244 جامع الأجوبة الفقهية ص 285
مشاركة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
مسألة: حكم البول قائماً.
– اختلف أهل العلم في مسألة حكم بول الإنسان وهو قائم على عدة أقوال وهذا الاختلاف سببه اختلاف الأحاديث والآثار التي جاءت في الباب:
القول الأول: أنه مكروه إذا كان من غير عذر، وبه قالت عائشة وابن مسعود وعمر في إحدى الروايتين وأبي موسى والشعبي وابن عيينة وهو مذهب الحنفية، والشافعية، ورواية عن أحمد.
القول الثاني: لا بأس به إن أمن التلوث والناطر، وهو نص المدونة، والمشهور من مذهب الحنابلة.
القول الثالث: واستحب بعض المالكية البول جالساً، وهو نص خليل في مختصره، ولا يلزم من ترك المستحب الوقوع في المكروه.
– واستدل أصحاب القول الأول بما يلي:
الأول: عن قالت عائشة: من حدثك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بال قائماً فلا تصدقه، ما بال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قائماً منذ أنزل عليه القرآن. رواه أحمد في المسند (6/ 192)
فقالوا: إن قول عائشة هذا ناسخ لحديث حذيفة.
وأجيب عنه:
قال الحافظ فتح الباري (ح 226): الصواب أنه غير منسوخ، والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها، فيحمل على ما وقع منه في البيوت، وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه، وقد حفظه حذيفة، وهو من كبار الصحابة، وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة، فتضمن الرد على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن.
الثاني: عن ابن عمر، عن عمر قال: رآني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنا أبول قائماً، فقال: يا عمر لا تبل قائماً، فما بلت قائماً بعد.
والحديث ضعيف: أخرجه ابن ماجه (308)، والبيهقي (1/ 202)، والحاكم (1/ 185) وعلقه الترمذي وضعفَّه (1/ 67 – أحوذي).
قال أبو عيسى (الترمذي): و إنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أيوب السختيانى و تكلم فيه وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال عمر [رضي الله عنه] ما بلت قائما منذ أسلمت و هذا أصح من حديث عبد الكريم وحديث بريدة في هذا غير محفوظ و معنى النهي عن البول قائما على التأديب لا على التحريم و قد روى عن عبد الله بن مسعود قال إن من الجفاء أن تبول وأنت قائم
الثالث: عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثلاث من الجفاء: أن يبول الرجل قائماً، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته، أو ينفخ في سجوده.
قال البزار: لا نعلم رواه عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، إلا سعيد، ورواه عن سعيد عبد الله بن داود وعبد الواحد بن واصل. ما رواه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 496)، والبزار كما في كشف الأستار (547)، والطبراني في الأوسط (6/ 129) رقم 5998.
قال الترمذي (1/ 18): حديث بريدة هذا غير محفوظ. فاعترض عليه العيني في شرح البخاري (3/ 135) وقال: في قول الترمذي هذا نظر؛ لأن البزار أخرجه بسند صحيح.
قال العلامة المباركفوري: الترمذي من أئمة هذا الشأن، فقوله: حديث بريدة هذا غير محفوظ يعتمد عليه. وأما إخراج البزار حديثه بسند ظاهره الصحة فلا ينافي كونه غير محفوظ. اهـ
ونقل هذا أحمد شاكر في تحقيقه لسنن الترمذي (1/ 18).
– واستدل من قال بالجواز بالتالي:
الأول: لم يأت نهي من الشارع عن البول واقفاً، والأصل الإباحة حتى يأتي دليل يدل على المنع.
الثاني: عن حذيفة قال أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – سباطة قوم، فبال قائماً، ثم دعا بماء، فجئته بماء فتوضأ. متفق عليه، صحيح البخاري (224) ومسلم (273)
الثالث:، قال: عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أتى على سباطة بني فلان، فبال قائماً. قال حماد بن أبي سليمان: ففحج رجليه. رواه أحمد المسند (4/ 246)
الرابع: عن ابن إدريس، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، قال: رأيت علياً بال قائماً، ثم توضأ، ومسح على نعليه، ثم أقام المؤذن، فخلعهما. رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 173)
الخامس: عن ابن إدريس، عن الأعمش، عن زيد، قال: رأيت عمر بال قائماً. رواه ابن أبي شيبة المصنف (1/ 115)
– نقل أقوال أهل العلم في المسألة:
– قال في المدونة (1/ 131): وقال مالك في الرجل يبول قائما قال: إن كان في موضع رمل أو ما أشبه ذلك لا يتطاير عليه منه شيء فلا بأس بذلك، وإن كان في موضع صفا يتطاير عليه فأكره له ذلك، وليبل جالساً. انتهى
– قال خليل في مختصره (ص:14): ندب لقاضي الحاجة جلوس. انتهى
– الخرشي (1/ 141) قال: ويجوز له القيام إذا أمن الاطلاع. انتهى
– قال في المنتقى (1/ 129): البول على قدر الموضع الذي يبال فيه، فإن كان موضعاً طاهراً دمثاً ليناً يؤمن فيه تطاير البول على البائل جاز أن يبال فيه قائماً؛ لأن البائل حينئذ يأمن تطاير البول عليه، ويجوز أن يبول قاعداً؛ لأنه يأمن على ثوبه من الموضع. والبول قاعدا أفضل وأولى؛ لأنه أستر للبائل. انتهى ـ وانظر التاج والإكليل (1/ 385 – 387)، حاشية الدسوقي (1/ 104).
