245 و 246 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
28 – باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة
قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور:19].
وهذا الباب داخل في الباب السابق لأن من حقوق المسلمين أن يستر المسلم على المسلم ولا يشيع العورات، لكن لأهميته أفرده بالذكر.
قال ابن علان:” باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة من خوف أن يتسلط على إيذاء الغير والتعرض لإضرارهم ” (دليل الفالحين 1/ 424)
قال ابن عثيمين:” العورة هنا هي العورة المعنوية؛ لأن العورة نوعان: عورة حسية، وعورة معنوية.
فالعورة الحسية: هي ما يحرم النظر إليه؛ كالقبل والدبر وما أشبه ذلك مما هو معروف في الفقه.
والعورة المعنوية: وهي العيب والسوء الخلقي أو العملي.
ولا شك أن الإنسان كما وصفه الله عز وجل في قوله: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب: 72].
فالإنسان موصوف بهذين الوصفين: الظلم والجهل؛ فإما أن يرتكب الخطأ عن عمد؛ فيكون ظالما، وإما أن يرتكب الخطأ عن جهل؛ فيكون جهولاً، هذه حال الإنسان إلا من عصم الله عزَ وجلَ ووفقه للعلم والعدل، فإنه يمشي بالحق ويهدي إلى الحق.
وإذا كان الإنسان من طبيعته التقصير والنقص والعيب؛ فإن الواجب على المسلم نحو أخيه أن يستر عورته ولا يشيعها إلا من ضرورة. فإذا دعت الضرورة إلى ذلك فلابد منه، لكن بدون ضرورة فالأولى والأفضل أن يستر عورة أخيه؛ لأن الإنسان بشر ربما يخطئ عن شهوة- يعني عن إرادة سيئة – أو عن شبهة، حيث يشتبه عليه الحق فيقول بالباطل أو يعمل به، والمؤمن مأمور بأن يستر عورة أخيه.
هب أنك رأيت رجلاً على كذب وغش في البيع والشراء؛ فلا تفش ذلك بين الناس؛ بل أنصحه واستر عليه، فإن توفق واهتدى وترك ما هو عليه؛ كان ذلك هو المراد، وإلا وجب عليك أن تبين أمره للناس؛ لئلا يغتروا به.
فما دام الستر ممكنا، ولم يكن في الكشف عن عورة أخيك مصلحة راجحة أو ضرورة ملحة، فاستر عليه ولا تفضحه.” (شرح رياض الصالحين 3/ 5)
قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور:19].
قوله في الآية تشيع: قال ابن فارس:” شاع الحديث، إذا ذاع وانتشر” (مقاييس اللغة 3/ 235) وقال القرطبي:” أي تفشو، يقال شاع الشيء شيوعاً وشيعاً وشيعاناً وشيوعة: أي تفرق وظهر. ” تفسير القرطبي
قال الطبري:” يقول تعالى ذكره: إن الذين يحبون أن يذيع الزنا في الذين صدّقوا بالله ورسوله ويظهر ذلك فيهم، {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يقول: لهم عذاب وجيع في الدنيا، بالحدّ الذي جعله الله حدّا لرامي المحصَناتِ والمحصنين إذا رموهم بذلك، وفي الآخرة عذاب جهنم إن مات مصرّا على ذلك غير تائب.” (تفسير الطبري)
قال البغوي في تفسير الآية:” يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَأَصْحَابَهُ الْمُنَافِقِينَ، وَالْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا الْحَدُّ، وَفِي الْآخِرَةِ النَّارُ” (تفسير البغوي)
قال القرطبي:” (فِي الَّذِينَ آمَنُوا) أَيْ فِي الْمُحْصَنِينَ وَالْمُحْصَنَاتِ. وَالْمُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْعَامِّ عَائِشَةُ وَصَفْوَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَالْفَاحِشَةُ: الْفِعْلُ الْقَبِيحُ الْمُفْرِطُ الْقُبْحِ. وَقِيلَ: الْفَاحِشَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْقَوْلُ السَّيِّئُ.”
