246 جامع الأجوبة الفقهية ص 287
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام:
مسألة: البول في المستحم.
قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 445):
المُسْتَحَمّ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُغْتَسل فِيهِ بالحَمِيم، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ: الْمَاءُ الحارُّ، ثُمَّ قِيلَ للاغتِسال بأيِّ مَاءٍ كَانَ اسْتِحْمَامٌ “. انتهى
قال الخطابي في معالم السنن (1/ 31):
المستحم: المغتسل، ويسمى مستحماً باسم الحميم، وهو الماء الحار الذي يغتسل به، وإنما نهي عن ذلك إذا لم يكن المكان جدداً صلباً، أو لم يكن مسلك ينفذ فيه البول، ويسيل فيه الماء، فيوهم المغتسل أنه أصابه من قطره ورشاشه، فيورثه الوسواس. انتهى
– كره أهل العلم البول في المستحم للنهي الوارد في الأحاديث ومنها:
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ، فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ).
رواه الترمذي (21)، والنسائي (36)، وأبو داود (27)، وصححه ابن القطان في ” بيان الوهم والإيهام” (5/ 606)، والمنذري في ” الترغيب والترهيب ” (1/ 111)، وحسنه النووي في “خلاصة الأحكام” (1/ 156)، وصححه العراقي، والشيخ مقبل الوادعي في ” الصحيح المسند (883)
وتكلم فيه بعضهم لأن في إسناده: أشعث بن عبد الله الأعمى، وفيه كلام، وصححه الألباني في ” ضعيف الترمذي” (21) دون زيادة: (فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ)، لأن الفقرة الأولى جاء ما يشهد لها، بخلاف هذه الجملة.
ففي سنن النسائي (238)، وأبي داود (28) عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: ” لَقِيتُ رَجُلًا صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعَ سِنِينَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبُولَ أحدنا فِي مُغْتَسَلِهِ “.صححه النووي في ” المجموع ” (2/ 91)، وصححه الألباني.
* – قال البخاري: يرون أشعث هذا هو ابن جابر الحداني، ولا يعرف إلا من هذا الوجه.
وضعفه الترمذي فقال: غريب، وكذلك ضعفه العقيلي؛ لأنه ورد موقوفا، قال: حديث شعبه أولى. قلت: ممن رواه موقوفا سعيد بن أبي عروبة لكن خالف شعبه في لفظه فقال (نهي أو زجر عن البول في المغتسل) وإليه يميل ابن حجر حيث جعل الخطأ عن الرواه عن شعبه، وتعقبه محقق ضعفاء العقيلي – دار مجد الإسلام – بأنه ثابت عن شعبه، قلت: وقفت على شبابه وعمرو بن مرزوق رووه عن شعبه، والموقوف علقه البخاري في البول في المغتسل، قال ابن حجر: زاد الأصيلي وغيره: يأخذ منه الوسواس.
وضعف الألباني فقرة الوسواس بعنعنة الحسن
-والنهي عن البول في المغتسل له شاهد من حديث رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأنكره ابن المنذر، ودفع هذا الإنكار آخرين (راجع تحقيق المنتخب 505 – دار ابن عباس).
وهو في الصحيح المسند 1470
وعزاه لأبي داود من طريق زُهَيْرٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِىِّ – وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ – قَالَ لَقِيتُ رَجُلاً صَحِبَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ يَبُولَ فِى مُغْتَسَلِهِ.
قال الذهبي: قلت: مُنكر، وزُهَيْر هُوَ ابْن مُحَمَّد فِيهِ شَيْء، وقيل: بل زُهَيْر هُوَ ابْن مُعاوِيَة الجعْفِيّ أحد الثِّقات الأثْبات.
عبد العَزِيز بن المُخْتار، عَن عاصِم الأحول، عَن عبد الله بن سرجس» أن رَسُول الله [?] نهى أن يغْتَسل الرجل بِفضل المَرْأة، والمَرْأة بِفضل الرجل، ولَكِن يشرعان جَمِيعًا “.
