24 – بَابُ مِنْ فَضَائِلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
123 – (2466) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمُ اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ»
124 – (2466) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ»
125 – (2467) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرُّزِّيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَجَنَازَتُهُ مَوْضُوعَةٌ – يَعْنِي سَعْدًا – اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ»
126 – (2468) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، يَقُولُ: أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حُلَّةُ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَلْمِسُونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا، فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ، خَيْرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ»
126 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبِ حَرِيرٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ هَذَا، أَوْ بِمِثْلِهِ.
126 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الْحَدِيثِ بِالْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا، كَرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ
127 – (2469) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّهُ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةٌ مِنْ سُنْدُسٍ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَنَادِيلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا»
127 – حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حُلَّةً فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ
=======
شرح الأحاديث:
أولاً: الأحاديث التي تكلمت عن موت سعد بن معاذ رضي الله عنه.
قوله: (اهتز لها عرش الرحمن) أي: اهتز لموت صاحبها عرش الرحمن – وعرش الرحمن وهو من المخلوقات، قال تعالى {وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} [هود: 7]، فهو جرم من الأجرام، ومخلوق كبقية العالم، وقد سمي بما يفهمه المخاطبون عنه، على أنه مقر الحكم وقاعة الملك، وسريره، ففي سورة يوسف: {ورفع أبويه على العرش} [يوسف: 100] وفي سورة النمل: {وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم} [النمل: 23] وفيها: {قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون} [النمل: 41].
وفي القرآن الكريم آيات تتحدث عن عرش الرحمن، كمظهر من مظاهر العظمة، منها قوله تعالى {قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم} [المؤمنون: 86]، {فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم} [المؤمنون: 116] {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} [الأعراف: 54] {وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد * فعال لما يريد} [البروج: 14 – 16] {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم} [غافر: 7] {وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم} [الزمر: 75].
واهتزاز هذا الجرم بإرادة الله تعالى أمر ممكن عقلا وشرعا.
قال الحاكم: الأحاديث التي تصرح باهتزاز عرش الرحمن مخرجة في الصحيحين، وليس لمعارضها في الصحيح ذكر. وسيأتي إن شاء الله نقولات أخرى.
ثانياً: الأحاديث التي تكلمت عن ما لسعد بن معاذ رضي الله عنه في الجنة.
(أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة حرير) في ملحق الرواية أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب حرير، وفي الرواية الخامسة أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس، وفي ملحقها أن أكيدر دومة الجندل أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة.
والأكثرون على أن الحلة – بضم الحاء وتشديد اللام المفتوحة – لا تكون إلا ثوبين، يحل أحدهما على الآخر، والبعض يقول: الحلة ثوب واحد جديد، قريب العهد بحله من طيه، ولما كان الثابت أن المهدي من أكيدر دومة الجندل كان قباء، وأنه صاحب القصة كان قول غير الأكثرين هنا هو الصحيح، ويؤول على قول الأكثرين.
والجبة: بضم الجيم وتشديد الباء ثوب سابغ، واسع الكمين، مشقوق المقدم، يلبس فوق الثياب،
والقباء: بفتح القاف ثوب يلبس فوق الثياب،
وأكيدر: بضم الهمزة تصغير أكدر، وهو أكيدر بن عبد الملك،
ودومة الجندل: بضم الدال وسكون الواو، بلد بين الحجاز والشام، مدينة قرب تبوك بها نخل وزرع وحصن، على عشر مراحل من المدينة، وثمان مراحل من دمشق، وكان أكيدر ملكها، وكان نصرانيا.
(فجعل أصحابه يلمسونها، ويعجبون من لينها) يلمسونها بضم الميم وكسرها، وفي رواية البخاري فجعل أصحابه يمسونها، وفي الرواية الخامسة فعجب الناس منها.
(أتعجبون من لين هذه؟) الاستفهام إنكاري توبيخي، بمعنى: لا ينبغي أن تعجبوا، يعني: لا تعجبوا.
(لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها، وألين) وفي رواية (والذي نفس محمد بيده إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا)، فاللام في لمناديل سعد في جواب قسم محذوف، وفي رواية البخاري خير منها أو ألين، والمناديل: جمع منديل بكسر الميم في المفرد، وهو هذا الذي يحمل في اليد. قال أهل اللغة: هو مشتق من الندل، وهو النقل؛ لأنه ينقل من واحد إلى واحد، وقيل: من الندل وهو الوسخ؛ لأنه يندل به، يقال: تندلت بالمنديل.