قال ابن جزي:” {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة}: الإشارة بذلك إلى المنافقين الذين أحبوا أن يشيع حديث الإفك، ثم هو عام في غيرهم ممن اتصف بصفتهم. [ابن جزي: (2) / (85)]
قال السعدي:” فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: موجع للقلب والبدن، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله؟ ” وسواء كانت الفاحشة، صادرة أو غير صادرة.
وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه.” (تفسير السعدي)
قال ابن باز بعد أن ذكر الآية:” هذا يفيد الحذر أنه لا يجوز أن تشيع الفاحشة، فلان زنى، فلان سرق، فلان شرب الخمر، فلان كذا، فلان كذا هذه من إشاعة الفاحشة بين الناس ومن تشجيع الناس على الفساد أيضا، لأن الناس يتأسى بعضهم ببعض” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 489)
قال ابن عثيمين:” ولمحبة شيوع الفاحشة في الذين آمنوا معنيان:
المعنى الأول: أن يحب شيوع الفاحشة في المجتمع المسلم، ومن ذلك من يبثون الأفلام الخليعة، والصحف الخبيثة الداعرة، فإن هؤلاء ـ لا شك ـ يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع المسلم، ويريدون أن يفتتن المسلم في دينه بسبب ما يشاع من هذه المجلات، والأفلام الخليعة الفاسدة، أو ما أشبه ذلك.
وكذلك تمكين هؤلاء مع القدرة على منعهم، داخل في محبة (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا) [النور: 19]، فالذي يقدر على منع هذه المجلات وهذه الأفلام الخليعة، ويمكن من شيوعها في المجتمع المسلم، فهو ممن يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا (لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) أي عذاب مؤلم في الدنيا والآخرة.
المعنى الثاني: أن يحب أن تشيع الفاحشة في شخص معين، وليس في المجتمع الإسلامي كله، فهذا أيضا له عذاب أليم في الدنيا والآخرة، مثل أن يحب أن تشيع الفاحشة في زيد من الناس لسبب ما، فهذا أيضا له عذاب أليم في الدنيا الآخرة، لاسيما فيمن نزلت الآية في سياق الدفع عنه، وهي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ لأن هذه الآية في سياق آيات الإفك، والإفك هو الكذب الذي افتراه من يكرهون النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومن يحبون أن يتدنس فراشه، ومن يحبون أن يعير بأهله من المنافقين وأمثالهم.” (شرح رياض الصالحين 3/ 7))
وقال أيضا:” أجمع العلماء على أن من رمى أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ بما جاء في حديث الإفك؛ فإنه كافر مرتد، كافر كالذي يسجد للصنم، فإن تاب وأكذب نفسه؛ وإلا قتل كافراً؛ لأنه كذب القرآن مع أن الصحيح أن من رمى زوجه من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بمثل هذا فإنه كافر؛ لأنه منتقص لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كل من رمى زوجة من زوجات الرسول بما برّأ الله منه عائشة؛ فإنه يكون كافر مرتداً، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل بالسيف، وألقيت جيفته في حفرة من الأرض، بدون تغسيل، ولا تكفين، ولا صلاة؛ لأن الأمر خطير.” (شرح رياض الصالحين 3/ 13)
245 – وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لاَ يسْتُرُ عَبْدٌ عبْداً فِي الدُّنْيَا إِلاَّ سَتَرهُ اللَّه يَوْمَ الْقيامَةِ “رواه مسلم.
