241 و 242 و 243 و 244 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
27 – باب تعظيم حُرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم
241 – وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لا يُؤْمِنُ أَحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ” متفقٌ عليه.
مر معنا شرحه في باب النصيحة
242 – وعنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً”فقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُول اللَّه أَنْصرهُ إِذَا كَانَ مَظلُوماً أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ ظَالِماً كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ:”تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذلِك نَصْرُهْ” رواه البخاري.
انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً: النصر بمعنى الدفاع عن الغير أي دفع ما يضره (شرح الرياض لابن عثيمين 2/ 590)
قال ابن باز:” كانت الجاهلية، كان العرب في الجاهلية ينصر أصحابه ظالمين أو مظلومين، هكذا كانت العرب إذا كان المستغيث في قرابته أو من أصدقائه نصره ولو ظالم، هذا من عادة العرب، إلا من تخلل بالخلال الطيبة واتصف بالعدالة، وهو قليل … فجاء الإسلام بالتعديل والتوجيه للخير وأن المظلوم ينصر لإعانته على رد الظلمة إليه، والظالم ينصر بمنعه من الظلم، ليس بإعانته بمنعه. (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 481)
قوله (فقال رجل) قال ابن حجر:” ولم أقف على تسميته ” (فتح الباري)
في راوية قال (تأخذ فوق يديه) قال ابن حجر:” كنى به عن كفه عن الظلم بالفعل إن لم يكف بالقول، وعبر بالفوقية إشارة إلى الأخذ بالاستعلاء والقوة (فتح الباري)
وقال أيضا:” وفي رواية معاذ عن حميد عند الإسماعيلي: ” فقال: يكفه عن الظلم، فذاك نصره إياه “. ولمسلم في حديث جابر نحو الحديث، وفيه: ” إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصرة “. (فتح الباري)
قال العلائي:” من بليغ الكلام الذي لم ينسج على منواله وأو للتنويع والتقسيم وسمي رد المظالم نصرا لأن النصر هو العون ومنع الظالم عون له على مصلحته والظالم مقهور مع نفسه الأمارة وهي في تلك الحالة عاتية عليه فرده عون له على قهرها ونصرة له عليها ” (فيض القدير 5/ 398)
قال ابن بطال:” نصر المظلوم فرض واجب على المؤمنين على الكفاية، فمن قام به سقط عن الباقين، ويتعين فرض ذلك على السلطان، ثم على كل من له قدرة على نصرته إذا لم يكن هناك من ينصره غيره من سلطان وشبهه.” (شرح البخاري لابن بطال 6/ 573)
قال النووي: نصر المظلوم فمن فروض الكفاية، وهو من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما يتوجه الأمر به على من قدر عليه، ولم يخف ضررا. (شرح النووي)
قال ابن حجر:” أي: إعانته، وهو فرض كفاية، وهو عام في المظلومين، وكذلك في الناصرين، بناء على أن فرض الكفاية مخاطب به الجميع، وهو الراجح، ويتعين أحيانا على من له القدرة عليه وحده، إذا لم يترتب على إنكاره مفسدة، أشد من مفسدة المنكر، فلو علم، أو غلب على ظنه أنه لا يفيد سقط الوجوب، وبقي أصل الاستحباب بالشرط المذكور، فلو تساوت المفسدتان تخير. وشرط الناصر أن يكون عالما بكون الفعل ظلما، ويقع النصر مع وقوع الظلم، وهو حينئذ حقيقة، وقد يقع قبل وقوعه، كمن أنقذ إنسانا، من يد إنسان طالبه بمال ظلما، وهدده إن لم يبذله، وقد يقع بعد، وهو كثير ”
وقال أيضا:” قال ابن بطال: النصر عند العرب: الإعانة، وتفسيره لنصر الظالم بمنعه من الظلم من تسمية الشيء بما يؤول إليه، وهو من وجيز البلاغة. قال البيهقي: معناه أن الظالم مظلوم في نفسه، فيدخل فيه ردع المرء عن ظلمه لنفسه حسا ومعنى، فلو رأى إنسانا يريد أن يجب نفسه لظنه أن ذلك يزيل مفسدة طلبه الزنا مثلا منعه من ذلك، وكان ذلك نصرا له، واتحد في هذه الصورة الظالم والمظلوم. (فتح الباري، انظر البحر المحيط الثجاج)
قال ابن علان:” ولو ذمياً يمنع الظالم عن ظلمه وجوباً على من قدر على ذلك بفعله أو قوله وهذا يرجع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا واجب عيناً تارة وكفاية أخرى” (دليل الفالحين)
قال ابن عثيمين:” في هذا دليلٌ على وجوب نصر المظلوم وعلى وجوب نصر الظالم على هذا الوجه الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.” (شرح رياض الصالحين 2/ 590)
243 – وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه أَنَّ رسول الَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “حقُّ الْمُسْلمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خمسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وَعِيَادَةُ الْمرِيضَ، واتِّبَاعُ الْجنَائِزِ، وإِجابة الدَّعوةِ، وتَشمِيت العْاطِسِ “مُتَّفَقٌ عليه.
وفي رواية لمسلمٍ: “حق الْمُسْلمِ سِتٌّ: إِذا لقِيتَهُ فسلِّم عليْهِ، وإِذَا دَعاكَ فَأَجبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصحْ لهُ، وإِذا عطَس فحمِد اللَّه فَشَمِّتْهُ. وَإِذَا مرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا ماتَ فاتْبعهُ.