وَأَمَّا قَوْلُهُ لَهُ: (أَهْدَى أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ) واخْتِلَفوا فِي إِسْلَامِهِ وَنَسَبِهِ، وَأَنَّ (دَوْمَةَ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا. [انظر شرح المنهاج، وفتح المنعم]
فقه الحديث:
1 – في الحديث إشارة إلى عظيم منزلة سعد بن معاذ.
2 – وتبشير له بأنه من أهل الجنة.
3 – وأن أدنى ثيابه فيها خير من حرير الدنيا؛ لأن المنديل أدنى الثياب؛ لأنه معد للوسخ والامتهان فغيره أفضل. [فتح المنعم].
ترجمة الصحابي سعد بن معاذ رضي الله عنه:
الاسم: سَعْدُ بنُ مُعَاذِ بنِ النُّعْمَانِ بنِ امْرِئِ القَيْسِ الأَنْصَارِيُّ بْنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ. السَّيِّدُ الكَبِيْرُ، الشَّهِيْدُ، أَبُو عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، الأَشْهَلِيُّ، البَدْرِيُّ، الَّذِي اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِهِ.، يكنى: أبا عمرو، استشهد يوم الخندق.
وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُوْرَةٌ فِي الصِّحَاحِ، وَفِي السِّيْرَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ أَوْرَدْتُ جُمْلَةً مِنْ ذَلِكَ فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ)، فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ.
خلاصة ترجمته: أسلم بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية على يد مصعب بن عمير،
عزم سعد بن معاذ على قبيلته بأن يدخلوا الإسلام وقال بأن كلامه معهم حرام حتّى يدخلوا جميعهم في الإسلام، فأسلمت قبيلته بأكملها فكان من أكثر النّاس بركةٍ لأهله وقبيلته، وشهد بدرا، وأحدا والخندق،
ورمي يوم الخندق بسهم فقطع وريده من وسط الذراع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب فسطاط له في المسجد، يتمرض فيه، وكان يعوده في كل يوم، وكوي على جرحه، لكن يده انتفخت، ونزف الدم، فلما رأى ذلك قال: ” اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني في بني قريظة”. فاستمسك عرقه فما قطرت منه قطرة حتى نزل بنو قريظة على حكمه، فلما حكم فيهم بحكم الله انفتق عرقه، فمات شهيدا بعد شهر من الخندق، وبعد ليال من حكمه على بني قريظة.
وكان عمره سبعةٌ وثلاثون عاماً، وصلّى عليه الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- ودُفن في البقيع، وعندما خرجت جنازته صاحت أمّه فأخبرها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأن لا تجزع ولا تحزن وقال لها كما في حديث أسماء: (إنّ ابنَك أولُ مَن ضحك اللهُ له واهتزَّ له العرشُ).
قلت سيف بن دورة: فيه إسحاق بن راشد الرواي عن أسماء مجهول (تمييز)
بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فقال: ((لمناديل سعد في الجنة خير منها))
وقال رجل من الأنصار:
وما اهتز عرش الله من موت هالك ** علمنا به إلا لسعد أبي عمرو [فتح المنعم]
قصة الطواف:
قال الذهبي رحمه الله تعالى: أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ عمرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
انْطَلَقَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِراً، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ – وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ يَمُرُّ بِالمَدِيْنَةِ، فَيَنْزِلُ عَلَيْهِ-.
فَقَالَ أُمَيَّةُ لَهُ: انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَغَفِلَ النَّاسُ طُفْتَ.
فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوْفُ، إِذْ أَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنِ الَّذِي يَطُوْفُ آمِناً؟
قَالَ: أَنَا سَعْدٌ.
فَقَالَ: أَتَطُوْفُ آمِناً وَقَدْ آوَيْتُم مُحَمَّداً وَأَصْحَابَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَتَلاَحَيَا.
فَقَالَ أُمَيَّةُ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الحَكَمِ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الوَادِي.
فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللهِ لَوْ مَنَعْتَنِي، لَقَطَعْتُ عَلَيْكَ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ.
قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُوْلُ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ.