جاء كثير من فوائد هذا الحديث في حديث سابق في قوله (من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)
روى الطبراني: عن رجاء بن حَيْوةَ قال: سمعت مسلمةَ بن مُخَلَّدٍ رضي الله عنه يقول: بينا أنا على مِصرَ فأتى البوابُ فقالَ: إن أعرابياً على الباب يستأذنُ، فقلتُ: من أنت؟ قال: أنا جابر بن عبدِ الله. قال: فأشرفتُ عليه فقلتُ: أَنْزِلُ إليك أو تصعدُ؟ قال: لا تنزلُ ولا أصعدُ، حديثٌ بلغني أنك ترويه عن رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في ستر المؤمن؛ جئتُ أسمعه. قلتُ: سمعتُ رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقول: “من ستر على مؤمنٍ عورةً؛ فكأنما أحيا موؤدةً”. فضربَ بعيره راجعاً. (صححه الألباني لغيره)
وروى ابن ماجه ابن عباسٍ رضي الله عنه عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: “من سترَ عورةَ أخيه؛ سترَ اللهُ عورتَه يوم القيامةِ، ومن كشفَ عورة أخيه المسلمِ؛ كشفَ اللهُ عورتَه حتى يفضحَه بها في بيتِهِ”. (صحيح الترغيب)
وروى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صَعِد رسولُ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – المنبرَ فنادى بصوتٍ رفيعٍ فقال: “يا معشرَ مَنْ أسْلَمَ بِلسانه، ولَمْ يُفضِ الإيمانُ إلى قلْبهِ! لا تُؤذوا المسْلمِينَ، ولا تَتَّبِعوا عَوْراتِهمْ؛ فإنَّه مَنْ تَتَبَّعَ عوْرَةِ أخيهِ المسْلمِ؛ تَتَبَّع الله عورَتَهُ، ومَنْ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَهُ؛ يَفْضَحُه، ولوْ في جَوْفِ رَحْلهِ”. ونَظَر ابْنُ عُمرَ يوماً إلى الكعبةِ فقال: ما أَعْظَمَكِ! وما أعْظَم حُرْمَتكِ! والمؤِمن أعظَمُ حُرمةً عندَ اللهِ منكِ.” (صحيح الترغيب)
قال القرطبي:” من اشتهر بالمعاصي، ولم يبال بفعلها، ولم ينته عما نهي عنه، فواجب رفعه للإمام، وتنكيله، وإشهاره للأنام ليرتدع بذلك أمثاله، وكذلك من تدعو الحاجة إلى كشف حالهم من الشهود والمجرحين، فيجب أن يكشف منهم ما يقتضي تجريحهم، ويحرم سترهم مخافة تغيير الشرع، وإبطال الحقوق.” (المفهم)
قال ابن رجب:” واعلم أنَّ النَّاس على ضربين: أحدهما: من كان مستوراً لا يُعرف بشيءٍ مِنَ المعاصي، فإذا وقعت منه هفوةٌ، أو زلَّةٌ، فإنَّه لا يجوزُ كشفها، ولا هتكُها، ولا التَّحدُّث بها، لأنَّ ذلك غيبةٌ محرَّمة، وهذا هو الذي وردت فيه النُّصوصُ، وفي ذلك قد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}. والمراد: إشاعةُ الفَاحِشَةِ على المؤمن المستتر فيما وقع منه، أو اتُّهِمَ به وهو بريء منه، كما في قصَّة الإفك. قال بعض الوزراء الصالحين لبعض من يأمرُ بالمعروف: اجتهد أن تستُرَ العُصَاةَ، فإنَّ ظهورَ معاصيهم عيبٌ في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب، ومثل هذا لو جاء تائباً نادماً، وأقرَّ بحدٍّ، ولم يفسِّرْهُ، لم يُستفسر، بل يُؤمَر بأنْ يرجع ويستُر نفسه، كما أمر النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – ماعزاً والغامدية، وكما لم يُستفسر الذي قال: ((أصبتُ حدّاً، فأقمه عليَّ)). ومثلُ هذا لو أخذَ بجريمته، ولم يبلغِ الإمامَ، فإنَّه يُشفع له حتّى لا يبلغ الإمام. وفي مثله جاء الحديثُ عَنِ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -: ((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم)). خرَّجه أبو داود والنَّسائي مِن حديث عائشة. (حسنه الألباني في الصحيحة)
