكما أنه يجب عليه الغسل إذا استيقظ ورأى ماء، ولو كان خروجه بدون لذة، فكذلك رؤيته حال اليقظة لا تشترط فيها اللذة.
واجيب: القياس أن لا يوجب الغسل بهذا، وإنما استحسنوا لأن الظاهر خروج المني بالاحتلام، وخروجه من غير احتلام ليس بظاهر، فحمل على الأغلب احتياطًا.
– جاء في التجريد للقدوري (1/ 207):
قال أصحابنا: إذا خرج المني على غير وجه الدفق والشهوة، لم يجب الغسل، خلافًا للشافعي، لأنه خارج على غير وجه الدفق والشهوة، فلم يتعلق بخروجه جنابة، كالمذي.
وقولهم: إن قولكم جنابة احترازكم عن الحيض، وإلا فالغسل من الجنابة والحيض سواء، غير صحيح؛ لأن قولنا: جنابة عبارة عن حدث لا يمنع وجوب الصلاة ويؤثر في المنع من الوطء، ولأن خروج المني على وجه الدفق والشهوة أعلى أحواله، وهو المعتاد، وخروجه على غير وجه الدفق أدنى أحواله، وهو النادر، فلم يتعلق بالأدنى منه ما يتعلق بالأعلى، كدم الحيض والاستحاضة، ولأنه خارج لا يجب به المضمضة فلم يجب به الغسل، كاليدين. انتهى
– قال النووي في المجموع (2/ 158):
ولا فرق عندنا بين خروجه بجماع أو احتلام, أو استمناء أو نظر أو بغير سبب, سواء خرج بشهوة أو غيرها، وسواء تلذذ بخروجه أم لا, وسواء خرج كثيراً أو يسيراً، ولو بعض قطرة, وسواء خرج في النوم أو اليقظة، من الرجل والمرأة: العاقل والمجنون , فكل ذلك يوجب الغسل عندنا، وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا يجب إلا إذا خرج بشهوة ودفق. اهـ
– قال ابن قدامة في المغني (1/ 146):
فإن خرج شبيه المني؛ لمرض أو برد لا عن شهوة، فلا غسل فيه. وهذا قول أبي حنيفة ومالك. وقال الشافعي: ويجب به الغسل. ويحتمله كلام الخرقي لقوله – عليه السلام -: إذا رأت الماء “. وقوله: «الماء من الماء»؛ ولأنه مني خارج فأوجب الغسل، كما لو خرج حال الإغماء. انتهى
– جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (6/ 333):
“يرى جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة) أن خروج المني لغير لذة وشهوة، بأن كان بسبب برد أو مرض، أو ضربة على الظهر، أو سقوط من علو، أو لدغة عقرب، أو ما شابه ذلك، لا يوجب الغسل، ولكن يوجب الوضوء.
أما الشافعية فإنه يجب الغسل عندهم بخروج المني، سواء أكان بشهوة ولذة، أم كان بغير ذلك، بأن كان لمرض ونحوه مما سبق، وهذا إذا خرج المني من المخرج المعتاد، وكذا الحكم إذا خرج من غير مخرجه المعتاد وكان مستحكما، أما إذا لم يكن مستحكما مع خروجه من غير المخرج المعتاد فلا يجب الغسل. انتهى
– وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الصوتي لزاد المستقنع – ابن عثيمين (1/ 397):
أولًا: (خروج المني دفقًا بلذة لا بدونها) إلى آخره، هذا من موجبات الغسل، ودليله قوله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، والجنب: هو الذي خرج منه المني دفقًا بلذة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ» (4)، الماء يعني الغسل؛ فعبَّر بالماء عنه، «مِنَ الْمَاءِ»؛ أي: من المني، فإذا خرج فإنه يوجب الغسل.
وظاهر الحديث أنه يجب الغسل سواء خرج على الوصف الذي ذكر المؤلف أم لم يخرج، وهذا هو مذهب الشافعي رحمه الله: أن خروج المني مطلقًا موجِب للغسل لعموم الحديث حتى ولو بدون شهوة، وبأي سبب خرج، ولكن المؤلف لا يرى هذا الرأي، وهو قول جمهور أهل العلم على أنه يشترط لوجوب الغسل بخروجه أن يكون دفقًا بلذة، لكن المؤلف اشترط شرطين: دفقًا وبِلذَّة.
وبعض العلماء قال: بلذَّة، وحذف دفقًا، وقال: إنه لا يمكن إذا خرج بلذة إلا أن يكون دفقًا، فاستغنى عن كلمة (دفقًا) بقوله: (بلذة)، والمؤلف أتى بها لموافقة قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 5 – 7].
فإذا خرج من غير لذة من إنسان يقظان؛ فإنه لا يُوجب الغسل على ما ذهب إليه المؤلف، وهو الصحيح.
فإن قلت: ما الجواب عن الحديث: «الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ»؟
قلنا: إن هذا يُحمل على المعهود المعروف؛ الذي هو خروجه بلذة، وهو الذي يُوجب تَحلُّل البدن، وفتور البدن، أما الذي يخرج بدون ذلك، فإنه لا يُوجب تحلله ولا فتوره، ولهذا قالوا: إن لهذا الماء ثلاث علامات:
أولًا: أنه يخرج دفقًا.
والثاني: باعتبار رائحته؛ فإن رائحته إذا كان يابسًا كرائحة البيض، وإذا كان غير يابس كرائحة العجين واللقاح.
والشيء الثالث: فتور البدن بعد خروجه.
هذه علاماته، وإذا كانت هذه هي علاماته، فإنه إذا خرج على هذا الوصف صار موجبًا للغسل، وبدونه لا يجب. انتهى
وسبق في المسألة السابقة كلام ابن باز:
قال: المني: هو ما يخرج دفقًا بلذةٍ لشهوةٍ، يقال له: مني، وهو ماء غليظ يخرج عن الشَّهوة
لقوله ?: إذا حذفت الماء فاغتسل، دليل على أنَّ المراد إذا خرج عن شهوةٍ، كما قال المؤلفُ.
والله أعلم …