تنقيح التحقيق 1/ 32
والحديث قد جاء عن جماعة من الصحابة ولا يصح شئ منها، قال أبوعبدالله بن منده: وأما نهي النبي صلى الله عليه وسلم – أن يغتسل بفضل وضوء المرأة فروي عن أبي هريرة، وأبي ذر، والحكم بن عمرو الغفاري، ورجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه ابوهريرة، ولا يثبت عن واحد منهم من جهة السند ا. ه كما في الامام لابن دقيق العيد 1/ 164
وقال ابن عبدالبر: الآثار في الكراهية لا تقوم بها حجة ا ه الاستذكار 2/ 13 انتهى من تحقيق البلوغ ط الآثار
ونقل ابن المنذر نقولات عن عمران وغيره من الصحابة أنهم قالوا: من بال في مغتسله لم يتطهر.
– ذهب عطاء وابن المنذر وعليه بوب ابن حبان أن النهي عن البول في المغتسل مختص في الذي ليس له مجرى. أما إسحاق فعمم. انتهى من تخريج سيف بن دورة لسنن أبي داود
– وقيَّد كثير من العلماء هذا النهي بقيدين:
الأول: أن يكون في الحمامات والمغتسلات التي ليس لها تصريف، أما إذا كان لمكان الاغتسال بالوعة يجري فيها الماء، فلا حرج من التبول فيه. ينظر: “معالم السنن” للخطابي (1/ 22)
قال عطاء: ” إذا كان له مخرج، فلا بأس به ” انتهى من “مصنف عبد الرزاق (1/ 256)
قال ابن المنذر: ” والذي قاله عطاء حسن” انتهى من ” الأوسط (1/ 344)
وَقَالَ عبد الله بْنُ الْمُبَارَكِ: ” قَدْ وُسِّعَ فِي الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ إِذَا جَرَى فِيهِ الْمَاءُ “انتهى من “سنن الترمذي (1/ 75)
وقال الدميري: ” هذا إذا لم يكن مسلك يذهب فيه البول، كالأخلية المعدَّة لذلك”.انتهى من النجم الوهاج في شرح المنهاج (1/ 295)
الثاني: أن تكون أرض الحمام الذي يغتسل فيه لينة أو ترابية، بحيث لو نزل فيه البول شربته الأرض واستقر فيها، فيكون ذلك سبباً للوسوسة بإصابته للنجاسة، أما إن كانت الأرض صلبةً كنحو بلاط بحيث يجري عليه البول، فلا نهي.
قَالَ ابْن مَاجَه: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيَّ يَقُولُ: ” إِنَّمَا هَذَا فِي الْحَفِيرَةِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا، فَمُغْتَسَلَاتُهُمْ الْجِصُّ، وَالصَّارُوجُ، وَالْقِيرُ، فَإِذَا بَالَ فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، لَا بَاسَ بِهِ ” انتهى من “سنن ابن ماجه (304)
الجص: ما يبنى به. “معرب”.
الصاروج: خليط يستعمل في طلاء الجدران والأحواض.
القير والقار: شيء أسود يطلى به السفن والإبل، أو هما الزفت. “المحيط”.
قَالَ الْحَافِظُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ: ” حَمَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمُغْتَسَلُ لَيِّنًا، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْفَذٌ بِحَيْثُ إِذَا نَزَلَ فِيهِ الْبَوْلُ شَرِبَتْهُ الْأَرْضُ، وَاِسْتَقَرَّ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ صُلْبًا بِبَلَاطٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ يَجْرِي عَلَيْهِ الْبَوْلُ وَلَا يَسْتَقِرُّ، أَوْ كَانَ فِيهِ مَنْفَذٌ كَالْبَالُوعَةِ وَنَحْوِهَا، فَلَا نَهْيَ ” انتهى، نقله عنه في السيوطي في “حاشيته على النسائي (1/ 31)
وقال ابن القيم: ” لَوْ كَانَ الْمَكَان مُبَلَّطًا، لَا يَسْتَقِرّ فِيهِ الْبَوْل , بَلْ يَذْهَب مَعَ الْمَاء، لَمْ يُكْرَه ذَلِكَ عِنْد جُمْهُور الْفُقَهَاء ” انتهى من ” تهذيب السنن (1/ 118)
– جاء في الموسوعة الفقهية (43/ 154): ” نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى كَرَاهَةِ الْبَوْل فِي مَكَانِ الاِسْتِحْمَامِ ” انتهى.