والثاني: من كان مشتهراً بالمعاصي، معلناً بها لا يُبالي بما ارتكبَ منها، ولا بما قيل له فهذا هو الفاجرُ المُعلِنُ، وليس له غيبة، كما نصَّ على ذلك الحسنُ البصريُّ وغيره، ومثلُ هذا لا بأس بالبحث عن أمره، لِتُقامَ عليه الحدودُ. صرَّح بذلك بعضُ أصحابنا، واستدلَّ بقولِ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -: ((واغدُ يا أُنيس على امرأةِ هذا، فإنِ اعترفت، فارجُمها)) ومثلُ هذا لا يُشفَعُ له إذا أُخِذَ، ولو لم يبلغِ السُّلطان، بل يُترك حتّى يُقامَ عليه الحدُّ لينكفَّ شرُّه، ويرتدعَ به أمثالُه …. ” (جامع العلوم والحكم)
قال ابن باز:” والستر ستران سترُ العورة الحسية بالملابس، فقير عار يعطى ملابس هذا أيضا يرجى لصاحبه أن الله يستره الدنيا والآخرة جزاء له، والعورة الثانية العورة الدينية المعصية وهي أشد إذا ستره في الدنيا ستره الله في الآخرة ” (شرح رياض الصالحين 1/ 490)
قال ابن عثيمين:” الستر يعني الإخفاء، فهو نوعان: النوع الأول: ستر الإنسان الستير، الذي لم تجر منه فاحشة، ولا ينبغي منه عدوان إلا نادراً، فهذا ينبغي أن يستر وينصح ويبين له أنه على خطأ، وهذا الستر محمود.
والنوع الثاني: ستر شخص مستهتر متهاون في الأمور معتدٍ على عباد الله شرير، فهذا لا يستر؛ بل المشروع أن يبين أمره لولاة الأمر حتى يردعوه عما هو عليه، وحتى يكون نكالاً لغيره.
فالستر يتبع المصالح؛ فإذا كانت المصلحة في الستر؛ فهو أولى، وإن كانت المصلحة في الكشف فهو أولى، وإن تردد الإنسان بين هذا وهذا؛ فالستر أولى.” شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 15)
قال الأتيوبي:” (في الدنيا إلا ستره الله)؛ أي: ستر عيوبه، وذنوبه عن الملائكة، والإنس والجن، فلا يطلع عليها أحد إلا الله سبحانه وتعالى، فإنه يضع عليه كنفه، ثم يقرره ذنوبه، ثم يقول له: سترتها عنك في الدنيا، وأنا أغفرها اليوم. (البحر المحيط الثجاج)
فيه الجزاء من جنس العمل
تنبيه: ليس فيه أن الملائكة لم تكتب سيئاته؛ لكن رب العزة اذا أراد ستره قادر على محوها من صحف الملائكة فلا يتذكرونها
446 – وعنه قَالَ: سمِعت رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “كُلُّ أَمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ المُجاهرينَ، وإِنَّ مِن المُجاهرةِ أَن يعمَلَ الرَّجُلُ بالليلِ عمَلاً، ثُمَّ يُصْبحَ وَقَدْ سَتَرهُ اللَّه عَلَيْهِ فَيقُولُ: يَا فلانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْترهُ ربُّهُ، ويُصْبحُ يَكْشفُ سِتْرَ اللَّه “مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قوله (معافى) جاء في بعض النسخ معافاة، قال النووي:” هكذا هو في معظم النسخ والأصول المعتمدة: ” معافاة ” – بالهاء في آخره – يعود إلى الأمة. ” (شرح النووي) أما ابن حجر فقد قال:” بفتح الفاء، مقصور اسم مفعول من العافية، وهو إما بمعنى: عفا الله عنه، وإما: سلمه الله وسلم منه” (فتح الباري)