قوله (حق المسلم على المسلم) قال ابن حجر:” وقد تبين أن معنى (الحق) هنا الوجوب خلافا لقول ابن بطال: المراد حق الحرمة والصحبة، والظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية. (فتح الباري)
قول ((على المسلم خمس) لا ينافي ما في رواية بعده أنه ست إما لأن العدد لا مفهوم له وإما لأن محل العمل بمفهومه ما لم يعلم خلافه فإن الحقوق المتأكدة كثيرة واقتصر على ما ذكر إما لأنها المشروعة إذ ذاك وما عداها شرع بعد وإما لأنها الأنسب بحال السامعين بتساهلهم فيها أو شدة احتياجهم إليها. (دليل الفالحين) قال ابن عثيمين:” حقوق المسلم على أخيه كثيرة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يذكر أشياء معينة من أشياء كثيرة عناية بها واحتفاءً بها” (شرح رياض الصالحين 2/ 591)
قوله (رد السلام) قال النووي:” هو فرض بالإجماع، فإن كان السلام على واحد كان الرد فرض عين عليه، وإن كان على جماعة كان فرض كفاية في حقهم، إذا رد أحدهم سقط الحرج عن الباقين” (شرح مسلم) قال ابن عثيمين:” قال: “حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام” يعني إذا سلّم عليك فردّ عليه، وفي الحديث الثاني” حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه”.
فهذان أمران: ابتداء السلام المأخوذ من قوله ” إذا لقيته فسلم عليه عليه”، وردّ السلام المأخوذ من قوله ” رد السلام”، فابتداء السلام سنة مؤكدة، وإذا كان الحاصل لتركه الهجُر كان حراماً فيما زاد على ثلاثة أيام، ما في الثلاثة أيام فأقل فلا بأس أن تهجره، ومن المعلوم أن الإنسان لن يهجر أخاه إلا لسبب، فأجاز النبي عليه الصلاة والسلام للمسلم أن يهجر أخاه ثلاثة أيام فأقل … وابتداء السلام يكون من الصغير على الكبير، ومن الماشي على القاعد، ومن الراكب على الماشي، كل بحسبه وصيغة السلام المشروعة أن يقول السلام عليك، أو السلام عليكم، كلاهما جائز، والرد أن يقول: عليك السلام أو وعليكم السلام.
بهذا يتضح لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن من الحقوق التي للمسلم على أخيه السلام رداً وابتداءً، وحكم السلام أن ابتداءه سنةٌ وردّه فرضٌ، فرض عين على من قُصد به، وفرض كفاية إذا قُصد به جماعة، فإنه يجزئ رد أحدهم ” (شرح رياض الصالحين 2/ 592)
وقال أيضا:” أما غير المسلم فلا تسلم عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا وجدتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه” فاليهودي والنصراني والمشرك والملحد والمرتد كالذي لا يصلي، والمبتدع بدعة يكفر بها، كل هؤلاء لا يحل ابتداء السلام عليهم، ولو كانوا أقرب الناس إليك، لكن إذا سلموا فرد عليهم بمثل ما سلموا به، إذا قالوا: أهلاً ومرحباً، فقل أهلاً ومرحباً، وإذا قالوا: السلام عليكم قل: وعليكم السلام، وإذا شككت هل هو يقول: السلام عليكم، أو يقول السام عليكم، فقل: وعليكم.
بل إذا لم تتيقن إنه قال: السلام عليكم باللام فقل: وعليكم، وذلك أن اليهود كانوا يمرون بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيسلمون عليه لكن يقولون: السام عليكم يدغمونها، والسام يعني الموت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن اليهود إذا لقوكم قالوا: السام عليكم، فقولوا: وعليكم ” أي: إن كانوا يدعون لنا بالسلام فلعيهم السلام، وإن كانوا يدعون علينا بالموت فعليهم الموت، وهذا من العدل (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) ” (شرح رياض الصالحين)
وَعِيَادَةُ الْمرِيضَ) قال النووي:” أما عيادة المريض فسنة بالإجماع، وسواء فيه من يعرفه ومن لا يعرفه، والقريب والأجنبي، واختلف العلماء في الأوكد والأفضل منها، (شرح النووي)
قال ابن عثيمين:” عيادة المريض فرض كفاية، لابد أن يعود المسلمون أخاهم، وإذا عاده واحد منهم حصلت به الكفاية، وقد تكون فرض عين إذا كان المريض من الأقارب، وعدت عيادته من الصلة، فإن صلة الأرحام واجبة فتكون فرض عين.