– قال في الفروع (1/ 117): ولا يكره البول قائماً وفاقاً لمالك. انتهى
– قال المباركفوري في تحفة الأحوذي:
تنبيه قال صاحب العرف الشذي إن في البول قائما رخصة وينبغي الآن المنع عنه لأنه عمل غير أهل الإسلام انتهى
قلت (المباركفوري) بعد التسليم أن البول قائما رخصه لا وجه للمنع عنه في هذا الزمان وأما عمل غير أهل الإسلام عليه فليس موجبا للمنع. انتهى
– قال بدر الدين العيني في نخب الأفكار (13/ 385):
لا يلزم عدم رؤيتها – يعني – أنه يبول جالسا، عدم رؤية غيرها أنه يبول قائما؛ لأنه يجوز أن يكون كان يبول تارة قائما وتارة جالسا, وليس في حديثها شيء يدل صريحا على كراهة البول قائما.
ص: وقد روي عن غير واحد من أصحاب رسول الله -عليه السلام- أنه بال قائما. انتهى
– وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم (3/ 166): وقد روى في النهى عن البول قائما أحاديث لا تثبت ولكن حديث عائشة هذا ثابت فلهذا قال العلماء يكره البول قائما الا لعذر وهى كراهة تنزيه لا تحريم
قال بن المنذر البول جالسا أحب إلى وقائما مباح وكل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا كلام بن المنذر والله أعلم .. انتهى
وكلامه في الأوسط (1/ 338):
– وقال الباجي المنتقى (1/ 129): للبائل أربعة أحوال: فإن كان الموضع رخوًا طاهرًا جاز قائمًا وقاعدًا، وإن كان صلبًاً نجسًا امتنعا، وإن كان صلبًاً طاهرًا جاز قاعدًا فقط، وإن كان رخوًا نجسًا جاز قائمًا فقط وعليه يحمل هذا الحديث. انتهى
– قال ابن حجر رحمه الله في الفتح (1/ 330):
وسلك أبو عوانة في صحيحه وبن شاهين فيه مسلكا آخر فزعما أن البول عن قيام منسوخ واستدلا عليه بحديث عائشة الذي قدمناه ما بال قائما منذ انزل عليه القرآن وبحديثها أيضا من حدثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول الا قاعدا والصواب أنه غير منسوخ والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها … وقد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش والله أعلم ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم في النهي عنه شيء كما بينته في أوائل شرح الترمذي والله أعلم. انتهى
– ونقل ابن المنذر آثار عن الصحابة وأنهم بالوا قياماً منهم عمر بن الخطاب وعلي وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد …
كلها صحيحة إلا أثر أنس، وأبي هريرة.