– جاء في تحفة الأحوذي (1/ 81):
وقوله: (إِنَّ عَامَّةَ الْوِسْوَاسِ مِنْهُ) ” أَيْ أَكْثَرُ الْوِسْوَاسِ يَحْصُلُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ , لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَوْضِعُ نَجِسًا فَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ وَسْوَسَةٌ بِأَنَّهُ هَلْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ رَشَاشِهِ أَمْ لَا “.انتهى
– قال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 105)
الحديث يدل على المنع من البول في محل الاغتسال لأنه يبقى أثره فإذا انتضح إلى المغتسل شيء من الماء بعد وقوعه على محل البول نجسه فلا يزال عند مباشرة الاغتسال متخيلا لذلك فيفضي به إلى الوسوسة التي علل صلى الله عليه وآله وسلم النهي بها.
وقد قيل إنه إذا كان للبول مسلك ينفذ فيه فلا كراهة وربط النهي بعلة إفضاء المنهي عنه إلى الوسوسة يصلح قرينة لصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة. انتهى
قال الشوكاني في موضع أخر من نيل الأوطار (1/ 114): ” وَرَبَطُ النَّهْيَ بِعِلَّةِ إفْضَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إلَى الْوَسْوَسَةِ، يَصْلُحُ قَرِينَةً لِصَرْفِ النَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى الْكَرَاهَةِ ” انتهى من ” انتهى
– وسؤال الشيخ ابن عثيمين كما في لقاء الباب المفتوح (186/ 30)
فضيلة الشيخ! ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه أو يغتسل منه، فإن عامة الوسواس منه)؟
فأجاب رحمه الله:
المعنى: أن الإنسان لا يبول في المكان الذي يغتسل فيه أو يستحم؛ لأنه يتولد منه الوسواس، فيقول مثلاً: قد يكون أصاب ثوبي أو بدني، أو هل هو كذا، فيعطي له الوسواس؛ لأنه لن يتيقن أن النجاسة أصابته برشاش.
السائل: يقصد الحمام الذي يريد الغسل فيه؟ الشيخ: أما حماماتنا الآن فليس فيها إشكال؛ لأن حماماتنا الآن يبول الإنسان في الحوض، وهو محصور، وإذا استنجى طهر الحوض كما يطهر محل النجاسة من أعضائه. انتهى
وسؤال الشيخ أيضاً: هل التبول في البانيو أثناء الاستحمام يدخل في حديث النهي عن أن يبول الشّخص في مكان استحمامه؛ لأن مجرى الماء مفتوح فلا يدخل؟
فقال: ” لا، لا يدخل؛ لأنه إذا بال فسوف يريق عليه الماء، ثم يزول البول، لكن لا يستحم حتى يزيل البول بإراقة الماء عليه ” انتهى.
– قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود – (ص: 2)
والحديث يدل على النهي عن أن يبول الإنسان في المستحم ثم يتوضأ ويغتسل فيه، وقيل: إن المنع إنما هو في المكان الذي يستحم فيه إذا كان أرضاً سهلة، بمعنى: أنه يمسك البول ويمسك النجاسة. ومن العلماء من قال: إن المقصود به إذا كان صلباً بحيث إن الإنسان إذا بال يتطاير البول على الإنسان فيلحقه الضرر، وكذلك إذا كان المكان مكاناً صلباً ينحبس فيه البول ويتجمع فيه البول فإنه يحصل بذلك تعرض للوقوع في النجاسة، أما إذا كان له مجرى يمشي فيه كالأماكن الموجودة في البيوت في هذا الزمان من كون الماء له مسالك يذهب فيها فقالوا: إنه لا بأس ولا مانع من الاغتسال فيها.
والله أعلم …