244 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———-‘———‘——–
مسند أحمد:
21220 – حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن أبي سلمة، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة، والدين، والنصر، والتمكين في الأرض»، وهو يشك في السادسة، قال: «فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة نصيب» قال عبد الله: قال أبي: «أبو سلمة هذا المغيرة بن مسلم أخو عبد العزيز بن مسلم القسملي» إسناد حسن
قلت سيف:
قال الشيخ مقبل في تعليقه على المستدرك في حديث يرويه أبو العاليه عن أبي … صحة الحديث متوقفة على سماع أبي العالية من أبي؛ لأنه تابعي كبير لكنه كثير الإرسال
راجع ترجمته في إتحاف الخليل
قلت: ثم وقفت على أنه ثبت سماعه منه كما في الصحيح المسند حديث رقم 7 فهو على الشرط
———‘——–‘——–
قال الصنعاني في التنوير: بشر هذه الأمة بالسناء، والدين والرفعة، والنصر، والتمكين في الأرض: فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب”. (حم حب ك هب) عن أبي.
(بشر هذه الأمة بالسناء) بفتح السين المهملة بعدها نون مهموز ممدود ارتفاع المنزلة ويحتمل أنه مقصود وهو الضوء. (والدين) هو الإِسلام، والمراد بشرهم بأنهم يثبتون عليه وأنه لا يزيده الله إلا قوة وأنه يظهره على الدين كله كما وقع ذلك. (والرفعة، والنصر، والتمكين في الأرض) العلو والظهور على أهل الأديان في الدنيا والآخرة والظفر وقوله: (فمن عَمِل عَمَل الآخرة للدنيا فما له في الآخرة من نصيب) كالاحتراز عما يفيده عموم البشرى وإبانة أنهما لمن عَمِل عَمَل الآخرة للآخرة.
[الفرق الرياء و ارادة الدنيا بعمل الآخرة]
فإن قيل: فما الفرق بين هذه الترجمة وبين ترجمة الباب قبله؟
قلت: بينهما عموم وخصوص مطلق، يجتمعان في مادة، وهو ما إذا أراد الإنسان بعمله التزين عند الناس والتصنع لهم والثناء، فهذا رياء كما تقدم بيانه، كحال المنافقين. وهو أيضا إرادة الدنيا بالتصنع عند الناس، وطلب المدحة منهم والإكرام. ويفارق الرياء بكونه عمل عملا صالحا، أراد به عرضا من الدنيا، كمن يجاهد ليأخذ مالا، كما في الحديث.
” تعس عبد الدينار “. أو يجاهد للمغنم أو غير ذلك من الأمور التي ذكرها شيخنا عن ابن عباس رضي الله عنه وغيره من المفسرين في معنى قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا}. وأراد المصنف -رحمه الله- بهذه الترجمة، وما بعدها أن العمل لأجل الدنيا شرك ينافي كمال. [تعليق الشيخ محمد حامد الفقي على فتح المجيد]
العمل للدنيا أربعة أنواع:
قال عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ:
وقد سئل شيخنا المصنف -رحمه الله- عن هذه الآية فأجاب بما حاصله: ذكر عن السلف فيها أنواع مما يفعله الناس اليوم ولا يعرفون معناه.
فمن ذلك: العمل الصالح الذي يفعله كثير من الناس ابتغاء وجه الله: من صدقة وصلاة، وصلة وإحسان إلى الناس، وترك ظلم، ونحو ذلك مما يفعله الإنسان أو يتركه خالصا لله، لكنه لا يريد ثوابه في الآخرة، إنما يريد أن يجازيه الله بحفظ ماله وتنميته، أو حفظ أهله وعياله، أو إدامة النعمة عليهم، ولا همة له في طلب الجنة والهرب من النار، فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا وليس له في الآخرة من نصيب. وهذا النوع ذكره ابن عباس.
النوع الثاني: وهو أكبر من الأول وأخوف، وهو الذي ذكره مجاهد في الآية أنها نزلت فيه: وهو أن يعمل أعمالا صالحة ونيته رياء الناس، لا طلب ثواب الآخرة.
النوع الثالث: أن يعمل أعمالا صالحة يقصد بها مالا، مثل أن يحج لمال يأخذه أو يهاجر لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، أو يجاهد لأجل المغنم، فقد ذكر أيضا هذا النوع في تفسير هذه الآية، كما يتعلم الرجل لأجل مدرسة أهله أو مكسبهم أو رياستهم، أو يتعلم القرآن ويواظب على الصلاة لأجل وظيفة المسجد، كما هو واقع كثيرا.