وقوله: (إلا المجاهرين) هم الذين جاهروا بمعاصيهم وأظهروها، وكشفوا ما ستر الله تعالى عليهم، فيتحدثون بها لغير ضرورة ولا حاجة، يقال: جهر بأمره وأجهر وجاهر. (شرح النووي) قال ابن حجر:” قوله: (إلا المجاهرين) كذا هو للأكثر، وكذا في رواية مسلم ومستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم بالنصب، وفي رواية النسفي: ” إلا المجاهرون “، بالرفع، وعليها شرح ابن بطال وابن التين … ” (فتح الباري)
قوله (وإِنَّ مِن المُجاهرةِ) وبعض الروايات الإجهار قال النووي:” وأما قوله: (وإن من الإجهار) فكذا هو في جميع النسخ إلا نسخة ابن ماهان ففيها: ” وإن من الجهار “، وهما صحيحان؛ الأول من: أجهر، والثاني من: جهر. وأما قول مسلم: (وقال زهير: وإن من الهجار) – بتقديم الهاء – فقيل: إنه خلاف الصواب، وليس كذلك، بل هو صحيح، ويكون الهجار لغة في الهجار الذي هو الفحش والخنا والكلام الذي لا ينبغي، ويقال في هذا: أهجر؛ إذا أتى به، كذا ذكره الجوهري وغيره.” (شرح مسلم)
قوله: (البارحة) هي أقرب ليلة مضت من وقت القول، تقول: لقيته البارحة، وأصلها من برح، إذا زال. (فتح الباري)
قال ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف؛ لأن المعاصي تذل أهلها، ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد، ومن التعزير إن لم يوجب حدا، وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة، والذي يجاهر يفوته جميع ذلك.
قال ابن باز:” كل أمتي معافى إلا المجاهرين: يعني: الذين يجاهرون بالمعاصي ولا يبالون لقلة حيائهم وضعف إيمانهم هؤلاء ليسوا من أهل العافية، نعوذ بالله ” (شرح رياض الصالحين 1/ 490)
قال ابن عثيمين:” والمجاهرون هم الذين يجاهرون بمعصية الله عز وجل، وهم ينقسمون إلى قسمين: الأول: أن يعمل المعصية وهو مجاهر بها، فيعملها أمام الناس، وهم ينظرون إليه، هذا لا شك أنه ليس بعافية؛ لأنه جر على نفسه الويل، وجره على غيره أيضا.
أما جره على نفسه: فلأنه ظلم نفسه حيث عصى الله ورسوله، وكل إنسان يعصي الله ورسوله؛ فإنه ظالم لنفسه، قال الله تعالى: (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [البقرة: 57] …
وأما جره على غيره: فلأن الناس إذا رأوه قد عمل المعصية؛ هانت في نفوسهم، وفعلوا مثله، وصار ـ والعياذ بالله ـ من الأئمة الذين يدعون إلى النار، كما قال الله تعالى عن آل فرعون: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ) [القصص: 41]. وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((من سن في الإسلام سنة سيئة؛ فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)). فهذا نوع من المجاهرة، ولم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه واضح، لكنه ذكر أمراً آخر قد يخفى على بعض الناس فقال: ومن المجاهرة أن يعمل الإنسان العمل السيئ في الليل فيستره الله عليه، وكذلك في بيته فيستره الله عليه ولا يُطلع عليه أحداً، ولو تاب فيما بينه وبين ربه؛ لكان خيراً له، ولكنه إذا قام في الصباح واختلط بالناس قال: عملت البارحة كذا، وعملت كذا، وعملت كذا، فهذا ليس معافى، هذا والعياذ بالله قد ستر الله عليه فأصبح يفضح نفسه.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 16)
وقال أيضا:” وهذا الذي يفعله بعض الناس أيضاً يكون له سببان:
السبب الأول: أن يكون الإنسان غافلاً سليماً لا يهتم بشيء، فتجده يعمل السيئة ثم يتحدث بها عن طهارة قلب.