فَغَضِبَ، وَقَالَ: دَعْنَا مِنْكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ.
قَالَ: إِيَّايَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ.
فَكَادَ يُحْدِثُ، فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمِيْنَ مَا قَالَ لِي أَخِي اليَثْرِبِيُّ، زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّداً يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي.
قَالَتْ: وَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ.
فَلَمَّا خَرَجُوا لِبَدْرٍ، قَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوْكَ اليَثْرِبِيُّ.
فَأَرَادَ أَنْ لاَ يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الوَادِي، فَسِرْ مَعَنَا يَوْماً أَوْ يَوْمَيْنِ.
فَسَارَ مَعَهُمْ، فَقَتَلَهُ اللهُ.
[أخرجه أحمد 1/ 400، والبخاري (3632) في المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام، كلاهما من طريق: إسرائيل، عن أبي إسحاق، به.
وهو في الصحيح برقم (3950) في المغازي: باب ذكر النبي من يقتل ببدر.]
المشاهد، وتمني الشهادة:
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَشَهِدَ بَدْراً سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، وَرُمِيَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَعَاشَ شَهْراً، ثُمَّ انْتُقِضَ جُرْحُهُ، فَمَاتَ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى عَبْدُ اللهِ بنِ سَهْلٍ:
أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ فِي حِصْنِ بَنِي حَارِثَةَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأُمُّ سَعْدٍ مَعَهَا، فَعَبَرَ سَعْدٌ، عَلَيْهِ دِرْعٌ مُقَلَّصَةٌ، قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ ذِرَاعُهُ كُلُّهَا، وَفِي يَدِهِ حَرْبَةٌ يَرْفِلُ بِهَا، وَيَقُوْلُ:
لَبِّثْ قَلِيْلاً يَشْهدِ الهَيْجَا … حَمَلْ
لاَ بَاسَ بِالمَوْتِ … إِذَا حَانَ الأَجَلْ
يَعْنِي: حَمَلَ بنَ بَدْرٍ.
فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: أَيْ بُنَيَّ! قَدْ أَخَّرْتَ.
فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ سَعْدٍ! لَوَدِدْتُ أَنَّ دِرْعَ سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ مِمَّا هِيَ.
فُرُمِيَ سَعْدٌ بِسَهْمٍ قَطَعَ مِنْهُ الأَكْحَلَ، رَمَاهُ ابْنُ العَرِقَةِ، فَلَمَّا أَصَابَهُ، قَالَ: خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا ابْنُ العَرِقَةِ.
فَقَالَ: عَرَّقَ اللهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئاً فَأَبْقِنِي لَهَا، فَإِنَّهُ لاَ قَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُجَاهِدَهُم فِيْكَ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا نَبِيَّكَ وَكَذَّبُوْهُ وَأَخْرَجُوْهُ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْننَا وَبَيْنَهُم، فَاجْعَلْهَا لِي شِهَادَةً، وَلاَ تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ.
[رجاله ثقات. وهو في ” سيرة ابن هشام ” 2/ 226، وأخرجه أحمد 6/ 141 من طريق: يزيد، عن محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده علقمة بن وقاص … بنحوه أطول مما هنا – وهذا سند حسن في الشواهد. وفي ” الطبقات ” لابن سعد 3/ 2 / 3 ” يدرك ” بدل ” يشهد “، وفي ” أسد الغابة ” 3/ 373 ” يلحق ” بدل ” يشهد “، وفيها: ” جمل “، وهو تصحيف. وفي ” الإصابة ” 4/ 171 ” يلحق ” بدل ” يشهد “.]
قال الذهبي رحمه الله تعالى: هِشَامٌ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
رَمَى سَعْداً رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، يُقَالُ لَهُ: حِبَّانُ بنُ العَرِقَةِ، فَرَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ لِيَعُوْدَهُ مِنْ قَرِيْبٍ.
قَالَتْ: ثُمَّ إِنَّ كَلْمَهُ تَحَجَّرَ لِلْبُرْءِ.
قَالَتْ: فَدَعَا سَعْدٌ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ: وَإِنْ كُنْتَ قَدْ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُم فَافْجُرْهَا، وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيْهَا.
فَانْفَجَرَ مِنْ لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُم إِلاَّ وَالدَّمُ يَسِيْلُ.
فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الخَيْمَةِ! مَا هَذَا؟
فَإِذَا جُرْحُهُ يَغْذُو، فَمَاتَ مِنْهَا.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا. [أخرجه مسلم (1769) (67) في الجهاد: باب جواز قتال من نقض العهد، والبخاري (463) و (3901) و (4117) و (4122) في المغازي: باب مرجع النبي، صلى الله عليه وسلم، من غزوة الاحزاب. ويغذو بغين وذال معجمتين: يسل. والاكحل: عرق في وسط الذراع. واللبة: النحر].
وفي رواية أُخْرَى (فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ.
فَاسْتَمْسَكَ عَرَقُهُ، فَمَا قَطَرَتْ مِنْهُ قَطْرَةٌ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَكَمَ أَنْ يُقْتَلَ رِجَالُهُم، وَتُسْبَى نِسَاؤُهُم، وَذَرَارِيْهِم.
قَالَ: وَكَانُوا أَرْبَعَ مَائَةٍ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ قَتْلِهِم انْفَتَقَ عِرْقُهُ) [أخرجه أحمد 3/ 350، والدارمي 2/ 238 في السير: باب نزول أهل قريظة على حكم سعد ابن معاذ، وابن سعد 3/ 2 / 8].
وعن عائشة قالت: قدمنا من حج أو عمرة فتلقينا بذي الحليفة وكان غلمان من الأنصار تلقوا أهليهم فلقوا أسيد بن حضير فنعوا له امرأته فتقنع وجعل
يبكي فقلت: غفر الله لك، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك من السابقة والقدم ما لك، تبكي على امرأة؟ فكشف عن رأسه وقال: صدقت لعمري حقي أن لا أبكي على أحد بعد سعد بن معاذ وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال. قالت: قلت له: ما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ” لقد اهتز العرش لوفاة سعد بن معاذ “. قالت: وهو يسير بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت سيف بن دورة: هكذا رواه أحمد. وابن أبي شيبة من طريقين عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده علقمة عن عائشة قال ابن حجر إسناد حسن وكذلك الهيثمي
وعن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار كلهم من بني عبد الأشهل لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر.
قال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس. وعزاه الهيثمي مرة لأوسط الطبراني وقال رجاله ثقات إلا ابن إسحاق عنعنه. وهو في التاريخ الكبير للبخاري عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه عن عائشة به وعزاه أيضا ابن حجر للحاكم من طريق ابن إسحاق عن يحيى بن عباد به.
اهتز عرش الرحمن لموته
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ”
عَنْ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ بَعْضِ آلِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلاً
قَالَ:
وَمَا اهْتَزَّ عَرْشُ اللهِ مِنْ مَوْتِ هَالِكٍ … سَمِعْنَا بِهِ إلَّا لِسَعْدٍ أَبِي عَمْرِو
وسيأتي نقولات أهل العلم في قبول هذا الخبر.
واهتزاز العرش ذكر في نظم المتناثر في الحديث المتواتر
(4)) كل نادبة كاذبة إلا نادبة سعد
ولما دفنه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانصرف من جنازته، جعلت دموعه تحادر عَلَى لحيته، ويده في لحيته، وندبته أمه، فقالت:
ويل أم سعد سعدا براعة ونجدا
ويل أم سعد سعدا صرامة وجدًا
فقال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” كل نادبة كاذبة إلا نادبة سعد “.
قلت سيف بن دورة: ذكره أبونعيم عن ابن إسحاق بدون إسناد … .ثم قال رواه محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده عن عائشة. ورواه مجاهد عن ابن عباس نحوه.
وعزاه صاحب إكمال تهذيب الكمال لابن مندة. بينما ابن حجر قال أخرج ابن إسحاق بغير إسناد
(5)) نزل سبعون ألف ملك شهدوا جنازة سعد بن معاذ ما وطئوا الأرض قبل يومئذ
عن أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا حُمِلَتْ جِنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالَ الْمُنَافِقُونَ: مَا أَخَفَّ جِنَازَتُهُ.
وَذَلِكَ لِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ” إِنَّ الْمَلائِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ ”
قلت سيف بن دورة: هو في الصحيح المسند وقال مقبل الوادعي: حسن لغيره.