النوع الرابع: أن يعمل بطاعة الله مخلصا في ذلك لله وحده لا شريك له، لكنه على عمل يكفّره كفرا يخرجه عن الإسلام، مثل اليهود والنصارى إذا عبدوا الله، أو تصدقوا أو صاموا ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، ومثل كثير من هذه الأمة الذين فيهم كفر أو شرك أكبر يخرجهم من الإسلام بالكلية، إذا أطاعوا الله طاعة خالصة يريدون بها ثواب الله في الدار الآخرة، لكنهم على أعمال تخرجهم من الإسلام وتمنع قبول أعمالهم، فهذا النوع أيضا قد ذكر في هذه الآية عن أنس بن مالك وغيره. وكان السلف يخافون منها، فقال بعضهم: لو أعلم أن الله تقبل مني سجدة واحدة لتمنيت الموت؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
” فتح المجيد شرح كتاب التوحيد” (375).
ذكر الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ في شرح كتاب التوحيد في باب إرادة الدنيا بعمل الآخرة، التالي:
والأعمال التي يعملها العبد ويستحضر فيها ثواب الدنيا على قسمين:
القسم الأول: أن يكون العمل الذي عمله واستحضر فيه ثواب الدنيا وأراده ولم يرد ثواب الآخرة لم يرغِّب الشرع فيه بذكر ثواب الدنيا، مثل الصلاة والصيام ونحو ذلك من الأعمال والطاعات، فهذا لا يجوز له أن يريد به الدنيا ولو أراد به الدنيا فإنه مشرك ذلك الشرك.
والقسم الثاني: أعمال رتب الشارع عليها ثوابا في الدنيا ورغّب فيها بذكر ثوابا لها في الدنيا، مثل صلة الرحم وبر الوالدين ونحو ذلك وقد قال عليه الصلاة والسلام «من سرَّه أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه»، فهذا النوع إذا استحضر في عمله حين يعمل هذا العمل استحضر ذلك الثواب الدنيوي، وأخلص لله في العمل، ولم يستحضر الثواب الأخروي، فهو داخل في الوعيد فهو من أنواع هذا الشرك؛ لكن إذا استحضر الثواب الدنيوي والثواب الأخروي معا، له رغبة فيما عند الله في الآخرة يطمع الجنة ويهرب من النار واستحضر ثواب هذا العمل في الدنيا، فإنه لا بأس بذلك؛ لأن الشرع ما رغب فيه بذكر الثواب في الدنيا إلا للحض عليه «فمن قتل قتيلا فله سلبه» فقتل القتيل في الجهاد لكي يحصل على السلب هذا؛ ولكن قصده من الجهاد الرغبة فيها عند الله جل وعلا مخلصا فيه لوجه الله، لكن أتى هذا من زيادة الترغيب له ولم يقتصر على هذه الدنيا، بل قلبه معلق أيضا بالآخرة، فهذا النوع لا بأس به ولا يدخل في النوع الأول مما ذكره السلف في هذه الآية.
وسئل الحسن ما عقوبة العالم؟ قال موت القلب، قيل وما موت القلب؟ قال طلب الدنيا بعمل الآخرة. ” الآداب الشرعية لابن مفلح”.
جاء الوعيد فيمن فقد الإخلاص في عبادته واراد الدنيا في عمله،
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال ما عملت فيها؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت، قال كذبت، ولكنك قاتلت حتى يقال جريء فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال ما تركت [ص: 55] من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار} ولما بلغ معاوية رضي الله عنه هذا الحديث بكى حتى غشي عليه، فلما أفاق قال صدق الله ورسوله. قال الله عز وجل {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار}.
[أسباب التمكين في الأرض]
•• قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: (40) – (41)]
•• قال العلامة محمد العثيمين رحمه الله:
‘’ وفي هاتين الايتين بيانُ الأوْصافِ التي يُسْتَحَقُّ بها النصرُ، وهي أوصافٌ يَتَحَلَّى بها المؤمنُ بعدَ التمكين في الأرضِ، فلا يُغريه هذا التمكينُ بالأشَر والْبَطرِ والعلوِّ والفسادِ، وإنما يَزيدُه قوةً في دين الله وتَمسُّكاً به.