والسبب الثاني: أن يتحدث بالمعاصي تبجحاً واستهتاراً بعظمة الخالق، ـ والعياذ بالله ـ فيصبحون يتحدثون بالمعاصي متبجحين بها كأنما نالوا غنيمة، فهؤلاء والعياذ بالله شر الأقسام.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 17)
وقال عمر بن عبد العزيزرحمه الله: “إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم” (رواه مالك في الموطأ 3636)
قال القرطبي:” قال علماؤنا: فالفتنة إذا عملت هلك الكل. وذلك عند ظهور المعاصي وانتشار المنكر وعدم التغيير” (الجامع لأحكام القرآن)
قال السفاريني:” فينبغي لك إن كنت متبعا سنن من سلف أن كل من جاهر بمعاصي الله لا تعاضده ولا تساعده ولا تقاعده ولا تسلم عليه بل اهجره” (غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)
تنبيه: نقل باحث أن الذهلي وغيره أنكروا على ابن اخي الزهري ثلاثة أحاديث هذا أحدها فقال:
محمد بن عبدالله الزهري (ابن أخي الزهري) ذكره الذهلي في الطبقة الثانية من أصحاب الزهري وقال أنه وجد له ثلاثة أحاديث لا أصل لها!
أحدها حديثه عن عمه عن سالم عن أبي هريرة مرفوعا (كل أمتي معافى إلا المجاهرين (000) الخ
قال الساجي: تفرد عن عمه أحاديث لم يتابع عليها كأنه يعني هذه
قال: الذهلي أعرف بحديث الزهري وقد بين ما أنكر عليه فالظاهر أن تضعيف من ضعفه بسبب تلك الأحاديث التي أخطأ فيها ولم أجد له في البخاري سوى أحاديث قليلة
أحدها: في الأضاحي وتوبع
والثاني: في وفود الأنصار في المتابعة
الثالث: في المغازي وتوبع
وله عنده غيره هذه مما تويع عليه.
قال الباحث وهذا الحديث هو (كل أمتي معافى)
هذا الحديث في البخاري ومسلم
من نفس الطريق ابن أخي الزهري عن الزهري عن سالم عن أبي هريرة رضي الله عنه
والكلام السابق الذي ذكره ابن حجر ذكره أيضا العقيلي في الضعفاء
بتوسع أكثر ((4) / (89)) وذكر هذا الحديث من هذه الأحاديث التي ضعفها
الذهلي وقال: وقد روى الزهري ثلاثة أحاديث لم نجد لها أصلا عند الطبقة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة. الضعفاء ((4) / (88))
والحديث أخرجه البخاري في كتاب الأدب
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن أخي ابن شهاب عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله قال سمعت أبا هريرة
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه
ـ[أبوحاتم الشريف]ــــــــ[(02) – (07) – (03)، (11): (00) م]ـ
وتتمة كلام العقيلي قال: وهذه الثلاثة أحاديث لم يتابع ابن أخي الزهري عليها أحد. الضعفاء للعقيلي
قال الذهبي: قد انفرد ابن أخي الزهري عن عمه بثلاثة أحاديث: كل أمتي معافى.
وأنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل بكفه كلها
وأن أباهريرة كان إذا خطب قال: كل ما هو آت قريب لابعد لما هو آت
والرابع: اشتروا على الله (000) الخ لكنه عن الواقدي عنه.
الميزان ((3) / (593))
عدد النتائج: (5)
(1) المزيد
ولَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ ويَكُونُ الهِجارُ لُغَةً فِي الهِجارِ الَّذِي هُوَ الفُحْشُ والخَنا
شرح النووي على مسلم (18) / (119) — النووي (ت (676))
(2) المزيد
أجهر (وإن من الهجار) قيل إنه خلاف الصواب وليس كذلك بل هو صحيح ويكون الهجار لغة في الإهجار الذي هو الفحش والخنا
صحيح مسلم (4) / (2291) — مسلم (ت (261))
(3) المزيد
الصواب، وليس كذلك، بل هو صحيح، ويكون
الهجار لغة في الهجار الذي هو الفحش، والخنا، والكلام الذي لا ينبغي،
ويقال في هذا
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (45) / (220) — محمد آدم الأثيوبي (معاصر)
(4) المزيد
صحيح ويكون الهجار لغة في الإهجار الذي هو الفحش والخنا والكلام الذي لا ينبغي، ويقال في هذا أهجر إذا أتى به كذا قال
الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (26) / (418) — محمد الأمين الهرري (معاصر)
(5) الأقل
هل هذا الحديث ثابت؟!