واعلم أن العلماء – رحمهم الله – ذكروا لعيادة المريض آداباً منها: ألا يكثر العائد لمريض محادثته بالسؤال عن حاله وعن نومه وأكله وشربه وما أشبه ذلك، إلا إذا كان يأنس بهذا ويُسر به … قالوا: ينبغي أن لا يكثر المقام عنده ويطيل؛ لأنه قد يكون له حاجة مع أهله أو في نفسه، ولا يحب أن يطيل الجلوس عنده أحد، لكن إذا علمت أنه يستأنس بهذا ويفرح” (شرح رياض الصالحين 2/ 596)
(اتباع الجنائز) قال النووي:” اتباع الجنائز فسنة بالإجماع أيضا، وسواء فيه من يعرفه وقريبه وغيرهما، وسبق إيضاحه في الجنائز ” (شرح النووي)
قال ابن دقيق العيد- رحمه الله: “اتباع الجنائز يحتمل أن يراد به اتباعها للصلاة، فإن عبر به عن الصلاة، فذلك فرض من فروض الكفاية عند الجمهور، ويكون التعبير بالاتباع عن الصلاة من باب مجاز الملازمة في الغالب؛ لأنه ليس من الغالب أن يصلى على الميت، ويدفن في محل موته. ويحتمل أن يراد بالاتباع: الرواح إلى محل الدفن لمواراته، والمواراة أيضا من فروض الكفايات، لا تسقط إلا بمن تتأدى به. (إحكام الأحكام)
قال الأتيوبي”: الاحتمال الثاني هو الأقرب، لأنه حقيقة، فالحمل عليه أولى، كما أشار إلى ذلك الصنعاني رحمه الله في “حاشيته”.” (البحر المحيط الثجاج)
قال ابن عثيمين:” من حق المسلم على أخيه أن يتبع جنازته من بيته إلى المصلى- سواء في المسجد أو في مكان آخر – إلى المقبرة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” من شهد الجنازة حتى يُصلى عليها؛ فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن؛ فله قيراطان” قيل: وما القيراطان يا رسول الله؟ قال: مثل الجبلين العظيمين” وفي رواية: ” أصغرهما مثل أُحد ” وهذا فضل عظيم وأجر كبير.
ولما بلغ عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – هذا الحديث قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة، ثم صار بعد ذلك لا يرى جنازة إلا تبعها رضي الله عنه؛ لأن هذه غنيمة؛ غنيمة أن يحصل الإنسان مثل الجبلين العظيمين في عمل يسير ” (شرح رياض الصالحين 2/ 598)
قوله (وتَشمِيت العْاطِسِ) روى البخاري:” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ: فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ ”
قال النووي:” وأما تشميت العاطس فهو أن يقول له: يرحمك الله، ويقال بالسين المهملة والمعجمة، لغتان مشهورتان، قال الأزهري: قال الليث: التشميت: ذكر الله تعالى على كل شيء، ومنه قوله للعاطس: يرحمك الله، وقال ثعلب: يقال: سمت العاطس وشمته إذا دعوت له بالهدى، وقصد السمت المستقيم. قال: والأصل فيه السين المهملة، فقلبت شينا معجمة، وقال صاحب المحكم: تسميت العاطس معناه: هداك الله إلى السمت. قال: وذلك لما في العاطس من الانزعاج والقلق، قال أبو عبيد وغيره: الشين المعجمة على اللغتين، قال ابن الأنباري: يقال منه شمته، وسمت عليه إذا دعوت له بخير، وكل داع بالخير فهو مشمت، ومسمت، وتسميت العاطس سنة، وهو سنة على الكفاية، إذا فعل بعض الحاضرين سقط الأمر عن الباقين، وشرطه أن يسمع قول العاطس: الحمد لله ” (شرح النووي)
قال ابن عثيمين:” هل تشميت العاطس إذا حمد فرض عين أو فرض كفاية؟ يعني: هل يكفي واحد من الجماعة إذا شمته عن الجماعة، أم لا بد على كل من سمعه أن يشمته؟ والجواب: أنه ذهب بعض العلماء على أن التشميت فرض كفاية؛ فإذا كنا جماعة وعطس رجل وقال الحمد لله، فقال أحدنا له: يرحمك الله كفى.
وقال بعض العلماء: بل تشميته فرض عين على كل من سمعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” كان حقاً على كل من سمعه أن يقول يرحمك الله ” وظاهر هذا أنه فرض عين، فعلى هذا كل من سمعه يقول له: يرحمك الله، ويقول هو: يهديكم الله ويصلح بالكم، ويكفى منه ردّ واحدٌ على الجميع، إذا نواه للجميع كفى.
فإن عطس ولم يحمد الله فلا تقل: يرحمك الله، تعزيزاً له على عدم حمده لله عزّ وجلّ، يعني كما أنه لم يحمد الله فاحرمه هذا الدعاء، فلا تقل له: يرحمك الله، ثم هل تذكره وتقول: قل الحمد لله أو لا تذكره؟ والجواب: من المعلوم أنه يحتمل أنه قد ترك الحمد تهاوناً، ويحتمل أنه تركه نسياناً، فإن كان تركه نسياناً فذكره وقل له: احمد الله، وإن كان تركه تهاوناً فلا تذكره، ولكن أين إلى العلم بذلك؟ وكيف أعلم أنه نسيان أو انه تهاون؟ ظاهر الحديث ” فحمد الله ” أنه إذا لم يحمد الله لا تشمته ولا تذكره مطلقاً.
ولكن يمكنك فيما بعد أن تعلمه وتقول له: إن الإنسان إذا عطس فإنه يحمد الله على هذا العطاس؛ لأن العطاس من الله، والتثاؤب من الشيطان، العطاس دليلٌ على نشاط جسم الإنسان، ولهذا يجد الإنسان راحة بعد العطاس.
