243 جامع الأجوبة الفقهية ص 285
مشاركة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام
مسألة: التبول في الجحر.
كره الفقهاء البول في الشق ونحوه كالجحر: وهو ما يحفره الهوام والسباع لأنفسها. وهو مذهب الأئمة الأربعة
– وحجتهم على الكراهة عدة أدلة منها:
الدليل الأول:
الإجماع. حيث قال النووي في المجموع (2/ 101): وهذا الذي قاله المصنف من الكراهة -يعني: من البول في الثقب ونحوه- متفق عليه، وهي كراهة تنزيه. انتهى
الدليل الثاني:
عن عبد الله بن سرجس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يبال فى الجحر. قال قالوا لقتادة ما يكره من البول فى الجحر قال كان يقال إنها مساكن الجن.
الحديث أخرجه أحمد كما في حديث الباب، وأبو داود (29)، والنسائي في الكبرى (30)، وفي المجتبى (34)، وابن الجارود في المنتقى (34)، والحاكم (666)، والروياني في مسنده (1451)، والبيهقي (1/ 9)، والبغوي في شرح السنة (192)، والمقدسي في الأحاديث المختارة (9/ 402) من طريق معاذ بن هشام به.
واختلف العلماء في سماع قتادة من عبد الله بن سرجس:
ففي الجامع لعلوم أحمد:
(50) – ما جاء في البول في الجحر
حديث عبد اللَّه بن سرجس –: «لا يبولن أحدكم في الجحر».
لم ير أحمد لقتادة سماعًا من عبد اللَّه بن سرجس
قال محقق الكتاب انظر: «التلخيص الحبير» (1) / (156)، «بحر الدم» ص (351)، «مسائل حرب» ص (467). حاشية ابن التركماني على «سنن البيهقي» (1) / (99)، «جامع التحصيل» (255)، «المراسيل» لابن أبي حاتم (139).
ونقل الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند إثبات سماعه عن أبي زرعة قال في الصحيح المسند:
مسند عبد الله بن سَرْجِسَ
(579) – قال الإمام أحمد (ج (5) ص (82)): حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنِي أبِي، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ، أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ قالَ: «لا يَبُولَنَّ أحَدُكُمْ فِي الجُحْرِ، وإذا نِمْتُمْ فَأطْفِئُوا السِّراجَ؛ فَإنَّ الفَارَةَ تَاخُذُ الفَتِيلَةَ فَتَحْرِقُ أهْلَ البَيْتِ، وأوْكِئُوا الأسْقِيَةَ، وخَمِّرُوا الشَّرابَ، وغَلِّقُوا الأبْوابَ بِاللَّيْلِ».
قالُوا لِقَتادَةَ: ما يُكْرَهُ مِنَ البَوْلِ فِي الجُحْرِ؟ قالَ: يُقالُ: إنَّها مَساكِنُ الجِنِّ.
هذا حديث صحيحٌ.
وقتادة قد صحح أبو زرعة سماعه من عبد الله بن سرجس، وإن كان الإمام أحمد لا يراه سمع، كما في «جامع التحصيل»، فالمُثْبِت مُقَدَّمٌ على النافي. اهـ.
وقال محققوا المسند: قد أثبت سماعه منه غير واحد من أهل العلم كعلي ابن المديني وأبي زرعة وأبي حاتم الرازيين، وأحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله، وأما في رواية حرب بن إسماعيل فقد تشكك في سماعه منه …. اهـ.
جاء في العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد:
5264 – قيل سمع قتادة من عبد الله بن سرجس قال نعم قد حدث عنه هشام يعني عن قتادة عن عبد الله بن سرجس حديثا واحدا وقد حدث عنه عاصم الأحول اهـ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد ذكر الحديث وذكر الاختلاف في السماع: وأثبت سماعه منه علي بن المديني. وصححه ابن خزيمة وابن السكن اهـ (التلخيص:1/ 278)
ونقل محققو المسند كلام ابن حجر هذا
وقال الحاكم أبو عبد الله في «المستدرك»: لعل متوهما (يتوهم) أن قتادة لم يذكر سماعه من عبد الله بن سرجس وليس هذا بمستبدع؛ فقد سمع قتادة جماعة من الصحابة لم يسمع منهم عاصم بن سليمان الأحول، وقد احتج مسلم بحديث عاصم عن عبد الله بن سرجس، وهو من ساكني البصرة. اهـ
قال ابن الملقن: قال الشيخ تقي الدين: ليس فيما قال أحمد جزم بالانقطاع؛ فإن (أمكن) اللقاء من قتادة لعبد الله بن سرجس فهو محمول على الاتصال على طريقة مسلم. (بدر المنير)
الدليل الثالث:
من النظر، فإنه ينهى عن البول في الجحر؛ لإن في ذلك مفسدتين:
الأولى: أن هذه الهوام قد تخرج من جحرها، فيفزع منها، فيتلوث بالنجاسة.