ـ[أبوحاتم الشريف]ــــــــ[(02) – (07) – (03)، (10): (19) م]ـ
في الحقيقة استوقفني كلام ابن حجر في المقدمة عن بعض أحاديث ابن أخي الزهري في صحيح البخاري وهذا كلامه:
محمد بن عبدال له الزهري (ابن أخي الزهري) ذكره الذهلي في الطبقة الثانية من أصحاب الزهري وقال أنه وجد له ثلاثة أحاديث لا أصل لها!
أحدها حديثه عن عمه عن سالم عن أبي هريرة مرفوعا (كل أمتي معافى إلا المجاهرين (000) الخ
قال الساجي: تفرد عن عمه أحاديث لم يتابع عليها كأنه يعني هذه
قال: الذهلي أعرف بحديث الزهري وقد بين ما أنكر عليه فالظاهر أن تضعيف من ضعفه بسبب تلك الأحاديث التي أخطأ فيها ولم أجد له في البخاري سوى أحاديث قليلة
أحدها: في الأضاحي وتوبع
والثاني: في وفود الأنصار في المتابعة
الثالث: في المغازي وتوبع
وله عنده غيره هذه مما تويع عليه.
قال الشريف وهذا الحديث هو (كل أمتي معافى)
هل نسي ابن حجر رحمه الله أن هذا الحديث في البخاري ومسلم
من نفس الطريق ابن أخي الزهري عن الزهري عن سالم عن أبي هريرة رضي الله عنه
والكلام السابق الذي ذكره ابن حجر ذكره أيضا العقيلي في الضعفاء
بتوسع أكثر ((4) / (89)) وذكر هذا الحديث من هذه الأحاديث التي ضعفها
الذهلي وقال: وقد روى الزهري ثلاثة أحاديث لم نجد لها أصلا عند الطبقة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة. الضعفاء ((4) / (88))
والحديث أخرجه البخاري في كتاب الأدب
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن أخي ابن شهاب عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله قال سمعت أبا هريرة يقول
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه
وتتمة كلام العقيلي قال: وهذه الثلاثة أحاديث لم يتابع ابن أخي الزهري عليها أحد. الضعفاء للعقيلي
قال الذهبي: قد انفرد ابن أخي الزهري عن عمه بثلاثة أحاديث: كل أمتي معافى.
وأنه كان يأكل بكفه كلها
وأن أباهريرة كان إذا خطب قال: كل ما هو آت قريب لابعد لما هو آت
والرابع: اشتروا على الله (000) الخ لكنه عن الواقدي عنه.
الميزان ((3) / (593))
قال ابن عدي: ولم أر بحديثه بأسا إذا روى عنه ثقة ولا رأيت له حديثا منكرا فأذكره إذا روى عنه ثقة. الكامل ((6) / (167))
والحديث كما قلنا عند البخاري ومسلم
رواية البخاري سبق ذكرها وأما رواية مسلم فهي في كتاب الزهد والرقائق
حدثني زهير بن حرب ومحمد بن حاتم وعبد بن حميد قال عبد حدثني وقال الآخران حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه قال قال سالم سمعت أبا هريرة يقول
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل أمتي معافاة إلا المجاهرين ….
تنبيه: وقع في بعض شروح مسلم كما نقلنا الهجار لغة من الهجار وهو تصحيف والصواب كما في طبعة أخرى:
ويكون الهجار لغة في الإهجار
وراجع شرح محمد الامين الهرري المسمى الكوكب الوهاج شرح مسلم بن الحجاج
وكذلك فتح الباري لابن حجر فقد توسع في ذكر ضبط هذه الكلمة حيث ذكر خمس روايات لضبطها وبيَّن معانيها.