ثم إن التشميت بقول: يرحمك الله مقيد بثلاث؛ إذا شمته ثلاث مرات يعني عطس فحمد الله، فقلت يرحمك الله ثم عطس فحمد الله فقلت، يرحمك الله، ثم عطس فحمد الله فقلت: يرحمك الله، ثم عطس الرابعة فقل: عافاك الله، إنك مزكوم، تدعو له بالعافية وتبين له أنه مزكوم لئلا يقول: لماذا لا تقول يرحمك الله كنا كنت بالأول تقول يرحمك الله، فيتبين العلة حين تقول: إنك مزكوم.
ثم إن ما يقوله بعض العامة إذا قلت له: يرحمك الله، يحث يقول: يهدينا ويهديكم الله، فهذا ليس بصحيح؛ لأن الرجل دعا لك أنت فقال: يرحمك الله، فكيف تقول: يهدينا ويهديكم الله، فتدعو لنفسك قبله، نعم لو قال: يرحمنا ويرحمك الله، فقل: يهدينا ويهديكم الله، لكنه قال: يرحمك الله كما أُمِر، فأنت اجبه كما أُمِرت؛ فقل يهديكم الله ويصلح بالكم.
وذكر أن اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي عليه الصلاة والسلام – يعني يتكلفون العطاس من أجل أن يقول لهم: يرحمكم الله، لأنهم يعلمون أنه نبي وأن دعاه بالرحمة قد ينفعهم، ولكنه لا ينفعهم؛ لأن الكفار لو دعوت لهم بالرحمة لا ينفعهم ذلك، بل لا يحل لك أن تدعو لهم بالرحمة إذا ماتوا ولا بالمغفرة، لقول الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) فإن قيل: اليس إبراهيم استغفر لأبيه، وإبراهيم على الحنيفية وعلى التوحيد؟ هذا الجواب يتضح في قول الله تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (التوبة: 114).
” (شرح رياض الصالحين 2/ 604)
(وإِجابة الدَّعوةِ) روى البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فُكُّوا العَانِيَ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَعُودُوا المَرِيضَ» وكذلك روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ))
قال النووي:” وأما إجابة الداعي فالمراد به الداعي إلى وليمة ونحوها من الطعام ” (شرح مسلم) قال ابن باز:” إجابته إذا دعاك إذا دعاك إلى وليمة عرس أو غيره تجيب دعوة أخيك، لأن من أسباب صفاء القلوب ونقائها واجتماعها على الخير وتحابها، وعدم الإجابة وعدم المبالاة من أسباب النفرة والاختلاف ” (شرح رياض الصالحين)
قال ابن عثيمين:” فإن كان الداعي غير مسلم فلا تجب الإجابة، بل ولا تشرع الإجابة إلا إذا كان في ذلك مصلحة، فإذا كان في ذلك مصلحة كرجاء إسلامه والتأليف فلا بأس بإجابة غير المسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب دعوة يهودي دعاه في المدينة.
وإن الداعي مسلماً مجاهراً بالمعصية كحلق اللحية مثلاً، أو شرب الدخان علناً في الأسواق، أو غير ذلك من المحرمات، فإن أجابته ليست بواجبة، ولكن إن كان في إجابته مصلحة أجابه، وإن كان ليست في إجابته مصلحة نظرت؛ فإن كان في عدم إجابته مصلحة بحيث إذا رأى نفسه أنه قد هُجر، وأن الناس لا يجيبون دعوته تاب وأناب، فلا تجب دعوته لعل الله يهديه، وإن كان لا فائدة من ذلك فأنت بالخيار؛ إن شئت فأجب، وإن شئت فلا تجب.
وإذا كان في الدعوة منكر فإن كان الإنسان قادراً على التغيير وجبت عليه الإجابة من وجهين:
الوجه الأول: إزالة المنكر. والوجه الثاني: إجابة دعوة أخيه إذا كان في العرس، وكان ذلك في أول يوم.
وأما إذا كان هناك منكر في الدعوة لا تستطيع تغييره كما لو كان في الدعوة شر دخان، أو شيشه، أو كان هناك أعانِ محرمة، فإنه لا يجوز لك أن تجيب.
قال أهل العلم: إلا إذا كان المنكر في محل آخر، وأنت تجيب إلى محل ليس فيه منكر، وكان الداعي من أٌقاربك الذين لو تركت إجابتهم لعد ذلك قطيعة، فلا بأس بالإجابة في هذه الحال، وإن كان الهجر يترتب عليه ترك هذه المعصية فاهجره، يعني مثلاً لو دعاك قريبك وأنت تعلم أنه سيكون في الدعوة محرم، وقبل بذلك فأجب، وأما إن أصر على وجود المحرم فلا تجب؛ لأن حضور المحرم ولو مع كراهة الإنسان له بقلبه يكون فيه الإنسان مشاركاً للفاعل لقول الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) ” (شرح رياض الصالحين 2/ 602 و 603)
سئل ابن تيمية:” عن رجل معه مال من حلال وحرام: فهل يجوز لأحد أن يأكل من عيشه أم لا؟ فأجاب: إن عرف الحرام بعينه لم يأكل حتما وإن لم يعرف عينه لم يحرم الأكل منه؛ لكن إذا كثر الحرام كان متروكا ورعا. والله أعلم. ” (مجموع الفتاوى 32/ 215)
قال النووي:” الأعذار التي يسقط بها وجوب إجابة الدعوة أو ندبها فمنها أن يكون في الطعام شبهة أو يخص بها الأغنياء أو يكون هناك من يتأذى بحضوره معه أو لا تليق به مجالسته أو يدعوه لخوف شره أو لطمع في جاهه أو ليعاونه على باطل وأن لا يكون هناك منكر من خمر أو لهو أو فرش حرير أو صور حيوان غير مفروشة أو آنية ذهب أو فضة فكل هذه أعذار في ترك الإجابة ومن الأعذار أن يعتذر إلى الداعي فيتركه ولو دعاه ذمي لم تجب إجابته على الأصح ولو كانت الدعوة ثلاثة أيام فالأول تجب الإجابة فيه والثاني تستحب والثالث تكره” (شرح النووي 9/ 234)
زاد مسلم في روايته (، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصحْ لهُ) جاء في رواية الترمذي “وينصح له إذا غاب أو شهد” فينصح له مطلقا، فينصح لأخيه في كل أحوال، عن جرير بن عبد الله قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. متفق عليه.