(الأوسط 1/ 333، فتح العلام 1/ 286)
– قال الحافظ ابن حجر ايضاً في الفتح (1/ 283): ” ولم يثبت عن النبي [صلى الله عليه وسلم]- في النهي عن البول قائما – شيء “. انتهى
– قال في المهذب (1/ 26): ويكره أن يبول قائماً من غير عذر. انتهى
– وقال في المجموع (2/ 100): يكره البول قائماً بلا عذر كراهة تنزيه، ولا يكره للعذر، هذا مذهبنا. انتهى
– قال ابن تيمية رحمه الله في شرح عمدة الفقه:
ولا يكره البول قائما لعذر، ويكره مع عدم العذر إذا خاف أن ترى عورته أو يصيبه البول، فإن أمن ذلك لم يكره في المنصوص من الوجهين؛ لما روى حذيفة … وفي الآخر يكره لما روي عن عائشة … وهذا يدل على أن الغالب عليه كان الجلوس، وأن بوله قائما كان لعذر إما لأنه لم يتمكن من الجلوس في السباطة أو لوجع كان به. لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” «بال قائما من جرح كان بمأبضه» ” أي تحت ركبته، قال الشافعي: (كانت العرب تستشفي لوجع الصلب بالبول قائما، فترى لعله كان به إذ ذاك وجع الصلب) ولكن قد رويت الرخصة عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وأبي هريرة وابن عمر وسهل بن سعد وأنس؛ ولأن الأصل الإباحة فمن ادعى الكراهة فعليه الدليل. انتهى
– قال ابن القيم في الهدي (1/ 165): والصحيح إنما فعل ذلك تنزيها وبعدا من إصابة البول فإنه إنما فعل هذا لما أتى سباطة قوم وهو ملقى الكناسة وتسمى المزبلة وهي تكون مرتفعة فلو بال فيها الرجل قاعدا لارتد عليه بوله وهو صلى الله عليه وآله وسلم استتر بها وجعلها بينه وبين الحائط فلم يكن بدٌ من بوله قائما. انتهى
– وجاء في فتوى رقم: 4213 للجنة الدائمة: الأصل أن يبول الرجل وهو جالس اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، … ولو بال قائما لغير حاجة لم يأثم لكنه خالف في قضاء حاجته الأفضل والأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يجمع بين الحديثين المذكورين أو يحمل حديث عائشة رضي الله عنها بأنها لم تعلم ما اطلع عليه حذيفة رضي الله عنه. انتهى
– وسؤل الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
عندنا عادة تنتشر كثيرا – مع الأسف- وهي: التبول واقفا للرجال، فما حكم الشرع في بذلك؟ أفيدوناأفادكم الله. التبول قائما لا حرج فيه، ولكن الجلوس أفضل، وقد ثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه أتى سباطة قوم فبال قائما، والذي يظهر أنه فعل هذا ليبين الجواز وأنه يجوز لكن الجلوس أفضل، ولا بد من مراعاة ستر العورة، وأن يكون في محل مستور العورة لا يطلع على عورة أحد ولا يراها أحد فإذا أتى مكانا خاليا ليس فيه من ينظر إلى عورته وبال قائما لعجلة وحاجة أو لأسباب أخرى فلا حرج في ذلك، لكن جلوسه أفضل وأبعد عن آثار البول، هذا هو المعتمد عن أهل العلم. بارك الله فيكم. انتهى
انظر: موقع الشيخ ابن باز على الشبكة العنكبوتية.
– جامع تراث العلامة الألباني في الفقه (1/ 136):
استدل المؤلف بالحديث على عدم كراهة البول قائما, وهو الحق, فإنه لم يثبت في النهى عنه شيء كما قال الحافظ ابن حجر, والمطلوب تجنب الرشاش فبأيهما حصل بالقيام أو القعود, وجب لقاعدة «ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب» , والله أعلم.
تنبيه: ولايعارض هذا الحديث حديث عائشة قالت: «من حدثكم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يبول قائما فلا تصدقوه, ما كان يبول إلا قاعدا». أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه وأبو عوانة في «صحيحه» والحاكم والبيهقي وأحمد, وسنده صحيح على شرط مسلم كما بينته في «الأحاديث الصحيحة». قلت: لا يعارضه لأن كلا حدث بما علم, ومن علم حجة على من لم يعلم. انتهى [إرواء الغليل تحت حديث رقم 57]
– جاء في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (11/ 109):
وسُئل فضيلة الشيخ: ما حكم البول قائماً؟
فأجاب جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً بقوله: البول قائماً بجوز بشرطين:
أحدهما: أن يأمن من التلوث بالبول.
والثاني: أن يأمن من أن ينظر أحد إلى عورته.
تبويبات الأئمة:
بوب البخاري بابُ البَوْلِ قائِمًا وقاعِدًا وذكر حديث حذيفة (224)
وكذلك البيهقي بوب البول قائما وذكر حديث حذيفة وقال: وقَدْ رُوِيَ فِي العِلَّةِ فِي بَوْلِهِ قائِمًا حَدِيثٌ لا يَثْبُتْ مِثْلُهُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ النَّبِيَّ ?،» بالَ قائِمًا مِن جُرْحٍ كانَ بِمَابِضِهِ ” قالَ الإمامُ تَعالى: وقَدْ قِيلَ: كانَتِ العَرَبُ تَسْتَشْفِي لِوَجَعِ الصُّلْبِ بِالبَوْلِ قائِمًا، فَلَعَلَّهُ كانَ بِهِ إذْ ذاكَ وجَعُ الصُّلْبِ. وقَدْ ذَكَرَهُ الشّافِعِيُّ تَعالى بِمَعْناهُ، وقِيلَ: إنَّما فَعَلَ ذَلِكَ لِأنَّهُ لَمْ يَجِدْ لِلْقُعُودِ مَكانًا أوْ مَوْضِعًا، واللهُ أعْلَمُ
ثم بوب بابُ البَوْلِ قاعِدًا وذكر حديث عائشة وأحاديث أخرى
والله أعلم.