- • الوصفُ الأول: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ)
والتمكينُ في الأرض لا يكونُ إلاّ بعْدَ تحقيق عبادةِ الله وحْدَه، كما قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)
فإذا قام العبدُ بعبادَةِ الله مخلصاً له في أقواله وأفعاله لا يريدُ بها إلا وجه الله والدار الاخرة، ولا يريد بها جاهاً ولا ثناءً من الناسِ ولا مالاً ولا شيئاً من الدُّنيا، واستمَرَّ على هذِه العبادة المخْلصة في السَّراء والضَراءِ والشِّدةِ والرَّخاءِ مكَّنَ الله له في الأرض وإذن.
•• الوصفُ الثاني: (أَقَامُوا الصَّلَاةَ)
إقامةُ الصلاةِ: بأن يؤدِّيَ الصلاة على الوجهِ المطلوب منه قائماً بشروطِها وأركانِها وواجباتِها، وتمامُ ذلك القيامُ بمستحَبَّاتها، فيحسنُ الطُّهورَ، ويقيمُ الركوعَ والسجودَ والقيامَ والقعودَ، ويحافَظُ على الوقتِ وعلى الجمعةِ والجماعاتِ , ويحافظُ على الخشوعِ وهو حضورُ القلبِ وسكونُ الجوارح، فإِنَّ الخشوعَ رُوحُ الصلاةِ ولُبُّها، والصلاةُ بدونِ خشوعٍ كالجسمِ بدون روحٍ.
•• الوصفُ الثالث: (وَآتُوا الزَّكَاةَ)
إيتاءُ الزكاةِ: بأن يعْطوُهَا إلى مستحِقِّيها طَيِّبَة بها نفوسُهم كاملةً بدون نقص يبتغون بذلك فضلاً ورضواناً، فيُزكُّون بذلك أنفسَهُم، ويطهِّرون أموالَهم، وينفعونَ إخوانهم من الفقراءِ والمساكينِ وغيرهم من ذوي الحاجات.
•• الوصفُ الرابعُ: (وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ)
والمعروفُ: كلُّ ما أمرَ اللهُ به ورسولُه من واجباتٍ ومستحبات، يأمرون بذلك إحياءَ لشريعةِ اللهِ وإصلاحاً لعباده واستجلاباً لرحمتِهِ ورضوانِهِ، فالمؤمنُ للمؤمنِ كالبنيِان يشدُ بعضُه بعضاً، فكما أنَّ المؤمنَ يحبُّ لنفسِهِ أَنْ يكونَ قائماً بطاعَةِ ربِّه فكذلك يجبُ أن يحبَّ لإِخوانِه من القيام بِطاعةَ الله ما يحبُّ لنفسه.
والأمرُ بالمعروفِ عن إيمانٍ وتصديقٍ أن يكون قائماً بما أمر به عن إيمانٍ واقتناعٍ بفائدتِهِ وثمراتِهِ العاجلة والآجلةِ.
•• الوصفُ الخامسُ: (وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ)
والمُنْكَرُ: كلُّ ما نهى الله عنه ورسولُه من كبائر الذنوبِ وصغائِرِها مما يتعلقُ بالعبادةِ أو الأخلاقِ أو المعاملةِ، ينْهونَ عن ذلك كلِّه صِيانةً لدينِ الله وحمايةً لِعباده واتقاءً لأسْبابِ الفسادِ والعقوبةِ.
•• فالأمرُ بالمعروفِ والنَهْيُ عن المنكر دعَامَتَانِ قَوِيَّتانِ لبقاءِ الأمَّةِ وعزتها ووحدتها حتى لا تتفرق بها الأهواء وتتشتت بها المسالك، ولذلك الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر من فرائِضِ الدين على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ مع القدرةِ (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: (104) – (105)] فهذه الأوصافُ الخمسةُ متى تحقَّقتْ مع القيامِ بما أرشدَ الله إليه من الْحَزمِ والعزيِمَةِ وإعداد القوة الحسية حصل النصر بإذن لله (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ – يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم: (6) – (7)] وإن المؤمنَ الواثقَ بوعدِ الله ليَعْلمُ أنَّ الأسباب المادِّيةَ مَهْما قويَتْ فليستْ بشيء بالنسبةِ إلى قُوةِ الله الذي خلقها وأوْجَدَها ‘’ انتهى.
•• فتاوى ابن عثيمين [(20) / (331) – (334) بتصرف]