قال النووي:”وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ” وإذا استنصحك ” فمعناه: طلب منك النصيحة فعليك أن تنصحه، ولا تداهنه، ولا تغشه، ولا تمسك عن بيان النصيحة” (شرح مسلم)
قال فيصل آل مبارك:” في هذا الحديث: بيان حق المسلم على المسلم، فمنها: واجب، ومنها: مندوب. ويختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص، والله أعلم.” (تطريز)
244 – وعن أَبي عُمارة الْبراءِ بنِ عازبٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: أَمرنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِسبْعٍ: أَمرنَا بِعِيادة الْمرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجنازةِ، وتَشْمِيتِ الْعاطِس، وَإِبْرارِ الْمُقْسِمِ، ونَصْرِ المظْلُومِ، وَإِجابَةِ الدَّاعِي، وإِفْشاءِ السَّلامِ. وَنَهانَا عَنْ خواتِيمَ أَوْ تَختُّمٍ بالذَّهبِ، وَعنْ شُرْبٍ بالفضَّةِ، وعَنِ المياثِرِ الحُمْرِ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَالإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ. مُتَّفَقٌ عليه.
وفي روايةٍ: وإِنْشَادِ الضَّالةِ فِي السَّبْعِ الأُولِ.
“المياثِرِ”بيَاء مُثَنَّاةٍ قبْلَ الأَلِفِ، وَثَاء مُثَلَّثَة بعْدَهَا، وَهِيَ جمْعُ ميْثرةٍ، وَهِي شَيْءٌ يتَّخَذُ مِنْ حرِيرٍ وَيُحْشَى قُطْناً أَوْ غَيْرَهُ ويُجْعلُ فِي السَّرجِ وكُورِ الْبعِيرِ يجْلِسُ عَلَيْهِ الرَّاكِبُ”والقَسيُّ”بفتحِ القاف وكسر السينِ المهملة المشدَّدةِ: وَهِيَ ثِيَابٌ تُنْسَجُ مِنْ حَرِيرٍ وكَتَّانٍ مُخْتَلِطَيْنِ.”وإِنْشَادُ الضَّالَّةِ”: تَعرْيفُهَا.
أما قوله عيادة المريض و اتباع الجنائز و تشميت العاطس فمر معنا في الحديث السابق
قوله (وإبرار المقسم) وقال النووي:” وأما إبرار القسم فهو سنة أيضا مستحبة متأكدة، وإنما يندب إليه إذا لم يكن فيه مفسدة أو خوف ضرر أو نحو ذلك، فإن كان شيء من هذا لم يبر قسمه، كما ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه لما عبر الرؤيا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ” أصبت بعضا وأخطأت بعضا ” فقال: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني، فقال: ” لا تقسم “، ولم يخبره. (شرح مسلم)
قال ابن مفلح:” ولا يلزمه إبرار قسم, في الأصح. كإجابة سؤال بالله. وقال شيخنا: إنما يجب على معين, فلا تجب إجابة سائل يقسم على الناس” (الفروع لابن مفلح 10/ 440)
قال ابن علان:” بنحو أقسمت عليك بالله، أو نحو: والله لتفعلن كذا فيسن له حيث لا مانع تخليصاً له عن ورطة الاستهتار بحقه في الأول وحنثه في الثاني” (دليل الفالحين 1/ 422)
قال الشوكاني:” قوله: (وإبرار القسم) ظاهر الأمر الوجوب واقترانه ببعض ما هو متفق على عدم وجوبه كإفشاء السلام قرينة صارفة عن الوجوب، وعدم إبراره – صلى الله عليه وسلم – لقسم أبي بكر وإن كان خلاف الأحسن لكنه – صلى الله عليه وسلم – فعله لبيان عدم الوجوب. ويمكن أن يقال: إن الفعل منه – صلى الله عليه وسلم – لا يعارض الأمر الخاص بالأمة كما تقرر في الأصول وما نحن فيه كذلك، وبقية ما اشتمل عليه الحديث موضعه غير هذا” (نيل الاوطار 8/ 267)
قال ابن باز:” إذا قسم عليك أخوك والله أن تشرب عندي القهوة والله أن تُجيب دعوتي تُجيب قسمه إذا استطعت ” (شرح الرياض)
قال ابن عثيمين:” وها هنا مسألة وهي: أنه ربما يحلف هو وتحلف أنت، هذا يقع كثيرًا في الضيف إذا نزل عليك، قال: والله ما تذبح لي، فتحلف أنت وتقول: والله لأذبح لك، فهنا من الذي يبرّ الأول أم الثاني؟ يبر الأول؛ لأن حقه ثابت، ونقول للثاني: صاحب البيت الذي حلف أن يذبح، نقول: لا تذبح وكفر عن يمينك؛ لأن الأول أحق بالبر وأسبق. ” (شرح رياض الصالحين)
وقال أيضا:” وهاهنا مسألة يحب أن يُتفطن لها أيضًا في هذا الأمر وهي: أن بعض السفهاء إذا نزل به ضيف، طلق الضيف أن لا يذبح له؛ قال: علىّ الطلاق من امرأتي أو نسائي إن كان له أكثر من امرأة أن لا تذبح لي، فيقول صاحب البيت: وأنا على الطلاق أن أذبح لك، وهذا خطأ عظيم، قال النبي – عليه الصلاة والسلام -: «من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت» أما الطلاق فلا، ما ذنب المرأة حتى تطلقها؟ وهو من الخطأ العظيم.