وقال سعد بْن أَبِي وقاص عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: ” لقد نزل من الملائكة في جنازة سعد بْن معاذ سبعون ألفًا ما وطئوا الأرض قبل، وبحق أعطاه اللَّه تعالى ذلك “.
قلت سيف بن دورة: رجح أبو زرعة أن الأصح رواية محمد بن بشر يعني عن نافع بلغني. العلل 2599 يعني مرسلا
وكذلك أشار البزار لذلك 5746
(7)) كان يفوح من قبر سعد المسك.
عَنْ رُبَيْحِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنْتُ مِمَّنْ حَفَرَ لِسَعْدٍ قَبْرَهُ بِالبَقِيْعِ فَكَانَ يَفُوْحُ عَلَيْنَا المِسْكُ كُلَّمَا حَفَرْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى اللَّحْدِ.
قلت سيف بن دورة: ربيح قال البخاري منكر الحديث
(8)) قال عنه صلى الله عليه وسلم لو نجى من ضمة القبر أحد لنجا سعد
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: لَمَّا انْتَهَوْا إِلَى قَبْرِ سَعْدٍ نَزَلَ فِيْهِ أَرْبَعَةٌ: الحَارِثُ بنُ أَوْسٍ وَأُسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ وَأَبُو نَائِلَةَ سِلْكَانُ وَسَلمَةُ بنُ سَلاَمَةَ بن وَقْشٍ وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاقِفٌ. فَلَمَّا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ تَغَيَّرَ وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَبَّحَ ثَلاَثاً فَسَبَّحَ المُسْلِمُوْنَ حَتَّى ارْتَجَّ البَقِيْعُ ثُمَّ كَبَّرَ ثَلاَثاً وَكَبَّرَ المُسْلِمُوْنَ فَسُئِلَ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: “تَضَايَقَ عَلَى صَاحِبِكُمُ القَبْرُ وضُمَّ ضَمَّةً لَوْ نَجَا مِنْهَا أحدٌ لَنَجَا هُوَ ثُمَّ فرَّج اللهُ عَنْهُ”.
قلت سيف بن دورة: على شرط الذيل على الصحيح المسند
عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِياً مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ”
——-
——-
[(2)] مواقف من حياة سعد بن معاذ:
حُكم سعد بن معاذ بحُكم الله -تعالى-
في حادثة بني قريظة؛ حيث كان بنو قريظة حلفاءً للأوس أيّام الجاهليّة، ثمّ خانوا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- خيانةً عظمى يوم الأحزاب، فحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم. فقال صلى الله عليه وسلم حكمت بحكم الملك.
نُصرة سعد بن معاذ للرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- يوم غزوة بدر؛ قال: (قد آمنا بك، فصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوّاً غداً إنّا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، ولعلّ الله يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله)،
ففرح النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بردّ سعد بن معاذ واستبشر خيراً في معركته مع قريش
نُصرة سعد بن معاذ للرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- في حادثة الإفك؛؛ فقال: (يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا فعلنا أمرك).
=====
إثبات اهتزاز العرش:
جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ).
قال الذهبي رحمه الله:
” هذا متواتر؛ أشهد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله “.
انتهى من “العلو للعلي الغفار” (ص 89).
ورواه تمام في ” فوائده ” (16) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، مِنْ فَرَحِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ)
وجوّد إسناده الألباني في “الصحيحة” (1288).
وفي ” السنة “، لعبد الله بن الإمام أحمد (1058): ” عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: ” لَقَدِ اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ جَلَّ وَعَزَّ بِجِنَازَةِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ فَفَسَّرَهُ الْحَسَنُ: فَرَحًا بروحهُ “.
ثانيا:
يجب إمرار أحاديث الصفات كما جاءت، وكذا ما يتعلق بها من أمور الغيب؛ فروى الآجري في “الشريعة” (3/ 1146) عن ” الْوَلِيد بْن مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ , وَالثَّوْرِيَّ , وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ , وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ: عَنِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الصِّفَاتُ؟ فَكُلُّهُمْ قَالَ: ” أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا تَفْسِيرٍ ” وفي رواية: ” أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفِيَّةٍ “. رواه البيهقي في “الاعتقاد” (ص/ 118).