الثانية: أن في ذلك اعتداء على هذه الهوام، وإفساد لمساكنها، دون أن تؤذيه
– قال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 112):
والحديث يدل على كراهة البول في الحفر التي تسكنها الهوام والسباع، إما لما ذكره قتادة أو لأنه يؤذي ما فيها من الحيوانات.
– جاء في المغني لابن قدامة (1/ 122):
ويكره على أن يبول في شق أو ثقب؛ لما روى عبد الله بن سرجس «، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى أن يبال في الجحر» رواه أبو داود؛ لأن عبد الله بن المغفل قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – «لا يبولن أحدكم في مستحمه» ولأنه لا يأمن أن يكون فيه حيوان يلسعه أو يكون مسكنا للجن فيتأذى بهم. انتهى
– قال الاتيوبي في ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (1/ 546):
دل الحديث على كراهة البول في الحُفَر التي تسكنها السباع والهوام خشية الأذى، قال في المنهل: ومحل الكراهة ما لم يغلب على الظن أذى له، أو لما في الجُحْر من حيوان محترم، وإلا حرم كما هو ظاهر النهي.
ودل أيضا على أنه يطلب من العاقل البعد عما يخشى منه الضرر، وعلى مزيد رأفة النبي – صلى الله عليه وسلم – بالأمة، وعلى أنه يطلب ممن تولى أمر جماعة أن يأمرهم بما فيه نفعهم، وينهاهم عما فيه ضررهم. قاله في المنهل جـ 1/ ص 116 … قال الجامع عفا الله عنه: قال الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة سعد هذا ما نصه: ولم يختلفوا أنه وُجدَ ميتا في مُغتَسَله، وقد اخْضَرَّ جسده، ولم يشعروا بموته حتى سَمعوا قائلا يقول ولا يرون أحدًا:
نحنُ قَتَلنَا سَيِّدَ الخَز …. رَجْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَهْ
رَمَيْنَاهُ بسَهْمَين …. فَلَمْ نُخْط فُؤَادَهْ
ويقال: إن الجن قتلته، روى ابن جريج عن عطاء أنه قال: سمعت أن الجن قالت في سعد بن عبادة فذكر البيتين اهـ، جـ 2/ ص 37.
قال العلامة الألباني: بعد ذكر كلام ابن عبد البر: “ولكن لم أجد له إسنادًا صحيحًا على طريقة المحدثين”. انظر الإرواء جـ 1 / ص 94. انتهى
لكن ورد من مرسلين صحيحين فلعل أحدهما يشهد للآخر (سيف)
– قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود (1/ 159):
لاشك أن الإنسان عليه أن يجتنب البول في الجحر سواء كان فيها مساكن جن أو كان فيها دواب وحيوانات، فالإنسان لو بال في الجحر ثم خرج عليه من ذلك الجحر حية أو عقرب أو شيء ففزعه وقام ولوث نفسه بالنجاسة فإن ذلك يكون بسبب هذا التصرف الذي فعله. فليس للإنسان أن يبول في الجحر، وهذا الحديث غير ثابت، لكن معناه صحيح، وهو أن الإنسان لا يؤذي تلك الحيوانات بالبول؛ لأن فيه إيذاء لها، ثم أيضاً قد تخرج وتؤذيه ويتأذى هو، إما تؤذيه بكونها ضارة فتصيبه بضرر أو على أقل الأحوال يفزع فيتناثر البول على جسده أو على ثيابه فيترتب على ذلك مضرة ومفسدة.
– قال الشيخ الراجحي في شرح سنن أبي داود (3/ 9):
وهذا الحديث في سنده قتادة وهو يدلس، ولكن الأصل السلامة، وفي هذا الحديث النهي عن البول في الجحر؛ وعلل ذلك: بأنها مساكن الجن والهوام والحشرات فقد يخرج عليه شيء من الهوام والحشرات فيؤذيه، وقد تكون مساكن للجن فيتضرر من ذلك، لهذا لا ينبغي للإنسان أن يبول في الجحر، والجحر هو: الشق في الأرض.
وقصة سعد بن عبادة مشهورة في ذلك، فقد جاء أنه بال في جحر فمات، فسمع قائل يقول: نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده وهذه القصة مشهورة، لكنها تحتاج إلى نظر في إسنادها.
فالمقصود: أنه ينبغي للإنسان ألا يبول في الجحر؛ لما يخشى عليه من الضرر.
والله أعلم …