وأقول لكم إن المفتين اليوم – وأنا منهم – نفتي بأن الإنسان إذا أراد بذلك التهديد أو التأكيد فإنه لا طلاق، وعليه كفارة يمين، يعني: أن حكمه حكم اليمين، ولكني أقول لكم: إن أكثر أهل العلم، ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة على أن هذا طلاق، وعلى أنه إذا لم يفِ بما قال طلقت امرأته، فالمسألة خطيرة، ولا تظنوا أن الناس إذا أفتوا بالأمر السهل أن المسألة سهلة، بل هي خطيرة جدًا، إذا كان أصحاب المذاهب الأربعة: المالكي، والشافعي، والحنفي، والحنبلي، كلهم يرون أن مثل هذا يكون طلاقًا، وأنه إذا طلق أن لا تذبح وذبحت طلقت زوجته، وإذا طلقت أن تذبح ولم تذبح طلقت زوجتك، وهذه المذاهب الأربعة ليست بهينة، والخلاف في هذا ليس بهين، فلا تستهينوا بهذا الأمر، فهو خطير جدًا.
وأنت الآن مثلًا إذا رجعت إلى زوجتك وكانت هذه آخر طلقة، فأنت تطؤها على المذاهب الأربعة وطئًا حرامًا. وعلى القول إنه يمين، تكفر عن يمينك وتحل لك، فالمسألة خطيرة للغاية، ” (شرح رياض الصالحين)
وقال أيضا:” إني أشير عليكم بأمر مهم؛ أنك إذا حلفت على يمين فقل: إن شاء الله، ولو لم يسمعها صاحبك، لأنك إذا قلت: إن شاء الله يسر الله لك الأمر حتى تبر بيمينك، وإذا قدر انه ما حصل الذي تريد فلا كفارة عليك، وهذه فائدة عظيمة.
فلو قلت لواحد مثلًا: والله ما تذبح لي، ثم قلت بينك وبين نفسك: إن شاء الله، ثم ذبح فلا عليك شيء ولا عليك كفارة يمين، وكذلك أيضًا بالعكس، لو قلت: والله لأذبح ثم قلت بينك وبين نفسك: إن شاء الله، ولم يسمع صاحبك، فإنه إذا لم تذبح فليس عليك كفارة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين فقال: إن شاء الله لم يحنث» وهذه فائدة عظيمة اجعلها على لسانك دائمًا، اجعل الاستثناء بإن شاء الله على لسانك دائمًا حتى يكون فيه فائدتان:
الفائدة الأولى: أن تُيسر لك الأمور.
والفائدة الثانية: أنك إذا حنثت فلا تلزم الكفارة. (شرح رياض الصالحين)
قوله (نصر المظلوم) مر معنا بيان ذلك في حديث (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً)
قوله (وَإِجابَةِ الدَّاعِي، وإِفْشاءِ السَّلامِ) مر معنا
ا في الحديث السابق
قوله (إنشاد الضالة) وأما إنشاد الضالة فهو تعريفها، وهو مأمور به (شرح النووي)
وقال أيضا:” قال الأزهري وغيره لا يقع اسم الضالة إلا على الحيوان يقال ضل الإنسان والبعير وغيرهما من الحيوان وهي الضوال وأما الأمتعة وما سوى الحيوان فيقال لها لقطة ولا يقال ضالة” (شرح مسلم للنووي 12/ 21)
قال ابن عثيمين:” «وإنشاد الضالة» يعني: مما أمرهم به إنشاد الضالة، يعني: أن الإنسان إذا وجد ضالة وجب عليه إنشادها، أي طلب من هي له، والضالة هي: ما ضاع من البهائم، وقد قسم العلماء رحمهم الله الضالة إلى قسمين:
الأول: قسم يمتنع من الذئاب ونحوها من صغار السباع، فهذا لا يجوز التقاطه ولا إيواؤه، ومن آوى ضالة فهو ضال مثل الإبل، أو ما يمتنع بطيرانه مثل الطيور كالصقور والحمام وشبهها، أو ما يمتنع بعدوه كالظباء ونحوها.