ومن أن عقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الرب تعالى أنهم يثبتونها، ويثبتون معانيها التي تدلُّ عليها على حقيقتها ووضعها اللغوي، ويفوضون العلم بالكيفيات والماهيات، مع اعتقاد أنها لا يُفهم منها تشبيه الرب أو شيء من صفاته بالمخلوقين.
فنؤمن بأن الرحمن على العرش استوى، ونؤمن بأن العرش اهتز حقيقة لموت سعد بن معاذ رضي الله عنه، وقد ورد في بعض الأثر: أن ذلك من فرح الرب تعالى، على ما سبق، ولا يقال: كيف استوى الرحمن على العرش؟ كما لا يقال: كيف اهتز العرش لموت سعد؟ وإنما نُمرّ ذلك ونؤمن به بلا كيف، ولا تأويل، ولا تشبيه ولا تمثيل.
قال الذهبي رحمه الله:
” وَالعَرْشُ خَلْقٌ لِلِّهِ مُسَخَّرٌ، إِذَا شَاءَ أَنْ يَهْتَزَّ اهْتَزَّ بِمَشِيْئَةِ اللهِ، وَجَعَلَ فِيْهِ شُعُوْراً لِحُبِّ سَعْدٍ، كَمَا جَعَلَ تَعَالَى شُعُوْراً فِي جَبَلِ أُحُدٍ بِحُبِّهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ تَعَالَى: (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) سَبَأ/ 10، وَقَالَ: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ) الإِسْرَاءُ/ 44، ثُمَّ عَمَّمَ فَقَالَ: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) الإسراء/ 44، وَهَذَا حَقٌّ، وَفِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُوْدٍ: ” كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيْحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ ” وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ سَبِيْلُهُ الإِيْمَانُ ” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (3/ 183 – 184).
وقال البغوي رحمه الله:
” وَالأَوْلَى إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: (أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ)، وَلا يُنْكَرُ اهْتِزَازُ مَا لَا رَوْحَ فِيهِ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ، كَمَا اهْتَزَّ أُحُدٌ وَعَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَكَمَا اضْطَرَبَتِ الأُسْطُوَانَةُ عَلَى مُفَارَقَتِهِ ” انتهى من “شرح السنة” (14/ 180 – 181).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
” وَمَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اسْتِبْشَارُ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَفَرَحُهُمْ؛ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى مَا قَالَ … مَعَ أَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ وَلَفْظَهُ يَنْفِي هَذَا الِاحْتِمَالَ “.
انتهى من “مجموع الفتاوى” (6/ 554).
ثالثا:
ليس في اهتزاز العرش لموت مخلوق نقيصة للرب سبحانه، وأي نقيصة في ذلك؟ وسواء قدرنا أن الاهتزاز إنما كان من فرح العرش نفسه بمقدم روح سعد، رضي الله عنه، واستعظامه لذلك، على ما مر في كلام بعض أهل العلم، أو كان من فرح الرحمن جل جلاله ومحبته للقاء عبده سعد بن معاذ، رضي الله عنه، كما في الحديث: (مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ)
رواه البخاري (6507) ومسلم (2683).
فأي نقيصة تلحق العرش بذلك، فضلا عن أن ينسب منه نقص لرب العرش العظيم، جل جلاله؟!!
إن الأصل الذي ينبغي أن نبني عليه كلامنا: هو صحة الحديث من عدمه، وقد سبق بيان ثبوت الحديث من غير أدنى شك، وأنه متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكرنا كلام أهل العلم في توجيهه وبيانه.
واهتزاز العرش، وأطيط السماء، ونحو ذلك: ليس من صفة الرحمن جل جلاله، كما نبهنا، وإنما هو من صفة العرش المخلوق.
قال الذهبي رحمه الله:
” وَلَيْسَ لِلأَطِيطِ مَدْخَلٌ فِي الصِّفَاتِ أَبَدًا؛ بَلْ هُوَ كَاهْتِزَازِ الْعَرْشِ لِمَوْتِ سَعْدٍ، وَكَتَفَطُّرِ السَّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْو ذَلِك ” انتهى من “العلو” (107).