فالذي يمتنع من صغار السباع كالذئاب وشبهها ثلاثة أنواع: ما يمتنع من السباع لكبر جثته وقوته مثل الإبل، وما يمتنع من السباع لطيرانه كالصقور والحمام، وما يمتنع من السباع لعدوه وسرعة سعيه كالظباء. (قال شيخنا الشيخ سيف: نقيد بسؤال أهل الخبرة في مسألة الظباء والطيور لأنها ربما تذهب ولا تعود بعكس الإبل)
فهذا لا يجوز للإنسان أن يلتقطها، ولا يجوز له أن يؤويها بل يطردها من إبله، ويطردها من حمامه، إذا أوت إلى حمامه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن ضالة الإبل فقال: «ما لك ولها؛ معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها»، معها سقاؤها: يعني: بطنها تملؤه ماءً، وحذاؤها: يعني: خفها تمشي عليه، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها.
فلا يجوز لك أن تؤوي هذه الضالة ولا أن تلتقطها، ولو كنت تريد الخير، اللهم إلا إذا كنت في أرض فيها قطاع طريق تخشى أن يأخذوها ويضيعوها على صاحبها، فلا بأس أن تأخذها حينئذ، أو إذا كنت تعرف صاحبها فتأخذها لتردها عليه، فهذا لا بأس به.
الثاني: ما لا يمتنع من صغار السباع، يعني: الذي يعجز أن يفك نفسه مثل الغنم أو الماعز أو الشياه أو ما أشبه ذلك، فإنك تأخذها كما قال النبي – عليه الصلاة والسلام -: «هي لك أو لآخيك أو للذئب».
ولكن يجب عليك أن تبحث عن صاحبها وقول له: (هي لك) يعني: إن لم تجد صاحبها، (أو لأخيك) يعني: صاحبها إذا عرفته، «أو للذئب» إذا لم يجدها أحد أكلها الذئب.
فهذه تُؤخذ ويُبحث عن صاحبها، فإذا تمت السنة ولم يُوجد صاحبها فهي لمن وجدها.
وإنشاد الضالة له معنيان:
المعني الأول: ما ذكرنا وهذا واجب على الإنسان.
المعني الثاني: منهيٌ عنه وذلك مثل ما يقع في المساجد، وهو أن يطلب الإنسان الضالة فيه، مثل أن يقول: من رأى كذا وكذا؟ أو: يا أيها الناس قد ضاعت لي كذا وكذا فمن وجدها؟
فهذا لا يجوز في المسجد، وهو محرم، لأن المساجد لم تبن لهذا، قال النبي – عليه الصلاة والسلام -: «إذا سمعتم أحدًا ينشد ضالة في المسجد فقولوا له: لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تُبن لهذا».
فنحن مأمورون أن ندعو الله عليه، فنقول: لا ردها الله عليه، فنقول: لا ردها الله عليك، كما أننا إذا سمعنا شخصًا يبيع ويشترى في المسجد فإننا نقول: لا أربح الله تجارتك؛ لأن المساجد لم تُبن للبيع أو الشراء. (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين)
قوله (وَنَهانَا عَنْ خواتِيمَ أَوْ تَختُّمٍ بالذَّهبِ) قال النووي:” وأما خاتم الذهب فهو حرام على الرجل بالإجماع، وكذا لو كان بعضه ذهبا وبعضه فضة، حتى قال أصحابنا: لو كانت سن الخاتم ذهبا، أو كان مموها بذهب يسير فهو حرام؛ لعموم الحديث الآخر في الحرير والذهب: ” إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها “. (شرح النووي)
قال ابن عثيمين:” والتختم بالذهب خاص بالرجال، فالرجل لا يحل له أن يلبس الذهب وأن يتختم بالذهب، ولا أن يلبس سواراً من ذهب، ولا أن يلبس خرصاً من ذهب، ولا أن يلبس على رأسه شيئاً من الذهب، كل الذهب حرام على الرجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجل رأى عليه خاتماً من ذهب، قال: ” يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في أصبعه أو قال في يده” ثم نزع النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم فرمي به، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للرجل: خذ خاتمك، انتفع به، قال: لا والله لا آخذ خاتماً طرحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال عليه الصلاة والسلام في حديث على بن أبي طالب: ” إن هذين حرام على ذكور امتى حلٌ لإناثهم”.
وأما تختم المرأة بالذهب فلا بأس به ولا حرج فيه، فيجوز لهن التختم بالذهب والتسور به، وأن يلبسن ما شئن منه، إلا إذا بلغ حد الإسراف، فإن الإسراف لا يحل؛ لقول الله تعالى (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (لأعراف: 31).
وقد حكى بعض العلماء إجماع أهل العلم على جواز لباس المرأة للخاتم والسوار ونحوهما، وأما الأحاديث الواردة في النهي عن الذهب المحلق للنساء فهي أحاديث إما ضعيفة، وإما شاذه تُرك العمل بها، وتواترت الأحاديث الكثيرة التي فيها إقرار النبي صلى الله عليه وسلم النساء على لبس المحلق من الإسورة وكذلك من الخواتم.
ولكن يجب على المرآة إذا كان عندها ما يبلغ النصاب من الحلي من الذهب أداء زكاته، بان تقومه كل سنة بما يساويه وتخرج منه ربع العشر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من الذهب، يعني سوارين غليظين، فقال: ” أتؤدين زكاة هذا؟ ” قالت: ” لا. قال: ” أيسرك أن يسورك الله بها سوارين من نار يوم القيامة ” فخلعتهما وأعطتهما النبي صلى الله علي وسلم وقالت: هما لله ورسوله.” (شرح رياض الصالحين 2/ 614)
قوله (وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَالإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ) وأما لبس الحرير والإستبرق والديباج والقسي، وهو نوع من الحرير، فكله حرام على الرجال، سواء لبسه للخيلاء أو غيرها، إلا أن يلبسه للحكة فيجوز في السفر والحضر، وأما النساء فيباح لهن لبس الحرير وجميع أنواعه، وخواتيم الذهب، وسائر الحلي منه، ومن الفضة، سواء المزوجة، وغيرها، والشابة والعجوز، والغنية والفقيرة، هذا الذي ذكرناه من تحريم الحرير على الرجال وإباحته للنساء هو مذهبنا ومذهب الجماهير.
قوله (عن شرب بالفضة) قال الأتيوبي:” أي: ونهانا عن استعمال آنية الفضة، والنهي فيه للتحريم، وهو عام في الرجال والنساء، فيحرم استعمال آنية الفضة، ومثله الذهب في الأكل، والشرب، ونحوهما على كل مكلف، رجلا كان أو امرأة، ولا يلتحق ذلك بالحلي للنساء؛ لأنه ليس من التزين الذي أبيح لهن في شيء ” (البحر المحيط)
قوله (عن المياثر الحمر) قال النووي:” وأما قوله: ” وعن المياثر ” فهو بالثاء المثلثة قبل الراء. قال العلماء: هو جمع مئثرة بكسر الميم، وهي وطاء كانت النساء يضعنه لأزواجهن على السروج، وكان من مراكب العجم، ويكون من الحرير، ويكون من الصوف وغيره، وقيل: أغشية للسروج، تتخذ من الحرير، وقيل: هي سروج من الديباج. وقيل: هي شيء كالفراش الصغير تتخذ من حرير تحشى بقطن أو صوف، يجعلها الراكب على البعير تحته فوق الرحل، والمئثرة مهموزة، وهي مفعلة بكسر الميم من الوثارة … قال العلماء: فالمئثرة إن كانت من الحرير كما هو الغالب فيما كان من عادتهم فهي حرام؛ لأنه جلوس على الحرير، واستعمال له، وهو حرام على الرجال، سواء كان على رحل أو سرج أو غيرهما، وإن كانت مئثرة من غير الحرير فليست بحرام، ومذهبنا أنها ليست مكروهة أيضا؛ فإن الثوب الأحمر لا كراهة فيه، سواء كانت حمراء أم لا، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء، وحكى القاضي عن بعض العلماء كراهتها؛ لئلا يظنها الرائي من بعيد حريرا. وفي صحيح البخاري عن يزيد بن رومان: المراد بالمئثرة جلود السباع، وهذا قول باطل مخالف للمشهور الذي أطبق عليه أهل اللغة والحديث وسائر العلماء، والله أعلم. (شرح النووي)
قال فيصل آل مبارك:” المياثر الحمر، فإن كانت من حرير فالنهي للتحريم سواء كانت حمرًا أو غير حمر، وإن كانت من غير، فالنهي للتنزيه.” (تطريز رياض الصالحين)
قال الأتيوبي بعد ذكر الأقوال:” التعليلات التي ذكروها في سبب النهي عن المياثر، من كونها حريرا، أو غير ذلك، لم تذكر في الحديث، فالظاهر أن النهي عام في جميع أنواع المياثر، سواء كانت من حرير، أو من غيره، وسواء كانت حمراء، أو غيرها، كما تقدم عن الطبري، وأن النهي للتحريم في الجميع، إذ النص لم يفرق بين نوع ونوع، والله تعالى أعلم. (البحر المحيط الثجاج)
قوله (عن القسي) القسي فثياب مضلعة يؤتى بها من مصر والشام فيها شبه، كذا هو لفظ رواية مسلم، وفي رواية البخاري: فيها حرير أمثال الأترج، قال أهل اللغة وغريب الحديث: هي ثياب مضلعة بالحرير، تعمل بالقس بفتح القاف، وهو موضع من بلاد مصر، وهو قرية على ساحل البحر قريبة من تنيس، وقيل: هي ثياب كتان مخلوط بحرير، وقيل: هي ثياب من القز، وأصله القزي – بالزاي – منسوب إلى القز، وهو رديء الحرير، فأبدل من الزاي سين، وهذا القسي إن كان حريره أكثر من كتانه فالنهي عنه للتحريم، إلا فالكراهة للتنزيه. (شرح مسلم)
قال فيصل آل مبارك:” والقَسِيّ: ثياب مخلوطة بحرير، فإذا كان غير الحرير هو الأغلب جاز عند الجمهور.” (تطريز)
قوله (الاستبرق والديباج) وأما الإستبرق فغليظ الديباج، وأما الديباج فبفتح الدال وكسرها، جمعه دبابيج، وهو عجمي معرب الديبا، والديباج والإستبرق حرام؛ لأنهما من الحرير. (شرح مسلم)
قال فيصل آل مبارك:” والإِستبرق والديباج: صنفان من الحرير، وعطفهما عليه من عطف الخاص على العام” (تطريز)