======
وفي 49 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند شرح نورس:
مسند أحمد 15029 – حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني معاذ بن رفاعة، عن محمود بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح، عن جابر بن عبد الله، قال: لما دفن سعد، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبح الناس معه طويلا، ثم كبر فكبر الناس، ثم قالوا: يا رسول الله مم سبحت؟ قال: ” لقد تضايق على هذا الرجل الصالح قبره حتى فرجه الله عنه “قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند، وهذا إسناد حسن وراجع تحقيق القول المسدد
ضمة القبر
قال الملا علي بن محمد القاري:
(سبح رسول الله – صلى الله عليه وسلم -): ولعل التسبيح كان للتعجب أو للتنزيه لإرادة تنزيه لإرادة تنزيهه تعالى أن يظلم أحدا، ثم رأيت ابن حجر قال: ومناسبة تسبيحه لمشاهدة التضييق على هذا العبد الصالح ظاهرة، إذ بشهود ذلك يستحضر الإنسان مقام جلال الله وعظمته، وأنه يفعل ما يشاء بمن يشاء، وهذا المقام يناسبه التنزيه لأنه مقام العزة الكبرى المقتضية لذلك التنزه فتأمل. . مرقاة المفاتيح (1/ 217 – 218)
قال العلامة الأثيوبي: وفي الحديث إثبات ضمة القبر، وضغطته، وفيه بيان عظم مرتبة سعد بن معاذ – رضي اللَّه عنه – عند اللَّه تعالى، حيث إنه تحرّك العرش لموته، وأن السماء فتحت لقدومه، وأنه شيعه سبعون ألفا، من الملائكة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. شرح المجتبى (20/ 98)
الضمة لا ينجوا منها حتى الصبي، و جاء عن أبي أيوب [لَوْ أُفْلِتَ أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ لأُفْلِتَ هذا الصبي] صحيح الجامع برقم (5238)
قلت سيف بن دورة: حديث (لو أفلت منها أحد لأفلت هذا الصبي) فقد رجح الدارقطني رواية الإرسال.
قال المناوي في فيض القدير (5/ 313): قال الحكيم: إنما لم يفلت منها أحد لأن المؤمن أشرق نور الإيمان بصدره لكنه باشر الشهوات … صارت الأرض عليه واجدة فإذا وجدته ببطنها ضمته ضمة فتدركه الرحمة وعلى قدر مجيئها يخلص فإن كان محسنا فإن رحمة الله قريب من المحسنين وقيل هي ضمة اشتياق لا ضمة سخط وظاهر الحديث أن الضمة لا ينجو منها أحد لكن استثنى الحكيم الأنبياء والأولياء فمال إلى أنهم لا يضمون ولا يسألون وأقول استثناؤه الأنبياء ظاهر وأما الأولياء فلا يكاد يصح ألا ترى إلى جلالة مقام سعد بن معاذ وقد ضم.
باب في ضغطة القبر
سؤال وجه للشيخ ا لألباني ونقلنا جواب الشيخ مع حذف المداخلات عن ضمة القبر فقال: هذا ألم شديد لكن لا يستمر، ضغطة واحدة ثم يعود كل شيء إلى طبيعته إن صالحًا فصالح وإن طالح فطالح كما شرحنا آنفًا من حيث أنه يفتح للميت طاقة في القبر.
“فتاوى رابغ” (2/ 36: 22: 00).
قوله (ضمة القبر) قال النسفي يقال أن ضمة القبر إنما أصلها أنها أمهم ومنها خلقوا فغابوا عنها الغيبة الطويلة فلما ردوا إليها ضمتهم ضمة الوالدة غاب عنها ولدها ثم قدم عليها فمن كان لله مطيعا ضمته برأفة ورفق ومن كان عاصيا ضمته بعنف سخطا منها عليه لربها. حاشية السندي على النسائي (4/ 100)
ضمة القبر للمؤمن ليست من قبيل العذاب
السؤال: ماذا تقولون في ضمة القبر التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو نجا منها أحد لنجا منها سعد) هل هذه الضمة تساوي ضمة الكافر أم لا؟ الجواب: لا يمكن أن يكون كذلك؛ لأن سعد بن معاذ قد اهتز لموته عرش الرحمن، ومع ذلك ينجو منها، ولذا فالذي يبدو -والله أعلم- أنها ليست بعذاب في حق مثله. فالكافر يضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه ويعذب بذلك، وأما المؤمن الذي هو دون سعد بن معاذ وغيره من الصحابة فيفسح له في قبره. شرح سنن ابي داود للعباد
قال المناوي في فيض القدير (2/ 167): ويمكن الجواب بأن المؤمن الكامل ينضم عليه ثم ينفرج عنه سريعا والمؤمن العاصي يطول ضمه ثم يتراخى عنه بعد وأن الكافر يدوم ضمه أو يكاد أن يدوم وبذلك يحصل التوفيق بين الحديثين ويزول التعارض من البين فتدبره فإني لم أره.
سئل العلامة العثيمين رحمه الله
صفة ضمة القبر للعبد المؤمن والفاجر
هل ضمة القبر للعبد الفاجر كضمتها للعبد المؤمن الموحد العاصي؟
الشيخ: لا.
ضمة القبر للمؤمن إذا صح الحديث فيها فإنها ضمة رحمة وحنان كضم الأم الحنون ابنها إلى صدرها، وأما ضم القبر للفاجر فإنه -والعياذ بالله- يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، أي: حتى يدخل بعضها ببعض من شدة الضيق، أعاذنا الله وإياكم من هذا.
[لقاء الباب المفتوح]
قال الشيخ صالح آل الشيخ: كذلك ضغطة القبر حقّ لا يسلم منها أحد، لا المسلم ولا غير المسلم؛ فالكافر يضغط حتى تختلف أضلاعه عذابا، وأما المؤمن فيضغطه القبر، قال أهل العلم: ضمة القبر للمسلم كضمة الحبيب للحبيب يصله منها بعض الأذى، ولكنها ضمة حبيب لحبيبه. يعني أن ضمة القبر حق، ولكنها للمؤمن ضمة حب، وللكافر ضمة بغض وعذاب، وهذا كله يضعه جل وعلا ويخلقه جل وعلا في الأرض، فتضم هذا وتضم هذا، وفرق بين تلك الضمّة وتلك الضمّة. [لمعة الاعتقاد]
قلت سيف: قال باحث ونقل الأقوال السابقة وزاد:
قال الحافظ الذهبي رحمه الله:
” هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء، بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألم فقد ولده وحميمه في الدنيا، وكما يجد من ألم مرضه، وألم خروج نفسه، وألم سؤاله في قبره وامتحانه، وألم تأثره ببكاء أهله عليه، وألم قيامه من قبره، وألم الموقف وهوله، وألم الورود على النار، ونحو ذلك. فهذه الأراجيف كلها قد تنال العبد، وما هي من عذاب القبر، ولا من عذاب جهنم قط، ولكن العبد التقي يرفق الله به في بعض ذلك أو كله، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه. قال الله تعالى: (وأنذرهم يوم الحسرة)، وقال: (وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر) فنسأل الله تعالى العفو واللطف الخفي. ومع هذه الهزات، فَسَعْدٌ – يعني ابن معاذ – ممن نعلم أنه من أهل الجنة، وأنه من أرفع الشهداء رضي الله عنه. كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هول في الدارين، ولا روع ولا ألم ولا خوف؟! سل ربك العافية، وأن يحشرنا في زمرة سعد ” انتهى.
” سير أعلام النبلاء ” (1/ 290 – 292)
وقال الشيخ النفراوي المالكي:
” وأما ضمَّةُ القبر فلا بد منها، وإن كانت تختلف باختلاف الدرجات ” انتهى.
” الفواكه الدواني ” (2/ 688)
والذي يظهر والله أعلم أن قول من قال أنها ضمه بألم أرجح في هذه المسألة، لدلالة ظاهر السنة عليه، وأن أحدا من المؤمنين، فضلا عن غيرهم، لا ينجو من ضمة القبر؛ وهذا يدل على شدة هذه الضمة، وأن لها ألما يصيب من ضمه قبره، وإن كان الناس يتفاوتون في ذلك، كل بحسب عمله وحاله. ولأجل ذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ضمة القبر في أسباب مغفرة الذنوب، قال: ” السبب الثامن ما يحصل فى القبر من الفتنة والضغطة والروعة فإن هذا مما يكفر به الخطايا”. انتهى. مجموع الفتاوى (7/ 500).
على أن الحديث الوارد في السؤال لا يدل على أن سعدا هو الوحيد الذي نجا من ضمة القبر، كما ظنه السائل، بل هو نص في أن سعدا رضي الله عنه لم ينج من ضمة القبر؛ وقد كان أولى الناس أن ينجو منها، لو كان أحد ناجيا. انتهى كلام الباحث